الزهور الجنائزية || Funeral f...

By LaraAshraf8

4.1K 162 72

دفع عبد الله الباب و دلف للداخل بحذر حين التقط بصره امرأة مجهولة تزحف على بطنها تستجدي الرجل....أعني غول الأس... More

لمَ لم تقتلني؟!
القبعة الذهبية
الشيطان الذي لا يقهر
من تكون حقا؟!
هلا ملأت كأسي؟
الصدق قد يقتلك حقا
ألا بأس بالحب؟!
المترصد و القط الخطير
الفرار من الشيطان
حطام الفتاة الصغيرة
رجل نازي و امرأة يهودية

هلا قضيتِ الليلة معي؟

2.4K 35 39
By LaraAshraf8

تنويه⚠️ الرواية تتناول قضايا لا أخلاقية لكنها لا تبررها و بيد أن الكاتب لن يقوم بشتم أبطاله كل سطر ليبين حرمة و فحش أفعالهم فالأمر متوقف على مرجعيتك الدينية عزيزي القرائ

تنويه⚠️⚠️ في سياق الرواية يوجد أشخاص يكنون مشاعر لبعضهم بعضها مبقول مبدئيا و بعضها مقزز و هو أمر لا مفر منه و لا يحاسب عليه لكن ما نحاسب عليه أمام ربنا هو ترجمة تلك المشاعر الدفينة لأقوال و أفعال أو علاقات غير شرعية

أتمنى لكم قراءة ممتعة♥️

*****

تساقطت وريقات الشجر الخريفية على كتفيه الملطخين بالدماء الدافئة، استقر بعضها فوق جسده و بعضها ارتاح بدلال على صدر الشاب الممرغ في الطين!
مسح صاحب القبعة الذهبية الحمرة القانية عن سكينه الحادة و جلس القرفصاء أمام الجثة مغمغما بعبارات فرنسية وجيزة "كان عليك استعمال الجزء العلوي من جسدك للتفكير بدلا من الجهة الأخرى إن أردت البقاء حيا" ،
راقب الطريق الموحش أمامه و شبح الفتاة التي ركضت من خلال ظلماته مازال ماثلا أمام عينيه،
لا يدري حتى كيف هربت حين أمسك بذلك الشاب المتعدي عليها و طعنه! في الأحوال العادية نادرا ما يتمكن البشر العاديين من الحراك أمام منظر مهيب كسفك دماء شخص آخر أمام عينيه.
رتب وضعية الشاب المسكين على الأرض كجسد الأمير المقتول بينما يفكر هل ستتمكن الشرطة صبيحة الغد من إيجاد شعرة من رأس تلك الفتاة أو تسجيلات لكاميرات المراقبة عديمة الفائدة التي تظهر اتخاذهما الطريق ذاته و خروجها وحدها؟
انحنى إليه حتى صار بقرب يسمح له بترتيب وضعية يديه فوق بعضهما ثم حشر بينهما زهرة تعزية بيضاء،
بدى له حينها كملاك طاهر انتهك هو الشيطان القذر حرمة حياته الطاهرة بلا سبب أو معنى.
من المبهر له كيف يبدو الناس أقل شرا حين يموتون، لذا سيستمر في إنقاذ أرواحهم من الجحيم واحدا تلو الآخر حتى تصفو الحياة منهم..

