التقينا فأشرق الفؤاد بقلم / إ...

By SamaSafia

102K 2.7K 90

رواية تدور أحداثها في الصعيد وما يحتويه من عادات وتقاليد تربط بين العائلات من خلال يوسف الذى تجره الأحداث للع... More

الفصل الأول
الفصل الثانى
الفصل الثالث
الفصل الرابع
الفصل الخامس
الفصل السادس
الفصل السابع
الفصل الثامن
الفصل التاسع
الفصل العاشر
الفصل الحادى عشر
الفصل الثانى عشر
الفصل الثالث عشر
الفصل الرابع عشر
الفصل الخامس عشر
الفصل السادس عشر
الفصل السابع عشر
الفصل الثامن عشر
الفصل التاسع عشر
الفصل العشرون
الفصل الحادى والعشرون
الفصل الثانى والعشرون
الفصل الثالث والعشرين
الفصل الرابع والعشرين
الفصل الخامس والعشرين
الفصل السادس والعشرين
الفصل السابع والعشرين
الفصل الثامن والعشرين
الفصل التاسع والعشرين
الفصل الثلاثون
الفصل الواحد والثلاثون
الفصل الثانى والثلاثون
الفصل الثالث والثلاثون
الفصل الرابع والثلاثون
الفصل الخامس والثلاثون
الفصل السادس والثلاثون
الفصل السابع والثلاثون
الفصل الثامن والثلاثون
الفصل التاسع والثلاثون
الفصل الأربعون
الفصل الواحد والأربعون
الفصل الثانى والأربعون
الفصل الثالث والأربعون
الفصل الرابع والأربعون
الفصل الخامس والأربعون
الفصل السادس والأربعون
الفصل الثامن والأربعون
الفصل التاسع والأربعون
الفصل الخمسون
الفصل الواحد والخمسون
الفصل الثانى والخمسون
الفصل الثالث والخمسون
الفصل الرابع والخمسون
الفصــل الأخيــر
الخـاتمــــة

الفصل السابع والأربعون

1.4K 46 0
By SamaSafia

فى غضون دقائق كان الممر أمام غرفة العمليات يعج بنساء العائلتين، ندى وصفا يجلسون حول أصيلة التى تسبح بمسحبتها الطويلة على يمين الممر، فرح ونسمة حاملة ابنها على ذراعها فى المقاعد المقابلة لهم، أمل بجوار شقيقها الذى جلس فى اضطراب صامت ممتقع الوجه، يحتضن رأسه بين كفيه قلقاً ويتكأ بمرفقيه فوق ساقيه فى انتظار أن يطمئن قلبه على أسرته الصغيرة وأخيراً ياسمين التى حضرت لتوها بعد أن استأذنت من عملها وأتت مسرعة بمجرد أن عرفت الخبر

على مقربة منهم وفى نهاية الممر كان الحاج سليم يجلس بهيبة وشفتيه تتحركان بدعاء خافت ليحفظ الله ابنته وذريتها وبجواره يقف حسام وجلال يتبادلان أحاديث قصيرة لتقضيه الوقت تتخللها فترات صمت مترقب أما أولاد فاروق اللذين أصروا على الحضور وعدم المغادرة مع والدهم ووقفوا أمام النافذة يتأملون الشارع بالخارج فى ملل

فجأة انطلق من الداخل أصوات صراخ طفل تلتها بفارق عدة دقائق صرخة أخرى صغيرة، هب يوسف واقفاً على قدميه مع أول صرخة منطلقة من الداخل وسلط عينيه نحو باب غرفة العمليات بإضطراب ينتظر بنفاد صبر خروج زوجته وأولاده

نهضت أمل تقف بجوار شقيقها ببطنها البارز وربتت على ظهره تطمأنه بهدوء :- اصطبر يا يوسف .. لسه شوية لغاية ما يخرچوا

نظر نحوها بعيون زائغة، يشعر بالضياع وعدم المعرفة، يتحرق شوقاً لرؤية أولاده والاطمئنان على زوجته، زفر بعمق وهز رأسه عدة مرات متفهماً يحاول التحلى بالصبر

ظل على وقفته مضطرب المشاعر، يتحرك جيئة وذهاباً ثم يقف مكانة يراقب باب غرفة العمليات ويعود مرة أخرى للحركة المتوترة بعدها يتوكأ على الحائط وقد تحولت أعصابه إلى هلام

وأخيراً انفتحت الأبواب لتظهر لينا حاملة بين ذراعيها كائن ملائكى صغير وبجوارها ممرضة تحمل أخر، ارتفعت الصيحات والتهليلات فى الممر بسعادة لاستقبال المواليد

أسرعت أمل تتخطى شقيقها بلهفة وتتلقى ابنه فى أحضانها من بين ذراعى لينا وبالمثل فعلت فرح وتلقت الأخر بينما تخطى يوسف الجميع ووقف أمام لينا يتسائل بأنفاس متلاحقة :- شمس عاملة إيه .. كويسة؟ .. طمنينى الله يرضى عليكِ

ابتسمت لينا فى وجهه برقة وحركت رأسها بثقة تجيبه بهدوء :- اطمن .. هى كانت مرعوبة وتعبتنا كتير .. لكن هى كويسة دلوقتِ وبترتاح شوية .. أحنا اضطرينا نديها مهدئ بعد الولادة لأن أعصابها كانت مشدودة أوى ربع ساعة وتخرج .. مبروك

شكرها بغبطة وقد اطمأن قلبه وسكنت روحه المضطربة ثم التفت باحثاً بعينيه عن أولاده اللذان تحلقت حولهما الفتيات، يجرى بعينيه على وجهيهما الصغيرين بلهفة ثم اقترب من شقيقته بابتسامة عريضة وعينيه مسلطة على ملامح الطفل الصغير فى أحضانها وأولادها يحاولون التأثير عليها لحمله لكنها تأبى الاستسلام لهم، رفعت عينيها نحو شقيقها وباركت له باسمة الثغر ثم مدت يديها نحوه ووضعت الطفل فى أحضانه هاتفه :- يتربوا فى عزك يا أخوى .. ربنا يبارك فيهم

انحبس صوته من فرط سعادته وداعبت الدموع مقلتيه، انحنى يقبل جبين وليده وكفه الصغير المضموم ثم رفع عينيه نحو فرح التى اقتربت منه حاملة الطفل الأخر .. تسائل بمرح وهو يغالب دمعاته ويمنعها من السقوط :- وأنتِ معاكِ إيه يا فرح .. ولد ولا بنت؟

انطلقت الضحكات من حوله بمرح وسرور ولكنه حقاً لا يعرف جنس الطفل الأخر الذى كان يحتمى بشقيقه

تقدمت فرح خطوة أخرى نحوه لتضع المولود الأخر فوق ذراع يوسف الأيسر مقابل لتوأمه

انحنى الأب الجديد يقبل رأس مولوده ويتأمل ملامحه الرقيقة كما فعل مع توأمه بينما هتفت الممرضة التى مازالت تقف وسطهم تنتظر البشارة من الأب السعيد :- ولدين يا يوسف بيه .. يتربوا فى عزك وعز دار البدرى يا رب

أشارت أصيلة التى ما زالت جالسة جانباً نحو الممرضة لتقترب منها ودست يدها فى حقيبتها المجاورة لها ثم منحت الممرضة مكافأة سخية، دعت لها الممرضة وللتوأمين ثم عادت أدراجها داخل غرفة العمليات تباشر عملها

******************

استدار يوسف بجسده نحو عمته وتحرك نحوها حاملاً توأميه ثم جثا على ركبتيه أمامها ووضع أحدهم فوق فخذيها مردداً بتأثر :- حسين البدرى يا عمة أصيلة ... حسين يوسف حسين البدرى

ضمت أصيلة الصغير بحنو بين ضلوعها وعينيها تترقرق بالدموع لذكرى شقيقها الراحل ومدت كفها المتغضن تمسح على عيون يوسف الذى فرت دمعة منهما ثم نزلت بكفها تمرر أصابعها فوق الخد الحريرى للتوأم الأخر وقالت يتأثر وصت متحشرج من تدفق مشاعرها :- ربنا يبارك فيهم ويچعلهم من الصالحين .. ويچعلهم سند وعون للبدرية كلاتهم يا ولدى

استنشق يوسف بعض من الهواء ليتحكم فى أعصابه ويسيطر على مشاعره وقال بإنشراح يمنح عمته شرف تسمية التوأم الأخر :- هنسمى الأستاذ التانى ده إيه .. أنا مفكرتش فى حاجة مكنتش عارف ولد ولا بنت .. كان مكسوف يبين نفسه بسلامته

بدلت نظرها بين الوجوه الصغيرة المستكينة فى أحضانهما ومدت كفها تمسح على رؤوسهم بنعومة تتلو عليهم الرقية الشرعية ثم أنهتها بصوت مسموع وكفها تتحرك بين رأس كلا الصغيرين تردد ما سمعته من أجدادها على مر الزمان

:- اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آل بيته الكرام .. چعلتك حرز .. ولبستك حرز من شر العين بحرز الحسن والحسين

رفع يوسف عينيه عن وجه صغيره بعيون ملتمعة وقد فهم إشارة عمته وقال برضا :- الحسن والحسين .. الله يا عمة ونعم الأسماء .. ربنا يبارك فيهم ويرزقنا برهم

ربتت عمته بكفها المتغضن على كتفه بقوة تمنحه ابتسامة رضا وابتهاج قائلة بطيبة قلبها :- ربنا يبارك فى ذريتك يا ولدى ويكتر فى عزوتنا

نهض يوسف من موضعه بعد أن عاد إلى أحضانة حسين الصغير ليجاور توأمه فى حضن والدهم الواسع وتوجه نحو الحاج سليم الذى يجلس بهدوء وعلامات الرضا على وجهه مما يسمع ويشعر من شرارات البهجة والسرور التى عمت المكان

