جرح وشم الروح! ملاك علي.

By Magharibia

21.9K 297 24

لمحةٌ من الماضي... كان يقبلها...بمهلٍ وكأن كل الوقت ملكه... برقّة وكأنه يخشى عليها من عنف قبلاته....بين كل قب... More

المقدمة
الفصل الأول
الفصل الثاني
الفصل الثالث
الفصل الرابع
الفصل الخامس
الفصل السادس
الفصل السابع
الفصل الثامن
الفصل التاسع
الفصل العاشر
الفصل الحادي عشر
الفصل الثاني عشر
الفصل الثالث عشر
الفصل الرابع عشر
الفصل الخامس عشر
الفصل السادس عشر
الفصل السابع عشر
الفصل الثامن عشر
الفصل التاسع عشر
الفصل العشرون
الفصل الواحد و العشرين
الفصل الثاني والعشرون
الفصل الثالث والعشرين
الفصل الرابع والعشرين
الفصل الخامس والعشرين
الفصل السابع والعشرون:

الفصل السادس والعشرون

713 10 3
By Magharibia

( ماذا تريدُ لقاء أن تُخرجني من البلاد أنا وطفلي؟")
أعاد القراءة عدة مرات، في كل مرةٍ كان يكتبُ ردًّا يعود ويمسحه...ماذا تُريدُ منه؟ لماذا تلجأ إليه بالضبط؟؟؟
أحسَّ أنه مُراقب ليلمحَ عيون والدتع الشبيهة بعيون أخيه تُحدقُ إليه، كان يحتاج للمشورة، ابتسمت له والدته وهي تُخرجَ ذراعها النحيفة جدا طالبة منه أن يُمسكَ بها.
-" لماذا هذا التردد يا بني؟...هلِ الأمرُ متعلق بامرأة؟"
همست والدته بينما كفه تُغطي كفها...لتشعر بسكينة تستمدها من بره بها.
هو لا يعرفُ كيف يُراوغ، كيف يلتف حول موضوعٍ شخصي، رغم أنه داهية في ما يخص عالمه الآخر المخفي.
-" تُريدُ مني أن أساعدها على الهروبِ من  البلاد؟"
- " إذن الموضوع عن "أنثى"..." قالت بابتسامة مُشرقة...أضاءت ملامحها الذابلة من المرض!
-" ليس الأمر كما تظنين..لديها مشاكل مع زوجها يُهددها أن يأخذ طفلها منها إن استمرت في طلب الطلاق" ملامح والدته بهتت فجأة وقد تذكرت جُرحاً دفنته حيًّا لسنواتٍ في جوفها، مُعتقدةً أنها سلمت من ألمه...لكن الألم فقط كان يكبر ويكبر مُتغذيا بكل ذكريات الماضي...ومُتجسدا في فلذة كبدٍ كان الثمن لحريتها هي!
سكتت لدقائق تُحدقُ بعيدا لتهمسَ تترجاه "عدني أنكَ ستُستعدها بني...عدني أنكَ ستجعلها تهربُ بطفلها"
ضغط على يدها حتى شك أن الإمتعاضة على جبينها من الألم الذي سببه لها...ليهمسَ يترجاها ألا تُثقل كاهله بوعدٍ لا يصعبُ عليه تحقيقه. بل هو فقط لا يُريدُ أن يغوص مجددا في مشاكلٍ لا تعنيه " أمي أنا لا أستطيع أن أعدكَ...عاجلا أم آجلا القضاء سينصفها...خصوصا أن زوجها يُعنفها وطفلها.."
قاطعته بعصبية " أنت لا تعرفُ أي شيءٍ عن القضاء هنا...أنت لن تفهم أبدًا ما ستُعانيه حتى لو انصفها القضاء...فأنت رجل، لم تكن يوما مُضطرًّا أن تشرح حالتك للناس..."
"أمي..." تساءل بعدم فهم..تنفست والدته بعمقٍ لتُغلق عيونها تسمحُ لهواء البحر ان يغسل رئتيها ويبث الهدوء لروحها، فتحتهما مجددا كانت تحتلهما نظرة الألم والغضب.
" أنا أيضًا توسلتُ أحدهم يومًا أن يُنجدني..." الصمت ساد...هو يُحدقُ في جانب ملامح والدته التي تحولت لبرودٍ لا تعكسه نظرتها..." أنا أيضا توسلتُ أحدهم يومًا ليُنجدني..." أعادت بنفس الهمس، وكأن بالتكرار ستُقنعه بتلك الحاجة التي عاشتها يومًا لتستنجد أحدهم ليُنقذها...النار استعرت داخله وهو يتخيلها في وضعٍ التوسل...لم يستطع أن يأتي ببنت شفة، حتى أنه يخشى أن يعود للوراء ليستلقي وقد تيبس جسده بجلسته الغير سوية...أراد أن يعود ليسند جسده فهو متأكد أن ما ستنبسُ به والدته أقسى من أن يتحمل " أنتَ لم تعرف يومًا القصة الكاملة لزواجي من والدك، ولا قصتي مع سعيد...ولماذا للآن يكرهني!"
الصدمة شلته، بالفعل هو لا يعلمُ لما والدته تخلت عن ابنها، ولم يعلم يوما قصة زواج أمه بأبيه رغم اختلافهما...فأمه مسلمة تقوم بأغلبِ فروضها...بينما لم يرَ يوما والده يُصلي.
كانا مُختلفين...من ثقافتين مختلفين، هي ولدت في مجتمعٍ الدين هو مسيرها وهو من عائلةٍ أغلبها لا يؤمن بالدين.
