التقينا فأشرق الفؤاد بقلم / إ...

By SamaSafia

88.5K 2.3K 90

رواية تدور أحداثها في الصعيد وما يحتويه من عادات وتقاليد تربط بين العائلات من خلال يوسف الذى تجره الأحداث للع... More

الفصل الأول
الفصل الثانى
الفصل الثالث
الفصل الرابع
الفصل الخامس
الفصل السادس
الفصل السابع
الفصل الثامن
الفصل التاسع
الفصل الحادى عشر
الفصل الثانى عشر
الفصل الثالث عشر
الفصل الرابع عشر
الفصل الخامس عشر
الفصل السادس عشر
الفصل السابع عشر
الفصل الثامن عشر
الفصل التاسع عشر
الفصل العشرون
الفصل الحادى والعشرون
الفصل الثانى والعشرون
الفصل الثالث والعشرين
الفصل الرابع والعشرين
الفصل الخامس والعشرين
الفصل السادس والعشرين
الفصل السابع والعشرين
الفصل الثامن والعشرين
الفصل التاسع والعشرين
الفصل الثلاثون
الفصل الواحد والثلاثون
الفصل الثانى والثلاثون
الفصل الثالث والثلاثون
الفصل الرابع والثلاثون
الفصل الخامس والثلاثون
الفصل السادس والثلاثون
الفصل السابع والثلاثون
الفصل الثامن والثلاثون
الفصل التاسع والثلاثون
الفصل الأربعون
الفصل الواحد والأربعون
الفصل الثانى والأربعون
الفصل الثالث والأربعون
الفصل الرابع والأربعون
الفصل الخامس والأربعون
الفصل السادس والأربعون
الفصل السابع والأربعون
الفصل الثامن والأربعون
الفصل التاسع والأربعون
الفصل الخمسون
الفصل الواحد والخمسون
الفصل الثانى والخمسون
الفصل الثالث والخمسون
الفصل الرابع والخمسون
الفصــل الأخيــر
الخـاتمــــة

الفصل العاشر

1.7K 42 2
By SamaSafia

أمام منزل طه الذى يقع فى الشارع المقابل لمنزل البدرى توقف جلال الذى أصر على اصطحاب صديقه بعد أن لاحظ تعبه وإرهاقه ... تشبث طه بذراع جلال قائلاً بإلحاح

:- لازمن تدخل تشرب حاچة يا چلال مايصحش إكده

اعتذر جلال بتأدب

:- هو أنا غريب يا طه ده أحنا أخوات بس أنت عارف لازم أرجع عشان الضيوف اللى عندنا

خبط على كتفه برفق قائلاً باهتمام :- وأنت كمان لازم ترتاح شوية ... وخلى بالك من صحتك يا صاحبى

خلع طه نظارته الطبية وتسائل بشرود وهو مطأطأ الرأس

:- صُح كيف الأخوات يا چلال!!

قطب جلال بين حاجبيه بتعجب وتسائل باستغراب

:- طبعاً يا طه أنت عندك شك

رفع طه نظره نحو جلال الذى أضاف بحيرة :- فى إيه يا طه ... أنت متغير أوى النهارده

رسم طه ابتسامة باهتة على ثغره وأعاد النظارة الطبية فوق أنفه .. يحاول تصنع المرح قائلاً

:- جولتك شوية إرهاج يا صاحبى ... ماتجلجش .. عاود أنت للدار مايصحش تسيب الضيف لحاله

تفحصه جلال بتعجب يشعر بتغير فى صديقه ولا يدرك ما يجول بخاطره ولكنه أجاب بتلقائية

:- يوسف هناك .. والضيف أصلاً صاحب يوسف

أحنى رأسه مردداً بخفوت :- صاحب يوسف

ثم رفع رأسه يناظر صديقه قائلاً بدعوة قلب محب :- ربنا يسعد الأستاذة ياسمين ... تستاهل كل خير

ابتسم جلال بخفة وربت على ساعد صديقه وأوصاه بالراحة قائلاً

:- آمين يا رب ... المهم استريح أنت وبكره هطمن عليك

ودع طه صديقه ثم التفت يفتح بوابة منزله الحديدية متوسطة الحجم وتحرك فى ساحة صغيرة فى أحد أركانها فرن طينى أصرت والدته على الاحتفاظ به بعد تجديد وإعادة بناء المنزل

صعد عدة درجات ليدلف المنزل المفتوح على مصراعيه وفى المدخل كان يجلس والده شيخ الجامع يقرأ القرآن على أريكة خشبية قديمة تعلوها شلت منجدة من القطن ومكسوة بقماش مزركش بالورود وبجانبه تجلس زوجته تستمع لقراءته الهادئة لآيات الذكر الحكيم

جلس طه على أريكة مماثلة فى الجهة المقابلة، يستمع لصوت والده العذب وهو مطأطأ الرأس وعقله يستعيد ذكريات ماضية من سنوات عديدة مضت

حين تعرف على جلال الذى يصغره بعامين ونشأت بينهم صداقة ... صداقة بين ابن من أبناء أكابر البلدة مع ابن شيخ الجامع الفقير

كان وقتها هذا المنزل مكون من طابق واحد يضم عدة غرف وفوق السطح كانت والدته تقوم بتربية أنواع عديدة من الطيور

منزل متواضع لرجل فقير، موظف فى وزارة الأوقاف لا يملك سوى راتبه البسيط وكل مايملكه هذا المنزل ونصف فدان ورثه والده عن جده ومع زيادة الحمل وثقل المسئولية بدأ والده يعمل كمأذون بأجر ليستطيع تربية أبنائه الخمسة

استند بكفيه على الأريكة التى يجلس عليها .. أريكة من أثاث المنزل القديم أصر والديه على الاحتفاظ بها مع غرفة نومهما المتواضعة وكأنه لايرغب فى نسيان ماضيه وجذوره

انتبه طه على صوت والده العذب يرتل

{وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُون} (سورة الرّوم)

هز طه رأسه مغمض العينين يصدق على كلمات الله جل وعلا ... مما لفت نظر والدته وأثار قلقها بنفس الوقت فقالت بحنو

:- خير يا ولدى ... وشك مخطوف وشكلك مضايج

زفر طه بتألم وانتظر أن يُنهى والده قرأته ثم قال يُطمئن والدته

:- أنا بخير يا أمى ... ما تجلجيش

رفع والده نظره عن المصحف نحو وجه ابنه البكر

:- خير يا طه ... اتكلم ياولدى فيك شئ

ابتسم بوجههم يدعى المرح وقال ببساطة

:- خبر إيه يا چماعة أنا زين أهاه ... كل الحكاية محتاچ أنام ... بشتغل من الصبحية وما ارتحتش واصل

أنزلت والدته ساقيها من فوق الأريكة تهم بالنهوض قائلة باهتمام أمومى

:- هحضرلك لجمة تتجوت بها جبل ماتنعس

أوقفها طه بإشارة من يده فلا رغبة له فى الطعام الأن

:- أجعدى يا حاچة ... شبعان والحمدلله أنا رايد أرتاح بس

تكلم والده بدعوة صادقة وهو يتأمل حال ولده الغريب

:- ربنا يريح جلبك يا ولدى

انشرح صدر طه من دعاء والده الطيب ونهض يقبل كتف والده يوصيه :- ادعيلى ياحاچ

ثم قبل رأس والدته وانصرف نحو شقته بالطابق الأخير للمنزل

الذى أعاد بنائه بعد أن اغترب لسنوات عديدة بعيداً عن بلاده ثم عاد لأرض الوطن ليعيد بناء المنزل ويرتفع البناء لثلاث طوابق والده ووالدته فى الطابق الأرضى وشقيقه فى الطابق الأول أما هو فاتخذ الطابق الأخير ليستغل السطح فى عمل حديقة صغيرة ببرجولة جميلة تحيطها العديد من أنواع المزروعات طيبة الرائحة ومتفتحة الزهور ... حديقة تماثل حديقة منزل البدرى

وصل لشقته وفتح الباب ليقف على عتبة الباب يتأمل محتوياتها البسيطة الممثلة فى طاولة صغيرة ومقعدين وغرفة نوم صغيرة ... أما باقى الشقة ففارغة تنتظر من ستأتى لتملأها حسب ذوقها ورغبتها ... تملأها بدفئها وبشاشة وجهها كما ملأت قلبه منذ سنوات المراهقة بالحب والدفء والأمل

