التقينا فأشرق الفؤاد بقلم / إ...

By SamaSafia

102K 2.7K 90

رواية تدور أحداثها في الصعيد وما يحتويه من عادات وتقاليد تربط بين العائلات من خلال يوسف الذى تجره الأحداث للع... More

الفصل الأول
الفصل الثانى
الفصل الثالث
الفصل الرابع
الفصل الخامس
الفصل السادس
الفصل السابع
الفصل الثامن
الفصل التاسع
الفصل العاشر
الفصل الحادى عشر
الفصل الثانى عشر
الفصل الثالث عشر
الفصل الرابع عشر
الفصل الخامس عشر
الفصل السادس عشر
الفصل السابع عشر
الفصل الثامن عشر
الفصل التاسع عشر
الفصل العشرون
الفصل الحادى والعشرون
الفصل الثانى والعشرون
الفصل الثالث والعشرين
الفصل الرابع والعشرين
الفصل الخامس والعشرين
الفصل السادس والعشرين
الفصل السابع والعشرين
الفصل الثامن والعشرين
الفصل التاسع والعشرين
الفصل الثلاثون
الفصل الواحد والثلاثون
الفصل الثانى والثلاثون
الفصل الثالث والثلاثون
الفصل الرابع والثلاثون
الفصل الخامس والثلاثون
الفصل السادس والثلاثون
الفصل السابع والثلاثون
الفصل الثامن والثلاثون
الفصل التاسع والثلاثون
الفصل الأربعون
الفصل الواحد والأربعون
الفصل الثانى والأربعون
الفصل الثالث والأربعون
الفصل الرابع والأربعون
الفصل الخامس والأربعون
الفصل السادس والأربعون
الفصل السابع والأربعون
الفصل الثامن والأربعون
الفصل التاسع والأربعون
الفصل الواحد والخمسون
الفصل الثانى والخمسون
الفصل الثالث والخمسون
الفصل الرابع والخمسون
الفصــل الأخيــر
الخـاتمــــة

الفصل الخمسون

1.5K 49 0
By SamaSafia

أغلقت الحقيبة الصغيرة التى تحوى ملابسهما معاً ثم استقامت تدور بعينيها خلال الغرفة الفندقية الفاخرة التى قضوا بها الأيام السابقة، توقفت عينيها خارج حدود الغرفة من خلال باب الشرفة المشرع تتوغل منبهرة بتشكيلات السحب الساحرة فى صفحة السماء الصافية

ابتسمت برقة وتركت الحقيبة فوق الفراش وتوجهت بتمهل نحو الشرفة حيث منظر النيل البديع المتلألئ تحت أشعة الشمس الذهبية، سحبت نفس طويل من الهواء النقى يملأ صدرها انتعاش وطمأنينة وأمل قبل أن تطلق سراحه بملامح راضية

مر ثلاثة أيام منذ أن قامت بإجراء العملية واطمأنت لنجاحها وانفرج باب الأمل على مصراعيه أمام عينيها ورغم تكتمهم للأمر وخوضهم هذه المحنة منفردين إلا أن طه كان خلال هذه الأيام نعم الزوج المحب الحنون الذى دعمها وآزرها وتألم مع ألمها ولم يشعرها بأى وحدة أو احتياج لأى شخص سواه

لم يتركها لحظة ووفر لها كل سبل الراحة، قدم الدعم والاهتمام والاحتواء "أهكذا إذن يكون عوض الله الجميل" ابتسمت بنعومة ووجهت مقلتيها نحو السماء ممتنة حامدة آلاء الله عليها

تسلل من خلفها بعد أن خرج من حمام الغرفة ووقف خلفها مباشرة وهى سابحة فى ملكوت الله تسبح بحمده وغافلة عما حولها حتى شعرت بكفيه الدافئين يحتويان خصرها ويجذبها بلطف ليلتصق ظهرها بصدره الحانى، أحنى رأسه قليلاً ليريح ذقنه فوق كتفها بعد أن طبع قبلة رقيقة على وجنتها وقال هامساً

:- بتغازلى السما ولا إيه! .. ما تعرفيش إنى چوزك بيغير عليكِ من السما والشمس وحتى النسيم

اتسعت ابتسامتها حتى أضاءت تقاسيم وجهها وعينيها واندست أكثر فى صدره وكفيها يرتفعان ليتشبثا بذراعيه أما رأسها فمال جانباً ليطالع ملامحه المحببة لقلبها خاصة حين يتخلى عن نظارته الطبية التى تُخفى عينيه الحانية كما يفعل الآن وقالت ممتنة بنبرة حب وغزل

:- كنت بشكر ربنا على الراچل اللى امتلك جلبى وسكن روحى وكان لى عوض عن الدنيا كلاتها

اشتدت قبضتيه على خصرها بتملك وعاد خطوة للخلف ليظلا داخل حدود الغرفة بعيداً عن العيون المتلصصة قبل أن يديرها بين يديه ويحتضن وجهها بمودة يتعمق فى عينيها يتساءل بلهفة :- صُح يا ست البنات .. أنا عوض ربنا لكِ .. والله ديه أحلى كلمة سمعتها اتجالت فى الحب

جذبها إلى حضنه يتشبث بها بقوة، يتوحدا سوياً فى جسد واحد، يحتوى كل منهما الأخر يستمد منه قوته وعزمه، صوته الهامس بحرارة يتخلل أذنها مصرحاً بحبه :- والله ما عشجت فى يوم غيرك يا ريحة الياسمين

عضت على شفتها السفلى ندماً وآسفاَ، كم تمنت أن يكون طه هو أول وأخر زوج فى حياتها ولكن إرادة الله فوق كل شئ ومن المؤكد أن طه الوحيد الذى استوطن قلبها ونثر ضياء الحب فى جنباته

تنهدت بحرارة تغرز أناملها فى ظهره بتملك تبادله الهمس والعشق ودمعة دافئة تنسال من جانب عينيها :- بحبك يا طبيب الجلب والروح

طال احتضانهما حتى أخرج طه نفس طويل ساخن من فمه وابتعد برأسه قليلاً يطالع ملامحها الهادئة الرقيقة وقال بامتنان وارتياح

:- والله ريحتى جلبى يا ست البنات .. كنت جلجان أكون ضغط عليكِ لاچل ما نروح للدكتور وحكاية العملية ديه كُمان .. لو تعلمى كد إيه كان خوفى عليكِ وأنتِ فى العملية لحالك لعرفتى كد إيه بعشجك

مطت عنقها لتضع قبلة طويلة رقيقة على خده وقالت بدلال :- خابرة مليح كد إيه بتعشجنى وكد إيه بعشجك يا طبيب الجلب

وجدت نفسها ترتفع عن الأرض بغتة، يعتصرها بين ذراعيه بجسده الضخم وهى تضحك بمرح وسعادة محيا كل حزنها وخوفها السابق من الحياة، ربتت على ظهره وقالت تحثه على تركها

:- نزلنى يا طه ويلا بينا نلحج نعاود لدارنا لو فضلنا إكده مش هنعاود فى نهارنا

أنزلها ببطء أرضاً وفك ذراعيه قليلاً دون أن يفلتها وأقترح بحماس :- طب رأيك إيه نجضى الليلة كُمان إهنا ... الفندج مريح والجعدة حلوة

قهقهت مرحاً على تلهفه الواضح وتملصت من بين ذراعيه هاتفه بعتاب لطيف وهى تعود نحو حقيبة السفر الموضوعة فوق الفراش

:- لو تركت لك الأمر مش هترحل من إهنا واصل .. أنا دارى وحشنى جوى وأنت عنديك شغل وأنا كُمان الأچازة خُلصت والدراسة هتبتدى السبوع الچاى ولا نسيت

نفخ بتذمر يحرك رأسه بامتعاض وقال مستسلماً قبل أن يقبل الفكرة ويعدل رأيه :- وليه تفكرينى بس بالشغل يا بنت الناس .. ولا أجولك واچب نعاود برضك وأشتغل أكتر وأكتر خليص هنبجى صحاب عيال ولازمن نعيشهم أحلى عيشة

خطى عدة خطوات ليقف بجوارها ومسك كفها بين راحتيه يرسم معها أحلامه وأماله المشتركة لهما :- تعرفى بفكر فى إيه كُمان .. أشترى عربية هنحتاچها كتير لما ننزل المحافظة وكُمان لاچل ما أوصل الولاد للمُدرسة

أنطلقت ضحكة عالية منها وهى تسحب كفها من بين راحته واحتضنت رأسه بين كفيها تتأمل ملامحه بعيون عاشقة هاتفه فى وجهه بمرح :- خليص خلفنا والعيال راحوا المدرسة كُمان

محت المسافة بينهما ورقت نبرة صوتها وهى تقول بود :- تعرف أكتر حاچة بحبها فيك إيه يا طه .. يقينك فى الله .. ربنا ينولنا اللى فى بالنا عن جريب يا حبيب الجلب

مال عليها يحاول تقبليها لكنها تحركت سريعاً هاربة منه نحو الكومود والتقطت النظارة الطبية خاصته من فوقه ثم عادت تضعها فوق أنف زوجها واستقبلت قبلته الناعمة التى داعبت شفتيها برضا قبل أن تحثه على المغادرة إلى قريتهم هاتفه برقة

:- يلا بينا يا طه .. أتوحشت أمى جوى جوى

أومأ مستسلماً وأقترح عليها بسلاسة:- بس إكده .. هوصلك لحد عنديها طوالى واجعدى براحتك وياها وأخر النهار أعدى عليكِ ونروح على الدار

ربتت على كتفه مرحبة باقتراحه ودعت له من قلبها :- ربنا يخليك ليا يا طه

اتجه صوب الفراش والتقط الحقيبة الموضوعة فوقه وهى تناظره بخجل ترغب فى الإفصاح عن طلبها، بللت شفتيها واقتربت منه بتمهل تردف بنبرة هادئة :- طه .. كان ودى أخبر أمى أننا زورنا الدكتور وطمنا أن فى أمل فى الخلفة

