بَيْنَ الرّذاذْ

Da Anestazia

989K 65.8K 222K

انتصف المسرح ووقف أمام منصة المايكروفون بينما يحافظ على هدوء اعترفت لنفسي انه قطع شوطاً كبيراً في قدرته على ا... Altro

قبل البداية
1. كما أريده ! العارض البديل ،،
2. سوء فهم !
3. قبول ، وجنون !
4. قبول العرض مقابل المال ..!
5. أنانية !
6. اعتذار ، وتهور جديد !
7. الخطة الجديدة !
8. العودة إلى نقطة البداية !
9. الهدية الأولى ،،
10. المِصيدة ،،
11. كلمةُ عتاب ، ولكمَة !
12. لِقاء في وَسط الزحَام ..
13. رِحلَةُ عَملْ ،،
14. التجربة الأولى ،،
15. العناية بالآنسة مزيفة ،،
16. مُنحنى آخر !
17. أوامر ، وفرصة جديدة !
18. التمسك بالهدف !
19. نزهة و يدٌ للعون!
20. عشاء ، واقتراح !
21. فوضى المشاعر !
22. لقاء ، وشك !
23. عُمق ، وإدراك !
24. عزلة الظِلال !
25. منهج مثالي .. ملّطخ!
26. جودة أداء سيء !
27. تراجع ، وتقدم !
28. مَسار خاطئ !
29. مُجرد أداة !
30. اتجاهات مختلفة ~
31. رجل مزيف !
32. زِحام..!
33. تنافر!
35. دماء ، ورجاء !

34. جُزء .. مفقود !

15.5K 1.1K 2.8K
Da Anestazia





انتبهت لندبة كبيرة على جانب وجهه قريبة من أذنه اليسرى وبدت قديمة بعض الشيء ، كما لمحت يده التي كانت تحكم قبضتها على هاتفه وهو يبدو مترقباً بِشدة لشيء ما !

ولأن الباب مغلق بالفعل ولا يمكنه الدخول لجأت إلى حيلة سريعة وقد وضعت هاتفي على أذني بينما أقول بهدوء : اختبأتِ بسببه ؟

لحظات حتى أتى صوتها من خلف الركن ولم تُخفى عني الرجفة الطفيفة فيه : سأمنحكَ المزيد من القسائم ولكن .. تصرف وكأنك لا تراه وحسب ! طالما أنهيت التنظيف أغلق الإنارة وتظاهر بالمغادرة !

هكذا إذاً ..

ابقيت هاتفي على أذني وقلت بجدية : ابقي حَيث أنتِ .

اعدت ناظري إلى ذلك الرجل وقد ابتسَمتُ بهدوء أتظاهر بإنهاء المكالمة وأدس الهاتف في جيبي ..

أتصرف وكأنني لا أراه ؟ هذه الفتاة لا تتصرف بحكمة أبداً ! ستثير حيرته واستنكاره بمقترحاتها وحسب ..

ومع أنني لا أريد التورط أكثر في شؤونها فلا شيء جيد يأتي من وراء هذه الفتاة ولكن ..

تبدو حذرة جداً بالفعل ولا يمكنني تجاهل الأمر مهما حاولت !

اقتربت من الباب وقمت بفتحه بالمفتاح أُبقي كتفي على الباب بينما أتساءل بهدوء : مرحباً ، يمكنني مساعدتك ؟

نظر إلي بعينيه البُنية الحادة وتفحصني بتمعن قبل أن يحك عنقه ويتساءل بصوت مبحوح بنبرة عالية غير متزنة : متى يتم افتتاح المقهى صباحاً ؟

عقدت حاجباي أخفض رأسي فوراً أكبح انزعاجي الشديد من رائحة الشراب التي تفوح منه ممزوجة بالسجائر بوضوح وأكاد أستطيع تخمين ما قد تناوله للتو حتى ! ..

رسم على ثغره ابتسامة مترقبة وهو ينظر إلي بفضول : أخبرني .. لابد وأنك تعرف كافة زملائك هنا ، أبحث عن شخص ما و..

_ سيدي ، انتهى وقت عملي بالفعل ..

أضفت أحدق إليه بترقب : يُفتتح المقهى في تمام السابعة صباحاً ، ترغب في تجربة القهوة أو المخبوزات التي نقدمها ؟

تلاشت ابتسامته قليلاً وهو ينظر إلى الداخل قبل أن يعيد ناظره إلي وترنح بعض الشيء ليسند نفسه بيده التي استقرت على طرف الباب ، عاد لسانه الملتوي إثر ثمالته ليتحرك بينما يتساءل : أنصت .. هناك من أبحث عنها ! سمعتُ أنها تعمل هنا ، دعني أسألك أولاً ! طالبة جامعية تُدعى تاتيانا .. لا بد وأنك تعرفها !

حافظت على هدوئي بينما أستمر في التحديق إليه بترقب ..

إلّا أن هدوئي قد تذبذب أثر قوله بابتسامة عابثة ويده اليمنى يحك بها صدره دون توقف : هي تعمل هنا بلا شك ! تعامَلت معها ؟ تتحدث إليها؟

انتابني الإشمئزاز الشديد ما ان اقترب قليلاً وهمس بينما تحافظ ابتسامته العابثة على موقعها : متى تكون متواجدة تحديداً ؟

_ أعتقد أنك مُخطئ ، لم أسمع بهذا الإسم هنا ، لا في الوردية الصباحية أو حتى المسائية.

أردفت بجمود : غادر من فضلك.

اتسعت ابتسامته مُهدئاً وهو يرفع كلتا يديه فوراً : على رسلك أيها الشاب لما أصبحت عدائياً فجأة !

_ سأكرر هذا مجدداً ، انتهي عملي بالفعل .

قلت ذلك بينما أدفع الباب لأغلقه ولكن قوله قد استوقفني وهو يقول بتهكم وجفاء : السابعة صباحاً إذاً .. لا بأس ، أتوق لتجربة المخبوزات الطازجة وفنجان قهوة ساخن.

نظرت إليه بهدوء مطولاً أحدق إلى ابتسامته الماكرة بصمت..

هو على يقين أنها تعمل هنا ، يبدو واثقاً من قوله.

من يكون تحديداً !! أياً تكن هويته كل ما أعرفه انه رجل نتن غير سوي !

هل سيتحتم عليها ان تغير توقيت ورديتها لتتفاداه إذاً ؟

لا حل سوى .. الكذب! ، وهذا ما فعلته إذ تنهدت وقلت أمرر يدي اليسرى على شعري أصيغ كلماتي بهدوء : تم تعييني هنا مؤخراً ، ليست المرة الأولى التي أقابل فيها من يسأل عن تلك المدعوة تاتيانا ، يقول زملائي أنها كانت تعمل هنا بالفعل ، واستقالت قبل فترة وجيزة.

ظهرت تقطيبة صغيرة بين حاجبيه وقد تعلقت عيناه علي بشيء من التفاجؤ يجوبه الاستنكار لأكمل ببرود : أنا هنا بديلاً لها ، لذا ابحث عنها في مكان آخر.

استنكرت علو صوته وهو يتساءل بعدم اقتناع والغضب ينتابه تدريجياً : غادرت المقهى !! إلى أين هربت مجدداً تلك الصغيرة العاهرة!

رفع يمناه يحك شعر رأسه الخفيف المليء بالشيب وهو يتذمر مزمجراً بغيظ : اللعنة !

برزت عروق عينيه وبدت محمرة بشدة وهو يعض على شفتيه غيظاً قبل أن يقول يجز على أسنانه بقهر واضح : تاتيانا ..

هذا الرجل ..

نواياه تنضح من كلتا عينيه بوضوح ، الحقد والكراهية يتنافسان على التربع على عرش ملامحه وقد فشل في كبح نفسه وهو يقضم ظفر ابهامه الأيمن يهمس وهو يستدير : لن أبقي عظمة واحدة سليمة في جسدها ، المُحتالة الحقيرة !

عقدت حاجباي بإستنكار أنظر إليه بإشمئزاز ولكنني سرعان ما أجفلتُ إثر صوت مُدوي خلفي في ركن القهوة بدى لوقوع إحدى أدوات الركن فالتفتُ بإضطراب مدركاً إلا كون ذلك الثمل قد انتبه واستدار أيضاً ..

تلك .. المتهورة!

أسرعت أنظر إليه أرتدي قناع البرود بينما أقول بإيجاز شديد : أبقيتُ الباب مفتوحاً ، أخشى أنكَ تسببتَ بدخول أحد الجرذان الفضولية ..

ارتجفت شفتيه إثر غيظه الذي لازال يسيطر عليه ، بل واقترب يقلص المسافة مجدداً وتفاجأت به يقول بحنق : دعني ألقي نظرة ، لعلها تركت خلفها شيئاً ، ابتعد!

أمسكت بيده بقوة ، تحديداً رسغه وقلت بجفاء : أخبرتك للتو .. غادر!

_ لن أطيل البقاء ! علي العثور على ..

تأوه بألم وصاح بي بغضب : م .. مهلاً أيها الوغد !