********************

فى السابعة صباحاً خرجت أصيلة من غرفتها بعد أن صلت صلاة الفجر وجلست لقرأة وردها من القرآن، تفاجأت باستيقاظ أهل البيت واجتماعهم حول مائدة الطعام يتناولون الإفطار سوياً

اقتربت منهم وألقت عليهم التحية التى أجابوا عليها بنفس واحد

:- صباح الفل ياعمة

اتخذت مكانها على رأس المائدة متسائلة بحيرة

:- فايجين من البدرية إكده ... مش بعاده يعنى

ترك يوسف صحنه الذى يضع به الطعام وأجابها بجدية

:- لازم نخلص بناء الحظائر ونجهز كل حاجة قبل وصول المعدات ياعمتى

خرجت شمس من المطبخ تحمل صينية محملة بأكواب الشاى باللبن وألقت التحية على أصيلة ببشاشة وهى توزع الأكواب أمام يوسف وجلال وقالت بتلقائية :- صباح الخير ياعمتى ... حالاً هجيب لحضرتك طبق وكوباية الشاى

أجابتها أصيلة بابتسامة مجاملة

:- تسلم يدك يا بتى ... أنا فطرت مع ياسمين الحمدلله

أومأت شمس واتخذت مكانها بجانب يوسف بينما ابتلع جلال الطعام فى فمه وسائلها بتعجب

:- وفين ياسمين أومال ... الوقت بدرى على ميعاد المدرسة!!

التفتت نحوه أصيلة موضحة :- عاملة مچموعة تقوية للطلبة جبل ميعاد المدرسة ... ولازمن تبجى هناك جبل الساعة سبعة

هز رأسه متفهماً بينما تحدث يوسف ببعض الحرج

:- أنا آسف ياعمتى على اللى حصل إمبارح ... أنا عاتبت عماد أنه ما فتحش أهله فى الموضوع قبل ما يجى .... لكن هو كان مستعجل ومتحمس يسمع رأيها الأول

وضعت أصيلة كفيها الواحد فوق الأخر على الطاولة وقالت بجدية

:- الأصول مفيش فيها مچاملة ولا تنازل ياولدى

زفرت بخفة لتواصل حديثها :- وعلى أى حال ياسمين وضحت اللى رايده تجوله وهى عملت الصُح لما رفضت تجول رأيها من غير ما يخبر أهله

أكد جلال بحمائية نحو شقيقته الروحية

:- ياسمين عارفة الأصول كويس وتفكيرها دايماً سليم

تابعت شمس الحديث بصمت ويوسف يؤكد بصدق

:- طبعاً وأنا معها فى كل اللى قالته ... حتى عماد أحرج من موقفه وعشان كده صمم يرجع القاهرة إمبارح بالليل

شبكت أصيلة كفيها قائلة بحكمة

:- الچواز مفهوش حرچ ياولدى ... الصدج والصراحة من البداية هما الأساس ... ما بنى على باطل فهو باطل

ناظرت شمس يوسف الذى حرك رأسه نحوها وكلاً منهما يدرك أنه يُخفى مشاعره عن الأخر ويعذبان بعضهم البعض دون سبب

أردفت أصيلة بعد برهة لتغير الحديث

:- المهم هتتصرفوا كيف فى باجى تمن المعدات

مدت شمس يدها بكوب الشاى بالحليب نحو يوسف الذى التقطه منها بابتسامة صغيرة وهو يجيب على تساؤل عمته

:- المقدمة دفعها حسام العزازى ... والباقى على قسطين أولهم لما نستلم المعدات وإن شاء الله هدفعهم من مبلغ معايا فى البنك

أكمل جلال على حديث يوسف
:- وأنا قريب هجمع محصول الفاكهة وهاخد دفعة من تمنها نقدر نسدد بهم باقى تمن المعدات

هزت رأسها برضا ولسانها يتمتم
:- يامسهل يارب

رفعت أكفها للسماء راجية :- يا رب أرزجنا بالرزج الحلال من عندك

آمن الشباب على دعائها حين اقتحمت الجلسة ندى بصخبها المعتاد

:- صباح الخير على الجميع

وقفت أمام المائدة بجوار شقيقها والتقطت الخبز لتصنع شطائر بسرعة وفى النفس الوقت تطالب شمس
:- الشاى يا شموسة ... وزودى اللبن

تأملتها أصيلة باعتراض مرددة

:- أجعدى كيف الناس وكلى على راحتك يابنتى

ألقت بزيتونة فى فمها بينما يتأملها جلال ويوسف بصمت أما شمس فصبت لها كوب من الشاى ووضعته أمامها ... حين قالت ندى بلهجة سريعة

:- مستعجلة ياعمة ...عم محمد السواق زمانه جاى ... وعندى محاضرة مهمة جداً

وضع شقيقها كفه على خده يتأملها وهى ترتشف من كوب الشاى باللبن الساخن خاصتها وتسائل بتهكم

:- يا ترى تشريح إيه النهارده ... طائر السنونو

ضحك الجميع على كلامه بينما عبس وجهها على تهكمه وقالت بتفاخر :- لو سمحت يا باشمهندس أنا دكتورة مهمة ومجتهدة ... وبكرة هتجرى ورايا عشان أمسك مزرعة المواشى بتاعتكم

قال يوسف مداهناً :- طبعاً ... طبعاً يادكتورة مش هنلاقى أشطر منك

ابتسمت بخيلاء لتغيظ شقيقها والتفتت تخرج من أحد أدراج البوفيه خلفها ... أحد أكياس الطعام الجديدة قائلة

:- تعرف يا چو ... أحلى حاجة عملتها إنك اتجوزت شمس ورجعت علاقتنا بعيلة العزازى تانى ... ده أنا كنت هضايق أوى لو هروح مشوار الجامعة ده لوحدى أصلها بعيدة أوى ... دلوقتِ بنرغى أنا وفرح طول الطريق

تلاقت نظرات يوسف وشمس وهو يقول بمرح

:- أى خدمة ياندى ... أحنا يهمنا سعادة جنابك

بدأت فى وضع الشطائر بالكيس النظيف محدثة شمس بعفوية

:- ماتقلقيش ياشمس أنا عملت لفرح ساندوتش معايا

ضحكت شمس وهى ترى كمية الشطائر التى صنعتها والتى بكرم حاتمى ستتنازل عن أحدهم لشقيقتها... فقالت شاكرة

:- متشكرة أوى يا ندى ... أنا كده أطمنت عليها

صوت بوق السيارة التى ستقلها للجامعة والتى قام بتأجيرها جلال ليوصلها للجامعة فى المحافظة وتشاركها بها فرح شقيقه شمس ارتفع لتسرع ندى فوق سرعتها هاتفه وهى تلملم أشيائها

:- عم محمد وصل ... السلام عليكم جميعاً

هرولت مغادرة للمنزل تتابعها نظرات شقيقها ودعاء عمتها حتى استقلت السيارة

تذكرت أصيلة أمراً بعد أن عاد الهدوء بمغادرة ندى فقالت لجلال

:- چلال ...عوض عدى عشية وأنت بتوصل طه... ورايدك تعدى على چنينة الفاكهة بيجول فى شچر ظهر عليه حاچات بيضا ولا إيه .... ماخبرش بجا روح وأفهم منيه

هز جلال رأسه متفهماً :- أنا بقالى كام يوم مارحتش فعلاً كنت مشغول فى بنا المزرعة ... هعدى عليه إن شاء الله

انتهى يوسف من كوب الشاى الخاص به وقال بجدية

:- أطلع أنت على الجنينة يا جلال ... وأنا هكون فى المزرعة ولما تخلص تحصلنى

تفكر جلال للحظات لايرغب فى ترك الحمل على أكتاف يوسف وحده ولكن عليه الاهتمام بحديقة الفاكهة أيضاً ... تقبل الفكرة ببساطة ثم أومأ موافقاً :- تمام .. وأنا هحاول أخلص بسرعة وأحصلك

تذكرت شمس حادث حريق الحظيرة بالمزرعة يوم زفافهم وأصابها الخوف على زوجها فهو المقصود من تلك المشاحنات وفى الأيام الماضية كان جلال بجانبه بشكل شبه دائم فتسائلت بقلق

:- يعنى هتبقى لوحدك فى المزرعة يايوسف

التفت نحوها متسائلاً بعدم فهم
:- إيه المشكلة!!

تلجلجت فى الرد ثم قالت بقلق :- الدنيا لسه بدرى والبلد هادية .. خطر تبقى لوحدك هناك

ابتسمت أصيلة لخوف شمس على زوجها بينما ضحك يوسف وهو يجيب مشاكساً :- خايفة عليا يعنى!!