في اللحظة التي أغلقت بها عيونها...كان يعلمُ أن شيئا بشعا سيُطلقُ سراحه...أراد أن يهربُ، لكنه لم يستطع...بل أرجع جسده للوراء، يستندُ بظهره للكرسي...مُرخيا جسده...لتنطق والدته:
"  منذ اللحظة التي وعيتُ بها، أدركتُ أنها غلطة ان تولد "أنثى" في محيطٍ لا يرى الأنثى إلا مصدر ترفيهٍ، كنتُ اعلمُ بخفايا عمل العائلة، كنتُ أُدركُ انها تغرقُ في الظلام حتى لم يعدُ النور يجدُ منفذا نحوها...المرأة في نظرهم تختزلُ في الشهوة، ونظرتهم نحوي لم تكن تختلفُ عن نظرتهم لأي امرأة أخرى، أو ربما كانوا يرونني ككل الفتيات اللاتي يرغمنهن على الرذيلة لجني المال...وفعلا لم أختلف عن من اجبرن ليحترفن الدعارة، أرغموني على الزواج من حليفهم كي أرفه عن لياليه، كان رجل سلطة معروف بجبروته، الكل يهابه حتى أخي سعيد، أوامره لم تكن لتُعاد مرتين...نُقطة ضعفه أنه بدون أصلٍ، فكنتُ وسيلته لينتمي لعائلة، وهو وسيلة عائلتي لمزيدٍ من الطغيان، كان سكيرا حقيرا، مدمن نساء...لم يكن يؤلمني أن يأتي بهن لمنزلي، كنتُ أتمنى موته في كل لحظة وثانية حتى أنني كنتُ أتخيلُ نفسي أقتله مرات ومراتٍ..." فجأة وسط تلك الملامح الغاضبة انبثقت ابتسامة ناعمة، سرعان ما اختفت كما ظهرت " التقيتُ بألبرت في حفلة أقامها زوجي بمناسبة نجاح صفقة مهمة...صفقة تُخفي اسفلها الكثير من تجارة الأسلحة والرقيق..." ملامحها زادت قساوة وهي تستطرد " لم أصدق أذناي وألبرت يُجاملُ زوجي الفاقد لصوابه من السكر، بجمال زوجته...ليعرضني عليه، بكل بساطة عرضني على شريكه، دفعني نحوه ومازلتُ أتذكر كلماته " اجعليه سعيدا فهو صيدٌ ثمين سيشكركِ عليه أخاكِ"، ما زلتُ أتذكر الإرتباك في ملامحِ ألبرت وجسدي الهزيل يصطدمُ بجسده بينما زوجي يدفعني نحوه...ذلك الإرتباك هو ما جعلني أتشجع وأرافقه للغرفة...لأترجاه أن يُساعدني على الهرب، وهو لم يتوانى عن ذلك..."
"وسعيد..." همس عامر وقد جف حلقه من كم المعلومات التي صفعته بها والدته...نظرت باتجاهه، ملامحها كانت تحملُ التقزز والقرف.
" كنتُ اكرهه لأنه جزءٌ منه...حتى أنني لم أحمله إلا قليلا...كنتُ أرسله للمزرعة. والدي كان سعيدًا بصحبته خصوصا بعد أن فقد القدرة على المشي..." اعادت نظراتها للأمام تُكملُ بحرقة " هربت...لم يوقفني أي شيء عن ذلك، سعيد...تركته وأنا موقنة  انني أتخلص من آخر شيءٍ يربطني بهذه العائلة التي كرهتها حتى نخر كرهها ذاتي...في اليوم الذي صادفتُ به والدك توسلته أن يُساعدني...ففعل....بكل بساطة ساعدني لأهرب!...هذا جعلني أستعيدُ القليل من آدميتي...والدك اعتنى بي، واليومُ الذي سمعتُ به عن انتحار زوجي كان أسعدَ يومٍ في حياتي ارتديتُ به أجمل فساتيني في ذلك اليوم ضحكتُ حتى دمعت عيناي رقصت حتى تعبت قدماي...رغم أنني أُدركُ أنه لم ينتحر بل اغتيل...فهو جبانٌ على أن يقتل نفسه...بعد ذلك بأشهر تزوجت والدك ليحميني أكثر...كنتُ اعلمَ ان عائلتي لن تستطيعَ أن تقترب منه لأنه كان في اعتقادهم  أسوأ منهم...بزواجي منه كنتُ أستعيدُ حريتي"
" وهل كان..." سألها بهدوء لتنظر إليه وتبتسمَ وهي تتذكر ألبرت
" لم أكن لأعيش معه لأكثر ثلاثين سنة لو كان  خلاف ذلك" لم تكن تُدركُ أنها تشتاق إليه إلا الآن...وهي تنظر لصورته الصغيرة أمامه " أنا أشتاق إليه"
همست بحزنٍ...عيونها تلبدت بدموعٍ ليُسرع ابنها يحضنها بخفة...يُواسيها...وبينما تُغرقُ رأسها في حضنه كانت تترجاه مرة أخرى " أرجوك ابني ساعدها...ساعدها وابنها"
فالوجع الأكبر الذي فاق كل وجعٍ عاشته...وجع فراق ابنها الذي استيقظت فجأة لتجده...أصبحَ وشما لروحها!
في دقائق كانت نائمة في حضنه...حملها برقة باتجاه غرفتها، وعندما دثرها أمسكت بيده " اتصل بأخيك بني...أرجوك" قارنت همستها برفعُ كفه تُقبلها!