.............. "بمَ ترغب سيدي؟ لدينا كل ما تشتهيه نفسك"
قالها الرجل الطويل بينما ينحني بخفة قرب وجه "عادل" و يبتسم بسماجة لا تحتمل، يبدو الزبون بالنسبة له رفيع الذوق لكنه بالتأكيد لا يرغب باقتراح أي "بضاعة" عليه دون التأكد من رغبته...
أجاب الزبون - الذي لم يرفع عينه عن كأسه المعبأ بالحمرة المحرمة حتى - ببرود شديد ما كان ليتملكه إن كان في مكان أقل صخبا و قذارة منه :"لا أدري فقط امرأة لا تتحدث بقذارة، سيكون جيدا إن لم تتحدث مطلقا"
هز البائع رأسه هزة خفيفة واثقة كأنه الجني الذي سيفرقع أصابعه جالبا امرأة الأحلام بين ذراعيه في لحظة!
لم يتوقع الآخر الكثير و استكمل شرابه محاولا عزل إحساسه عن الأصوات المحيطة لمدة لم تتجاوز الدقيقتين، إذ دغدغ إحساسه صوت خفيض للغاية يهمس له بلا شك "مساء الخير، تبدو تعيسا"
التفت فورا و التقط الفتاة التي حدثته بعينيها حاملا إياها إلى كرسي طاولته المقابل له بابتسامة لا تكاد تظهر، راقبها بعناية تضع ساقا فوق الأخرى بطريقة مهندمة أنيقة وتعيد عليه جملتها الأولى بنبرة أكثر حيوية...
بدت كمن ينتظر منه شيئا في المقابل فهمهم مؤكدا على تعاسته و لم يزد على ذلك، تابع النظر لكأسه بالملل ذاته الذي تملكه قبل دقائق إلى أن عاد صوتها الخافت يخترق الضجيج إلى أذنيه بكلمات مفاجئة "أرغب بالاعتذار عن تلبية رغباتك سيدي"...
تساءل بعينيه عن السبب لكن لم يخفَ عليها كيف بدت عليه السخرية أكثر من الدهشة.
بالتأكيد هو يظن أنها تجذب اهتمامه بتصرفها لذا يحافظ على تصرفه الفظ و لامبالاته بها كعقاب...أو كبرهان لنفسه أنه ليس كلبا لاهثا خلف شئ لا يتسطيع تحصيله...لا تهتم كثيرا به بقدر ما تهتم لنفسها.
"ذلك لأنني لا اعمل بتلك الطريقة. كل ما أفعله هو مرافقة الزبائن في مجلسهم لا أكثر ولا أقل، لكن سيد فرحات يعدك شخصا هاما لذا ضغط علي بشدة"
"سأدفع لك بشكل منفصل عن الوسيط"
جمعت كفيها معا و فركتهما حتى تعرقا بشكل مرتبك، تنهدت بسرعة عدة مرات و نظرت حولها كأنها تبحث عن مخرج ما لكن للأسف لم يكن موجودا.
مررت أصابعها المبللة بين خصلاتها معيدة كل ما طالته للخلف و ثبتته بيدها حتى تنطق ما تحتاج إلقاءه خارج فمها "ليست مسألة مال...أنا فقط لست ذات منفعة"..
اقتربت بمقعدها منه فاقترب بجذعه منها باهتمام شديد و طالعها مباشرة في عينيها - و إن كانتا لا تستقران حتما على شئ ما - إلى أن استطردت "الأمر أنني لا أستطيع مرافقة رجل لفراشه...أعاني من نوع من الفوبيا أو اضطرابات ما بعد الصدمة"..
شعر برغبة ملحة في الضحك من تعابير وجهها الجدية كما لو كانت تخبره بسر عائلتها المنحدرة من الأسرة الملكية لكنه استمع بصبر لشرحها الممتع بشأن أزمتها النفسية..
"لن تكون سعيدا معي سأبدأ بالارتجاف و الصراخ و التقيؤ أيضا لو أصررت علي" أمسكت كفيه الملتصقين ببعضهما فوق فخذيه و ركزت بصرها أكثر على عينيه المستخفتين بأكاذيبها المضحكة - أو هكذا يعتقد بلا شك - ثم تابعت مقطعة جملتها و مشددة على الحروف بقوة "لن يعجبك الأمر حين تدفع كثيرا لقاء القيء و الفضائح التي سيسمع بها الجيران و العالم أجمع!"
هز رأسه مؤكدا حديثها فابستمت ابتسامة واسعة و تنفست الصعداء كما لو كانت تلك الحركة إشارة منه على التخلي عنها بالكامل!
اعتدل في مجلسه و أمسك كفيها الرطبتين برفق مربتا عليهما بتعابير غير مفهومة ثم اقترح بنبرة كيِّسة "حسنا لا داعي لهذا كله، ماذا عن تناول وجبة خفيفة في منزلي ثم الرحيل على الفور؟ أظنني فقدت الرغبة في النساء بسببك على كل حال"

.........