تورد وجهها خجلاً وطأطأت رأسها بابتسامة رقيقة فأردف مطمئناً

:- ماتقلقيش المزرعة مليانة عمال ... ومش هموت غير فى معادى .... لكل أجل كتاب

أسرعت بالرد بلهفة :- ربنا يخليك ليا ويديك طولة العمر

شعرت باندفاعها فى الكلام فطأطأت رأسها خجلاً بينما انتعشت أسارير يوسف بلهفتها عليه .. تدخل جلال فى الحديث ليطمئنها

:- إحنا طريقنا واحد وبين الجنينة والمزرعة عشر دقايق بالعربية .... ما تقلقيش

أومأت أصيلة برضا وهى تدعو لهم بقلب أم

:- ربنا ييسر أموركم يا ولاد

************************

قام جلال بإيصال يوسف إلى المزرعة ثم واصل طريقة نحو حديقة الفاكهة الخاصة بعائلته

لفت نظره فى الطريق فتاة رشيقة بملابس رياضية واسعة وحذاء رياضى مريح تستمع لشئ ما من خلال سماعات الأذن وتمشى بخطى رياضية نشيطة متأملة الطبيعة من حولها

ابتسم بمكرعندما تعرف على شخصيتها ... وكيف يخطئها وهى من سلبت لبه بفيروز عينيها

ضغط على دواسة البنزين فانطلقت السيارة بسرعة جنونية لتتجاوز الفتاة مخلفة سحابة من الغبار خلفها ثم توقف فجأة وعاد بالسيارة للخلف بتهور ففزعت الفتاة وسقطت أرضاً

أوقف السيارة جانباً وترجل منها وعلى وجه ابتسامة مشاكسة بينما الفتاة تجلس أرضاً بوجه حانق تطالع ذلك الأحمق الذى أسقطها أرضاً

اتسعت مقلتيها بأمواج الغضب عند رؤيته وصاحت به بغيظ

:- هو أنت!! .. أتعلم السواقة قبل ماتسوق وتدوس الناس

اتسعت ابتسامته ببرود ووقف أمامها يضع كفيه فى جيبى بنطاله

وسألها بفتور :- أتعورتِ!! لو محتاجه شاش أو قطن ... بلغى دكتور شوقى وهو يبلغنى أجيبلك

تأملته شذراً بحاجب مرفوع وتذكرت كلماتها الأخيرة له واستفزازها له فى أخر مقابلة لهما أمام المشفى حين رفضت أعطائه رقمها وقالت له "لو احتاجت للمزيد من الأدوية ستبلغ الدكتور شوقى ليبلغه".... هتفت مستنكرة

:- يعنى بتنتقم منى

انحنى بجذعه ليصل إلى مستوى وجهها وهى جالسة أرضاً ثم غير لهجته للصعيدية :- نحنا صعايدة ومانهملش تارنا واصل

ضيقت عينيها ورمقته بسخط ثم نفضت كفيها و مدتهم للأعلى قائلة بلهجة آمرة :- قومنى

رمقها ببرود قبل أن يقول بنزق :- ما حدش علمك فى المدرسة تقولى ... من فضلك ... لو سمحت... أرجوك

زفرت بحنق على برود ذلك الرجل المستفز ثم هتفت بحنق

:- قومنى من فضلك ... لو سمحت ... أرجوك

ابتسم بانتصار وأخرج كفيه من جيبى بنطاله وأمسك كفيها الصغيرين قائلاً بمشاكسة :- عينيا

نهضت تنفض الغبار عن ملابسها بتذمر وهو يتفحصها بتمعن واشتياق لتلك البحور التى غرق فى هواها ولكن ذلك لم يمنعه عن مشاكستها وهو يقترب خطوة ويلوح بساعديه من بعيد عارضاً بوقاحة :- أنفض معاكِ

شهقت ناظره له بزجر وقد تلاعب الغضب برأسها أكثر وأكثر منه

... فأخذت تتلفت حول نفسها حتى وجدت ضالتها حجر صغير صلب رفعته عالياً مهددة بإلقائه فى وجهه

رفع كفيه مستسلماً وهو يتراجع بظهره للخلف ضاحكاً رغم كلامته الراجية :- بلاش تهور ... كده هتعور بجد

كان يتحرك بظهره للخلف وهى تلاحقه بغضب مستشعرة القوة من تخوفه وفجأة انقض على كفها المتشبث بالحجر وجرها خلف شجرة ضخمة بالقرب منه، ضاحكاً بعبث على غضبها الطفولى هاتفاً بزجر :- يامجنونة هتفضحينا

ترك ذراعها فابتعدت عنه سريعاً وهى تلهث من فرط غضبها، تجمدا يتبادلان النظرات المتحدية الغاضبة من جهتها .... الباسمة باستمتاع ولهفة من جهته قبل أن يرفع كفيه مستسلماً قائلاً بصوت هادئ رخيم :- هدنه! ... نتفق

نظرت له بشك وسألته بضجر :- نتفق على إيه؟

أقترب خطوة واحدة ونظر فى عمق عينيها بإمعان

:- نبطل نغلس على بعض ونبقى أصدقاء .... إيه رأيك!!

فكرت قليلاً وقد استعادت تنفسها الطبيعى وبعض من هدوئها ثم هزت كتفيها ببساطة قائلة :- أوكيه موافقه

مد كفه نحوها لتصافحه فوضعت كفها داخل كفه ولكنه لم يفلت كفها الرقيق الناعم بل ظل متمسك بها بشقاوة وسألها بجدية

:- قوليلى كنتِ رايحة فين؟

رمقته بمكر وقد أدركت استمرار مشاكسته بقبضة على كفها فجذبت كفها بصعوبة من راحته ثم أجابته مفسرة

:- بتمشى شوية .... النهارده أجازة وعندى وقت فاضى

يعلم أنه مجنون ولا يتصرف بعقلانية ولكن ما لقلبه حيلة

وبلحظة رغبة فى القرب وامتداد الوصال بينهما ... اقترح بهدوء

:- همممم أجازة ... طب ماتيجى أعزمك على شاى

ابتسمت بتهكم وفتحت ذراعيها فى الهواء مشيره للأراضى الزراعية المحيطة بهم قائلة بعدم اقتناع

:- هو فى هنا كافيه ممكن تقعد فيه بنات

هز رأسه بتأكيد قائلاً بثقة :- طبعاً فى ... كافيه خاص

هزت رأسها بتعجب مرددة بدهشة
:- خاص!!

أكد بثقة وهو يخطو للأمام مشيراً لها لتتبعه

:- أيوه ... تعالى أفرجك عليه وكمان تنضفى هدومك براحتك

تحركوا نحو السيارة وفتح الباب الأمامى لها بكل ذوق ثم أنطلق بها بضع كيلو مترات حتى وصل لحديقة الفاكهة وأطلق بوق السيارة فانفتح الباب بعد لحظات قليلة

ألقى التحية على حارس الحديقة ثم دخل بالسيارة بضع أمتار ثم توقف جانباً ... لحق به عوض الحارس بعد أن أغلق البوابة

ونظراته تتفحص لينا بتعجب وهى تترجل من السيارة بصحبة جلال هتف عوض بترحاب :- منور يا باشمهندز

ربت جلال على كتفه بود قائلاً

:- شكراً ياعوض ... أسمع ابعتلى وردة وحضر عدة الشاى وحصلنا

أسرع عوض لتنفيذ المطلوب منه بينما التفت جلال نحو لينا التى تتلفت حول نفسها متأملة أشجار الفاكهة باستمتاع

تقدم منها ببطء ثم أشار لها ليتقدموا داخل الحديقة جنباً إلى جنب وهى تتأمل المكان بإعجاب ... سألها بتفاخر

:- إيه رأيك فى الجنينة؟

ردت بسعادة وهى تتأمل الأشجار المحملة بثمارها التى شارفت على النضج قائلة بانبهار

:- حلوة أوى .... منظر الفاكهة ياخد العقل

تأملها بوله وواصل السير حتى وصلوا لبناء يشبه العشة أو التعريشة مبنى من البوص وسعف النخيل مكون من ثلاث جدران وسقف ومفروش بالحصير، فوقه مساند للجلوس وطاولة منخفضة (طبلية)

