التقينا فأشرق الفؤاد بقلم / إ...

By SamaSafia

88.5K 2.3K 90

رواية تدور أحداثها في الصعيد وما يحتويه من عادات وتقاليد تربط بين العائلات من خلال يوسف الذى تجره الأحداث للع... More

الفصل الأول
الفصل الثانى
الفصل الثالث
الفصل الرابع
الفصل الخامس
الفصل السادس
الفصل السابع
الفصل الثامن
الفصل التاسع
الفصل العاشر
الفصل الحادى عشر
الفصل الثانى عشر
الفصل الثالث عشر
الفصل الخامس عشر
الفصل السادس عشر
الفصل السابع عشر
الفصل الثامن عشر
الفصل التاسع عشر
الفصل العشرون
الفصل الحادى والعشرون
الفصل الثانى والعشرون
الفصل الثالث والعشرين
الفصل الرابع والعشرين
الفصل الخامس والعشرين
الفصل السادس والعشرين
الفصل السابع والعشرين
الفصل الثامن والعشرين
الفصل التاسع والعشرين
الفصل الثلاثون
الفصل الواحد والثلاثون
الفصل الثانى والثلاثون
الفصل الثالث والثلاثون
الفصل الرابع والثلاثون
الفصل الخامس والثلاثون
الفصل السادس والثلاثون
الفصل السابع والثلاثون
الفصل الثامن والثلاثون
الفصل التاسع والثلاثون
الفصل الأربعون
الفصل الواحد والأربعون
الفصل الثانى والأربعون
الفصل الثالث والأربعون
الفصل الرابع والأربعون
الفصل الخامس والأربعون
الفصل السادس والأربعون
الفصل السابع والأربعون
الفصل الثامن والأربعون
الفصل التاسع والأربعون
الفصل الخمسون
الفصل الواحد والخمسون
الفصل الثانى والخمسون
الفصل الثالث والخمسون
الفصل الرابع والخمسون
الفصــل الأخيــر
الخـاتمــــة

الفصل الرابع عشر

1.3K 42 0
By SamaSafia

ما أجمل البدايات التى تنشر الأمل والتفاؤل فى النفوس، خاصة حين تكون البداية قوية وراسخة على أرض صلبة، يدعمها الإخاء والحماية والعلم

تحرك سليم برأس مرفوع يزينه عمامته البيضاء الناصعة وعباءته الصوفية بنية اللون فوق أكتافه، يتكئ على عصاه الأبنوسية بين الشباب الأربعة المتحلقين حوله، يتطلع يمنة ويسره بفخر واعتزاز فى أرجاء المزرعة التى بدأت اليوم عملها بشكل رسمى

العمال ينتشرون فى كل مكان كخلية نحل دؤوبة تحت إشراف الشباب، يرتدى كل منهم زى رسمى مناسب للعمل

ابتسامة عريضة شقت ثغر سليم فخراً وسعادة بهذا الإنجاز الكبير وتوقف يمرر نظراته الفخورة على الشباب المتحلقين حوله، يقومون بالشرح والتوضيح كل صغيرة وكبيرة بحماس وزهو، أومأ سليم برضا... وقال بافتخار

:- اللهم بارك ... والله الواحد فخور بكم يا رچالة ... المزرعة ماشاء الله حاچة تفرح

ابتسم حسام بخفة وأشار نحو شركائه الثلاثة قائلاً بود

:- البركة فى الاتحاد يا حاچ سليم ... كل واحد خابر بيعمل إيه فى مچاله وبيلچأ للشورى فى أى حاچة مش خابرها

ربت يوسف على كتف حسام وقال يتباهى بصهره

:- والله ياحاج سليم البركة فى حضرتك وفى وقفة حسام معانا ... لولا الشراكة ديه كنا هنتأخر كتير فى التنفيذ

هز سليم رأسه بارتياح يحمد الله على توطيد العلاقة بين ابنه وصهره فهذا كان غرضه من البداية حين فكر فى هذه الشراكة ... قال سليم برصانة

:- البركة فى شبابكم وعلامكم يا يوسف

نظر سليم نحو المزروعات التى شبت فوق الأرض ووجه حديثه لجلال

:- فكرة مليحة يا چلال .... إنك تزرع اللى يوفر العلف للبهايم

انتبه جلال للحديث وقال موضحاً

:- أحنا بنحاول نعمل تكامل فى كل المراحل داخل المزرعة ... وده هيوفر لنا وقت وفلوس كتير

أومأ سليم بموافقة ثم ناظر طه الذى يقف على بعد خطوات على استحياء ... فقال يبثه الثقة

:- أنا مطمن جوى ... وربنا يوفجكم إن شاء الله ... والبركة فى الدكتور طه هو الأساس فى كل الشغل إهنا ... ولا إيه يادكتور؟

اقترب طه خطوة ودفع نظارته الطبية فوق أنفه يقول بتأكيد

:- أومال يا حاچ ... المزرعة كلاتها فى عينيا ... وإن شاء الله هتكبر أكتر وأكتر ببركة دعائك

أومأ سليم بخفة بامتنان على مجاملة طه وابتسم بهدوء مؤكداً

:- البركة فيك يادكتور ... ده أنت صيتك مسمع فى الچيهة كلاتها ومكسب فى أى مكان تشتغل فيه ... ما بالك بجى مشروعك ويا أخواتك

ابتسم طه بخجل رجولى فخراً بمدح سليم له، زفر سليم بقوة يتوقع أى شئ وكل شئ فى ظل أمور الثأر العالقة ... أردف متمتماً

:- ربنا يحافظ عليكم وعلى رزجكم ياولاد

أكملوا الجولة داخل المزرعة يتبادلون الأحاديث بينهم فى جو من التفاهم ثم جلسوا فى الهواء يضيفون الحاج سليم الذى سأل صهره

:- ميتى هتسافر يا يوسف؟

أجابه بتلقائية :- بكره الصبح إن شاء الله يا حاج

هز سليم رأسه بخفة وأكمل تسائله :- هتغيب كام يوم؟

:- يومين ثلاثة بالكتير ... مش أكتر

شبك سليم أصابعه وقال بهدوء يرفع الحرج عن يوسف إذا رغب فى الاستقرار بالعاصمة

:- وهتفضل تتنقل إكده كتير ... ظبط حالك واستجر على الشغل اللى رايده أكتر ومراتك معاك إهنا ولا إهناك ده واچب الزوچة

أراح يوسف ظهره لظهر مقعده وقال بهدوء

:- والله أنا فى حيرة ياحاج ... مشروع القاهرة حلمى مع أصدقائى وتعبنا كتير عشان ننفذه وهنا أهلى وناسى والمشروع ده اللى بردوا تعبنا فيه كتير ... هحاول أوفق على قد ما أقدر فى الوقت الحالى وربنا يعمل الخير

أومأ سليم متفهماً بينما حوار أخر يدور بين حسام وجلال

:- هتبدأ الحصاد ميتى يا چلال

:- بكرة أو بعده بالكتير .. أنا خلاص أستأجرت الشغيلة اللى محتاجهم وكل حاجة جاهزة

التفت نحو طه يردف :- والبركة فى الدكتور بقى يهتم بالمزرعة فى غيابنا

استكمل حسام الحديث :- صُح الحمل كله هيبجى عليك يا دكتور طه ... كلنا مشغولين الفترة الچاية فى الحصاد

رفع طه كفيه أمامه يتصنع الخوف قائلاً بمرح

:- أيوه ... أهربوا كلاتكم وسبونى لحالى مع البهايم

ضحك الجميع على كلامه وقال يوسف يناغشه

:- أنت قدها يادكتور ... وبعدين البهايم بتسمع كلامك أنت

تعالت ضحكات الجميع فقال سليم الذى يضحك على مشاكستهم بخفوت ورزانة

:- اللى يصلح حالكم ويديم الود بيناتكم (نظر لبعيد مغمغماً) ويبعد عنا الشرور

********************

فى مزرعة السمرى كان أبناء فاروق يهللون ويصيحون من فوق العوارض الخشبية المحيطة بساحة تدريب الخيول، يشجعون والدهم الذى يدور فوق صهوة جواد بلون الشيكولاتة الداكنة بمهارة يُحسد عليها، يُسرع بالفرس تارة ويتهادى أخرى ويقفز فوق الحواجز مرات ... قبل أن يجذب اللجام بقوة، فرفع الفرس قوائمه الأمامية يحركها فى الهواء ثم هبط أرضاً على أربع والأطفال يواصلون التصفيق وإطلاق الصافرات لتحية والدهم

دار فاروق مرة أخرى فى الساحة وأولى ظهره بالفرس نحو الأطفال ثم جذب اللجام بطريقة معينة فبدأ الفرس فى أثاره الغبار بقوائمه الخلفية نحو أبناءه وهو يضحك بمشاكسة

قهقه أحمد مرحاً على مشاكسة شقيقه الأصغر وأقترب بجوار ياسين وفارس الذين بدءوا نفض الأتربة التى لحقت بملابسهم بتذمر

رمق شقيقه بيأس وصاح به وهو يتهادى فوق الفرس بخيلاء يقترب نحوهم بهدوء

:- هتفضل طول عمرك مشاغب يا فاروج ... العيال اتبهدلت من التراب

ابتسم فاروج بشقاوة وقال بعفوية

:- اللى رايد يتعلم لازمن يتعب ... مش يجعدوا يتفرچوا ويهللوا على الفاضى

سعل ياسين ونظر لوالده يقول بطاعة

:- ما أحنا چايين نتعلم أهوه يابوى

خبط فارس فوق ملابسه يزيل الأتربة وقال بامتعاض

:- وهو لازمن نتبهدل يعنى ... أنا بعرف أركب الحصان مليح ومش محتاچ علام

خبط أحمد على رأس الصبى بخفة من الخلف وقال مقارعاً

:- ورينا الشطارة يا فارس بيه

ترجل فاروق من فوق الجواد وتركه لمحروس قائلاً

:- هات فرس هادى يامحروس ... أما نشوف الغلباوى ده هيعمل إيه!