أمال رأسه يناظرها بلوم فلقد قطعوا الشوط الأطول والأهم من مشوارهما فى الإنجاب واتفقا على الكتمان ولا داعى للحديث الآن، أسرعت تبرر فكرتها بنبرة تشبه الرجاء فوالدتها هى رفيقة دربها وترغب فى مشاركتها سعادتها

:- بدى تفرح أمعانا ومش هتحدت فى تفاصيل العملية ولا غيره ديه هتفضل سر بيناتنا .. جولت إيه يا طبيب الجلب؟

زفر بقوة يرمقها بنظره مستسلمة فلا يستطيع ولا يرغب فى الضغط عليها أكثر، إيماءة بسيطة من رأسه دفعتها لتتعلق بعنقه وتنثر قبلاتها على وجهه ممتنة لحبه وإحتوائه لها

***************

وكأن هذا المشروع أعاد الحياة داخل أوردته فتدفقت الدماء ونشط جسده فأصبح يقضى يومه بين الأرض المخصصة لبناء المشروع وبين العمل على الرسوم الهندسية والتخطيط للمشروع كما يفعل الآن أمام حاسوبه المحمول

باغتته لينا من الخلف تحيط عنقه بذراعيها وتقبل وجنته بقوة هاتفه بدلال وشقاوة :- المشروع ده أخدك منى يا بابى .. أنا بدأت أغير منه

تمسك بساعدها ورفع رأسه نحوها يقارعها بالمثل

:- وأنا ليه ماغرتش من الدكتورة المشغولة ليل ونهار فى المستشفى ونسيت بابى المسكين

ضحكت بمرح تحاول أن تتحلى به حتى يخفى حزن قلبها المحطم، تعمل بجهد على تجاوز حزنها وإصلاح قلبها المكسور إن كان يجوز إصلاحه، أغرقت نفسها فى العمل وتجنبت التواجد فى أى مكان قد يجمعها بأى عضو من عائلة البدرى حتى أمل تتوخى الحذر فى الحديث معها تجنباً لأى ألم قد يلامس قلبها إذا ذكر اسم الحبيب فيكفيها ما تكتمه وتعانيه داخل قفص صدرها الضيق بأشجانه

دارت حول الأريكة التى يجلس عليها والدها وجلست بجواره تضم كفه بين راحتيها وقالت بدلال وشقاوة :- نبقى خالصين يا بابى

تأملت ملامحه المنشرحة رغم نظرته المتفحصة الذى يتمعن بها داخل سماء عينيها يخترق هذه القشرة المدعية المرح ليصل إلى موضع الألم ويشاركها فيه

اهتزت ابتسامتها أمام نظرته المتمعنة وشدت على كفه أكثر تهزه بين راحتيها بثقة تواكب نبرتها الجادة تحاول أن تطمأنه وتجيب سؤاله الغير منطوق

:- الوقت كفيل يصلح كل حاجة والشغل أجمل علاج وخصوصاً لما يكون رسالة وهدف

هربت من نظراته المحدقة ومالت بجذعها على شاشة الحاسوب تتأمل الرسم ثلاثى الأبعاد الذى يعمل عليه ثم هتفت بانبهار

:- واااو .. رائع يا بابى التصميم مستوحى من بيئة المكان ومتقسم حلو أوى

تنهد بعمق وأعتدل يطالع شاشة الحاسوب معها ووضح فكرته معقباً على حديثها :- مش بس كده .. ده كمان هيتبنى بالخامات الطبيعية الموجودة بالبيئة المحيطة يعنى استغلال للموارد الطبيعية

لفت رأسها تطالعه بافتخار وهتفت تمدح عمله وأفكاره

:- حضرتك بتعمل إبداع وطراز يستمر العمل كله .. هايل يا بابى هايل

عادت تنظر إلى الرسم المجسم ثم أشارت بأصبعها نحو الشاشة تطلب بجدية :- بابى أنا عاوزه غرفة اجتماعات ممكن تكون أممم ... هنا

ضيق عينيه يستفسر بعدم فهم :- اجتماعات!!

عضت طرف أصبعها مفكرة ثم قالت موضحة :- أقصد قاعة نعمل فيها ندوات توعية للسيدات والبنات والولاد الصغيرين كمان .. قاعة ندوات

تفهم حديثها ونظر نحو الرسم المجسم الذى أعد فيه كل ما يمكن أن يفيد فى غرض المشروع المتكامل قائلاً

:- تمام .. ده ممكن يتم فى الساحة الخارجية أو فى المعرض الخارجى للمنتجات وبكده نضرب عصفورين بحجر واحد .. يحضروا الندوة ونسوق للمعروضات

صفقت بكفيها بسعادة ومالت على والدها تضمه وتضع رأسها فوق كتفه بحب قائلة بابتهاج

:- أنا فرحانة أوى عشانك يا بابى .. حساك مبسوط بالمشروع ده ومشغول به ومالى وقتك

مسد كتفها بحنان وهو يهز رأسه مؤيداً وزفر بقوة موضحاً مشاعره الخاصة

:- عندك حق يا لي لي أنا فعلاً سعيد بالمشروع ده جداً .. أنا كنت جاى البلد وناوى على التقاعد .. لكن المشروع ده رجعلى شبابى وخلى عندى هدف وحاسس إنى ليا لازمه فى الحياة

اندست فى أحضانه أكثر تتشبث به كطفلة صغيرة تهفو لحنان وعشق والدها وهى تعاتبه بدلال

:- إزاى تقول كده يا بابى .. حضرتك أحسن حد فى الدنيا ومش بتبخل بخبرتك على أى حد ولك قيمتك وعلمك

مسح على خصلات شعرها الأشقر الحريرى الذى بدأ فى الاستطالة نسبياً وأطلق ضحكة قصيرة يناغشها قائلاً :- ده كلام بنوتى الصغيرة اللى بتحب أبوها

لم تنفصل عن حضنه وتركت رأسها يرتاح فوق صدره، تنعم بدفء وحنان أول حب فى حياتها

رنات هاتفه المحمول مع إضاءة الشاشة باسم المتصل بعثرت دقات قلبها وعينيها ترتطم باسم (جلال) يومض على شاشة الهاتف ويوحد دقات قلبها مع نغمات الهاتف

اعتدلت جالسة وطأطأت رأسها ألماً بينما اختطف والدها الهاتف ورفض المكالمة ثم وضعه جانبه وأنامله تداعب خصلاتها وعينيه تتفحص التغييرات التى طرأت على ملامحها

ما زالت تحبه ومجرد ظهور اسمه يقلب كيانها ويضرب الوجع قلبها المقهور، ناظرها بتعاطف وقبل أن يتحدث كانت تتكلم بخفوت دون أن ترفع رأسها

:- استقبل المكالمة يا بابى .. أنا فاهمه أن المشروع ده مهم ليكم .. وهيجمع عائلات البلد كلها وسعيدة بالفكرة ديه جداً

رفعت رأسها ترسم بسمة بلاستيكية خالية من المشاعر تدعى بها الهدوء وهى تقول كاذبة :- بنتك قوية وتقدر تتخطى أى صعب

مالت عليه تقبل وجنته بخفة ثم نهضت مدعية المرح :- أنا هعمل لحضرتك شاى صعيدى بالقرتفل عشان تكمل شغلك بمزاج

تشبث بكفها وعينيه مرفوعة نحوها تتفحص ملامحها المرتبكة يجاريها فى مرحها المزيف :- وأنتِ هتعرفى تعملى شاى صعيدى يا خوجاية أنتِ

ضحكت بلا قلب موضحة :- هتدوق بنفسك .. أمل علمتنى وبقيت خبرة فى الشاى الصعيدى

ضحكت من جديد وهى تسرع هاربة نحو المطبخ وقد تجعدت ملامحها تقاوم عبرات تلح فى الأنتحار من حافة عينيها توقاً وحنيناً لحبيب يستحيل لقائه

تابعها والدها حتى اختفت داخل المطبخ ثم تناول الهاتف وطلب الرقم من جديد بمجرد أن انفتح الخط وجد صوت جلال معتذراً

:- أسف جداً يا باشمهندس لو اتصلت فى وقت غير مناسب

تنهد صلاح بخفة مُرخياً أجفانه وهو يشعر بنبرة الندم فى صوت جلال، حتى فى لقائهم السابق شعر به يتجنب التعامل معه حرجاً لكن الأمور اضطرته للتعامل يبدو أنه مازال يكن مشاعر نحو ابنته لكن الأقدار عاندته .. زفر صلاح بقوة ومسح على وجهه بخفة قائلاً بتعاطف

:- مفيش داعى للاعتذار يا ابنى .. أنا اللى واجب اعتذر منك لكن كنت مشغول شوية

تنحنح جلال على الجانب الأخر ثم قال بعملية وسرعة حتى ينهى المكالمة سريعاً ويرفع الحرج عن كليهما

:- العفو يا باشمهندس حضرتك مقامك كبير أوى .. أحنا نضفنا الأرض بالكامل النهارده والبيت القديم اتهد .. وبكره الصبح العربيات هتيجى تشيل كل المخلفات وتبقى الأرض جاهزة لحضرتك تبدأ حفر الأساسات

غلبت عملية تفكير صلاح الموقف وهز رأسه باستحسان مادحاً

:- ما شاء الله .. ده شغل ياخد مش أقل من أسبوع خلصتوه فى يومين بس

أجابه جلال عبر الهاتف مفسراً :- أنا ويوسف تبادلنا الشغل والمتابعة والحمدلله أنجزنا

أعجب صلاح بشخصية جلال الجادة والعملية بعد الاحتكاك به والتعامل معه، كم كان يرغب لابنته برجل مثل هذا لكن النصيب غالب، زم شفتيه مستسلماً للقدر وقال

:- شكراً يا باشمهندس جلال تسلم الهمة وربنا يكمله على خير

:- آمين يا رب .. وأحنا فى انتظار الخطوة القادمة استأذن حضرتك

أغلق المكالمة ودار بعينيه فى الأرض الزراعية المحيطة بمنزله ومن بعيد كان هناك قابعاً منزل عائلة السمرى شامخاً بسكون، تنهد بعمق ثم استدار ليدلف إلى جناحه وتقع عينيه على زوجته التى تجلس تقرأ فى كتاب الله بسكينة

