التقينا فأشرق الفؤاد بقلم / إ...

By SamaSafia

88.6K 2.3K 90

رواية تدور أحداثها في الصعيد وما يحتويه من عادات وتقاليد تربط بين العائلات من خلال يوسف الذى تجره الأحداث للع... More

الفصل الأول
الفصل الثانى
الفصل الثالث
الفصل الرابع
الفصل الخامس
الفصل السادس
الفصل السابع
الفصل الثامن
الفصل التاسع
الفصل العاشر
الفصل الحادى عشر
الفصل الثانى عشر
الفصل الثالث عشر
الفصل الرابع عشر
الفصل الخامس عشر
الفصل السادس عشر
الفصل السابع عشر
الفصل الثامن عشر
الفصل التاسع عشر
الفصل العشرون
الفصل الحادى والعشرون
الفصل الثانى والعشرون
الفصل الثالث والعشرين
الفصل الرابع والعشرين
الفصل الخامس والعشرين
الفصل السادس والعشرين
الفصل السابع والعشرين
الفصل الثامن والعشرين
الفصل التاسع والعشرين
الفصل الثلاثون
الفصل الواحد والثلاثون
الفصل الثانى والثلاثون
الفصل الثالث والثلاثون
الفصل الرابع والثلاثون
الفصل الخامس والثلاثون
الفصل السادس والثلاثون
الفصل السابع والثلاثون
الفصل الثامن والثلاثون
الفصل التاسع والثلاثون
الفصل الأربعون
الفصل الواحد والأربعون
الفصل الثانى والأربعون
الفصل الثالث والأربعون
الفصل الرابع والأربعون
الفصل الخامس والأربعون
الفصل السابع والأربعون
الفصل الثامن والأربعون
الفصل التاسع والأربعون
الفصل الخمسون
الفصل الواحد والخمسون
الفصل الثانى والخمسون
الفصل الثالث والخمسون
الفصل الرابع والخمسون
الفصــل الأخيــر
الخـاتمــــة

الفصل السادس والأربعون

1.1K 39 0
By SamaSafia

كادت الشمس أن تغيب وهما يتجولان في المحافظة منذ الصباح يحاول أن يصرف تفكيرها عن نتيجة التحاليل المنتظرة ويقلل من نسبة توترها وقلقها اللذان عاشت بهما منذ فتح معها موضوع الإنجاب وشرعوا فى عمل التحاليل

أراد أن يكون اليوم هادئ، مريح لأعصابها المشدودة كوتر يكاد أن ينقطع، لذا منذ الصباح الباكر تناولا الإفطار وتوجها إلى المحافظة تجولا فى الحدائق وتناولا غداء لذيذ فى أحد المطاعم الفاخرة على ضفاف النيل ثم توجها لاستلام نتيجة التحاليل التى أوصى بها طه

تلقى النتائج بلهفة من موظفة معمل التحاليل وتحرك جانباً يمرر بصره فوق الخانات على عجالة وياسمين تقف بجواره تحملق فى وجهه بترقب، تحاول أن تقرأ تعبيرات وجهه التى ظهر عليها التركيز والتمعن

رفع عينيه نحوها يحدق في وجهها متفحصاً لبرهة ثم قبض على كفها ضاغطاً عليه بقوة حانية مؤكداً :- خير إن شاء الله .. النتايچ حلوة جوى الحمدلله

هزت رأسها بغير تصديق تظن أنه يطمئنها فقط، عقدت حاجبيها مسلطة نظرها داخل عينيه باحثة عن الصدق فيهما وقالت تكذب حديثه أو تستفزه لمعرفة الحقيقة

:- كيف يعنى النتايچ حلوة .. ما أنت شوفت النتايچ الجديمة كلها مخربطة .. اتعدلت كيف!!

حدق في وجهها بقلة حيلة يشعر بالعجز فى التغلب على مخاوفها وشعورها بالنقص اللذان ترسخا فى عقلها منذ سنوات، زفر بعمق وأشار بأصبعة فوق الأرقام المطبوعة بورقة التحاليل يحاول إقناعها

:- اتفضلى شوفى بعينيك يمكن تصدجى .. ولا أجولك بلاش تشوفى حاچة كلها ساعة واحدة ومعاد الدكتور ياچى وهو يجولك بنفسه

ألقى نظره سريعة على ساعة يده يطمئن على الوقت ثم أردف بجدية

:- ديه أكبر دكتور فى المحافظة .. أنا حچزت عنديه من سبوع لاچل ما ألاجى مكان .. بياخد عدد معين من المرضى فى اليوم والحچز عنديه صعب جوى

دس أوراق التحاليل فى الملف الطبى الخاص بها والذى يحوى كل التحاليل والأشعات السابقة التى قامت بها أثناء زواجها الأول بينما تقف صامتة تراقبه باضطراب، تعلم أنها تضغط عليه بتخوفها من هذا الفحص أو ربما تقلل من شأنه دون قصد بسبب تكذيبها له ولقراءته لنتائج التحاليل ولكن ما بيدها حيلة لا تقوى على مصارعة عقلها الذى استوعب وصدق فكرة إنها غير صالحة للإنجاب ومجرد المحاولة من جديد عذاب بالنسبة لها

فالتجربة قد تعنى فراق أخر وطلاق جديد، وأن كانت قبلت بطلاق سابق فلن تقوى على فراق هذا الرجل الذى شعرت معه بالحب والحنان والاحتواء، هو يستحق أفضل منها يستحق من تمنحه أطفال يسعد بهم وكم تتمنى لو تستطيع أن تفعل، مدت أناملها تلامس كفه بنعومة معتذرة بصوت خافت

:- أنا مصدجاك يا طه .. أنا بس جلجانة جوى وجلبى بيطب من الخوف .. خايفة نكون بنفتح على نفسينا باب يچر علينا حزن ولا .. ولا فراج

التفت نحوها بغته بنظره معاتبة هاتفاً بجزع فى وجهها :- فراج .. كفى الله الشر سبج وجولتلك مفيش شى يفرجنى عن حلم عمرى .. أنا انتظرتك سنين يا ياسمين ومستعد انتظر سنين وسنين لاچل ما نخلف .. وحتى لو ربنا ما أردش يكون عندينا ولاد أنا جابل بقضاء ربنا وحامدة وشاكرة على كل نعمة عليا

لانت نظرته ونبرة صوته وكفه تمسك بذراعها بدفء :- كل اللى رايدة أننا نسعى ونتعشم فى وچه الله ... وربك كريم يا ست البنات

تأثرت ملامحها من دفء حديثه وانكمشت حزناً، قلبها يوبخها على إغضابه وهو من يتمنى لها كل الرضا، تلوم نفسها على قلة إيمانها فى هذا الأمر ولكن ما بيدها حيلة فلقد عانت كثيراً وذاقت الأمرين من عائلة زوجها السابق وإن كانت تثق فى حب طه ولكنها لا تثق فى رد فعل عائلته حين يعلموا باستحالة إنجابها كما أخبرها طبيبها السابق

اقتربت خطوة منه تمسح على ساعده برقة وعينيها تتشبث بملامحه الطيبة، تعتذر من قلبها بصوت متحشرج من جراء كتمها للبكاء فى صدرها رغم دموعها المتلألئة فى عينيها

:- سامحني يا طه والله غصب عنى .. أنا عانيت شهور وسنين من حديت الناس ولحد يوم فرحنا كنت شايفة نظرات الحريم ليا وكأنى معيوبة فيا حاچة ناجصة ... مش كيف بجيت الحريم

فرت دمعة من عينيها لم يسمح لها بالهرب فقد حاصرها بأنامله يمسحها على حدود عينيها قبل أن تواصل طريقها وقال بخفوت