أومأ محروس بطاعة وتحرك يسحب الحصان فى يده إلى داخل الإسطبل بينما وقف فاروق أمام أبناءه وقال يتهكم على ولده الصغير بجملة فارس الشهيرة

:- ورينا الشطارة يافارس يلا من غير فرس

تهللت أسارير الصبى حين لمح محروس عائداً بفرس يميل للون الرمادى، صغير فى الحجم نسبياً وهتف بحماس

:- صُح يابوى ... هتشوف دلوك ليه اسمى فارس

قهقه فاروق وأحمد على كلمات الصغير المتفاخرة، قفز فارس من فوق العوارض أرضاً وهرع نحو محروس الذى حمله ووضعه فوق الفرس وهو يعطيه بعض الإرشادات فى كيفية الجلوس على ظهر الفرس وكيفية التوجيه بواسطة اللجام

وقف فاروق من داخل الساحة وأحمد فى الخارج وبينهما ياسين يجلس فوق العوارض الخشبية يتابع بتركيز وهدوء

بعد دقائق قليلة تحرك الفرس حاملاً فارس، يتهادى به ببطء ومحروس فى منتصف الساحة يمسك باللجام ويوجه ليتحرك فى دائرة واسعة مع ملاحظة فارس بدقة وأعطائه تعليمات من وقت لأخر

بعد فترة قصيرة أعطى فاروق اشارة لمحروس بترك لجام الفرس ليتيح لفارس فرصة التوجيه بنفسه

ترك محروس اللجام وابتعد بجانب العوارض، استمر الفرس على خطواته البطيئة فى الساحة وفارس يجلس فوقه مستقيم الظهر واللجام فى كفيه الصغيرين ينظر بخيلاء نحو شقيقه الكبير وهتف بتفاخر

:- شايفين كيف أنا فارس

تبادل أحمد وفاروق نظره غامضة أثارت ابتسامة كلاً منهما، فى غمره حماسه لكز فارس جانب الفرس بدون قصد ... دفعت الفرس ليهب راكضاً بسرعة وفارس يصيح من فوقه بخوف

أسرع محروس يعترض طريق الفرس ليوقفه بينما هرع فاروق بقلب أب ينتفض خوفاً على صغيره، وفى ثوانى كان بجانب الفرس يتلقف ابنه بين ذراعيه قبل أن يرتطم بالأرض

ضم فاروق طفله بين أضلعه بقوه حتى أطمئن على سلامته ثم أنزله أرضاً يقف على قدميه وأحاط رأسه بكفيه ينظر فى مقلتيه بجزع وسأله باهتمام
:- أنت مليح ... حاسس بحاچة

كان ياسين وصل بقلب واجف بجوار شقيقه يضع كفه على كتف فارس يطمئن عليه وسأله بتخوف
:- فارس چرالك حاچة

هز فارس رأسه نفياً بحرج ونكس رأسه يدارى مقلتيه الدامعة، شد فاروق قامته وحدج فارس بنظره تأنيب ونصحه قائلاً بلهجة جادة

:- العلام مش بالدراع ولا طج حنك يا فارس ... العلام له أصول ... أى حاچة رايد تتعلمها ... تتعلم بالأصول والهداوة واحدة واحدة ... لاچل ما تفهم وتستوعب .... وجتها بس تجدر تنچح وتبجى فارس صُح ياسى فارس

هز فارس رأسه المنكس أرضاً بطاعة، حول فاروق نظره نحو ياسين مضيفاً بلين :- والحديت لك أنت كمان يا ياسين

أومأ ياسين قائلاً بتعقل :- فاهم يابوى ... وهتعلم من البداية كيف ما جلت لى

مسح فاروق بكفيه فوق رؤوس أولاده وغمغم :- ربنا يبارك فيكم

نادى على محروس ليقترب ثم ألقى أوامره

:- محروس ... خد الولاد أمعاك وفهمهم كيف بتعتنى بالخيل وكيف بياكلوا ...علمهم كل شئ من الأول خالص ... وكل چمعة هيچيوا معاى ياخدوا على الخيل ويرعوهم بنفسهم

تبادل الولدان نظرات صامتة بينهما التقطها والدهم مباشرة وفهم مغزاها فأردف قائلاً

:- وبعد مايخلصوا ... كل واحد منهم يدرب نص ساعة على ركوب الخيل وأنت معاهم ... متسيبش اللچام من يدك لغاية ما يتعلموا صُح ويتمكنوا من الفرس

انشرحت ملامح الأولاد لحديث والدهم واتسعت البسمة على وجوههم بينما هتف محروس بطاعة

:- أمرك يا فاروج بيه دول فى عينيا (أشار نحو الأولاد) يلا يا ولاد تعالوا معايا

تحرك محروس مع الأولاد لداخل الإسطبل وهو يتكلم شارحاً لهم كل كبيرة وصغيرة فى الطريق للداخل

عاد فاروق نحو شقيقه الذى يقف يتابع مايحدث وما أن أقترب من شقيقه الأكبر حتى قال أحمد مشاكساً

:- فارس بيفكرنى بصبى صغير كان دايماً لازج فى ديلى فين ما بروح ... ومصمم أنه فارس شديد وهو عمره ماركب فرس

رمق فاروق الذى يضحك بخفوت بنظره مرحة مضيفاً

:- لحد ما فى يوم راح ركب الفرس من دماغه وعمل فيها أبو زيد الهلالى وكانت النتيچة أنه وجع على الأرض ودراعه أتكسر

انطلقت قهقهات فاروق عالياً بمرح وأحمد يردف

:- من شابه أباه فما ظلم

واجه فاروق شقيقه يرمقه بحب وقال مؤيداً

:- عندك حج والله ياخوى ... فارس بيفكرنى بنفسى كتير أما ياسين بجى فطالع لعمه .... هادى ورزين

ربت أحمد على كتفه بود وقال

:- ربنا يبارك فيهم ... تعالى بجى نشرب شوية شاى تعدل الدماغ

تحرك فاروق ليغادر ساحة التدريب وأحمد يسأله بتشكك

:- ألا جولى يا فاروج ... فين حمدى الأيام ديه ... مختفى بجاله كام يوم ... مش ناجصين مصايبه خصوصى بعد افتتاح مزرعة البدرى والعزازى

جاور فاروق شقيقه وتوجهوه نحو ركن المجلس قائلاً

:- هو جال أنه مسافر يومين ... عنديه شغل بره البلد ... وأنا حذرته من غضب أبوى المرة ديه لو ناوى يعمل حاچة چديدة

حدجه أحمد بنظره استهجان قائلاً بسخرية

:- شغل... ولا چوازه چديدة

حدجه فاروق بنظره يائسة ثم لوى فمه بامتعاض قائلاً

:- مش بعيد ما أنت خابره زين

******************

فى شقة صغيرة تبعد بعض الكيلومترات عن القرية، فى مقر المحافظة جلست شموع على أرضية الحمام الباردة بعد أن أخرجت مافى معدتها من محتويات تقززاً وقهراً من ظلام حياتها الذى أطبق على روحها المعذبة

فى غضون أيام تحولت من حرة، قوية، شامخة لجارية رخيصة للمتعة فقط، كيف تبدل بها الحال، وكيف سقطت لهذا المصير!!