وكما فعل يوسف مع أصيلة جثا على ركبتيه احتراماً وتبجيلاً للرجل المهيب ووضع الأطفال فى حجره مردداً :- أحفادك يا عمى .. حسن وحسين .. كبر فى ودانهم وأدعيلهم بالخير

هز سليم رأسه بوقار مرخياً جفنيه بامتنان ومازالت شفتيه تتمتم بالدعاء ثم مال بجسده يتلقى واحد تلو الأخر يؤذن بجوار أذنه بصوت هادئ رقيق ويوسف يتابع بغبطة وعينيه تحيد نحو باب غرفة العمليات فى انتظار خروج زوجته

لم ينتبه أى شخص فى خضم هذه الفرحة التى اكتنفت الجميع إلى جلال الذى انزوى جانباً حين تفاجأ بوجود لينا وخروجها من غرفة العمليات حاملة المولود الجديد بين أحضانها

اضطربت أنفاسه واختلطت دقات قلبه وعينيه الخائنة تحتضن بحور عينيها التى طالما غاص بهما ليشعر بالراحة والحنان، جسدها أكثر نحافة لكنه زادها رشاقة وجمال وشعرها القصير للغاية منحها لمسة فرنسية أنيقة تليق بجمالها

انتفض بعد برهة واعتصر عينيه فوراً يرغب فى محو صورتها من عينيه الغادرة واستدار بجسده مبتعداً عن رؤيتها مستنداً بظهره إلى الحائط خلفه مطأطأ الرأس، بعد دقائق قليلة رفع بصره نحو زوجته الرقيقة التى تقف بجوار ندى تنظر فى وجه الوليد برقة مبتسمة الثغر فرحة بالمولود الجديد

تسارعت أنفاسه يتأملها بشجن واعتذار فقلبه الخائن يؤلمه ويتلاعب بروحه المعذبة، انتفض عقله فى مكانه يذكره بعهده لزوجته الصغيرة صافية القلب التى تحملت تقصيره فى حبها وطيبت جراحه واستأنست وحشة قلبه، هو على العهد مهما ناله من عذاب القلب الموجوع فهذه الصافية تستحق الأفضل

انتهى سليم من مباركة الأطفال فنهض يوسف على قدميه حاملاً الصغيرين فوق ذراعيه القويتين وتلقى التهنئة من حسام وجلال ثم انحنى من جديد نحو أولاد شقيقته اللذين تحلقوا حوله يتأملون الصغار قبل أن يهتف ياسين بحماس :- بس يكبروا شوية يا خال وهعلمهم ركوب الخيل

هتف فارس بجوار شقيقه يظهر سعادته بأبناء خاله :- الحمدلله أنهم صبيان .. هنلعب أمعاهم كتير مش إكده يا خال

ضحك يوسف فى وجوههم المرفوعة نحوه مردداً بحب :- طبعاً .. أنتوا أخواتهم الكبار ولازم تعلموهم وتلعبوا معاهم على طول

أشارت أمل نحو ولديها ثم جذبتهم من أكتافهم وقربتهم منها ليفسحوا المجال لخالهم المحاط بالعديد من الأشخاص وعليه تلقى التهانى من الجميع ومجاملتهم

تقدمت نحو يوسف اثنان من الممرضات بعد أن شقوا طريقهم فى الممر المكتظ بالأشخاص وطلبن الأطفال منه، نظر نحوهن بحيرة خاصة بعد أن مدوا أيديهم ينتزعوا قطع من قلبه يحتضنهم بين ذراعيه وهتف مستنكراً :- هتاخدوهم ليه؟

أجابته لينا التى لا تزال تقف بجوار أمل بين النساء وبالقرب من غرفة العمليات :- ما تقلقش يا أستاذ يوسف .. هيرجعوا لمامتهم شوية وبعدين يخرجوا هما التلاتة بالسلامة لحضرتك

أومأ يوسف متفهماً وترك الأطفال للممرضات ثم سار خلفهن حتى اقترب من لينا وشكرها بامتنان وهو ينظر نحو شقيقته الكبيرة يعلم إنها سبب وجود لينا اليوم واهتمامها بزوجته وأولاده وهذا منحه طمأنينة وارتياح كبير عليهم

:- أنا متشكر جداً يا دكتورة .. وجودك طمنى جداً على شمس والولاد

قبل أن تجيبه لينا وتوضح أنه واجبها بحكم أنه شقيق أمل التى طلبت منها ذلك كان يتساءل بلهفة :- شمس أتأخرت أوى .. هتخرج أمتى؟ .. صارحينى لو فى أى حاجة أرجوكِ

هزت كتفيها بمرح مقدرة تخوفه وارتباكه ونظرت إلى أمل ثم إليه وقالت بعملية :- أولاً أنا ما عملتش حاجة أنا يا دوب قدمت مساعدة بسيطة والبركة فى الدكتورة بتاعة شمس الحقيقة فاهمة حالتها كويس أوى واتعاملت معاها بمهارة خصوصاُ فى حالة الفزع اللى شمس كانت فيها .. ثانياً دقايق وشمس تتنقل للغرفة مع الولاد مبروك مرة تانية .. بعد إذنك

شدت على كف أمل بعد أن تحدثت معها قليلاً بخفوت ليتفقا على المغادرة سوياً عند وصول فاروق ثم تحركت مبتعدة مطأطأة الرأس حتى تتوقف عن اختلاس النظرات إلى رجل قلبها الذى يقف هناك عابس الوجه

استدار يوسف بعد أن أنهى حديثه مع لينا يبحث بعينيه عن ابن عمه بفضول فهو يقف فى موضع لا يُحسد عليه، حب عمره العائدة من جديد وزوجته الرقيقة يجتمعان فى مكان واحد وهو بينهما بين شقى الرحى، وجده متكأ إلى الحائط بظهره يخفى عينيه خلف كفه وكأنه يجبر حدقتيه ألا تنظر نحوها ... نحو عشقه العائد من بعيد

*****************

عمت روح البهجة والسعادة على الجميع خاصة بعد الاطمئنان على الأم وتوأمها، انتقلت النساء إلى الغرفة المخصصة لشمس حتى خرجت إليهم بوجه مرهق وعقل شبه غائب بعد أن تعاطت بعض المهدئات لتريح أعصابها المرهقة

سار يوسف بجوار السرير المتحرك ثم تلقى زوجته بين ذراعيه ووضعها فوق الفراش برفق، تمددت على الفراش تنظر إلى وجه يوسف الذى جذب الغطاء فوق جسدها يدثرها جيداً وقالت معاتبة :- أنت كنت عارف أنهم اتنين وكدبت عليا يا يوسف

ابتسم بمشاغبة وجلس على طرف الفراش بجوارها وضم رأسها بحنو إلى صدره وبرر فعلته هامساً :- أعمل إيه بس .. ما أنتِ مرعوبة وكأنك أول ست تولد فى العالم

جعدت ملامحها تناظره بامتعاض ثم رفعت قبضتها وهوت بها بضعف فوق صدره لائمة :- برضو كنت فاهمتنى .. كنت عملت حسابى

قهقه بمرح يواصل همسه إليها مشاغباً :- كنتِهتعملى حسابك إزاى يعنى .. مش فاهم وبعدين أنا قرأت كتير فى الموضوع ووضبت كل حاجة .. لبس للولاد ولبس ليكى وأتدربت معاكِ على التنفس وقت الطلق واستحملت كل اللى عملتيه فيا فى فترة الحمل .. شم وعض وترفيس لما اتهريت .. أعمل إيه تانى!!

رفعت قبضتها ونزلت بها على صدره مرة أخرى بوهن مصرة على العتاب :- كنت هفرح بنفسى وبحملى فى توأم وأخلى بالى من نفسى أكتر .. حسابك معايا بعدين يا أبو التوأم

اتسعت ابتسامته ومال برأسه على جبينها يلثمه بدفء هامساً :- حقك عليا يا أم التوأم .. وبعدين أنا أخدت بالى عليكم كلكم .. ما تزعليش ولو عاوزه تعاقبينى أهوه يا ستى أنا مستسلم

مد كفه أمام فمها لتعاقبه بالعض كما اعتادت مؤخراً وبالفعل تشبثت بكفه وقربته إلى فمها ولكنه تفاجأ إنها تضع قبلة حانية عليه مرددة بحب :- ربنا يخليك ليا يا يوسف .. أنت أحلى حاجة فى دنيتى

عاد يقبل رأسها بحنو يؤكد على عشقه لها وهما يتبادلان النظرات العاشقة هامساً أمام وجهها :- وأنتِ والولاد دنيتى وفرحتى كلها (همس إلى جانب أذنها يغازلها) ليكى عليا المرة الجاية هقولك أنك حامل فى توأم

شهقت بصدمة مرددة بتوجع :- تااانى

قهقهة ضاحكاً ومسح على رأسها بحنو وهى تتسائل عن توأمها

رفع يوسف عينيه نحو مدحت وفرح اللذان استولا على أحد توأميه يتهامسان سوياً بالقرب وفى الجهة الأخرى ياسمين تحمل التوأم الأخر بحنان بجوار طه

عاد يوسف ينظر نحو زوجته بحب فيبدو أن أولاده أصبحوا أمل لكل زوجين يرغبان فى الإنجاب فى هذه الأسرة

هدهدت ياسمين الصغير بين ذراعيها برقة وعينيها تتجول فوق ملامح وجهه الأبيض الصغير قائلة لزوجها بنبرة طفولية محببة :- بص كيف چميل وصغير يا طه .. ملاك عن چد سبحان الله

وضع كفه على كتفها يحتويها بذراعه ومال على أذنها وعينيه معلقة على وجه الصغير :- ربنا يرزجنا عن جريب يا ست البنات .. والله استبشرت بهم ..ربنا يحفظهم ويبارك فيهم ..(شدد قبضته على ذراعها يحثها بحماس) أدعى يا ياسمين .. أدعى وأنتِ شايلة الرزج الچميل ديه بين يدك .. ربنا يرزجنا بالخير