:- فاهم وحاسس بكِ يا ست البنات .. ومهما حُصل ومهما كانت النتيچة هنعديها سوا .. فاهمة سوا

قبض على كفها يتخلل أناملها بأصابعة مؤكداً بهمسه الدافئ :- يد بيد ومحدش هيفرجنا واصل

تعمق فى عينيها بحنان يلمس شغاف قلبها بنظرته الحانية وأردف برجاء حازم :- مش رايد اسمع كلمه فراج ديه تانى واصل يا ست البنات

لم تحيد عن عينيه قد أنملة متنهدة ببطء هامسة بحرارة أشعلت وجنتيها بلهيب عشقها له :- حاضر يا طبيب الجلب والروح

ابتسم قلبه العاشق لتطل البسمة فوق شفتيه وعينيه تحتضن خاصتها يداعبها بهمس :- يا بركة دعاكي يا أمه

اتسعت ابتسامتها فوق ثغرها فاطمأن على هدوئها وجذب كفها القابعة فى راحته ليتحركا سوياً نحو عيادة الطبيب

*****************

ارتفعت نبضات قلبها المضطربة حين وقعت عينيها على اللافتة الموضوعة خارج العيادة "الدكتور حازم الكيلانى أمراض النساء والتوليد وتأخر الإنجاب والمناظير الجراحية"

صاحبتها دقات قلبها المرتفعة مع كل خطوة تخطوها داخل عيادة الطبيب، ترك يدها وتوجه إلى السكرتيرة لتأكيد الموعد فشعرت بالتيه فى ابتعاده ودارت بعينيها فى وجوه النساء الجالسات، بعضهن ذوات حمل تتباين الوجوه بين سعادة وصمت وألم

تحركت كالمغيبة لتقف بجوار طه ويدها تمتد لتقبض على ساعده، تستمد منه القوة والطمأنينة، ألقى نظره مطمئنة نحوها ثم عاد بنظره نحو السكرتيرة قائلاً بروتينية :- الحچز باسم مدام طه العشرى

بحثت السكرتيرة عن الاسم ثم رفعت رأسها نحوه تتحدث بعملية :- المدام دورها رقم تلاتة

أومأ بخفة وهو يفض محفظته ويخرج منها قيمة الكشف ويمنحها للسكرتيرة قائلاً باستحسان :- كويس .. أنا جولت لسه جدامنا كتير العيادة مليانة ما شاء الله

تلقت السكرتيرة الأموال منه وعينيها تحيد نحو ياسمين التى شحب لونها وظهر عليها التوتر وقالت موضحة :- كل كشف له ميعاد محدد .. لكن فى ناس بتحب تيجى قبل معادها .. وكل مريض بيكون معاه مرافقين زى ما حضرتك شايف

هز رأسه متفهماً وهو يدس محفظته داخل جيب بنطاله من جديد والسكرتيرة تؤكد وعينيها على وجه ياسمين زائغة البصر بين الجالسات وقالت بهدوء وكأنها تطمئنها :- الدكتور بتاعنا ما شاء الله ممتاز وكل الناس بتشكر فيه

أكد طه على حديثها ببضع كلمات وشكرها بتهذيب وكفه يربت على راحة زوجته المتشبثة بذراعه ثم احتوى كفها وساقها نحو مقعد قريب من باب العيادة المفتوح وأجلسها عليه، ألقى نظره سريعة بحرج على الجالسات ثم مال عليها هامساً

:- أنا هاجف بره شوية لغاية ما ياچى معاد الكشف .. العيادة كلاتها حريم ميصحش أجعد وسطيهم

تشبثت بكفه كطفلة تخشى الابتعاد عن والدها وهمت بالوقوف قائلة بلهفة :- هجف أمعاك بره

وضع كفه على كتفها لتعود وتجلس من جديد وعينيه مسلطة داخل عينيها يحاول تهدئة روعها ومنحها السكينة :- أنا چارك أهنا وعينيا عليكِ .. أهدى إكده وأقرأى قرآن .. خير إن شاء الله

تركها مغادراً العيادة إلى الخارج ووقف أمام الباب المفتوح يستند على حاجز السلم بكفه مطأطأ الرأس مغمض العينين وشفتاه تتمتم بالدعاء والتسبيح

أراحت كفيها فوق حقيبتها الجلدية القابعة فوق ساقيها وعينيها مسلطة عليه ثم أسبلت أهدابها وشاركته الدعاء والتسبيح

دقائق انقضت وهما يتواصلان بالدعاء والرجاء لله، شعرت بيد دافئة تربت فوق كفيها المتشابكتين فوق حقيبتها، اخفضت عينيها نحو اليد الغريبة ثم حولت رأسها نحو السيدة الكبيرة فى السن، بشوشة الوجه التى تجلس بجوارها وسألت بابتسامة لطيفة :- عرسان چداد؟

استقبلت ياسمين سؤالها بتعجب ثم حولت نظرها نحو طه الذى لا يزال على وقفته بالخارج غاض بصره عن السيدات الجالسات ثم عادت تنظر للسيدة تومئ لها بابتسامة مجاملة

ظهر التعجب على ملامح السيدة وقالت باستغراب ممزوج بالفضول :- ومستعچلين ليه .. بجالكم كد إيه متچوزين؟

بللت ياسمين شفتيها وأجابت باقتضاب :- من كام شهر إكده

هزت السيدة رأسها بتعاطف ظانة أن عائلة زوجها تضغط عليها من أجل سرعة الإنجاب كما حدث مع ابنتها

مدت كفها نحو ابنتها التى تجلس بجوارها على الجانب الأخر وعرفتها لياسمين :- ديه بتى .. الحمدلله ربنا كرمها .. حامل فى تلات شهور

أومأت ياسمين بخفة نحو الفتاة تحيها وبادلتها الفتاة التحية بابتسامة رقيقة بينما شرعت السيدة فى الإسهاب فى الحديث تروى ما حدث مع ابنتها بقلب أم متألم على ابنته

:- أهل چوزها فضلوا وراها من أول شهر فى الچواز .. حملتى ولا لسه .. أتأخر الحمل ليه .. أنتِ معيوبة ولا فيكِ إيه

تنهدت السيدة بعمق والفتاة نكست رأسها بلمحة حزن وهى تتذكر ما مرت به من أحداث بينما انتبهت ياسمين للحديث تحاول أن تهرب من توترها الشخصى فى الإندماج مع حديث السيدة التى استطردت بتأثر وشفقة على ابنتها

:- تلات سنين .. استحملت فيها كلامهم الماسخ وضغطهم عليها وعلى چوزها لاچل الخلفة .. حتى إنها تعبت وصابها المرض أخدتها دارى وجولت لچوزها طلجها وارحمها من العذاب ديه وشوف حالك أنت مع حرمة تانية تچيبلك الواد

جذب حديث السيدة أسماع الحاضرات حتى أن طه ألقى نظره نحو الداخل فوجد ياسمين مندمجة مع الحديث ولم تنتبه لنظرته فواصل تسبيحه ودعاءه يحمد الله أن تفكيرها انشغل قليلاً مع حديث السيدة التى واصلت حامدة الله ومتفاخرة بزوج ابنتها

:- الشهادة لله طلع راچل ولد أصول وشارى بتى صُح .. رفض يهملها ويبعد ... تركها عندى لغاية ما ارتاحت وشدت حيلها .. كان كل يوم والتانى ياچى يزورها شايل ومحمل من خيرات ربنا وبعدين رچعها دارها معززة مكرمة .. وجال لأمه ولأهله هى ديه مراتى ووجت ما ربنا يريد هتحمل ومحدش يتدخل فى الحديت ديه واصل