ضمت ساقيها لصدرها وأراحت جبينها المتعرق فوق ركبتيها تستعيد ذكريات أسوأ يوم بحياتها

********************

فى اليوم التالى بعد مواجهتها مع حجازى بالأمس قررت اللجوء لأحمد السمرى ومن خير منه يستطيع حمايتها من شر ابن عمه، فهو رجل قوى وعادل ولن يقبل بالظلم

تسللت من باب المزرعة فى غفلة من حارس البوابة الذى انشغل فى صنع قدح من الشاى داخل غرفته وتوغلت داخل المزرعة تتلفت حولها باحثة عن أملها فى الخلاص حتى لمحته من بعيد

يقف بكل هيبته وشموخه بكتفيه العريضين وعمامته البيضاء، مرفوع الرأس يلقى بأوامره نحو بعض العمال فى المزرعة مولياً ظهره نحوها

جذبت وشاح رأسها الأسود تخفى به جانب وجهها واقتربت على استحياء تمشى بمحاذاة الأشجار وتتخفى خلفها تنتظر اللحظة المناسبة لتظهر وتشكو له وجيعتها

كلما تقدمت نحوه تتضح أمامها الصورة كاملة أكثر وأكثر، لمحت بطرف عينيها من هذه الزواية شخص أخر يجلس فى مجلس الرجال تأملت أن يكون فاروق

صرف أحمد بعض العاملين واستدار بجانبه يتحدث مع عمال أخرين، توقفت تتأمل جانب وجهه ذو الملامح السمراء الجادة

ابتسمت بحنان وأشرق الأمل بفؤادها فلن يخذلها أحمد السمرى أبداً

ابتلعت ريقها وهمت بالخروج من مخبئها خلف الأشجار نحوه ليظهر أمامها كامل مجلس الرجال وتتضح شخصية الشخص الجالس هناك يرمقها بنظرات وحشية

تعالى صوت أحمد قائلاً بوقار

:- لامؤاخذة ياحمدى ... هشوف الرچالة محتاچة إيه وأرچعلك

ثم تحرك مع الرجال لقلب المزرعة غير واعى للفتاة التى تقف خلف ظهره على بعد أمتار قليلة جاحظة العينين، فزعة الحواس وكأنها ترى الشيطان متجسد أمامها وعينيه مسلطة عليها يُرهبها بنظراته رغم نبرة صوته التى خرجت عادية وهو يتحدث إلى ابن عمه

:- اتفضل يا ابن عمى ... براحتك على الأخر

ما أن تحرك أحمد مع رجال المزرعة حتى تقدم حمدى بخطوات واسعة طوت المسافة البسيطة بينهما فى عدة خطوات وقبض على ذراع شموع يدفعها لتتوارى بين الأشجار ... وقال جازاً على نواجذه

:- بتعملى إيه إهنا يابت ... چاية تستنچدى بأحمد ... محدش هيخلصك من يدى واصل ولو كان مين

هز جسدها بوحشية بين ذراعيه وهو يلقى كلماته بينما هى تقف ساهمة عاجزة عن الرد ... أستطرد مهدداً

:- أفتحى خشمك ده بحرف واحد ... وأمك هتبات فى التخشبية الليلة ... ومش إكده وبس أنا هوصى عليها كمان يكرموها أخر كرم

دفعها بقسوة لترتطم بجذع الشجرة خلفها ومازالت على جمودها رغم العبرات اليائسة التى غالبتها وانسابت على وجنتيها وهو يواصل بخ نيرانه فى وجهها

:- أختارى ... الليلة تكونى فى دارى ... ولا أمك تكون فـ....

قطع جملته بنظرة متوعدة خلعت قلبها على والدتها فاستدارت هاربة من أمام وجهه الشيطانى تجر أذيال الخيبة والهوان

وفى نفس الليلة كانت تُساق برفقه حجازى ووالدتها إلى تلك الشقة الصغيرة بالمحافظة مقر إعدامها وسلب روحها

وأمام عينيها الفاقدة للحياة قبض حجازى ثمن بيعها ورحل مع والدتها ضعيفة الشخصية، قليلة الحيلة وتركوها مع جلادها

حينها سحبها حمدى بقسوة إلى داخل غرفة الإعدام المسماة بغرفة النوم، فتح الخزانة وأخرج قميص نوم قصير شفاف ... واحد من العديد غيره داخل الخزانة وقال آمراً

:- كفياكِ بكا يابت ديه ليلة فرح (قذف الرداء فى وجهها آمراً) البسى الجميص ديه

تناولت القميص الذى قذفه نحوها تقلبه بين يديها بازدراء متسائلة باشمئزاز

:- بتاع مين الجميص ديه

قهقه عالياً بمجون وقال بوقاحة

:- وإيه خصك أنتِ ... أنتِ تنفذى وبس

أشار لمحتويات الغرفة بما فيهم هى قائلاً بغرور متبجح

:- كل حاچة هنا تخصنى ... بتاعتى أعمل فيها كيف ما أنا رايد

تحرك نحو مجرور بجانب الفراش، فتحه وأخرج علبة دواء تناول قرص منها فى كفه ثم قدمه نحو شموع

:- خدى الجرص ده

نظرت لقرص الدواء فى كفه ثم نظرت نحوه تتسائل بخوف

:- إيه ديه؟؟

قهقه بنرجسية وقال بتبجح ذكورى

:- ماتخفيش مش محتاچ أخدرك ... أنتِ بجيتى مرتى خليص ... ديه جرص منع الحمل

ضيق مقلتيه يناظرها بخبث قائلاً :- ولا أنتِ رايدة تچيبى عيال من راچل بتكرهيه

جحظت مقلتيها باشتعال وصرخت بكل غضبها وحنقها فى وجهه، تنفث عن بعض نيرانها المتأججة

:- ولما أنت خابر إنى بكرهك ... ليه بتچرى ورايا وتلوى دراعى لاچل ما وافج وأتچوزك ... هملنى لحالى يا أخى لوچه الله .. شوفلك واحدة تكون رايداك ولا أرچع لمراتك وعيالك

غرز أصابعه بخشونة فى ذراعها، يكاد يقتلعها من جسدها قائلاً بفحيح أفعى لاتعرف الحب أو الشفقة

:- محدش يجول لحمدى السمرى لاه ... واللى يجول يتجطع لسانه ورجبته كمان

دفعها لتسقط خلفها على الفراش وجرى بنظراته الشرهة المقززة على جسدها البض يواصل فحيحه

:- واللى يريده حمدى بيه السمرى ينوله ... واللى أجوله يتنفذ من غير ما أسمع حسك وأمك الجهوجية لسه رجبتها فى يدى أسچنها وجت ما أحب

ضحك ضحكة شيطانية أصابت جسدها بالقشعريرة والنفور وهو ينقض عليها يمزق ملابسها بأنفاس شرهة وعقل مغيب غير آبهة بصراخها ومقاومتها الشرسة له

*******************

تعالت شهقاتها المعذبة، تنتحب على شبابها الضائع وحياتها المسلوبة .. مازالت تظن إنها فى كابوس وتنتظر أن تصحو منه لتجد نفسها ببيت والدها

هل يمكن أن يسمى هذا زواج وجسدها ينتهك كل ليلة غصباً بوحشية

هل يمكن أن يسمى هذا زواج وهى تعامل كجارية، تعيش وتلبس وتأكل ما يشتهيه هو فقط

هل يمكن أن يسمى هذا زواج وهى تعيش بجسد منتهك منزوع الروح

طرقات عنيفة على الباب انتشلتها من سيل الذكريات المؤلمة، وتفكيرها المعذب للنفس

نهضت خائرة القوى، سقيمة النفس تغسل وجهها وتزيل دموعها لتبدأ صراع نفسى جديد معه

صدع صوته الجهورى يوبخها تزامناً مع طرقاته المزعجة

:- جولت افتحى الباب ده بدل ما أكسره فوج دماغك

لم تهتم بصراخه فالنتيجة واحدة فى كل الأحوال، الإهانة والضرب والذل

فتحت الباب بعد دقائق تناظره ببغض، قبض على ساعدها يرج جسدها بعنف

:- بتعملى إيه كل شوية فى الحمام وتغفلجى على حالك ... إياكِ الباب ده يتجفل تانى ... والترباس هشيله خالص

لم تجيب على كلماته ولم تلقى بالاً لتوبيخه، فلقد تم الذبح وأصبحت جثه بلا روح لايضيرها شئ ... دفعها بعيداً يستطرد بتذمر

:- غورى من وشى ... اعملى لجمة أكلها وأفردى بوز الأخص ده

تحرك نحو الحمام ولسانه مستمر فى التقريع

:- وليه بومة ... مابتعرفش كيف تضحك ولا تفرفش

رمقته بنظره مقت لو كانت النظرات تقتل لسقط صريعاً وقالت بصوت نحيب

:- هملنى عاد أعاود لأمى ... أنت أخدت اللى رايده وخلصنا

استدار نحوها بغتة وانقض على شعرها يهز رأسها بوحشية

:- مش بمزاچك ... لما أزهج منك هرميكِ فى الطريج ... ولحد ما ده يُحصل هتعيشى كيف الچارية إهنا تنفذى أوامرى وبس

دلف للحمام وأغلق الباب خلفه بعنف، وتركها تنعى حظها العاثر تبث شكواها لله وحده، لو كان رجل سوى لشعر بنفورها وتقززها

لتفهم مقاومتها الشرسة له ولكنه رجل أعمى أنانى لايهمه سوى الحصول على رغباته حتى لو غصباً

******************

فى المساء فى جناح يوسف، وقفت شمس تُعد حقيبة السفر بملامح متجهمة وفكر مشغول "هل سيعود مرة أخرى أم سيفضل حياة المدينة؟؟... لم يفترقا منذ شهور لاتعلم كيف ستمر الأيام فى غيابه ... رغم التناقض فى علاقتهما إلا أنه مهم جداً بحياتها"

خرج يوسف من الحمام بيده منشفه صغيرة يجفف شعره بقوة، لاحظ ملامح شمس الشاردة فاقترب منها يسألها باهتمام

:- مالك ياشمس فى حاجة؟

تجاهلت سؤاله وحاولت تتصرف بشكل طبيعى فقالت باقتضاب

:- الهدوم ديه هتكفيك ولا إيه!!

