التقينا فأشرق الفؤاد بقلم / إ...

By SamaSafia

102K 2.7K 90

رواية تدور أحداثها في الصعيد وما يحتويه من عادات وتقاليد تربط بين العائلات من خلال يوسف الذى تجره الأحداث للع... More

الفصل الأول
الفصل الثانى
الفصل الثالث
الفصل الرابع
الفصل الخامس
الفصل السادس
الفصل السابع
الفصل الثامن
الفصل التاسع
الفصل العاشر
الفصل الحادى عشر
الفصل الثانى عشر
الفصل الثالث عشر
الفصل الرابع عشر
الفصل الخامس عشر
الفصل السادس عشر
الفصل السابع عشر
الفصل الثامن عشر
الفصل التاسع عشر
الفصل العشرون
الفصل الحادى والعشرون
الفصل الثانى والعشرون
الفصل الثالث والعشرين
الفصل الرابع والعشرين
الفصل الخامس والعشرين
الفصل السادس والعشرين
الفصل السابع والعشرين
الفصل الثامن والعشرين
الفصل التاسع والعشرين
الفصل الثلاثون
الفصل الواحد والثلاثون
الفصل الثانى والثلاثون
الفصل الثالث والثلاثون
الفصل الرابع والثلاثون
الفصل الخامس والثلاثون
الفصل السادس والثلاثون
الفصل السابع والثلاثون
الفصل الثامن والثلاثون
الفصل التاسع والثلاثون
الفصل الأربعون
الفصل الواحد والأربعون
الفصل الثانى والأربعون
الفصل الثالث والأربعون
الفصل الرابع والأربعون
الفصل الخامس والأربعون
الفصل السادس والأربعون
الفصل السابع والأربعون
الفصل الثامن والأربعون
الفصل الخمسون
الفصل الواحد والخمسون
الفصل الثانى والخمسون
الفصل الثالث والخمسون
الفصل الرابع والخمسون
الفصــل الأخيــر
الخـاتمــــة

الفصل التاسع والأربعون

1.3K 46 0
By SamaSafia

دار بعيون متحفزة متمعنة فى أرجاء الحديقة وهو يتجول داخلها حتى وصل إلى الممر المؤدى للمنزل بعد أن قام بالالتفاف حول المنزل متفحصاً لكل شبر

زفر أنفاسه بعمق ورفع رأسه نحو نوافذ المنزل المغلقة إلا من نافذة واحدة مشرعة بشكل جزئى يسمح بمرور نسائم الهواء المنعش إلى القابعين فى الداخل يغطون فى نوم عميق وقد آمنوا على أنفسهم داخل جدران المنزل فى وجود حارس أمين

عاد بعينيه إلى باب المنزل المغلق وتقدم نحوه يدفعه عدة مرات ليتأكد من إحكام إغلاقه ثم توجه بالقرب من البوابة المعدنية المغلقة حيث يجلس عرابى أمام كومة من الحطب المشتعل يعلوها إبريق من الشاى المغلى

رفع عرابى عينيه نحو محروس الذى مازال يقف أمامه يتلفت حول نفسه وقال بعفوية وهو يلتقط الإبريق من فوق النيران بقطعة قماش صغيرة تقيه سخونة الإبريق

:- جعمز يا محروس واشرب خمسينة شاى يعدل الراس .. لساته الليل طويل يا واد عمى

تناول كوب زجاجى متوسط الحجم وصب فيه الشاى الساخن وقربه نحو محروس الذى جلس بالقرب منه فوق حشية قطنية ثم صب كوب أخر لنفسه وجلس بارتياح

تناول محروس رشفة من الكوب الساخن الذى يطلق أبخرة ملتهبة فى الهواء وعينيه تتجول فى المكان حتى استقرت على عرابى الذي وضع الابريق على الأرض بعيداً نسبياً عن النيران وجلس يرتشف بهدوء وكأنه فى ليلة سمر هادئة وليس فى مهمة حراسة قد يهاجمه خلالها متسلل خفى فى أى لحظة

قلب محروس شفته حنقاً من هدوء صديقه الغير مبالى بما هم على وشك مواجهته وقال يقرعه

:- يعنى مجعمز وواخد راحتك جوى ولا كنك مجصر فى لجمة عيشك وهملت الواد الغريب ديه يُهرب من تحت يدك

كاد عرابي يغص بما يحويه فمه من مشروب الشاى وابتلعه بصعوبة يناظر محروس بهلع مدافعاً

:- وليه الحديت اللى يسم البدن ديه يا محروس .. ديه أنى كل يوم والتانى سهران زنهار جصاد البوابة وعينيا في وسط راسى

قارعه محروس بملامح عابسة مسلطاً نظراته عليه :- أومال مالك مكبر دماغك إكده وعامل جعدة وسهراية

قلب عرابي شفته بدوره وجعد ملامحه فى وجه محروس يقارعه بدوره وقد رفع كوب الشاى فى يده للأعلى قليلاً يؤنبه

:- تصدج بالله .. العيب عليا أنى اللى بكرمك وعامل أمعاك واچب وعملتلك شاى معتبر

زفر محروس بنفاد صبر ورفع كفه الخالى من كوب الشاى يشير نحو عرابى موضحاً بالنصح

:- يا واد فتح مخك وركز أمعاى .. إحنا لازمن نچيب خبر الحرامى ديه الليلة .. أنى مجدرش أخبى عن أحمد بيه أكتر من إكده .. عمرى ما عِملتها ده أنا لحم كتافى من خيره

ابتلع عرابى جرعة أخرى من الشاى الثقيل وهو ينصت إلى محروس مع إيماءة مؤيدة من رأسه ثم قال مؤكداً

:- إن شاء الله نخلص من الحكاية ديه الليلة .. أنا عرفت من بخاتى أن الخيال ديه مظهرش الليلة اللى فاتت فى الدار

مط محروس شفتيه مفكراً لبرهة ورشف رشفة من كوبه ثم سأل باهتمام مضيقاً عينيه

:- أكدت على بخاتى إن مفيش كلمة تخرچ بره المضيفة عن الغريب ديه

مال عرابى يعيد وضع الأبريق فوق النيران المشتعلة بعد أن وضع المزيد من الماء والشاى والسكر معاً وتركه يغلى فوق النار مجيباً بثقة

:- طمن بالك .. بخاتى حداه بدل العيل تلاتة مش حمل جطع العيش .. هيوكلهم منين

وضع محروس كوبه الفارغ جانباً يناظر عرابى بجدية ورغم أنه هو من أطلق التهديد بالفصل من العمل بسبب الاهمال فى القبض على المتسلل إلا أنه قال صادقاً

:- أحمد بيه مفيش كيفه فى البلد ومش ممكن يجطع رزج حد واصل ... لكن اللى يغلط واچب يتحاسب لاچل ما يتعظ ويراعى ربنا في شغله

انشغل عرابى بدفع عصا رفيعة طويلة داخل النيران يقلب بها الحطب ليزداد توهجاً واشتعالاً وقال مؤيداً باقتناع تام :- أحمد بيه ديه أبو الذوج والكرم كلاته .. ربنا يكرم أصله

أومأ محروس مؤيداً ورفع عينيه إلى صفحة السماء ثم عاد ينظر فى وجه عرابى متسائلاً :- هى الساعة تچيلها كام دلوك؟

رفع عرابى رأسه إلى ظلام السماء والنجوم المتناثرة على صفحتها ثم قال بعفوية بعد أن تبين الوقت بالتقريب :- لسه بدرى على الفچر يمكن عدينا نص الليل إكده

مد كفه نحو محروس يشير بأصابعه نحوه هاتفاً :- لافينى كوبايتك أصبلك شوية شاى تجيل خلينا نصحح

ناول محروس الكوب إلى عرابى الذى تشاغل فى صب الشاى فى الأكواب وأعطى محروس كوبه وما أن رفع الكوب خاصته نحو شفتيه حتى التقطت عينيه حركة الظل المتحرك فى ظلام الحديقة

أعاد الكوب إلى مكانه فوق الأرض ببطء وتسللت أصابعه نحو عصا غليظة قابعة بجواره وصوته الخافت يحذر محروس :- وصل يا محروس ... وصل

أبعد محروس الكوب عن مجاله والتفت بجذعه يلقى نظره إلى الخلف حيث ينظرعرابى قبل أن يهب واقفاً خلال ثوانى قابضاً على عصا غليظة أخرى هامساً بتحفز

:- لف من الچيهة الغربية حوالين الدار وأنا هجابلك من الچيهة التانية .. أوعاك يفلت منيك يا عرابى

أسرع عرابى بحماس وجدية للقبض على هذا الخيال الذى يشاغله ويهدده فى عمله ودار حول المنزل مسرعاً بينما أسرع محروس ركضاً من أمام المنزل ليطبقا على المتسلل المجهول من الجهتين