تقدم نحوها وجلس بجوارها حتى توقفت والتفتت نحوه بابتسامتها المعهودة مال عليها يلثم جبينها بقبلة سريعة ثم سأل بعفوية

:- هنفضل قاعدين هنا مش هننزل نقعد مع عمة أصيلة والعيلة شوية

حركت رأسها علامة القبول إلا إنها وضحت بهدوء :- حاضر .. ننزل بس أخلص الچزء ديه

تأمل وجهها دائم الشحوب ومسح على وجنتها بنعومة يقول باهتمام يطمأن عليها :- أنا ملاحظ أن اليومين دول بتقضيهم فى الصلاة وقراءة القرآن وبعدتى كتير عن الناس

:- الصلاة والقرآن الكريم خير من الدنيا وما فيها

قالتها برضا وعينيها تتجه نحو السماء المموجة بلون الغروب فى خارج الشرفة، أكد على كلامها بإيماءة من رأسه وقال يجادلها بهوادة :- صحيح .. وكمان مخالطة الناس وحسن معاملتهم خير وخصوصاً لما تربطك بهم صلة نسب وأرحام

ضمت راحته الموضوعة فوق ساقه و أرخت جفنيها تؤيد حديثه بجاذبية ابتسامتها الرقيقة، أعتدل فى جلسته مائلاً نحوها وقبض على كتفها الواهن النحيل يتعمق فى عيونها الطيبة ويسألها باهتمام وتخوف

:- طمنينى يا صفا .. أنتِ حاسة بحاجة .. فى حاجة بتألمك أو مزعلاكى من أى حد

هزت رأسها نفياً سريعاً هاتفه بصدق :- أبداً .. أنا زينة أهاه .. وكل اللى فى الدار بيعاملونى أحسن معاملة .. ندى وشمس كيف أخواتى تمام وعمة أصيلة فى حنية أمى والله .. أما بجى ولاد شمس سبب للفرحة والبهچة

قطب جبينه مدعياً الغضب ورفع حاجبه يلومها مشاكساً بلهجة الأصلية :- ومفيش مكان لچوزك ولا إيه!!

ضحكت بمرح ورفعت رأسه تضم كتفه وتميل عليه مرددة بود ومحبة :- أنت الروح والجلب يا ولد خالتى

شدد من ضمتها يغدق عليها من حنانه واحتوائه ناثراً قبلات رقيقة خفيفة على وجهه ثم احتضن وجهها الصغير قائلاً بنعومة

:- كملى الجزء وبعدين ننزل نقعد معاهم تحت شوية ونطلع نكمل السهرة سوا

غمزها فى أخر جملته بشقاوة فأحمرت وجنتيها وطأطأت رأسها خجلاً وهو يتحرك يلتصق بها ويستكين بجوارها يستمع لقرائتها للقرآن الكريم بصوتها الهادئ المريح لقلبه ونفسه

****************

تجلس متكورة ببطنها المنتفخة أمامها تتأمل زوجها الذى يرتدى ملابسه، بنطال من الجينز داكن اللون وقميص أزرق داكن أيضاً

عضت باطن خدها من الداخل وهي تتأمله بنصف عين، منذ قرابة أسبوع وهو يسهر ليلاً حتى الفجر ثم يعود بعد الصلاة ليغفو لعدة ساعات ويستيقظ بعدها للعمل والفضول يأكلها أين يذهب وماذا يفعل طوال الليل خاصة وأن خالها عدلي يعلم بأمر سهرة يومياً ولا يعلق على هذا الأمر، هناك شئ يحدث فى الخفاء ولا تفهم ما هو!!

بللت شفتيها ثم تسائلت كما تفعل يومياً دون الحصول على إجابة شافية :- هتسهر الليلة دى لحد الفچر برضك يا فاروج

أنهى غلق حزام بنطاله بعد أن دس قميصه داخل البنطال وأجاب ببساطة بعد أن رماها بنظره سريعة :- أيوه نامى أنتِ وارتاحى ما تشغليش بالك علي

تحرك نحو الفراش وجلس على طرفه ثم سحب حذائه الرياضى ودس قدمه داخله أما هى فاتسعت مقلتيها غيظاً ونهضت ببطء تتوكأ على كفيها فوق الأريكة المريحة التى تجلس عليها وتقدمت صوبه حتى وقفت أمامه مباشرة وقالت بامتعاض

:- أنت بتروح فين يا فاروج كل ليلة .. مش ناوى تريح جلبى وتخبرنى

رفع عينيه يتفحص ملامحها المستاءة، ينعشه إحساسها بالغيرة عليه رغم مرور سنوات عديدة من زواجهما، غمز نحوها بشقاوة مع نبرة صوته الماكرة

:- ما إنى لابس كاچول أهاه .. لا چلابية ولا لاسة غيرانه ليه بجى

نفخت أشداقها بالهواء، تذكر كلامها السابق معه عن وسامته وجاذبيته فى الزى التقليدى، زفرت مطولاً بنفاد صبر هاتفه بتذمر

:- أنى مرتك ومن حجى تكون چارى وخصوصى إنى جربت أولد ولا بدك أولد وأنت غايب ولا سهران بره

تأمل ملامحها المستاءة التى تواجهه بها ورغم ذلك هى أجمل من رأت عيناه يوماً، مد كفه مفرودة نحوها وباليد الأخرى يربت على ساقه لتقترب منه وتجلس على ساقه يناديها بلين مغازلاً :- جربى يا ساكنة الفؤاد

هزت كتفها بدلال معترضة وكفيها تضم بطنها البارز مبرره بضجر :- لاه .. ما ينفعش أجعد على رچلك ببطنى ديه .. كيف يعنى

تأمل ملامحها العابسة ببسمة متسعة وضم ساقيه إلى جانب بعضهما البعض قائلاً بنعومة :- إكده كويس .. جربى تجعدى إكده

حركت رأسها بغنج ثم تقدمت بتمهل تجلس فوق ساقيه بحرص وهو يدعمها بذراعيه حتى استقرت فوق ساقيه بأريحية حتى أن قدميها ارتفعت عن الأرض وهى مستقرة على حجره، أحد ذراعيه يحيط ظهرها وكفه الأخر مرتاح فوق بطنها البارز يسألها مشاكساً :- هاه إكده مرتاحة يا غالية

أحاطت كتفيه بذراعيها تتعلق بعنقه ووجهها قريب من وجهه وقالت بدلع عفوى :- دلوك مرتاحة

أطلق ضحكة عالية محملة بحبه وسعادته بقربها ودلالها قبل أن يميل مقبلاً وجنتها بنعومة، يمرر شفتيه بعشق وحرارة فوق بشرتها هامساً بجوار أذنها

:- أنتِ ساكنة الفؤاد الوحيدة من يوم ما عنيا فتحت على الدنيا ولحد ما أفارجها

كتمت شفتيه بكفها تشهق جزعاً ولسانها يرفض كلامه بلهفة :- بعيد الشر عنيك يا حبة عينى .. ربنا يچعل يومى جبل يومك ولا نتفرج فى يوم واصل

شدد من ضمها إلى صدره بتملك لتميل رأسها ترتاح فوق كتفه العريض تبادله الاحتضان مقبلة عنقه الطويل وصوته الحانى يدعو لها :- ربنا يحفظك ليا يا أم الرچال ولا يفرج بيناتنا واصل

تنهدت بعمق وكفها يتحرك هبوطاً فوق صدره توضح تخوف قلبها عليه :- أنا خايفة وجلبى جلجان عليك يا فاروج .. إيه اللى بيحُصل وشاغلك بالشكل ديه

تمسك بكفها وأبعد رأسه قليلاً عن كتفها ينظر داخل عمق عينيها يبثها الطمأنينة بنبرته الدافئة

:- طمنى جلبك يا غالية .. وأدعى ربنا يتم مهمتنا على خير وتظهر الحجيجة .. المهم عندى إنك واثجة فيا وفى حبى لكِ

:- طبعاً يا خوى ده أنت جلبى يا فاروج

أسرعت مجيبة بصبابة وهو يمسح على شعرها وجذب ضفيرتها العريضة من فوق ظهرها لترتاح فوق كتفها يطمئنها لوجوده بجوارها

:- لو حسيتى بأى شى ولا الولادة حضرت كلمينى طوالى وفى دجايج هكون جصادك .. ولينا أهاه چارك وبتراعيكى لحد ما تنور بتى الصغيرة الدار

وضعت كفها على جانب وجهه تواجهه بشفة مقلوبة معاتبة :- يعنى برضك مش هتريح جلبى وتخبرنى إيه فيه

زم شفتيه مفكراً لثوانى، لا يستطيع البوح بخطة أحمد للقبض على المتسلل الخفى والتى تضطره للسهر ليلاً فى المضيفة لعمل كمين له وخاصة أن زوجته سبق وأوضحت غيرتها من شموع

حدق فى وجهها راجياً أن تمهله قليلاً يساومها بلين :- هجولك كل شى بالتفصيل كُمان .. بس أدعى يخلص الأمر على خير اللول

**************

حول النار الموقدة فى قطع الأخشاب الصغيرة والتى يعلوها إبريق الشاى المغلى جلس محروس وعرابى يتسامران ويتناولان أقداح الشاى الساخن كما اعتادا منذ شروعوا فى تنفيذ خطة القبض على المتسلل

أسبوع والجميع يسهر على أهبة الاستعداد داخل المضيفة دون ظهور هذا المتسلل الغريب، ربما كان لص يضع خطة لسرقة المنزل ورجع عن عزمه بعد أن انكشف أمره وكادوا يلقوا القبض عليه في المرة السابقة أو ربما كان هدفه إثارة البلبلة حول سيدة المكان وقد أدى مهمته واختفى بعدها

لا أحد يعلم لكن الأكيد إنه لم يظهر من جديد رغم وضعهم لكمين محكم للإيقاع به يوماً بعد الأخر حتى كادوا يفقدوا الأمل

داخل المنزل وفى البهو المظلم من خلف خصاص النافذة الموارب يقف جارحى يراقب الخارج بترقب بعد أن عاد من قرية والدته وأولاده بمجرد أن استدعاه أحمد السمرى فمن خير من ملك المولد ليتعرف على رجل يملك مهارات لاعب سيرك كما أخبره الشهود