ألقى نظره سريعة على الحقيبة المفتوحة فوق الفراش وأجابها وهو يتأمل جانب وجهها الحزين

:- كفاية .... أنا عندى هدوم هناك ومش هغيب كتير

وضع كفه فوق كتفها وأدارها لتواجه عينيه ثم أعاد سؤاله وهو يسلط نظراته الدافئة على حدقتيها العسلية الساحرة وقال بصوت خفيض حنون :- قوليلى مالك!!

رفعت مقلتيها نحوه بعتاب وأجابت بخفوت :- عاوزة أسافر معاك

قهقة فجأة ضاحكاً بمرح :- ده بقى اللى مزعلك بالشكل ده

زمت شفتيها بطفولية عابسة الوجه فأردف بنفس نبرته الخافتة بعد أن هدأت ضحكاته

:- أوعدك المرة الجاية هاخدك معايا ونقعد كام يوم كمان

ردت بحنق وهى تضرب برجلها أرضاً :- وليه مش المرة ديه؟

رفع كفه يمررها على وجنتها بنعومة وقال موضحاً

:- أنا ورايا ميه حاجة أعملها وهروح البيت على النوم بس ... وكمان هما يومين... يعنى مش هطول

أرادت الصراخ "لا أريد ذهابك ولا أرغب فى بعادك" ولكنها قالت بغيظ :- يعنى مش ممكن صحابك يخلصوا الشغل ده

تنهد بخفة ثم أبتعد عنها قليلاً قائلاً بتعقل

:- أنا سايب المكتب بقالى أكتر من شهرين من قبل الجواز .... وكمان عاوز أستلم شيك التأمين وأرجع نصيب أهلك منه ... وما يبقاش بنا غير كل خير

تجمدت مكانها أثر كلماته التى بثت الشك فى نفسها ودفعتها للتساؤل "هل يرغب فى الانفصال عنها؟؟ والتخلص منها؟"

خرج صوتها خافتاً متسائل

:- أنت مش عاوز حاجة تربطك بعيلتى يايوسف

رمقها بتعجب واقترب من جديد يقف قبالتها وكفيه فوق ساعديها وقال بهدوء

:- أزاى مفيش حاجة تربطنى بهم ... فى بينا نسب ولا نسيتى

أرتاحت ملامحها وظهرت ابتسامة رقيقة على ثغرها ثم أحنت رأسها بخجل وقالت برجاء :- ما تتأخرش فى القاهرة

أومأ برأسه قائلاً بخفوت :- أوعدك يومين مش أكتر

أجابت سريعاً بشئ من الدلال :- كتير ... أحنا مفترقناش من شهرين من يوم ما اتجوزنا

ضحك عالياً ثم مال عليها هامساً بمشاكسة وكفه تمسد ساعدها بحميمية

:- لما أرجع هنتكلم فى موضوع مهم أوى

أقتربت منه وقبضت على ضفتى منامته بكفيها سائلة بلهفة

:- موضوع إيه؟ ... قول دلوقت

غمز بمشاكسة وقبل أرنبه أنفها الدقيق قائلاً بنبرة مرحة ذات مغزى :- لما أرجع يا شَموس

أبتعد قليلاً ليغلق الحقيبة فأسرعت خلفه :- طب قول رأس الموضوع ... العنوان بس

ضحك على فضولها ورفع الحقيبة ليضعها جانباً قائلاً بمشاغبة

:- لما أرجع إن شاء الله هقولك موضوع تعبير بحاله

ابتسمت بسعادة وهو يؤكد على كلمة عودته إليها

أضاف ليغير مجرى الحديث ويهرب من ألحاحها الذى يعرفه جيداً

:- هوصلك الصبح لدار الحاج سليم قبل ما أسافر ... أنا أستأذنته تقعدى عنده لغاية ما أرجع زى ما اتفقنا

أومأت بقبول وقبضت على ساعده بكفيها وأكملت الحديث

:- متشكرة أوى يا يوسف ... نسمة تعبانة وقلقانة كل ما ميعاد الولادة بيقرب ربنا يقومها بالسلامة

آمن على حديثها وربت على خدها بحنو، ثم تحرك نحو الفراش وتمدد فى جانبه من الفراش بينما التفت شمس للجهة الأخرى وصعدت بجواره ترفع سبابتها بتحذير

:- يوسف ... أول ماترجع بالسلامة تيجى تاخدنى علطول

ابتسم بمرح وقلبه يقفز عالياً فرحاً بداخل صدره كل يوم تثبت رغبتها فيه كما يرغب هو بها ويجب توضيح موقفهم سوياً بمجرد عودته، سيكون هذا هو موضوعهما الهام ... الهام جداً

رفع أصبعين إلى جبهته يؤدى التحية العسكرية

:- تمام يافندم ... تصبحى على خير

انزلق فى الفراش يريح ظهره وفجأة وجد وجهها فوق رأسه بمسقط أفقى هامسة بصوت رقيق

:- مش هتقولى الموضوع المهم عن إيه؟

أرخى جفنيه بملامح باسمة ولم يجيب، رمقته بعشق يتملك روحها وأكملت هامسة برجاء :- طب العنوان .. المانشيت الرئيسى

جذب الوسادة بنفاد صبر ووضعها فوق رأسه يهرب منها فلو استسلم الأن لن يسافر أبداً... أعتدلت فى جلستها وصاحت بحنق مصطنع :- ده ظلم على فكرة

عادت تميل عليه ورفعت طرف الوسادة عن وجهه هامسة بدفء

:- تصبح على خير يا چو

لم تسمع أجابته ولم ترى الابتسامة الواسعة التى زينت ثغره وعكست فرحة قلبه وهى تعتدل لتنام جواره بعد أن أطفأت الأنوار

*********************

فى الصباح الباكر فى بهو منزل عائلة البدرى تجمعت الأسرة حول مائدة الأفطار كالعادة، افتتحت أصيلة الحديث قائلة

:- جهزت حالك يا يوسف

التفت نحو عمته مجيباً :- إن شاء الله ياعمة ... دعواتك

:- ربنا ييسر أمورك ويردك على خير ياولدى

آمنت شمس بحماس على دعاء أصيلة التى ابتسمت بخفة بينما دار يوسف بنظراته بين ندى وياسمين وقال بود

:- ها يا بنات أجيب لكم إيه وأنا جاى

فهمت ياسمين هدفه فهو يحاول تعويضها بكل الوسائل عن موقف عماد لكنها تناست تماماً، حقاً هذا الأمر شع بداخلها الأمل كأى فتاة ولكنها عاقلة ومؤمنة بقضاء الله ... لذا قالت برقتها المعهودة

:- كل اللى رايدينه تعاود بالسلامة يا ولد خالى

ابتسم يوسف فى وجهها بحبور بينما أضافت ندى بمشاغبة

:- طبعاً ترجع بألف سلامة ... وكل اللى تجيبه كويس أكيد

ضحك الجميع على شقاوة ندى التى تضفى البسمة دائماً على الوجوه

حدجها جلال بنظره يائسة وهز رأسه بقلة حيلة فزاد ضحكها وهى تعلم ما يرمى إليه، أخرج جلال مفاتيح سيارته وناولها ليوسف

:- خد العربية معاك يايوسف ... أحسن من القطار على الأقل تكون براحتك

حرك يوسف رأسه رافضاً القبول لكن جلال وضح

:- أنا مش هحتاجها الفترة الجاية هكون فى جنينة الفاكهة على طول عشان الحصاد ... وطه هيتابع المزرعة يعنى تحركاتى هتكون قليلة أوى

تدخلت أصيلة :- چلال عنديه حج ... لاچل ماتسافر براحتك وتعاود وجت ماتحب بدل مواعيد الجطرات

ألتفت يوسف نحو شمس وكأنه يسألها المشورة التى ابتسمت فى وجهه وأومأت بخفة فالتقط المفاتيح

:- هتوحشينا والله ياشمس ... بجتِ واحدة منينا

قالتها ياسمين بصدق

فأجابت شمس بحماس :- وأنتوا كمان هتوحشونى أوى اليومين دول ... ولولا أنى عاوزه اطمن على نسمة كنت فضلت معاكم على طول