بعد دقائق قليلة كان الأثنان يتواجهان مرة أخرى ولا يوجد أثر للمتسلل الغريب، توسعت مقلتا محروس غيظاً ورفع العصا الغليظة فى الهواء ثم نزل بها على باطن كفه ساخطاً وقال جازاً على أسنانه :- راح فين ولد الفرطوس ديه ... الأرض انشجت وبلعته

تلفت عرابى حول نفسه من جديد متعجباً وقال مؤكداً :- إحنا وراه لغاية ما نعكش (نقبض/نمسك) حرج اللى چابو أبوه ديه

لوى محروس رأسه يبدل نظراته بين باب المنزل المغلق والنافذة المظلمة بالأعلى ودون أى تردد أسرع الخطى نحو الباب المغلق يدق عليه بقوة ليوقظ من فى المنزل خوفاً أن يكون هذا الغريب تسلل للداخل دون أن يشعر به أحد

طلت شموع من النافذة بالأعلى بعد أن فزعت من نومها وأسرعت تغطى رأسها بوشاح ثم هتفت بارتباك وصوت متحشرج من أثر النوم والخوف :- مين .. خبر إيه يا محروس؟

تراجع محروس خطوتين للخلف ورفع رأسه يطالعها بجدية هاتفاً :- لا مؤاخذة يا ست شموع .. افتحى الباب الله يرضى عليكِ

قطبت بين حاجبيها مرددة باستغراب :- افتح الباب ليه دلوك يا محروس .. حُصل إيه؟؟

زفر محروس بضيق، يهز رأسه على غير هدى لا يعلم كيف يشرح لها لكنه أعاد طلبه بنبرة معتذرة راجية لتستجيب له وكل ما يدور فى عقله ويفزعه أن الغريب قد تسلل إلى داخل المنزل ويسعى لإيذاء السيدة وولدها

دلفت شموع إلى الداخل وأسرعت إلى عبائتها السوداء بينما والدتها استيقظت وجلست فوق الفراش تستفسر بهلع :- خبر إيه يا بتى .. الله يستر يا رب

ارتدت العباءة على عجل والتفتت إلى والدتها وهى ترفع الوشاح فى يدها وتضعه فوق رأسها قائلة بتوسل وهى تشير إلى وليدها الذى يشاركها الفراش :- ما خبرش يا أماى .. الله يكرمك حطى الواد فى عينيك .. وأنا هنزل أشوف محروس بده إيه؟

أسرعت إلى البهو حافية القدمين من ارتباكها وما أن فتحت الباب حتى اقتحم محروس المنزل يتجول على النوافذ يتأكد من إحكام إغلاقها ثم أسرع إلى المطبخ يتأكد من بابه المغلق من الداخل وخلوه من أى شخص وحين عاد مرة أخرى إلى البهو وجد شموع متسمرة بجوار الباب جاحظة العينين لا تعى شئ مما يحدث

وأعلى الدرج ظهرت نرجس تحتضن الصغير إلى صدرها برهبة وهتفت فى محروس بصوت مرتعش لا يخفى تخوفها وهلعها :- خبر إيه يا محروس .. اتكلم يا ولدى

وقف محروس بينهما يلهث أنفاسه الثائرة ويبدل نظراته على ملامحهما المذعورة، أخرج صوته اللاهث من بين أنفاسه يطمئنهم باهتزاز وعدم ثقة :- اطمنوا مفيش حاچة .. أنا جولت بس اطمن أن الدار مأمن وآآآآ

قبل أن يكمل حديثه المتلعثم كان صوت عرابى ينادى عليه جزعاً ليلحق به سريعاً، هرول خارجاً من المنزل وخلفه شموع تحاول أن تستبين ما يحدث، ترائى أمام عينيهما الظل المتسلل يتسلق السور الحجرى بمهارة وقفز من عليه إلى الخارج بينما عرابى يهرع إلى البوابة المغلقة يفتحها ويخرج من خلالها وفى لحظة كان محروس يلحق به على عجل

فى الخارج أسرعا خلف الرجل المتشح بالسواد من رأسه حتى أخمص قدميه وعند بداية الأرض الزراعية المحيطة بالمضيفة اختفى داخل مزارع القصب الكثيف فلم يستطيعا ملاحقته

وقف عرابى يسعل بتعب وانحنى يستند إلى ركبتيه يلتقط أنفاسه الهاربة وبجواره محروس صدره يعلو ويهبط ينهج أنفاسه المشتعلة، مسلط عينيه الغاضبة حيث اختفى المتسلل

اعتدل عرابى ينظر نحو محروس المتجمد مكانه ناقماً على هروب المتسلل الغريب ثم قال عرابى يبرر سبب فشله فى تعقب الرجل المتسلل :- مش جولتلك بيفط كيف الچن وبيرمح كيف العفاريت

حرك محروس رأسه بقلة حيلة وقد استوعب أن ما يواجهه أكبر من قدراته البسيطة وعليه اللجوء لسيده (أحمد السمرى)

*******************

فى الصباح الباكر وداخل مطبخ منزل أحمد السمرى وقفت سلمى وسندس يعدان الإفطار سوياً بحماس وارتياح، يتصرفا بحرية واستمتاع لإعداد ما يحبه والدهم من طعام

وقفت نحمدو المسئولة عن إعداد الطعام والإشراف على المنزل تنظر نحوهما بتعجب كبيرعلى نشاطهم الزائد وحماسهم فى إعداد الطعام وهما من كانتا تفضلان الجلوس والراحة دون عمل سوى العبث فى هواتفهن المحمولة، اقتربت منهما ترغب فى مباشرة عملها وصرف الفتيات إلى خارج المطبخ قائلة بجدية

:- عنكم أنتوا يا بنات .. هملوا كل حاچة ليا وأنا هكمل الفطور .. أحمد بيه زمانه نازل لاچل ما يفطر

لم تبتعد أياً منهما قيد إنملة عن مكانها إنما استمرتا فى عملهما باريحية وسلمى تجيب بجدية بعد أن ألقت نظره خاطفة نحو نحمدو :- إحنا هنوضب كل شى يا خالة .. شوفى أنتِ هتحضرى إيه للغدا

مصمصت نحمدو شفتيها بتعجب وعينيها تتأمل الفتيات بدهشة وهى تضم ذقنها بين أصابعها مرددة بخفوت وصل للفتيات :- عينى عليكم باردة .. من ميتا النشاط ديه كلاته

قهقهت سندس بمرح فقد منح لهم والدهما حرية التصرف داخل المنزل ويستطيعا ممارسة هواياتهم كما يشاؤوا، فزادوا عليها خدمة ورعاية والدهم بكل أريحية وحب .. اعتدلت سندس تناظر نحمدو ووقفت أمامها متخصرة تدافع بحمية

:- من اليوم ورايح يا خالة .. هو عيب نحضر الفطور لأبونا فى دارنا ولا إيه؟

خبطت نحمدو كف فوق الأخر على بطنها وقالت مؤكدة مع حركة عنقها المهتز :- عيب!! .. ما عيب إلا العيب .. ده أنتوا صُح الصُح

رفعت كفيها إلى السماء داعية بصدق :- ربنا يفرحك ببناتك ويكرمك بالخير يا أحمد بيه يا سيد البلد كلاتها

استدارت سلمى وتوجهت صوب البوتجاز لتقوم بتسخين الفول وإعداده للأكل كما يحب والدها بينما نحمدو تردف :- أنا هخرچ الچنينة أجطف شوية خضرة لاچل ما أچهز الغدا .. بدكم فى شى منى

أجابتها سلمى بتلقائية وهى تباشر عملها :- كتر خيرك

بعد قليل دلفت نوارة إلى المطبخ وبيدها أحد الألعاب البلاستيكية التى حصلت عليها من سبوع التوأم وهتفت فى شقيقاتها :- أبوى صحى ونازل على السفرة

رفعت سندس عينيها عن طبق الخضروات الطازجة التى تقوم بتزينه بعد أن قامت بتقطيعه بعناية قائلة بجدية وعينيها تلمح اللعبة فى يد شقيقتها :- إحنا چاهزين خليص .. خدى سبت العيش ديه يا نوارة وخليكى چار فچر

أومأت نوارة بطاعة ونفذت الأمر بهدوء بينما استطردت سندس وهى تلتفت نحو شقيقتها الكبرى :- علقى على الشاى يا سلمى

تركت سلمى ما تفعل وأشعلت عين بوتجاز الأخرى ووضعت عليها إبريق الشاى ليغلى وصوت سندس يتسلل إليها وقد تذكرت ليلة السبوع ورؤيتهم لفرح لأول مرة بعد يوم فرحها