دلفوا سوياً وأشار لها للمكان قائلاً بعفوية

:- إيه رأيك فى الكافية ده

وقفت تتأمل بساطة المكان وهدؤه ومنظر الخضرة وأشجار الفاكهة المحيطة به ثم ابتسمت باتساع، ابتسامة أضاءت فؤاده وصوتها الرقيق يردد بانبهار :- واو ... تحفة ... أوريجنال خالص

ابتسم بدوره مفتوناً بكل خلجاتها ولفتاتها وحتى طريقة نطقها المميزة للحروف ثم قال يسلم قلبه وحواسه طواعية مع حروف كلماته

:- اعتبريه الكافيه الخاص بتاعك وحدك

ضحكت برقة سلبته عقله وسحرت مقلتيه التى أبت ترك ملامحها فتأملها مطولاً حتى أشعرها بالخجل من نظراته المتفحصة

لم ينقذها من نظراته الوالهة فى سمائها الصافية سوى اقتحام وردة ذات الثمانى سنوات التى دلفت ركضاً هاتفه بحماس
:- أنا چيت يا باشمهندز .. أؤمرنى

أجفل اقتحام وردة وهتافها لينا التى التفتت نحوها ذاهلة أما جلال فعاد لرشده واقترب من وردة واضعاً كفه على كتفها يقدمها للينا

:- ديه بقى وردة بنت عوض الحارس هنا ... بنت شقية وأمورة زى ما أنتِ شايفة كده

ابتسمت لينا فى وجه الصغيرة جميلة الملامح ومدت كفها تصافحها وتعبر عن إعجابها

:- جميلة أوى .. ازيك يا وردة

تفحصتها وردة بإعجاب وتوقفت عند حدقتيها صافية الزرقة ثم هتفت بحماس :- أنتِ اللى جمر

ضغط جلال بكفه برفق على كتف وردة لتنتبه له قائلاً

:- وردة ... هتساعدى الدكتورة لينا تنضف هدومها وتغسل إيديها ووشها .... ظبطيها يعنى

هزت رأسها طائعة وهتفت بتفهم
:- من عينيا ياباشمهندز

وصل عوض خلف ابنته وبدأ فى إشعال الفحم لعمل شاى على الراكية ثم أصطحب جلال لمعاينة الأشجار المصابة وتركوا الفتيات بمفردهم

بعد فترة قصيرة سمعت وردة صوت صافرة تشبه البلابل تنطلق فى المكان فهتفت :- الباشمهندز چاى

تجولت لينا بمقلتيها فى المكان ولكنها لم تراه فتساءلت بتعجب

:- عرفتِ أزاى!!
شدت وردة قامتها القصيرة مجيبة بتفاخر من يعلم كل شئ

:- صفارته أها ... بيصفر كيف البلبل لما ينادم عليا

ضحكت لينا بمرح احتضنتها بقوة قائلة بإعجاب
:- أنتِ سكره خالص يا وردة

شعرت وردة بالسعادة لإعجاب فتاة جميلة مثل لينا بها فأشرق وجهها بابتسامة جميلة ورفعت كفيها تمسح على شعرها البنى المجدول لجديلتين طويلتين بسعادة

ظهر جلال وعوض من بين الأشجار ... تقدم جلال لداخل التعريشة بينما جلس عوض أمامها يعد الشاى

تسائل جلال حين رأى الفتيات جالسات بجانب بعضهم البعض

:- إيه الأخبار عملتوا إيه؟ .... رفعتِ راسى يا وردة

أجابت وردة بحماس :- أنا نضفتها وخلتها بتبرج أها

قهقه جلال ضاحكاً بصوت رجولى جذاب مصاحباً لابتسامة لينا التى انتبهت لضحكاته الرجولية المرحة فأخذت فى تأمل ملامحة الشرقية التى تميل للسمرة ... بينما يتكلم مع وردة بود ومرح

:- تسلم إيدكِ ياوردة .... فعلاً بقت بتبرق (ثم أضاف بجدية) يلا بقى اتفضلى ماعندكيش مذاكرة ولا إيه!

نهضت من جانب لينا وأجابته :- عندى امتحان بكرة

أشار لها بإبهامه المرفوع مشجعاً

:- شدى حيلك عاوز درجات كويسة

ردت بثقة :- هچيب الدرچات النهائية أنا مذاكرة مليح

التفتت نحو لينا متسائلة بود
:- هتاچى تانى ياداكتورة

التقطت لينا كفها الصغير بحميمية واجابتها بابتسامة رقيقة
:- إن شاء الله ياحبيبتى

غادرتهم وردة ثم أحضر عوض الشاى ووضعه أمامهم ثم انصرف أيضاً

التفت جلال نحو لينا متفحصاً ثم قال باهتمام

:- أوعى تكونى أتعورتِ بجد ... أنا كان قصدى أعاكسك بس وماتوقعتش أنك هتقعى على الأرض بالشكل ده

هزت رأسها بالنفى رافعة حاجبها الأيسر للأعلى بغضب مصطنع

:- جت سليمة ... الحمدلله

عاد للغوص فى بحورعينيها الصافية وأطال النظر حتى أربكتها نظراته فطأطأت رأسها خجلاً ... زمجر جلال معترضاً
:- بتحرمينى من بحورعينيكِ الغريقة ليه

أشاحت بنظرها بعيداً وردت بخجل
:- أنت بتكسفنى كده يا جلال

تنهد بقوة وأقترب هامساً بلوعة

:- وأنتِ بتغرقينى فى بحورك ومش عاوز حد ينقذنى

أطرقت ولم تجيب وقد توردت وجنتيها باللون الوردى وعقلها الحائر يحاورها "لما كلماته ونظراتها تخترق قلبها ... لماذا تشعر باختلافه عن كل الرجال رغم تودد العديد منهم إليها إلا إنه مختلف ... كلماته العفوية الصادقة نابعة من إحساس حقيقى ينبع من القلب ولذلك يصل لقلبها مباشرة"

ابتسم بخفة وهو يستمتع بمشاهدة حيائها الفطرى الذى يزيدها حسناً وبهاء فسألها بشقاوة

:- قوليلى العينين اللى تسحر ديه جبتيها منين!!

ابتسمت برقة مجيبة دون أن تنظر نحوه :- من مامى

رفع حاجبيه بانتشاء ثم قال بمرح

:- ماكنتش أعرف أن المهندس صلاح ذوقه حلو كده

رمقته بنظره عاتبة ثم قالت بزجر

:- وبعدين معاك .... أنت شقى أوى ياجلال متأكد أنك صعيدى

قهقهة بشقاوة رافعاً كفيه أمامه مستسلماً ثم قال بعد أن هدأت ضحكاته

:- صعيدى على حج ... لكن مش جادر أجاوم البدر المنور اللى جاعد جصادى ده

قهقهت ضاحكة على خفة دمه حتى هدأت ضحكاتها وتأملته بصمت ... قدم كوب الشاى أمامها ولكنها رفضت بتأدب

:- شكراً ياجلال ... الشاى الأسود بتاعكوا ده مش بقدر أشربه ... تقيل أوى

أومأ متفهماً ووضع الكوب جانباً قائلاً بتوضيح

:- ده شاى صعيدى لازمن يكون حبر عشان يظبط الدماغ

نهض من مكانه واتجه نحو شجرة برتقال قريبة ومد كفيه يقتطف ثمرة ثم عاد إلى جانبها وقام بتقشير البرتقالة ثم قدمها نحوها قائلاً

:- أنتِ أول واحدة تدوقى محصولنا السنة ديه

التقطت البرتقالة من كفه وفصصتها لتتذوق أحد الفصوص ... انكمشت ملامحها مع طعم البرتقالة اللاذع

:- أممم ... مززة أوى
ابتسم موضحاً وهو يختطف فص من كفها ويدسه فى فمه

:- هى لسه عليها شوية عشان تستوى ... بس أنا بحبها وهى خضرة كده

ابتلع ما فى فمه ثم سألها بعفوية

:- أحكيلى بقى عن مامى (رمقته شذراً فصحح قائلاً) عنك يعنى ... اتكلمى براحتك احكيلى عن نفسك

ضحكت برقة ثم زفرت مفكرة لبرهة وأناملها تنقر برقة على وجهها قائلة

:- أقولك إيه! .... بابى مصرى ومامى ألمانية حبوا بعض وأتجوزوا وآآآ ... عشت نص عمرى فى ألمانيا ودخلت الجامعة هنا وعندى أخت أكبر منى عايشة فى ألمانيا مع مامى

سألها باهتمام : وليه درستى هنا مش فى ألمانيا

هزت أكتافها بعفوية مجيبة ببساطة :- بابى كان عاوز يرجع مصر ومامى رفضت تسيب ألمانيا ... فرجع لوحده وأنا مش حبيت أسيبه لوحده .... فجيت أكمل دراستى هنا فى الجامعة الألمانية بالقاهرة

تساءل بحرج :- يعنى والدك ووالدتك منفصلين

زمت شفتيها ثم هزت رأسها بضيق

:- أيوه للأسف ... بالرغم أنهم بيحبوا بعض أوى

تناول البرتقالة التى تركتها أمامها وقدم فص أخر نحوها فتناولته بعفوية وقد استساغت الطعم ثم سألها بجدية

:- وأنتِ ناوية تعيشى هنا ولا هناك؟

ابتلعت فص البرتقالة ثم ضحكت برقة

:- لسه ماقررتش هعمل إيه!!