وجارحى لم يتهاون أو يتمهل حين علم أن هناك خطر يحيق بشموع وابنها أو يمس سمعتها كامرأة وهى بمثابة ابنه له

وفى هذا الظلام المحيط كانت شموع ليست ببعيدة عن جارحى إنما جفاها النوم أيضاً وأصبحت تسهر يومياً معهم يدفعها فضولها لحل لغز هذا الرجل الغريب ومعرفة غرضه مما يحدث

رفعت عينيها تتفحص جدية جارحى وتركيزه فى المراقبة وهو يقف شامخاً أمام النافذة يكتف ذراعيه فوق صدره فى حالة ترقب وتسائلت بخفوت وارتباك بعد أن اقتربت عدة خطوات منه

:- عم چارحى .. هو أحمد بيه مصدج اللى بيتجال علي والله أنا مظلومة وما عملتش شين .. مش خابرة مين اللى رايد أذيتى وأذية ولدى إكده

لف رأسه نحوها يتأمل وجهها الذى غاب نصفه فى ظلام المكان والنصف الأخر يظهر تحت أشعة الإضاءة المتسللة من الخارج وأجابها بثقة

:- لاه .. أحمد بيه راچل عاجل ومخه كبير هو خابر زين إنها مكيدة ولاچل إكده طلبنى وكلاتنا حواليكى أهاه ما تخفيش من شى

طأطأت رأسها تخوفاً تخشى على سمعه الرجل الذى احتوى ضعفها وآواها حين استغلها الجميع، تعلم جيداً ما يقال عنهما من أهل القرية وبقدر ما ترفض هذا الحديث من أجل سمعة وهيبة أحمد السمرى إلا أن قلبها يميل للحديث وروحها تهفو للقرب منه

اعتصرت عينيها ألماً على حلم صعب المنال وزفرت بحرقة نفس طويل قبل أن تُلهى عقلها عن التفكير تتبادل الحديث مع جارحى الذى عاد لمراقبة الحديقة من شق النافذة

:- والله اشتجت لخالة صبحية يا ريتها عاودت أمعاك

أجابها بجدية دون الالتفات إليها يوضح ما حدث

:- أول ما أحمد بيه كلمنى چيت طوالى وچبت سليمان أمعايا لاچل ما يجدم أوراجه فى الچامعة .. أول ما نُخلص من الحكاية ديه هروح أجيبهم كلاتهم ونعيش إهنا چاركم بإذن الرحمن

:- يا رب على خير .. اتوحشت أماه رئيسة جوي جوي وسليـ..

رفع كفه فى وجهها إشارة لتصمت وعينيه مسلطة نحو الخارج من خلال شق النافذة، يراقب حركة محروس وعرابى وهما ينهضان بغتة يركضان فى اتجاهين مختلفين ليطوقوا المنزل من الجهتين

انتزع نفسه من مكانه وركض بدوره نحو باب المنزل أمام مقلتى شموع الجاحظة هلعاً وكفيها يكتمان فمها خوفاً أن تنطلق صرخاتها

خلال لحظات كان جارحى بالحديقة يدقق النظر نحو الخيال الذى يُسرع صوب غرفة البدروم فى جانب المنزل، توقف جارحى للحظة يطمئن لسير الخطة كما أرادوا

وفى ثانية كان الظل يتراجع هرباً بعد أن وجد سليمان ابن جارحى يتربص به داخل غرفة البدروم المظلم وانطلق يركض خلفه فى نفس الوقت الذى ظهر فيه محروس من خلف المنزل يضيق الخناق عليه ومن الأمام كان عرابى يرفع العصا الغليظة التى بين يديه يهوش بها المتسلل ويحاصره فى نقطة محددة داخل الحديقة

أسرع جارحى نحو بوابة الحديقة المعدنية وفتحه وغادر للخارج فى نفس البقعة التى يحبس بها الشباب المتسلل فى الداخل

وفى نفس اللحظة قفز الخيال المتسلل من فوق السور ومن خلفه سليمان الذى أعتلي السور بلياقة عالية وقفز خلفه وعلى حين غرة أضاء الشارع بإضاءة عالية صادرة من كشافات سيارات أحمد وفاروق الذين انطلقا يغلقا الطريق على المتسلل الغريب الذى سقط أرضاً بين يدى جارحى وسليمان وتبعهما محروس وعرابى بعصيهم من خلال البوابة يثبتوه فى الأرض كأسير حرب

رفعه جارحى بذراع حديدية من تلابيبه وجره أرضاً بجوار كشاف السيارة ليتبين ملامحه فى حين ترجل أحمد وفاروق من سيارتيهما وانضما للآخرين

لوي جارحى فمه امتعاضاً يهز جسد المتسلل بقوة صارخاً فى وجهه بعد أن تبين ملامحه وتعرف على شخصيته

:- زينهم الغشيم .. والله أنا جولت إكده الخسة ديه ما تطلعش غير منيك يا واطى

نزل بكفه على وجه زينهم الذى يتلوى فى الأرض يحاول التملص من الرجال المحيطين به وكلاً من محروس وعرابى يذيقانه طعم عصيهم غيظاً بعد أن لاعبهم وقض منامهم لأيام

أخفى الرجل وجهه خلف ذراعيه حماية من الصفعات التى إنهالت على وجهه من كف جارحى العريض مستغيثا بتألم

:- وأنا عِملت إيه يا معلم چارحى .. شموع هى اللى طلبت إنى أزورها كل يوم والتانى نتسامر شوى

استشاطت نظرات أحمد واندفعت النيران فى عروقه ساخنة وهذا الخسيس يسئ إلى سمعة شموع ووجد نفسه دون شعور ينقض على ملابس الشاب ويرفعه بقبضتيه ليقف أمامه بملامح متألمة وصرخ فى وجهه بصوت يجمد الدماء فى العروق

:- بتجول إيه يا خسيس .. لو چبت اسمها مرة تانية على لسانك هجطعه من چذوره وأخليك عبره فى البلد كلاتها

هزه بقوة بين قبضتيه يردف بنظرات تحرق وصوت مخيف :- هتنطج وتجول الحجيجة ولا مستغنى عن روحك

دفعه فى الحائط خلفه ليرتطم به ثم طوح قدمه لترتطم بعنف فى ساق زينهم فسقط أرضاً متكوماً ورفع ذراعيه كدرع يحمى وجهه به وقال بتلعثم رغم ثقته التى اهتزت ولكنه يعافر للثبات على روايته التى يحفظها عن ظهر قلب

:- م.. ما هى ديه الحجيجة يا بيه .. هى بتـ .. بتحبنى و.. بدها آآآ

لم يُكمل كذبته فحذاء أحمد الجلدى الغليظ كان يرتطم برأسه وكأنه يركل كرة قدم لتنطلق بعيداً إلا أن رأس زينهم لم تغادره إنما ألقته أرضاً منبطحاً على بطنه فوق الأرض

هب فاروق يحاول إحتواء غضب شقيقه الذى يتأجج فى حدقتيه وأسرع يقف بجواره يتشبث بعضلات ساعده المستنفرة ونظر فى عينى شقيقه يسأله الهدوء والتروى قليلاً دون كلمات

فى حين صاح جارحى فى زينهم المنبطح أرضاً وهو ينحنى فوقه ويجذبه من مؤخرة ياقته ليرفع رأسه موبخاً :- طول عمرك خسيس ولا لك كلمة ولا عهد .. تبيع نفسك بالمال للى يدفع أكتر

التفت جارحى نحو أحمد وفاروق يوضح طبيهة شخصية زينهم الأنتهازية :- الواد ديه من الغجر لا له أرض ولا أهل بيشتغل فى سيرك المولد .. ولما الموالد بتجل ولا الحال بيضيج بيطلع يسرج ويهجم على البيوت .. ديه غير الشهادة الزور أو أى عمل باطل يچيب جرشنات

لم تُبرد شهادة جارحى فى حق زينهم نيران أحمد المشتعلة لكنه حاول السيطرة على أنفاسه المتلاحقة ونظراته كفيلة بصعق زينهم حياً ثم قال آمراً جارحى :- نادم على أم عبدالله تاچى تواچه الواطى ديه بحديت الأفك اللى بيجوله

أومأ جارحى طائعاً ودلف إلى المضيفة بينما أشار فاروق إلى الرجال ليسوقوا زينهم إلى غرفة البدروم ويقوموا بتقيده هناك

انتظر فاروق لحظات حتى نفذ الرجال الأمر ثم اقترب من شقيقه الذى اكفهرت ملامحه واشتعلت عينيه غيرة وغضب وهمس أمام وجهه بنبرة أشبه للرجاء

:- هدى أعصابك شوى يا أحمد مش إكده .. عمرك ما كنت عصبى بالشكل ديه .. روج وهنعرف كل حاچة دلوك

ناظره أحمد بحرج وأنفاسه تتواتر داخل صدره كمرجل على وشك الإنفجار ثم هرب بعينيه بعيداً يبتلع ريقه الجاف ويحاول السيطرة على أعصابه التى احتدت من أجل أول فتاة مست شغاف قلبه

***************

دقائق قليلة وهبط جارحى درجات السلم القليلة المؤدية إلى البدروم تتبعه شموع فى وجل، تخفى جانب وجهها بوشاحها الأسود وعينيها تتحرك على غير هدى فوق الوجوه حتى استقرت على ملامح أحمد المكفهرة فارتفع أنين قلبها الملتاع وتشتت خفقاته

بمجرد أن وطأت قدميها أرض البدروم لجأت حيث يقف أمانها هناك غير آبهة بنظرات الرجال التى تتابع رد فعلها وأولهم فاروق الذى يرصد مشاعر الطرفين بعينين خبير فى العشق والغرام

لم يلتفت أحمد صوبها حين وقفت بجواره ترفعاً وحنقاً رغم شعوره بحرارة جسدها التى توحدت مع طاقة جسده وهى تقف على يمينه وعينيها تتأمل ملامحه تبحث فيها عن إجابة سؤالها "هل ظن بها السوء حقاً أم إنه على يقين ببراءتها؟"