انحنى يمسك برسغه بيده الأخرى فقلت بهدوء : آسف ، لا أميل إلى العنف ولكنني اضطررت إلى ذلك.

أعقبت أشير له بيمناي نحو الشارع : عمت مساءً ..

رفع عيناه نحوي بغضب يمرر يده على رسغه محاولاً تخفيف ألمه وهو يتراجع بخطوات مترنحة قبل أن يشتمني هامساً بسخط : سافل، لن أتردد في تقديم شكوى عنك !

أومأتُ مسايراً بهدوء : لسوء حظك كاميرات المراقبة فوق رأسك مباشرة تشهد على محاولاتك لاقتحام المقهى ، ولكن حظاً موفقاً.

رفع رأسه فوراً ليلمحها في الزوايا في الأعلى قبل أن يتراجع للوراء وقد أثار اشمئزازي كونه قد بصق على الأرض قرب قدمي وغادر يستكمل شتمي بصوت عالي ..

بقيت في مكاني أنظر إليه بهدوء بينما يترنح ويدفع بعض المارة بكتفه يحتضن رسغه إليه متألماً بوضوح ..

أخفضت ناظري إلى يدي أحدق إليها بصمت ..

ليس من عادتي التصرف هكذا ! كما ليس من السهل استفزازي ولكن هذا الرجل ..

زفرتُ ودخلت أغلق الباب بالمفتاح وأنا أقول بهدوء : لقد رحل.

صمت تام ..

التفتُ نحو ركن القهوة أنتظر ان ترفع رأسها وتظهر نفسها ولكنها لم تفعل !

أغمضت عيناي بإنهاك ونفاذ صبر وقلت بلا حيلة : يمكنكِ الخروج الآن ، لا أظنه سيعود بدى مقتنعاً بكذبتي تلك ..

أضفت بينما أتقدم نحو ركن القهوة : كما سمعتِ ، أخبرته بأنكِ غادرت المقهى وتم تعييني هنا بدلاً منك لـ.

التزمت الصمت تماماً أنظر إلى ركن القهوة الفارغ تماماً ..

هل غادرت عندما لمحته يرحل فوراً ؟!!

رفعت حاجباي بحيرة أنظر إلى قسائم الشراء الموضوعة على رخامة الركن وقد تناولتها بيدي أنظر إليها ..

الكثير من القسائم المتنوعة !

وضعتها هنا دفعة واحدة دون تردد ..!

" سأمنحكَ المَزيد من القسائم ولكن .. تصرف وكأنك لا تراه وحسب ! طالما أنهيت التنظيف أغلق الإنارة وتظاهر بالمغادرة ! "

تردد صدى قولها في رأسي وقد اسندت كلا مرفقاي على الرخامة أستمر في التحديق إلى القسائم ..

هل هذه طريقتها الملتوية في قول شكراً ؟

رفعت عيناي نحو الزاوية البعيدة حيث المطبخ ، إذ يؤدي إلى الباب الخلفي للخروج ، لابد وأنها خرجت قبل لحظات فقط!

أعدت ناظري إلى القسائم بينما أخذ نفساً عميقاً تحول إلى سعال خفيف فوراً ما أن لمحتُ إحدى القسائم للملابس الداخلية النسائية !

هذه الــ.. ـتاتيانا !

كَتـاليـا :

ابقيت بينديكت بين يداي أداعب رأسه أقاوم رغبتي في النوم ، ارتخت ملامحي بينما أسند مرفقاي على النافذة بصبر حتى لمحت أخيراً كارل الذي عاد ! التفت للوراء ونظرت إلى دانيال الذي يجلس على الأريكة بينما يقرأ العرض الجديد الذي أخبرته عنه للترويج للعبة حصرية رياضية بتململ محاولة انتشاله من مزاجه السيء بسبب موضوع تغيب والده أو حتى كل ما حدث على اليخت ..

أنزلت بينديكت على الأرض وقلت منبهة لدانيال : لقد عاد كارل أخيراً ، يمكنكما الآن الحديث و..

قطعت كلماتي بينما أراه يسرع بالإستلقاء على الأريكة ويلتقط وسائدها ليضع إحداها على رأسه والأخرى بين قدميه..

م .. ما هذا فجأة !!

هل هذه طريقته في .. الترحيب بكارل ببرود وجفاء ؟ بأن يبدو وكأنه قد نام بلا اكتراث ؟

ضاقت عيناي وعلقت بإستخفاف : دانيال .. هل أنت جاد؟

تجاهل سؤالي وقال بإمتعاض : سأنام هنا لذا لا تزعجيني .

_ كنت تتصفح العرض الآن فقط هل حلت عليك الرغبة في النوم فجأة !!

_ كما ترين.

_ دانيال لا يمكنك تجاهل كارل أكثر !

قلت ذلك بينما أقترب منه أحاول انتزاع الوسادة من يده ، لا يمكنه أن يكون جاداً فحتى بوجود السيدة مارثا التي بقيت مع لاري كان ذهنه مشتت بوضوح ومزاجه سيء ! كان من الواضح أنه يحترق غيظاً بنفاذ صبر إثر حديثه مع كارل فور عودتنا .. وها هو الآن يميل إلى العناد مجدداً..

تأففت بضجر وقلتُ أحاول انتزاعها عن رأسه بينما يمسكها بقوة : دانيال أنا لا أنوي التدخل في شؤونكم الخاصة ولكنني أعلم جيداً أن أداءك في العمل سيكون سيئاً جداً جراء هذا الشجار بينكما ! لذا احرص على حل مشاكلك الشخصية أولاً !

الهدوء يعم المكان سوى من صوتي ، لاري قد خلد إلى النوم بعد مغادرة مارثا فوراً ، كما وقد تناولنا العشاء بالفعل ولا شيء الآن يرغمني على البقاء يقظة إلا رغبتي في ضمان عدم حدوث أي شجار بينهما وحسب.

يكفيني ذلك الجرح على طرف شفتيه والذي سأكون مضطرة لاخفاءه قبل دخوله إلى مقر المجلة !

شعرت بالإنهاك جراء محاولاتي وقد توقفت عن سحب الوسادة لأقول بحزم : أن تتفاهما أو لا هذا أمر راجع لكما ، ولكنني لن أسمح بأي شجار !

تمتمت أسفل الوسادة بحدة : أنا نائم ، أعلميه بذلك.

" أنت لا تتحدث أثناء نومك دان"

قيلت بصوت هادئ خلفي فالتفت لأرى كارل الذي ينظر إلى دانيال بترقب ، حينها وجهت إليه حديثي وقلت بتحذير : أن تتفاهم مع أخاك أو تتخاصما هذا أمر يرجع إليكما ولكن غير مسموح لك لكمه أو صفعه على وجهه .

زمجر دانيال يُبعد الوسادة عن وجهه : متلازمة هوس العمل ؟

علق كارل بهدوء : استيقظت ؟

رمقه دانيال بِحدة وأعاد الوسادة على رأسه فزفرتُ وتكتفت بترقب..

أخفض كارل عينيه الزرقاء قليلاً قبل أن يقول بإتزان : آنسة كتاليا ، إن كان سيواصل تجاهلي ، فهل لديكِ شيء لتقوليه حول ما حدث في البث المباشر؟

ارتخت ملامحي ونظرت إليه للحظة فوجدته يترقب بهدوء دون حركة ..

لا أدري حتى بما علي قوله له !

لا يجب أن أخالف كلمات أبي مجدداً ، عندما قال بأنني ودانيال سنتواعد أمام الجميع .. فهو لم يستثني أي شخص ! ربما سأضطر للكذب على الجميع بمن فيهم كارل وعائلته ، أصدقائي وزملائي والجميع دون استثناء ..

ما حدث في البث يشير إلى وجود علاقة بيني وبين دانيال ولا مفر من هذا ..!

ولكن .. ليس وكأنه من السهل اقناع كارل بهذا ..!

التفت أنظر إلى دانيال الذي بقي على حاله يضع على رأسه الوسادة ولم يكلف نفسه عناء قول كلمة !

ولكنني سرعان ما أجفلت ما ان ابعد الوسادة عن رأسه وقال بحزم يوجه حديثه إلى كارل : لا يجيب أبي على هاتفه ، ما قولك أنت الآن؟

أجابه فوراً بهدوء : لا يجيب على مكالماتي أنا أيضاً .

_ ثم ماذا ؟

_ لماذا قد يكون الجواب بحوزتي !

_ لأنك من تركه يرحل مثلاً ؟

_ من كان متغيباً منذ الأمس ؟!

_ ستلقي اللوم علي مجدداً كارل !

_ إذاً ستميل إلى عتابي أنا بينما تخلي مسؤوليتك وحسب ؟ إلى متى ستسمر في توجيه أصابع الاتهام والعتاب إلى الآخرين دانيال!

علا صوت دانيال وهو يقف ليقول بحدة : ما الذي كنت تلتزم الصمت بشأنه منذ زمن ؟ لماذا لم تكن واضحاً معي يوماً أنا أنتظر جوابك!