تنهدت بخفة وامتزجت مع زوجها فى دعاء خفى يربط بينهما أما على الجهة المقابلة كانت فرح تحتضن ابن شقيقتها بسعادة كبيرة وقالت لمدحت الذى حضر منذ قليل بزيه العسكرى بعد أن أنهى جولته الصباحية فى البلدة :- شوف يا مدحت قمر إزاى .. كده بقيت عمة وخالة

مال عليها يدغدغ مشاعرها بهمسه الخافت :- عقبال ما تبقى أم يا فرحتى .. أحلى أم فى الدنيا

رمقته بمكر تذكره بوعده الذى قطعه على نفسه ونغزته فى معدته بمرفقها مشاكسة بخفوت :- هنرجع فى كلامنا ولا إيه يا سيادة النقيب؟

أشار بطرف ذقنه نحو الصغير وأصبعه يلاعب وجنة الصغير الحريرية قائلاً

:- بذمتك الحلاوة والرقة ديه مش مغرية وتفتح نفس الواحد على الخلفة

عادت تنظر نحوه بتوجس واستدارت بكامل جسدها له فغمز لها مشاكساً وقال بمراوغة :- ما تقلقيش كده .. أنا عند وعدى للحاج سليم .. المهم بس تركزى فى المذاكرة وتنجحى بسرعة .. عشان نجيب عيال كتير حلوة كده

:- الكلية بس تبدأ وأنا هاكل الكتب أكل

لف أنامله حول ساعدها هامساً لها بمشاغبة وغمز من جديد :- مش أوى كده .. أنتِ هتنسينى ولا إيه .. إن لزوجك عليك حق ولا إيه!!

قطع حبل وصالهم تدخل نسمة التى دفعت بطفلها محمد ووضعته على ذراع مدحت ثم اختطفت صغير شمس من بين أحضان فرح مرددة بنفاد صبر :- أمسك يا حضرة الظابط .. هملوا البُنية تفرح بعيالها شوية بدل ما جلبتوها حديجة الأسماك إكده

كتمت فرح ضحكتها بكفها حين ارتفع حاجبى مدحت دهشة من كلام نسمة المفاجئ ثم مال على زوجته يشاركها الضحك الخافت ويناولها محمد تهدهده وتلاعبه

رفعت ياسمين نظرها نحو طه بضحكة خفية بعد أن تهادى إلى سمعها كلام نسمة كأنها تستأذنه أن تعيد الطفل لوالديه

انحنى طه يقبل كف الصغير قبل أن تحمله ياسمين متجهه نحو فراش شمس ووضعت التوأم فى أحضانها بجوار شقيقه التى تركته نسمة لها ثم مالت عليه تقبل جبينه بحب وتتشمم رائحته بسعادة

نهض يوسف يُخلى الطريق للفتيات اللاتى تحلقن حولها لكن شمس استوقفته تتسائل بنزق حين وجدت نفسها تائه بين طفليها ولا تعلم حتى اسمائهم

:- يوسف .. مين حسين ومين حسن معقولة مش عارفة ولادى .. أنت عملت كل حاجة من غيرى

قهقه يوسف ضاحكاً بتفاخر جعلها تقلب شفتها متذمرة، عاد يجلس بجوارها وضم كتفيها يشير لأحد التوأمين الذى فتح عينيه ينظر إلى والدته بنظرات زائغة :- البدر ده .. حسين البدرى

أشار إلى الأخر الذى يبدو أقل حجماً وينام باستكانة فى حضن والدته :- والصغنن الرقيق ده .. حسن البدرى

لم تتمالك شمس نفسها وعينيها تتشرب من ملامحهم الصغيرة، قطع من قلبها صاروا بين يديها وتستطيع ضمهم وتشمم رائحتهم العطرة، ضمت التوأم إلى صدرها وشرعت فى البكاء غبطة وشكراً لله على عطاءه الجميل

**************

أثناء ذلك كان يدور بين جنبات الغرفة الصغيرة حوار جانبى أخر حيث جلست أصيلة على أريكة جلدية فى جانب الغرفة يحاوطها ندى وصفا وانضمت إليهم أمل وحين انتهت لينا من مرورها على المرضى التابعين لها عرجت عليهم لتنصرف مع أمل وزوجها وبدلاً من ذلك وجدت نفسها ضيفة على عائلة البدرى

تبادلوا حديث هادئ فيما بينهم قادته ندى بمرحها وهى توجه أسئلتها إلى لينا عن سفرها وعودتها المفاجئين غير واعية أن هذه الفتاة هى من تسببت فى جرح ولوعة قلب شقيقها الأكبر، أما صفا فلم تنسى تلك العيون الجذابة والجسد الرشيق الذى جمد زوجها وقلب كيانه حين وقعت عينيه عليها منذ عدة أيام

والأن اتيحت لها فرصة التمعن فى وجه هذه الفتاة الجميلة عن قرب وكذلك فعلت لينا بفضول كبير وهى تتأمل ملامح صفا ذات الجمال المصرى الهادئ والملامح الطيبة ولسخرية القدر وجدت فى نفسها ألفة وود نحو هذه الفتاة الهادئة التى اختارها جلال زوجة له

أجابت لينا على سؤال ندى بود كبير توضح جزء مما عانته فى سفرها وما قبله لعل بعض الحديث يصل إلى جلال فيجد لها العذر وتنال مسامحته وعفوه

:- سافرنا بسرعة لأن والدتى كانت مريضة والأحداث هنا كانت محتدمة أوى (تنهدت بأسى مردفه) والدتى كانت مريضة كانسر وعانت كتير وأتوفت فى النهاية

:- ربنا يصبر جلبك يا بنتى

تفاجأت بيد أصيلة الدافئة التى امتدت تربت على كفها بحنو مع كلماتها المواسية، رفعت لينا عينيها نحو أصيلة المقابلة لها تناشدها باحتياج

:- أدعيلى يا طنط أصيلة .. أنا بحس أن حضرتك قلبك طيب أوى من أول مرة شفت حضرتك فيها

ابتسمت أصيلة بخجل وحركت بضع حبات من سبحتها ثم ناظرت لينا بحنان وقالت بصوتها الدافئ :- أدعيلك أومال ما أنتِ كيف بتى .. بس بلاهة طنط ديه .. ماسخة جوى .. خليها عمة أصيلة كيف ما بتجول أمل

:- عمة أصيلة .. حاضر

نطقتها لينا باقتناع وترحاب ثم حولت نظرها نحو صفا المتابعة بهدوء وابتسمت فى وجهها بتردد راغبة فى سماع صوتها والتحدث معها فقالت بتهذيب وعينيها تصافح وجه صفا وكأنها تبرر سبب معرفتها بالعائلة

:- أنا اتعرفت على عيلة البدرى كلها قبل كده .. كان فى موقف مش ظريف وقتها لما يوسف اتصاب .. عشان كده عرفتهم كلهم

لاحظت ندى نظرات لينا الخجلة وتفهمت حديثها ورغبتها فى التعرف على ابنة خالتها فقالت تعرفها على صفا وهى تضع كفها فوق ساق صفا

:- ديه صفا بنت خالتى ومرات أخويا جلال

بللت لينا شفتيها مبتسمة فى وجه صفا وهى تعتصر كفيها حرجاً وخجلاً من تطفلها على جلستهم العائلية، استرقت نظره نحو أمل التى تتابعها بتوجس ورمقتها بنظرة محذرة، اومأت لينا تطمأنها ثم قالت بصوت أبح

:- ألف مبروك ربنا يسعدكم .. المهندس جلال إنسان محترم ويستاهل كل خير وأنا شايفة أنك جميلة ورقيقة أوى

ربتت أصيلة على كتف صفا الجالسة بجوارها باستكانة وقالت مادحة :- ديه النسمة بتاعة العيلة كلاتها .. ربنا يبارك فيها وفى چوزها

حمحمت لينا بحرج واسترقت نظرة جديدة نحو أمل وقد تفهمت نظرتها لكنها لا تستطيع إيقاف فضولها ورغبتها فى الحديث فقالت بتردد بلهجة مهنية محملة بالود

:- اسمحيلى يا صفا .. بس المهنة بتحكم .. أنا شايفة وشك شاحب شوية ونبضات قلبك ضعيفة واضح أنك مرهقة شوية .. لو تحبى أكتبلك على فيتامين كويس أوى .. أنا باخد منه لم بحس بإرهاق من كتر الشغل

قطبت أمل جبينها مستنكرة مجرى الحديث وحاولت تحجيم إندفاع لينا فى الحديث قائلة بضيق :- كلاتنا بنتعب يا لينا .. وكيف يعنى شفتى نبضات جلبها .. هى ديه حاچة بتتشاف

التفت لينا نحو أمل وقالت موضحة ببساطة :- وأنا بسلم عليها .. حسيت بنبض قلبها

شهقت ندى فاغرة الفم تتسائل باستغراب :- أنتِ كده تقدرى تكشفى على كل الناس عن بعد .. يارتنى دخلت طب بشرى بدل بيطرى

ابتسمت لينا فى وجه ندى الشقية ثم اعتذرت بخجل بعد أن أشارت لها أمل بعينيها ناهرة :- أنا آسفة لو اتعديت حدودى .. بس زى ما بتقولوا قلبى اتفتح لمدام صفا واتكلمت بعفوية

هزت ندى كتفيها بعفوية ترفع الحرج عن لينا قائلة بسلاسة :- قوليلنا على الفيتامين ده يا دكتورة .. أنا طول النهار بجرى ورا الحيوانات فى المزرعة لما بيتهد حيلى

دارت لينا حرجها فى ابتسامة مهزوزة ومقلتى أمل توبخها بينما قالت صفا وهى تتمعن فى ملامح لينا بدقة وبنبرة رقيقة ونفس صافية :- سبحان الله .. أنا كمان جلبى أتفتحلك لله فى لله .. العيون الچميلة ديه وراها جلب صافى

