كانوا يجلسون على مائدة الطعام، يتناولون الطعام بسكينة مصطنعة فكل منهم غارق بأفكاره، لازال مشهد إمساكه ليدها و إختبائها خلفه منه يقبض على قلبه و يعتصره بقوة، تحتمي بأخر منه هو!، من وعدها بأنه سيكون أمانها و ملجأها، يراها تستغيث بملجأ و أمان آخر غير خواصه!، و لكن هل يلومها؟، لا بالتأكيد فهو من أوصلهم لهنا.
أما هو فكان يتذكر ذلك الإحساس الذي يداعب جنبات صدره بشوق كبير، كم أحب ذلك الشعور الذي يخالج دقات قلبه، نعم يعلم بأنه كان يدفعه الخوف و ليس الحب، لكن وراء كل خوف مطلب للأمان، و هى وجدت طلبها عندما استنجدت به، و هذا وحده كافي من مليون شعور ناجم عن حب، فأول مطالب الحب هو الشعور بالأمان، فها هو يخطو أول خطواته تجاه حبها ، و بها يخطو أول خطواته تجاه قلبها و لكم هو فخور بهذا الإنجاز، و لكن يظل هو ذاك البغيض، الذى يقف أمامه كالشوكة فى الحلق، لم يكن يمثل له خطرًا فى الماضي، فلنكن واضحين و صريحين، هو لم يكن يحبها، و هى لم تكن كذلك، و كانت صيدة سهلة لأي شبكة ملقاة أمامها، أما هذه فهى كالنجوم صعبة المنال، و هذا الظل البغيض يعشقها، ستحل عقدة بعد المسافة فهى عقدة سهل التعامل معها، أما عقدة ذلك الظل فلن تنحل إلا بموته و بإطاحته بعيدًا عن مباراة الحب المزعومة!، ليرفع رأسه ليجد بلال يرمقه بنيران الظل التى تتلمس إحراقه، ليبادله هو بنفس النظرات، و التى كانت بالنسبة لبلال مضحكة.
أما تلك البلهاء الجالسة بينهم كانت تنظر فى صحنها متعجبة، هل الطعام منقوص به الملح أم لا؟، غافلة عن صراع العيون الناشب جوارها، لتأخذ كوب من الماء لتشرب منه، مزامنة مع سماع تحدث سليم القائل ببراءة: ريمو هو إمتى هنحدد ميعاد الفرح؟.
لتقوم بإخراج الماء من فمها باصقة إياه فى وجه سليم بقوة، و هى تكح بحدة، بينما بلال لا يعرف هل يغضب من طلبه و يثور أم تعلو ضحكاته لعنان السماء، لكن حسم أمره عندما سمعها تقول: أنا أسفة معلش حقك عليا والله. لتتبع كلماتها و حديثها و هى تقترب منه و تريد مسح وجهه، ليقترب هو نازعًا المنشفة منها، و يقوم بمسح وجهه بحدة يفرغ فيه غضبه بقوة و هو يسيه بأشنع الألفاظ فى دواخله، لولا وجودها هى هنا لكان قالها على الملأ.
و قد أعترف بداخله، أن على هذه المهزلة الإنتهاء، فهو تحمل كل ذلك بأعجوبة، لا ينقصه بأن يكون شاهدًا على عقد قرانها الباطل ذلك، و يراها تزف لعدوه و تضيع منه مرة أخرى، ليبتعد سليم عنه بوجه محمر جدًا و يقول بحدة: إيه إنت غبي؟.
لتتوسع عيون بلال بحدة و سخرية و يجيب و هو يلقي المنشفة عليه و يقول: الحق عليا إني بمسح وشك، كنت خليتك بمايتك يمكن وشك يقشف أو كنت مرضت.
لتنظر له روميساء بأسف و حزن و هى تردد فى دواخلها بحزن: فعلًا خير تعمل شر تلقى، مش مثلًا يشكره لا يبجح فيه، ناس أخر زمن.
لتعيد نظرها لهم و تجدهم يرمقونها ببلاهة، لتقول هى بعدم فهم: مالكم فيه إيه؟.
ليقول بلال بأسف مصطنع: عندك حق فعلًا خير تعمل شر تلقى.
لتنظر ببلاهة مماثلة: إيه دا هو أنا كنت بتكلم بصوت عالي!.
ليهز سليم رأسه بحسرة، و لكنه قال: ها يا راميس هتفاتحي عيلتك إمتى فى تحديد الفرح؟.
لينظر له بلال و يقول بسخرية فر سره: أول مرة أشوف حد مصمم على تحديد ميعاد تأبينه و جزانته، فعلًا ناس أخر زمن.
لتقول روميساء بتوتر: بس يا سليم أنا لسـ.....
ليقاطعها هو و يقول بحزن: بس إيه يا راميس، إحنا كنا محددين الميعاد، بس لولا الحادثة اللي حصلت، و كان قبلها مؤتمرات بحثك، و دلوقتي فات ٣ شهور على الحادثة فليه نأخر، و هو مش خير البر عاجله برضو.