نبح بينديكت بشيء من الانفعال فأسرعت أهدئه بصوت خافت ..

لقد .. عادا للشجار مجدداً..

وقفت بحذر بينهما تقريباً على أهبة للإستعداد في حال هجوم أحدهما على الأخر !

نفي كارل برأسه يستعيد هدوءه : دانيال .. لن تستوعب أي كلمة سأقولها طالما ستتصرف بعصبية وأعصاب حادة ، لنفصل أولاً بين هذا الموضوع وذاك بشأن أبي ولا تخلط الأمور ببعضها.!

أومأ برأسه رداً على كلماته وقال بتهكم ممزوج بالقهر بوضوح : إليك هذا ! لنفصل هذا عن ذاك والآن تحدث.

نظر كارل إلي بتردد واضح وبريق مضطرب في كلتا عينيه ، فأسرعت أقول بِجدية : هل أنسحب؟

أطرق برأسه قليلاً قبل أن يقول بلا حيلة وهو يجلس على الأريكة المنفردة : كُنتُ سأخبركِ بالأمر قبل فترة ، أنا لن أتهرب أكثر أو أؤجل الحديث بهذا الشأن لذا لا بأس بأن تنصتي .

كان ينوي اعلامي بالأمر ؟

عقدت حاجباي بإستنكار وقد نظرت إلى دانيال الذي جلس على الأريكة فوراً ينظر إليه بترقب وحزم يضع الوسادة على حجره وكلتا عينيه الزمردية تتفرس في وجه كارل بنفاذ صبر.

أياً يكن ما سيقوله كارل ، ففي النهاية علي الالتزام بأوامر أبي ! لا يجب أن يعلم عن كونها مجرد مواعدة مؤقتة..

وإن كان كارل محل ثقة أو أقرب شخص إلى دانيال ولكن..

زميت شفتاي بينما أتجه إلى الأريكة التي يجلس عليها دانيال وجلست بجانبه على بُعد مسافة كافية أنظر إلى كارل بترقب .

نظر إلى كلانا قبل ان تستقر عيناه على دانيال ليتفوه مباشرة بما جعلنا نحدق إليه بعدم استيعاب : أنتَ تستغلها وحسب.

هاه !

رمقني دانيال بنظرة سريعة بإستنكار قبل أن يعيد ناظره إلى كارل في حين قلتُ بعدم فهم : يستغلني أنا ؟

أغمض عينيه وأعاد ظهره للوراء وهو يتمتم : أعلم أنك لا تدرك ما تقوم به ، ولكنك تميل إلى التمسك بمن هم على نقيض منك ، أو بمن يمكنكَ انتقادهم طوال الوقت دان ، تماماً كما كنت تفعل بي ، بدامين ، وحتى بكيفين.

رمقت دانيال بطرف عيني فوجدته ينظر إليه بصمت وترقب ليكمل كارل قوله يفتح عيناه ويبادله النظرات بشيء من الإحباط بوضوح: هل ما دفعك لقبول العمل معها كان لتلفت أنظار دامين مجدداً ؟ لتستغل وجودها في تغذية حاجتك الماسة لتبرز نفسك كرجل مثالي يجيد تصحيح مسار الآخرين؟

أعقب ينتزع عيناه عنه : لطالما تلقى كيفين كلمات قاسية جارحة منك ، لم تتوقف يوماً عن ازعاجه بكلماتك دان ، عن انتقاده بصوت عالي والتقليل من شأنه والتركيز على عيوبه متغاظياً عن الجوانب الجيدة منه ! كما لم تتوقف عن معايرتي بمناعتي الضعيفة قبل سنوات ، لم تتوقف عن احراجي أمام الجميع أو عن لفت الانتباه إلى جانبي الضعيف المنهك لتبدو أنت قوياً إلى جانبي ، الأمر سيان بالنسبة إلى دامين .. الذي انهالت عليه الإهانات من أهالي القرية بسبب كلماتك التي حفزتهم على الحديث عنه او التعرض له وقد ظننت أنك تقوم بالعكس.

أومأ دانيال وقد تفاجأت برجفة غريبة بصوته وهو يقول يجز على فكيه : نعم ولم يصارحني أحدكم بهذا ، ماذا أيضاً ؟  هناك أمور مشوشة لا يمكنني تذكرها وعليك أن ترغمني حالاً على تذكر كل ما حدث كارل ! لماذا أنا السبب في عاهة دامين ؟ لماذا أتذكر وجودي فوق سطح ما وقد كنت على وشك القفز منه  ؟ ما الذي .. قادني لفعل هذا ؟ لماذا سقط دامين وعاد بتلك الحالة بحق الإله؟!

نظر كارل إلى دانيال بهدوء وقد كانت ملامحه مترعة بالضيق وهو يهز قدمه بخفة إثر توتره الواضح ، في حين لمحتُ يد دانيال التي تحكم قبضتها على الوسادة بقوة ..

بدت الرجفة واضحة في أنامله ، في شفتيه ، وفي الطريقة التي يطرف بها بكلتا عينيه ..

لم يكن متوتراً وحسب ..

بقيت أنظر إليه حتى تحدث كارل أخيراً : ذات مرة ، هرعتَ إلينا بحماس بالغ ورغبت في مشاركتنا إحدى انجازاتك في الفصل .. ولكنك وجدت أبي مشغول البال وهو يخرجني من المشفى ويبحث عن دواء لدامين الذي أصاب نفسه بجرح بالغ في مرفقه بعد أن وقع من على درج المنزل.

أكمل يشيح بوجهه بعيداً : كان من السهل رؤية الإحباط والغيرة على وجهك دانيال ، ولكن كان من الصعب على أبي أن يدرك ذلك فوراً وقد كان ذهنه مشغولاً بي وبدامين في آن واحد ، انسحبتَ حينها وقد التزمت الصمت تماماً وقد غمرك الإحباط بعد الحماس.

انتابني شيء من الضيق في صدري إثر كلماته وقد القيت على دانيال نظرة سريعة لأراه يترقب قول كارل بصمت وعندما طال صمت الأخير حفزه دانيال بنفاذ صبر : ثم ماذا ؟

_ فعلتَ الكثير لتلفت النظر إليك ، فعلت الكثير دان ..

أعقب بهدوء : اليوم الذي يليه كنت تميل إلى التصرف بعدائية وعنف ، عندما ذهبنا نحن الثلاثة إلى المدرسة وسمعتَ بأن أبي سيزور المدرسة اعتقدتَ أنه قادم ليطلع على ما لم تحظى بفرصة لإطلاعه عليه ، ظننت بحماس أنه سيأتي أخيراً ليرى ما انجزته في الفصل ولكنه حضر لأخذ دامين إلى موعد طبي في العاصمة ، كنتَ قد فقدت أعصابك وتصرفت بتهور عندما كان أبي يتحدث إلى أحد المسؤولين من العاملين في ادارة المدرسة عن حالة دامين وحاجته إلى إذن المغادرة ، لتخرج من الفصل وتتجه إلى سطح المدرسة وحدك كما لو اعتقدت انك ستلفت انتباه أبي بتعريض نفسك للخطر وقد سيطرت عليك أفكار طفولية غريبة !

هذا .. ما قاله دانيال على متن اليخت ، عندما ذكر صعوده إلى سطح ما وقد .. سقط أخاه من فوقه وعاد إليه بحالة يرثى لها !

استكمل كارل كلماته ونظر إلى دانيال بيأس : لم تدرك أن دامين قد تبعك ، كما لم يدرك أحدنا في المدرسة ما حدث حتى خرجنا إلى الساحة مع باقي الزملاء ولمحنا وجودك في الأعلى .. كُنت تنوي إيذاء نفسك جاهداً بالفعل لترغم أبي حينها على النظر إليك وحدك، اللحظة التي كنت تنوي التهور فيها دفعك دامين للوراء بقوة وفقد توازنه ليسقط ..

أكمل وأهداب عينيه تحيل عني رؤية التعبير الي يعتليهما : وبسبب حالته النادرة لم يدرك الكسور والإصابات التي تعرض لها وهو يتحرك أمام الأولاد اللذين امتلأت نفوسهم بالرعب لرؤيته مضجراً بالدماء والجروح البليغة ، لقد عاد أدراجه دانيال ليصعد إليك ويوقفك ، حينها رأيت كل ما حدث وقد صعدت خلفه منهاراً منهكاً لما شهدته عيناي ، وعندما وصلت إلى السطح أيضاً رأيتكَ تحدق إلى مظهر دامين بأعين زائغة مشتتة ..

استرسل يرمقه بضيق : قبل أن يفقد دامين وعيه إثر الدماء التي فقدها لم تتردد في القاء تلك الكلمات على مسامعنا ..

ارتجفت شفتا دانيال بشدة وهو يحدق إلى كارل بشيء من الإضطراب والقلق ، شد على الوسادة بقوة بقبضته وهمس بصوت يرتجف بشدة : ما الذي .. قلته !