بنبرة خشنة عميقة تصدر من جوف صدره دون النظر إليها سأل بحدة :- تعرفى الواد ديه؟

نبرته الجافة ونفور عينيه عنها أصابها بالفزع والإضطراب فتدافعت الدموع بمقلتيها، تزم شفتيها المرتعشة بكاءً وجزعاً، تحاول السيطرة على نشيجها حتى لا يفلت خارج حلقها

زحفت بنظراتها المتخاذلة نحو وجه فاروق تقرأ تعبيراته وتتوسله المساعدة وشهادة حق فى أخلاقها وسمعتها ومازالت تخفى جزء كبير من وجهها خلف وشاحها ثم بلعت ريقها وسحبت نفس عميق قبل أن تحول نظرها نحو الشاب المتكوم أرضاً مطأطأ الرأس يخفى عينه المتضررة والتى تلونت باللون الأحمر القانى أثر الضربات التى تلقاها

صاح جارحى فى وجهه باشمئزاز آمراً :- ارفع وشك العفش يا واكل ناسك

رفع زينهم رأسه ينظر نحو شموع وتجعدت ملامحه يستعطف نظراتها ولسانه يُصر على الكذب أمام الجميع :- عچبك إكده يا شموع .. جولتلك بلاش نتجابل إهنا

شهقت مرتاعة من هذه التهمة المشينة التى يلقيها عليها ولفت رأسها نحو أحمد الذى يرمقها باحتدام نافية بعلو صوتها :- كداب .. ديه كداب أنى عمرى ما شفته جبل سابج والختمة الشريفة

اقترب جارحى منها وقد انهارت أعصابها وأنسالت دموعها على وجنتيها وتهدج صوتها، وقف بجوارها يبثها من قوته وثباته وهو على يقين بصدق حديثها وطهارة سمعتها وقال يلح عليها بجدية وصرامة :- بصى فى وشه كويس يا شموع

جففت دموعها والتفتت منصاعة نحو وجه الرجل الغريب عنها ثم حملقت فى وجه جارحى ترفع كفيها أمامها مصدومة مما تسمع وترى وقالت متوسلة بقلة حيلة

:- والله ما أعرف حد ولا شفت حد يا عم چارحى .. من يوم ما دخلت المضيفة إهنا وأنا جافلة بابى عليا حتى أسأل محروس وعرابى ولا بطلع حتى للچنينة

دارت حول نفسها تواجه نظرات أحمد وفاروق، تضغط بأناملها فوق صدرها متضرعة ليصدقوا حديثها، عينيها تتعلق بمقلتى أحمد الغاضبة ترجو تصديقها وصوتها المنتحب يتردد بأسى

:- أنا لا يمكن أعض اليد اللى اتمدت لى وحمتنى أنا وولدى يا أحمد بيه ... يعلم ربنا فوق سبع سموات إنى بريئة يا أحمد بيه ولا عمرى عملت العيبة .. منه لله اللى بده يوسخ سمعتى

استنفرت أعصاب سليمان والذى يكن لشموع إعجاب شخصى وأراد مساعدتها فتحرك بحمية نحو زينهم الجالس أرضاً ومد يده يخلع الطاقية السوداء من فوق رأس الرجل ويثبت رأسه فى مواجهة شموع هاتفاً فيها بإصرار

:- بصى يا شموع .. حججى (انظرى) فى وشه مليح

التفتت برأسها نحوه من جديد ورفعت كفها تمسح دموع عينيها لتتبين ملامح الرجل التى وضحت أكثر بعد أن ظهر شعره الطويل المنفوش كقنفذ أسود، ضيقت عينيها وأشارت نحوه بطرف أصبعها وقد وجدت إجابة رغم إنها غير شافية :- أيوه .. أيوه شفته جبل سابج بيلعب فى سيرك المولد ... أنى عرفته من شعره ديه

التفتت نحو جارحى تستطرد موضحة :- أنا شوفته فى المولد بيلعب على الحبل لكن عمرى ما اتحددت معاه ولا جربت منيه حتى .. أجسم بالله يا عم چارحى

رفع جارحى نظراته نحو أحمد ينتظر أمره وكذلك فعلت شموع حين استدارت تواجه أحمد بملامح يائسة تنتظر حكمه عليها بقلب يقطر دماً بينما نظر أحمد نحو فاروق وتبادلا نظرات غامضة

شد أحمد قامته ينظر نحو الرجل الجالس أرضاً وصرف شموع قائلاً بحزم :- اتفضلى أنتِ على الدار يا أم عبدالله

فتحت فمها ترغب فى الدفاع عن نفسها بدموع عينيها ونحيب قلبها إلا أن نظره واحدة منه بجانب عينيه أجبرتها على طأطأة عنقها أمامه وانسحبت تجر قدميها بتخاذل تاركة المكان لهم

تابع خطواتها التى تعبر عن مدى ألمها ويأسها قبل أن يستطرد بنبرة صارمة :- عرابى .. خليك مع الست أم عبدالله لحد ما تجفل باب الدار عليها وتنتظر حدا البوابة فى الحراسة

أومأ طائعاً وتحرك ينفذ أمر رب عمله الذى عاد يحدج فى وجه زينهم الجالس أرضاً والذى تخلت عنه شجاعته وهو يرى تكذيب الجميع لروايته وأحمد يعلن بتحدى وصوت رخيم لا يخلو من القوة والخشونة

:- جبل شعاع الشمس ما يلامس الأرض هتكون نطجت بالحجيجة كاملة .. واعترفت على اللى وزك على العملة ديه

تلقى فاروق إشارة شقيقه بعد أن توحد استنتاجهم أن وراء هذا الفعل مُحرك رئيسى يرغب فى الانتقام، مد فاروق يده نحو حزام بنطاله وسحبه من مكانه يلف طرفه حول كفه عدة مرات مردداً بحدة :- عنك أنت يا أخوى .. همل الحكاية ديه عليا

ابتعد محروس وسليمان عن مرمى حلية الحزام المعدنية الثقيلة التى ارتفعت فى الهواء ثم سقطت بكل قوتها على جسد الرجل مصاحبة لصرخته الجزعة

******************

طرقات عنيفة مزعجة على الباب أقلقت منامه وأيقظته من استغراقه فى النوم بعد ليلة سهر طويلة ماجنة كما اعتاد منذ غادر القرية وانتقل للعيش فى المحافظة

نهض من الفراش يسب ويلعن، تترنح خطواته الناعسة وهو يشق طريقه نحو باب الشقة التى أصبحت مستقر له في المحافظة بعد أن انتقل إليها تاركاً القرية كما حكم عليه مجلس العائلة

فتح الباب ليجد أمامة أحد رجاله يصيح فى وجهه مندفعاً

:- الحج يا حمدى بيه الواد الخايب اللى اسمه الغشيم وجع فى يد أحمد بيه وفاروج بيه وزمانتهم قرروه (أجبروه على الاعتراف) وعرفوا كل حاچة

لم يهتم حمدى بالحديث كثيراً إنما ترك الباب يتثائب بكسل وعاد يجلس بأريحية فوق الأريكة الموضوعة بمنتصف صالة شقته والرجل يتبعه بعد أن أغلق الباب ويقص عليه ما حدث باهتمام

لوى حمدى شفتيه وأطلق ضحكة ساخرة عالية وقال ببغض وعينيه تحملق فى الفراغ بغل وقد بدأ يستفيق قليلاً :- أخيراً عكشوه .. وعاملين حالهم كبرات البلد

جلس الرجل قبالته يرمقه بتعجب وتسائل باستغراب :- يعنى چنابك كان غرضك يتعكش .. لاچل إكده كنت مُصر يعاود ينط چوه المضيفة .. والواد كان جلبه حاسس ورافض يعاود

رفع قدمه فوق طرف الأريكة بعد أن ثنى ركبته وأسند ذراعه فوقها يقول بخيلاء :- أومال كان لازمته إيه ولا كنت هستفاد إيه بدخوله للمضيفة ويجضى الليل فى البدروم ويرچع يفر من غير ما حد يحس بيه .. ديه واد چبان كان هيبوظ الخطة ومش رايد يكمل الاتفاج وأنا لسه ما اخدتش غرضى منيه

تنحنح الرجل يتأمل حمدى بانبهار الذى يبدو أنه يتحدث عن خطة محكمة يعمل عليها وقال بشرود وهو يحرك كفيه فى الهواء

:- الواد كان خايف يعاود المضيفة بعد ما كان هيتكشف أول مرة ولاچل إكده طلب فلوس زيادة

قال بقرف وهو يشيح بظهر كفه فى الهواء باستخفاف

:- وخد الجرشنات اللى طلبها كلاتها حار ونار فى جتته

أشار بطرف أصبعه فى الهواء يطلب من الرجل المقابل له باقتضاب :- لافينى علبة السچاير اللى چارك ديه

تلفت الرجل حول نفسه يبحث عن علبة السجائر حتى وجدها ملقاة بإهمال على طرف الطاولة الجانبية الصغيرة فالتقطها وقدمها نحو حمدى الذى واصل أوامره بكبرياء :- ولعلى واحدة

نفذ الرجل ببساطة منصاع للأوامر بينما استطرد حمدى يحدث نفسه بصوت مسموع

:- المهم دلوك يجول الكلمتين اللى حافظهم ويمسك لسانه على إكده وإلا باظت الخطة

قرب الرجل السيجارة المشتعلة من حمدى الذى تلقاها فى تيه وعقله يعمل بخطته الشيطانية، يجب أن يعترف زينهم الغشيم على وجود علاقة آثمة مع شموع ولا يزيد عن ذلك تحت أى ضغط كما اتفقا، فلو زاد فى الحديث واعترف على خطة حمدى فشلت خطته فى الانتقام من شموع وتشويه سمعتها أمام عائلة السمرى وبالتالى طردها من البلدة حيث لن تجد سواه ملجأ وحينها سيذيقها الأمرين

على حين غرة أنزل قدمه من فوق الأريكة ونفث دخان سيجارته مكوناً سحابة كثيفة أخفت جزء من وجهه وسأل بلهفة

