العائد للكاتب : حسن الجندي

By nrjs30maryam

17.4K 1K 110

الجزء الثالث والأخير من ملحمة مخطوطة ابن اسحاق ... الكثير من الأحداث والشخصيات والخفايا في هذا الجزء .. قراءة... More

إهداء
مقدمة
في اليـوم السـابق
الفـصـل الأول
الفـصل الثـانـي
أصـدقـاء قـدامـى
ابـن ذاعـات
العـائـد
آصـف بـن بـرخـيـا
الـطـلـسـم
الـمـزامـيـر
الـنـهـايـة

مـديـنـة المـوتـى

842 71 11
By nrjs30maryam

عاد الجني إلى موضع مهران بعد ما يقرب من ساعة بتوقيت البشر، فوجد هذا الأخير جالسا على الأرض بجانب فرسه، بعد أن ردم موضع الحفر الذي أنشأه منذ قليل .
بوجه متخشب نظر مهران إلى الجني قائلا :

"يفضل بعد كل تلك الغبية أن أعرف كل شيء"

انتبه الجني في وقفته كأنه بدأ يحترم مهران لا إراديا، وقال :

"في تلك البقعة خرج على مروى ويونس بعض قطاع الطريق . . استولوا على جِمال كان يجرها يونس، قاومهم فقتلوه، واغتصبوا مروی قبل قتلها هي الأخرى"

انتظر الجني ثوان كأنه يتوقع أي ردة فعل أو تعبير على وجه مهران، ثم أكمل بعد أن وجد الجمود على وجهه كما كان :

"بعد دفن جثتهما ساقوا الجمال إلى قرية قريبة"

"غيبتك الطويلة تدل أنك توصلت لأكثر مما تقول"

قالها مهران فرد الجني بتلقائية:

"استجوبت العشرات من الجن المحيطين حتى وصلت للقرية وعرفت من دخل بمواصفات قطاع الطريق إليه، وعرفت أسماءهم: أحمد بن یزید،
أحمد بن إبراهيم بن محمد، ويوسف العطار، يهابهم أهل القرية والقرى المجاورة"

"أرشدني لطريق هذه القرية"

"لم لا أرى قرينك؟"

"أرشدني وستعرف كل شيء"

أشار بيده لأحد الاتجاهات وهو يقول:

"سر من هنا بحصانك حتى ترى سبيل ماء فقير، هناك تجد القرية"

نظر مهران للاتجاه الذي أشار له الجني، فقال هذا الأخير:

-"هل تفكر بأنني اكذب عليك؟"

نہض مهران وسار حتى توقف أمام الجني تماما وقال:

"أثق في صدقك .. هل تعرف لماذا؟"

لم يَردّ الجني وهو ينظر لوجه مهران بقلق، فاكمل هذا الأخير قائلا:

"سأشعر لو كذبت عليّ لأننا من نفس الجنس، فأنا جني مثلك!"
بعدما انتهى من جملته مد يده ناحية الجني فجأة.

************

دخل مهران سوق القرية ممتطيا فرسه، يسير بين الدكاكين والباعة مفترشي الأرض وهو ينظر يمينا ويسارا بوجه جامد.

توقف بعض الناس في السوق ينظرون بقلق لهذا الشاب؛ الذي يرتدي تلك الملابس الفاخرة التي تعلق بها بعض الغبار فبدا مظہرہ متناقضا.
وتعلقت عيونهم بالسرج المزخرف الموضوع على فرسه القوي.

تهادي الفرس وسط الناس حتى وصل إلى مقهى امتلأ بأقفاص وضعت خارجه؛ ليجلس عليها الزبائن . هبط مهران عن صهوة فرسه وهو يلقي التحية على الجالسين ، رد الجميع السلام بحفاوة متأثرين بهیئته وملابسه الغالية التي تختلف عن ملابسهم جميعا .

ربط فرسه بجزء بارز بجانب أحد المنازل الملاصقة للمقهى، ثم جلس على أحد الأقفاص الخالية والجميع ينظر إليه كأنهم يترقبون ما سيفعله، جاءه القهوجي فطلب منه ماء وينسونا ومعسلا.

وبدأ الجالسون يتهامسون بأنه ليس مصريا بعدما لاحظوا لهجته الثقيلة التي تبتعد عن لهجة أهل الصعيد .. قال بعضهم إنه ربما من أحدى قبائل اليمن، ونفى آخرون ذلك.