.....
" أنتِ تهينني في كل مرة اجدك رافعة رجليك للأعلى... وكأنني وسيلتك للحصول على الاطفال فقط"
"وما غاية الوصال ان لم يكن للحصول على الذرية..." أجابته سارة بعدم اهتمام...بينما تسنِدُ خصرها  بكفيها لترفعَ أكثر رجليها.
جلس بجانب رأسها بينما يده تمر على تقاسيم وجهها، ليقول بعاطفة:
-" وصالي معك يعني اكثر من ذلك حبيبتي.... عندما اكون معك اشعر ان كل العالم بخير....وكأنني ولدت من جديد، ولو كان غير ذلك كنت جعلتك حاملا منذ المرة الأولى ، وجعلتك أما لأربعة الآن"
" ماذا تعني، بأنك لو كنت تريد لجعلتني أما....؟!" أنزلت رجليها بانفعالٍ تنظر اليه، ولملامحه المصدومة لثوانٍ قبل أن يقول:
" بالطبع لا اقصد أي شيء....أنا فقط أخبرك أن ممارسة الحب معكِ غاية وأكبر من مجرد وسيلة للحصول على الأطفال."
بهدوء وبعدمِ اقنتاعٍ كانت تُعيدُ جسدها لتلك الوضعية بينما عيونها مازالت عليه، فربما المشكل يكمنُ بها، فعلى الرغم أن حياتها تسيرُ كما تمنت يومًا، زوجٌ محب...منزلٌ لم تتمناه يوما، وحماةٌ مُتفهمة...وطفلٌ رغم أنه ليس من أحشاءها إلا أنها تُحبه أكثر من أي شيءٍ آخر في الوجود...ربما هذا هو مُشكلها أنه ليس من أحشاءها...تلمست بطنها لينقبض رحمها وهي تتخيل أن طفلا يسكنه، شعور جميلٌ لا تستطيع وصفه هاجمها، لتُسرع تقفُ أمام المرآة المعلقة في الدولاب تنظر لشكلها...صحيحٌ أن كبر كرشها لا علاقة له بالحمل فمنذُ عودتها وشهيتها ازدادت أكثر، وتغزلُ معاذ بتقاسيم جسدها وادمانه عليها جعلها تتقبل أكثر جسدها المُفرط التكوين...لكن عقلها يُصور لها أنه كذلك..أنه ربما طفلٌ يسكن داخلها، حركت رأسها برفض وهي تبتعدُ عن المرآة تتذكرُ كلمات زوجها " لا يجبُ أن تُصبح الفكرة هوسا...كيلا تكتئب في حال عدمِ حدوثها" !