"إذا كيف كان العشاء مع ذلك الزبون؟"
تجولت حول مكتبه وطفقت تشرح له الطريقة المحيرة التي عاملها بها و تصرفاته المهذبة على غير المتوقع، كان مركزا على كلماتها و يدون منها ما يلفت انتباهه حتى فرغت من حديثها و سألت "هل تعتقد أنه القاتل حقا، سيدي؟"
"لا، إنه مجرد شك بلا قرائن حقيقية. رغم خوفي عليكِ من المخاطرة بالعبث معه"
سألها أن تنهي شرابها المثلج و جلس على مقعده يتأمل ردود أفعالها على الاتهامات التي وجهها إلى عادل بشكل يستفزها للدفاع عنه - إن كانت تملك تحيزا ناحيته -
أكدت بانبهار لا مثيل له على المعلومة التي كررتها ثلاث مرات تقريبا أنه أوفى بوعده و لم يحاول التقرب إليها حتى حين تناولت الطعام في منزله و رحلت بسلام! لم يشعر الرقيب "عبد الله" بالرغبة في إبلاغها أن شيئا كهذا ليس مطمئنا كما يتصور عقلها الساذج بل هو الرعب بعينه...أي رجل أحمق يذهب لمهلى ليلي يدفع ثمنا لامرأة تجلس على مائدته بكامل ثيابها ساعة ثم ترحل؟!
مالم يكن مسحورا فهو يريد منها غير ذلك الذي يريده الرجل العادي لذلك يصبر و يتجمل..
لم يبذل جهدا في الشرح لها إذ أنه لن يجدي مع عالم زمردة الذي تتصوره و أنهى لقائه معها بأوامر بسيطة "في المرة القادمة لن نلتقي في المكتب، مؤكد أن عادل سيتبعك إن كان القاتل لذا توخي الحذر و أبلغيني بكل جديد، لا تنسي أنني بحاجة لمعرفة أين تذهبين و متى برفقة عادل أو غيره في الفترة الأخيرة و إلا ليس مستبعدا كونك الضحية التالية"
أومأت متمتمة بعبارات الطاعة الوجيزة و تحركت للخارج محتضنة حقيبتها كغلام مشرد.

...........

استنشقت الهواء المعبأ بالدخان في غرفتها بينما تتقلب في فراشها كالهرة المدللة، استندت إلى مرفقيها و طالعت صديقاتها بنظرات حائرة شاردة، فقالت إحداهن بينما تزيل المستحضرات الكثيفة عن وجهها "كيف ستقومين باستغلال هذا الشاب الوسيم الذي شغف بكِ من النظرة الأولى؟"
استنشقت جل الهواء المحيط بها ثم زفرت الحيرة المضطربة في نفسها مع إجابة مفككة عديمة اللون تظهر ما يجول في نفسها من تساؤلات..
"أظن أنني ألقي بنفسي إلى التهلكة"
لم يبدُ على أحد أنه تفطن حقا لما تعنيه بكلماتها أو حاول ذلك.. ذلك لأنهن اعتدن منها التفوه بكلمات كتلك لا يفهمنها ولا يدرين في أي موضع تستخدم.

تجمعنَّ حولها باهتمام و أصررن عليها أن تحاول ملاعبته بألاعيب لا تنفك عنها حتى يسقط صريعا لهواها و حينها...فقط حينها تنجو من مستنقع مستحضرات التجميل الرخيصة ذاك.
كان حديثهن صادقا.. صريحا مع بعض الفظاظة و القسوة اكتسبنها من فظاعة الأيام لكنه بسط أمامها منافع عديدة من علاقتها مع هذا المشتبه به...إلا أنه قلَّما حصلت امرأة مثلهن على منفعة من رجل بدون ظلمات و خسائر في المقابل..فالعالم السفلي الذي تسكنه تسيره قوانين شيطانية لا يكاد المرء يهرب منها!