جاء القهوجي يحمل الماء والينسون، عندما سمع مهران صوتا يقول بمودة :

"نرجو أن يعجبك ينسون المقهى"

نظر مهران خلف جهة الصوت، فوجد رجلا يدخن (شبك دخان) الذي يشبه الغليون لكن قصبة تدخينه تزيد عن المتر، فابتسم بطرف فمه وهو يقول:

"بالطبع سيعجبي "

"يبدو انك غريب عن بلدتنا"

قال الرجل العبارة متقطعة وهو يستنشق الدخان بين كل كلمة وأخرى، فاعتدل مهران في مجلسه ووجه جسده ناحية الرجل ليظهر له الاحترام قائلا :

"لهجتك غربية، فلا هي تشبه أهل المحروسة ولا أهل البحر"

قال العبارة رجل آخر بلهفة محاولا معرفة المزيد عن مهران، الذي نظر له قائلا :

"لست مصريا في الأصل .. لكنني أقيم في المحروسة منذ سنوات"

غموض مهران في عبارته المقتضبة جعل الفضول يسري بين الزبائن :

"أنت من اليمن، أليس كذلك؟"

"لا .. بل من بلاد فارس"

"فارسي.. نسمع الكثير عنكم"

أنزل القهوجي الشيشة لمهران، الذي تناول ذراعها ووضع المبسم في فمه وهو يقول بطرف شفتيه:

" وهل تسمع خير أم شرّا؟"

"كل خير بالطبع، لكن يبدو أنك تطبعت بطباع المحروسة بسرعة، فأنت تدخن المعسل بحرفية"

في تلك اللحظة كان وجه مهران جامدا، وقد ركز عينيه المتسعة على محدثه ودخان المعسل يخرج كثيفا من أنفه ....

"طباع بلاد فارس لا تختلف كثيرا عن طباع أهل مصر"

قالها مهران ثم دق بطرف ذراع الشيشة على قاعدتها الزجاجية قائلا:

"كلمة الشيشة أصلها من بلدي، فنحن نقول شيش، ونستخدم الشيش الزجاجية في التدخين في كل مكان، لكن التبغ الذي نستعمله أثقل بكثير من المعسل هنا"

"سمعت عن المعسل الإيراني لكنني لم أجربه من قبل"

- "ربما في زيارتي القادمة أحضر لك بعضه لتجربه"

ابتسم الرجل، في حين قال آخر:

"وهل جئت بلدنا لتجارة أم زيارة؟"

"جنت لتوصيل أمانة .. مبلغ من النقود لثلاثة رجال"

"من هم؟ "

- يوسف العطار وأحمد بن يزيد وأحمد بن إبراهيم بن محمد"

فجأة ران الصمت على الكثير من الزبائن، حتى إن بعضهم ممن لم يسمع المناقشة من البداية؛ نظر متعجبا للهدوء المفاجئ.
نظر الرجال لبعضهم البعض ووجوههم تحمل تعبیرات مختلفة، تتأرجح ما بين القلق والخوف والشك.

"من أين تعرفهم؟"

"حملت الأمانة من رجل بالمحروسة دون معرفة هؤلاء الرجال، هل يعرفهم أحد منكم؟"

ران الصمت مرة ثانية قبل أن يقول أحدهم:

"ومن هذا الرجل الذي أرسل المال؟"

"اعذرني فاسمه وماله هو أمانه أعطيها لمن ذكرتهم.. هل يدلني أحدكم عليم؟"

"هم سيصلون إليك"

قالها الرجل الذي كان يدخن شبك الدخان منذ البداية، لكنه بعدما انتهى من عبارته أدار رأسه بعيدا عن مهران فتبعه الجميع بلا تخطيط.

_______________

انتهى المصلون من الصلاة وخرج الجميع من الزاوية، بينما بقي مهران جالسا مستندا بظهره لعمود من الخشب وسط الزاوية، دخل المسجد ثلاثة شباب مخيفو الهيئة يحمل أحدهم خنجرا مزخرفا في نطاق لفه حول وسطه.
توقفوا أمام مهران وقال أحدهم:

"أنت الفني الفارسي الذي يبحث عنا؟"

نظر لہم مهران متفحصا وجوههم وهو يقول:

"هل أنتم الثلاثة الذين ذكرت أسماءهم؟"

" نعم "

نطقها أحدهم، فنهض مهران بينما تراجع الثلاثة خطوة إلى الوراء بتحفز، وقال أحدهم:

"من أنت؟"

"أنا الحي بن القصاب"

قالها وانسحب من وسطهم بهدوء، وهو يأخذ نعليه ويخرج من الباب ليرتديه.
بمجرد خروجه وجد العديد من الرجال يقفون على مقربة من باب الزاوية ينظرون له بترقب.