احنى كارل جذعه للأمام قليلاً يسند مرفقيه في حجره وهو ينظر إلى الفراغ بصمت ..

نفذ صبر دانيال وردد سؤاله وهو يترك الوسادة جانباً وقد وقف بأنفاس متلاحقة ، نظرتُ إليه بتوتر وتشتت بالكاد يحاول عقلي نسج ما يتحدث كارل عنه !

لتأتي كلماته ثقيلة جداً على مسامعنا وهو يقول بشرود : أتمنى أن يختفي كلاكما ..

أن .. يختفي كلاهما !! هل هذا ما رغب فيه آنذاك ؟! بـ .. بحق الإله !

نظرت إليه بتلقائية بعدم تصديق فوجدته يحملق في وجه كارل بتفاجؤ شديد وقد ارتخى كلا كتفيه ..

في حين أشاح كارل بوجهه وأكمل بصوت قد انخفض قليلاً : بقيت واقفاً تردد ذلك على مسامعي انا ودامين ، وعندما تقدم دامين المضجر بدماءه منك قلتَ بعدم وعي كلمات عشوائية كثيرة دانيال ولم تتوقف عن ترديدها بفزع وهلع .. ولكن أذني لم تتخطى كلماتك التي تفوهت بها بينما تحدق إلى كلينا وأنت تبكي بغضب " لا مَكان لدانيال .. هو من سيختفي " .

رفعت يدي بتلقائية نحو صدري ليستكمل بصوت قد انخفض أكثر فأكثر : كنتَ صغيراً على تلك الكلمات .. صغير جداً على تلك المشاعر ، منذ ذلك الحين كما لو نسيت كل ما حدث ! حتى مع محاولة أبي لسحب الكلمات منك حول ما حدث وما تعرضت له لم يفلح ، قام بعرضك على أحد الأطباء فأخبره بأنك تعرضت إلى صدمة تحتاج إلى وقت كافي حتى تسترجع ما حدث وتستوعب الأمر شيئاً فشيئاً ، ومع أننا لاحظنا التغير الذي طرأ على تصرفاتك وسلوكياتك ولكن ..

زم شفتيه بقوة شديدة وقد رأيت لأول مرة تعبير مماثل على وجهه الذي تورد قليلاً وهو يقول بصوت مترع بالإحباط : ظن الجميع أنك على ما يرام ، اعتقدوا أنك بخير وحسب ! عاد الإهتمام ليتمحور حول دامين وحولي ، عاد أبي لينهمك في محاولة العناية بنا ولم يشعر أو يستوعب خطورة تحميلك للمسؤولية .. أنا .. أخشى أنني .. رغم كل شيء لا يمكنني لومه ! لو لم تكن مناعتي ضعيفة ذلك الوقت وطريحاً للفراش دائماً ، لو لم يولد دامين بذلك المرض .. لما انغمس أبي في العناية بنا والبحث عن المساعدة عن طريقك أنت .. تحمّل الكثير وحده .. ولم يدرك أنه كان يعتمد عليك! لا يمكنني لوم أحد وفي المقابل لا يمكنني التماس العذر لي أو لهم .. لا أدري ما الذي علي قوله ! فأنا لم أقل شيئاً عندما كنت ألاحظ قيامك بنسخ تصرفات من حولك وتعطشك لأن يوجه الجميع أعينهم نحوك وحدك! لم أفعل أي شيء .. اعتقدت أنك ..

_ كارل ..

قاطعه دانيال وقد لان صوته كما لانت ملامحه تماماً ..!

بدى بطيئاً قليلاً وهو يجلس مجدداً على الأريكة وتساءل بأعين شاردة يخيم عليها ضيق واضح : ما الذي كنت ستخبرها به ؟

سأل أخاه بينما يشير إلي بقوله ، نظرت بدوري إلى كارل بترقب وقد فاجأني قليلاً رده السريع دون تردد : كنت سأخبرها بأنك ستتصرف بشهامة لتجرها إليكَ دان .

يـ .. يجرني إليه ..

ابتسم بضمور وأعقب على قوله : كنت سأخبرها بأنك ستركز على عيوبها حتى تميل بطريقها لتسير أنت باستقامة ، بأن تلك التصرفات ليست إعجاباً .. وإنما تعطش لا أكثر.

ما يقوله كارل الآن .. جعلني أحكم قبضة يدي بطريقة لا إرادية ! فدانيال لم ينفي قوله أو يعترض حتى ..

ولا أنكر شعور الإستياء الي انتابني بينما أنظر إلى التعبير الذي يعتلي وجه دانيال وهو يحدق إلى كارل بصمت ..

بريق هادئ ولايزال شارد قد ومض في كلتا عينيه ، ولسبب ما .. انتابتني رغبة مُلحة .. في المواساة !

لم يتوقف دانيال عن حشر أنفه في أمور الجميع ، كما لم يتوقف في المقابل عن تقديم يد العون والمساعدة دون تردد ! عن توجيه النقد إلي والتركيز على عيوبي بشدة ، وعن الاهتمام أيضاً ! إن كان لا شيء مما يقوم به دانيال حقيقي ..

فمَن منهم يكون دانيال حقاً ؟ أي واحد من أؤلئك النسخ يكون هو ؟! كيف يبدو دانيال الحـ..

" من أنا برأيك كارل؟ "

أجفلت لصوت عميق يردد ذلك السؤال الذي كان يراودني الآن فقط !

نظرت إلى دانيال فوراً والذي كان يترقب الجواب من كارل وهو يستسرل ببطء : إن كنتُ مصدراً للإزعاج طوال هذا الوقت ، ومجرد شخص لا يفكر سوى بمحاولة لفت الإنتباه إليه وفعل المستحيل ليحقق مبتغاه .. فمن أنا حقاً ؟ متى أكون حقيقياً ؟ ما الذي فعلته وقدى بدى أنني من أقوم به لا تلك النسخ المزيفة ! أخبرني .. حتى لو كان فعلاً سيئاً ، أي شيء .. !

عقدت حاجباي وقد تسارعت نبضات قلبي حين بدى مشتتاً يرجو كارل بسؤاله ! رفعت يدي فوراً أربت على كتفه بهدوء فنظر إلى يدي قبل أن يحدق إلي مطولاً ! أعاد ناظره إلى يدي قبل أن يقول يبتسم بضمور يكبح يأساً قد أزهر على وجهه : كان يفترض بلمسة كهذه أن تكون كفيلة بجعلي مجرد أحمق ولكنني فقدت طاقتي في إظهار ذلك بالفعل ، كيدمان كان مُحقاً عندما قال أنه مجرد اقتباس من طباع كارل ..

أضاف ينظر إلى كارل الذي بدى متفاجئاً من كلماته : لا أنوي لومك أو عتابك ، ولكن تحمّل مسؤولية أن تجيبني الآن على سؤالي وحسب ! أخبرني بأمر قمتُ به وقد بَدى حقيقياً ! أمر أقوم به أنا لأنني أريد فعله حقاً لا نسخه ! تحدث ..

نفي كارل برأسه بتشتت وهو يتساءل بعدم فهم : أخبرك كيدمان بماذا ؟ مهلاً أنت .. متى تحدثت إليه ؟ متى قال هذا ؟!

زفر دانيال يغمض عيناه بقوة ثم مرر يده على صدغيه ..

أصّر كارل وهو يعاود سؤاله فوجدتُ نفسي أهمس لدانيال بصوت لا يسمعه سواه : أعتقد أننا .. لا يجب أن نعلمه بتفاصيل ما حدث فلقد تحفظ أبي على ..

" التقيتُ به "

تباً !

شعرت بالغيظ جراء قوله المباشر ووجدت نفسي أجز على أسناني لأقول هامسة بحزم : دانيال ! لا تتفوه بالمزيد اتفقنا على أن يبقى الأمر بيننا كما قال أبي ! أعلم أن كارل شقيقك ولكنك ..

تجاهل كلماتي وهو يوجه حديثه إلى كارل : أخبرني بالكثير ، عن وفاة كلوي ، عن معاناة الجميع جراء تصرفاتي ! عن كوني أعيش في عالمي الخاص ، أنني أميل إلى تذكر الأمور كما أرغب أنا وليس كما هي على طبيعتها .. بأنه حاول توجيهي ولكنه فقد صبره ويأس من ذلك ، بأنني كنت أحرجك دائماً كارل .

بدى كارل متفاجئاً بشدة كما لو يردد كلماته في عقله واعتدل فوراً في جلسته فزفرت بنفاذ صبر وضربت كتف دانيال بإنزعاج : توقف!

نظر إلي بشيء من الإنزعاج وقد نهرني وصدره يعلو ويهبط بسرعة : أخبرتك أنني لن أهرب !

_ ولكن علينا التحفظ مؤقتاً على كل شيء دانيال ! لا يجب أن نخالف ما يقول أبي ماذا لو ساء الأمر أكثر ! أعلم أن كارل شقيقك ولكنك تعلم جيداً بخطورة الأمر كذلك !