:- شوفتى العروسة كانت كيف مبسوطة فى السبوع .. كانت كيف الجمر

ابتسمت سلمى برقة وقد تذكرت مظهر فرح وردائها الرقيق وقالت تجارى شقيقتها فى الحديث أثناء انشغالهم فى العمل

:- صُح .. حلوة فى فستان الفرح وحلوة من غير مكياچ كُمان .. وندى كمان حلوة جوى جوى

اقتربت سندس بجوار شقيقتها مستطردة :- ندى دكتورة بيطرية تصدجى .. لاه وكمان بيجولوا إنها بتنزل المزرعة وتشتغل من دلوك

تنهدت سلمى بعمق ورفعت عينيها تنظر فى الفراغ وقالت بشرود :- وفرح فى كلية تربية .. و صفا معهد أزهرى وياسمين مُدرسة وشمس خريچة ألسن حتى خالة نسمة كانت فى معهد ... كلاتهم متعلمين

تبادلا النظرات الصامتة للحظات فيما بينهما بكلام غير منطوق حتى قالت سلمى بإصرار وجدية :- وإحنا مش أجل منيهم .. ما أهاه اتعلموا وأتچوزا إيه المانع يعنى

هزت سندس كتفها برقة وقالت بعفوية تردد كلمات والدتها :- أمى بتجول .. أن جطر الچواز بيچرى بسبب العلام

ضيقت سلمى نظراتها تناظر شقيقتها وقد استوعبت الحياة بشكل أفضل بعدما اختلطت بأشخاص أخرين وأصبح لها رؤية ورأى مقتنعة بهما

:- طب ما إحنا شوفنا بعنينا أهاه .. كلاتهم متعلمين ومتچوزين كُمان .. ياسمين وشمس وفرح وصفا وخالة نسمة .. إحنا لازمن نتعلم إحنا كُمان ونحجج حلم أبوى ونرفع راسه فى البلد كلاتها .. بنات أحمد السمرى مش أجل من أى حد

أكدت سندس بإيماءة مؤيدة من رأسها وهتفت بحماس :- صُح .. وأنا هدخل كلية تربية كيف فرح .. جسم اجتصاد منزلى وهبجى أحسن شيف فى البلد

اتسعت ابتسامة سلمى ولمعت عينيها وهى تتذكر ياسمين بهدوئها ووقارها وأخت زوجها منار وهى تجلس بجوارها يتبادلان حوار ودى فيما بينهما فقالت بهدوء مفصحة عن رغبتها :- لاه .. أنا بدى أطلع مدرسة كيف ياسمين .. شوفتى أخت چوزها بتحبها كيف .. ما هى كانت مُدرستها فى الفصل

مدت سندس كفها مفرودة بحماس نحو شقيقتها يتعاهدان على الاجتهاد الدراسى هاتفه بحماس :- يبجى اتفجنا

قبضت شقيقتها على كفها برضا يتبادلان الابتسام وكأنهما يقطعان عهداً فيما بينهما، عهداً لم يكونا سيقطعانه لولا حب والدهما ورعايته التى أضائت لهما الطريق

انخرطا فى الحديث حتى فار الشاى خارج الإبريق فانتبهن لما يفعلن وأسرعن فى تجهيز الفطور ونقله إلى المائدة

******************

هبط أحمد إلى البهو بجلباب منزلى فضفاض متخلياً عن عمامته ليظهر شعره القصير مصفف بعناية، أسود اللون سوى من بعض الشعيرات الرمادية التى بدأت تزين رأسه وتوجه مباشرة نحو غرفة الطعام حيث صوت فجر الطفولى المحبب المنطلق من هناك يصاحبها صوت نوارة الشقى

توقف عند باب الغرفة يتأمل طفلتيه الصغيرتان، فجر تجلس فوق مائدة الطعام أما نوارة فتجلس على ركبتها فوق كرسى المائدة وبينهما ألعاب السبوع التى أتوا بها من منزل البدرى ومن يومها وهى تتنقل بين أيديهم

تقدم نحوهما ببطء يستمتع بمشهدهما ثم مال يضع قبله على شعر نواره الأقرب إلى الباب وأثناء هذه اللحظات القليلة كانت فجر تنهض من مكانها بمجرد أن رأت والدها وتوجهت نحوه فوق المائدة فاردة ذراعيها لتستقبله بعناق حار دائماً ما يمس قلبه الحزين

شدد من ضمها إلى صدره يستمتع بحضنها الدافئ البرئ وهو يمسد على ظهرها بحنو وبعد قليل ابتعد قليلاً عن حضنها وأشار إلى ألعابهم المبعثرة فوق الطاولة قائلاً بمرح

:- بتعملوا إيه فوج الترابيزة بلعابكم ديه .. ديه مكان للوكل مش للعب

تناولت فجر واحدة من اللعب وقربتها من والدها هاتفه بصوت طفولى محبب :- ولد .. ولد يا أبوى

نظر إلى الدمية الصغيرة التى تمثل ولد يرتدى زى أزرق فاتح اللون وحاول الابتسام وهو يومئ لابنته ببطء حين انطلقت نوارة هاتفه بتلهف

:- يارب أماى تچيب ولد المرة دى لاچل ما تبطل زعيج وخناج

عقد حاجبيه الكثيفين ولمعت نظره عيونه السوداء كمداً وحزناً على مشاعر بناته المحرومة من حنان والدتهم، احتوى رأس نوارة شفقة وضمها إلى جسده برفق قائلاً بصوت هادئ رغم نبرة الحسم التى تغلفه

:- ربنا اللى بيرزج واد ولا بنتة .. والتنين خير وعطاء چميل من ربنا لازمن نتجبله بفرح ونحمد ربنا عليه

رفعت نوارة عينيها البنية الشقية نحو وجهه متساءلة بتعجب :- أومال أماى بتكره البنتة ليه؟؟

توقفت الفتيات القادمات من الجهة المقابلة للمائدة بعد خروجهن من المطبخ وكلاً منهما تحمل أطباق فى يديها حين ألقت نوارة سؤالها فى انتظار جواب والدهن

دار بنظره حانية على وجوههن المترقبة قبل أن يرسم ابتسامة باهتة يُخفى بها شعوره بالمرارة والحزن والتعاطف مع بناته وأجاب كاذباً حتى لا يزيد من عذابهن

:- أمك مش بتكره البنتة .. هى بس نفسها تخلف الواد .. مفكره أن الواد سند وعزوة أكتر من البنتة .. بس الصُح والأساس التربية الحسنة اللى تنشئ راچل صُح أو ست چدعة تسد وجت الشدة

أمالت فجر رأسها على كتف والدها وهى تقف فوق المائدة ملتصقة به وكأنها قد فهمت ووعت حديثه فى حين أردف بصوته الرخيم المؤثر فى النفوس وعينيه تطوف عليهن بحب يوزع الحنان والطمأنينة على قلوبهن

:- فى يوم من الأيام أبوكوا هيكبر ويعچز .. وكل اللى هيريده من الدنيا حنيتكم عليه ورعايتكم له .. وفى الأخير دعائكم له بعد ما يغادر الدنيا

ضمت نوارة خصره بحب أبدى لا ينتهى ولا بنهاية الزمان فى حين قاومت سلمى دموع التأثر التى طفرت فى عينيها واندفعت هاتفه :- ربنا يعطيك الصحة وتفضل بيناتنا ومنور حياتنا يا أبوى

مسحت سندس دمعة فرت من عينيها وقالت بصوت يقاوم البكاء :- وما يحرمنا منيك واصل يا أبوى .. آمين يا رب

تنهيدة حارة انطلقت من حرقة صدره الملتاع على بناته رغم الابتسامة الجذابة التى أنارت ثغره وطاف بها على ملامحهن الجميلة ممتنناً لهذا الحب والحنان الذى أذاب جليد هذه الجدران الباردة

تناول الطعام وبناته حوله يتبادلون الأحاديث معه وهو يستمع باهتمام لما يسردوه عليه ويتجاوب معهم بتلقائية ولم ينسى أن يذكر استحسانه للطعام الذى تم إعداده بأيديهن

انتهى من تناول طعامه ورفع منديل السفرة يمسح به فمه وأصابعه قائلاً بمدح :- تسلم أيديكم يا بنات والله الوكل من يدكم له طعم تانى

:- بالهنا يا أبوى

تنحنح حرجاً وعينيه تدور بينهم ثم تعمد السؤال عن والدتهن حتى يشعرهن ببعض الألفة بينه وبينها :- أمكم هتفطر ميتا أومال؟

لاكت سندس ما يحويه فمها من طعام ثم أجابت بتلقائية روتينية :- لما بتصحى بتنادم على خالة نحمدو تحضر لها الوكل