ابتسمت الفتاة بحنين على ذكر زوجها بينما استطردت السيدة بثقة :- الراچل هو الأصل .. هو اللى يحمى داره ومراته وميسمحش لحد يمسها بكلمة .. لفوا كتير على الدكاترة ودلوك أها الحمد والشكر لله بجت حامل ربنا يتملها على خير

شردت ياسمين فى حديث السيدة "حقاً الرجل هو الأصل، لو كان زوجها الأول أحبها صدقاً لما تركها لقمة سائغة لحديث والدته وتقريعها لها على ما لا تملك، فهى مجرد امرأة ضعيفة والحمل والإنجاب بأمر الله ولم يكتفى بعدم حمايتها بل شارك فى توبيخها وعتابها وفى النهاية أختار الفراق غير مؤسف عليه ولكن كل آسفها على كرامتها المهدرة وأنوثتها المجروحة"

ربته أخرى من يد السيدة فوق كف ياسمين أعادتها إلى الواقع، مالت السيدة عليها هامسة بثقة :- شكل چوزك راچل أصيل وباجى عليكِ

حولت نظرها نحوه طه بحب وابتسمت من أجله تؤكد على حديث السيدة :- جوى جوى .. چوزى راچل ولد أصول ويعرف ربنا

وكأنه شعر أنها تتحدث عنه، رفع عينيه نحوها وابتسم فى وجهها برقة وهى تبادله الابتسام بحب

*********************

فى القاعة الجانبية التى تحتوى على شاشة التلفاز جلست فهيمة تلوك بعض ثمار الفاكهة فى فمها وعقلها وعينيها ترتكزان على المسلسل المعروض فوق الشاشة

رفعت أصبعها تهتف بحنق نحو الممثل الشاب ناهرة :- ديه واد ندل طمعان فى الثروة والجريشنات وتبجى خايبة لو عاودت ليه ... مش إكده يا أمل

تفاعلت أمل التى تجلس فى المنتصف بين فهيمة ولينا الشاردة بفكرها بعيداً وجاوبت أمل على حماتها :- صُح يا أمة فهيمة .. بس مراية الحب عامية وهى بتحبه .. بكره المخرچ يوجعه فى شر أعماله

حركت فهيمة عنقها مؤيدة وعينيها مسلطة على الشاشة بتركيز :- أومال .. لازمن ياخد چزاته

لوت أمل عنقها تتفحص ملامح لينا الشاردة قبل أن تمد كفها تنتشلها من تفكيرها وهى تميل عليها معاتبة :- يعنى أنا جولت تجعدى أمعانا تفكى عن حالك شوية .. وبرضك بتفكرى وشاردة بعيد وبعدهالك يا بنت خالى .. بكفياكى عذاب لحالك

حولت لينا عينيها الزرقاء الغائمة بقتامة الحزن نحو أمل وهمست بلوعة :- غصب عنى يا أمل .. موجوعة أوى .. قلبى أول ما شافه كان نفسه يخرج من صدرى ويطير يحضنه (هزت رأسها بحرقة تصف إحساسها المتألم) نظره اللوم والرفض اللى شفتها فى عينيه مش قادرة أصدقها

أزاحت أمل جسدها ببطء نحو لينا وألقت نظره على فهيمة الغارقة فى مشاهدة مسلسلها المفضل قبل أن تميل على لينا وكفها يمسد على ذراعها بحنو

:- هونى على نفسك يا بنت خالى .. بجالك يومين من ساعة ما شوفتيه وأنتِ مش على بعضك .. خلاص بجى نجفل على الموضوع ديه وربنا يوفجه ويرزجك باللى أحسن منيه

ناظرتها لينا بعتاب، ترغب أن تسألها "وهل هناك أفضل من جلال؟ العاشق المعطاء الشهم" ولكنها أبدلت السؤال لأخر وهى أعلم بقلب أمل المحب فقالت لائمة :- أنتِ اللى بتقولى كده يا أمل

تنهدت أمل مخفضة عينيها بتعاطف، تشعر بلوعة قلب لينا وتحاول مواساتها فقالت بصوت خفيض :- والله حاسة بكِ يا لينا .. بس نعمل إيه يا خايتى النصيب غلاب وجال كلمته وچلال أتزوچ خليص ومراته كيف النسمة والله وحرام يتچرح جلبها هى التانية .. دلوك أنتِ لازمن تبصى لنفسك ومستجبلك وربنا هيبعتلك اللى يحبك وتحبيه .. هونى على حالك لاچل خاطرى

لم يلاحظ كليهما نظرات فهيمة المختلسة نحوهما بامتعاض ولينا تسبل أهدابها لتنحدر دموعها فوق وجنتها قبل أن تمسحها بقوة وقالت هامسة وهى ترسم ابتسامة شاحبة على ثغرها تؤكد على كلام أمل :- مراته شكلها طيبة أوى ورقيقة فعلاً .. أكيد ربنا بيحبها عشان يرزقها بواحد زى جلال

حاوطتها أمل بذراعها، تشد على خصرها مؤكدة :- وربنا بيحبك أنتِ كمان وهيرزجك بالخير (صمتت لبرهة ثم غيرت دفة الحديث متسائلة) ألا جوليلى هتنزلى المستشفى ميتا؟

مسحت لينا عينيها من جديد واستنشقت بعض الهواء ثم جاوبت بهدوء :- دكتور شوقى قالى وقت ما أحب أنزل الشغل مكانى موجود .. بس أنا قولت أريح أعصابى كام يوم قبل ما أنزل الشغل

دفعت أمل كفها فى ساعد لينا، تهزها ببعض القوة لتستفيق لنفسها وتواصل حياتها :- ما تنزلى الشغل حد يطول ونجول الدكتورة راحت والدكتورة چات .. ده أنتِ بتنورى إكده لما بتشتغلى

ابتسمت لينا فى وجهها بشحوب وفكرة لثوانى قليلة ثم قالت مؤكدة :- بكره إن شاء الله هنزل استلم الشغل

هتفت أمل مشجعة بحماس :- أيوه إكده يا بت خالى .. الدكتورة لينا السمرى

التفتت فهيمة نحوهما بغيرة واضحة فوجود لينا استحوذ على اهتمام أمل على حساب اهتمامها بفهيمة، صاحت فى وجهيهما بحنق :- هتجعدوا تتوشوشوا إكده كتير .. مش عارفة أركز فى المسلسل منيكم

كتمت أمل ضحكتها وهى تلمح الغيرة فى صوت فهيمة فأعتدلت فى جلستها وقالت مهادنة :- أحنا أمعاكِ أهوه يا أمه .. وبعد المسلسل نفكر هنطبخ إيه بكره

تنبهت حواس فهيمة والتفت بجسدها المكتنز نحوها مندفعة بحماس :- أيوه .. لازمن نحضر سفرة يحكوا ويتحاكوا عليها .. ديه أول مرة يتعمل فيها مچلس العيلة فى دار عدلى السمرى من بعد غياب .. ولازمن كل العيلة تعرف مين كبيرها صُح

استنشقت لينا الهواء عدة مرات تهدأ نفسها وقررت الاندماج فى حياتها الجديدة كما تنصحها أمل دائماً فعرضت مساعدتها على فهيمة قائلة :- خلاص يبقى مش هنزل الشغل بكره وهقعد أساعدكم

مصمصمت فهيمة شفتيها وضمت ذراع تحت صدرها واتكأت بالأخرعليه تضم ذقنها بين أصبعيها مرددة بتفكه :- وأنتِ هتساعدى كيف بجى يا خواچاية .. هتبسى العچين ولا تحمى الفرن

قطبت لينا حاجبيها بتعجب نحو فهيمة التى لا يرضيها شئ أما أمل فقالت باستحسان مدافعة عن ابنة خالها :- والله فكرة مليحة يا مرات خالى واللى مش عارف يتعلم