:- ربنا يطمنكم عليها يا بتى

آمن الجميع وأنهوا فطورهم ثم نهض يوسف وضع حقيبة ظهره التى تحوى ملابسه على كتف والتقط حقيبة مماثلة فى كفه خاصة بشمس ثم ودع الجميع وغادر متشابك الأنامل مع شمس ليوصلها لمنزل أسرتها قبل أن ينطلق فى طريقه

*********************

يقف بوسط حديقة الفاكهة كالصقر يتابع بعينيه العمال الذين يقومون بقطف وتعليب الفاكهة، عمال موسميون يأتون من كافة أنحاء المحافظة وقت الحصاد، شغيلة باليومية لجنى المحصول فجلال يفضل الحصاد بالطرق القديمة للحفاظ على جودة وسلامة الثمار

رغم أن نظراته تتابع سير العمل أثناء تجوله بالحديقة ألا أن قلبه وفكره فى مكان آخر، مكان سرق نصف قلبه، بل قلبه بالكامل ... فطار القلب إليها محملاً بالشوق واللهفة والحب دون أمل

سقطة جسد على الأرض مع تأوه آلم مكتوم دفعته ليلتفت حول نفسه سريعاً، وجد جسد أحد العمال مسجى على ظهره فوق الأرض ... هرع للمساعدة وانحنى ينتشل الجسد الضعيف المفترش الأرض بتألم

مد جلال يده ليمسك بكف العامل وذراعه الأخرى تدعم ظهره، يساعده على الوقوف على قدميه

نهض الرجل الذى ربما يصغر جلال بعدة سنوات بحرج، حاول الوقوف بثبات وهو ينفض الأتربة عن بنطاله الممزق قائلاً بارتباك

:- أنا زين محصلش شى ..... بسيطة الحمدلله

تفحصه جلال باهتمام وهو يرى عجزه عن الوقوف مستقيماً على ساقه بينما تجمع بعض من العمال حولهم للاطمئنان والمساعدة أما جلال فسأل العامل بجدية حين لاحظ تضرر بساق العامل

:- أنت كويس ولا نروح المستشفى!!

تماسك الرجل وهو يثبت ساقيه بالأرض جيداً ثم قال بحرج بادى على وجهه

:- لا مفيش داعى للمستشفى أنا زين يا باشمهندس ... بس رچلى أتزحلجت من على السلم فوجعت على الأرض .... سليمة الحمدلله

رفع جلال رأسه نحو السلم الخشبى تحت شجرة الفاكهة والذى يستخدمه العامل للوصول للثمار الناضجة

أومأ جلال برأسه متفهماً ثم طلب من العامل التوجه معه ليرتاح قليلاً وصرف بقية العمال كلاً لعمله

سار جلال ممسك بمرفق العامل ليمشوا سوياً حتى العشة المصنوعة من جريد النخل ليستريح الرجل وهنا أكتشف أن العامل يعانى من عجز فى ساقه نتيجة لحادث قديم أصابه بالعرج

لام نفسه سراً بشدة، كان لابد أن ينتبه لذلك من قبل حتى يوكل له عمل مناسب لحالته لا يحتوى على تسلق سلالم أومشقه جسدية

وصلا للعشة المتواضعة فأجلسه جلال برفق ثم تقدم نحو النار المشتعلة داخل راكية النار المكونة من عدد من قوالب الطوب حول نار مشتعلة فى أفرع الأشجار الجافة وفوقها إبريق من الشاى

رفع جلال الإبريق ليصب كوب من الشاى المعد مسبقاً، أسرع العامل للنهوض قائلاً بتحرج

:- عنك يا باشمهندز ... شوف بدك إيه وأنا أسويه

أوقفه جلال بإشارة من يده قائلاً بحزم

:- خليك مكانك أنت مستريح ... هنشرب كوبتين شاى مع بعض

صب الشاى فى أكواب نظيفة وتقدم ليجلس بجواره وسأله ببساطة وتواضع :- اسمك إيه بقى ياوحش؟

تناول العامل الشاى بخجل من يد جلال وشكره بشدة ثم أجاب

:- چاد ... اسمى چاد ياباشمهندس

تأمله جلال جيداً، جسد نحيل، بشرة سمراء فاتحة نسبياً وشعر أسود طويل يغطى عنقه، مصفف بمثبت كريمى منحه لمعه قويه

لايتذكر هذا الوجه النحيل من قبل... سأله بود

:- أول مرة تشتغل معانا .... أنا عارف كل اللى أشتغل معانا قبل كده

أرتشف جاد رشفة من كوبه الساخن وأجاب بهدوء

:- صُح .... أول مرة .. وأول مرة أنزل البلد أهنا كمان

أومأ جلال بخفة ونظر نحو ساق العامل المفرودة أمامه وقال عاتباً :- كان لازم تقولى عشان أشوف لك شغل مناسب

فهم جاد من نظرات جلال نحو ساقه فمد يده يمسح على ساقه وقال بحرج وبنبرة خافتة

:- أنا أجدر أشتغل أى حاچة ماتجلجش ياباشمهندس ... أنا شديد

ربت جلال على ظهره بقوه مشجعاً، ثم سأله بتلقائية

:- شكلك متعلم ياجاد؟

أنهى جاد كوب الشاى خاصته وكأنه كان حقاً فى حاجة له ثم هز رأسه بحماس قائلاً

:- أيوه .... أنا معايا دبلوم زراعى وبفهم فى الزراعة مليح

أستحسن جلال إجابته وتفكر للحظات ثم قال

:- خلاص يبقى من النهارده أنت مشرف على عمال التعليب

تفاجأ جاد بكلام جلال، وربما تفاجأ بكل مايحدث ... طيبة قلب جلال وتواضعه فى التعامل مع عامل بسيط مثله، رفع جاد كفه ووضعها على صدره بعدم تصديق مغمغماً

:- أنا ياباشمهندس ... أنا

ابتسم جلال لفرحة العامل وأكد على حديثه قائلاً

:- أيوه أنت ... بس خد بالك المحصول ده تصدير يعنى كل حبة فاكهة لازم تكون سليمة والعلب تتقفل بطريقة معينة ... أنا هعلمك كل حاجة وهعتمد عليك .... اتفقنا

كاد جاد أن يقفز من مكانه بسعادة مؤكداً :- عينيا ياباشمندس ... هتشوف شغلى كيف هيعچبك ... يلا نجوم نبدأ من دلوك

ضحك جلال عالياً لحماس جاد ونهض معه ليستلم عمله الجديد بعد أن يشرح له خطوة بخطوة مراحل العمل

*******************

"وحشتونى ياغجر"

"يوووسف... حمدلله على السلامه"

انطلق صفوان وعماد يرحبوا فى صوت واحد بعودة يوسف الذى أقتحم غرفة المكتب الخاصة بهم في مكتب الاستيراد والتصدير خاصتهم، ألقي الحقيبة عن كتفه وتبادل السلام والأحضان الرجولية بين أصدقائه

بعد السلامات وعبارات الترحيب، بحث صفوان بنظراته حول يوسف وألقى نظره ممتعضة نحو حقيبته الصغيرة ثم قال بمشاغبة

:- فين ياعم أقفاص الفاكهة ... وسبت الفطير المشلتت والبط المحمر ... أنت جاى فاضى كده

مرر يوسف نظره على جسد صفوان النحيل ثم أنقض على عنقه يتصنع قتله هاتفاً بشقاوة

:- نفسى أفهم بتودى الأكل ده فين!!

ضحكوا سوياً وهم يتدافعون بخشونة، يظهر كلاً منهم قوته بينما تراجع عماد خطوة للخلف يشاهدهم بهدوء، يبحث فى عقله عن كلمات توضح مدى آسفة واعتذاره

توقف الصديقان عن المشاحنة والتفت يوسف نحو عماد وهو يتكئ بذراعه على كتف صفوان بأريحية وشاكسه قائلاً
:- مالك يا أخ ... عايش فى دور العاقل مش طبيعتك يعنى

حرك يوسف رأسه نحو صفوان يتسائل
:- هو عقل من أمتى؟

هز صفوان رأسه وأرخى جفنيه بيأس ثم قال يتصنع التعقل
:- ديه كآبة بعيد عنك ... هو كده بقاله فترة ومركبنى الغم معاه

اعتدل يوسف وابتعد عن صفوان متجهاً نحو عماد الصامت بتحرج ثم وضع كفيه على أكتافه يرمقه بوجه عابس أصاب عماد بالارتباك وقال بجدية مصطنعة
:- مش لايق عليك الأدب ياعمدة

انفجر صفوان ضاحكاً بمرح وشاركه يوسف بينما جز عماد على أسنانه غيظاً وغمغم يسب صديقيه فى سره، قبل أن ينفجر فى وجهيهما

:- تصدقوا أنكوا معندكوش دم أنتوا الاتنين ... يعنى ديه غلطتى أني بحافظ على شعورك يا يوسف وعاوز أعتذر لك