شرد مع كلامها وهى تتأمل ملامحه ثم أردفت تسائله

:- وأنت بقى ... ليه مش بتكلم صعيدى ولا أنت مش صعيدى أصلاً بجنانك ده

ضحك بمرح مرجعاً رأسه للخلف ثم تناول كوب الشاى الخاص به وأرتشف بعض رشفات ثم صمت يتأملها للحظات مردداً لنفسه "حقاً يشعر أنه مجنون ... هذه الفتاة تخرجه عن طوره ورزانته المعتادة لا يدرى لما يجد متعة فى مشاكستها ورغبة فى قربها رغم كل الحواجز القائمة بينهم"

زفر بقوة ثم وضح ببساطة :- أبداً الحكاية بسيطة .... أنا كنت بدرس فى القاهرة فتعودت على اللهجه بتاعتهم ولو أن الموضوع ده كان مضايق أبويا أوى منى

ثم أردف بتحذير وبلهجة صعيدية

:- بس ما يغركيش لما بتعصب العرج الصعيدى بيفط فى نافوخى وبرطن صعيدى طوالى

ضحكت برقة وقالت بنعومة :- أنا بحب اللهجة الصعيدى أوى

التمعت مقلتيه بجذل وأقترب منها بمشاكسة هاتفاً بالصعيدية

:- يابووووى ... ده أنا مش هتحدت غير صعيدى من أهنا ورايح ضحكوا سوياً بمرح ورنات الهاتف تعلو مع ضحكاتهم

أخرج الهاتف من جيب بنطاله وأجاب سريعاً بمجرد أن لمح اسم المتصل وبعد أن أنهى مكالمته التفت نحوها معتذراً

:- أنا آسف يا لينا ... بس لازم أروح المزرعة ليوسف ابن عمى .... عندنا شغل كتير النهاردة كان نفسى أقعد معاكِ أكتر

نظرت فى ساعة يدها وابتسمت برقة

:- أنا كمان أتأخرت ولازم أرجع علطول وإلا بابى هيقلق عليا

نهض من مكانه واضعاً هاتفه النقال بجيبه وقال بجدية

:- ياريتنى أقدر أوصلك للبيت بنفسى بس هتبقى مشكلة لو حد شافك معايا (زفر بضيق مردفاً) على أى حال أنا هكون وراكِ من بعيد

رمقته بمشاغبة رافعة حاجبها ثم قالت بخيلاء مشيرة لسطوة عائلتها

:- ومين يقدر يضايق لينا السمرى

ابتسم بسخرية قائلاً

:- ماشى يا بنت السمرى (سرح فى ملامحها مضيفاً بنبرة عاشق) أنا كل غرضى اطمن عليكِ بس

ظهرت ملامح الجدية على وجهها وتسائلت بحيرة

:- جلال ... إيه اللى بين عيلتك وعيلتى!!

زفر بقوة مشيحاً بوجهه بعيداً قائلاً بشرود

:- ما تشغليش بالك بالحاجات ديه يالينا .... ديه صراعات قديمة ولسه بنعانى من تبعتها لغاية دلوقتِ

حرك رأسه لينظر نحوها يتشبع من فيروز عينيها مردفاً برغبة حقيقية

:- المهم أننا أصدقاء مش كده

أومأت برأسها بشرود عازمة على فهم مايدور من أسرار بين العائلتين ... لاحظ تغير ملامحها فهتف بعفوية يخرجها عن تفكيرها

:- قوليلى هشوفك أمتى تانى؟

عادت من شرودها للواقع الجميل التى تعيشه فى ذلك المكان الهادئ الجميل مع ذلك الشاب المشاكس المرح وهزت كتفها بدلال قائلة :- مش عارفة

أخرج هاتفه المحمول من جيبه وغمز لها وهو يطلب منها رقم هاتفها مضيفاً بمشاكسة

:- ولا لما أحب أكلمك اتصل بدكتور شوقى برضه

ضحكت برقة وأجابته بمراوغة :- مجنون و تعملها

غمز لها بشقاوة مؤكداً والهاتف فى كفه فى انتظار خطوتها القادمة فحركت رأسها بقلة حيلة والتقطت الهاتف من يده لتطبع رقم هاتفها على أمل بموعد جديد

****************

بعد ما يقرب من الساعة وبعد أن اطمئن جلال لدلوف لينا إلى منزل عائلة السمرى وهو يراقبها عن بعد عاد إلى المزرعة لينضم إلى ابن عمه يوسف الذى يشرف على أعمال البناء والتجهيز

انضم لهم طه بعد وقت قصير ليتبادلوا حديث ودى بدأه يوسف ليطمئن على حال طه

:- عامل إيه النهارده يا طه... يا رب تكون أحسن

ابتسم طه بحرج مردداً

:- الحمدلله بخير... شوية إرهاج وراحوا لحالهم ... كتر خيرك على السؤال يا أستاذ يوسف

ربت جلال على كتف صديقه بود ليتشاكسا قليلاً ثم عادوا لحديث العمل حين قال يوسف بجدية

:- اسمع يا دكتور ... خلينا نتكلم فى الشغل ... أنت دلوقتِ هتكون المسئول عن المزرعة وعايزين نتفق على المرتب بتاعك

عبس وجه طه البشوش ونزع نظارته الطبية عن وجهه ثم هتف بعصبية غريبة على طبيعته البشوشة

:- فلوس إيه يا أستاذ يوسف ... أنت بتهينى إكده

حاول جلال توضيح الموقف لكن اندفاع طه فى الحديث أثار دهشته وهو يقول :- إمبارح كنت بتجول كانى واحد من العيلة يا أستاذ يوسف

التفت بغتة نحو جلال مردفاً :- وأنت يا چلال بتجول أننا كيف الأخوات واليوم چاى تجول الحديت ديه

وضع جلال كفه على ساعد طه يوقف اندفاعه بنبرة مرتفعة نسبياً حتى يقاطعه فى الحديث

:- واليوم مفيش حاجة اتغيرت يا أخوى ... لكن علاقتنا ببعض مالهاش علاقة بالشغل

التزم يوسف الصمت أمام رد فعل طه الغريب وترك حرية التصرف لجلال فهو الأعلم بصديقة

زفر طه بقوة وقال بانفعال واضح

:- طول عمرى بشتغل أمعاك ... إيه اللى بدل الحال!!

أخفض جلال صوته ليصل للطبقة العادية موضحاً بهدوء

:- الحال أتبدل بالفعل ياطه ... الأول كنت بتراعى كام راس عجول يتعدوا على الصوابع وكل فترة تيجى تطعهم أو تطمن على حالتهم

مد ذراعه على طولها يشير نحو الأبنية الجديدة والأرض الممتدة مضيفاً

:- بص قدامك وشوف كيف الحال أتبدل ... الشغل بأمر الله أتوسع والمواشى كترت وهتكتر كمان إن شاء الله

رمق صديقه بنظره ثقة وعشم قائلاً :- أنت مكسب لينا يا دكتور ... ومحتاجينك تتولى أمور المزرعة بشكل دورى ورسمى

مد كفه على كتف طه يهز جسده الممتلئ قائلاً بنبرة آمرة محملة بعشم سنوات طويلة من الصداقة والعشرة

:- وعشان أنت واحد منا ... هتوافق على الشغل معانا وهتوافق على المرتب كمان

أسبل طه أهدابه عائداً بالزمن لسنوات كثيرة مضت، سنوات المراهقة حين كان فى السادسة عشر فى منزل البدرى وفى صباح العيد

حين كان بصحبة أبناء البدرى، جلال وعلاء شقيق ياسمين الأكبر يلتفون حول والد جلال ووالد ياسمين وهم يقومون بذبح الأضحية وعلى وجوه الجميع السعادة والفرحة