تبعه الرجال الثلاثة للخارج مرتدين نعالهم على عجل، ووقفوا أمامه كأنهم يسدون الطريق عليه، نظر لثوان إلى الجمع الواقف فخيل إليه للحظة . . أنه رأى هالة مختلفة اللون تحيط بأحدهم، لكنه ركز أكثر في الثلاثة الواقفين أمامه.

"من أرسلك لنا وما هي الأمانة؟"

قالها أحدهم فرد مهران بهدوء:

"الأمانة من الشيخ يونس الحرابي"

"لا نعرفه"

"وهو لم يعرفكم أيضا، قبل أن تقتلوه هو وابنته"

نظر الثلاثة لبعضهم البعض والصدمة تسبق الدهشة، بينما تتعالى همهمات الناس الواقفة خلفهم.
فجأة أغلق مهران قبضته وضرب أقرب الثلاثة إليه بسرعة، فسمع الجميع صوت عظام وجهه تهشم وسقط صريعا لتوه.

تغيرت ملامحه وقد نفرت بعض عظام الوجه من الجلد، صرخ الناس بينما أمسك مهران بالرجل الثاني من رقبته يعتصرها، لكن هذا الرجل أخرج خنجره من نطاقه وغرسه في صدر مهران المنقبض .

تخلی مهران عن رقبة الرجل وأمسك مقبض الخنجر وصرخات النساء تتعالى، أخرج الخنجر بقوة وسرعة من صدره فلم يكن على نصله أثر للدماء.

تراجع الرجلان الباقيان مذعورين للوراء، لكن مهران غرس صدر صاحبه وهو يقول بوجهه الجامد وكلماته الهادئة:

"الان تعرفون معنى أن يطلق عليكم لقب "الحي" "

تعالت أصوات من الناس يصرخون قائلين:

"انجدنا يا شیخنا!"

لم ينتبه مهران لتلك الكلمات لأنه انشغل بثالث الرجال الذي أخذته الصدمة، فلم يتحرك خطوة واحدة للخلف، لكن كل ما استطاع أن يردده :

."أعوذ بالله من خلق الله.. أعوذ بالله من خلق الله"

وقف أمامه مهران وأمسك رقبته بيد واحدة يعتصرها وهو يقول:

"جيد أنك تذكرت الله.. لأنك ستذهب إليه الآن"

أخرج الرجل من حلقه حشرجة عالية محاولا التنفس وهو يضرب بيده وجه مهران .. سمع هذا الأخير صوت شاب يتكلم بكلمات غير مفهومة، وشعر بوجود شيء غريب.
اقترب صوت الشاب أكثر واختفى صوت الناس، هنا ميز كلمات الشاب الذي أصبح خلفه تماما:

"عيطوش عيطوش لبطوش لبطوش أروابوش أرواپوش أجب يا برقان بخدمك ورجالك وتلبسوا يدي لتصرعوا من بلمسها"

نظر خلفه بسرعة ليجد شابا يرتدي جلبابا وعمامة، ويضع يده على فمه وهو يقرأ تلك العزيمة، وضع الشاب يده على رأس مهران المذهول وهو يقول:

"أمسك بمس الصرع بدنا ونفسا بحق حراس هیکل (سلیمان) شيمل وهازم وعين الأشرم وابنه"

تصلب جسد مهران رغما عن إرادته ورأسه يكاد ينفجر من ألم غريب انتابه لحظة وضع الشاب يده على رأسه، لكن يده الممسكة برقية الرجل الثالث لم تتخل عنه حتى إن جسده ارتخى مفارقا الحياة قبل أن يسقط مهران هو الآخر بجانبه، وجسده يتشنج رغم أنه مازال يرى بعضا مما حوله، رأى الشاب الذي صرعه يقف ناظرا إليه بشك، متفحصا إياه بعينيه وبعض الناس يقبلون ب4ديه متبركين، وإحدى النساء تهتف بفرحة:

"ادعوا للشيخ "إسماعيل الحلاج" أنه نجانا من شر الفتى الفارسي"

*****************

كان طه يقف عاريا ينظر لحامد بإرهاق، وأشار بيديه لملابسه الملقاة على الأرض قائلا:

"أحضر لي ملابسي"

جری حامد ليحضر القميص والسروال والجاكيت، ووضعها عند قدمي طه الذي قال:

"رأيت عوالم لم أكن لأحلم بأن أراها، ومع ذلك لم أصدق أنك سيد الغرفة النحاسية! "

انحنى بعدها وأخذ يرتدي سرواله بصعوبة، لكنه سقط فجأة على الأرض، فأسرع حامد إليه يساعده على النهوض، ويجره إلى المقعد ليجلسه عليه وهو يقول:

"الحمد لله أنك ارتديت سروالك، وإلا لما لمستك حتى!"