"ماذا لو كان هو قاتل الزهور الجنائزية ذاك الذي يتحدث عنه الجميع في الملهى؟"
قالت إحداهن تطرح فرضيتها الذهبية على "دليلة" التي كانت تملك مسبقا فكرة عنها و خوفا حقيقيا من تحققها...بالرغم من كون القبض على ذلك القاتل يعتبر أولويتها و مفتاح خروجها من عبودية الشهوة تلك لكن النفس على صاحبها عزيزة و هي لا تريد الموت في ثياب العاهرات...
على كل حال هي بالفعل تتحقق من الأمر برفقة الضابط لذا فرضياتهن الجهنمية أثناء الاستعداد للنوم قابلة للصدق و البطلان...
تقلبت بحيرة داخل فراشها كلفافة تبغ معدة بعناية ثم خلدت إلى نوم عميق دون كلمة إضافية

************

نفث دخان سيجارته الغالية بينما ينظر للسماء و ذراعيه مفروجتين على وسعيهما... مستشعرا المد الرهيب للرياح الموسمية و الرائحة القوية للكعك المعد منزليا الذي يأتيه دوما بوقاحة من منزل جارته المتزوجة حديثا... لو امتلك في حياته خيار قتل زوجها فقط للاستمتاع بذلك الكعك، لكن ياللبؤس فهو مضطر لاتباع قوانين صارمة في جرائمه كيلا يتشتت تفكيره و تتبعثر أهدافه السامية في تحقيق الخلاص للمجتمع.
جعلته تلك الفكرة يحدث المرأة المستلقية بجواره بشيء من اليأس أن تكون إجابتها أقل سطحية مما يتصور "ماذا في اعتقادك قد يجعل العالم أفضل يا سالي؟"
انزلقت المعنية بالحديث في دثارها و اتخذت وضعا مريحا أكثر و مدفئا لبدنها المنهك ثم أجابت باهتمام فاتر لكن عاطفتها انسلت منه "إن صارت امرأة مثلي تجلس في منزلها و ثمة من ينفق عليها بمال حلال"
"لكنك استمتعت بما فعلناه قبلا؟"
"كنت لأكون أكثر استمتاعا بكَيّ ثياب رجل أحبه قبل صلاة الجمعة"
تنهد بعمق و بصق عقب سيجارته و غار عقله في دوامة لا تنتهي من الأفكار بسبب كلماتها تلك...تساءل حقا عن معنى العمل الشريف لديها لتتفوه بمثل تلك الكلمات أمامه ببساطة دون عقد أو فلسفات عميقة؟ في نفسه كان قد نوى حتما تمزيق عنقها في خلال بضعة أيام لكن تلك العبارات الصادقة التي عبرت بها عن مبتغاها في الحياة و رؤيتها لليوتوبيا التي تتحقق فقط بتحقق السلام لبنات جنسها جعلته يفكر في الخسارة التي سيتكبدها العالم إن انتهى بها الأمر ميتة كعاهرة بدلا من ربة منزل..
جمع ذراعيه و احتواها بداخلهما ثم طرح عليها فكرة كانت عبثية برغم اعتماد حياتها عليها فعليا بالنسبة له..

"ماذا لو وجدت لكِ زوجا يقبل بك و يعفو عن ماضيك لكنه به عيب خطير للغاية؟"
انتفضت المرأة جالسة على ركبتيها أمامه فحجبت عنه ضوء القمر بينما تهتف بجموح و تهور "و إن كان أعمى و أعرج و أخرق سأقبل به مادام رجلا لا أضام في حماه"
حسنا...كانت تلك كلمات إطالة العمر بالنسبة لـ"سالي" التي أوشكت على الانتقال للبرزخ مع زهرة بيضاء فوق جثمانها قبل قليل.