التفتت نحو لينا تضم كفها برقة وقبول :- خليص يا لينا بكره هعلمك الوكل بتاعنا وشوية بشوية هتبجى بريمو ... تعليمى بجى

عوجت فهيمة جسدها ووضعت كفها فوق خصرها مستنكرة وصاحت فى وجه أمل حانقة :- ومين اللى كان علمك يا شملولة يا مرات ابنى

لم تتمالك لينا ولا أمل نفسيهما أمام منظر فهيمة فاغرة الفم باستهجان وضحكتا بخفوت ثم نهضت أمل تقبل على رأس فهيمة وضمت كتفيها بحنو تراضيها مرددة بتأكيد :- طبعاً تربيتك وأنتِ اللى علمتينى كل شى يا أمة فهيمة ربنا يخليكى لينا

ثم أضافت فى سرها :- ويهديكِ علينا

**********************

داخل غرفة الكشف استقبلهم الدكتور حازم الذى يبدو فى الخمسين من عمره، رحب بهم على عجالة ودعاهم للجلوس ثم بدأ حديثه بمهنية شديدة :- اتفضلوا .. خير إن شاء الله إيه المشكلة؟

شبك حازم كفيه فوق سطح مكتبه ونظره موجهة نحو طه الذى وضع الملف الطبى فوق المكتب وقال بجدية يوضح حالة زوجته باختصار

:- الحجيجة المدام كانت بتعانى من مشاكل فى الإنچاب وخضعت للعلاچ لفترة لكن الدكتوراللى بتابع أمعاه أحبطها وجال أن الأمل ضعيف فتوقفت عن العلاچ

ألقى الطبيب نظره سريعة نحو وجه ياسمين منكسة الرأس بخجل وتوتر ثم عاد ينظر إلى طه الذى واصل حديثه وهو يخرج التحاليل ويقدمها نحو الطبيب واحد تلو الأخر، تناولها الطبيب يتفحصها بتمعن

:- ديه التحاليل الجديمة ... وديه تحاليل لسه طالعة اليوم

تناول حازم نظارته الطبية من فوق سطح المكتب ووضعها فوق أنفه يتسائل بجدية :- ومين اللى طلب التحاليل ديه؟ أنتوا بتابعوا مع دكتور تانى

نفى طه سريعاً موضحاً بسلاسة :- لاه .. أنا اللى طلبت التحاليل ديه .. جولت نبجى چاهزين لما نجابل سيادتك

تفحص الطبيب ورقة التحاليل ثم رفع نظره يواجه طه باستغراب فأسرع يوضح له وكفه فوق صدره :- أنا دكتور بيطرى .. يعنى بفهم شوية فى الموضوع

ابتسم الطبيب بمرح يمازحه ليفك جو التوتر المشع من ملامح ياسمين :- ده أنت هتنافسنا بقى يا دكتور

ضحك طه بمرح ومال يقبض على كف ياسمين الجالسة أمامة تعتصر كفيها، فك تشابك أصابعها المتوترة ونظر فى عينيها مطمئناً، تفحص الطبيب النتائج القديمة والحديثة ثم رفع عينيه يبدلها بينهما وقال بدهشة

:- فى فرق واضح فى نتايج التحاليل .. يظهر إن المدام كانت بتمر بمرض معين بتتناول فيه أدوية معينة أو كانت بتمر بضغط نفسى شديد فى التحاليل الأولى

ضغط طه على أصابعها فى راحته يمنحها الأمان والهدوء مجيباً بجدية يوارى الحديث عن زيجتها الأولى :- فعلاً كانت بتمر بضغط نفسى ... والحمدلله غمة وانزاحت ومش هتعاود تانى واصل

سلطت نظرها على ملامحه الجادة وهو ينفى عودة أى ضغط عليها ويؤكد على مؤازرته لها، تنفست بقوة وعينيها لا تفارق ملامحه تستقبل حنانه واحتوائه بقلب موجوع

لم يخرج صوتها حتى وجه لها الطبيب السؤال عن نوع الأدوية التى تلقتها فى السابق فأجابته سريعاً بخفوت

أشار الطبيب نحو غرفة الكشف بعد أن ضغط على زر استدعاء الممرضة قائلاً بعملية :- طيب هكشف على المدام الأول وبعدين نكمل كلامنا

نهض طه وأنهضها معه يرافقها نحو غرفة الكشف حيث يقبع جهاز السونار وتبعتهم الممرضة التى ساعدتها على الاستلقاء وأعدتها للكشف ثم استدعت الدكتور حازم

بعد توقيع الكشف الدقيق عليها فى وجود طه الذى رفض تركها بمفردها ووقف بجوارها ممسكاً بيدها وابتسامة رقيقة على وجهه تطمأن قلبها عادا للجلوس متقابلين من جديد أمام مكتب الطبيب بعد مغادرة الممرضة الغرفة

بدأ حازم فى الحديث بعملية وهو يعيد فحص نتائج التحاليل :- أنا شايف الوضع مبشر جداً .. كل الحكاية أن فى بعض النتوءات على عنق الرحم وده بيمنع مرور الحيوانات المنويَّة إلى قنوات فالوب .. المدام هتحتاج عملية كحت جراحى بسيطة

جذب دفتر الكشف أمامة وبدأ فى التدوين مواصلاً حديثه :- هحتاج شوية أشعة وتحاليل جديدة وبعدها نقدر نقرر نعمل العملية أمتى؟

قطب طه حاجبيه بتخوف عن طبيعة هذه النتواءات وهل هى نوع من الأورام أم ما كنهها، اندفع يقاطع إسهاب الطبيب فى الحديث بتخوف :- النتوءات ديه عبارة عن إيه .. فى خطورة يا دكتور؟

رفع حازم عينيه نحو طه وقد فهم مقصده وقال بمهنية :- ديه مجرد زوائد فى جدار الرحم .. واطمن بمجرد استأصلها هيتم تحليلها طبعاً .. لكن مادام مفيش أى أعراض بتعانى منها المدام فده مؤشر كويس جداً

قبل أن يواصل حديثه كانت ياسمين تقاطعه من جديد بلهفة بعد أن استوعبت حديثه :- يعنى هجدر أخلف يا دكتور؟

نظر لها بتعجب من يأسها الغريب فى هذا الأمر وهز رأسه قائلاً بتأكيد :- إن شاء الله .. كل شئ بأمر الله أحنا هنعالج الأسباب والباقى على ربنا

تنفست بتسارع واستوضحت أكثر منه بلهفة :- الدكتور كان جالى إنى مش هجدر أخلف واصل

أومأ متفهماً تخوفها ورفع أوراق التحاليل القديمة أمام عينيه مفسراً بعملية :- يمكن كان عنده حق وقتها لأن التحاليل السابقة بتاعة سيادتك بتقول كده .. كل الهرمونات تقريباً متلخبطة يعنى الأمل كان ضعيف جداً .. واضح أن حالتك النفسية كانت سيئة جداً وده أثر على جسمك وهرموناتك بشكل سلبى

قطع الحديث صوت طه الحازم وقد أصابته الغيرة لمجرد الحديث عن هذه الأيام وقال بعصبية :- خليص .. الله لا يعدها أيام

التفتت نحوه بحرج مقدرة غيرته كرجل من ذكر زوج سابق فى حياة زوجته، استكانت بهدوء فى مقعدها بينما سأل طه عن نوع العملية وكيفية إجرائها

:- العملية هتم باستخدام المنظار الرحمى ومش هتاخد وقت كبير أحب اطمنكم خالص لإنها عملية سهلة أوى