اعتدل طه على المقعد وهو ينظر للفة الطعام المفتوحة، وبعض الأشياء التي أحضرها حامد، بينما هذا الأخير بتساءل:

" ما سبب السحابة التي أحاطت بك منذ قليل "

" لأن الهواء تأين من حولي "

"يا نهار أسود!"

نظر له طه وقال:

"أنت لم تفهم ما قلت .. صحيح "

"صحيح!"

نظر طه مرة أخرى للأشياء التي وضعت على المنضدة، وهو يمسك علبة صلصلة طماطم ويقول:

"هل طلبت منك هذا؟"

"لم تحدد في الورقة هل تريد معجون صلصة الطماطم أم معجون حلاقة، فأحضرت الاثنين"

"من هذا الذي يستخدم لفظة معجون الطماطم!"

"أنا أقرأها هكذا على علب الصلصة، بمناسبة الورقة التي كتبتها، أنا إلى هذا الوقت لم أندهش بعد، وعندي ألف سؤال ستنفجر مرارتي إن لم أعرف أجوبتها! كيف عرفتني وكيف علمت بأمر الغرفة النحاسية؟"

أمسك طه بقطعة دجاج من لفة الطعام وهو يقول:

"أنت أخبرتني باسمك وبأنك أصبحت سيد الغرفة الجديد "

"متى؟"

نظر طه مدفقا في قطعة الدجاج التي قضم حامد بعضها وقال:

"هل أكلت من الطعام الذي طلبت منك إحضاره؟"

"احم.. اترك الطعام الآن وأجبني متى أخبرتك؟"

"في هذا المكان لكن في المستقبل القديم"

"وهل تعتقد أنني فهمتك الآن؟"

قضم طه قطعة الدجاج ومضغها ببطء، فصرخ حامد:

"هل ألف لك سيجارة حشيش بعد تناول الطعام؟"

"الحشيش في جاكت البدلة، لف لنا سيجارتين"

"أهناك حشيش بحق؟ "

قالها حامد متلهفا، قبل أن يسمع صوت رحيم يقول:

"ألا تملك أي فضول حول انتقاله من عالمي لعالمك؟"

هنا قال طه بعدما ترك قطعة الدجاج:

"بالطبع أنت عرفت مكاني بمساعدة المأمور صديقك"

"ومتى أخبرتك؟ في الحاضر القريب أيضا؟"

" نعم "

"لو لم تدخل علي بهذا العرض الغريب لاعتقدتك مجنونا!"

"سألخص لك كل شيء لأنني أحتاج مساعدتك .. لقد جاءني جساس الغرفة القديم ليطلب مساعدتي، وأخبرني بكل الأحداث التي وقعت في الغرفة وأدت لتدميرها، وحكي لي عن أبي وكيف ساعدكم في مواجهة المخلبي وكيف قتله"

"البقاء لله"

" ونعم بالله.. المهم.. كما تعرف أنني قتلت سنان- أحد رجال المخلبي المقربين، وهذا ما قادك إلي .. وأحييك على هذا الذكاء"

"ميرسي!"

"لكن ما لا تعرفه أنني استجوبته قبل قتله وعرفت الكثير، مثل موعد فتح البوابات وموضع حبيبة ، وخطة هجوم المخلبي عند فتح البوابات، وخطة خاصة لمنع يصفيدش من الوصول لأي معلومات تقوده لطائفة تسمى العفاريت، كي لا يستخدمهم ضده قبل أو بعد فتح البوابات"

"وكيف سيطرت عليه لتستجوبه؟"

"عن طريق تجارب عملت عليها لسنوات استنادا لتجارب أخرى قديمة جدا، للعالمَيْن ("رودلف أمبيرج" و"نيكولا تسلا" .. أقوم بصنع مجال كهرومغناطيسي عن طريق الكهرباء، ممتزج مع جاذبية الأرض نفسها، هذا المجال من الطاقة يحبس كل ما داخله من طاقات ذات تردد أقل"

"هل الموضوع له علاقة بإسحاق نيوتن الذي اخترع الجاذبية؟"

قالها حامد بجدية، فاتسعت عينا طه وهو يردد:

"اخترع الجاذبية!!"