واصلت صفا تفحصها وعقلها يعمل سريعاً تحاول استيعاب ما تفعله لينا، ربما ترغب فى التقرب من جلال عن طريقها واستعادته من جديد أو تسعى للتفريق بينهما ولكن قلبها يخبرها عكس ذلك وهى دائماً تثق فى حدسها، تشعر بصدق حديث لينا وطيبة قلبها الذى لا يعرف الكره

لذلك أضافت بهدوء طبعها :- شكراً لاهتمامك يا دكتورة .. أنا بخير والحمد لله هو أكيد كيف ما جولتى إرهاج من اليوم الطويل ديه والحمدلله انتهى بفرحة وصول التوأم وسلامة أمهم

تدخلت أمل تشاركهم الحديث وتعمل على تلطيف الجو وإنهاء هذا الحوار وهى تمتدح صفا بصدق

:- صفا أكلتها كيف الزرزورة جليلة .. لاچل إكده رشيجة ورجيجة إكده

طأطأت صفا رأسها استحياء وعينى لينا مستقرة على ملامح صفا الخمرية الجميلة وقالت تؤكد على حديث ابنة عمتها

:- هى فعلاً زرزورة .. بس زرزورة كنارى

ضحكت ندى بمرح حين فهمت لينا الحديث دون طلب استفسار وهتفت بشقاوة :- أنتِ ألمانية من الصعيد الجوانى يا دكتورة لينا

ضحكوا سوياً فى جو من الألفة والود فيما بينهم حتى اقتربت منهم ياسمين تودع والدتها للرحيل مع زوجها

طرقات خفيفة على الباب تبعها دلوف جلال إلى الغرفة الذى ارتد خطوة للخلف جاحظ العينين مصدوم حين وقع نظره على لينا التى تجلس مقابلة لعمته وتحادث زوجته بحميمية ويتبادلان الابتسام لبعضهما البعض

ابتلع ريقه متوجساً وتنفس بقوة وقد انغلقت ملامحه وتوترت أعصابه فخرج صوته مرتفع عن الطبيعى بدون إرادة منه يوجه حديثه إلى نساء عائلته :- احنا مش هنروح ولا إيه .. كفاية كده

انتبه يوسف إلى وجه ابن عمه الممتقع وحالته المضطربة فأسرع إليه يشد على ذراعه حتى يهدأ قليلاً، فى حين حاول جلال تبرير نبرة صوته المرتفعة بارتباك بعد أن توجهت كل الأنظار نحوه

:- أقصدى نسيب شمس والولاد يرتاحوا شوية .. مش كده

تنهدت أصيلة ومدت يدها تجذب حقيبتها مؤيدة كلامه :- عنديك حج يا ولدى .. واچب نمشى إحنا كمان دلوك

نهضت أمل من مكانها تجذب لينا معها لتقف بجوارها قائلة بهدوء :- وأحنا كمان هنمشى .. زمانت فاروج على وصول

حمحم يوسف بخفة ونظر نحو شقيقته يستبقيها قليلاً :- فاروق اتصل بيا يباركلى .. وهيبقى هنا بعد عشر دقايق هو فى الطريق دلوقتِ .. انتظروا شوية

وضعت أمل حقيبتها الجلدية الفاخرة التى تناسب عبائتها الأنيقة على كتفها وقالت بسلاسة :- يا دوب عجبال ما نسلم .. وأدور على ولادى اللى بيرمحوا فى الچنينة تحت

التفتت أمل تودع عمتها والفتيات وكذلك فعلت لينا حتى وصلت إلى صفا فاحتوت ذراعيها بكفيها وودعتها بابتسامة رقيقة جذابة :- أنا مبسوطة أوى إنى اتعرفت عليكِ النهاردة

حادت نظرات صفا نحو جلال الذى يقف بملامح جامدة يتابع ما يحدث بحدقتين يتلاعب فيهما الغضب ثم عادت بعينيها العسلية لتمتزج مع البحور الصافية فى حدقتى لينا وقالت مجاملة :- ربنا يكرمك يا دكتورة .. أنا الأسعد بمعرفتك

مالت عليها لينا بقامتها الممشوقة واحتضنت جسد صفا النحيل بود ثم ابتعدت عنها وفعلت بالمثل مع ندى وتبادلت معها بعض الكلمات ثم تأبطت ذراع أمل وخرجت مطأطأة الرأس تتهرب من النظر نحو معشوقها الوحيد

****************

فى الطابق الثانى من مضيفة السمرى كانت شموع تضم طفلها الصغير بين حنايا قلبها ترضعه حناناً ودفئاً وهى تهمهم بكلمات منغمة تهدهد الصغير بها حتى يستغرق فى النوم العميق

دلفت نرجس إلى غرفة النوم حيث تنام كلتيهما مع الصغير فى نفس الغرفة رغم اتساع المنزل وتعدد غرفة، منذ اجتمعا من جديد ولا يفارقان بعضهما وكأن نرجس تحاول بما تستطيع تعويض شموع عما عانته وما تسببت لها فيه

جلست نرجس على طرف أحد الأسرة فقد وقع اختيارهم على غرفة تحتوى على فراشين متقابلين، استقرت فى جلستها وفكت وشاح رأسها الأسود ووضعته جانباً لتظهر ضفائرها الصغيرة التى امتزجت فيهما الشعيرات السوداء بالرمادية

تأملت ابنتها برضا وهى تهدهد حفيدها بمحبة وحنو لقد استعادت الفتاة حيويتها وابتسامتها بعد أن تخلصت من قيد الزواج التى أجبرت عليه وليس هذا فقط فقد تسلمت شيك مالى بمبلغ كبير يمثل مؤخر الصداق ونفقة الطفل لثلاثة أشهر

تنهدت نرجس تحمد الله على كل نعمه وستره عليهما وهن نساء ضعيفات فى الحياة وأصبحن عرضة لاستغلال وطمع الرجال عديمى الضمير أمثال حمدى وحجازى الذى وثقت به وتزوجته وعاشرته لسنوات وليته حفظ حق العشرة

أرخت جفنيها تهز رأسها بشجن على عمرها الضائع وحقوق زوجها الراحل المهدرة لولا عهدها مع جارحى بأن تنتظر عودته لكانت ذهبت بنفسها إلى حجازى وأطبقت كفيها حول عنقه ولن تتركه إلا جثة هامدة جزاء له على فعلته فى حق ابنتها

رفعت نظرها نحو شموع من جديد حين تذكرت جارحى وزوجته وقالت بخفوت حتى لا يستيقظ الصغير

:- والله الواحد اشتاج لصبحية كانت مالية علينا الدار

مسحت شموع على رأس وليدها النائم وانحنت تقبل جبينه بخفة عدة قبلات ثم نهضت لتضعه على الفراش المقابل لوالدتها بعد أن غط فى نوم عميق بعد أن شبع وامتلاء بطنه وقالت تصدق على كلام والدتها

:- والله عنديك حج يا أماه كانت عملا لينا حس والواحد كان حاسس بالأمان وعمى الچارحى چارنا

جعدت نرجس جبينها بقلق واستنفرت حواسها وهى تنظر إلى ابنتها التى استقرت بجوار طفلها فوق الفراش وتساءلت بتخوف :- ودلوك مش أمان .. مين يجدر يوصلنا وإحنا فى حما عيلة السمرى وجبل منيهم حما ربنا

انتبهت شموع إلى كلامها الذى أثار حمية وقلق والدتها وحاولت التوضيح لتطمئنها من جديد

:- ما تخفيش يا أماه إحنا فى أمان والحمدلله .. وكيف ما شوفتى ناصر السمرى أخو المخفى حمدى لما چيه يوصل لنا الشيك ويشوف ولد أخوه فاروج بيه كان وياه .. محدش بيدخل ولا يخرچ من الدار غير بإذن الحرس اللى أحمد بيه حطهم على باب الدار .. ومحروس كل يوم والتانى بيچيب كل طلباتنا .. أنا كان جصدى أن وچود خالة صبحية وعمى چارحى كان عامل لينا حس وعزوة

مالت بجذعها تتكأ على مرفقها وعينيها تسرح فى الفراغ وقلبها يُلح عليها فى السؤال بلوعة

"من يوم طلاقها ولم ترى أحمد السمرى ولم تخطو قدمه الدار .. لقد أوفى بوعده لها وحقق لها أكثر مما تتمنى .. فما بالها الأن تتمنى المزيد .. تتمنى رؤية عينيه السوداء العميقة التى تشع رجولة وحنان فى ذات الوقت .. ابتسامته العزيزة التى لا تظهر إلا نادراً وحينها تضئ وجهه الأسمر الخشن بهالة من البهاء والهيبة .. والوسامة"

تنهدت بحرارة تتأمل ملامح صغيرها المستغرق فى نومه تواصل حديث نفسها "رغم بغضها لحمدى وزواجها منه إلا إنها سعيدة الأن فطفلها يحمل لقب السمرى كما يحمله أحمد بيه السمرى .. يكفيها هذا فخراً وسعادة"

عادت والدتها بظهرها تتمدد على فراشها وتسائلت بهدوء :- وچارحى مجالش هيعاودوا ميتا لما كلمك فى التلفون

رفعت رأسها الملقاة على مسند الفراش خلفها ونظرت نحو والدتها بهدوء واستعادت وعيها لتجيبها :- لسه ميعرفش .. سليمان نچح والحمدلله وبيخلصوا أوراجه دلوك لاچل ما يدخل الچامعة .. هيبجى مهندز كيف ما بده ما شاء الله عليه .. عجبال ما أشوفك مهندز وبيه كبير يا عبدالله يا ابن بطنى

مسحت على صدر صغيرها وهى تلقى بأمنيتها له بلهفة وحنو، نامت نرجس على جانبها ووضعت كفها تحت خدها تتأمل ابنتها وحفيدها وعقلها يعمل بقدراته الضعيفة "سافر جارحى من أسبوعين ويعلم الله متى سيعود .. هل عليها أن تتخذ خطوة وتذهب لتساوم حجازى فى حقها وحق ابنتها أم تنتظر عودة جارحى ليكون حامى ودرع لهما؟" لم يستقر عقلها على قرار ولكنها انتبهت فجأة لصوت قرع غريب كأنه يصدر من داخل المنزل

هبت جالسة فوق الفراش تنصت إلى الصوت بينما نهضت شموع من مكانها مستنفرة الحواس وعينيها تزيغ بين جسد ولدها الصغير وبين باب الغرفة وهى على أهبة الاستعداد للدفاع عنه وحمايته بروحها، لا تعلم مصدر هذا الصوت الغريب الذى أثار تخوفهم

قالت نرجس بتوجس وعينيها على ابنتها التى وقفت فى منتصف الحجرة حائرة :- إيه الصوت ديه يا شموع .. هو فى حد دخل الدار من غير ما نحس ولا إيه!!