عاد يدون داخل دفتره أسماء بعض الأدوية إلى جانب التحاليل والأشعات المطلوبة ثم قطع الورقة وناولها لطه مؤكداً

:- المهم نعمل دلوقت الأشعة والتحاليل ديه يا دكتور طه وأشوفكم بمجرد ما تطلع ووقتها نحدد موعد العملية .. وخلال ده المدام هتمشى على الأدوية ديه

تناول طه الورقة يطالع ما فيها باهتمام ثم شكر الطبيب ومد كفه يقبض على كف زوجته التى اطمأن قلبها وأشرق وجهها بأمل قادم

************************

سحبت قدر كبير من الهواء محمل برائحة النيل وكفيها تتشبثان بسور الكورنيش المعدنى، تشعر إنها ولدت من جديد، عادت الحياة تسرى فى عروقها وهو السبب

استدارت بكامل جسدها واتكأت بظهرها إلى السور المعدنى تتأمله بضخامة جسده ونظارته الطبية المنزلقة على أنفة وهو قادم نحوها حاملا فى يده عصا رفيعة فى أعلاها حلوى غزل البنات على شكل زهرة متعددة الألوان وفى اليد الأخرى كوز ذرة مشوية

أرخت جفنيها مرة تلو الأخرى وكأنها تلتقط صور فوتوغرافية بعدسة كاميرا شديدة الدقة ترغب فى الاحتفاظ بهذه الصورة المبهجة داخل قلبها إلى الأبد

زوجها الحبيب ببشاشة وجهه الأسمر وابتسامته الواسعة وجسده الممتلئ يتقدم نحوها بسعادة طفل صغير يحمل لها الحلوى ابتهاجاً وفرحاً بعد أن اطمأنت قلوبهم من كلام الطبيب

تلون وجهها بألوان الحب والسعادة وهو يقدم نحوها الحلوى محنى الرأس قليلاً للأمام مردداً بشقاوة :- مولاتى .. أجمل زهرة لأحلى بنت فى عيون العبد لله

اتسعت ابتسامتها العاشقة ومدت يديها إلى نظارته الطبية تعيدها إلى مكانها الصحيح قبل أن تنزلق من فوق أنفه ويديه مشغولتان بحملهما ثم التقطت من يده الحلوى بسعادة وداخلها رغبة ملحمة لاحتضانه والنوم على صدره فى أمان ... هتفت بمرح وهى تتأمل حلوى غزل البنات الضخمة :- كل ده يا طه .. أكلها كيف ديه!!

أسند ظهره إلى السور بجوارها وقال بسلاسة :- كليه كيف ما بدك .. المهم تخلصيه وشوفي بدك في إيه وأنا أنفذه

قرب الذرة المشوى من فمها لتقضم بعض الحبات ثم رفع كوز الذرة المشوى إلى فمه يقضم منه بعض الحبيبات هاتفاً بتلذذ

الله شهد من شفايفك يا ريحة الياسمين :-

خجلت من غزله الصريح فأحنت رأسها حياء ثم تشاغلت بقطف قطعة من الحلوى القطنية لغزل البنات وقربتها من فمه فتناوله برضا ثم غمز لها بشقاوة :- شفايفك أحلى برضك

رمقته بعتاب خجل مرددة بحياء فطرى :- وبعدهالك يا طبيب الجلب

اتكأ بمرفقه على السور المعدنى يواجهها بكامل جسده قائلاً بحماس وصوت خفيض

:- الطبيب طاير من الفرح دلوك .. هملينى أغازلك كيف ما بدى يا ست البنات

اقتطفت قطعة حلوى ودستها في فمها وعينيها تتأمل ملامحه بعشق تبادله الفرحة وتعلن عن سعادتها :- وأنا كمان طايرة من الفرح يا طه .. والله كن روحى اترديت لى من تانى

أخفضت نظرها حياء وهمست بخجل :- من يوم ما اتچوزنا وأنا عرفت للدنيا طعم وجيمة ربنا ما يحرمنى منيك واصل

تسللت كفه لتضم كفها الصغير بنعومة يتبادلان النظرات العاشقة وبعد هنيهة هربت بعينيها منه تبلل شفتيها بحرج ثم قالت بترقب

:- طه .. أنا فرحانة جوى جوى وبدى .. بدى احكى لأمى وأفرحها أمعاى واطمن جلبها

حدق فى وجهها مفكراً لبرهة ولكنه حسم أمره سريعاً وقال بتعقل :- الحاچة أصيلة على راسى وأنا بحبها وبجدرها كتير .. لكن لو جولناها هنجول لأمى والكل هيعرف وأنا كان فكرى نستعين على قضاء حوائچنا بالكتمان

هزت رأسها متفهمة وبررت طلبها بهدوء :- فاهمة يا طه .. أنا جولت بس أمى تكون چارى في العملية

أمال رأسه معاتباً رغم أنه يشعر بخوفها وقال يزيل عن قلقها برصانة :- وأنا روحت فين .. أنا چارك ومش ههملك لحظة واحدة وما تجلجيش من العملية ديه واصل كل الحكاية نص ساعة وينتهى الموضوع

جذب كفها وأسندها إلى ساعده والتفتا لينظرا نحو مياه النيل المتلألئة تحت ضوء القمر مستطرداً بلين ورقة

:- خلينا نمر بالصعب سوا ونخلى الحلو والفرح لأهالينا .. بكفياهم حزن وخوف .. وليكى عليا هأچر لنا أوضة في أحلى فندج إهنا بتطل على النيل ونجضى فيها يومين لغاية ما ترتاحى خالص .. جولتى إيه يا ست البنات

لفت أصابعها حول ساعده، ترغب فى الالتحام به وعدم مفارقته أبداً وهمست له برقة وعينيها ترسل له ومضات الحب :- اللى تشوفه يا طبيب الجلب والروح

******************

أنت متوكد يا خوى من كلام سعيد ده .. هو مالوش أمان وممكن ياچى جصاد الخلج يصغرنا كلاتنا

أعتدل صلاح فى مقعده متحمس للإجابة على شقيقه الأكبر بعد أن زار سعيد فى منزله وجلس وتحدث معه فقال مؤكداً

:- متأكد يا عدلى ما تقلقش .. سعيد اتكسر من بعد فضيحة ابنه .. ده ما بقاش يخرج من البيت بسبب اللى حصل ... وأنا ووضحتله فكرة المشروع كلها وخيرته بين إنه يشترك معانا بنصيبه فى الأرض أو أننا نسيب نصيبه أرض خالية زى ما هى بشرط أنه ما يبعهاش ولا يتصرف فيها

أنصت عدلى للحديث وهو يتأمل حماس شقيقه الأصغر مردفاً

:- هو اقتنع بكلامى وخصوصاً لما فهمته أن الناس لما تعرف أنه مشارك معانا هتمدح فيه والخير اللى هيعم البلد هيغطى على الفضيحة اللى عملها حمدى ويرجع اسم العيلة من تانى .. وأنت عارف أخوك سعيد أهم حاجة عنده كلام الناس

هز عدلى رأسه ببطء مفكراً بشرود وصوته المهموم يوضح مدى حزنه

:- ربنا يهديه وترچع الميه لمچاريها .. مش هين عليا أن الأخوات يتفرجوا إكده لكن هو اللى اختار وطمع فى الزعامة وهى مش على مجاسه

زفر بعمق وعينيه تتجول فى الحديقة الوارفة حوله يتحدث بقلب مثقل بالمسئولية والشجن، عقله مضطرب حائر بين تقاليد وأعراف نشأ عليها وتحمل مسئولية الحفاظ عليها وترسيخها فى أبنائه وبين تفكيره الذى اختلف وتطور مع تغير الزمن وعلم وتفكير أبنائه اللذان ساهما معه فى الحفاظ على مكانة العائلة واسمها