************

حركت بصرها بين الحضور بإهمال بينما تعبث بخصلة مموجة من شعرها....تكاد تفقد صوابها بالبقاء في تلك الأصوات الصاخبة صباح مساء حتى يأمر الضابط المصون من مقعده على المكتب المرموق بالخطوة التالية في خطتهم، تشعر كأن ثلة من الأطفال يركضون على ظهرها من شدة الألم الذي يسببه الحذاء ذو الكعب البغيض..

أغمضت عينيها آملة ألا يقوم القاتل بالظهور فجأة حين ترخي دفاعها و حاولت بشكل غير مفهوم عزل صوت المغني الحاد عن مسامعها حتى تنتهي فقرته، إلا أن تلك الخدعة السحرية عديمة النفع باءت بالفشل..

"دليلة يا أميرة الأميرات.."
نادتها صديقتها بنبرة ممطوطة مستهزئة و هتفت بكل بساطة بما كانت تنتظره من أول اليوم "يخبركِ "القس" أن تتعطري و تتوقفي عن التذمر لأن زبونك الذهبي قد وصل"

اه يا إلهي ها هو هنا مجددا كما توقع الضابط! عاد ربما ليجعلها عشيقته أو ليجعل دماءها غذاء للتربة في ظلام أحياء الزمالك... أيا كان ما يرغب به منها فهي ترغب في رؤية وجهه كأنه العرض اليومي الذي بات يحرك المياه الراكدة في لياليها و يقربها خطوة من التحرر كما وعدها عبدالله.
استحضرت تلك الكلمات بينما تتوجه نحو عادل المستقر فوق أريكة مريحة في الزاوية بخطوات طرقت بها على أبواب الخطر...كلما تمعنت به لم ترَ في جلسته ولا طريقته في الحديث و النظر إليها ما يجعل منه قاتلا في قضايا قتل بسبب "الجنس" هكذا صنفها لها عبدالله حين كان يشرح لها نسبة الخطورة فيما تفعله...

رأته يطالعها من بعيد و إن لم يخطئ بصرها فهو يبتسم ابتسامة أوسع من التي منحها إياها بشُح المرة الماضية. امتدت يد رجل سمين مخمور لا يدري أبشر كان أم بجعة نحوها لسبب لا تدريه بينما يضحك كوحيد القرن الهائج، فانفلتت من بين يديه برشاقة مبهرة عن طريق الالتفاف في اتجاه معاكس حول نفسها و استكملت طريقها دون عقبات إضافية...
فقط لأنها امرأة مميزة للغاية لدى القس أو فرحات صاحب تلك الشبكة العميقة يمرر لها مثل تلك التصرفات "عديمة التهذيب" مع الزبائن... فالرجل لا يأتي هنا و يدفع المال ليشعر بأنه غير مرغوب!

"تعالي و اجلسي هنا عزيزتي"
أخذ يدها برفق حتى تمر من جانب الطاولة و تجلس أمامه..
وضعت ساقيها ملتصقين في شكل مائل مرتب و أراحت كفيها فوق ركبتيها لتكمل بذلك لوحة الرقي التي تميزها...ابتسمت بخفة و رحبت به بكلمات وجيزة تعبر عن امتنانها لوجبة العشاء المثالية التي حصلت عليها برفقته. راقبت نظراته التي تجولت عليها بغرابة كأنه يطالع شخصا غريبا لا يستطيع سبر أغواره و رمشت عدة مرات كحث على الحديث من طرفه كيلا يستمر في إثارة أعصابها..

"ماذا عن نزهة بالدراجة النارية الخاصة بي؟ هل يعجبك شعور كاسر الريح؟"
قال باستمتاع لا يظهر بسهولة و توقف عن النظر إليها كما بدا أنها تتمنى، كان متحمسا لتلك الرحلة التي سيتمكن عن طريقها من معرفة إن كانت ستعيش أم ستلحق برفيقاتها إلى الجنة...