_ هذا يختلف عن ذاك بحق الإله لا يمكنني ابقاء فمي مطبقاً عن شيء كهذا ..! أنا حتى لا أدري كيف أخطو قدماً للأمام بعد كل ما سمعته!

زميت شفتي بقوة وقد نال مني الغضب وما جعل مشاعر اليأس تنتابني هو أنني .. أشعر بأنه محق بالفعل !

فحتى لو كنت قد ورطته في شؤوني الخاصة وهو كذلك ورطني بموضوع أخاه دامين ولكن .. يتحتم عليه فهم ما حدث ليتمكن من معالجة الأمور ! تلك الجلسات في العيادة لن تكون كافية حتى يفهم ما يحدث حوله!

ولكنني فقط ..

أنا لا أدري !

" أبقى كارل فمه مطبقاً ولكنه .. لم يتفوه بالأكاذيب "

همس دانيال بها بصوت بالكاد يُسمع يحدث نفسه بينما يحدق إلى الفراغ بشرود للحظات حتى تداركت الأمر ونظر إليه ليقول : لا تبدو متفاجئاً أبداً منذ سماعك حول وفاة كلوي ، منذ متى تعلم !

كما لو زفر كارل بإنهاك واستسلام وارخى كتفيه بينما يقول : علمتُ من أبي .. فور خروجكما من المنزل إلى الحفل مباشرة ..

أضاف بهدوء شديد يتأمل تعبير وجه دانيال بتركيز : أبي يلوم نفسه دان ، لم يتوقف عن معاتبة نفسه حول تكليفك فوق طاقتك ، ولكن عليك أن تعلم الآن أنه قلق جداً من وجود الآنسة كتاليا إلى جانبك ، لأصدقك القول لقد .. عارضت الكثير من قوله ! أبي يرى بأنه من الضروري أن تبتعدا عن بعضكما لئلا يستفز ذلك دامين أكثر ، كما لم يتوقف عن توجيه اللوم لنفسه جراء كل ما يحدث ..

_ عارضت الكثير؟

ردد دانيال ذلك ، في حين لا يزال يسيطر عليه ذلك الهدوء !

بقيت أحدق إليه استنكر حفاظه على هدوء لم يسبق لي وأن رأيته فيه من قبل !!

رغم أنني أعلم كم يكون من المؤلم اكتشافه لكل تلك الأمور منذ أن تحدث إلى أبي وكيدمان .. ولكنني لازلت متفاجئة من هدوءه !

أتساءل إن كان ..

بطريقة أو أخرى ..

يعلم في قرارة نفسه وفي أعماقه البعيدة أنه سيسمع يوماً ما .. كل هذا !

هو حتى يبدو كما لو يرغم نفسه على التكيف جاهداً ! هل يعود هذا إلى ..

الشعور بالإكتفاء والإنهاك ؟

أومأ كارل يجيبه وقد ثنى إحدى قدميه ليجلس عليها : يرى أبي أنك تحاول الدفاع عن دامين ، كما أنه مقتنع بأن وجود الآنسة كتاليا إلى جانبك سيؤذيها وحسب ..

_ وما الذي عارضته أنت ؟

_ لا أدري كيف أصيغ هذا دانيال ، لأصدقك القول .. أنا أيضاً رغبت في معارضة وجودها إلى جانبك طالما دامين يتجول في الأرجاء ، كما انتابني القلق والشك في أنك قد تتمادى وتستغلها لصالحك ولكنني .. ولسبب ما رغبت في تكذيب شكوكي !

ابتلعتُ ريقي بصعوبة وقد تدخلت فوراً : كانت الشكوك تنتابك ، ماذا عن الآن ؟

ألقى نحوي نظرة سريعة مترددة وهو يشيح بناظره ويتمتم : اعتقدت لوهلة أن دانيال ينوي استفزاز دامين بإبقائك إلى جانبه ، كما خشيت أنه سيتمادى في ذلك ، أعترف بأنني فكرت في هذا أيضاً ولكن كل هذا قد تغيّر ، أقصد .. لم أعد أشعر بهذا مؤخراً !

تلعثم في كلماته وقد أردف بصعوبة : أعني .. آه تباً ! أنا لست ضد ما رأيته في البث المباشر ولكنني غاضب لقيامه بهذا على الملأ وقد شاهد دامين ذلك بلا شك ! ما أريد قوله هو .. دانيال أنت ..

بقي يتلعثم بتوتر حتى أضاف بكلمات جعلتنا نحدق إليه بصمت مطبق : إن كنتَ معجباً بها ما كان عليك فعل هذا في البث ، اشتعل أبي جراء فعلتك وقد أقسم أن يلقنك درساً ! هو يعتقد أنك تنوي استفزاز دامين وقد أكدّت شكوكه نحوك أيها الغبي ! حاولت أن أقنعه بالعكس فور خروجكما ولكنك زدت الوضع سوءاً ! إن كنتما قد فعلتما هذا أمام الجميع فبحق الإله ما الذي كنتما تفعلانه في الخفاء قبل ذلك حتى !! بل منذ متى تطورت الأمور إلى هذا الحد ؟!

عقدت حاجباي بعدم استيعاب والقيت نظرة على دانيال الذي يحدق إلى كارل بإستنكار شديد !

بل استكمل كارل كلماته وقد سأله بإنزعاج : لماذا فعلت هذا أمام الجميع في ذلك الوقت !! لماذا اخترت ذلك التوقيت السيء ؟!

رفعت يداي أنوي قول ولو كلمة ولكنني تفاجأت بقول دانيال وقد تعكر مزاجه بوضوح : أي توقيت كان الأنسب إذاً ذلك الوغد لارز كان على وشك إعلان مواعدتهما !

اتسعت عيناي وقد ألجم لساني تماماً ..!

ما يقوله دانيال الآن ..

تصرف كهذا ..

طردت الأفكار من رأسي بسرعة وقد وجدت نفسي أقول بصوت عالي بحزم : خلاصة القول الآن ! هل السيد هاريسون سينفجر غاضباً في وجوهنا فور عودته ؟

أومأ كارل بهدوء فنظرت إلى دانيال وقلت : كيف ستتصرف ؟

بدى مستغرقاً في أفكاره قبل أن يفجر الطامة في وجه كارل ويقول بكل أريحية وبطريقة مباشرة : ماذا لو علم أنني سأخضع لجلسات العلاج النفسي في العيادة ؟ إن كان آرثر قد اتفق معه مسبقاً فـ..

أوقفته عن الحديث أضع يدي على فمه بسرعة وقد نهرته بغيظ : أيها الثرثار توقف!

عقد حاجبيه يحاول ابعاد يدي عن فمه بينما استنكر كارل قوله ليردد : جلسات علاج نفسي ؟

امتعضت بشدة وقد صحت في وجه دانيال بقهر : أيها الأحمق ! لا أدري ما الذي علي قوله أو ما الذي يفترض أن نلتزم الصمت بشأنه!

اعترض بحزم وقد ابعد يدي : كفاكِ سخفاً تحذير والدكِ لا ينطبق على كارل !

بقي كارل يحدق إلينا بدهشة وعدم فهم في حين جادلته بحنق : ولكن هذا لا يعني أن تثرثر بكل شيء كما يحلو لك !

_ قال بأن أبي اتفق معه على هذا مسبقاً لذا سيعلم كارل بهذا عاجلاً أم آجلاً !

أضاف بما أزعجني بشدة : كان من الواضح أن التحذير موجه إليكِ أنتِ فلا بد وأنك المغفلة التي تثق بأشخاص ليسوا أهلاً للثقة!

ضاقت عيناي محذرة : ماذا ؟

_ أقول بأنكِ تثقين بأشخاص يقومون باستغفالك ! كان هذا واضحاً جداً في طيات حديثه بل مباشر وواضح كوضوح الشمس !

علق كارل بدهشة : التقيتَ بوالدها ؟!

وقفتُ بخطى غاضبة وقد نال مني السخط ولكنني تفاجأت  بجسدي الذي عاد إلى الأريكة مجدداً لأجلس عليها !! م .. ما الذي !

نظرت إلى يدي التي أمسكها بقوة ليعيدني حيث كنت بعدم استيعاب !

تركني واعاد نظره إلى كارل ليقول بحزم : أنصت ، لا أنكر بأنني غاضب منك ولكن .. أياً يكن عليك تقبل أمر ما!

أعقب ببرود : أخاك مجنون.

طرف كارل بإرتياب في حين تجهم وجهي وقلت بنفاذ صبر : أكّد لارز وأبي على أن حالتك ليست بهذا السوء فلماذا تستبق الأحداث وتقوم بتشخيص حالتك بنفسك !

تمتم ينظر إلي : ذلك الإضطراب لن ينتاب شخص طبيعي ، هذا يعني أنني مجنون ، أياً يكن لا يجب ان اواجه صعوبة في تقبل هذا الأمر ، هناك ما علي التركيز بشأنه .

لويت شفتي بغضب : المجنون لا يدرك أنه مجنون حتى ! تباً دانيال أنت تفقدني أعصابي حقاً ..!