:- احكيلى بالظبط اللى حُصل الليلة اللى فاتت ومين اللى خبرك أن الغشيم اتعكش

أنصت حمدى لحديث الرجل حتى انهى كلامه مفسراً :- السواج اللي بيوصل الغشيم جرب المضيفة بالعربية فضل مستنظره كتير لحد الشمس ما طلعت والغشيم ما عاودش جام مشى بالعربية يلف جصاد المضيفة وحواليها ... وشاف عربيات أحمد بيه وفاروج بيه راكنة إهناك فهم ان الواد اتمسك جام هرب بچلده وچيه يخبرنى

مج حمدى دخان سيجارته يحبسه داخل صدره ثم يطلق سراحه وعقله يعمل على خطة بديلة وقال من بين أسنانه بفحيح شيطانى

:- يعني أحمد كان سهران فى المضيفة طول الليل وشموع بتبات فى المضيفة ليلاتى كُمان

ناظره الرجل بدهشة لا يفهم ما يدور فى عقله حتى هب واقفاً يشير إلى الرجل والسيجارة تحترق بين أصابعه تنفض رمادها مع حركه يده العصبية فى الهواء

:- اسمع .. تطلع طوالى على البلد دلوك .. وتسرب الكلام ديه لكل الخلج إهناك .. هتجول أن أحمد السمرى كان مبيت فى المضيفة طول الليل حدا شموع

قطب الرجل حاجبيه مستهجناً وقال بحيرة متعجباً

:- لكن أحمد بيه مكانش لحاله .. كان إمعاه فاروج بيه وچارحى وولده وحرس المضيفة كُمان

استدار بحدة ووضع كفه بقوة فوق كتف الرجل الجالس أمامة وصاح فى وجهه يوقف حديثه المستنكر

:- الحديت اللى أجوله هو اللى هتنجله وبس .. أحمد كان سهران لحاله حدا شموع والراچل لما يسهر حدا حرمه عازبة يبجى بيعمل إيه (نفخ حاقداً وصوته ينخفض بغل) والعيار اللى ما يصبش يدوش

حمحم الرجل بحرج ونهض يقف قبالته وقال يحاول نصحه بهدوء :- لكن ديه أم ولدك يا حمدى بيه وسمعته من سمعتها

أشاح بذراعه فى الهواء صائحاً ببغض ملك قلبه الأسود :- ما لكش صالح أنت .. اللى أجوله يتنفذ وخليص غور ونفذ أوامرى .. جبل الضهرية لازمن سيرة أحمد وشموع تبجى على لسان اللى يسوى واللى ما يسواش

*************

عند حلول الصباح كان الخبر قد انتشر بين أهل القرية عن اللص الغريب الذى حاول اقتحام المضيفة ليلاً وعائلة السمرى كانت له بالمرصاد

هذا كان الكلام الذى سار بين الجموع فى العلن أما فى الخفاء فكان هناك حديث أخر يتسرب فى الأذان، حديث يجمع بين اسم أحمد السمرى واسم شموع فى جملة واحدة بل ويزيد على الكذبة بعض من البهارات بوجود عاشق خفى ينافس أحمد السمرى على حبها وتم القبض عليه ليلاً معها فى المنزل وتلفيق تهمة السرقة له

كتلتان تتناحران فى عقول ونفوس البشر، الحقيقة الصريحة ضد شائعة قذرة أطلقها قلب بغيض مغلول محمل بالحقد والنتيجة واحدة سمعة أحمد وشموع على المحك

سيرتهما تتناقلها أقاويل الناس فيرفضها البعض ويقبلها أصحاب النفوس الخبيثة ويزيد عليها لتكبر الشائعة وتتشعب وتصير قصة ورواية

فى المضيفة استدعى فاروق الشرطة ليقوم بتسليم اللص إلى السلطات بعد أن قام باستجوابه شخصياً طوال الليل بالطريقة الأصعب حتى اعترف بكل ما يعرفه ومن ورائه ولم يعد لهم حاجة إليه فقرروا تسليمه للشرطة لينال عقابه

ترجل مدحت من سيارة الشرطة أمام بوابة المضيفة المشرعة حيث تجمع الكثير من أهل القرية، خطى للداخل وخلفه نصحى وبعض من العساكر وعينيه تتلفت حوله بنظره متمرسه على أسوار المضيفة الأسمنتية وبوابتها والبناء الذى يتوسط الحديقة أثناء اقترابه من أحمد وفاروق اللذان يقفان لاستقباله فى شرفة المنزل الخارجية وجارحى يقف ليس ببعيد عنهم

صافحهما باحترام متبادل ثم وقف بينهما يستمع لفاروق الذى تولى الحديث موضحاًكيف علموا بأمر اللص وكيفية القبض عليه فى نفس الوقت الذى أشار فيه أحمد نحو محروس الذى أسرع نحو البدروم وخلفه عرابى الذى ترك البوابة مشرعة أمام سيارة الشرطة والعديد من أهل القرية يجتمعون بالخارج يتابعون ما يحدث بفضول دون أن يجرأ أحدهم على التخطى داخل حدود المنزل

بمجرد أن انتهى فاروق من حديثه كان محروس قد عاد بصحبة عرابى يسحبان زينهم الغشيم بينهما وقد خارت قواه وأزرقت عينه وظهرت علامات الضرب المبرح على وجهه وجسده الواهن الذى فقد قدرته على الاستقامة

تفحصه مدحت جيداً رافعاً حاجبه بتعجب من مظهره الذى يرثى له وقال مستنكراً وهو يشير نحو زينهم :- ده واخد علقة موت

أجاب أحمد ببساطة رغم نبرته الصارمة عالية الطبقة لتصل للجميع من الشهود والفضوليين

:- ديه چزاء اللى يتعدى على دار فيه حريم .. لابد يكون عبرة لغيره لاچل الكل ما يعرفوا حدودهم صُح

استمع مدحت للحديث بصمت فهو أعلم بعادات وتقاليد هذه البلاد وتمرس على التعامل معها، هبط درجة من السلم القصير للمدخل نحو اللص المترنح ألما وسأله بعملية

:- أنت اقتحمت البيت ده بالليل إزاى وكان غرضك إيه؟

حاول زينهم التقاط أنفاسه ورفع رأسه فى وجه مدحت يطالعه بنصف عين مغلقة وفك متورم واعترف بما أملاه عليه جارحى فالاعتراف بجريمة محاولة السرقة أفضل من عقاب عائلة السمرى له والتى قد تصل للموت لتعدية على حرمة المنازل، ابتلع ريقه الجاف وقال بتلعثم وأنفاس متألمة

:- كنت مفكر الدار خالية وهقدر أسرق منها حاجة ابعيها لكن الحرس اللى على الباب مسكونى واستدعوا أحمد بيه وفاروق بيه

لوى مدحت رأسه للخلف يطالع أحمد وفاروق متفهماً لما يحدث ثم عاد يسأل زينهم بروتينية :- ومين اللى ضربك بالشكل ده

مسح زينهم خيط من الدماء يسيل بجوار فمه يناظر جارحى الذى يرمقه بتهديد ثم نظر فى وجه مدحت وقال بتخاذل :- أنا أخدت جزاتى يا بيه وعهد الله ما هعمل كده تانى .. توبة من ديه النوبة يا بيه

فرك مدحت كفيه ببعضهما متسائلاً بعد أن تبين لهجة زينهم المختلفة كما إنه من المؤكد غريب عن القرية :- أنت منين يا زينهم؟

جاءت الإجابة من جارحى الذى فك تشابك يديه وتقدم خطوة يدلى بأقواله فى المحضر

:- من الغچر يا سيادة النجيب وديه مش أول مرة يسرج ... عملها كًتير جبل سابج أنا خابرة زين من المولد

استدار مدحت يواجه جارحى ويستمع لحديثه ثم بدل نظره نحو أحمد يستأذن بأدب :- أقدر أقابل ست البيت وأخد منها كلمتين للمحضر

(لاه) قالها أحمد قوية وقاطعة بصرامة دون أى تبرير

زفر مدحت بخفة وخطى خطوة تجاه أحمد وفاروق يحاول التأثير عليهم بنبرة هادئة :- يا أحمد بيه أنا متفهم للعادات والتقاليد هنا لكن ده واجبى وأنا لازم أقوم بيه

حدجه أحمد بحزم وقال بنبرة لا تقبل النقاش :- ست الدار ما شفتش شى ... التعامل كله كان مع حرس البوابة تجدر تاخد أجوالهم كيف ما بدالك

تدخل جارحى من جديد متطوعاً للشهادة وقال بجدية

:- حضرتك تجدر تاخد أجوالى يا حضرة الظابط الست أم عبدالله كانت چوات الدار وما شفتش الحرامى ولا تعرفه

ودون أن يبدى مدحت رأيه واصل جارحى فى شرح ما حدث باختصار :- من كام يوم كان الواد ديه بيدور حوالين الدار فى الليل ... عرابى شك فى أمره وبلغ أحمد بيه ولاچل إكده كلمنى وطلب حضورى لإنى مسئول عن أم عبدالله وولدها وأمها ... وفضلنا متربصين إهنا أنا وعرابى ومحروس وأول ما دخل الچنينة جبضنا عليه وعطناه الطريحة اللى هيه كيف ما حضرتك شايف

:- وأنت تعرفه يا معلم جارحى؟

سأل مدحت بتلقائية فلا سبيل ليقنع أحمد فى تبديل رأيه وعليه أن يكتفى بأقوال الرجال، أجاب جارحى

:- أيوه ده من الغچر اللى كانوا بيشتغلوا فى المولد ولما بيتزنج فى الفلوس بيهحم على البيوت ويجلبها ويبيع اللى بيطلع بيه منيها

لم يزور جارحى الحقيقة أو يشهد زوراً إنما هى الحقيقة فهذه طبيعة ما يفعله زينهم الغشيم، سارق وهجام يبيع نفسه لمن يدفع أكثر ليقوم بكل الأعمال القذرة، فأبناء السمرى يترفعون عن تلفيق تهمه كاذبة لأحد وفى غنى عن رمى الناس بالباطل فهم أقدر للتعامل مع أمثاله أما وهى جريمته حقاً فلابد أن يعاقب عليها ومن أفضل من القانون ليقوم بذلك