ورغم ذلك تدق الحيرة عقله فى بعض الأحيان فيرغب فى التمسك بوصية والده الراحل كما وعده قبل وفاته ولكن عقله وقلبه الذى عرف الحق لا يطاوعه

حرك رأسه على غير هدى وصوته الرصين الخشن يعبر عن بعض ما يجيش فى صدره إلى شقيقه

:- كان ودى أحافظ على عهدى لأبوك واتمسك بوصيته رغم جسوتها .. لكن ما جدرتش أخفى على البت اليتيمة أمل أصلها وعيلتها أكتر من إكده وخصوصى بعد ظهور أخوها ... وإيه ذنبهم هما فى العذاب والفرجة اللى اتكتبت على أبوهم حسين البدرى

نظر نحو شقيقه بنظره تطلب المشورة دون كلمات مواصلاً حديثه :- ودلوك مشروع فاروج اللى بده يحول الأرض اللى أبوك وصى تفضل على حالها لمشروع كبير يچمع الناس كلاتها .. تفتكر بوك سيد السمرى هيكون راضى عنى؟

أصغى صلاح إلى الحديث بكل جوارحه فقد نشأ فوق هذه الأرض أيضاً واختار الفرار منها، الفرار من قسوة الأب وأحكامه الجاحدة، أمال رأسه قليلاً يحدق فى وجه شقيقه الأكبر الذى تحمل المسئولية منذ نعومة أظافره وبسببها تحمل الكثير من المعاناة مع والده

أخرج نفس طويل مكتوم داخل صدره وقال بنبرة هادئة متعقلة :- يهمك رضا أبوك ولا رضا ربنا!!

أصابت الكلمات قلب عدلى فشعر بانتفاضة فى صدره وردد مستسلماً :- لا إله إلا الله وحده لا شريك له

أرخى صلاح جفنيه وأومأ برأسه يكمل حديثه بنفس هدوءه ويفرغ ما بقلبه هو أيضاً :- أبوك الله يسامحه كان قاسى أوى يا عدلى فى كل أحكامه .. غلط كتير وأذى ناس كتير .. حتى أمل بنت أختنا اللى كانت طفلة لا حول لها ولا قوة اتأذت منه لما حرمها من أبوها وأهلها ومش هتكلم عن قمر الله يرحمها واللى حصل لها

شبك عدل كفيه فوق رأس عصاه منكس الرأس بأسى وهو ينصت لشقيقه الذى استطرد :- سيد السمرى وصيته فيها قطع رحم .. وتبوير للأرض .. أنت بتعمل الصح يا عدلى بتعدل أوضاع مغلوطة ... والحمدلله أن ربنا عالم بطيبة قلبك فرزقك بولدين شالوا عنك الحمل ونوروا بصيرتك

حول عدلى بصره نحو شقيقه بابتسامة خفيفة متفاخرة بأبنائه وصلاح يردف ممتدحاً شقيقه :- أنا مبسوط جداً لمرونة تفكيرك ومحاولتك إصلاح الأوضاع .. وهو ده اللى شجعنى أكتر إنى أرجع واستقر هنا ... رغم اشتياقى للرجوع من سنين بس كنت خايف أرجع والاقى نفس القسوة والجبروت لكن الحمدلله ربنا خلف ظنى

مال بجذعه ومد كفه يخبط على ساق شقيقه هاتفاً بحماس :- ومش كده وبس ... ده أنا هرجع اشتغل تانى ويبقى ليا لازمة ... يااه أنا افتكرت أنى خلاص هتركن على الرف

أطلق ضحكة مرحة عالية شاركه فيها عدلى الذى اندمج معه فقال مشاغباً :- رف مين يا راچل .. لساك شباب ما شاء الله ده أنا بفكر أچوزك ونفرح بك

رماه صلاح بنظره ماكرة ثم عاد يضحك من جديد، تهادت فهيمة وخلفها اثنين من مساعدات المنزل نحو الشقيقين، دلفت الفتيات المنزل بينما توقفت فهيمة أمام الرجال تبدل نظراتها بينهما بتعجب على ضحكاتهما التى تنطلق فى المكان وقالت وعينيها على زوجها

:- مچلس الرچال چاهز يا عدلى وأول ما يوصلوا هنزل المشاريب ووجت ما تؤمر هنحضر الوكل .. أمل فى المطبخ من بكير بتشرف على كل شى ولينا أمعاها وربنا يستر

كتم صلاح ضحكته على تهكم زوجة شقيقة الذى رفع رأسه يتأملها وهى تقف أمامه متشابكة الكفين وأساورها الذهبية تلمع تحت ضوء الشمس مع سلسال ذهبى كبير يتدلى على صدرها العارم وترتدى عباءة جديدة اشترتها لها أمل من المحافظة

ابتسم فى وجهها بخفة ففهيمة الجديدة تزداد حسناً وطاعة له، أسبل جفنيه بجاذبية مع إيماءة رأسه وهو يقول بصوته الرخيم :- تسلم يدك يا أم الرچال

تفحصت وجهه بنظره حانية وتحركت إلى الداخل وابتسامتها تتسع على ثغرها برضا وكأنه قام بمغازلتها، وكيف لا وقد أصبحا أكثر قرباً وهدوءاً بعد انقشاع الأسرار وتطهير النفوس فوجدا فى بعضهما نعم الونس والرفيق

لم يلتفت صلاح نحو فهيمة وهي تقف في مواجهة عدلى فهو لم ينسي الأصول والتقاليد ولكنه حين ابتعدت عنهم نظر نحو شقيقه قائلاً بتعجب

:- سبحان مغير الأحوال أنا مش مصدق أن أم أحمد اتغيرت كده مع أمل

تنهد عدلى وأسند ظهره لمسند مقعده مردداً :- ربك مقلب الجلوب .. وأمل كيف خايتك الله يرحمها تُمام .. كيف النسمة وجلبها أبيض بتحب كل الناس

أومأ صلاح مؤيداً بشدة فهذة الفتاة حقاً تحب الجميع وتعمل على راحة الكل

********************

خلال وقت قصير كان مجلس الرجال فى الحديقة يعج برجال العائلة يتبادلون الأحاديث الودية والاجتماعية حتى يكتمل جميع أفراد كبار العائلة

كان أخر الحضور سعيد وأبنائه دخل بهدوء يتكئ على عصا والده التى أصبح يحتاج إليها فعلياً بعد أن انكسر ظهره بفضيحة ولده، ألقى السلام بخفوت وجلس حيث وجد مقعد خالى وبجواره ولديه

لم يستطع أن يرفع عينيه في عيون الرجال كما كان يفعل ويتفاخر دائماً ولكن عينيه ظلت مسلطة على رأس عصا والده الفضية بانكسار

دار عدلى بعينيه فى وجوه الرجال منتصب الظهر مرفوع الرأس فى هيبة وبهاء، الجميع متواجد فى أول اجتماع لمجلس العائلة فى منزله من جديد بعد كل الكبوات التى مرت عليه وبرجاحة عقله وحسن تدبره طأطأ للريح حتى تمر ثم عاد إلى مكانة ومكانته بكل فخر واعتزاز

استهل حديثه بصوت هادئ رغم قوته مُرحباً بالحضور

:- أهلاً بكم چميعاً .. منورين دار السمرى الكبير بعد غياب مدة طويلة واتچمعنا على خير والحمد لله

رد خليل السمرى ابن عمه تحيته ثم قال بحمية :- الحمدلله أن الچميع بخير .. لكن اسم العيلة لسه مش بخير يا عدلى بعد فضايح ولد سعيد

أشاح حمدى بوجه بعيداً بتذمر وسعيد ظل على جلسته لا يواجه أحد ولا يرفع عينيه فى أحد أما عدلى فاستمع للحديث بجمود ثم أجاب بعملية