بقي كارل يحدق إلينا بعدم فهم حتى قال بإهتمام وقلق : أنتما ، ما الذي تتحدثان عنه ! دانيال عن أي جلسات تتحدث؟

ابتسم دانيال بإستخفاف وتمتم بينما يقف : يمكنك سؤال هاري فور عودته .. انتهيت ؟ سأخروج للهرولة.

وقف كارل فوراً واستوقفه بجدية : مهلا دانيال ، لم تخبرني بعد ! كيف التقيت بكيدمان تحديداً ! وما قصة ما حدث في البث بحق الإله ومن يكون ذلك المدعو لارز ؟ لماذا قابلت والدها أصلاً ! أنت لم توضح مـ..

استدار ينظر إليه وقد قاطعه بينما يشبك كلتا يديه خلف رأسه بضجر : نحن نتواعد .. أما عن باقي تساؤلاتك فلستُ متفرغاً لإشباع فضولك الآن ، وأيضاً لا هاتف بحوزتي فلا تنهك نفسك وتحاول ازعاجي.

تحرك فوراً ليخرج من غرفة الجلوس فبقيت واقفة في مكاني أنظر إلى كارل الذي يعقد حاجبيه بتشتت قبل أن ينظر إلي بعدم فهم!

كاد أن يتفوه بحرف ولكنني أسرعت أقول على عجالة : سأهرول أنا أيضاً.

تحركت فوراً اتجنب أي سؤال آخر وقد صعدت لأرتدي حذائي الرياضة فوراً ، ذلك الأحمق الثرثار .. لماذا يتحدث بأريحية دون تحفظ ! أعلم أن كارل شقيقه ولكنني لا زلت لا أدري ما الذي يفترض ان نتحدث عنه حتى !

رأيت بينديكت الذي لحق بي نحو الدرج فابتسمت على عجالة وجثوت أداعب رأسه : أعلم أنني مقصرة في حقك مؤخراً بينديكت ، امنحني فرصة حتى يستقر الوضع وحسب !

نبح يهز ذيله فربت على رأسه وجسده بلطف ثم أسرعت أنزل الدرج لألحق بهِ وقد خرجت من المحل بخطوات واسعة أبحث عنه بكلتا عيناي ، هل أخذ الطريق الأيسر ؟ أم الآخر؟

أدخلت يدي في جيب بنطالي القصير أنوي الاتصال به قبل أن اتذكر فقدانه هاتفه ..

امتعضت وقد سلكت الطريق الأيسر المُعتاد قبل ان أقف للحظة أستنكر وجود مجموعة من العمال في هذا الوقت يقومون بإفراغ المحل في الشارع المقابل مباشرة !

تجاهلت أمرهم وأسرعت أبحث عن دانيال ، علي وضع بعض النقاط على الحروف لا يجب أن يستمر في التهور بكلماته !

أين هو ؟!

بحثت في الأرجاء دون توقف وقد احنيت جذعي ألتقط أنفاسي قليلاً ..

حافظ على هدوءه دون أن ينفعل ، توقعت أن يشتعل وينفجر ليهشم كل ما حوله ! حتى على متن اليخت .. لم تكن ردة الفعل تلك متوقعة على الإطلاق !

أنا حقاً لا أريد التدخل في أي أمر لا يعنيني ، لا أريد أن أعرف أي شيء لا يخصني ..

ولكن صداقتي بدانيال لم تبدأ منذ أن ورطته في شوني الخاصة فقط !

لا أريد رؤيته منزعجاً ! سيضايقني ذلك تماماً كما تزعجني رؤية روز أو جانيت ، جاك وديفيد وسايمون في حالة سيئة !

توقفت عن الركض عندما لمحتُ هالة مألوفة لرجل أمام أحد أكشاك الطعام الذي يعد الوجبات التقليدية السريعة ..

ضيقت عيناي بحيرة حتى ارتفع حاجباي وتقدمتُ نحوه ..

إنه هو !

مضغ من الطعام الذي ناوله أياه البائع بالملعقة وكانت لحظات حتى قال له بينما يعبر عن استغرابه : أنتَ محق ، النكهة تمزج المذاق الحامض بالحلو الدبق في آن واحد !! أنت مذهل ..

أضاف يشير إلى طبق آخر : ماذا عن هذا ؟

قال له البائع بحماس : إنها نكهة معجون الفلفل المستورد ، جرّب هذه أيضاً وأخبرني أيهما أفضل ؟

جربها فوراً دون تردد وأومأ برأسه برضى : لذيذ !! لن تمنحني طبق كامل مجاني ؟

عقد البائع حاجبيه وتمتم بتفكير : سيغضب جدي إن علم بهذا ، قال لي أن أبيع الكمية بأكملها ثم أعود ، سيكتشف الأمر بلا شك!

آه يا الهي !

يقوم بتجربة الطعام مجاناً وقد قال بأنه سيخرج للهرولة ؟

تنحنحت فانتبه لوجودي وهو يلقي نظرة سريعة قبل أن يعيد نظره إلى الفتى البائع وقال بضجر : لا تغير مكان الكشك سأشتري منك طبقاً في الغد.

أومأ الفتى بحماس وابتسم بسرور : سأكون هنا.

علقتُ بضجر : سيتناول كافة أطباق الكشك ، الخبر السيء أنك ستفقد فرصة الترويج لطعام جدك لباقي الزبائن ، والخبر السعيد أنكَ ستختصر فترة وجيزة للبيع وتعود بكامل النقود ليوم واحد.

رمقني دانيال بإمتعاض : تكاد معدتي تتمزق من شدة الضحك!

ابتسمتُ بملل وقد تبعته عندما تحرك مبتعداً عن الكشك ، قلت له بلا حيلة : أنا منهكة جداً وأرغب في النوم ، لقد كان اليوم طويل جداً لذا لنعد أدراجنا لن يطمئن بالي حتى أضمن ألا تفرغ طاقتك في أي شيء .. أو شخص مثلاً.

_ قلتُ بأنني سأهرول.

_ لما لا تفعل هذا غداً؟

تجاهلني وأكمل طريقه وقد أسرع في خطواته ليهرول ..

وجدت نفسي ألحق به بلا حيلة وعندما مضى وقت لم يتحدث فيه أحدنا وجدت نفسي أتساءل بفضول : شقيقك دامين ، هل أنتما توأم متطابق؟ هل يشبهك؟

لم يعتلي وجهه أي تعبير منزعج أو يتغير وإنما أجابني بإيجاز : نتشابه قليلاً ، ولكننا لسنا توأم متطابق.

_ هكذا إذاً ..

_ ماذا ؟ إن كان مجرى الأمور طبيعي سترغمينه على العمل كعارض أيضاً ؟

ابتسمت لقوله وقد مازحته بسخرية : ثم سأضم كارل إلى فريقي ولن أترك السيد هاريسون وشأنه كذلك ..

رمقني بإستخفاف فقلتُ أحاوره : تعلم ما عليك فعله عندما يسألك أي شخص حول علاقتنا ؟

_ نتواعد وحسب.

_ لا أيها الذكي ! عليك أن تكون مقنعاً ..

أبطأ من خطواته قليلاً وهو يتساءل بإستنكار : حذرني والدك ألا أتجاوز حدودي وأنتِ أيضاً عليكِ الأخذ بنصيحته ولا تقتربي مني كثيراً ! ذلك الآرثر لن يتردد في رمي جثتي في المحيط بالفعل !

_ يشير إلى أن تبقي على الحدود بيننا ، ولكنه سيغضب حتماً إن بدت مواعدتنا أمام الجميع مجرد مسرحية هزلية.

أضفت أتنهد بعمق وقد أبطأت من خطواتي بجانبه كذلك : على كل حال لا يجب أن يقلق حول تلك الحدود ، حتى وإن زيّفت عقدتك تلك ولكنني لست قلقة بهذا الشأن .

توقفت عن المشي عندما انتبهت لوقوفه هناك ، طرفت بحيرة قبل ان أعود أدراجي بطريقة عكسية : لماذا توقفت؟

أخفض ناظره قليلاً ، قبل أن يرفع مقلتيه الزمردية نحوي بصمت ..

عقدت حاجباي بترقب حتى تساءل كما لو يفكر بصوت عالي : لستِ قلقة؟

رفع يمناه يمررها في شعره وهو ينظر إلى الفراغ قبل أن يوجه مقلتيه الزمردية نحوي وتمتم : لماذا لستِ قلقة؟

رفعت كتفاي بإستنكار : لا أعلم ، أخبرتك أننا أصدقاء ، لن ينتابني القلق بجانب صديقي !

_ ترددين  هذا كثيراً ..

_ لما لا أفعل !

حدق إلي قليلاً ثم وضع كلتا يديه في جيبه بتفكير ..

حتى قال بترقب : ماذا لو تغيرت ؟

_ الجميع يتغير.

_ ماذا لو أصبحت سيء جداً ؟

_ لدي خبرة في هذا الشأن ، سأسدي لكَ النصائح حينها ، حتى وإن كنتُ لم أتغير بالكامل لشخص أفضل ولكنني أبذل جهدي.