نفخ يوسف بنفاد صبر ورفع كفيه إلى أعلى يخفى وجهه بقنوط

:- ياربى .. يا بنى أنت هرتنى اعتذار ... رسايل ومكالمات وبوستات عن وفاء الأصدقاء ... ناقص بس تعملى هاشتاج أنا أسف يا چو ... يا بنى أنا صاحبك مش حبيبتك

أخفض كفيه عن وجهه لتحط فوق أكتاف عماد وناظره بجدية قائلاً يهز جسده بقوة ... يخفف عنه ويرفع قدر ابنة عمته

:- قلتلك كل شئ قسمة ونصيب ... وياسمين أصلاً مش زعلانة ولا فارق معها ... دول هما مرتين اللى شفتوا بعض فيها

نظر فى وجهه بتركيز مؤكداً :- وأحنا صحاب وعشرة وعاقلين ... يعنى عمرنا ما هنخسر بعض يا صاحبى

تأثر عماد بكلمات يوسف وصدق لهجته لكنه تسائل ليطمئن قلبه

:- والحاجة أصيلة بتقول عليا إيه!! ... والله أنا حبيت أهلك أوى يا يوسف وكان يشرفنى أنى أكون واحد منهم

ابتسم يوسف بحنين وقال بنبرة هادئة

:- عمة أصيلة ديه العقل كله ... بلاش تكبر الموضوع ياعماد ... الحكاية طبيعية جداً ... أتقدمت لعروسة ومحصلش نصيب ولازم تكون واثق أن اللى حصل مش هيفرق بينا أبداً

جاءت إجابة عماد على شكل حضن أخوى منحه ليوسف الذى ضمه بدوره وخبط على ظهره عدة مرات بقوة

:- وحشنى ياصاحبى

ابتسم صفوان برضا وحمدالله على استقرار الأمور بين الأصدقاء، أبتعد يوسف عن عماد بمشاغبة

:- أبعد بقى يا أخى ... أنت ما صدقت

تجهم وجه عماد وبدأ يشاكس بدوره

:- أنت تطول أحضنك أصلاً ... بقولكوا أيه أنا عزمكوا على الغدا النهارده ... أمى عاملة ملوخية بالأنارب

ضيق يوسف مقلتيه على كلمة (أنارب) ونظر نحو صفوان يتسائل بحيرة مصطنعة

:- هما نزلوا أكل جديد فى السوق ياصافى ولا إيه!!

بلل صفوان شفتيه بتلذذ وقال بلهفة

:- مش مهم يا چو ... أنارب .. أرانب المهم إنها بتتاكل

ضحك الأصدقاء الثلاثة بمرح وتبادلوا حديث ودى حتى قال يوسف بجدية

:- المهم يا شباب خلينا فى الشغل شوية ... أنا عارف إنى مقصر معاكم أوى ... بس الحقيقة أنا مش هقدر أسيب البلد دلوقت

ناظر صديقيه بتأثر مردفاً :- أحساسى بدفء العيلة واهتمامهم ... هو ده اللى كنت محتاجة وبدور عليه ... كمان مش عاوز أبعد مراتى عن عيلتها

تفهم عماد مشاعر صديقة فقال بمشاركة

:- عندك حق يا چو ... الصراحة كل حاجة هناك جميلة وأسرتك كلهم ناس أفاضل ... وأنت مش مقصر وبتشتغل من هناك

ألتقط يوسف بداية الخيط فواصل الحديث

:- ده اللى أقصده ... أنا هتفق مع مزارعين هناك نبدأ نسوق لمحاصيلهم ونصدرها بره مصر ... ونعتبر وجودى هناك كمكتب تانى لينا ... وكل شهر هنزل أقضى أسبوع معاكم ... رأيكم إيه!!

جاءت الإجابة من صفوان

:- أنا موافق جداً ... كده بنفتح أبواب شغل جديدة إلى جانب أنك بتخلص شغلك على الكمبيوتر وبتبعته على الأيميل ... يعنى مش مقصر فى حاجة يايوسف

أومأ عماد بخفة مؤيداً :- وأنا مع كلام صفوان ... وربنا يوفقنا ونوسع شغلنا أكتر وأكتر

يبقى اتفقنا مد يوسف كفه أمامه وتبعه أصدقائه بوضع كلا منهما كفه فوق كف الأخر تأكيداً على استمرار شراكتهم وصداقتهم

*********************

فى ركن من الصالة متوسطة الحجم جلست شاردة، متورمة العينين كفها على خدها تنعى حظها الأسود ولا ترى أمل فى القادم

ترتدى مجبرة قميص من الشيفون الرقيق يعلوه مئزر أحكمت إغلاقه برباط الخصر جيداً، أجبرت نفسها على ارتداءه وتزينت كما أمرها ببعض الألوان التى خطت بها ووجهها دون إتقان فلقد هلك جسدها من الضرب الوحشى الذى نالته فى الأيام القليلة الماضية وأصابها اليأس والإحباط فضعفت مقاومتها وانتهت رغبتها فى الحياة فاستسلمت للأمر الواقع

أما هو فكان يطلق ضحكاته أمام التلفاز، يدخن النرجيلة بزهو بعد أن نال مايريد وفرض سيطرته الذكورية على جسد الفتاة الضعيفة بل زاد زهوه بنفسه حين كسر مقاومتها فتحولت لتمثال جميل من الشمع ينفذ رغباته دون مجادلة

رن هاتفه المحمول فنظر نحو الشاشة يتعرف على المتصل ثم نظر نحو شموع التى تجلس على مقعد بعيد عنه ساهمة فى عذابها ... نادى عليها عدة مرات أنهاهم بصوت غاضب مرتفع لتنتبه له
أجفلت بفزع من شرودها وناظرته بصمت فقال آمراً
:- فزى يابت ... هاتى ولعة للشيشة

نهضت وتحركت نحو المطبخ بنفس حالة الجمود التى انتابتها وهو يناظرها بحاجب مرفوع وفم ملتوى ثم زفر بعصبية مغمغماً "جبر يلمك ... ولية نكدية"

ثم تناول هاتفه المحمول ليعيد الأتصال بالرقم السابق وما أن فتح المتصل به الخط هتف بود

:- كيف حالك يا أبوى ... لامواخذة كنت آآآ

قاطعه صوت والده على الجهة الأخرى قائلاً بغضب
:- فينك يا حمدى كل ديه غياب عن البلد

تنحنح حمدى بخفوت ثم قال كاذباً
:- شغل يا أبوى ... بتفج مع تچار من آآآ

قاطعه والده بحدة مرة أخرى كاشفاً كذبته الواهية

:- تچار إيه يا حمدى!! ... الحصاد ابتدى والتچار موچودين وبيستلموا المحصول كمان ... وأنت شارى دماغك ومهمل أخوك يشتغل لحاله

تغيرت لهجته قليلاً يتسائل بغموض :- أتچوزت تانى يا واد ... انطج ما أنت مايملاش عينك غير التراب

ابتلع حمدى ريقه وقد ضيق والده عليه الخناق فقال بتذبذب

:- يا أبوى ولا چواز ولا حاچة ... أنا من الصبحية هكون حداك ويدى بيد أخوى لغاية ما نچمع المحصول

لم يرى حمدى تعابير والده الغير مصدقة لحديثه ... لكن وصله صوت والده بامتعاض

:- من البدرية تكون فى البلد ... تعالى شوف كيف ولاد عدلى حواليه وشايلين عنيه كل حاچة ... مش كيفك مش فالح غير فى الچرى ورا الحريم

لوى حمدى فمه بتأفف وقال مهادناً

:- هكون عنديك من النچمة ... واجف فى نص الأرض كمان ... راضى يا حاچ سعيد

قطع والده الاتصال متذمراً ولم يجيبه، قذف حمدى الهاتف على الطاولة القصيرة أمامه وصرخ على شموع لتسرع فى إحضار الفحم

عادت بخطى بطيئة وجلست أمامة تضع الفحم فوق النرجيلة وهو ينهش وجهها وجسدها بنظراته الجائعة ومد كفه يشد المئزر من فوق جسدها قائلاً بشهوة

:- أخلعى الزفت ديه وأفردى بوزك

لم تنفذ ما طلبه وواصلت إشعال النار فى النرجيلة كما تشتعل بين جنباتها ثم نهضت لتختفى من أمامة ولكنه نهض خلفها وقبض على معصمها يجبرها على الوقوف أمامه

حل رباط المئزر بخشونة وأزاحه عن أكتافها ثم تركه يسقط أرضاً، يمرر نظراته الشرهة على طول جسدها الجميل، لمح صورة راقصة على الشاشة ... فقبض على خصرها الدقيق يحركه بغلظة يمين ويسار قائلاً بشراهة

:- ارجصى لى يا بت يا شموع ... يلا ارجصى

أرخت جفنيها تتنفس بصعوبة ولو تستطيع لكتمت أنفاسها حتى تُنهى عذابها فى هذه الحياة

ظلت على جمودها، مقلتيها ترتكز فى نقطة بعيدة فى الفراغ بينما حمدى يواصل تحسس جسدها قائلاً باشتهاء مقزز

:- إيه صبحية الرجاصة ماعلمتكيش الرجص إياك!