أشار مدحت إلى عساكره ليصطحبوا زينهم إلى سيارة الشرطة ثم اقترب من ابناء السمرى ليقول بنبرة هادئة :- أقدر اتكلم معاكم كلمتين على إنفراد

تحرك ثلاثتهم جانباً والعسكر تخرج باللص إلى السيارة بينما بدأ محروس وعرابى فى تفريق الناس وغلق البوابة، توقف أحمد جانباً فوقف الآخران بالتبعية وبدأ مدحت فى الحديث

:- حضرتك عارف إنى عايش معاكم فى البلد وعارف أن فى مشاكل بين الست شموع وزوجها السابق وفى احتمال تسعين فى الميه إنه هو يكون زق الواد ده على أذيتها .. كل اللى بطلبه من حضراتكم أنكوا تساعدونى بالمعلومة وأنا هعمل محضر بعدم التعرض وأوفر لها الحماية اللازمة

بدل نظره بينهما يلتمس المساعدة ويواصل حديثه بجدية :- أنا شغال دلوقت فى قضية قتل .. زوج قتل مراته بسبب خلافات زوجية والخاسر الأكبر هم أولادهم .. أنا غرضى إنى أساعد وأمنع الجريمة قبل حدوثها

أرخى أحمد جفنيه تقديراً لموقف مدحت النبيل بينما مدحه فاروق :- علمنا بأمر الچريمة البشعة ديه .. وكل الناس فى قرية (***) بيشكروا فيك وفى همتك فى الجبض على الجاتل فى وجت جصير

ابتسم مدحت فى وجهه ممتناً حين قال أحمد بجدية شاكراً :- إحنا مجدرين جهودك وسعيك يا حضرة الظابط .. لكن كُمان إحنا نجدر نحمى حريمنا زين .. ولو چد أى أمر هنحتاچك فيه أكيد هنخبرك

استسلم مدحت لحديثهم وهز رأسه موافقاً :- تمام وأنا من جهتى .. همشى دورية ليليلة تلف حول المضيفة والمنطقة المحيطة لغاية ما تستقر الأمور

شكره أحمد وفاروق ثم صافحهم مغادراً، رفع أحمد طرف عينيه بعفوية نحو أحد نوافذ المنزل وكأن روحه شعرت بمن يراقبها فارتطمت عينيه بجزء من وجه شموع المختفى خلف خصاص النافذة تراقبه من مكانها بصمت وعينيها تتوسله عدم تصديق السوء بها

*********************

لم يقضى سوى ساعة من الزمن مع بناته، اطمئن عليهم وتناول إفطاره معهم كما عودهم رغم أن الطعام لم يجد سبيل إليه واكتفى بكوب من الشاى الثقيل ثم غادرهم إلى المزرعة حيث راحة باله وجلسته المفضلة بجوار خيوله ليفكر فى هدوء وروية

استعاد حديث زينهم وهو يسرد عليهم خطة حمدى التى وضعها ليلوث سمعة شموع وإعطاء إيحاء للجميع أن زينهم باختفائه داخل الدار يقضى الليل مع شموع ثم يفر مع سطوع الفجر

كم هو خسيس هذا الحمدى الذى لا يقدر حتى على المواجهة وإنما يبعث من يقوم له بأعماله القذرة الخسيسة مثله، لا يدرى ماذا يفعل معه أكثر من طرده من القرية بأكملها ليتقى شره

زفر بنفاد صبر ضجراً لو تركوا له الأمر لقتل حمدى بيديه العاريتين دون أى تأخير ولكنه يظل ابن عمه وتجرى فى عروقهما نفس الدماء، عليه الآن التفكير فى شموع

ماذا يفعل لها وكيف يحميها ليس من حمدى فقط ولكن من كلام الناس الذى طالهما معاً، لم يخفى على عينيه اللماحة نظرات بعض الناس المتشككة وهو فى طريقة إلى المزرعة فلابد أن لغو الحديث قد أصاب بعض النفوس الضعيفة المستعدة للتصديق والتى تجد مادة غنية فى الخوض فى أعراض الناس

كما لم يفوته نظرتها المتوسلة لعفوه، المراقبة لكل خلجاته وسكناته هذه المرأة تزلزل أسوار قلبه بل حطمتها فعلياً واقتحمت وحدة قلبه لتشع فيه النور والدفء

انتشله صوت فاروق الذى ذهب إلى المنزل يطمأن على زوجته ويبدل ملابسه ثم عاد يلتقى بشقيقه فى المزرعة قائلاً بمشاغبة وهو يتخذ مجلسه بالقرب من شقيقه :- اللى واخد عجلك يا ولد أبوى

حول أحمد عينيه نحوه بشرود فلم يلاحظ دلوفه واستقراره بالقرب منه سوى الأن، حمحم بخفة ثم قال بعفوية :- فى كل اللى حُصل ديه .. تفتكر صُح إننا سلمنا الواد الغشيم ديه للشرطة؟

أخرج فاروق سيجارة وقدمها نحو شقيقه ثم أخرج واحدة لنفسه وهو يجيب ببساطة :- طبعاً صُح وكنا هنعمل به إيه .. الخصومة مش أمعاه

أخرج قداحته ومد يده نحو شقيقه يشعل سيجارته قبل أن يشعل لنفسه السيجارة، مج أحمد نفس من دخان سيجارته أطلقه فى الهواء سريعاً وقال حانقاً على حمدى

:- مش ناوى يرفع يده عنيها .. هيتنه وراها إكده لحد ما ينتجم منيها لاچل ما فضحته جصاد الناس .. شموع محتاچة تكون فى حمى راچل يوجفله ويوجفه عند حده ويحميها من كلام الناس

:- وأنت خير من يجف جصاده يا أحمد

قالها فاروق بثقة وسلاسة دفعت أحمد ليلتفت نحوه بغته يحدق داخل عينيه الجادة فى تيه وضياع ومشاعره تتخبط داخل صدره كالموج الهادر، رغم إنه يتوق للقرب منها إلا أن كلام الناس والتقاليد واشمئزازه الشخصى من حمدى وما فعله بها يقفون حاجزاً صلداً بينهما، هز رأسه نفياً يؤكد على كلمته التى أنطلقت على لسانه رافضة :- لاه

أحنى رأسه ينظر إلى نيران سيجارته المشتعلة مردفاً بشجن :- مش راح ينفع يا ولد أبوى .. أنا خليص عايش لاچل بناتى وكفاية علي

أنفعل فاروق بحمية يحاول تغير فكر شقيقه وتحريك مشاعره المكبوتة فألقى سيجارته بعيداً فى الأرض الترابية ومال بجذعه نحو شقيقه هاتفاً

:- مش صُح .. واچب تعيش لبناتك ترعاهم وتحميهم وكمان واچب تراعى نفسك وحياتك

حرك رأسه دهشة مع حركة كفه وهو يشير نحو شقيقه الذى ينصت له بسكون مستطرداً :- لساك فى عز شبابك .. راچل شديد وعفى هتوجف حياتك لحد إكده ... كيف يعنى حرام عليك نفسك .. بناتك سنة وتنين وكل واحدة منيهم هتتچوز وتفارجك وجتها هتحتاچ حرمة تراعيك وتونس لياليك

أشاح أحمد بعينيه بعيداً يتفهم حديث شقيقه الذى يخشى عليه وينصحه بحب ولكنه إن وافق سيثبت عليه وعليها كلام الناس عن علاقتهما السرية أو إشاعتهم أن أحمد طامع فيها كرجل

نفخ فاروق بقلة حيلة حين لم يجد إجابة من أحمد إلا إنه لم يستسلم وإنما واصل حديثه بإصرار رغم خفوت صوته

:- ما تأخذنيش يا أحمد لكن إنى أخوك وشاعر باللى فى جلبك .. وشايف نظرتك ناحية شموع .. نظره راچل لحرمة رايدها وهى كُمان نظرتها لك فضحاها

رماه أحمد بنظره غاضبة، غاضب من نفسه ومن عينيه التى فضحت سر قلبه المتألم، تسارعت أنفاسه وأشاح بوجهه بعيداً يبحث عن مخرج من هذا المأزق عليه أن يبتعد عنها، لن يقترب منها أبداً

سيفر من قلبه وشعوره ومن عينيها التى تسحبه إلى أعماقها حيث حنان وحب لم يجد مثلهما فى أى عيون من قبل

جاء صوت شقيقه مواسياً وداعماً يطبطب على قلبه قائلاً :- لو على كلام الناس مسيرة ينتهى وأنت سمعتك كيف السيف محدش يجدر يعيب فيها إلا جليل الأصل .. هون على نفسك يا أخوى وعيشلك يومين وأختار وليفة تريح جلبك وتسعد حياتك

ترك السيجارة تسقط من بين أصابعه أرضاً ثم رفع كفيه يخفى وجهه خلفهما يدلك وجهه ببطء عله يفيق ويستطيع اتخاذ القرار السليم

********************

يبدو أن هذا اليوم سيكون أطول مما يظنا بدأ فجراً مع اللص المتسلل وتسليمه للشرطة ثم مواجهة فاروق لأحمد وفضح مشاعره والأن عليهم مواجهة كبار العائلة المتوافدين على منزل السمرى الكبير بعد أن وصلهم أخبار ما حدث فى المضيفة ليلاً

فى المقعد الصيفى بالحديقة جلس عدلى فى صدر المجلس عن يمينه شقيقه صلاح وحولهم أربع رجال من كبار رجال العائلة من بينهم ناصر الذى أصبح المتصدر والمتحدث الرسمى بعد أن ترك سعيد كل الأمر له بعد تجربته المريرة وفضيحة حمدى فى القرية

تقدمت واحدة من العاملات بالمنزل حاملة صينية كبيرة تحتوى أكواب الشاى الساخن ودارت بها على الضيوف ثم انصرفت فى هدوء فى نفس الوقت الذى وصل فيه أحمد وفاروق إلى المقعد