حركت شموع رأسها نفياً وبدأت تتحرك نحو النافذة الكبيرة التى تتوسط الغرفة وقالت بحيرة :- لاه .. ديه باينة صوت عند مدخل الدار .. يمكن بسة (قطة) وجعت كرسى ولا جصرية زرع فى الچنينة

فتحت النافذة تطل برأسها إلى الأسفل، تتجول بعينيها فى الشرفة الخارجية للمنزل وفى الحديقة تبحث عن سبب هذه الجلبة التى توقفت الأن لكن الهاجس الذى يتلاعب برأسها لم يتوقف

ولمَ الخوف!! حمدى غادر البلدة مخذول مدحور، أخبرها شقيقه بنفسه أن حمدى سيتولى مشاريع العائلة فى المحافظة وسيستقر هناك بعيداً عن البلدة

لكن جميع من أهل القرية يعلم جيداً أنه عقاب ونفى لحمدى على أفعاله المشينة التى تمس سمعة واسم العائلة

أثناء بحثها عن الصوت وقعت عينيها على عرابى الذى نهض من مكانه أمام بعض الحطب المشتعل المعد للتدفئة وصنع الشاى وبدأ يتجول فى الحديقة وبين يديه عصا غليظة يرفعها بتحفز بعد أن تهادى لسمعه هذا الصوت أيضاً

رفعت صوتها قليلاً تتسائل بتخوف نجحت فى إخفائه وهى تقول :- خبر إيه يا عرابى .. منين الصوت ديه؟

رفع رأسه نحوها ثم عاد يفتش بنظره فى جنبات الحديقة وأجابها بتعجب :- مش خابر يا ست شموع .. لكن اطمنى أنا صاحى وواعى لكل حاچة ... اطمنى أنتِ

:- ماشى .. ربنا يجويك يا أخوى

ألقت بكلماتها وعادت تنظر من موقعها المرتفع من جديد فى جنبات الحديقة ثم دخلت وأغلقت النافذة

أما عرابى فالتف حول المنزل بأكمله يبحث بعناية فى كل ركن، لم يستمع فقط لصوت الطرق الغريب ولكنه رأى خيال .. خيال رجل يتحرك فى ظلام الحديقة

****************

لم يزور النوم جفنيه طوال الليل تصنع النوم هرباً من مواجهة زوجته التي قصت عليه أحداث اليوم ببراءة كعادتها، روت فضوله عما دار بينها وبين لينا ولكنها أشعلت نار قلبه التى لم تخمد منذ وقعت عينيه على حبيبته الوحيدة

تسلل من الفراش بحذر بعد أن استغرقت صفا فى النوم وخرج إلى الشرفة وأغلقها خلفه وقف يملأ رئتيه بالهواء البارد لعله يطفئ النار التى تأكل قلبه

هل عادت لتقضى على ما تبقى من عقله ومشاعره، منذ غادرت لم يجد الراحة والهدوء النفسى إلا بجوار الملاك النائم بالداخل

لوي رأسه نحو باب الشرفة حيث ترقد زوجته داخل الغرفة ثم عاد يرفع رأسه إلى السماء المظلمة

تتمثل أمام عينيه فى صفحة السماء لينا وهى تحتضن صفا بكل حميمية وود، تسارعت أنفاسه ينفث لهيب قلبه وهذا المنظر يتكرر أمام عينيه مراراً وتكراراً

"لماذا عادت؟.. لماذا تتقرب من زوجته؟.. لماذا تتودد إلى عائلته؟ لماذا .. لماذا قصت شعرها الحريرى لهذا الحد المستفز ولماذا ازداد جسدها نحولاً بهذا الشكل الجائر؟"

هز رأسه عدة مرات يعتصر عينيه بقوة، ينفض عن عقله وقلبه ذلك الحنين الذى يتسلل إليهما خفية

ضرب بقبضته على حاجز الشرفة الحديدى المزخرف، ينهر ضعف قلبه ونفسه .. لن يستسلم لهذا الضعف مهما حدث ولينا يجب أن تبتعد عن حياته، لا يرغب فى رؤيتها التى تثير أعاصير البلبلة والتخبط فى نفسه، لا يريدها بالقرب من عائلته فتفتن روحه وقلبه من جديد

اعتصرت كفيه سور الشرفة بعصبية ونكس رأسه مغمض العينين يستنشق دفعات كبيرة من الهواء البارد عدة مرات يرطب بها على النار المتأججة فى جوفه ليسكن لهيب قلبه وأفكاره

ظل على وقفته تلك حتى هدأ قليلاً فرفع رأسه وانتصبت قامته يردد في عقله اسم واحد يستحق الولاء والحب (صفا)

استدار بجسده نحو الغرفة ثم عاد إلى الداخل وأندس بجوار زوجته يحتويها بذراعيه فى احتياج، شفتيه تتجول بنعومة على شعرها ووجهها ينثر قبلاته التى لا يعرف أهى اعتذار عن تقصير قلبه نحوها أم حب ورغبة فيها

فتحت صفا جفنيها ببطء ولفت رأسها نحوه تتفحص ملامحه المتألمة وهو يعتصر عينيه ملتصقاً بها طلباً للدفء والحنان، اختلجت ملامحها متعاطفة مع قلبه الموجوع فالأن بعد أن تعرفت عليها عن قرب وجدت له العذر فالفتاة حقاً جميلة ونقية

أسدلت أهدابها تمتص دموع عينيها حتى لا تطفو وتفضح وجعها، لا تعلم هل عليها مواساة قلبها أم مواساته، كانت تشعر بوجود حب سابق فى حياته ولكن أن تراها وتعرفها وتُعجب بها فهذا هو الجحيم بعينه

لكنه جلال .. القلب الرحب الذى احتواها ومنحها السعادة والحب بقدر استطاعته، زمت شفتيها تبتلع غصة قلبها وقد اتخذت قرارها، ستفعل ما تبرع فيه أكثر، تواسيه بغير حديث وتحتوى حزنه وألمه دون تجريح .. تشاركه مشاعره وأحاسيسه وتبحر به إلى بر الأمان

مررت كفها الصغير فوق ساعده الذى يحتويها والتفتت بكامل جسدها تبادله الاحتضان بعد أن جذبت رأسه تريحها فوق كتفها وأناملها تداعب خصلات شعره

همهمت بنبرتها الهادئة ورأسها مرتاح داخل عنقه :- فيك إيه يا توأم الجلب .. النوم چافى عينيك ليه؟

لفحها بأنفاسه الحارة زافراً بعمق وقال كاذباً بخفوت يُخفى لوعته وحرقة قلبه :- مش عارف .. مش جايلى نوم بس

ابتعدت قليلاً عن أحضانه وضمت رأسه تتفحص ملامحه فى هذه الإضاءة الخافتة المتسللة من الخارج قائلة بتعاطف

:- سلامتك وسلامة جلبك يا توأم الروح .. أعملك كوباية لبن تروج أعصابك ولا حاچة سخنة

أعتدل على الفراش يستند بظهره على مسند الفراش ومسح على عينيه يزيح دموع خفية يخشى سقوطها ثم أضاء المصباح الجانبى الموضوع فوق الكومود بجواره والتفت يطالع وجه زوجته وأنامله تلاعب وجنتها بنعومة :- تسلميلى يا حبيبتى أنا كويس .. دلوقتِ النوم يجى

تفحص وجهها الذى يميل للصفرة قليلاً وتذكر حديث لينا لها فتسائل باهتمام وحمية خشية تقصيره فى حقها :- أنتِ صحيح وشك أصفر .. أنتِ تعبانة وما بتقوليش كالعادة .. صح اتكلمى يا صفا

وضعت كفها فوق راحته التى تحتضن وجهها وجذبتها بنعومة حتى شفتيها وطبعت قبلة رقيقة فى باطن راحته ثم قالت برقة

:- ما تخافش يا حبيبى أنا بخير .. اليوم كان مُتعب من الصبح وكلاتنا أعصابنا مشدودة مع شمس والحمدلله انتهى على خير

حرك رأسه بإصرار هاتفاً بتأكيد قابضاً على كفيها باحتواء

:- برضو لازم نهتم بصحتك أكتر من كده .. أنتِ بقيتى مهملة أوى وبترفضى تتابعى مع الدكتور وأنا مش هسمح بكده تانى

ابتسمت فى وجهه برقة وعينيها تتعمق داخل مقلتيه تتشرب من حنانه واهتمامه وقالت تطمئنه بنبرتها الهادئة

:- أنا زينة جوى .. ولما أحس إنى محتاچة للدكتور هجولك .. محدش بياخد أجل من رزجه ولا حد بيموت جبل معاده

أرخى جفنيه فى شجن وترك راحته بين كفيها تدلكهما برقة وهى تستطرد حديثها بتعجب :- الدكتورة لينا ديه غريبة جوى