ليقول بلال بإقتناع داخلي فى سره: لو كان موتك هو الخير فليه لا، نعجل بيه و نتوكل على بركة الله.
لتقول هى بتوتر: هفاتح بابا فى الموضوع و هو هيبعتلك خبر.
ليقوم هو و يقول بسعادة: طيب، عايزة حاجة أجيبها و أنا جاي من الشغل.
لتنفي برأسها مع إبتسامة مهزوزة متكلفة، ليقوم هو بعجالة و يقبلها من وجنتها بسرعة و يركض للخارج، لا يعلم هل ليحتفظ بذلك الإحساس لوقت طويل، أم يهرب لحياته من يد بلال العازم على إنتزاعها؟.
أما هى فكانت مصدومة من فعلته الجريئة تلك و قد أحمرت وجنتها بقوة خجلًا، و هناك إحساس غريب قد جال بداخلها، أما هو فكان يركض خلفه يريد إنتزاع روحه بعد أن إنتزع عذرية وجنتها التى كان يحميها ليكون هو أول من يتمتع بها، ليجد ذلك اللص الذي تعود على السرقة كبقية أهل شعبه يسرقها منه بكل خبث كما سرق حياته قبلًا، لم تفرق معه سرقته السابقة لكن هذه ألهبته و بقوة، لكنه ببساطة رحل، و قد كُتِبَ له عمرًا، لكن لا بأس فهو سينتزعه فيما بعد.
ليدلف ليجدها على حالة التيه كما تركها، لينظر لها و يقول بحدة نوعًا ما: سرحانة فى إيه؟.
لتقول له بنفي: ولا حاجة، عن إذنك.
لتخرج هى و على وجهها ملامح الحزن فهى لم تنسى ما فعله، و كذلك لم تنسى بأنه لم يعتذر، تعلم أنه مريض و تعلم لماذا، لكن تشبيه بها و مقارنة بها معها و تشكيكه بأخلاقها آلمها، تعلم بأنه غير مقصود، و لكنها تألمت، لا تنتظر إعتذارًا كبيرًا، لكن تريد الشعور بذلك.
لتجده يسد عليها الطريق لترفع وجهها له بإستفسار لتجده يرمقها و يقول: تعالي معايا.
لتنقاد خلفه بطاعة كفتاة تتبع خطى والدها و تهتدي بها، ليصلى بعد ذلك لمكان خفي فى الحديقة، لتجده يقول بحب: الركن دا كان معمول لأحب واحدة لقلبي، كان معمول ليكِ إنتِ، كنت راسم في خيالي المكان دا و قد إيه هو شبهك، كنت خافيه عن عيون العالم كلها، كنت على طول قاعد هنا لإني على طول كنت بفكر فيكِ، كان المكان الوحيد اللي بقدر ألجأ ليه و أهرب ليه و عمره ما فشل فى إنه يهديني، علشان كدا جباك هنا تتعرفي على المكان اللي كان ونيسي فى بعادك.
كانت تسمع كلماته التي إخترقت قلبها بقوة و هى ترى تلك الحديقة الجميلة الصغيرة التى كانت بها أزهار الفل و الياسمين البيضاء الجميلة و أرجوحة صغيرة بيضاء صنعت لها خصيصًا.
لتقول بتعجب: و إشمعنى اللون الأبيض؟.
ليرد بحب و كأن ذلك اليوم ينعاد أمام عينيه كسريط سينمائي لا يغفل عنه، يروي أحداثه المتلاحقة بظهر غيب و يقول قبل ان تعرض أمامه، و كأنه يتخيل شئ ما و يظهر أمامه: لأن أول مرة شوفتك فيها، وقعت عينيا على ملاك نازل من السماء بهالة بيضاء جميلة، خطف قلبي وراه، ملاك رغم إنه وسط تشوه العالم إلا أنه لازال بيلمع و محافظ على نصاعته و لمعانه الخاص، ملاك نزل يحارب شياطيني و ينتصر عليها، أو ممكن نقول شيطاني إهتدت بسبب الملاك دا.
ختم كلماته و هو يطالعها بحب و هى تتأرجح على الأرجوحة الصغيرة تخفي خجلها و بعدها وقفت تتلاعب بين الزهور بدلال كفراشة ما.
أما هو فكان يتابع تحركاتها كنحلة بين الزهور تلتقط رحيقها من هنا و من هناك، تتحرك كفراشة فى جنبات صدره، ود لو يحويها داخله فتنشر عبقها الساحر بداخل قلبه له هو فقط، يحميها من الأعين الحاسدة لألا يصيبها مكروه.
لتقترب منه تسأله كتلميذ نجيب يتأكد من أداء مسائله و واجباته على أكمل وجه، لتجده يقول بهيام و بدون وعي: مش بيتباعوا فى الصيدليات دول صح؟!.
سؤال عبثي خرج من فمه بطريقة جعلته أبلهًا بعض الشئ، لتعقد حاجبيها و قالت بإستفسار: إيه هما؟.