" الموضوع له علاقة بالتفاح؟"

"سأحاول أن أبسط لك الأمر، أقوم باستدعاء الجني بشكل طبيعي، بطريقة استدعاء التي تستعمل في كتب السحر، وفي نفس المكان الذي يحضر فيه الجني أجهز شيئا يشبه ذلك"

وأشار للآلة في وسط المصنع، ثم أكمل:

-"هذا الجهاز ينشئ مجالا كهرومغناطيسيا قويا، والجن جسده في الأصل من الطاقة، لذلك أحبسه فيه وأقوم بالتأثير على ذرات جسده من خلال هذا المجال حتى يتكلم، لو أردت قتله سأزيد قوة مجال الطاقة لفترة زمنية حتى يتأثر جسده ويحدث له ما يشبه الفناء من العالم"

"الموت؟"

موت واختفاء لطاقة جسده في نفس الوقت"

"ولو أنني لم أفهم ما تفعله لكنك تتكلم عن شيء
يشبه الغرفة النحاسية"

"أعتقد ذلك، ولو أن الغرفة النحاسية نفسها متطورة عما أفعله"

جرّ حامد المقعد وجلس بجانب طه وهو يقول:

"أكمل"

"خطر ببالي أن أكون مؤثرا في عالم المخلبي لكن بطريقة أسرع، فكرت بأن أدخل لعالم الجن بنفسي"

"يا ابن المجنونة!!"

"ماذا؟!"

"أكمل من فضلك"

"معظم التجارب التي اختبرت احتمالية إحاطة البشر بحقول الطاقة، فشلت وأثرت سلبا على المتعرضين للتعرية، بعض التجارب نجحت لكها بلا قصد فتحت فجوة بين الأبعاد، وتم إحلال كتلة البشر لتدخل إلى أبعاد أخرى أو أماكن بعيدة عن مكان التعرية في نفس البعد"

"لم أفهم ولا كلمة!"

ضرب طه على جهته وهو يغمغم:

"كيف أصبحت سيدا للغرفة النحاسية!"

"هل تقول شيئا؟"

نظر له طه بحسرة وقال بنبرات بطيئة:

"انفتحت فجوة بين الأبعاد وانتقلت لها أجساد من كانوا يجرون عليهم التجارب، لكن للحظات أو دقائق"

"هدئ أعصابك وأكمل"

"في كتاب قديم عندي يتحدث عن الجان قال أحد المتصوفة، إن فرق.أعمارنا لأعمارهم 15 عاما، أي إن مرور هذه الأعوام في عالم البشر، بساوي مرور عام واحد فقط في عالم الجان، فكرت كثيرا كيف وجدت تلك المعلومة التي هي من تراث الصوفية- منذ مئات السنين - لتفسر كيفية طول أعمار الجان وهم لم يطلعوا على نظريات توصل لها العلم في آخر 100 عام فقط"

- "أي نظريات؟"

"نظرية النسبية لأينشتاين.. ارتباط الحركة بالزمن"

فتح حامد فمه، فقال طه بسرعة:

"سأحاول أن أمحي هذا الغباء الذي أراه أمامي، أينشتاين يقول إنه باختلاف الحركة يختلف الزمن، أي لو زادت سرعتك تباطأ الزمن من حولك، ومثال على ذلك فالزمن على الأرض يختلف عن الزمن على الكواكب الأخرى، فاليوم على الأرض لا يساوي اليوم على كوكب آخر زمنيا.. ولأن جسد الجني وعالمه وحركة جزيئاته أسرع من حركة جزيئاتنا كبشر؛ لذلك فالوقت عندهم أبطأ من الوقت عندنا، أو بمعنى آخر، اليوم عندهم يمر يشكل طبيعي، لكن بالنسبة لنا يمر كأربعة عشر يوما تقريبا . . . ولأن الكون بشكل ما عبارة عن جزر منفصلة من الأزمنة المختلفة، فقد فكرت في دخول بُعد الجان بشكل علمي عن طريق فتح فجوة بين الأبعاد، وفي نفس الوقت أغير من سرعة ذرات جسدي عن طريق شحنها بدفعة من الكهرباء، لصنع ذبذبة معادلة لذبذبة جسد الجني "

أشار طه للخطوط المحترقة في جسده وقال:

"لففت حول جسدي سلكا نحاسيا ومررت أطرافه بين جلدي؛ ليسري مجال كهربي داخله يغير من طبيعة جسدي، لكن هذا المجال ينتهي من الأسلاك بعد ساعات من زمن عالم الجان، أي يومين من عالمنا، وعند انتهاء سريان الشحنة الكهربية في السلك يعود جسدي لعالم البشر مرة ثانية، لكن إن لم أختر المكان فسأعود في أي مكان يكافي عالمهم وعالمنا "

"أنت في عالم الجان منذ يومين؟"

"لم أكمل اليوم وانتهى الشحن من الأسلاك"

"لم؟"

"لأنني في عالم الجان تعلمت الانتقال بين الأماكن بمجرد التفكير، لكن هذا يأخذ جزءا من الطاقة في الأسلاك، وتعلمت الكثير من الأشياء، كالتحدث مع البشر أو تحريك أشياء في عالمنا، حتى اكتشفت قدرة غربية تهلك جزءا من الطاقة"

"لا أعتقد أن هناك أغرب من انتقالك لعالم الجان!"