فتح عينيه على اتساعهما ينتظر تكملة حديثها بتوجس فأردفت موضحة ببساطة وكأنها لا تعلم شئ عن مشاعر زوجها

:- كيف يعنى تجيس النبض وهى بتسلم على الناس .. باينها دكتورة واعرة جوى

رغم مقلتيه المستقرة على صفحة وجه زوجته إلا أن عقله حلق فى ثوانى إلى الماضى، إلى لينا وجلال حين كانت تضمهم عشة المزرعة المتواضعة، يتبادلان الحديث والحب فى مكانهما الخاص وصوتها الرقيق بلكنته الأجنبية يتسلل إلى أذنيه

:- ما كنتش أعرف إنك بتحبنى بالشكل ده يا باشمهندس

قالتها بنعومة وجرأة وبحورها تغرقه فى حنانهما وكفه يرتاح بين راحتيها، هز رأسه غير مستوعب لحديثها ورفع حاجبه يناظرها بتعالى مصطنع هاتف باستهجان :- مين قالك الكلام الفارغ ده

ضحكت برقة ضحكتها الجذابة التى تسلب عقله ورفعت كفها يخفى صفوف أسنانها اللؤلؤية ورأسها يرجع إلى الخلف قليلاً ثم عادت تحتضن راحته وتتفحص ملامحه المترقبة بمكر هامسة بحب

:- قلبك اللى قالى .. عمال يدق يدق أسرع دقاته وكل دقة منهم بتقول .. بحبك يا لينا .. بحبك يا لينا

جذب راحته من بين كفيها متأففاً وهرب بوجهه بعيداً هاتفاً بعصبية :- ياااه عليكِ يا لينا بطلى تقسى نبضى كل ما تمسكى أيدى .. أنسى أنك دكتورة شوية

قهقت بمرح وهزت رأسها بتفاخر مرددة بشقاوة :- عشان تعرف إنى دكتورة جامدة .. وبعدين أنا مش بعمل كده غير مع اللى يهمونى وبس

قطب بين حاجبيه يعنفها باصطناع وقلبه يترنح عشقاً أمام حدقتيها ورقة مشاعرها وقال معاتباً :- ولو .. أنا قلتلك مية مرة أنا راجل صعيدى ومحبش جرأة العرق الألمانى اللى فيكِ ده

مالت بجذعها نحوه قليلاً تجذب ذقنه بنعومة ليعود وينظر نحوها بنظرات مغرمة وهمست بحرارة أمام وجهه وأنفاسها العطرة تمتزج بأنفاسه الحارة هامسة بعشق أبدى

:- ما تزعلش .. لو كان قلبك هو اللى أعترف عليك .. فأنا هعترف على نفسى وهقولك بحبك يا برتقان أفندى

فرت بسمة إشتياق وتوق إلى ثغره مرخياً جفونه باستسلام للذكرى الجميلة وقد تناسى الزمان والمكان حتى تلك التى تجلس أمامة مباشرة تتابع تعبيراته بوجع نسى وجودها

ضغطت بخفة على كفه المستريح بين راحتيها ففتح عينيه يطالع وجهها فى تيه ثم انتفض فى مكانه حين أدرك موضعه وعاد إلى واقعه

تتلاحق أنفاسه فى صدره تلومه وتوبخه حتى على ذكرياته الماضية، فجأة جذب صفا بين أحضانه يعتصرها بين ضلوعه وغمغم فى أحضانها يلوم نفسه على مجرد الذكرى

:- أنا أسف .. أسف غصباً عنى والله .. غصب عنى

مسحت على ظهره بكفيها تمنع دموعها من الهطول بصعوبة رغم صوتها الذى حاولت أن تضبط نبرته هامسة بعذاب يعتصر قلبها

:- أسف على إيه يا توأم الجلب .. هو بيناتنا أسف ده أنت حتة من جلبى

شدد من ضمها إلى صدره حتى امتزج جسديهما فى كيان واحد وقال بصوت أجش يغالب البكاء :- أسف أنى مقصر معاكِ .. أوعدك إنى هصلح كل حاجة .. كل حاجة ومحدش هيمسك بسوء أبداً .. أبداً

تشبثا ببعضهما بقوة كلاً منهما في حاجة للأمان والسكينة والحب، كلاً منهما يشعر بالمرارة فى حلقة وغصة فى قلبه ولا يملك الدواء

جلال متخبط المشاعر يصطلى بجوى قلبه وصفا تتقلب فى جحيم الغيرة مع زوج تعشقه ويعشق غيرها

هي تشعر بلوعته ووجعه تماماً، فقد كانت مثله لسنوات طويلة تقارب سنوات عمرها نفسه منذ تفتحت عينيها على حبه وهى طفلة صغيرة تخطو نحو عمر المراهقة وهى تنظر إليه على إنه حلم يستحيل الحدوث

نظرته الأخوية لها لم تنطفئ أو تخبو وهى تخطو نحو عمر الشباب وهى كانت ترغب في أكثر من ذلك كانت تحبه منذ الصبا وهو غير واعى لهذا العشق الذى ملك عليها قلبها، هى تعلم جيداً كيف تكون مرارة البعاد عن الحبيب وتقدر ما يعانيه جلال الأن من عذاب

جلال منحها الحب والاستقرار وحقق أغلى أحلامها، أن تصبح زوجته وهذا يكفيها

احتضنت رأسه الغارقة فى عنقها ورفعتها تطالع عينيه الدامعة التى تهرب بعيداً عن نظرها، أدعت البلاهة ولم تعلق على دمعات عيونه الحبيسة وقامت بما تبرع فيه أكثر، منحه الهدوء النفسى والراحة وقالت برقة قلبها

:- الفچر جرب يطلع جوم نصلى ركعتين لله تهدى بالك وتشرح صدرك

نهض معها مستسلماً كالطفل الصغير يتبع والدته فى كل خطواتها، دائماً يترك لها نفسه تقومها وتطببها ودائماً يجد راحة نفسه وهدوء قلبه فى جوارها

صلوا الفجر فى جماعة كما اعتادا على ذلك منذ زواجهما وظلوا على جلستهم لدقائق بعد أداء الصلاة وكل منهما يدعو بقلبه دعاء المحتاج المتضرع الذليل

هدأت نفس جلال كثيراً وارتاحت بالصلاة والدعاء ثم نهض من مكانه، رفعت صفا رأسها نحوه وتمسكت بكفه وهو يقف قبالتها وهى جالسة أرضاً فوق سجادة الصلاة وقالت بهدوء وبسمة محبة تطالعه بها

:- هجرا (هقرأ) الورد بتاعى وأحصلك .. نام أنت وأرتاح

ابتسم فى وجهها بمودة وتوجه حيث يقبع المصحف فوق حاملة الخشبى المفرغ ثم عاد ووضعه أمامها وجلس جوارها بل تمدد على الأرض ووضع رأسه فوق فخذها قائلاً بحب طفل يتشبث بوالدته التى تمنحه الأمان والسكينة

:- أقرأى براحتك بس سمعينى صوتك الحلو وأنت بترتلى القرآن وأنا هنام هنا

اتسعت بسمتها الهائمة فى حبه وهى تتخلل شعراته بحنان وانحنت تقبل رأسه قبلة طويلة حانية ثم بدأت فى الترتيل بصوت عذب رقيق لتغشاهم السكينة وتتنزل عليهم الرحمة

************

انقضي الليل وهما يتشاركان السرير الصغير في غرفة المستشفى، وعلى صغر حجمه إلا أنه كان فسيح لهما وهما يحتضنان بعضهما البعض، شمس تتخذ من صدر يوسف العريض وسادة لها وهو يحتويها بحنان، تلصق بطنها التى أصبحت فارغة بجسده وكأنها تعوض الفراغ الذى حل بها وتستمد منه الدفء

فتح عينيه بعد أن تسلل ضياء الشمس للغرفة ورفع كفه يتثاءب بإرهاق، حرك رأسه بتكاسل ينظر إلى الرأس الساكن فوق صدره ومسح على خصلات شعرها المبعثرة ثم حول رأسه نحو الصناديق البلاستيكية الشفافة الصغيرة التى تضم أولاده

ابتسم بسعادة وعينيه تتخلل البلاستك الشفاف السميك لتصل نظراته إلى الصغار لتتسع ابتسامته زهواً لقد صار أب، اليوم تشرق عليه الشمس وهو أب لأول مرة

أزاح رأس زوجته المستغرقة فى النوم برقة ووضعها فوق الوسادة، جمع شعرها بعيداً عن وجهها ثم قبل وجنتها برقة ونزل بقدميه الحافيتين سوى من شراب قطنى داكن إلى الأرض

ارتدى حذائه واتجه نحوهم ووقف يتأملهم بحب، يميل عليهم بقامته الطويلة ليضع قبله على رأس هذا وذاك

كم هو جميل شعور أن ترى نفسك فى شخص أخر، بل ترى أغلى ما فى نفسك، قطعة من قلبك وفلذة كبدك يتنفس ويتحرك أمام عينيك

تنهد بعمق يتذكر والده ومقدار حبه واهتمامه به وهو طفل صغير غامت عينيه توقاً وحنيناً إلى والديه الراحلين وقلبه يحادثهم همساً "لقد أصبحت أب اليوم يا والدى وسأمنح لأولادى الحب والحنان والرعاية كما منحتنى وأنا صغير"

همهمت شمس وهى تعتدل جالسة فوق الفراش تمسح على شعرها وتجمعه فى ربطه واحدة وعينيها مسلطة على ظهر زوجها الذى يتفحص أولاده وقالت بصوت ناعس

:- حد منهم الولاد صحى يا چو

لوى رأسه ينظر نحو زوجته بحب ثم عاد ينظر نحو أولاده ومد أصبعه يداعب وجنة حسين الذى فتح عينيه وفمه الصغير ويصدر صوت أزيز صغير وقال بمرح :- حسين صاحى وفاتح بوقه الصغير ده