ليرد هو بحب: عيونك دول مش بيتباعوا فى الصيدليات؟!.
لتخجل بعض الشئ و تنظر أرضًا و قالت: ليه يعني؟.
ليقول بتنهيدة حب خرجت من صدره تبثها أشواقها: أصلي إكتشفت طفرة جديدة فى علم الطب، هو إن عيونك بتسكن الألم.
لتتورد وجنتيها بقوة و تحمر كالطماطم، ليقول هو بمشاكسة: ما بلاش الطماطم دي.
لتحمر بشدة وجنتيها ليقول بنبرة بمشاكسة زائدة: أنا جعان و لو فضل الحال على كدا، كدا هموت و أدوقهم و تروح حساسيتي للطماطم لجهنم، بس للأسف مش حلالي
لترفع رأسها بغضب لتجاوزه بالحديث معها، لتخلع حذائها و تركض خلفه، بعدما ركض هو عندما رآها تخلع حذاءها، لتقول بحدة: خد هنا تعالى أدوقك طعم اللي فى رجلي و أخد ثواب إفطار صائم تعالى.
ليقول بمزاح يحمل فى داخله غل و حسرة: إيه ما كان البساط أحمدي مع سليم، ولا هو حرام على بلال المسكين و حلال على الطيور من كل لون!.
لتركض خلفه بقوة و عزم أكبر و تقول: والله ما هسيبك، فاكرني فرحانة، دا أنا عايزة ماية نار تحرق وشي.
ليتوقف عن الركض و هو يتوجه نحوها و يقول بسخط: إياك أسمعك بتقولي على نفسك حاجة زي كدا تاني، بس ممكن نكوي بيها وش سليم برضو مش وحش.
لتطالعه و كأنه كائن ذو رأسين، لتجده يحادث اللواء محسن و يقول بعنف: المهزلة دي تحط ليها حد و تخلص فى أقرب وقت، دا عايز يتجوزها.
ليقهقه هو و يقول له بإستفزاز: ما تسيبه يتجوزها يا أخي مش خطيبته و مسيره يتجوزها، مالك زعلان ليه.
ليقول هو بحدة و هو يكور يديه: عمي، متستفزنيش و إلا هتصرف من دماغي زي ما إتعودت.
ليجيبه الأخر بسخرية: و مادام إنت قررت أهو يا ظل، بتعرفني ليه.
ليجيبه الآخر بإستفزاز: تحصيل حاصل زي كل مرة، علشان والدي الله يرحمه رباني مينفعش أعمل حاجة من ورا حد مادام مش غلط.
ليختم كلماته بغلق المكالمة و هو يطالع تلك المدهوشة جواره و قال بحب: مستعدة نبدأ اللعب يا ريمي.
لتنظر له بقلق، و هى تشعر بشئ ما فى دواخلها غير مريح، لتنظر هاجر تدلف نحوهم و هى تقدم تلك القهوة التى لاحظت بأنها تأتيه بشكل متكرر باليوم، لتجده يأخذها و يشكرها، لتقول هى بتساؤل: من إمتى بتشرب قهوة كتير.
ليجيبها بلهفة أجاد تصنعها: أصلها حلوة قوي قوي و طعمها حلو.
لتجيبه الآخرى بغيرة بعض الشئ، فهى تعتقده يتغزل بهاجر بطريقة ملتوية: طب ما تخليني أدوق القهوة الحلوة دي يمكن تعجبني و أعملنا منها على طول.
ليصيح بها بحدة و قال: إياك تشربي منها أبدًا فاهمة.
لتقول بحدة مماثلة: ليه يعني فيها إيه؟، ولا إنت مش بتحب حد يدوق حاجة من تحت إيد هاجر هانم.
ليعلو صوته بحدة أكبر و قال: صوتك ميترفعش عليا أحسنلك، و اللي عندي قولته، و فكري زي ما تفكري ميهمنيش.
ليتركها و يدلف للداخل، يتركها وسط نيران غيرتها و صغر نفسها و دموعها و ضعفها و خوفها منه، لتدلف بعدها هى لغرفتها رافضة للخروج و قد عزمت على فعل شئ لن تحمد عقباه.
متنسوش تشاركوني توقعاتكم و رأيكم للأحداث اللي جاية، و رأيكم فى الأحداث دي، متنسوش الڤوت و الكومنت اللي بيفرحوني👀❤️✨حطوا الرواية فى مكتباتكم علشان يوصلكم إشعار بالفصول أول بأول❤️، لو لسه معملتوش ڤولو أعملوا و شيروا الرواية بينكم و بين بعض، لأنها هتبكر بفضل ربنا و بدعمكم ليها و ليا❤️❤️دمتم بخير و سالمين ❤️✨
#أتلمس_طيفك
#الظل_المشرق_بالليل
#صراع_الوطن_و_العلم_تحت_راية_الحب
#بقلمي_مريم_يوسف_زكي
#أزرا❤️🪐🖋️