عقدت حاجباي عندما خطى نحوي !

أبقي يديه بجيبه وقد استغربت خطواته نحوي ، قلّص المسافة وقد تداركت الأمر أستوعب أن دانيال يبادر في فعل ذلك بنفسه !!

م ..

مهلاً ؟!

طرفت بعيناي بإستنكار شديد : ماذا !

اقترب كثيراً ثم توقف ، احنى جذعه حتى مال نحو قامتي وقد جمدت في مكاني أنظر إلى التعبير العابث الذي يميل إلى المكر على ملامحه ! بل وومضت عيناه ببريق مترع بالترقب وهو يهمس بصوت عميق ذو نبرة منخفضة : لا تُجدي النصائح نفعاً ، عندما تتعاملين مع من يميل إلى وضعها أسفل قدميه.

هاه !!

تسارعت خفقات قلبي وتعلقت عيناي بعينيه المترقبة حتى تفاجأت بقوله بينما يحافظ على نبرته تلك : تبذلين جهدك في التغير للأفضل ، في حين أبذل جهدي للعثور على نفسي ، ينتابني شعور أن ذلك الجزء المفقود مُجرد لَعين مثير للمتاعب ..

أضاف وقد سرت الرجفة في جسدي ما ان انزلقت عيناه نحو ثغري : هو أيضاً يبحث عنكِ .. كَتاليا.

تراجعت للوراء بتلقائية بضع خطوات وسرعان ما توقفت عندما لمحته يبتسم بسخرية قبل أن يضحك بخفوت ويشيح بوجهه .. !

طرفت عيناي بعدم استيعاب حتى قال من بين ضحكاته بتهكم : كنتُ أمزح.

رفعت يدي نحو صدري أخفف من روعي بينما أحدق إليه ..

ما كان هذا ؟!

يمزح ؟!

بقيت في مكاني حتى قال بملل وهو يتحرك مجدداً : توقفي عن عرقلتي علي أن أهرول قبل أن يتأخر الوقت.

راقبته بعيناي بينما يبتعد مهرولاً ..

الجزء المفقود من نفسه .. يبحث عني ؟

لسبب ما شعرت بالبرودة في أطرافي وقد احتضنت نفسي افرك ذراعي بيدي قبل أن أتحرك لأهرول معه على بعد مسافة ..

.

.

أسندتُ مرفقي أتناول طعام الفطور الذي أعده دانيال قبل أن يسرع في تنظيف محل الحلاقة ليفتتحه ..

تناول طعامه بسرعة ولم ينتظر أن يجتمع الباقين على طاولة الطعام ، نظرتُ إلى كارل الذي يتناول طعامه بهدوء وقد بدى لي أنه لم ينم جيداً في الأمس ! لم يتوقف عن التثاؤب في كل حين كما بدى مرهقاً قليلاً ..

كيفين يبدو كذلك نعساً وقد استغربت ذلك إذ أنني لم المحه في الأمس أصلاً وقد قيل لي أنه نائم منذ وقت مبكر !

لاري بالكاد تناول بضع ملاعق وها هو يجلس أمام التلفاز وقد قال بانه يوجد إعادة لبرنامجه ولن يفوت الحلقة !!

أما أنا ..

الأمر لا يقتصر على التثاؤب وحسب ولكنني بالكاد أبقي كلتا عيناي مفتوحة ، لسبب ما أصابني الأرق ولم أتمكن من النوم جيداً رغم شعوري بالإنهاك !

صدى صوت دانيال يتردد في أذني دون توقف !!

لا أدري إن كنت قد أخذت الأمر بجدية بالغة وأبالغ في التفكير أو أن دانيال تصرف بغرابة فجأة بالفعل ..

فلقد بدى لي طبيعياً جداً هذا الصباح وكأن شيئاً لم يكن ..

رأيت كارل ينظر إلى هاتفه مجدداً فتساءلت : لم يجب السيد هاريسون بعد ؟

نفي برأسه بينما يبلل شفتيه بلسانه بإضطراب : لا يجيب مهما حاولت .

نظر كيفين إلى كارل بهدوء قبل أن يقول ببرود : السيد راف.

عقد كارل حاجبيه في اللحظة التي دخل فيها دانيال إلى المطبخ ممسكاً ببعض أدوات التنظيف ويبدو أنه التقط كلمات كيفين إذ قال بإستنكار : ما خطبه فجأة ؟

بدى كيفين متردداً قليلا وهو يدفع نظارته بسبابته وقد قال مقترحاً : ذلك الرجل ، أعتقد أن أخبار القرية تصل إليه ، يبدو لي أن كل جديد يصله بالفعل فلما لا نجرب التواصل معه لعله يعرف شيئاً عن سبب عودة أبي؟

تهلهل وجه كارل الذي ارتخت ملامحه وقد قال بإدراك : كيف غاب هذا عن ذهني !!

أضاف كما لو ينتقي كلماته بحذر وهو ينظر إلى دانيال : يبدو أن أبي في تلك الليلة أثناء زيارته للسيد راف قد استعلم منه عن الكثير من أمور القرية أيضاً ..

تحرك دانيال ليضع المنظفات في مكانها في الخزانة بجانب الثلاجة قبل أن يعود حيث طاولة الطعام وتساءل : من منكم لديه رقمه ؟

نفي كارل برأسه وقد وجها أعينهما نحو كيفين الذي بدى يفكر قليلاً بتركيز..

قبل أن يقول : مارثا !

على الأقل بدأ ينادي بإسمها بدلاً من " تلك المرأة " !

أومأ كارل بتدارك : صحيح ! السيدة مارثا كانت في القرية قبل فترة وجيزة لا بد وأنها تعرف سبيل الوصول إلى السيد راف ، هو لم يمضي وقتاً طويلاً منذ أن انتقل إلى المدينة على أي حال ! أو ربما أي شخص آخر ! ربما الطبيب إبراهام قادر على الوصول إلى أحدهم أيضاً ..

حينها تساءل دانيال : من سيتصل بها ويسألها ؟

قال ذلك بينما ينظر بتلقائية إلى كيفين وكذلك فعل كارل ..

أشاح كيفين بوجهه بإنزعاج شديد وقد قال بجفاء : لقد مَنحت رقمها للاري قوما بأخذه منه .

وضع دانيال يده على خصره الأيمن وقد تمتم يشير إليه بذقنه : تحرك ، اجلب الرقم لنا فوراً لا يهمني من منكما سيتواصل معها ، كما أن لاري يبدو منهمكاً لا أريد سماع بكاءه المزعج.

اعترض كيفين بحدة : أخبرتك ألا تلقي علي الأوامر هذا يستفزني ! كما لن أفعل.

تدخل كارل مهدئاً بنفاذ صبر : هذا يكفي سأتواصل معها أنا .

.

.

الحادية عشر والنصف ..

انتزعت ناظري عن ساعة هاتفي ونزلت الدرج أنوي الذهاب إلى دانيال الذي أظنه منهمك مع الزبائن في المحـ..

لماذا .. لا يزال المحل فارغاً ؟

عقدت حاجباي بحيرة وقد رأيته يجلس بملل شديد على أحد كراسي الحلاقة ويفرد قدميه نحو الطاولة أمامه ..

يضع السماعات في أذنه بضجر واضح وما ان انتبه لانعكاسي في المرآة أمامه حتى انتزع السماعة وقال : ماذا ؟

رفعت كتفاي بحيرة : هذا غريب ، اعتدت أن أرى الكثير من الزبائن في مثل هذا الوقت !

أومأ وقد بدى كذلك يستنكر الأمر وهو يتنهد بعمق وينزع السماعة الأخرى ليقف ويمدد جسده بتثاقل وكسل..

نظر من خلال باب المحل الزجاجي وتذمر : سيفرغ أبي غضبه بي في جميع الأحوال جراء ما حدث في البث ولن يطرف له جفن حتى ينفس عن سخطه ، على الأقل يمكنني امتصاص غضبه عندما يجدني مستعداً في المحل ولم أقم بإغلاقه !

أضاف يعقد حاجبيه بإستنكار وتركيز ينظر إلى الخارج : ذلك المحل هناك !!

نظرت حيث يقصد وقد وجدته المحل الذي لمحت العمال فيه بالأمس ..

اقتربتُ بدوري من الباب الزجاجي أنظر جيداً من بين قصاصات الأوراق المعلقة عليه حتى قلت : كان محل لبيع الأقمشة على ما أظن!

اتسعت عيناي بإدراك وكذلك اقترب دانيال من الباب وبدى متفاجئاً منزعجاً بشدة وهو يقول : أصبح محل حلاقة ! تم افتتاحه بهذه السرعة ؟!

أضاف بغيظ : من هذا الوغد الذي يقوم بافتتاح محل حلاقة أمام محل حلاقة آخر ! هل يرغب في سرقة الزبائن ؟

بل واصابته الدهشة وهو يقول بينما يفتح الباب بعصبية : أؤلئك الحمقى ! اعتادوا على الحلاقة هنا لماذا يتجهون إلى هناك ؟

زبائن محل السيد هاريسون .. يتجهون إلى المنافس الجديد !!