وصلها اهتزاز هاتف زوجها لتحمله ودون تفكيرٍ كان تُجيب عليه
-" ألو" الصمتُ قابلها في الجهة الأخرى...لتُعيد النداء، أنفاسٌ عنيفة قابلتها هذه المرة، وبمجرد أن دلف معاذ للغرفة قادمًا من الحمام كانت تمدُّ له بالهاتف وتقول بعفوية " لا أعرف من المُتصل، لا يجبُ أن تخرج من الحمام دون أن تُنشف جسدك...تعال"
وقادته نحو السرير...بينما المتصل من الجهة الأخرى كاد قلبه أن يتوقف وهو يتسمعُ لكلماتها...لينقطع الخط!
أطاعها...وبينما كانت تُمررُ المنشفة على رأسها مُرورا لصدره، كان يُعاودُ الإتصال بالرقم الذي يعرفُ صاحبه جيدا.
-" مرحبا عُلا"
أصابعها تجمدت على صدره بينما تسمعُ اسمها...إذن صاحب الرقم لم يكن إلا هي...عُلا!
سارعت لإبعاد يدها بنفورٍ لكنه قبض عليها يُعيدهها حيثُ كانت بينما ملامحه الصارمة عليها...وملامحها المُتألمة عليه...لا تُريده مُحاطا بأي من النساء اللاتي تعرفُ أنهن لن يتوانين عن استغلال ابسط الفرص لإيذاءها.
يدها تؤلمها من ضغطه العنيف بها..."دعني" همست والتشويش فقط ما يصلها من حوارهما.
(لا) حرك شفتيه...لتنتقل قبضته لساعدها ويجذبها نحوه...أطاعته وجلست قريبا منه.
" تعالي" همس وهو يُجلسها على رُكبيته بينما ذراعه تُحيطُ بخصرها.
"آسف عُلا لم أسمع ما قلته"
صوتها وصلها
" الدعوة وصلتني البارحة وغالبا ستكون قد وصلتك أيضا...وأرى أن نذهب معا..."
" بالفعل..." قاطعها " لكنني اعتذرت عن الذهاب لأنني أحتاج لوقتٍ أطول كي أستخرج زواج سفرٍ لكل من سارة ووريد...فإن كنتُ سأذهب فسآخذهما معي...كريس تقبل اعتذاري بكل تفهم"
" زواج كريس سيكون فرصةً لنجتمع مجددا مع كل الشلة، يُمكنك أن تُسافر معهما في وقتٍ آخر..." قالت بعدمِ رضًا خصوصا أن المشهد الذي تخيلته لسارة وهي تُجفف جسدَ مُعاذ كانت هي بطلته  في خيالاتها الجامحة تجاهه.
" عُلا...أنا حقًّا أقدرُ صداقتكِ جيدا، لكنني الآن رجلٌ متزوج، قراراتي لم أعد أتخذها لوحدي...وسأكون مُمتنا لو توقفتِ عن الإتصال في أي وقتٍ تريدين خصوصا أن ما كان يجمعنا سابقا كأصدقاء لم يعد له وجود بعد الآن...زوجتي تُبلغكُ سلامها...الوداع"
لم تكن تعتقدُ أنها ستبكي رجلاً...لكن الدموع التي تنزلُ صامتةً على خذيها كانت تُعلمها أنها حقًّا تُحبه...بأصابع مرتعشة كانت تقذف بالهاتف أرضا وتتجه حيث تضع علبة سجائرها وبنفس الارتعاش كانت تشعل احداها ليتسلل الدخان الخانق من بين شفتيها…تماما كما تسلل حلمها به....فمعاذ لم يكن يومًا صديقا...بل كان رجُلا أحبته من أعماق قلبها...والآن يُودعها ببرودٍ دون أن يهتم لما خلفه... كان دائما شحيحا في كل شيءٍ...واعتقدت أنها تستطيعُ أن تُفجرَ بركان مشاعره يومًا...لكنه انفجر فعلا، ليس على يديها، ولا يدي زوجته السابقة ورد...بل على يدي أخرى لم تكن بفتنة ورد ولا بمكانة عُلا...لم تكن إلا قروية بسيطة! 