أرخت جفنيها تحاول حبس دموع قهر تتمنى الفرار، دفع جسدها بغلظة للخلف وتناول حزام المئزر، لفه حول خصرها وآمرها بخشونة :- ارجصى ... وافردى بوز البومة ده

كالألة رفعت كفيها فى مستوى أكتافها تبدل بين قدميها ببطء بحركة مكررة، رتيبة ... يترنح جسدها كالذبيحة فى رقصتها الأخيرة ... رقصة الموت

******************

فى المساء عادت لينا إلى منزل السمرى تُخفى بسمة رقيقة على شفتيها، لن يتوقف جلال عن إبهارها بتصرفاته العفوية المحببة، الغير عقلانية

لم تفهم رسالته فى بادئ الأمر حين طلب رأيها فى إنتاج محصول الفاكهة الخاص به، ولكنها أدركت حين وجدت وردة تدلف إلى مكتبها بالمستشفى تحمل على رأسها صندوق كارتونى خاص بالفاكهة وقدمته لها قائلة بحماس طفولى

:- الفاكهة ديه لاچل عيونك يا دكتورة ... أنا اللى وضبتها فى الصندوج بنفسى

تناولت لينا ثمرة ناضجة تشممت رائحتها الذكية وقالت شاكرة

:- شكراً يا وردة ... الله ريحتها تفتح النفس

هزت وردة عنقها مؤكدة

:- أومال ديه زرعة الباشمندس چلال

ابتسمت لينا باشتياق وقبلت وجنتى وردة شاكرة

:- ميرسى أوى يا أجمل وردة ... بس قوليلى جيتى هنا أزاى!

:- الباشمهندس وصلنى جرب المستشفى ومنتظرنى أروح معاه

أمسكت كف لينا وجذبتها نحو النافذة وأشارت لنقطة بعيدة عن المستشفى حيث يقف جلال يتحدث مع أحد الأشخاص المارين والذى تعرف عليه فوقف يتبادل معه الحديث بشكل طبيعى إلا أن نظراته كانت تحلق هناك حيث نافذة غرفة لينا

ابتسمت لينا بسعادة، اشتاقت لأحاديثهم وضحكهم ... لاتدرى متى يتم فك الحصار المفروض عليها؟

تنهدت لينا وعادت لواقعها وهى تدلف إلى الفيلا وألقت التحية على أفراد أسرتها المجتمعين فى البهو، لمحت أمل تجلس بين طفليها فى غرفة المائدة لينهوا دروسهم على الطاولة الكبيرة

رفعت لينا كفها وألقت التحية على أمل بود :- أمولة أزيك حبيبتى

التفت فاروق بتلقائية نحو زوجته وأولاده وأمل تجيب تحيتها بمحبة ثم حولت نظرها نحو زوجها الذى يتطلع نحوها بتركيز

أما فهيمة فمصمصت شفتيها بامتعاض ووضعت كف فوق الأخر وهى تجلس بجوار زوجها عدلى السمرى منفوخة الأوداج

اتجهت لينا نحو والدها وجلست بجواره، أحاط كتفيها بذراعه قائلاً

:- كويس أنك جيتِ يا دكتورة عشان هنزورعمك سعيد

قربت لينا بين حاجبيها الأشقرين بتعجب خاصة بعد الخلاف القائم بين سعيد وشقيقيه وتسائلت بقلق

:- خير يابابى فى حاجة !!

أجابها فاروق بجدية وملامح منزعجة

:- حمدى أتعارك فى السوج وهنروح نطمنوا عليه

كادت تبتسم شامتة فى ذلك السخيف ولكنها تحكمت فى نفسها وأجابت باقتضاب

:- سلامته .... بس أنا أروح معاكم ليه؟

قذفها والدها بنظره تحذيرية، رغم تفهمه لرفضها بعد أن اتهمها سعيد بالباطل فى ملابسها ولكنه يسعى للتقرب لشقيقه حتى لاتتسع الفجوة بين الأشقاء الثلاثة وينشب خلاف لاتحمد عقباه ... فقال بلهجة تنبيه

:- مايصحش يا لينا ده واجب ... وكمان عشان تكشفى عليه

اتسعت مقلتيها وناظرت والدها بضيق قم قالت بعد برهة

:- هى خناقة جامدة للدرجة ديه

خبط عدلى بعصاه ذات الرأس الفضى وقال بحزم

:- بكفاية حديت ... يلا هموا لاچل ما تطمنوا على حمدى ... وافهموا إيه اللى حُصل بالظبط

أومأ فاروق و أحمد وصلاح بطاعة ثم نهضوا سوياً وصلاح يجذب ذراع لينا لتصاحبه على مضض منها

فى منزل سعيد السمرى

استقبل سعيد شقيقه وأبناء أشقائه بشكل رسمى، يرسم ملامح الغضب والتذمر على وجهه من موقف عدلى وأبناءه

جلسوا بصالة الاستقبال وبينهم حمدى وقد ظهرت على وجهه أثار مشاجرة طاحنة، حيث أحاط لون أحمر قانى بدأ يميل للزرقة عينه اليسرى وكدمة مماثلة على ذقنه إلى جانب جرح طولى بشفته الغليظة

تأملته لينا بتشفى تحاول أن تُخفى ابتسامتها المتهكمة على وجهه الذى تحول للوحة فنية ملونة بتدرجات اللون الأحمر والأزرق وقالت بنبرة شامته

:- سلامتك يا حمدى .... ما أنت لو بطلت تضايق الناس محدش هيعمل فيك كده

حدجها والدها بتحذير بينما جز حمدى على أسنانه بغل وقد شعر بتهكمها وأجاب باقتضاب

:- الله يسلمك يابت عمى ... أعمل إيه ... دمى حامى ومحبش أچل تارى

رمى بكلماته ليثير حفيظة أبناء عمه، الذين فهموا قصده تماماً ولكنهم تجاهلوه ببساطة فلا يستطيع شخص التأثير على تفكيرهم أو زعزعة ثقتهم برأى والدهم ... سأل أحمد بجدية

:- إيه اللى حُصل بالظبط ... وليه اتعاركت مع چلال بالشكل ده

انتبهت لينا بمجرد ذكر اسم جلال لتنصت جيداً للحديث وحمدى يجيب بحنق

:- الواد ده اتچن على الأخر .... كنت لسه معاود البلد ووجفت فى السوج اتحدت ويا الناس ... لقيته جصادى واجف يبحلج فيا وبيتلكلك لاچل ما يچر شكلى ... ما خبرش كيف لجيت حالى بهچم عليه وأضربه

أشار فاروق لوجه حمدى المزركش بأثر اللكمات والضرب وقال ساخراً

:- وأنت إكده اللى ضربته .... أومال لو ماضربتش كان حُصل إيه!

أنتفض حمدى فى جلسته بتحفز وهتف بجعجعة صاخبة

:- أنت لو شفته ... مش هتعرف له ملامح أنا خلصت عليه واصل

ارتفعت دقات قلب لينا بتخوف وقطبت بين حاجبيها مفكرة فى جلال وما أصابه، قطع تفكيرها ضحكة فاروق الساخرة وقال بتهكم

:- ما أنا شفته من ساعة إكده .... زى الفل ما فيهوش خدش واحد .... الواد رفيع ويبان ضعيف صُح بس عصب شديد

جز حمدى على نواجزه بغل بينما تهللت أسارير لينا وابتسمت باطمئنان ... تسائل صلاح بتلقائية

:- وأنت شفته فين يا فاروق

أجابه فاروق ببساطة

:- كان فى البلد مع طه ولد الشيخ رضا ... ماهم صحاب من زمان

هز صلاح رأسه بينما صاح سعيد بتذمر يرمى باتهام خفى على تقصير عدلى السمرى فى الأخذ بالثأر

:- طبعاً يروح وياچى ويفرد جلوعه كمان ... ما أحنا سبناهم لحد ما كبروا ورفعوا راسهم ... الله يرحمك يا سيد ياسمرى لو كان عايش مكنش يوسف ده عاش يوم واحد من أول ما حط فى البلد

تبادل أحمد وفاروق نظره خاصة، يتحكموا فى أعصابهم أكراماً لصلة الرحم بينما قال صلاح بجدية حاسمة

:- أحنا جايين نطمن على ابنك يا سعيد ... أحنا أهل والدم عمره ما يبقى ميه

تلقت لينا رسالة على هاتفها المحمول فضتها بلهفة، تجرى بنظراتها على كلماتها "ده درس صغير عشان ضايقك ... ولو كررها تانى هخلص عليه خالص"