ضحكت بمرح وفتحت ذراعيها نحوه تطلب والدها :- هاته يا چو ده أكيد جعان

مال على صغيره ورفعه بين ذراعيه يضمه إلى صدره وألقى نظره على حسن المستغرق فى النوم ثم قال بمرح :- الواد أبو على ده باين عليه خُم نوم

ضحكت شمس وهى تتلقى الصغير منه إلى أحضانها وتضع قبلاتها على رأسه ثم بدأت فى فك أزرار جلبابها استعداداً لإطعام الصغير، توقفت يديها وهى تنظر نحو يوسف الذى جلس قبالتها يتأملها بفضول وقالت بخجل

:- أبعد عينيك ديه يا چو .. عاوز أرضع الولد

هز أكتافه العارية بدهشة يجيبها بتعجب مرح :- ما ترضعيه .. ما أنا جوزك على فكرة وأبوه .. مفيش حد غريب .. رضعيه رضعيه

رمته بنظرة لائمة وقالت بحرج وهى تنظر للصغير فوق فخذيها :- ما تكسفنيش بقى يا يوسف عشان خاطرى الولد جعان

أسدل أهدابه وزفر بفارغ صبر ثم نهض من أمامها وتوجه إلى الشرفة يفتحها سامحاً للشمس والهواء بالمرور للداخل

ألقمت الصغير صدرها ثم نظرت نحو يوسف الذى قضى ليلته بملابس الخروج الغير مريحة، دخل إلى الحمام الملحق ثم خرج بعد دقائق يجفف وجهه فى منشفة صغيرة وتحرك ببنطاله الجينز وفانلته الداخلية التى قضى بهما الليل بجوار زوجته ثم ألتقط قميصه يرتديه ويغلق أزراره واحد تلو الأخر وعينيه تتأمل زوجته وهى تطعم طفله الوليد

دقات متتالية على الباب دفعته ليتوجه لفتح الباب المغلق بالمفتاح من الداخل لتدلف إحدى الممرضات حاملة صينية الطعام وألقت عليهم التحية الصباحية ثم وضعت الصينية جانباً وتوجهت نحو شمس تطمئن عليها وعلى الطفلين ثم نظرت نحو يوسف الذى يقف يتأمل الصينية المحملة بالأطعمة وكوب من الشاى باللبن الساخن وقالت بعملية

:- الدكتورة هتمر عليكم على الضهر وتكتب للمدام على خروج إن شاء الله

شكرها يوسف بتهذيب ثم سألها بدهشة وهو يشير نحو محتويات الصينية الممتلئة :- كل ده فطار .. وشاى باللبن كمان

وضعت الممرضة كفيها داخل البالطو الوردى الخاص بها وقالت موضحة :- دكتورة لينا هى اللى أمرت بالفطار لكم أنتوا الأتنين .. والشاى لحضرتك أما كوباية اللبن عشان مدام شمس

شكرها من جديد وتبعها إلى الباب ثم أغلقه خلفها والتفت إلى شمس قائلاً بمرح :- شايفة أختى موصية لينا علينا إزاى

ناظرته شمس بدفء وامتنان قائلة :- ربنا يكرمهم .. كلهم تعبوا معانا أوى

حمل كوب الشاى فى يد وفى الأخرى كوب اللبن وقدمه إلى زوجته يوصيها باهتمام :- خدى اشربى اللبن ده وبعدين ترضعى أبو على وبعدها بقى نفطر على رواقه

وضعت حسين بجوارها وأغلقت بعض أزرار جلبابها وتناولت الكوب منه شاكرة

دقائق قليلة وتعالت الدقات على الباب تبعها دلوف ندى وصفا وخلفهما بقليل جلال حاملاً حقيبة صغيرة مخصصة للطعام وضعها جانباً ووقف بجوار الباب يسمع صخب الفتيات وهن يتحدثن مع شمس ويداعبوا الصغار

رحب بهم يوسف ثم اقترب من جلال ورحب به وتحركا ليجلسا جانباً بعيداً عن النساء، ألقى يوسف نظره نحو الفتيات ثم عاد ينظر إلى ابن عمه وسأله بجدية واهتمام

:- عامل إيه يا جلال .. أنت كويس؟

تطلع جلال فى وجهه بنظره فاحصة وقد فهم مقصده، يسأله عن أحوال قلبه بعد مواجهته للينا أو ربما يسأله عن استقرار حياته بعد أن اهتزت أركانها بعودة لينا

قلب جلال شفته بلامبالاة وأجاب ببساطة :- تمام .. أنا تمام هو إيه اللى كان أتغير

رغم محاولته لدفن مشاعره داخل ظلمات قلبه إلا أن يوسف لاحظ اضطراب حدقتيه وهو يجيبه لذا ربت على كتفه مؤازراً وقال بجدية :- على أى حال أنا جنبك فى أى وقت تحب تتكلم .. أنا موجود

خبط جلال على فخذ ابن عمه عدة مرات ممتناً وقال يدعى المرح

:- اطمن يا ولد عمى .. ولد عمك شديد واللى فى دماغك ده موضوع انتهى خلاص

قالها كاذباً فكيف للحب الصادق العفيف أن ينتهى ولكن لابد أن ينتهى من أجل عصفورته الصغيرة، مد نظراته نحو صفا وهى تداعب أحد الصغار يتابعها بدفء وحنان

تقدمت ندى نحوهم ووزعت عليهم بعض ثمار من الفاكهة معاتبة يوسف :- كده برضوا ..تفتطروا قبل ما نيجى ديه عمة أصيلة محضرة فطار فاخر لأجمل أب وأم

تناول يوسف منها الثمرة الناضجة وقال معتذراً قائلاً بمواربة حتى لا يثير مشاعر جلال بذكر اسم لينا أمامه

:- نعمل إيه الفطار جيه من بدرى قلنا نتسلى وناكله .. بس ما تقلقيش كل الأكل هيتاكل حالاً أحنا ورانا إيه يعنى

رفض جلال ثمرة الفاكهة بإشارة من يده ثم تسائل بجدية :- هتخرجوا أمتى يا يوسف؟

قضم قطعة من الثمرة التى فى يده ولاكها قليلاً فى فمه ثم أجاب جلال :- الدكتورة هتيجى على الضهر تطمن على شمس ونخلص إجراءات الخروج .. أه وكمان دكتور الأطفال هيجى بعد شوية يطمن على الولاد

خبط جلال على ساقيه وهب واقفاً وقال بجدية :- لا .. أنت كده لسه قدامك كام ساعة لغاية ما تروحوا .. اتفضل مفاتيح العربية ولو احتجت لأى حاجة كلمنى

فى نفس اللحظة دلفت فرح وتلتها ياسمين، قرب جلال رأسه من ابن عمه وقال مشاكساً :- كده العربية مش هتقضى

أجابة يوسف وهو يشاهد الصخب الذى ازداد فى الغرفة بوصول الفوج الجديد من العائلة

:- ما تقلقش حسام ومراته جايين يعنى هيبقى فى عربيتين .. بس أنت هتسبنى لوحدى وسط الحريم ديه كلها

خبط جلال على ذراعه بشقاوة وقال يشاكسه :- أنت البابا يا معلم .. لازم تكون موجود ربنا يقويك

أشار جلال نحو زوجته فتقدمت منه وهى تحمل أحد الصغار، مال جلال يقبل كفه الرقيق ثم قبل رأسها وقال بخفوت :- أنا ماشى ولو فى أى حاجة كلمينى على طول

أومأت له بابتسامتها المعهودة ونظرتها العاشقة، اصطحبه يوسف إلى الخارج هرباً من صخب الغرفة وثرثرة الفتيات وقال يشجعه على الإنجاب والاستقرار فى حياته

:- يلا شد حيلك أنت كمان يا جلجل .. أنا وأنت الشجرتين الوحيدتين فى نسل عبد الرحمن البدرى عاوزين نكبر العيلة ونفرح عمة أصيلة

لوى جلال جانب فمه وأرخى عينيه قليلاً ثم قال بخفوت :- البركة فيك وفى ولادك يا يوسف .. تكبرنا وتكترنا

قطب يوسف جبينه متعجب من إجابة جلال الذى لم ينتظر بعد أن ألقى بكلماته بل ودعه وغادر المكان بهدوء

****************

هبط درجات سلم المستشفى تهاجمه ذكريات اللقاء الأول، رغم الهدوء النسبى الذى وصل إليه إلا إنه مازال يتخبط فى مشاعره ويلتبس عليه رغبات قلبه وعقله المتناحرين داخل جنباته ولكنه لن يسمح لهذا الالتباس أن يدمر استقرار حياته، عليه أن يحافظ على أركان بيته ويحافظ على عصفورته الصغيرة

توقف فى الطابق الأول للحظات، الطابق الذى يضم غرفة لينا .. لحظات كانتكافية ليراها تخطو برشاقة فى البالطو الأبيض خاصتها وشعيراتها القصيرة تتحرك معها فى خطواتها السريعة ورأسها منحنى داخل ملف طبى مفتوح بين يديها فلم تنتبه لوجود تلك العيون التى تتابعها بمرارة ثم دلفت إلى غرفتها وأغلقت خلفها الباب

تسارعت خفقات قلبه ولهثت أنفاسه داخل صدره حين رأها أمامه، كفى .. يجب أن ينتهى هذا الأمر، يجب أن ينفصل هذا الجسر الخفى الذى يربط بين قلبيهما

وفى ثورة غضبه من نفسه ومن لوعة قلبه اقتحم غرفتها التى سبق وضمتهما سوياً لأكثر من مرة، أغلق الباب ووقف يستند عليه وقد التحمت نظراتهما وتوحدت دقات القلوب وهى تقف فى مكانها تطالعه بشوق جارف، تعض على شفتيها عاجزة عن اختيار الكلمات المناسبة لاستقباله