وهناك فى شرفة المنزل الأرضية تقف ياسمين التى تخطو بتؤدة إلى عالم المراهقة متشحة بوشاح وردى اللون تطل منه غرتها الكحيلة كلون الليل ... وقد ارتدت الحجاب حديثاً حين وصلت للثانية عشرة من عمرها

جو من السعادة والبهجة يحيط بالجميع ... تحتويهم روح الأسرة الواحدة بدفئها .. أما طه المراهق فكان يطير من السعادة وهو يشعر أنه فرد من أفراد هذه الأسرة الطيبة

وبقسوة الحياة وغدرها استيقظ من نشوته على الواقع الأليم وعم محمود والد ياسمين يمد ذراعه نحو طه بلفافة تحوى جزء من لحوم الأضحية لإيصالها لمنزله

منزل الشيخ رضا شيخ المسجد الفقير، لن ينسى أبداً وهو يرفض عطية والد ياسمين ... أبداً لن يقبل الصدقة، لن يقبلها من مخلوق وبالأخص من والد محبوبته

وحين رفض بشكل قطعى طلب عم إبراهيم والد جلال أن يقوم جلال بإيصالها إلى منزل الشيخ بنفسه

مازال الألم ينخر فى جسده كلما تذكر والده وهو يقبل الصدقة من عائلة البدرى ولا ينسى كيف تناولتها والدته ببشاشة وقامت بطهيها ولكنه أبداً لم يتناول منها وكذلك فعل مع كل صدقة وصلت لمنزل عائلته من عائلة البدرى

تبادل جلال ويوسف النظرات المتعجبة حين شرد طه بخياله ... تفكر يوسف سريعاً وبحسبه بسيطة فى عقله الرياضى وصل لفكرة أخرى لإرضاء الدكتور المتذمر

تنحنح بخفة ليلفت نظر طه الذى حرك رأسه ببطء نحو يوسف الذى اقترح بجدية

:- دكتور طه ... عشان تتأكد أنك واحد مننا وأننا فعلاً محتاجينك (استرق نظره نحو جلال ثم أضاف) أنت هتكون شريك معانا

جحظت مقلتى طه دهشة بينما تأمل جلال وجه ابن عمه الذى واصل حديثه

:- هتكون نسبة بسيطة من الشراكة ... وبكده نبقى أنا وجلال وحسام وأنت شركة مع بعض

حرك طه كفه أمام وجهه باعتراض وهتف برفض

:- إيه اللى بتجوله ده يا أستاذ يوسف ... أنا كل غرضى أنى رايد اشتغل معاكم بدون مجابل ... أنا مش هتجاضى فلوس على آآ

قاطع جلال الحديث يؤكد على موافقته على فكرة يوسف

:- وأنا متأكد من شعورك وغرضك ياطه ... بس ده حقك

ضم كتفى طه بذراعه بود قائلاً :- وكفاية أنك هتبقى شريكنا ومعانا على الحلوة والمرة

وضح يوسف بعملية

:- بالظبط كده ... نسبتك تقريباً هتكون بتعادل راتبك طول السنة لكن الفرق أنك هتخدها مجمعة مع الأرباح السنوية ولو لا قدر الله فى خسارة هتكون علينا كلنا

هتف جلال باستحسان

:- ميه ميه يا واد عمى ... أنا موافق خلاص

رفع طه صوته يعترض على هذا الكلام لكن أولاد الأعمام رفضوا الإصغاء وقد عزما على تنفيذ هذه الفكرة

***************

عند الغروب عاد يوسف وجلال للمنزل وكلاً منهما يدور فى صدره رغبة فى إنهاء أمر الثأر ولكل منهما غرض مختلف والبداية عند العمة أصيلة

اختلا بالعمة أصيلة فى غرفتها بعد تناولهم الطعام حيث بدأ يوسف الكلام بجدية

:- عمتى ممكن تحكيلى عن التار اللى على أبويا .. هو حكالى زمان بس عاوز أعرف التفاصيل من حضرتك

أسبلت أهدابها بألم تعلم أن المواجهة اقتربت وربما كثرة الأحداث فى الأيام السابقة هى السبب فى تأجيل هذا الحوار

تنهدت بحزن، يدور فى مخيلتها أحداث من زمن بعيد ثم تمتمت وعينيها تشرد فى الفراغ :- ده عمر تانى يا ولدى

تحفز جلال فى جلسته قائلاً باهتمام ورغبة فى الوصول لبر الأمان ... رغبة فى التمسك بحلمه الأزرق

:- أحنا محتاجين نشوف حل معاهم ... مش هنفضل فى صراع طول العمر

وافقه يوسف مؤكداً بنبرة جادة

:- وعشان كده عاوز عمتى تحكيلنا التفاصيل يمكن نلاقى وسيلة نتفاهم معاهم بها

طأطأت رأسها فى حزن وهى تستعيد ذكريات أيام أليمة، ذكريات تحمل فراق للأهل والأحباب بالبعاد أو بالموت

تمسكت بالصمت للحظات قبل أن تستعين بالله تسأله العون والسلامة ثم التفتت نحوهم وبدأت حديثها بنبرة حزينة

:- حسين أخويا الله يرحمه كان زينة الشباب والكل بيحلف بأخلاجه وعيلة السمرى كانوا مستجويين وأعدائهم كتير ... وجتها كانوا فى عز جوتهم وسطوتهم فى البلد والكل خاضع لهم ... كانوا بيشتروا أراضى كتير ويوسعوا أملاكهم ... منها حته أرض من واحد اسمه چابر أبو إسماعيل ... اشتروها بتمن جليل وبعد وجت بسيط چابر علم أن الأرض دخلت كردون مبانى وسعرها ارتفع جوى

تنهدت بحزن مضيفة بشرود عينيها

:- راح كلم كبيرهم سيد السمرى وحاول يتفاهم معاه يرد الأرض أو يدفع فرج التمن ... لكن سيد كان چبار وميهموش مخلوج ... جالوه مالناش صالح وأشترينا الأرض وخليص ... وماعرفش ياخد منيهم حج ولا باطل

تنهدت بآسى ومقلتيها ترتكزان بنقطة فى الفراغ مواصلة حديثها

:- وفى اليوم المشئوم راح چابر يطالبهم مرة تانية بفرج السعر وناوى على الشر وأخويا حسين لاچل النصيب كان معاهم فى الأرض بيجابل سيد السمرى كبير العيلة وكان معاه ولده عدلى وولده الصغير خالد ... چابر أبو إسماعيل حاول يتفاهم بالذوج ولما منفعش ... أتخانج معاهم ورفع البندجية على سيد السمرى وحسين أخوى حاول يهديه ومسك منه البندجية وحاول ياخدها منيه بدل ما يأذى حد

سحبت نفس طويل وأغمضت عينيها مضيفة :- كل واحد منيهم يشد من چيهة لغاية ما الرصاصة طلعت

اندفع يوسف يسأل باهتمام :- أصابت سيد السمرى كبير العيلة

حركت رأسها بالنفى ومازالت مغمضة العيون ... مجيبة بنبرة حزن دفين

:- لاه .. صابت خالد ولده الصغير .. كان شاب عنديه ياچى عشرين سنه إكده .. طب جاطع النفس

خيم صمت حائر بينهم للحظات فى محاولة لإستيعاب ماحدث،

قطب جلال جبينه مقرراً بجدية

:- عمى حسين كان بيدافع عنهم ... كان بيحاول يمنع جابر من أنه يقتل حد فيهم ... يبقى ليه شيلوه التار

لم يتكلم يوسف الذى يحاول أن يفاضل بين حديث والده وحديث عمته الأن ... تنهدت أصيلة بحسرة مردفة

:- البوليس أثبت أن أبو إسماعيل هو اللى جتل وحسين برئ ... بس سيد صمم ياخد التار من الاتنين .... چابر وحسين أخوى

تململ يوسف فى جلسته قليلاً وتسائل بحيرة

:- أبويا كان رايح يقابل سيد السمرى ليه؟

ارتبكت أصيلة من سؤاله وأشاحت بنظرها لجهة أخرى لتجيب بعد برهة بتوتر

:- زيارة عادية .. أبوك وصلاح ابن السمرى كانوا صحاب

لم يقتنع يوسف بإجابتها وكاد يعيد السؤال ولكن قاطعه جلال متسائلاً :- وجابر حصل له إيه؟