"كنت قد سألتني كيف عرفت بوجودك في المصنع، وكيف أنني تحدثت معك سابقا"

" أموت وأعرف السبب "

" لأنني اكتشفت أنني أستطيع الانتقال للمستقبل "

*************

أزاح عماد باب الغرفة النحاسية بصعوبة وخطي داخلها بخطوات واثقة، نظر حوله لتفاصيل الغرفة التي عرفها منذ فترة فوجد نفس النقوش لكنها ثابتة بلا حركة، وبعضها تغير كأنه حذف .. بعض المساحات على الحوائط أصبحت فارغة.

وفي ركن مظلم من القاعة وجد رجلا يرتدي جلبابا وطاقية، ويمسك في يده عودا خشبيا كأنه قلم، الرجل يعطي ظهره لعماد، لكن يبدو أنه منهمك في شيء ما يفعله، شعر عماد بخطوات خلفه فنظر ليجد حازم يقف وهو ينظر له بدهشة، فقال له:

"تتبعني للحلم مرة أخرى يا صديقي؟"

ابتسم حازم وهو يقول:

"أسمعك جيدا.. يبدو أننا نحلم مرة أخرى كأمس، لكن ما السبب؟"

نظر عماد للرجل الممسك بالعود وقال:

"من الممكن أن تكون رسالة لنا من عالم آخر .. شخص ميت أو جني أي شيء، لكن يجب فهمها ومعرفة من يكون هذا الشخصز"

تقدم حازم خطوتين ليقف بجانب عماد وهو يقول:

"يشغلني مرسل الرسائل أكثر منك، نفس نوعية الأحلام تلك جاءت لكل من كان له علاقة بالمخطوطة من البداية، كأنها تحمل تحذيرات أو تفسيرات"

"لا أخجل من الاعتراف بأن الحديث في الحلم مع شخص آخر ممتع وخاصة..."

فتح عماد عينيه ليجد نفسه على جانب الفراش في غرفة نوم حازم .. ابتسم وهو ينهض وينظر لهذا الأخير، الذي نهض بدوره وهو يقول:

"كنت تقول إن الحديث في الحلم مع شخص أخر ممتع وخاصة ماذا؟"

*************

"قل لي إنك انتقلت لعالم الجان وأحببت بنت ملكهم وهربتما معا لشقة في إمبابة؛ لتتزوجا عرفي وسأتفهم! لكن لن أستطيع هضم موضوع انتقالك للمستقبل هذا!"

قالها حامد وهو يهرش في رأسه وينظر للأرض.

"اذهب لجاكيت البدلة الملقى على الأرض هناك وافتح جيبه الجانبي"

قالها طه وهو يشير للملابس الملقاة، فنهض حامد وهو يقول:

-"هل سأجد المستقبل داخله هو أيضا؟"

"لا . . بل ستجد علبة سجائر وولاعة، احضرهما"

"خدامتك أمينة!"

أحضر حامد السجائر فأشعل طه إحداها وهو يقول:

"لم أصدق ما حدث في أول مرة، تخيلت نفسي أهلوس، لكن التجربة تمت هذا الشيء الغريب، لم يكن انتقالا في الزمن بالمعنى الذي فهمته، لكنه عبارة عن رؤية المستقبل ما أنوي فعله"

"أترى أم تنتقل؟"

"الانتقال للمستقبل علميا خيال، أو على أقل تقدير مستحيل علميا في هذا الوقت، لو أردت مثلا أن تنتقل عبر الزمان ، فيجب أن ينتقل جسدك بسرعة تزيد عن 300 ألف كيلومتر في الثانية، وهي سرعة الضوء . وبرغم أن بعض التجارب استطاعت اختراق هذه السرعة عن طريق نبضات الليزر؛ بسبب عدم وجود كتلة لها، إلا أن جسدك له كتلة ستزيد بمجرد زيادة السرعة"

"إذن الانتقال مستحيل؟"