أومأ باقتضاب وتناول كوب الشاى خاصته يتجرع منه رشفات قصيرة حتى تفاجأ بفجر التى ما زالت تجلس فوق المائدة عاقدة ساقيها أمامها وقد أنهت الشطيرة التى بين يديها والتفتت نحو شقيقتها الكبرى وهى تشير نحو الطعام قائلة :- أماه .. وتش (ساندوتش)

ضيق عينيه يستوعب ما نطقت به (أماه)، الصغيرة منحت لقب الأم لشقيقتها الكبرى التى تقوم على رعايتها بعد أن فقدت حب والدتها الحقيقية ورعايتها حتى إنها نسيت وجودها

ردد بشرود الكلمة من جديد فى حين شرعت سلمى بالفعل بعمل شطيرة أخرى لشقيقتها الصغرى أما نوارة فوضحت بمرح وكأن الأمر دعابة غير مستوعبة لمدى الألم والأسى الذى يعتصر قلب والدها :- أصل فچر مفكرة سلمى أمها وبتجولها يا أماه

ضغط على أسنانه بقوة اختلجت لها عضلات فكه وشعور بالسخط والغضب يعتملان فى صدره أما عينيه فكانت تدور شفقه وتعاطف بين وجه صغيرته المليح التى لا تعى شئ مما يدور حولها وملامح سلمى التى تولت المسئولية مبكراً

اقتحمت الغرفة بعد دقائق نحمدو وقالت باحترام :- أحمد بيه .. محروس وعرابى فى الچنينة بدهم يجابلوا چنابك

ألقي عليها نظره صارمة لم تكن المقصودة بها إنما عقله كان يعمل سريعاً حول سبب اجتماع محروس وعرابى معاً فى الصباح الباكر خاصة ونوبة عرابى في حراسة المضيفة كانت بالأمس

أومأ لها لتنصرف واستأذن من بناته بابتسامة يخصها بهم فقط بعد أن أكد عليهم ليكملوا إفطارهم حتى ينهوا الطعام كله

****************

فتح ستائر شرفة جناحه الخاص يسمح لضوء الشمس أن يضئ الغرفة واستدار يواجه الفراش حيث ترقد زوجته كل من بالمنزل استيقظ منذ الصباح الباكر وتناولوا الإفطار سوياً إلا زوجته التى لا تزال تغط فى النوم

لم يرغب فى إيقاظها حين وجدها مستغرقة فى النوم العميق فتركها حتى تنال قسطاً من الراحة خاصة إنها كانت تعانى من السهاد ليلاً ولم يزور النوم عينيها إلا بعد أن أدوا صلاة الفجر سوياً

اقترب يجلس على طرف الفراش بخفة ومد أنامله يتخلل شعرها القصير، يدلك فروة رأسها برقة ينادى باسمها بهمس وهو يميل عليها يدللها بنعومة

تقلبت فى الفراش برقة لم تتعمدها وإنما هى طبيعتها الناعمة كعصفور جميل الألوان، فتحت جفنيها بتكاسل تواكبت مع ابتسامة شقت ثغرها حين حطت عينيها على وجهه الذى يتأملها بتمعن واهتمام

تنهدت بخفوت تتمطى بنعومة كيمامة رقيقة ولامست وجنته بدلال تتمتم بصوت ناعس :- صباح الخير يا ولد خالتى

ضحك بخفة وناظرها بمكر ويده تتسلل على طول ذراعها العارى يقول مرواغاً :- ولد خالتى .. مفيش مرة صباح الخير يا جلجل يا جوزى

قهقهت ضاحكة واتكأت على مرفقيها ترفع جذعها عن الفراش فوجدت ذراعيه تحاوطانها، تدعمها وتضمها إليه جالسة

أراحت رأسها على كتفه وكفيها تتحسسان ظهره تبادله الاحتضان، تنهل من نهر حنانه واهتمامه الذى لم يبخل عليها بهما أبداً

تنهدت بحرارة تكتنف جسدها هامسة بعشق عاش معها منذ علمت معني الحب ولن يغادر قلبها يوماً حتىتغادر هى الحياة

:- چوزى وحبيبى كمان .. ديه أنت حتة من جلبى يا چلال

غرز أصابعه فى جسدها يتمسك بها باحتياج يعلم أنه يملك قلبها وليتها ملكت عليه قلبه الجامح

أغمض عينيه يتمنى لو طلب سماحها وعفوها، تستحق كل عشق الكون ولكن ما بيده حيلة فليس له سلطان على قلبه المشتت إلا أنه من المؤكد أن وسط كل هذا الشتات والصخب الذى يعصفان بقلبه هناك بلورة مضيئة صافية النقاء مستقرة فى جوف القلب، بلورة تحمل اسمها هى فقط (صفا) ولولا هذه البلورة لما استطاع مواصلة الحياة ولا شعر يوماً بالراحة

همس بلوعة وأنفاسه الحارة تلفح عنقها، تكاد ضمته القوية أن تحطم عظامها الهشة يردد بالتياع ولسان صدق يصف حالة معها

:- بحبك يا صفا .. بحبك .. وجودك نور حياتى وريح قلبى أنا من غيرك كنت مت

بتر جملته ود لو يقول "بدونك لمت كمداً وقهراً من غدر الحبيب الذى هجرنى ولم أجد السلوى سوى بجوار قلبك الصافى"

بحنان أمومى فطرى مزروع داخل نفوس كل النساء مسدت ظهره المتشنج، تربت عليه برقة وحنو تطبب جراحه التى أصبحت تفهمها وتعرفها جيداً

ابتسمت برضا كرد فعل على إحساسه الصادق ونبرته الدافئة المطمئنة لقلبها، يكفيها ما يمنحها إياه من حب واحتواء .. يكفيها أن حقق حلمها المستحيل بقربه ... يكفيها أن منحها لذة الحياة

استنشق دفعة من الهواء يتحكم بها فى عبراته الراغبة فى الهطول وفصل جسديهما عن بعض مبتعداً لبضع سنتيمترات واحتضن وجهها الرقيق بين كفيه يتأمل ملامحها الناطقة بحبه، مقلتيها اللامعتين بالحب والحياة رغم شحوب بشرتها الدائم

وتساءل باهتمام بالغ يخصها به وكأنها ابنته الصغيرة التى يخشى عليها من النسيم :- أنتِ كويسة .. طولتى فى النوم النهارده حسيتك تعبانه سبتك تقومى براحتك

مدت ذراعيها فى الهواء تتمطى بدلال وأجابت بتكاسل :- مش عارفة مالى .. كنى چعانة نوم

حثها برقة لتنهض وتتناول إفطارها الذى أحضره إلى جناحهما الخاص :- المهم إنك بخير .. يا كسلانة قومى افطرى ندى حضرتلك الفطور

نهض من فوق الفراش دون أن يترك كفها ليسحبها بلين لتنهض معه وقادها نحو أريكة جانبية أمامها صينية كبيرة تحوى إفطارها موضوعة فوق منضدة قصيرة، جلسا سوياً متجاورين ثم مال يلتقط كوب من اللبن الدافئ وقربه من فمها لترتشف رشفة صغيرة ثم ترك الكوب بين يديها لتكمل بنفسها

تسائلت برقتها المعهودة تظهر اهتمامها به :- وأنت فطرت يا چلال

:- الحمدلله فطرت مع العيلة من بدرى

ارتشفت جرعة أخرى من اللبن قبل أن تقول معتذرة بحرج :- أنا آسفة .. ملحجتش الفطور وكمان أخرتك على شغلك

ناظرها بلوم ومسح على شعرها بلطف يزيح خصلاته المبعثرة خلف أذنها وهو ينتزع الكوب من بين يديها ويشير بطرف ذقنه نحو صينية الطعام

:- بتتأسفى ليه ده .. بيتك ومن حقك تصحى براحتك .. كفاية لبن بقى وكُلى كويس

ابتسمت بوله فى وجهه ثم مدت يدها نحو الطعام مطيعة لأوامره وهى تتبادل الحديث الودى معه :- أنا هاكل أهاه .. بس أنت كمان ما طعتلش حالك

أراح ظهره على الأريكة وقال بلا حماس :- مفيش عطلة ولا حاجة

التقطت قطعة جزر صغيرة من فوق أحد الصحون تقرض بها كأرنب صغير واستدارت نحوه متسائلة بعفوية :- مش كان معاكم معاد اليوم مع فاروج السمرى

مد نظره فوق البساط المزركش تحت قدميه، كم يرغب تجاهل هذا الموعد الذى سيجمعه مع صلاح السمرى لأول مرة

ربما كان يود لقائه فى يوماً ما، أما الأن فلا يرغب فى هذا اللقاء أبداً ولكنه مضطر لمجاراة الأمر بعد أن بدأت الشراكة بين العائلتين فى المشروع الخيرى وعليهم الاجتماع للاطلاع على رسومات المشروع التى قام بها المهندس صلاح السمرى