ألقوا التحية على الجميع ثم جلسوا على يسار والدهم يرحبون بالجميع وهم أعلم بسبب هذا التجمع، بادر توفيق السمرى بالحديث بعصبية يلقى اللوم على أولاد عدلى

:- إيه اللى حُصل فى المضيفة ديه ... مش راح نُخلص من حكاية حمدى ومراته ديه .. سيرتنا بجت على كل لسان

أطرق ناصر برأسه يتلقى التوبيخ عن شقيقه سبب المصائب بينما قال فاروق مدافعاً بحمية :- أديك جولت يا عمى .. حكاية حمدى ومصايبه .. الواد اللى دخل المضيفة دخلها بأس (تحريض) من حمدى لاچل ما يشوه سمعة طليجته أو يأذيها

تحدث خليل السمرى بعقلانية وهى يستوضح ما حدث مع اللص :- سمعت أنكم سلمتوه للبوليس بتهمة السرجة .. واثجين أنه مش هيجول أكتر من إكده مش ناجصين فضايح وسط البلد

شارك أحمد فى الحديث رغم عقله المشوش بأفكاره قائلاً بهدوء :- الواد حرامى من الأساس وچارحى خابر تاريخه كلاته .. اللى كيفه هيسكت ويمشى الأمور وهو واخد على السچن أصلاً ومش من مصلحته يچيب سيرة العيلة فى حاچة تانى وإلا حسابه هيكون أمعانا عسير

لم يتدخل عدلى أو صلاح فى الحوار فقد سبق وعلموا كل التفاصيل من فاروق وقت عودته للمنزل ويريا أن أحمد وفاروق قد أحسنا التصرف أما توفيق فعاد يسأل بمكر بعد أن وصلته الإشاعات المنتشرة فى القرية

:- والبت اللى فى المضيفة مصيرها إيه .. ميصحش تجعد أكتر من إكده لحالها خصوصى بعد الحديت اللى داير فى البلد

ناظره أحمد باحتدام وقد فهم غرضه من الحديث وقال باقتضاب :- أم عبدالله لساتها فى العدة وعايشة مع أمها وولدها

داعب توفيق ذقنه الخشنة وألقى باقتراح صغير بلهجة بسيطة لا مبالية :- أنا بجول واچب تتچوز بعد العدة ما تُخلص طوالى وأهوه نُخلص من مسئوليتها (أشار بسبابته فى الهواء يؤكد على اهتمامه بسمعة العائلة مردفاً بمكر) بس لازمن تتچوز واحد من السمرية .. ما هو محدش يصلح يربى عيالنا غيرنا وهى حداها ولد يحمل دمنا واسمنا

تبادل أحمد وفاروق النظرات الصامتة كعادتهما فهذه طريقة التواصل بينهما والتى يفهم كلاً منهما شفرتها أما عدلى فتفحص ابن عمه توفيق والذى يقترب منه فى العمر وسأله بمواربة يسبر أغوار نفسه :- وتفتكر نچوزها مين يا توفيج!!

دار توفيق بعينيه على الجميع ثم توقف على وجه ناصر يتفحصه بدقة ثم قال بتلقائية رغم خبث اختياره الذى يخدم أغراضه وهو أعلم بتفكير ناصر العملى :- يتچوزها ناصر .. أهو عم الواد وأكتر واحد يخاف عليه

فزع ناصر من الحديث حتى اتسعت عينيه دهشة وأشار إلى صدره ببسمة مستنكرة قائلاً

:- أنى .. أنى عملت اللى عليا فى الحكاية ديه واتحملت خطأ حمدى وبطلع النفجة شهرياً للواد وأمه لكن چواز .. لاه .. أنا مكتفى بمرتى وعيالى ... أنا راچل عجلى فى الشغل والأرض ومش فاضى لحورات الحريم .. مش كل الأخوات كيف بعض يا عمى أنا حاچة وحمدى حاچة تانية واصل

تدخل أحمد بحسم يوقف هذا الحوار الذى يجعل الدماء تغلى فى أوردته ويقطع الطريق على توفيق الذى ينسج خطة تزويج شموع لمصلحته وقال بجفاء

:- الحوار ديه سابج لأوانه .. الست لسه جصادها سبوعين على العدة .. المهم دلوك حمدى لازمن يرتجع ويبطل شغل العيال اللى بيعمله ديه .. أطرد من البلد ولساته بيعمل مشاكل ويسئ لأسم العيلة ولازمن يجف عند حده

أشار أحمد نحو ناصر الذى ضاق ذرعاً بأفعال شقيقه وقال يحمله المسئولية :- ديه بجى مسئوليتك أنت يا ناصر .. تحجم تصرفاته وغُشمية عجله ديه .. وإلا التصرف هيكون أمعاه شديد وجاسى .. الله فى سماه لولا خاطر عمى سعيد كنت رميته فى السچن چار الواد الحرامى اللى چابه يتعدى على حرمة بيوتنا

أيد عدلى حديث ولده الكبير موافقاً :- وهو ده اللى هيحُصل لو عاد الكرة مرة تانية ولا أتعرض لأى حد فى البلد .. هرميه فى السچن وهيتحرم من الميراث ويطرد من اسم العيلة كلاتها

أطرق ناصر برأسه يهزها بقلة حيلة مستسلماً لأوامر عمه وأكد على التنفيذ ورغم ذلك لم يهدأ توفيق الذى سعى فى تحقيق غرضه وقال بنعومة حية تسعى لاقتناص فريستها

:- سبوعين على العدة يبجى واچب نختار راچل يلمها هى وولدها من دلوك ويجطع حديت الناس .. بس مين!! .. مش هتتچوز واحد من ولادنا مسبقش له الزواچ طبعاً وهى مطلجة

صمت لبرهة يحدجهم بخبث ثم ألقى ما فى جعبته مرة واحدة وكأنه يقدم خدمة لاسم العائلة :- أنا هتچوزها وأهى تجعد مع حريمى وتربى ولدها مع عيالى

تبدلت ملامح أحمد واستشاط غضباً، يحاول بكل قوته التحكم فى ثورة أعصابه الفائرة فى عقله وهو يستمع لشقيقه يدافع باستهجان :- أنت يا عمى .. كيف ديه أصغر من ولادك

:- وفيها إيه ما يعيبش الراچل سنه يا فاروج

قالها الرجل بثقة وبساطة أثارت حنق أحمد الذى انطلق فى وجهه يقارعه :- لا ما يعيبش الراچل سنة بس مش بفرج خمسة وتلاتين سنة يا عمى

هز الرجل أكتافه ببرود وقال مفسراً بسلاسة وإصرار على فكرته وهو يستعرض قدراته فى الزواج :- وفيها إيه ما دام جادر .. أنا عندى بدل الحرمة تنين .. إيه المشكلة لما يبجوا تلاتة

كز أحمد على أسنانه واتسعت حدقتيه رفضاً ونفوراً مما يسمع وقال معارضاً :- فيها أن إياكم والشباب فإنه نار تندلع وماء ينقطع .. البنية اتچبرت على الچواز من حمدى هنعاود نچبرها تانى على الچواز بحچة كلام الناس

أعتدل الرجل فى جلسته وقد توترت الأعصاب وارتفعت وتيرة المشاحنة بينهما وتوفيق يمد سبابته صوب أحمد يمثل دور المضحى الشهم هاتفاً بخشونة

:- اللى بعمله ديه لمصلحتك أنت يا أحمد ولا ناسى أن سيرتك بجت على كل لسان وحديت الناس أن عينك منيها وبتعشجها وتعشجك بيلف ويدور فى البلد على كل لسان

قبل أن ينطق أحمد كان فاروق يهب واقفاً يصيح بحمية مدافعاً عن سمعة شقيقه فى وجهه توفيق متجاوزاً حدود اللباقة فى التعامل من هم أكبر سناً وخاصة داخل منزلك لكن عيار أعصابه فلت أمام هذا الاتهام السافر لأخيه

:- سمعة أحمد السمرى كيف البرلنت وسط الناس وكلمته سيف ... وكل واحد فاكر نفسه يجدر يلوث سمعه أحمد ولا سمعة عدلى السمرى وولاده يبجى غلطان ... سمعتنا وأخلاجنا كيف الشمس فى جلب السما ما تجدرش العين تحوش ضياها

وقف فاروق يلتقط أنفاسه الثائرة بقوة وصدره يعلو ويهبط وعينيه مسلطة بتحدى على وجه توفيق الذى تراجع رأسه إلى الخلف ذاهلاً ومتوجساً من رد فعل فاروق وأحمد الذى يرمقه بغموض

خيم الصمت على الجميع للحظات حتى أخترقه صوت أحمد الرخيم يصدح بقوة فى المكان بعد أن حسم أمره وغلب مخاوفه وعقد الصلح بين عقله وقلبه، عينيه مركزة بثقة على وجه توفيق ماكر النظرات قائلاً بهدوء يؤكد على كل حرف من حروفه

:- فاروج .. روح للست أم عبدالله فى دارها خبرها إنها لابد تختارزوچ لها بعد انتهاء العدة وخيرها بين توفيج السمرى ... وأحمد السمرى

********************************

Continue Reading

You'll Also Like

128K 2.6K 47
★الاسم " ♥عشقي المشوه ♥" ★ الكاتبة " N🅾D🅰 ★النوع " رومنسي ،عائلي ،اجتماعي ،تشويق ،اثارة .." ★عدد الفصول " 47 ★سنة الانتاج " 2019 " ★لمحة ع الكروني...
604K 99.1K 70
(يا إيها الناس أتقو الله بالنساء اوصيكم بالنساء خيراً) لم يستوصوا بنا خيراً يا رسول الله لقد كسرو القوارير والافئدة
15.1K 2.3K 8
إن لم تشعر بألم الحب من طرف واحد؛ فأعلم انك لم تتألم بعد داغر صاحب الدين والخُلق الذي اقتحمت حياته عن طريق الصدفة فتاة لا تعرف أن تكون شيء سوا سليط...
407K 12.2K 5
رواية تجمع بين روايه عشق الليث وقاسي ولكن احبني و أسري القلب❤... للكاتبتين .....دينا إبراهيم و وسام أسامه .... دمتم سالمين...