عضت لينا على شفتها السفلى، تشعر بالزهو من حماية برتقال أفندى لها

التفت صلاح نحو لينا الشاردة بأفكارها وأشار نحوها لتتفحص جرح حمدى، انتبهت لينا لإشارة والدها وعبست ملامحها فى وجه حمدى ثم قالت باقتضاب

:- مش محتاج غير كمادات (همست تردف فى سرها) ويبطل يغلس على خلق الله

*******************

مر يومان على سفر يوسف فاض بهم الشوق بشمس وتأكدت من مشاعرها ورغبتها فى إكمال مسيرتها معه، هو ليس زوجها فقط بل حبيبها أيضاً

تنهدت بشرود وهى تجلس بجوار نسمة فى قاعة الجلوس بالطابق الثانى يشاهدون مسلسل على التلفاز لكنها لاتعى كلمة أو ترى مشهد فكل حواسها هناك فى العاصمة

لكزتها نسمة بخفة تمازحها

:- حاسبى ياست البنات هتحرجينا بتنهيداتك

التفتت نحوها شمس بفم ملتوى ورفعت كفيها تحركهم فى الهواء حولها قائلة بغضب مصطنع

:- أعمل فيكِ إيه ... مش قادرة أقتلك بس عشان خاطر ابن أخويا

قهقهت نسمة بمرح ومسدت على بطنها العالية بشكل ملحوظ جداً تخاطب ابنها

:- ربنا يخليك ويبارك فيك يا ولدى ... بتحمينى من عمتك المخبلة

واصلت ضحكها وشمس تتلوى من الغيظ بجوارها ثم مالت على كتفها تعضه بخفه، تنفث عن غضبها ... تألمت نسمة بخفوت قائلة

:- أى يا مچنونة ... اصبرى بس .. أنا مش خابرة ليه مضايجة إكده ... أنتِ لسه جافلة السكة أمعاه وجعدوا تتحدتوا فوق الساعة فى التلفون ... رايدة إيه تانى

اعتدلت شمس فى جلستها وقالت بتأفف

:- وحشنى أوى يا نسمة وعاوزه يرجع بسرعة

أشارت نسمة نحو طبق مكسرات موضوع على الطاولة أمامهم وقالت بمسكنة

:- ناولينى الطبج ديه الله يكرمك ... ابن أخوكِ چعان

تفحصت شمس جسد نسمة التى زاد وزنها بشكل كبير ورفعت حاجبها بغيظ وهى تناولها الطبق قائلة بعصبية

:- أتلككى فى ابنك كده وأنت بقيتى شبه البطيخة ومش بتبطلى أكل

تناولت الطبق وقذفت بعض من حبات اللوز بفمها قائلة بمسكنة

:- أعمل إيه جلجانة جوى ... الدكتور حدد معاد الولادة السبوع الچاى وأنا الجلج بيچوعنى جوى

ناظرتها شمس بيأس قائلة بتهكم

:- بالهنا يا حبيبتى بس بالعقل .... كتر الأكل ده مش كويس ... تلاقى ابن أخويا المسكين مزنوق جوا من كتر الأكل ده

قهقهت نسمة وهى تتناول من طبق المكسرات ثم عادت لموضوعهم الأساسى

:- المهم جوليلى ... يوسف هيعاود ميتى؟

تنهدت شمس وتناولت حبة من الجوز قضمتها ببطء

:- بكره ... لسه هستنى لبكره

التفتت نحو نسمة تردف بدلال :- بس هو قالى أول ما تطلع الشمس هكون قدامك ياشموس

مضغت نسمة مافى فمها وهى تبتسم بسعادة ودعت من قلبها بنية صادقة

:- ربنا يهدى سرك ياشمس ... وأشوفك حامل إكده ومش بتبطلى واكل واصل

احتضنتها شمس بقوة وهى تردد خلفها "آمين" بينما استغاثت نسمة من قبضتها :- براحة على ... هتولدينى دلوك يامچنونة

********************

فى غرفة نوم شمس وفرح ورغم اشتياق شمس للغرفة وكل مافى منزل والدها إلا إنها تشتاق للعودة لجناحها الخاص والنوم بجوار يوسف والحديث معه

تمددت فى فراشها مستيقظة، متلهفة لشروق الشمس وعودة يوسف فى الصباح ... تتقلب بقلق من وقت لأخر

زفرت فرح من الفراش المجاور وسألت شمس

:- مالك ياشمس قلقانة كده ليه!!

رفعت شمس رأسها وأسندتها لظهر الفراش وأجابتها

:- عاوزه النهار يجى بسرعة ... ويرجع يوسف ويقولى إيه هو الموضوع المهم اللى لازم نتكلم فيه

نهضت فرح وتربعت على الفراش تناظر شقيقتها بفارغ صبر

:- وهو ده محتاج تفكير ... هيقولك بحبك ياشموسة ومش قادر أعيش من غيرك

ابتسمت شمس ببلاهة وسألت فرح بحيرة

:- تفتكرى يافرح

صاحت فرح فى وجهها

:- طبعاً أفتكر ... هو الحب بيجيب عبط ولا إيه

عادت تستلقى على الفراش وأردفت بتأفف

:- سيبنى أنام بقى عندى محاضرة الصبح بدرى وندى هتعدى عليا من النجمة

هزت رأسها بهدوء وحاولت النوم، إلا إنها بعد عدة دقائق نهضت شاهقة من مكانها ووبخت نفسها

:- أما أنا غبية صحيح ... هيكون عندى الصبح ... يعنى زمانه فى الطريق دلوقت ... يارب يوصل بالسلامة

تأففت فرح وغمغمت بخفوت بين النوم واليقظة

:- نامى شوية يا شمس ... عشان تبقى فايقة لما يوسف يرجع

زفرت بقلق وتمتمت تحدث نفسها

:- ياريتنى قلتله يتحرك الصبح ... بس وحشنى أوى وعاوزه أشوفه ... ربنا يستر عليه من السواقة بالليل

غمغمت فرح بحروف متلعثمة من النوم

:- إن شاء الله يوصل بالسلامة

"يارب" تمتمت بها شمس واستلقت على الفراش فى انتظار الصباح

بعد عدة ساعات وقرب موعد الفجر، صدع صوت طرقات خفيفة على باب غرفة البنات أفزعت شمس التى غرقت فى النوم منذ وقت بسيط

نهضت من الفراش بقلب واجف وأسرعت تفتح الباب بلهفة وجدت حسام يقف أمامها ببنطال من الجينز وسترة رياضية ثقيلة

شهقت شمس لرؤيته على هذه الهيئة وأسرعت نحوه تتسائل بتخوف :- خير ياحسام ... يوسف بخير

تعجب حسام من سؤالها فربما كانت نسمة تلد مثلاً ولكن قلب المحب دليله .. قال بهدوء محاولاً طمأنتها

:- خير يا خيتى يوسف بخير ... حادثة بسيطة

رفعت كفيها تكتم صرخة أنطلقت بجزع من فمها ثم تقدمت بلوعة نحو شقيقها تجذب ذراعه قائلة بتوسل

:- هو فين ياحسام ... يلا نروحله حالاً

قبض حسام على ذراعها برفق وضمها لصدره مقبلاً رأسها

:- أهدى ياحبيبتى ... ربنا يطمن جلبك عليه ... غيرى خلاجاتك ونروحله طوالى

التفتت تدخل الغرفة لتبدل ملابسها ولكن قدميها لم تتحرك وعادت تتطلع فى وجه شقيقها بمقل دامعة تتوسل الحقيقة فى وجهه

:- هو كويس مش كده ... يوسف بخير ياحسام

أومأ برأسه وقال بنبرة هادئة يطمئنها وهو يضمها لصدره مرة أخرى

:- مليح ماتخافيش ... هتطمنى عليه دلوك إن شاء الله

أغمضت عيونها الباكية تضم شقيقها ولسانها يتمتم بالدعاء لله أن يطمئن قلبها على من ملك الفؤاد

******************

Continue Reading

You'll Also Like

16K 417 6
المقدمة ظنوا أن الحياة قد سنت لهم و لم يعد هناك اي شئ يعوقهم و ان حياتهم الان اصبحت سعيدة و خالية من الأخطار و لكن ماذا سيحدث عندما يظهر لهم فجأة شخص...
44.8K 889 36
كانا من عالمين مختلفين مثل المغناطيس يتنافران و يتجاذبان اما عن التنافر ف كان عندما اجبرتهما الظروف ع الزواج من أحدهما بالاخر اما عن التجاذب فصار عند...
58.2K 1.2K 12
ركعت أمام قدميه خانعة تهتف بصوتها الباكي في رجاء يكسوه الجزع: _ أبوس ايدك سامحني يا ريان، عارفة اني غلطت وكان المفروض أعرفك من الاول، أرجوك ماتعرفش ح...
58.4K 1.9K 22
اخذت الرؤية تتشوش امام عينها لتغمض بقوه وتبصر رويدا لتري نفسها وسط مجموعة من المراهقين ينتشرون وسط ارض واسعه رمليه وامامها عدة مقاعد رخامية طويله مت...