أجاب عليها شارداً بفتور معلقاً على ملابسه :- يوسف لما يجهز هيقولى وأنا هغير القميص وأكون جاهز

تأملته باستغراب تشعر بإحباطه وتخاذله وترفض هذا الجانب فيه لطالما كان مجتهد، متفانى فى العمل مُحب للحياة ويجب أن يظل هكذا، حثته على الحركة مشجعة وكفها الصغير يتحرك فوق ساقه هاتفه بحماس

:- مين الكسلان دلوك .. جوم يلا چهز حالك من ميتا چلال البدرى يجصر فى فعل الخير

لوى عنقه نحوها يتفحص وجهها المنشرح وهى تضيف بنعومة مشجعة :- توكل على الله وأنا هدعيلك وليا غرض تانى كمان

انتبه بكل حواسه لها وهى تنهض من مكانها برشاقة جسدها النحيل، سحبت الجارور وأخرجت أسورة ذهبية منه ثم عادت ومنحتها لجلال الذى يتعجب من أمرها

لم تتركه فى حيرته كثيراً إنما أفصحت عن غرضها مباشرة وهى تضع الأسورة فى كفه وتغلق أصابعه عليها

:- الأسورة ديه بدى أتبرع بها لوچه الله .. بيعها وحط جيمتها فى المشروع أمعاكم

تأمل الأسورة الذهبية العريضة ثم أعادها إليها قائلاً بجدية :- خلى الأسورة معاكى وشوفى المبلغ اللى تحبى تشاركى به وأنا هساهم به باسمك فى المشروع

تذمرت بشكل طفولى ودفعت يده الممسكة بالأسورة هاتفه بإصرار:- لاه .. ديه صدجة منى وديه رغبتى ما تمنعش عنى الخير الله يرضى عليك

قبض على الأسورة ينظر فى ملامحها العنيدة وتنهد باستسلام لرغبتها وقال بهدوء :- حاضر هنفذ طلبك ولو إنى مفيش فرق بينا والمفروض تطلبى منى كل اللى تتمنيه ..لكن أنا هحترم رغبتك ومش هزعل منك .. ربنا يتقبل منك يا حبيبتى

جذب رأسها برفق وطبع قبلة فوق خصلاتها الناعمة وحين ابتعد مدت أناملها تمسد لحيته الخفيفة بنعومة وعينيها تبتسم له بحب مرددة

:- يلا جوم چهز حالك بجى .. ربنا ييسر لك الأمور

أومأ بخفة ونهض بتباطأ يتحرك نحو خزانة الملابس وأخرج قميص وشرع فى تبديل قميصه وهو يتبادل معها الحديث

:- كملى فطارك .. وأنزلى اقعدى مع ندى وشمس وعمة اصيلة بلاش القعدة لوحدك

لاكت لقمة صغيرة فى فمها تجبر نفسها على الأكل على غير رغبتها حتى ترضيه وقالت تجاريه فى الحديث :- وشمس تحت كمان

ابتسم بمرح حين تذكر ندى التى تداعب التوأم كالدمى الصغيرة :- أيوه شمس والتوأم وندى قاعدة بتلعب بهم تحت

تشاركا الضحك سوياً وما أن أنهى حديثه حتى طلبه يوسف على هاتفه المحمول حتى يتحركا نحو أرض المشروع الجديد

داخل السيارة التى يقودها جلال عابس الوجه وبجواره يوسف الذى يتحدث معه وينتظر إجابته إلا أن جلال كان سابحاً فى خياله

تنحنح يوسف بخشونة وحرك كفه أمام ناظرى جلال يقول بتوسل :- لا وحياتك يا جلجل ركز فى الطريق .. أنا أب جديد وعاوز أربى عيالى

أجفل جلال من تلويح يوسف امام وجهه والتفت نحوه بغته ثم عاد يركز فى الطريق وقال معتذراً بنبرة حاول أن تكون مرحة

:- ما تقلقش يا چو ... أنا أسوق وأنا مغمض وسايب أيديا كمان حتى شوف

رفع كفيه للحظات قهقه فيها كليهما قبل أن يتمسك يوسف بعجلة القيادة وينزل جلال ذراعيه يتمسك بعجلة القيادة من جديد، رغم مزاحهم سوياً إلا أن يوسف يعلم سر ابن عمه

يشعر بتوتره واضطرابه من قرب العائلتين سوياً والأن أصبح عليه العمل كتفاً بكتف مع والد من كانت حبيبته يوماً، تفحص يوسف جانب وجهه يفكر فى وسيلة ليهون عليه

وبعد هنيهة من الوقت قال بنبرة جادة مهادنة يرفع عبء هذا المشروع عن كاهل ابن عمه

:- كان لازم نقبل بالمشروع ده اللى هيوفر شغل لأهل القرية وكمان هيوحد العائلات مع بعض ويحل السلام على القرية كلها (صمت لبرهة ثم أردف) أنا هكون فى المشروع أغلب الوقت .. وأنت مش عليك غير إنك تظهر من وقت للتانى

رمى جلال نظره نحو يوسف متفهم لحديثه ومبادرته كما تفهم تبرع زوجته وكأنها تعلن عن مباركتها لهذا المشروع وهو يثق فى صدق حدسها لذا قال ممتناً مؤكداً على رغبته فى المشاركة

:- عندك حق فاروق فكر صح أوى فى المشروع ده وأنا معاكم يد بيد وكتف بكتف

أحنى يوسف رأسه للحظات حائر فى موقف ابن عمه ثم قال فى تيه وهو يدلف إلى منطقة محظورة فى حياة جلال :- كان نفسى أقولك بعد ما رجعت لينا .. ما أنا قلتلك تصبر وما تتسرعش فى الجواز

رفع رأسه يناظره بثقة وتأكيد :- لكن مش هقدر أقول كده ... جوازك من صفا مش خسارة بالعكس مكسب

حرك رأسه بقوة موافقاً وابتسامة حانية تظهر على ثغره وصوته الواثق يؤيد حديث ابن عمه :- صفا مكسب لأى إنسان يقرب منها .. وكل أمنيتى فى الحياة إنها تفضل جنبى بقية عمرى كله

***************

فى الخارج كان عرابى يقف على جمر من النار يتحرك فى مكانه بتوتر يلتفت كل دقيقة نحو وجه محروس العابس ثم يدور حول نفسه من جديد بإضطراب

خرج أحمد إلى ساحة المنزل الخارجية ووقف شامخاً عاقداً كفيه خلف ظهره يفصل بينه وبين الرجال عدة درجات قليلة المؤدية إلى الممر الذى يشق الحديقة إلى نصفين

رماهم بنظرة ثاقبة أدرك من خلالها أن هناك خطب جلل حدث فى المضيفة، قرع قلبه طبول الخطر بين جنباته بوجل على صاحبة العيون الساحرة التى تشاغل قلبه وهو يقاوم حتى طيفها إلا أن قسماته الصارمة لم تدل على شئ مما يدور فى عقله

ما أن ظهر أمام زوج العيون المترقبة لحضوره حتى أسرع عرابى صاعداً الدرجات الفاصلة وتوقف على أخرها يقسم بتخوف أمام رب عمله

:- والخاتمة الشريفة يا أحمد بيه ما جصرت ولا تهاونت فى شى .. أنا براعى ربنا وچنابك خابر آآ

قاطعه أحمد بإشارة من يده وحادت نظراته نحو محروس الذى يقف صامتاً منكس الرأس خجلاً وقال بصوت قوى موبخاً كليهما

:- جبل ما تعتذر وتبرر أفعالك .. واچب تخبرنى اللول إيه اللى حُصل ولا إيه يا محروس!!