زفرت بضيق ورددت بتلقائية

:- اتحبس وعيلة السمرى طردت عيلته من البلد كلاتها ... وسمعنا أنه مات فى السچن بعد كام سنه أكده والله أعلم بالحجيجة فين

لوى يوسف فمه ثم تسائل بغصة استحكمت فى حلقة

:- وبابا ساب البلد بعد كده علطول

هزت رأسها بشجن تستعيد الأحداث فى مخيلتها

:- أبويا خاف على حسين وأنت كنت لساك صغير ... وحاولنا كتير نتصالح معاهم أو حتى ندفع الدية لكن رفضوا

نكست رأسها لتكمل بصوت محمل بالألم

:- لغاية ما فى يوم أنضرب نار على حسين وهو شايلك على كتفه ولولا ستر ربنا كانت الرصاصة صابتك يا ولدى ... ساعتها أبويا صمم أن حسين لازمن يسيب البلد عشان يحميكوا أنتوا التنين

زفر جلال بضيق :- لازم يكون فى حل يوقف سلسال الدم ده .... كل الناس ديه فى رحمة ربنا دلوقتِ ... وأحنا لسه بنعانى من التار

عقل يوسف لم يهدأ، هناك جزء مفقود فى هذا الأمر ويجب أن يبحث عن الحقيقة كاملة ... التفت نحو جلال متسائلاً

:- أحنا ممكن نحصل على محضر القضية

اندهش جلال من السؤال ولكنه فكر قليلاً ثم قال بشرود

:- أعتقد المحامى بتاعنا الأستاذ مكرم ممكن يكون محتفظ بالملف .... هأكلمه وأطلبه منه ... بس هتستفيد منه إيه !!

زفر يوسف بقوة مفكراً فى حل لمعضلة الثأر القائم وتمتم بتفكر

:- نطلع عليه يمكن نلاقى حاجة توضح الموقف أكتر

أومأ جلال باستحسان يتشبث بأى بارقة أمل قد تفتح السبيل أمام الصلح

*****************

فى المساء أوفى يوسف بوعده واصطحب شمس لزيارة منزل والدها ... تحركت فى حديقة منزل العزازى بعد أن ترجلا من السيارة، تتحرك بملابسها الفضفاضة مع وشاح مناسب يغطى كامل شعرها

لأول مرة تخرج عن حدود المنزل مرتدية الحجاب وقد أخفت هذا الخبر حتى عن شقيقتها ونسمة لتعد لهم مفاجأة سارة

رفعت رأسها بفخر نحو زوجها الذى يسير بجوارها ... يوسف الحبيب الذى ساعدها كثيراً ودعمها طوال الفترة الماضية ... كم تود أن يشعر بحبها له ... يستشعر نبض فؤادها الخافق باسمه .. ليس امتنان أو انبهار كما يظن ولكنه عشق يمد جذوره كل يوم فى شريانها أكثر وأكثر

أمام باب المنزل وقف حسام لاستقبالهم حين سمع صوت السيارة، وقعت مقلتيه على شقيقته بإعجاب متحكماً فى ابتسامة صغيرة تحاول الظهور على ثغره لكنها غافلته وطلت من مقلتيه

صافح يوسف مرحباً برجولة وناظر شقيقته وهى تتقدم على استحياء منه ... جاهلة بشعوره نحوها بعد كل هذه المدة

أطلق سراح ابتسامته ليرحب بوجودها فى الدار بعد غياب طويل

:- منورة دار أبوكِ يا شمس

أخيراً استطاعت التقاط نفسها وهى تتطلع فى وجهه بلهفة ثم باغتته بأن ألقت نفسها فى أحضانه هاتفه

:- وحشتنى أوى ياحسام

ابتسم يوسف بسعادة حين ربت حسام على رأسها بحنو يبارك لها على ارتدائها الحجاب

:- مبارك عليكِ يا بنت أبوى ... ربنا يكملك بعجلك ويتجبل منك

ابتعدت عن حضنه تطالع وجهه باعتزاز وقالت بثقة

:- الحمدلله يا أخوى

بدلت شمس نظراتها بين يوسف وحسام على استحياء وقالت بنية صادقة ووعد خفى لكليهما

:- أنا أتعلمت من غلطتى خلاص ... وربنا يقدرنى وتفتخروا بيا دايماً

احتواها حسام تحت ذراعه بحنان ليدلوفوا جميعاً إلى البهو ... ما أن وقعت عينيها على والدها حتى انطلقت كطفلة صغيرة فرحة بفستان العيد تهرع نحو والدها الحبيب وتلقى بنفسها راكعة أرضاً أمام ساقيه وذراعيها تضمه بقوة بينما رأسها يرتاح على صدره الحنون باشتياق

وقف حسام ويوسف يشاهدون ما يحدث برضا والحاج سليم يضحك ضحكته الهادئة على فتاته الصغيرة التى تتشبث بحضنه ... ضم رأسها بين كفيه وقبل جبينها بدفء

دمعت مقلتى شمس بعدم تصديق وعدم استيعاب بكل هذا القدر من الحب ومن كرم الله عليها ...لقد تقبلتها أسرتها مرة أخرى واحتوتها بكل المشاعر التى افتقدتها فى بعادهم فرددت غير مصدقة

:- سامحتني يا بابا ... سامحتني بجد

ثم انحنت على ظاهر كفه تقبله بكل امتنان عدة مرات، هتف والدها بنبرة رضا

:- جومى يا بنتى ... ربنا يرضى عليكِ

نهضت من مكانها ومسحت دموعها المنسالة على وجنتيها ... قائلة بشقاوة لا تخلو من الخجل

:- أعمل إيه يا حاج سليم وحشتنى

ربت على ساعدها قائلاً بمرح

:- بلا كلام بنات ماسخ ... بَعدى شوى إكده خلينى أسلم على چوزك

تراجعت شمس خطوتين للخلف لتفسح المجال ليوسف وتقف بجانب والدها ومازالت محتفظة بكف والدها بين راحتيها

رفع سليم رأسه نحوها وقهقه ضاحكاً وشاركه الرجال الضحك بمرح على أفعال شمس

أما يوسف فتحرك نحوها وخلص كف سليم من كفيها قائلاً بمشاكسة

:- لوسمحتِ عاوزه أسلم على الحاج سليم أنا كمان

تركت شمس كف والدها مجبرة ووقفت تحرك حدقتيها بجذل بين أحب الرجال لقلبها ولسانها يلهج بالحمدلله على استقامة الأمر بينها وبين والدها وشقيقها

احتضنتها على حين غرة من الخلف شقيقتها غير مصدقة لمظهر شمس الجديد ... تبادلتا الأحضان وسط حديثهم الصاخب

تنحنح حسام بحزم حتى تبتعد النساء عن جلستهم ... التقطت الفتيات إشارته فقالت فرح بصوت خافت وهى تتأبط ذراع شقيقتها

:- تعالى إحكيلى لبستى الحجاب أمتى ... نسمة هتفرح أوى لما تشوفك

تحركت شمس مع شقيقتها متسائلة بلهفة

:- هى فين نسمة ... ديه وحشتني جداً

تحركتا ببطء نحو قاعة جانبية مغلقة الباب وفرح تزضح

:- قاعدة جوه ... ديه نزلت مخصوص النهارده من أوضتها عشانك

تسائلت شمس بقلق :- للدرجة ديه تعبانة

نفت فرح سريعاً كوضحة

:- مش تعب وبس ... ده بقى منظرها مضحك جداً شبه القنبلة وممكن تنفجر في أى لحظة فى وشنا

زمجر حسام زاجراً باسم فرح حين التقط حديثهم عن زوجته

عضت الفتيات على شفاههن يكتمون الضحك وأسرعوا نحو القاعة التي تنتظر بها نسمة

********************

جلس حسام مع والده ويوسف يتبادلون الحديث حول تطورات العمل في المزرعة وموعد وصول المعدات والحيوانات وغيرها من أمور العمل ثم تطرق يوسف للحديث حول نجاح المباحثات مع شركة التأمين والموافقة على استرداد 60% من قيمة بوليصة التأمين

ارتفع حاجبى حسام دهشة أمام هذا الإنجاز الكبير بعد أن فقدوا الأمل فى قيمة التأمين للأبد