:- الحكاية ديه خلصنا منيها .. وحمدى خليص طلج الست وأخدت حجوجها

شارك أخر فى الحديث بشئ من العصبية والشدة :- لاه .. ما خلصتش طول ما سيرتنا على كل لسان فى البلد .. ديه چوزاته العرفى بجت سيرة ولا سيرة أبو زيد الهلالى

أكد رجل أخر من العائلة على حديث الأول :- صُح أحمد وفاروج خلصوا الحكاية ولموا الموضوع ... لكن محدش من الناس هينسى اللى حُصل طول ما حمدى جصاد عينيهم

تدخل أحد الرجال هاتفاً بغضب :- صُح ... أنا ولدى اترفض من عيلة الچيزاوى بسبب فضيحة حمدى

صاح عدلى فى الحضور بصوت جهورى :- اللى يرفض راچل من عيلة السمرى ما يستحقش نسبها ولا يستحج يكون فرد فيها

دار ببصره فى الجميع بنظره زاجره ألجمت الجميع يدافع ضمنياً عن شقيقه الذى رأى الإنكسار فى عينيه وهتف بحسم

:- كل عيله فيها الصالح والطالح ..على الأجل إحنا مشكلتنا هينة .. ضلع واحد أعوچ ومصيره يصلح ... والحمدلله أنه ما قربش من الحرام

رفع سعيد عينيه نحو شقيقه ممتناً يتنفس بقوة، يكاد يغشى عليه من خجله وإحراجه وسط الرجال

تحدث فرد أخر من العائلة موضحاً بهدوء :- صُح مقربش للحرام .. لكن ما فيش دار فى البلد إلا وبيتكلم علينا وعلى ولادنا وكيف أن رچالتنا بيستحلوا الحريم بالچواز العرفى .. الحل إيه يا كبيرنا؟

سلط خليل السمرى نظره على عدلى يدلى برأيه فى الحديث :- أنا من رأى إن حمدى يسيب البلد لفترة .. ويعيش فى مكان بعيد عنينا لغاية الناس ما تنسى فضايحه

قطب حمدى بين حاجبيه ولم يتحمل المزيد فاندفع بهياج يصيح فى وجوههم :- أخرچ من البلد ليه .. كنت كفرت ولا كفرت .. أنا اتچوزت على سنة الله ورسوله ما حُصلش حاچة يعنى لكل ديه

رماه أحمد بنظره غاضبه لكنه تحكم فى أعصابه وترك خليل يوبخه بغلظة :- اتچوزت البُنية غصب .. واتنكرت لولدك اللى من صلبك كنت رايد تعمل إيه تانى!!

أرخى سعيد جفنيه مستسلماً لهذا الأذلال الذى يشعر به بينما صاح عدلى فى وجه حمدى ينهر :- يتعلى صوتك وسط الرچال يا عويل .. بدل ما تندم وتتأسف على فعلتك

حمحم أحمد بخفة وتدخل فى الحديث برزانة قائلاً :- بعد اذنك يا أبوى .. رأى عمى خليل مناسب چداً .. حمدى يبعد شوى عن البلد ينزل المحافظة يعيش إهناك ويدير تچارة عمى سعيد الموچود إهناك

استنفر ناصر للحديث خشية على مجهوده وأمواله التى تعب فى تكوينها وقال بتردد :- يدير تچارة أبوى كيف .. ما أنتوا خابرين حمدى معندوش خبرة كبيرة

رمقه فاروق بعتاب فهذا ليس مجال الحديث وسط كافة أعضاء العائلة لذا قال بهدوء :- يتعلم .. يتعلم يا ناصر وأنت هتكون چاره وعينك عليه

زفر ناصر بحنق وجلس ينفث لهيب خوفاً على تجارته من تدخل شقيقه الأهوج، وليكتمل الهجوم على حمدى ويزيد من قهر سعيد أوضح البعض رغبتهم فى عودة العمل مع فاروق بعد أن فسخوا عقودهم معه من قبل

نظر عدلى نحو فاروق ينتظر رأيه فهو صاحب القرار فى هذا الشأن، شبك فاروق كفيه أمامه متكأ على مساند مقعده وفكر لبرهة ثم قال بقبول

:- مفيش مانع طبعاً .. لكن هيكون فى شرط چزائى يضمن حجى إلى چانب نسبة ربح من كل محصول أصدره ليكم

سرت همهمات جانبية فى المجلس ونظر بعضهم نحوعدلى يطلب تدخله فى الأمر، حرك عدلى عصاه المرتكز طرفها على الأرض ببطء وقال مجيباً على سؤال غير منطوق :- حجه يأمن نفسه .. لا يلدغ المؤمن من چحر مرتين

خضع الجميع للحديث ووافقوا على شروط فاروق لينتقل عدلى نحو نقطة جديدة للنقاش تخص أرض جابر أبو إسماعيل والمشروع القادم عليها

هتف أكبر الرجال عمراً والذى عاصر سيد السمرى نفسه مستهجناً :- كيف يا عدلى تبنوا على الأرض اللى بوك هملها بعد ما شربت دم خوك .. بوك وصى تفضل إكده على حالها عبرة وذكرى لخالد السمرى

تنفس عدلى بعمق والتفت نحو صلاح الذى يجلس عن يساره وكله حماس للبدء فى المشروع ثم حول عينيه يرمق الرجل بجدية وأجاب عليه باحترام نظراً لسنه ومكانته

:- الأرض ماتت فعلاً يا عمى .. بارت ومبجتش صالحة للزراعة والمشروع اللى هيتبنى عليها هيكون مصلحة عامة تخدم أهل البلد كلاتها ... أنا وأخواتى سعيد وصلاح متبرعين بالأرض وكل اللى يحب يشارك أهلاً وسهلاً وبكده ذكرى خوى خالد الله يرحمه هتفضل موچودة وخالدة بالخير

دار بعينيه فى وجوه الجميع المنصتين إليه بتركيز وقال بثقة يؤثر على ما يهمهم أكثر :- المشروع ديه هيرچع اسم العيلة من تانى فى البلد كلاتها وصلاح السمرى هيكون مشرف عليه .. جولتم إيه؟

ربت على كتف شقيقه المهندس صاحب الشهرة والخبرة العالمية وهمهمات استحسان تدور بين الحضور

*********************

تستند على ذراعى ندى وصفا بثقل حركتها البطيئة بطء السلحفاة، لا تكاد تتحرك من مكانها خلال الممر الفاصل بين جناحها الخاص وجناح صفا وجلال

أطلقت صرخة بغتة واحتضنت بطنها البارزة بألم، تميل بجسدها إلى الأمام تكاد روحها تزهق مع كل طلقة تضرب جسدها كأنها ستشقه نصفين

حاوطتها الفتيات وملامح الخوف تتجسد على وجوههن عاجزين عن مساعدتها وهى تتألم وسطهم، صعدت أصيلة الدرج بصعوبة بالغة على ساقيها الضعيفتين ووقفت تلتقط أنفاسها بصعوبة لبرهة ثم أسرعت تضم رأس شمس تقبل رأسها وتمسح عليها بحنان ودفء تطمأنها بهدوء لتشد آزرها وتقوى عزيمتها

:- ربنا يجويك يا بنيتى .. خليكى مع الله وأدعى من جلبك يا بنيتى ربنا يرزجك ساعة سهلة يا رب .. تعالى أجعدى يا بنيتى واجفة إكده ليه

حاولت أن تسندها وهى تجذبها برفق نحو أقرب مقعد والفتيات حولها يدعموها بدورهم جميعاً حتى جلست على أقرب مقعد تنهج بصوت مسموع، احتضنت أصيلة رأسها تمسح على جبينها وشعرها ثم رفعت رأسها نحو ندى تتسائل