حرك محروس رأسه بالإيجاب دون أن يرفعها فى وجه أحمد ثم تحرك ببطء يقترب من الدرجات فى نفس الوقت الذى تراجع فيه عرابى تأدباً هابطاً الدرجات ووقف كتفه فى كتف محروس الذى رفع رأسه أخيراً معتذراً بصوت خافت حرجاً من فشله فى القبض على المتسلل

:- أنى طالب عفوك يا أحمد بيه لول مرة ادارى (أخفى) عنيك حاچة .. كنت مفكر إنى هجدر أحلها وأچى أخبر چنابك لكن ما جدرتش

لم تحتمل أعصاب أحمد المتحفزة المزيد من الالغاز فانطلق صوته الغاضب فى وجهيها :- انطج منك ليه جبر يلمكوا سوا

انكمش عرابى على نفسه وعض على شفته فزعاً بينما ازدرد محروس ريقه الجاف ورفع عينيه ندماً نحو أحمد قبل أن يشرع فى شرح ما يحدث فى المضيفة ليلاً

عقد أحمد جبينه مفكراً أثناء سرد محروس الذى شاركه فيه عرابى بعدما تشجع قليلاً وبدأ يوضح أدق التفاصيل حتى انتهيا إلى ما حدث فى الليلة الماضية من هروب المتسلل منهما

انشغل عقل أحمد فى التفكير عن هوية المتسلل وغرضه من هذا الفعل الغريب فى حين نظراته الساخطة تتقلب على وجوه محروس وعرابى وبعد برهة من الصمت سأل بهدوء مخيف يؤنبهما

:- وهملتوا المضيفة انتوا التنين وچيتوا لإهنا

أسرع عرابى ينفى تخاذله عن أداء عمله بلهفة :- لاه يا أحمد بيه بخاتى استلم الوردية منى .. جمنا چينا طوالى لچنابك نخبرك باللى حُصل

ناظره أحمد باستخفاف وقال لائماً :- وده لانك بتشوف شغلك جوى مش إكده ... بدل ما تعكش الواد اللى بيلعب بكم كل يوم والتانى داخل خارچ من المضيفة ولا كنها تكية اللى خلفوه

رفع عرابى سبابته أمام وجهه يحركها ببطء يقسم صادقاً وعينيه فى عينى أحمد الصارمة يبرر فشله فى القبض على الرجل

:- جسما بالله يا أحمد بيه .. الواد بيفط كيف العفريت

تلعثم فى الحديث وهو يحرك رأسه على غير هدى يبحث عن تشبيه مناسب ثم قال باندفاع كأنه وجد التشبيه المناسب

:- الواد كان كيف اللى بيلعبوا في سيرك المولد ... بينط ويفط فوج السور فى ثوانى وعجبال ما نلف حوالين السور ونخرچ من البوابة بيبجى فص ملح وداب

شبك أصابعه من جديد خلف ظهره وشد قامته الفارعة، عينيه تنظر فى فضاء السماء أمامه وعقله يفكر بتعمق فى كل ما سردوه عليه، صمته يثير الروع فى نفوسهم، محروس يطالعه بحيرة فى انتظار أوامره وعرابى يناظره بتوجس خوفاً على مصدر رزقه

ابتلع عرابى ريقه بتخوف وقال يستدر عطف أحمد

:- سايج عليك حبيبك المصطفى تسامحني يا أحمد بيه .. ومحروس كمان سهر طول الليل أمعاى وحاولنا نعكش الواد لكن ...آ

لم يكمل حديثه فأحمد لم ينتبه للكلام من أساسه وإنما كان شارد الفكر ولا يعلم ما يدور برأسه أياً منهما، بعد لحظات مرت وهم صامتين إحتراماً له أشار نحو محروس آمراً بخشونة

:- حضر العربية يا محروس .. وأنت يا عرابى روح دارك

مسد عرابى عنقه وكأنه سيزيل غصته بهذه الحركة وتساءل بتشكك وعينيه تتوسل لأحمد :- وبكره أروح الحراسة على المضيفة يا أحمد بيه؟

أرخى جفنيه بضيق ثم ناظر عرابى بنفاد صبر ثم قال يقرعه

:- ما أنتش خابر شغلك ولا إيه يا عرابى .. طبعاً هتروح فى الحراسة ولا بدك تجعد فى دارك

رفع عرابى يديه فى الهواء مهللاً وقد انشرح صدره واطمأن على مصدر رزقه هاتفاً ببهجة

:- كتر خيرك يا أحمد بيه .. ربنا يخليك لينا يا رب يا سيد البلد كلاتها

*****************

بعد وقت قصير كانت سيارة أحمد تطوى طرقات القرية يرفع كفه بالتحية على كل من يقابله فى الطريق ويقف ليشير له بالتحية وبجواره فى مقعد السائق محروس يطبق فمه بصمت حرج لا يجرؤ على رفع عينيه فى وجه أحمد إعترافاً بخطأه فى إخفاء الأمر عن رب عمله وما زاد من توجسه وألمه أن أحمد تجاهل توبيخه أو عتابه بينما اقتنص عرابى العفو والسماح

توقفت السيارة أمام أسوار المضيفة الخارجية وما أن هم أحمد بالترجل حتى تشبث محروس بذراعه يعتذر ويلتمس العفو

:- جطع لسانى لو خبيت على چنابك كلمة بعد إكده ... كنت مفكر إنى هجدر أعكش الواد واچى أرميه تحت رچليك

مال على كتف أحمد مقبلاً بتوسل وأردف راجياً :- سامحنى يا سيد الناس

حدجه أحمد بنظره مبهمة فحب وإخلاص محروس له لا جدال عليهما إلا أنه مشغول الفكر ويرغب فى تعنيفه حتى لا يُخفى أمراً عنه مرة أخرى

تركه أحمد دون أن يجيبه وترجل من السيارة بهدوء ووقف أمام البوابة المغلقة يتفحص الأراضى الزراعية المحيطة والتى تخص جميعها عائلة السمرى

أغلق محروس السيارة وتقدم نحو أحمد بملامح كئيبة ووقف أمامه مطأطأ الرأس آسفاً، تأمله أحمد جيداً ثم قال يلاعبه بوقار :- مطاطى راسك ليه يا حزين

رفع نصف عينيه يتأمل تقاسيم وجه أحمد بنظره رجاء وقال بصوت بائس يؤكد على شعوره بالندم :- وشى منيك فى الأرض يا أحمد بيه

رفع أحمد بصره يتأمل تمايل الزروع بنعومة أمامه وقال ببساطة

:- رچاله أحمد السمرى دايماً راسهم مرفوعة يا محروس .. ما يلجيش عليهم الخزى

رفع محروس رأسه يجرى بنظراته على ملامح أحمد متلهفاً قبل أن يندفع ويتوقف على بعد سنتيمترات قليلة يحرك ذراعيه فى الهواء بغير تصديق :- يعنى سامحتنى يا أحمد بيه

لوى جانب شفته بشبه ابتسامة وضرب على كتف محروس بقوة معاتباً :- لولا إنى خابرك زين يا محروس .. ماكنتش هتعدى بالساهل

قفز محروس يتشبث بكتف أحمد يقبله من جديد عدة مرات داعياً له بنية خالصة

:- الله يرضى عليك يا رب .. والله ما هعيدها من تانى يا أحمد بيه

زجره أحمد مداعباً بخشونة وقد قطب حاجبيه من جديد

:- ما خلصنا يا واد .. أمسك حالك ودج على البوابة خلينا نشوف إيه اللي بيحُصل

فى الداخل وأمام بوابة المضيفة الحديدية من الداخل التف بخاتى ومحروس حول أحمد بعد أن توقف ليستمع لرواية بخاتى عن المتسلل عله يقف على معلومة جديدة

أثناء ذلك كانت شموع تهدهد طفلها برقة بعد أن تناول وجبته، تتحرك ذهاباً وإياباً داخل بهو المضيفة وحين حادت نظراتها نحو النافذة المطلة على البوابة تجمدت مقلتيها على وجه أحمد السمرى وانشرح صدرها بذبذبات من الأمان والارتياح تتسرب إلى قلبها لمجرد رؤية هذا الوجه الأسمر الخشن

أسرعت متلهفة بفرحة لم تخفيها ووقفت أسفل الدرج تنادى على والدتها التى مازالت بالطابق العلوى

:- أماه سى أحمد بيه السمرى چه ... چه يا أماه

هرعت نحو باب المنزل بدون تأخير يسبقها قلبها الذى علت دقاته لسبب مجهول لديها، لا تعلم سوى أن أحمد السمرى هو مصدر الأمان والطمأنينة وسبب لإنشراح القلب

فتحت الباب ووقفت على أعتابه تستقبل الضيف العزيز بابتسامة واسعة وعيون تتألق فرحاً لرؤيته، لم تسعد عينيها برؤياه منذ ما يقرب من شهرين، منذ حصلت على حريتها من زيجة كتبت عليها غصباً وقهراً

استمع للحديث بجدية وأكد على بخاتى أن ينتبه لعمله جيداً ثم استدار صوب المنزل ليتفاجأ بابتسامتها تستقبله وعيونها ترحب بوجوده، لانت ملاحه الصارمة وأخفض عينيه خجلاً وهو يقترب من المنزل

اعتلى الدرجات القليلة نحو باب الدار وهو يلقى السلام عليها دون أن يرفع عينيه عن الأرض فردت السلام بحماس وبهجة مهللة لوجوده

:- والله جلبى اطمن لما رأيتك يا أحمد بيه ... ربنا يكرمك ويچعلك ضهر وسند لكل ضعيف يا سيد الناس