*********

جلس القرفصاء أمام مدفأة منزله و راقب النيران البرتقالية تتقاتل و تتصاعد بشكل غير روتيني بالمرة...نظر لهاتفه نظرة خاطفة على أمل ظهور اسمها أمامه في اتصال أو رسالة لكن الأمر تأخر أكثر مما تصور، خائف بالطبع هو كذلك فتلك المرة كانت رسالتها خطيرة أكثر من ذي قبل، قالت بوضوح أن عادل دعاها لنزهة على الدراجة...و تلك النزهة بكل تأكيد تقع في الطريق الذي اعتاد أن يقتل فيه أو يلقي ضحاياه فيه! المخاطرة شديدة و المسكينة قبلت بها سعيا لنيل حياة شريفة هادئة كالتي اعتادتها قبل معرفة "القس" لا يدري حقا هل أطلق الرجل على نفسه ذلك اللقب سخرية و استهزاءًا أم أنه يتصور حقا أنه يحقق الخير للعالم بإشباع شهواتهم و غمسهم في الخطايا و الذنوب؟

تنهد بعمق ليخفف من توتره ثم تحرك مصطحبا هاتفه إلى الكرسي المجاور للنار و طالعه مرة أخيرة قبل أن يقرر التحرك إليها فرأى رسالة منها كانت كالماء المسكوب على ظهر ثعبان يكاد يموت عطشا "أنا في منزل عادل سيدي، لم يحدث أي شيء خطير...لكن لا أشعر بشعور جيد تجاهه، أنا جدا خائفة ولا أدري ما قد يحل بي. أرجو أن رجالك بالقرب من المكان كما وعدتني فهو يصر عليَّ للمبيت و أنت أمرتني أن أنفذ ما يطلبه في نطاق المسموح....هل أقبل؟"
بالتأكيد هو لا ينوي قتلها...كذلك فكر عبدالله بينما يقرأ تلك الكلمات الوجيزة...إما أن عادل مجنون من نوع ما لكنه ليس القاتل، و في تلك الحالة لن يقتلها على أي حال. أو أنه القاتل لكنه اختار ألا يقتلها و جعلها في بيته لهدف في نفسه المشوشة.

تواصل عبد الله مع رجاله المحيطين بالمنزل ليؤكد الحماية ثم راسلها برسالة بسيطة جمع بها جل ما ينبغي لها معرفته في الوقت الراهن "اقبلي بالمبيت ولا تسمحي له بتجاوز ذلك الحد، إن كان عادل هو القاتل و نال منكِ أي شيء لن يتردد في قتلك"
تحرك ذهابا و إيابا في الغرفة يحاول التفكير بجد بشأن سلوكيات ذلك الرجل الغريبة مع امرأة أغرب كدليلة..لا فكرة لديه لمَ قد يعاملها بتلك الطريقة المحيرة إن لم يكن يرغب باختبارها و استدعاء الرغبة الكامنة فيها بالمال و الرفاهية، المشاعر القوية التي تقدر على استعباد أعتى الأشراف مدعي العفة و الطهارة.. الشعور الطاغي بالرغبة.