ولكنه هو من أطلق لسانه بعد لحظات لا يعلم أقصيرة هى أم طويلة ولكنه تكلم فى النهاية وهو يرفع سبابته فى وجهها وقد توحشت نظرته وخرج صوته أجش لاهث

:- أنتِ .. أنتِ رجعتى ليه عاوزه تدمرى حياتى .. أنتِ خلاص ما لكيش مكان فى قلبـ.. فى حياتى .. أنا بحذرك أبعدى عن أهلى وعن بيتى وعن مراتى .. إياكِ رجليك تخطى دار البدرى من تانى وإياكى تحاولى تقربى من مراتى أنتِ فاهمة

هطلت أمطار عيونها سيولاً على وجنتيها "جلال .. حبيبها يقف أمامها ناهراً، رافضاً وجودها، يخشى على زوجته منها .. منها هى لينا معشوقته"

دارت حول مكتبها وتقدمت نحوها فأوقفها بإشارة من يده محذراً إياها من الاقتراب ولكنها رفضت إشارته وتقدمت حتى وقفت أمامه مباشرة

أزالت دموعها المنسابة بخشونة عن وجنتها واستنشقت الهواء، تساعد صوتها على الخروج وقالت بأسى :- أنا مش ممكن أحاول أدمر حياتك أو أسبب لك أو لمراتك أى أذى .. أنت عارفنى كويس يا جلال .. أنت أكتر حد عارفنى

جز على أسنانه يكتم صرخة ألم ترغب فى الأنطلاق فى وجهها وقال من جديد يحذرها :- مش عاوز أعرفك .. والموضوع انتهى وتبعدى عن أهلى تماماً

هزت رأسها موافقة على حديثه بخضوع مرددة برجاء :- حاضر يا جلال .. هنفذ كل اللى أنت عاوزه ومش محتاجة غير دقيقتين بس أوضحلك فيهم موقفى

انفلتت أعصابه من عقالها ووجد نفسه يهجم عليها ويقبض على ذراعيها بقبضة حديدية وضرب بظهرها فى عرض الحائط بخشونة يردد بخفوت مخيف

:- هتبررى إيه .. هروبك .. خيانتك للعهد .. هتوضحى إزاى كنت لعبة فى إيدك ومثلتى عليا الحب عشان تقضى بها الوقت لغاية ما ترجعى البلد اللى رمتك علينا

فك أسر ذراعيها بنفور وعينيه تطالعها باشمئزاز قائلاً بنبرة يأس وقنوط :- مش عاوز أسمع منك حاجة .. مفيش حاجة هتقوليها تغفر عملتك

استدار ليبتعد عنها فوجدها تقفز أمامه وتقبض على مقدمة قميصه بتشبث تتعمق فى سواد عينيه بإصرار، لم تتألم من قبضتيه أو ارتطامها بالحائط لكنه طعنها حقاً باتهامه لها فهتفت تنفى هذه التهمة عنها

:- عمرك ما كنت لعبة .. وعمر حبنا ما كان تمثيلية وأنت عارف ومتأكد كويس أوى من كده

ابتلعت ريقها الجاف قبل أن تواصل حديثها وأنفاسه الساخنة تلفح وجهها وصدره الهائج يعلو ويهبط بتسارع

:- أنت عارف كويس الوضع كان هنا أزاى وبهروب أمل الوضع استفحل وكانت ممكن تقلب حرب بين العيلتين .. سافرت طاعة لأبويا اللى أجبرنى أوعده أنى ما تواصلش معاك بأى شكل حفاظاً على حياتك بعد ما حمدى أتكلم على العلاقة اللى بينا

تدافعت أمواج عينيها لتتساقط خارج إطار عينيها ومازالت أصابعها متشبثة بمقدمة قميصه تخشى هروبه من بين يديها قبل أن تكمل حديثها ... استطرد موضحة ما حدث أثناء سفرها

:- أمى كانت فى المراحل الأخيرة من المرض اللعين .. حسيت بالذنب ناحيتها لأنى فضلت الحياة مع والدى على وجودى معاها .. فضلت جنبها فى المستشفى شهور مش بخرج حتى للشارع .. نسيت شكل الموبايل وشكل الحياة وفضلت معها لغاية ما .. ماتت

توقفت تلتقط أنفاسها وتحاول السيطرة على نحيبها الذى أثر على نبرة صوتها، شعرت بتململه ثم رفع كفيه يبعد قبضتيها عن ملابسه

يحاول أن يُخفى نظرة الشفقة التى تتنازع مع الغضب فى طلة عينيه

مسحت أنفها بظاهر كفها بعفوية وأردفت بتلعثم سببه نحيبها وطأطأت رأسها أمامه :- ما استحملتش خبر موتها ولا تقبلته .. انهارت أعصابى وتعبت .. بابى أخدنى فى منتجع بعيد فى الجبل مفيش فيه أى مظهر من مظاهر المدنية ولا وسيلة للتواصل إلا على بعد كيلومترات .. كنت محتاجة وجودك جنبى وقتها .. محتاجة أتكلم معاك .. محتاجة حنيتك واحتوائك

رفعت بحورها تحتوى ملامحه المتجهمة بتوسل وصوتها يرجوه بتلهف ليصدقها :- عمرى ما حبيت أى راجل غيرك يا جلال ... أنت حبيبى وصاحبى الوحيد

تجمدت نظرته داخل حدقتيها للحظات طويلة، يودع شواطئ عينيها للمرة الأخيرة يتأمل ملامح وجهها الجميل الباكى من أجله .. من أجله هو فقط .. ثم قال بجمود بارد عكس النار المضرمة داخل قلبه

:- أخر مرة أشوفك بالقرب من عيلتى .. أو أشوفك بتتكلمى مع مراتى

تحرك خطوة للأمام نحو الباب فتشبثت بذراعه من جديد وهمهمت بتوسل منكسة الرأس :- هنفذ طلبك ومش عاوزه منك غير طلب واحد .. سامحنى

لوى رأسه ينظر نحوها بجانب عينه بعد أن رفعت مقلتيها تحتوى ملامحه داخل قلبها ثم قال بلامبالاة

:- مش فارق معايا أسامحك ولا لأ .. لأن مالكيش وجود أصلاً فى حياتى

نزع ذراعه من كفها وتحرك مغادراً ووضع يده فوق عتلة الباب وقبل أن يفتحه أنطلق صوتها بهدوء صادق :- كداب .. كداب يا جلال

تجمد فى مكانه ولم يجرؤ على النظر نحوها وهى تتقدم نحوه حتى وقفت خلفه مباشرة مردفة بتقدير

:- وحتى وأنت بتكدب هحترمك وأقدرك لأن غرضك الحفاظ على بيتك ومراتك

حارب عينيه حتى لا تلتفت نحوها وتسترق النظر لوجهها الحبيب ولكنه عجز عن ذلك وألقى نظرة أخيرة تبادلا فيها وداع صامت لا تفهمه سوى لغة العيون العاشقة

*****************

لا يعلم كيف وصل إلى المزرعة، لم يكن فى المكان ولا الزمان إنما كان تائهاً فى عالم أخر لا يعرف كنهه، يستعيد كلماتها المعتذرة، نظراتها المتوسلة وعيونها الباكية

كل هذا من أجل الحصول على غفرانه فقط، لم تطلب حبه أو وصاله إنما تصبو فقط إلى غفرانه لخطأ ابتعادها الذى لم يكن بيدها من الأساس

توقف يتأمل مكانهما الخاص، عشة المزرعة المصنوعة من الخوص وجريد النخل، كم التقيا هنا وتبادلا الأحاديث والحب .. تعرف كلا منهما على الأخر وأحب كلا منهما الأخر فى هذا المكان

تقاسما القلب والنظرات و.. والبرتقال سوياً، تذوقا طعمه سوياً وتشاركا الضحك سوياً هنا فى هذا المكان البسيط

أسبل أهدابه بقلب مفطور يتفتت لأشلاء إلا ركن صغير فى زاوية من زوايا قلبه .. ركن لا يمسسه أى وجع أو أذى هو ركن الصفا .. صفا روحه وشريكة حياته بعقد مقدس وقسم غليظ

رفع عينيه يتأمل العشة وكل ركن فيها مرة أخرى حتى توقفت نظراته على مجموعة من الحطب المشتعل أمام العشة معدة لصنع الشاى

تقدم نحو الحطب المشتعل وانحنى يلتقط طرف أحد الأخشاب المشتعلة ثم قذف بها بكل قوته وغضبه وحيرته داخل العشة الصغيرة وكرر فعلته عدة مرات، فوق العشة وداخلها حتى لا يسلم منها شئ

ثم وقف يشاهد احتراقها بعيون تغشاها العبرات كما يحترق قلبه البائس، أحرق ذكرى عشقه بل أزالها من الوجود، فلا وجود من هذه اللحظة سوى لزوجته فقط

*****************

Continue Reading

You'll Also Like

29K 527 9
* دقيقة من فضلك. . عزيزي إن كنت من معشر الرجال فاجلب مقعد لك واجلس واصغي لما فعلته سيدة رأسك كي تنتقم لنفسها منك. . أرجو أن يتحمل قلبك ما ستقرأ...
407K 12.2K 5
رواية تجمع بين روايه عشق الليث وقاسي ولكن احبني و أسري القلب❤... للكاتبتين .....دينا إبراهيم و وسام أسامه .... دمتم سالمين...
34.4K 1.5K 12
كانت مصادفاتهم من تدابير القدر.. .. لتقع تلك الفاتنه المندفعه في طريق يونس الملتزم و المتدين.. . كانت كا الفتنه او ربما كا الخطيئة.. . في كلتا الحا...
43.2K 5.1K 26
علاقة أنانية & علاقة مُهشمة لو تطلعتم على الغيب لاختارتم الواقع، كُن على يقين يا ابن آدم أن الله لا يختار لك سوا الخير هو لا يعبء لأي شيء سوا أحلا...