:- فينه يوسف ولا چلال الطلج بيزيد ولازمن تتنجل للمشتشفى دلوك

حدقت ندى فى وجه شمس بتخوف وقالت :- يوسف فى الطريق وجلال فى المزرعة

هدأت شمس قليلاً ورأسها مستريحة على صدر أصيلة وقالت بنهيج

:- تعبانة أوى يا عمة .. روحى بتطلع من جسمى

:- اطمنى يا بنيتى .. كل ده طبيعى وجدامك وجت كمان ما تخفيش

عادت صفا التى اختفت فى الداخل ثم عادت بمنشفة مبللة بالماء ومسحت على وجه شمس برقة رأفة بها وقالت ناصحة

:- اشغلى حالك بالقرآن والذكر يا شمس .. دعاكى مستچاب دلوك أدعى لنفسك ولولدك يا خايتى

هتفت ندى بشقاوة تشاغب شمس وتلهيها عن ألمها :- وأدعيلنا أحنا كمان يا شمس .. أنجح بتقدير وأبقى معيدة يا رب

رفعت عينيها المرهقتين نحوها وحاولت الابتسام لها ثم قالت بأنفاس هاربة :- ربنا ما يحرمنى منكم ويرزق كل واحد بأحسن ما يتمنى

آمن الجميع خلفها وأصيلة تمسد على ظهرها برفق ثم هتفت فيهم :- هملوها دلوك يا بنات .. هاتى شنطة الولادة من الأوضة يا ندى وحاچة تحطها على شعرها

أضافت شمس وقد ذهب الألم قليلاً :- وكلمى فرح يا ندى .. خليها تقول لبابا وحسام

هتفت ندى وهى تسرع تنفذ أوامر عمتها :- كلمتها يا حبيبتي وهيسبقونا على المستشفى وينتظرونا هناك

ظهر يوسف فجأة أمامهم صاعداً الدرج بسرعة البرق وجلس على ركبتيه أمام زوجته يضم رأسها بتخوف، ينظر فى عينيها يطمأن قلبه عليها وقال يساعدها

:- أنت كويسة يا حبيبتي .. اتنفسي زى ما اتدربنا كل حاجة هتبقى تمام .. أنا كلمت الدكتورة ومنتظره فى المستشفى

أراحت رأسها على كتفه باكية وقالت بأنفاس متقطعة :- هموت يا يوسف .. هموت من الوجع مش قادرة خالص

مسد على رأسها وهمس فى أذنها يطمأنها بينما أسرعت صفا بوضع وشاح على رأس شمس بارتخاء ووقفت ندى حاملة الحقيبة المعدة لملابس الأطفال ووالدتهم

نهض يوسف يحاول أن يحملها بين ذراعيه حين فاجأتها نوبة ألم جديدة فصرخت في وجهه بألم وتشبثت بملابسه بقوة وهو يضمها إلى صدره يحاول أن يهدئها و لكنها انقضت على كتفه تعضه بقوة ثم رفعت رأسها فى وجهه صارخة برفض

:- أنا مش هولد تانى .. ديه أخر مرة يا يوسف فاهم .. أخر مرة أوعى تقرب منى تانى ولا تلمسنى .. أنت فاهم

تعالت القهقهات من حولهم بينما كتم ضحكته وهز رأسه يجاريها مؤيداً :- طبعاً طبعاً يا حبيبتى اللى أنتِ عاوزاه ... مش هلمسك تانى أبداً

تحمل ضربها وعضها أثناء موجة الألم التى تعتريها حتى هدأت قليلاً ثم رفعها بين ذراعيه باحتواء وهبط بها الدرج ببطء شديد، سبقته ندى وصفا إلى الأسفل أما أصيلة فتبعتهم على مهل

مدت شمس يدها نحو أصيلة راجية :- مش هتيجى معايا يا ماما أصيلة

لأول مرة تنطق شمس يتيمة الأم بما تشعر به نحو هذه السيدة الحنون، قبضت أصيلة على كفها وهى تهبط خلفهم ببطء وأكدت عليها :- هحصلك مع چلال .. وجلبى أمعاكى وبيدعيلك يا بتى ربنا يجومك بالسلامة وتفرحى بولادك

عندما وصلوا إلى أسفل الدرج ربتت أصيلة على كتف يوسف توصيه بها :- ير بالك عليها يا يوسف ربنا يطمنا عليها جادر يا كريم

أسرع يوسف إلى الخارج وجد ندى وصفا بجوار السيارة وقد فتحوا بابها الخلفى، دلفت صفا أولاً ثم وضع شمس بجوارها أما ندى فجلست بجواره وأنطلق مسرعاً فى الطرقات

عينيه تحيد عن الطريق من وقت للأخر نحو زوجته، يمد كفه إلى الخلف يقبض على كفها ويتنفس معها كما تدربا سوياً حتى وصل إلى المستشفى

هبط من السيارة ودار حولها ليحمل زوجته وفى ثوانى كان سرير متحرك يندفع بجواره استقرت فوقه شمس وقام الممرض بدفعه للداخل مع ممرضة يتبعهم يوسف والبنات

دلفوا إلى غرفة جانبية ودقائق وحضرت الطبيبة المتابعة لحاله شمس ومعها لينا التى دلفت تطمأن يوسف وتسحبه بعيداً حتى توقع الطبيبة الكشف على شمس قائلة

:- اطمن يا أستاذ يوسف ... أمل كلمتنى وأنا هكون مع شمس فى العملية .. اطمن

مسح يوسف على جبينه بتوتر وظهره نحو شمس، تدمرت أعصابه وارتبكت مع صراخ زوجته وألمها .. شكر لينا بقلق واضح ثم قال برجاء :- أرجوكِ خلى بالك منها يا دكتورة .. هى أعصابها ضعيفة ومتوترة أوى وخايفة

تفحصت لينا وجهه الممتقع ثم نظرت نحو شمس التى تصرخ من الألم وقالت تهدئه :- اطمن حضرتك وأهدى شوية .. المفروض أنت اللى تهديها وتطمنها

تركته وألقت التحية على ندي وصفا الواقفتان جانباً ثم أسرعت بجوار الطبيبة ليتبادلا بعض المصطلحات الطبية بعد أن أجرت الكشف علي شمس ثم التفتت الطبيبة نحو الممرضة تطلب منها سريعاً :- جهزى مدام شمس لغرفة العمليات .. هتولد فوراً

*******************

Continue Reading

You'll Also Like

16K 417 6
المقدمة ظنوا أن الحياة قد سنت لهم و لم يعد هناك اي شئ يعوقهم و ان حياتهم الان اصبحت سعيدة و خالية من الأخطار و لكن ماذا سيحدث عندما يظهر لهم فجأة شخص...
1.4M 128K 37
في وسط دهليز معتم يولد شخصًا قاتم قوي جبارً بارد يوجد بداخل قلبهُ شرارةًُ مُنيرة هل ستصبح الشرارة نارًا تحرق الجميع أم ستبرد وتنطفئ ماذا لو تلون الأ...
60K 2K 19
العمر ليس كله ربيعاً تتناوب عليه فصول السنة الأربعة فتلفحك حرارة الخيبات وتتجمد في صقيع الوحدة وتتساقط أحلامك اليابسة لكن حياتك ستزهر مجدداً لكن ب...
536K 13.2K 39
المقدمه 💜 سأمت من ذلك السجن الكبير الذي اضع فيه نفسي سأمت من سجن حبك سأمت منك سأمت من كلماتك المكرره وتأوهاتك المزعجة ساخرج الى عالمي ولكن كيف...