"مستحيل لعالمنا كبشر، لكن لا أعلم إمكانيته في عالم الجان، القوانين الفيزيائية التي تحكمه لا أعلم بشأنها الكثير، وكما قلت لك كل ما كان يحدث هو أنني في عالم الجان، عرفت بأن كل شيء يتعلق بالطاقة.
ولأن الأسلاك المغروسة في جسدي محملة بشحنة ضخمة، فقد فهمت كيف أطلقها لأنتقل من موضع لآخر بسرعة، وحتى أؤثر في جان آخر كأني أضربه برصاصة من الطاقة فتقتله .. حتى ذهبت لأرى حبيبة في الموضع الذي حدده سنان، اكتشفت أنني بمجرد أن قمت بإخراج طاقة عالية من جسدي، وفكرت بأن أدخل إليها فإذا بي أحبس معها في غرفة ، كأنه مشهد من فيلم يعرض أمامي "

" هل تحدثت معها "

"لا.. شاهدت أنني معها في غرفة نقش على حوائطها الكثير من الطلاسم التي لم أرها من قبل، تأملت جوانب الغرفة فوجدت ممرا مظلما في ركنها يقود لشيء ما، أما حبيبة فكانت ممددة على الأرض في سبات تام، شعرت بضعف شديد مع عدم قدرتي على التحرك. وكأني أصبت بمرض ما"

"وماذا حدث بعدها؟"

" في البداية تخيلتها هلاوس، فعلت ما فعلت المرة السابقة لكن هذه المرة نويت أن أنزل الممر وألا أدخل الغرفة، فرأيت نفسي في الممر المظلم وأخره الغرقة الممتلئة بالطلاسم وحبيبة ممدة على الأرض كما هي، حاولت الدخول إلى الغرفة فلم أستطع . . . حائط غير مرئي كنت أصطدم به"

"ما هذا المكان الغريب؟"

رمى طه السيجارة على الأرض وقلب في الأشياء الملقاة على المنضدة، حتى وجد ورقة فارغة وقلما، رسم عليها بشكل سريع وصفا للمكان، ثم أظهر الورقة لحامد وهو يشير إلى جزء أسطواني قائلا:

"في الصحراء وعلى رأس تل رملي بجانب عرب مطير بأسيوط، يقبع هذا الجسم الأسطواني والذي يسميه الناس باسم الهنتيكة"

"لا أرى إلا علبة من الصفيح تشبه علبة البيبسي"

"هذا الجزء من معدن لم يتم تحليلة، مغروس في الرمال منذ آلاف السنين، لم يحدد أي عالم آثار ماهيته أو تاريخه أو حتى سبب وجوده الغريب في هذا المكان"

" وما معنى الاسم الذي أطلقه الناس عليه؟"

"الهنتيكة .. أعتقد أنها طريقة نطق بعض قرى الصعيد للفظة أنتيكة، بعض الناس يقول بأن فرقة عسكرية من جيش الإسكندر المقدوني وضعوها كعلامة لهم على مدينة فرعونية؛ تمتلئ بالكنوز تحتها ليعودوا لها مرة ثانية"

ثم أشار إلى قطعة من الرسمة وهو يقول:

."هذا موضع الغرفة، مدفونة بما يقرب من ستة أمتار للأسفل من هذه الهنتيكة، وهذا هو الممر الذي يقود لشيء لا أعلمه"

"وما الحل؟"

"الحل في كائن لا يتأثر بعالم الجان وتعاويذه، وفي نفس الوقت يمتلك القوة اللازمة لدخول هذا المكان والخروج منه بحبيبة"

قالها طه وهو يلقي الورقة على المنضدة، ويتناول قطعة دجاج ليأكل منها "

"قرين إسلام!"

قالها حامد وهو يفرقع بإصبعيه، فرد طه بعدم اكتراث وهو يمضغ الطعام:

"فكرت في ذلك بعدما أخبرني الجساس بآخر ما عرفه، عن انفصال قرين صديفكم وقوته الطاغية، وذهبت إليه في بيته وكدت أن أقتل!"