حمحم بخجل رجولى رزين وهرب بعينيه بعيداً ثم قال بتواضع متخطياً مدحها فيه

:- إن شاالله تكونوا بخير يا أم عبدالله .. أنا چيت اليوم لاچل ما أفهم منيكي إيه اللي بيحُصل فى الدار

ضمت وليدها إلى صدرها بحنان تخفيه فى أحضانها، تحميه من نسمه الهواء وشعاع الشمس وقالت بعدم استيعاب لما حدث بالأمس

:- والله ما خابرة أجولك إيه يا سى أحمد .. محروس صحانا من أحلاتها نومه ودخل فتش الدار كلاته وفچأة نادم عليه عرابى وشوفنا الراچل وهو بيفط من فوج السور

تنفس محروس الصعداء من مكانه أسفل درجات السلم القليلة بعد أن أكدت شموع على حديثه أمام رب عمله

سيطر أحمد على عينيه التواقة لرؤيتها أما أذنيه فلم يستطع أن يتحكم فيهما وصوتها يتوغل بنعومة خلالهما يداعب أوتار قلبه المحروم، يبث الحياة فى أوصاله ليخفق من جديد

ظل على صمته حتى انتهت من سردها، تنفس حرارة أنفاسه وحرك رأسه ببطء نحو وجهها ليرتطم بزوج من عيون القطط الفضولية التى تحملق فى وجهه

دون أن يشعر طافت بسمة صغيره على شفتيه و عينيه ترتكزان على الصبى الصغير الذى يحمل نفس عيون والدته البنية المتلألئة تحت أشعة الشمس وهو يحملق فيه بنفس الفضول وأصابعه داخل فمه يمتصها بعفوية

لانت ملامحه للصبى الصغير ذو الملامح المليحة التى اكتسبها من والدته دون أن يترك والده أى أثر فى هذه الملامح الصغيرة وقال بعفوية هادئة :- عبدالله كبر ما شاء الله عليه

ربتت على ظهر الصغير بحنو مجيبه بفخر أمومى :- بجى عنديه تلات شهور ما شاء الله

رفع عينيه السوداء العميقة النظرة نحو تقاسيم وجهها لبرهة ثم ابعدهم عنها وألقى بنظره نحو زروع الحديقة الوارفة، ازدرد ريقه وتنحنح بخفة يستعيد تركيزه ويستأذن منها بحرج

:- باستاذنك يا أم عبدالله هناخد چولة في الچنينة لاچل ما ...

قاطعته شهقتها الملتاعة وكف يدها الذى خبط فوق صدرها تعاتبه برقة :- بتستأذن فى دارك يا سيد الناس

حرك رأسه الشامخ قليلاً يرمقها بطرف عينه قائلاً بجدية وتفهم للأصول الذى جُبل عليها

:- الدار دلوك يخصكم وواچب نستأذن فيه

:- دارك ومُطرحك وإحنا عايشين فى خيرك وحِماك يا أحمد بيه

هتفت بها نرجس مُرحبة به وهى تنضم لهما بعد أن هبطت من الأعلى بخطواتها البطيئة

خبط على صدره تواضعاً وإمتناناً لحديثها وقال حرجاً بتأدب :- العفو يا خالة نرچس .. كله من خير ربنا علينا

أشارت شموع بترحاب بذراعها فى الفراغ ليفعل ما يشاء بالدار ففى النهاية هم مجرد ضيوف على عائلة السمرى قالت بحماس

:- اتفضل يا سى أحمد بيه خد راحتك .. الدار دارك وإحنا اللى ضيوف عند چنابك ... وما عبال ما تشوف اللى بدك إياه هكون سويت الجهوة لچنابك

:- لاه كتر خيرك يا أم عبدالله

وضعت طفلها بين يدى والدتها التى التقطته بحبور وقبلت وجهه الصغير بحب ودون أى توقف اتجهت إلى داخل المنزل وهاتفه بحمية

:- وديه تاچى برضك تنور دارك وما تشربش حاچة .. ثوانى والجهوة تكون چاهزة لسيد الناس

لم تنتظر إجابته فلن تقبل الرفض كإجابة إنما دلفت مسرعة تنفذ الأمر على الفور

تنحنح حرجاً واستأذن من نرجس ثم هبط الدرج ودار حول المنزل مع محروس الذى أعاد عليه سرد ما قاله سابقاً وهو يشير بذراعه نحو أماكن بعينيها موضحاً كل صغيرة وكبيرة "من هنا ظهر المتسلل .. وهنا اختفى .. ومن هناك قفز من فوق السور المرتفع"

زفر أحمد بعمق ونظراته تدور خلال المكان متفحصاً بتركيز حتى توقفت عند نافذة صغيرة مستطيلة الشكل ومحاطة بالقضبان الحديدية، ترتفع فوق الأرض بما يقرب الربع متر ومغطاة ببعض فروع المزروعات المحيطة بالمنزل

أشار نحوها بجدية عاقداً حاجبيه وعينيه مسلطة على وجه محروس الذى لا زال لم ينتبه نحوها وتساءل بجدية رغم توقعه للإجابة :- حد فيكم بص چوه البدروم

التفت محروس بغتة نحو النافذة الصغيرة وخبط على جبهته بقوة يعنف نفسه بعصبية :- كيف نسيت أوضة المخزن ديه

ودون أى تأخير نفذ الأمر من قبل أن ينطق به أحمد وأسرع صوب الباب الهابط عن مستوى الأرض بعدة درجات ومد يديه نحو القفل القديم المعلق هناك ليتفاجأ أن القفل مكسور ومعلق بشكل يوحى لأى شخص من بعيد أنه مغلق ولم يمس

أزاح القفل بعصبية وهو يلوم نفسه على عقله الخرب الذى أنساه هذا المكان المهمل منذ سنوات، راقبه أحمد من فوق الدرج وهو يدلف إلى لغرفة الأرضية التى يتسلل لها شعاع ضعيف من الشمس من خلال زجاج النافذة المغبر

وقف محروس يتلفت حول نفسه دون أن يتوغل إلى الداخل أكثر فقد استوعب ما حدث مما رأى من أثار أقدام فوق الأرض المتربة والنافذة التى انفتح جزء من خصاصها ليتيح لمن بالداخل مراقبة جزء من الحديقة

استدار وخرج نحو أحمد الذى ينتظره بالأعلى وقال وهو يشير إلى داخل غرفة البدروم

:- الواد كان بيستخبى إهنا .. علامات رچليه مطبوعة على غبار الأرضية وفاتح درفة من الشباك لاچل ما يراجب اللى بيحصل بره ولد الفرطوس ديه

نفث أحمد غضبه من فتحتى منخاره غضباً ثم ربت على كتف محروس بقوة يهون عليه وقال بهدوء مبهم :- رچع الجفل كيف ما كان وتعالى يا محروس

نفذ محروس الأمر بينما كان أحمد يهم بمغادرة المضيفة إلا أن صوت شموع استوقفه منادياً باسمه برقة لم يعهدها من قبل

توقفت قدماه وحرك مقلتيه نحو باب المنزل حيث تقف حاملة صينية معدنية تحوى فنجان القهوة مع كوب ماء تدعوه ليحتسى قهوته ببسمة خجولة ممزوجة بالسعادة التى تطل من عينيها

تنحنح بخفة وهو متسمر فى مكانه بارتباك عقله حائر لأول مرة فى إتخاذ قرار "أيتركها ويرحل أم يستجيب لندائها ... ونداء قلبه"

وصل محروس إلى جواره بعد أن أعاد كل شئ كما كان وقال بتلقائية :- هنتظر چنابك چار بخاتى لحد ما تشرب جهوتك يا أحمد بيه

تركه محروس واتجه نحو البوابة المغلقة حيث يجلس بخاتى وهو مازال على وضعه مرتبك، حائر لم يستسيغ تلك المشاعر التى لم يعهدها فى نفسه

سحب نفس طويل وأطلقه ببطء، ينتشل نفسه من هوة المشاعر التى تبتلعه ولم يختبرها من قبل، كيف ومتى حدث ولماذا هى بالذات لا يعلم؟؟

جلس على أول كرسى من البامبو صادفه فى الساحة الخارجية للمنزل حتى يكون بعيد بالقدر الكافى عن باب المنزل، تناول الفنجان من داخل الصينية دون أن يرفع عينيه نحوها بعد أن تقدمت نحوه خطوتين ثم عادت وابتعدتهم مرة أخرى ووضعت الصينية فوق المنضدة الصغيرة من البامبو أيضاً ثم جلست بالقرب منها فى الجهة المقابلة لأحمد

عينيها تتابعه بدقة وهو يرتشف القليل من مشروب القهوة الساخن ترمق ارتخاء جفنيه الطفيف وهو يتلذذ المذاق المميز

اشرأب عنقها وتوسعت حدقتيها الملونة بلون القهوة تحدق فى ملامحه الرجولية الخشنة متسائلة بتلهف :- عچبتك!!