أومأ الحاج سليم بابتسامة راضية وقال مادحاً

:- والله وعملتوها يا ولاد .... دول كانوا رافضين يدفعوا مليم

شبك يوسف أصابعه وقال بثقة

:- الموضوع كان محتاج شوية بحث وشويتين زن والحمدلله ربنا وفقنا

شارك حسام فى الحوار بحماس

:- إحنا كنا نسينا الحكاية ديه .... الحمدلله إكدا عوضنا جزء من الخسارة

أعتدل يوسف فى مقعده وقال موضحاً

:- الحقيقة البركة فى صفوان وعماد هما اللى عملوا الشغل كله ... وتفاوضوا مع شركة التأمين وعملوا شوية تحريات في المينا لغاية ما وصلوا لسبب فساد الشحنة

هز سليم رأسه برضا وتمتم بهدوء :- ربنا يبارك فيكم كلاتكم

عبس حسام وسأل مستفسراً

:- سبب فساد الشحنة!! ... تجصد إيه يايوسف

أجاب يوسف بتلقائية

:- الحقيقة من خلال بحث عماد في المينا اكتشف أن حصل خلل فى تلاجات التخزين هناك ... وعشان كده الشحنة اتضررت ولولا أننا أثبتنا ده ... مكناش حصلنا على جزء من التأمين

زاد عبوس حسام مفكراً ثم ردد بشرود

:- السنة ديه كان أول مرة نحاول نصدر فيها المحصول وعشان إكده اشتركنا مع عيلة البدرى لأننا بدون خبرة وقلنا نساعد بعض و ربنا ييسر وننجح ... لكن اللى كانوا متعودين على التصدير عيلة السمرى

انتبه يوسف للحديث باهتمام بينما ناظره والده بتفكر وتسائل بحيرة

:- تجصد إيه يا حسام!!

استطرد حسام باتهام واضح

:- أجصد انه ممكن يكون ملعوب من عيلة السمرى ... لاچل مايكسروا شوكة البدرى وأحنا كنا الضحية لأننا شركائهم

تسائل يوسف بتحفز

:- ومين المسئول عن التصدير وله تعامل فى المينا من عيلة السمرى

رفع حسام سبابته أمام فمه مفكراً لبرهة ثم أجاب

:- فاروج السمرى و ... حمدى السمرى

*************************

ليلاً بعد العودة لمنزل البدرى وفى جناحهم الخاص بدل يوسف ملابسه وبدأ كعادة كل ليلة يمارس التمارين الرياضية

أستلقى أرضاً على بطنه يقوم بتمارين الضغط بينما شمس مازالت بالحمام تبدل ملابسها

خرجت بعد دقائق بنامتها المنزلية ذات البنطال الضيق الملتصق بمنحنياتها الأنثوية بشكل مغرى

تأملت جسد يوسف الرياضى المتناسق بإعجاب ثم صعدت بركبتيها فوق الفراش واستلقت على بطنها ثم استندت بمرفقيها على طرف الفراش ورأسها مستريحة على كفيها تتأمل رشاقته وقوة جسده

أثناء ارتفاعه وانخفاضه عن الأرض بجسده مرتكزاً على كفيه ... نظر نحوها بدهشة وهى تتأمله بتمعن مما أصابه بالارتباك ... استمر فى تمارينه عدة دقائق ثم جمد جسده فى وضع الارتفاع عن الأرض وسألها بدهشة

:- فى حاجة ياشمس ... نايمة كده ليه!!

أجابته ببساطة :- 15 ... كمل

اتسعت مقلتيه بعدم فهم وتسائل بحيرة

:- 15 إيه!!

انزلقت من فوق الفراش بليونة هابطة إلى الأرض وتربعت أمامه وهو يرتكز على كفيه وأصابع قدميه مرتفع بجسده عن الأرضية

وأجابته بعفوية

:- 15 مرة ضغط ... من وقت ماخرجت من الحمام لدلوقتِ

هبط بجسده ليؤدى تمرينه واحدة ثم ارتفع مرة أخرى وقال باعتراض

:- أنتِ هتفضلى قاعدة قدامى كده

أومأت ببساطة :- أيوه ... 16

زاد معدل تنفسه ومقلتيه تجرى على جسدها صعوداً وهبوطاً من هذا القرب دون قصد منه ... ارتكز بركبتيه على الأرض يناظرها بغضب وقد ترك التمارين ثم صاح بها متذمراً

:- أنتِ كده لخبطتينى

جعدت ملامحها وقالت بامتعاض

:- لخبطتك ليه!! ... أنا بساعدك وبعدلك التمارين ده جزائى

تخصر وهو يقف على ركبتيه يلتقط أنفاسه بتثقال وقال باستياء

:- أنا بعرف أعد على فكرة

أعتدلت لتقف على ركبتيها مثله ليصبحا متقابلين رغم فارق الطول بينهما وهتفت باعتراض

:- على فكرة بقى الرياضة ديه بتبقى الصبح مش بالليل

تأملها بغضب مكتوم يريد أن يصرخ بوجهها "أنتِ السبب فى ممارسة الرياضة ليلاً حتى أروض جسدى وأحافظ عليكِ حتى نصل لبر أمان"

ولكنه التزم الصمت وأشاح بمقلتيه بعيداً عنها وقال من بين أسنانه

:- الرياضة تنفع فى كل وقت

تحركت على ركبتيها لتقترب خطوة منه وقالت بنبرة ناعمة

:- أنا لسه ليا طلب ... فاكر ولا لأ!!

حرك مقلتيه يرمقها بنظره جانبية ... بالطبع يتذكر طلبت زيارة والدها وأجلت الطلب الأخر حين تختلى به، قال بتوجس

:- عاوزه إيه!!

اقتربت خطوة أخرى وقالت بنفس النبرة الناعمة وهى تشير بعقله أصبعها :- طلب صغير قد كده

ظل على نظرته الجانبية المتوجسة وأومأ برأسه ... فأردفت بميوعة

:- هو سؤال واحد ... نظرتك ليا زى أول يوم أتجوزنا فيه ولا أتغيرت!!

حرك مقلتيه بعيداً عنها يجادل نفسه "يبدو أن هذا سؤال مخادع وسوف تحصل على اعتراف منه بحبها ... تماسك يايوسف واحذر من مكر النساء لم يتبقى سوى القليل، اطمئن على عائلتك أولاً ثم تفرغ لهذه المحتالة الصغيرة"

نادت باسمه بضيق قائلة :- للدرجة ديه الإجابة صعبة

حرك رأسه نحوها وابتسم بمجاملة قائلاً

:- أبداً ... الإجابة سهلة أوى ... طبعاً شعورى ... آآآ أقصد نظرتى أتغيرت كتير وخصوصاً إنك

ابتسمت بسعادة ورفرفت رموشها بدلال فابتلع ريقه الجاف وأردف

:- إنك بدأتِ تتصرفى بشكل عقلانى وبتحاولى تطورى من نفسك وتلجمى أسلوبك المتهور

رغم أن ركبتيها تأن من الوجع من الأرض الصلبة تحتها إلا إنها تحاملت على نفسها ومالت بجذعها نحوه هامسة بغنج

:- يعنى عجبتك!!

فى جزء من الثانية كان يوسف واقفاً على قدميه فاراً فى اتجاه الحمام مجيباً على سؤالها بكلمات مختصرة :- جداً ... جداً

ثم دلف للحمام وأغلقه خلفه يفر بمشاعره الثائرة بعيداً عن معشوقته، اعتدلت شمس متألمة وجلست على الأرض قائلة بحاجب مرفوع ونبرة شريرة :- أنا هبدأ أشك فى قدراتك يا چو

*******************

Continue Reading

You'll Also Like

58.2K 1.2K 12
ركعت أمام قدميه خانعة تهتف بصوتها الباكي في رجاء يكسوه الجزع: _ أبوس ايدك سامحني يا ريان، عارفة اني غلطت وكان المفروض أعرفك من الاول، أرجوك ماتعرفش ح...
142K 5.7K 74
وحش كاسر لا يمكن لأحد الوقوف امامه ليتعرض لحادث غير مجرى حياته ليستطيع ان يتعرف على تلك الفتاة التي اخذت تحاول ترويضه في صراع بين الخوف والدموع والعش...
421K 11.3K 20
ليس كل صديق يكون مخلص و ليس كل ما يظهر سيئ فهو بالفعل سيئ كان يظنها من تريد أن تسوء سمعته و لكنها كانت ضحية خدعة
536K 13.2K 39
المقدمه 💜 سأمت من ذلك السجن الكبير الذي اضع فيه نفسي سأمت من سجن حبك سأمت منك سأمت من كلماتك المكرره وتأوهاتك المزعجة ساخرج الى عالمي ولكن كيف...