شهقت بخفة ما ان رأيته يخرج من المحل وقد أدركت نيته في الذهاب إلى هناك ! استوقفته أمسك بذراعه بقوة : إلى أين ؟!

نظر إلى يداي قبل أن يقول بحزم : ابتعدي ! ذلك النتن قد ارتكب خطأ فادح في افتتاح محله هنا ، زبائن أبي يذهبون إليه دون تردد !

أضاف بصوت عالي وقد لمح أحد الزبائن : هيه أنت توقف ! تعال إلى هنا باتت ذقنك كثيفة ..

التفت الكثيرون من المارة جراء قوله وقد نظرت من حولي بإنزعاج وإحراج قبل أن أنهره بحدة : لا تلفت النظر أكثر وإياك وإثارة المتاعب !

انتزع يده عني وهو يردف موجهاً حديثه إلى الرجل الذي انتابه الفزع وركض إلى محل الحلاقة المقابل : هيه أنت ! كيف تجرؤ على تجاهلي؟

عاودت الإمساك بذراعه أستوقفه : دانيال بحق الإله لا تفعل هذا ! إياك وخوض أي شجار ومس سمعتك بسوء ! ما الذي ستقوله له ؟ أغلق المحل واذهب بعيداً ؟! لا حق لك في هذا كما تعلم ..

ورغم محاولاتي البائسة إلا أنه قد نجح في عبور الشارع ولم يلتفت إلى محاولاتي وأنا أسحب يده بصعوبة !

آه تباً ..

أين كارل عندما أكون بحاجة إليه !!

_ دانيال توقف حالاً !

قلتها بغضب فتجاهلني وهو ينظر إلى تفاصيل المحل الذي كان ذو تصميم عصري جداً ، أنيق واللوحة في الاعلى جاذبة وأنيقة ، وكما كان من الغريب أن يتم افتتاحه في فترة قصيرة جداً ، الأغرب أن الإقبال عليه كبير جداً !

شعرت بالإنهاك من محاولة إيقافه وقد قلت محذرة : لا تورط نفسك في أي شجار ، دان هل تسمع ما أقوله ؟ لا تتجاهلني ! لهم حرية الذهاب هنا أو هناك لا ترغم أي شخص ! ستحلق ذقونهم ورؤسهم إكراهاً ؟ ستقيدهم ؟

قال بإمتعاض : إن اضطررت سأفعل !

تفاجأت به قد استوقف شاباً ينوي دخول محل الحلاقة وقد قال له بحدة : هيه أنت ، من الواضح أن ذقنك ينمو بمعدل إنش واحد كل خمسة أعوام ، لماذا كل هذا الحماس للمجيء إلى هنا ؟

رغم امتعاضه الشديد بوضوح إلا أنه نظر إلى دانيال بتفحص قبل أن يجيبه : وصلتنا رسائل حول العروض والمزايا التي يقدمها ، إن لم تصلك أي عروض فلا تستوقف الآخرين بوقاحة !

ضاقت عينا دانيال : ماذا ؟

اقترب منه كثيراً حتى وضع يده على كتفه وقال بوعيد : أرني تلك الرسالة !

شحب وجه الرجل وقد اعترض بتوتر : م .. ما الذي تريده ! ابعد يدك عني !

_ أعطني هاتفك وأرني الرسالة ، لماذا لم تتجه إلى محل الحلاقة ذاك ؟

نظر حيث يقصد ليقول بإشمئزاز : ولماذا قد أذهب إلى هناك ! كان أخي يشتكي دائماً من وحوش بشرية تملك رخصة ذلك المحل !

تنهدت بلا حيلة وقلت محاولة انهاء الأمر : دعه وشأنه !

أصّر بإنزعاج : أرني الرسالة وحسب !

انزعج الرجل كثيراً وقد حاول العودة للوراء لولا أن توقف بسرعة وتفاجأت به يقول بصوت عالي وقد انتبه لشيء ما خلفنا : يا حضرة الشرطي ! لدي شكوى عن هذا الرجل !

التفت بسرعة بتوتر وتمنيت أن أكون مخطئة ولكن ..

أغمضت عيناي بأسى وإحباط في حين تقدم الشرطي نحونا يحتسي من كوب قهوته المثلجة !

ليس مجدداً ..

اعتقدت أنني تخلصت من هذا السيناريو الصباحي !

رفعت كلتا يداي مهدئة بسرعة بينما ابتسم أوجه حديثي إلى ذلك الشاب  : آ .. آه يمكنك أن تدخل الى المحل لا داعي لهذه الشكوى ، هو يعاني من مشكلة تعكر المزاج بسرعة من فضلك أعذرني على تقصيري أنا ، كان علي أن أكون أكثر حرصاً وانتباها على ..

" ما الذي تسببت به الآن دانيال ؟ متى ستكون الحلقة الأخيرة من سلسلة الكوارث التي تأتي إلي بها ، ولماذا أنا من بين الجميع ! "

تساءل الشرطي الأسمر بضجر ونفاذ صبر في حين رمقه دانيال بعصبية : لاحقاً جيمس ، لم أرتكب أي خطأ ، أريد أن أفهم لماذا يقوم مالك محل الحلاقة هذا بـافتتاح المحل هنا من بين جميع الأماكن ؟ ماذا لو أفلس والدي ؟! من يكون المالك تحديداً !

" هل ناديتني ؟ "

استدرنا جميعنا حيث المدخل إلى المحل ..

ولم تكن لحظة صمت مثقلة فقط !!

بل دهشة قد سيطرت على ملامح دانيال في حين بقيت في مكاني بعدم استيعاب أحدق إليه بينما يرسم ابتسامة مستفزة وينظر بعينيه البنية الداكنة نحو دانيال الذي ردد بعدم تصديق : ما الذي تفعله هنا ؟

رفع كتفيه وأشار بيده للوراء : أشرف على محلي الجديد !

عقدت حاجباي بإستنكار لأتساءل بإنزعاج : هذا المحل لك أنت ؟ هل تمازحنا !! مهلاً .. ماذا عن عملك مع أبي؟

اتسعت ابتسامته وهو يمرر يده في شعره بينما يقول : أديت مهمتي ..

_ هاه ؟

_ يبدو أنكِ سترينني كثيراً منذ الآن وصاعداً .. آنستي.

أجفلتُ ليد دانيال التي جذبته نحوه يمسك بياقته بعصبية يحدق إليه بأعصاب تالفة  !

وربما ما زاد من حدة أعصابه هو ابتسامته التي اعتلت ثغره وهو يقول ببرود : لماذا كل هذا الغضب ؟

_ هل هذا ضمن خطة انتقامك ؟

تساءل دانيال بغضب وأعقب بحزم : قم بتصفية حسابك معي ولكن لا تقحم أبي في شؤوننا الخاصة ! إيّاك أن تسلك هذا الطريق الملتوي كيد !

تدخل جيمس بحزم ليبعد دانيال وهو ينهره : قلت للتو أنك لن تقترف أي حماقة ولكنني أرى عكس ذلك ! عد أدراجك وإلا ألقيت بك في السجن !

ضاقت عينا دانيال وهمس يبعد يد جيمس عنه : كيدمان .. إن كان ما حدث خطأي أنا فأرجوك أن تترك عائلتي خارج الموضوع.

لانت ملامح كيدمان وقد تلاشت ابتسامته تدريجياً ليتمتم : ولكن أفراد عائلتي لم يكونوا خارج شؤون أخيك دان ..

نهاية الفصل ..

تاتيانا وذلك الرجل الثمل ، توقعاتكم حول الأمر ؟

ظهور كيدمان ، ما الذي قد يحدث يا ترى ؟

توقعاتكم للفصل القادم ؟

دمتم بود ..

Continua a leggere

Ti piacerà anche

488K 10.5K 13
كان القلب فارغ وحاضري اراه يشبه ماضي،، الحب لم اعرفه ولم اعشه اتاني فجأه كهديه من السماء وعرفت ان العمر هو مجرد رقم لايتحكم بالقلب ولا بالروح عندما...
1.2M 38.9K 30
the original story ........الرواية الأصلية 𝑩𝑬 𝑴𝑰𝑵𝑬 / 𝟐𝟐𝟎𝟏 عندما تقوم بيرلا بزيارة ألمانيا كرحلة للترفيه والمتعة تجد نفسها عالقة مع رجل...
1M 19K 58
نتحدث هنا يا سادة عن ملحمة أمبراطورية المغازي تلك العائلة العريقة" الذي يدير اعمالها الحفيد الأكبر «جبران المغازي» المعروف بقساوة القلب وصلابة العقل...
897K 18.4K 56
أسرتني عَينيها العسليتين مُنذ اللقاء الأول ، لِقاء ليس في الحُسبان ! وشخصيتها ليست كأي شخصية قُوتها ، حَنانُها ، حُزنَها ، ضَعفُها ، بُكَاءُها ، ضِح...