تشابكت مقلتيه مع خاصتها المترقبة للإجابة فى واحدة من المرات النادرة فاختلجت لنظرتها أوصاله وتحشرج صوته، حمحم بخشونة وقال بصوت أجش وعينيه تهرب عن تلك الفناجين التى ترمقه بلمعة مميزة :- تسلم يدك

ابتسمت برضا مُرخية أكتافها وشبكت كفيها بخجل فوق ساقيها مطأطأة الرأس، لم يتبادلا أى حديث أثناء ارتشافه لقهوته فكانت هناك مبارة قائمة بين زوج العيون التى تتهرب كلاً منهما فى إتجاه ثم تعود لتتشابك من جديد وكأن قدرهما ألا يفترقا

فضل أن يكسر حاجز الصمت عل ثورة المشاعر التى يشعر بها تعصف فى جنباته تهدأ وتستقر عند سماع صوتها فسألها بصوته الرخيم :- المعلم چارحى هيعاود ميتا؟

كان صوته طوق النجاة إليها لترفع عينيها نحوه ترتوى من ملامحه التى تمنحها الأمان والطمأنينة رغم خشونتها وصلابتها، أجابت ببهجة تخالط نبرتها الرقيقة

:- عن جريب .. سليمان نچح فى التنسيج وهيدخل الچامعة وهياچوا كلاتهم يجدموا الأوراج بتاعته

هز رأسه بخفة وقال يطمأنها بنبرة واثقة

:- على أى حال مش رايدك تخافوا من شى ... والغريب ديه هنعرفوا هو مين وهنجبض عليه

زفرت بأسى وقد تذكرت كل ما عانته فى الحياة حتى أن الخوف أصبح لا يقارن بما رأته فى زواجها من حمدى فقالت بنبرة هادئة ولمحة حزن وأسى لونت بريق عينيها

:- ربنا ما يچيب خوف يا سى أحمد بيه .. ديه أنى شوفت الموت بعنيا وربنا نچانى وعطانى الدنيا .. وعطانى عبدالله وكل أملى فى الحياة أنه يطلع راچل زين ملو هدومه .. مهندز وله هيبة كيفك إكده يا سى أحمد

رمقته بسهم نارى من عيونها الساحرة أصاب قلبه فى مقتل وعينيه صارمة النظرات لانت وغاصت فى دفء حدقتيها التى احتوت ملامحه بنظره لم يقابلها في عينى إمرأة من قبل

اضطربت أعصابه وارتجف الفنجان بين أصابعه رجفة طفيفة فوضعه أمامه بارتباك وهى تضيف برقة صوتها وعذوبته وبنظره حالمة لمستقبل ترجو أن تراه يوماً

:- هعلم ولدى دايماً يبص عليك ويكون چارك يتعلم منيك كيف يكون راچل صُح ينصر المظلوم و يساعد الضعيف

تعانقت العيون وارتجفت القلوب وتهافتت الأرواح لحلم صعب المنال، تنحنح بخشونة مردداً بصوت أجش خافت وهو يهم بالنهوض :- ربنا يبارك فيه ... سلامو عليكو

أسرع الخطى مغادراً، هارباً .. هارباً من عينيها التى تسحره، هارباً من خفقات قلبه الذى يسمع دويها يطن فى أذنيه ويخشى أن يصل طنينها إلى كل من حوله فاضحاً هفوة قلبه

*************

أمام غرفة العمليات كان طه يجلس منفرداً على مقعد معدنى بارد بتوتر وقلق كبيرين ربما كان مخطئ حين قرر ألا يخبرا أحد بأمر العملية، لو أخبر عائلتهما لكانا معه الأن يؤزرونهم ويدعوا لزوجته الوحيدة بالداخل

خلع نظارته الطبية ومسح على وجهه بتمهل، والدته تشعر بأن أمراً يجرى بينهما، نظراتها إليهما وهما يغادران المنزل وتعلقها بهما كأنها تعلم ما يجرى

أغمض جفنيه يلوم نفسه على إخفاء الأمر وعقله يسترجع ما حدث صباحاً ووالدته تسرع إليهما وهما يهبطان من منزلهما وطه يحمل حقيبة صغيرة فى يده إستعداد لقضاء يومين فى المحافظة

وقفت بهية أمام طه تستوقفه :- استنى يا طه أچبلكم كام جرجوشة تكلوهم فى الطريج .. ولا تحب أچيبلكم فطير أحسن

ابتسم طه مهادناً ومسد على كتفها برفق موضحاً :- طريج إيه يا أماه ديه هى ساعة زمن وهنبجى فى المحافظة

ضربت كف فوق الأخر قائلة بتعجب وهى تنظر نحو ياسمين تنشد تفسيرها :- ولما هى ساعة زمن ما تجضوا اليوم إهناك وتعاودوا تبيتوا فى داركم

خطت خطوتين صوب ياسمين الذى يبدو عليها التوتر وسألتها بخفوت تطمأن منها :- جوليلى يا بنيتى .. زعلانة من حاچة .. حد ضايجك ولا يكون طه اتعصب عليكِ

نفت ياسمين سريعاً بارتباك بحركة رأسها، تعض على شفتها السفلى تود لو تخبرها وتطلب دعمها ودعائها ولكنها حافظت على عهدها مع زوجها وقالت بتردد

:- لاه يا خالة .. طه مش ممكن يزعلنى واصل .. اطمنى

مطت طه شفتيه ممتعضاً وقال معاتباً :- إكده برضك يا أماه .. هتجومى ياسمين عليا

ضم كتفيها تحت ذراعه وقبل رأسها مفسراً بهدوء حتى تستةعب ةتقتنع بما يقول :- إحنا كيف السمن على العسل والجشطة كمان .. بدنا بس نغير چو شوى وهنجضى يومين فى فندج فى المحافظة .. تغير يعنى

ناظرته بعدم إقتناع وقلب الأم يخبرها أن هناك سر دفين بين طه وزوجته وربما يخص تأخر حملها بعد مرور ما يزيد عن ستة أشهر على زواجهما ولكنهما لا يفصحان

لوت شفتها بامتعاض وقالت تقارعه :- اللى أعرفه اللى يغير چو ديه .. يسافر مصر ولا سكندرية

سعلت ياسمين بخفة تحاول أن تساعد طه فى إقناعها فأعصابها لا تحتمل المزيد من التوتر وقالت مهادنة بلطف :- يا خالة طه عنديه شغل كتير وأنا كمان الدراسة جربت تبدأ وهنشغل جولنا نغير چو فى حتة جريبة

أومأ طه باستحسان وأضاف على حديث زوجته لينهوا الجدل :- صُح يا أماه .. وبعدين إحنا هنجعد فى فندج على النيل وهنتفسح براحتنا بدل ما نضيع الوقت فى الطريج رايح چاى

بدلت نظرها بينهما بعدم إقتناع ثم هزت رأسها بخفة بخضوع مرددة :- زى ما تحبوا .. ربنا يسعدكم ويهدى سركم يا ولاد

:- أيوه إكده .. كل اللى رايدينه دعاكى يا ست الحبايب

قبل رأسها مرة أخرى مودعاً ثم قبض على كف ياسمين لينطلقا إلى المحافظة

ضغط على عينيه يفركهما بقوة وزفر مطولاً قبل أن ينظر نحو ساعة يده، لم يمر سوى نصف ساعة منذ دلفت لغرفة العمليات، كم يود لو رافقها إلى الداخل يتشبث بكفها ويشاركها الألم

كتف ذراعيه أمام صدره وعينيه تشرد فى الحائط باهت اللون أمامه يحدث نفسه داخل عقله بحلم أصبح قابل للتحقيق، يجب أن يرافقها حين تضع مولودهما

يعلم يقيناً أن الله لن يخذله فلقد وعد ووعده حق "أنا عند ظن عبدى بى"

************** 

Continue Reading

You'll Also Like

35.2K 2K 91
قصه مكونه من فصل واحد شيقه ورمانسيه كومديه وعاطفيه وكل م التفاعل بيزيد بحدث اكتر وبنزل قصص احلا واجمل ♥️♥️✨
60.9K 2K 19
العمر ليس كله ربيعاً تتناوب عليه فصول السنة الأربعة فتلفحك حرارة الخيبات وتتجمد في صقيع الوحدة وتتساقط أحلامك اليابسة لكن حياتك ستزهر مجدداً لكن ب...
2.9M 85.8K 59
قصة رومانسية بقلمي ملك إبراهيم
609K 99.4K 71
(يا إيها الناس أتقو الله بالنساء اوصيكم بالنساء خيراً) لم يستوصوا بنا خيراً يا رسول الله لقد كسرو القوارير والافئدة