*******

"هل استمتعتِ بالعشاء؟"
قالها عادل بينما يتبعها على السلالم الحلزونية المؤدية لغرفتها بنبرة عادية يشوبها النعاس و الخمول...كانت ليلة عادية للغاية بالنسبة لما توقعه منها لكن على الأقل تجيد استعمال أدوات المائدة ولا تأكل كمن لم ترَ الطعام في حياتها قط.
ابتسمت له ابتسامة خفيفة و أومأت بتهذيب مجيبة "كان الأفضل، لم أتذوق طعاما لذيذا كهذا منذ مدة"
هل يعني هذا أنها قد تذوقت من قبل طعم اللحم الياباني الأغلى في العالم لكن منذ زمن؟! هذا تغير ملحوظ في الحبكة التي تصورها عن حياتها في ذهنه...ففي عقله كانت امرأة فقيرة معدمة حاولت العمل عاملة نظافة في مكان قام ببيعها لرجل عصابات من الياكوزا و استمرت معه حتى أخذه الموت و عادت لملكية القس. لكن كما يبدو له الآن فقد تحدرت تلك الزهرة النبيلة من عائلة أرستقراطية!
راقب شبحها يختفي داخل الغرفة بالثياب الفضفاضة التي منحها اياها و هبط درجات السلم متجها نحو مخدعه...
كانت هي قد استقرت في فراشها و استعدت للنوم بهناء و راحة متناسية تماما أمر القتل أو القاتل، تقلبت في فراشها و تدثرت جيدا متصورة ما قد تكون عليه حياتها إن استيقظت من نومها و رأت أن الفراش الذي هو لضيافتها الآن فراشها و أن الحياة لم تطعمها العلقم المر طيلة تلك السنوات...لم تعاني طويلا لكنها عانت بقسوة على غير ما تخيلت يوما أنها قد تحتمل، و ها هي الآن تحصل على النوم الهادئ الأول في حياتها بعد تلك الليلة التي قابلت بها فرحات.

لا تدري صدقا كم ساعة مرت على نومها إلا أنها استيقظت على صوت ناعم للموسيقى يتسلل برفق لمسامعها و حركة أقدام على الأرضية الخشبية تنبئها بالمزاج الجيد لصاحب المنزل..
فتحت الباب ببطئ و بتردد و خوف رهيبين مما قد يعنيه هذا الصوت و السلوك الذي يقوم به عادل في وقت متأخر من الليل... يرقص بثياب النوم و إزار مفتوح بينما يتمايل بكأس الشمبانيا الذهبي يمنة و يسرى على نفس وتيرة قداس الموت الذي يتردد من المسجل!
كانت - مع الأسف الشديد - تميز تلك المقطوعة و تعرفها لذا لم تتمكن من دفع الشعور بالرعب حين رأته يثمل على أنغامها!! قبضت كفها فوق صدرها و تنفست بعمق ثم استجمعت شجاعتها و هتفت بصوت رخيم "أراك سعيدا..لم ترقص على تلك المقطوعة الحزينة سيدي؟"
توقف عن التمايل و لم يتوقف حقيقةً عن الترنح ثم بسط ذراعيه ضاحكا بلا سبب و هتف مجيبا عليها بصوت جهوري "لست سعيدا، فأنا وحيد بلا شخص يشاركني الليل و يرقص برفقتي"
طالعته بعمق و أصابتها شفقة عليه حملتها على التحرك من مكانها نحوه - بعدما تسمرت فيه هنيهة - راجيةً أن تكون تلك الرقصة التي تشاركه إياها مفتاح نجاتها إن كان القاتل و جلاء همه إن كان مجرد رجل تعيس...

Continue Reading

You'll Also Like

1M 38.5K 50
تقدمت عليه واني احس الخوف والرعب احتل كل جسدي وقلبي أحسه توقف واني اشوفه جالس گدامي مثني رجله وخال عليه ايده والايد الثاني ماسك رأسه متوجع قربت عليه...
28.9M 1.7M 55
حياةٌ اعيشها يسودها البرود النظرات تحاوطني أواجهُها بـ صمود نظراتٌ مُترفة .. أعينٌ هائمة ، عاشقة ، مُستغلة ، عازفة ! معاشٌ فاخر ، صوتٌ جاهِـر اذاق...
3.7K 546 35
انهما فتاتان واحدة سارقة والأخرى منقبة متعلقتان ببعضهما البعض ، كمثل الشجر يحمل أغصان... كيف سيكون مصيرهم اذا ذهبتا الى عصر اخر ليس الماضي او المستقب...
925 174 15
اكشن رومانسي حركة اجتماعي