"تقصد شاهدت نفسك في المستقبل؟"

"لا.. فقبل أن أزور إسلام فرغت شحنة الطاقة التي كنت أمتلكها؛ بسبب إنقاذي لجواسيس الجان الذين عرفتهم من سنان، ومحاولة إيقاف المعارك بينهم"

-"جواسيس الجان؟"

"اسأل يصفيدش الذي تتصل به أنت وأصدقاؤك، هو من جعلهم عرضة للقتل بعد استخدامهم ككمين للمخلبي"

"كيف عرفت كل تلك التفاصيل؟"

"الجساس القديم وسنان أخبراني الكثير جدا حولكم .. المهم، بعدما انتهيت من مسألة الجواسيس جئت هنا لقرب انتهاء شحنتي، واستخدمت أخر مرة أستطيع فيها رؤية المستقبل ورأيتك وتحادثنا، فتركت لك الكلمات، وذهبت لإسلام في منزله فوجدت قرينه الذي كاد يقتلني"

"كيف؟"

"كان يبحث عني في البداية، لاحظت أن الجان لا يرونني بشكل طبيعي، لكنهم يخافون من وجودي"

همس رحيم في أذن حامد:

"نراه كأنه بقعة ضوء ساطعة"

أعاد حامد العبارة على طه، وأعلمه أنها من رحيم، فهز طه رأسه متفهما وأكمل قائلا:

"عندما خبتت شحنني عرف مكاني، لا أتذكر سوى أنه مد يده داخلي مسببا ألما غريبا، أفرغت آخر ما أمتلك من مجال كهربي؛ لأهرب وأعود لہنا قبل أن يعود جسدي لطبيعته"

"طه .. أعتقد أنه يجب إشراك أصدقائي في هذه المعلومات"

" وهل ستخبرهم عني؟"

أعتقد. سيزورونك في المستشفى ويحاولوا..."

قاطعه طه:

"أي مستشفى "

"التي ستنتقل لها، جسدك يمتلئ بالحروق، ولا أعرف هل هناك ضرر داخلي أم لا!"

-"بالتأكيد هناك ضرر داخلي أشعر به منذ عدت، ومع ذلك لن أذهب لأي مكان، لا وقت لهذا الترف . . . يجب أن أحاول العودة لعالم الجان مرة أخرى لأقتل المخلبي"

-"تقتل المخلبي! تتحدث عن قتله كأنك ستقتل ذكر بط!"

"يكفيني المحاولة، وخاصة أنني سأخاطر لآخر مرة بالعودة لعالم الجان"

-"تخاطر؟"

"لا أعرف هل الأسلاك في جسدي تتحمل مرة ثانية أم لا، المهم أنك ستساعدني، أليس كذلك؟"

"بالطبع!"

"إذن جد طريقة لإقناع إسلام بالسفر صباحا لتلك المنطقة ونقل حبيبة، لكن في موعد محدد"

"ما هو الموعد؟"

"سأحدد لك الموعد في الغد لو انتقلت لعالم الجان بسلام؛ لأني اكتشفت أن حبيبة لو خرجت قبل موعد فتح البوابات ، سيستبدلها بأي فتاه عذراء أخرى"

"ولم أخذ حبيبة بالذات؟"

"لا أعرف، ربما نوع من الانتقام من كل ما يخص صديقك يوسف، ونسبه لذلك الشخص الذي تسبب في سجنه"

"لحظة.. كيف سيقوم قرين إسلام العاري، بإخراج حبيبة أمام الناس؟!"

"فكر بطريقة لتجنب الناس"

قالها طه ونهض من المقعد بصعوبة وهو يقول:

"اذهب أنت الآن وتأكد من أن يتواجد إسلام غدا قبل الساعة الرابعة عصرا بالقرب من الهنتيكة، وانتظر أنت هنا بجانب الغرفة النحاسية حتى أخبرك ببقية التفاصيل"

"وأنت متى ستنتقل؟"

"سأحلق شعر رأسي وأرتاح قليلا لأفكر وأقوم ببعض حساباتي، ثم أعود لعالم الجان"

"لم تخبرني متى موعد هجوم المخلبي"

"لقد بدأ الهجوم بالفعل!"

................................

Continue Reading

You'll Also Like

208K 21.7K 33
" جونغكوك متحمس جداً للقائكِ ، فلم يقبل رؤية الغرباء من قبل" " إنه يريدكِ ... ولقد أختاركِ " " ما أحاول قوله انه مهما بدا الأمر من الظاهر ، إبننا هن...
24.8K 1.4K 13
مخطوطة بن اسحاق أو مدينة الموتى : الجزء الأول؛ من ثلاثية سلسلة مخطوطة بن اسحاق، الجزء الأول يحكي قصة يوسف عندما وقعت في يده مخطوطة تعتبر قديمة، يحاول...
4.7K 418 9
الجزء الثاني من 2528 قبل الميلاد بدأت في مشاهدة اسماعيل يس لـ تضحك بصوت عالي لكن فجأه توقف الفيلم لـ يأتي على الشاشة "خبر عاجل". "يا ساتر يارب يا ترى...
6.8K 285 17
في الغابه لا تسير الذئب وحيده و لكن تسير في القطيع لي نتعرف على القطيع