....
القلادة على جيدها كانت باردة جدا وهي تلامس عنقها الساخن...القشعريرة سرت على طول ظهرها لتتوقف أصابع والدتها عما تفعله وتمرره على ذراعيها تبث القليل من المواساة في أوصالها، كانت عيون فاطمة تخشى ان تُقابل عيون ابنتها الباردة التي تُحدق بصورتها المُنعكسة على المرآة...تُحدقُ في جيدها العاري الذي تُزينه قلادة مرصعة بلآلئ ماسية.
-" كل شيء سيمر بخير، نص ساعة فقط تجلسين معه لتتحادثا عما ينتظركما معا"
صدرها ارتفع لينخفض في زفير قوي تُحاولُ أن تطرد به الرهبة التي تملكتها من فكرة أنها وأخيرا ستلتقي به...أنها وأخيرا قبلت أن تُجالس خطيبها...وزوجها المُستقبلي.
شعرها الذي وصل لحدود كتفها جعلته حُرًّا بينما تضعُ فوق رأسها وشاحا يتماشى مع لونِ قفطانها الذهبي البسيط.
-" كنتُ أتمنى لو ارتديتِ تلك التكشيطة "
همست والدتها وهي تُشيرُ للتكشيطة المُعلق في الحائط والتي زادته الأحجار التي رُصعت بها فخامة...مُقارنة بالقفطان الذي ترتديه ابنتها والذي اكتفى بتطريزاتٍ يدوية بسيطة!
-" لا بأس!" أجابتها ابنتها...مُغلقة على والدتها الجدال، فرغما عنها كانت تُريدُ لابنتها أن تكون عروسًا في كاملِ زينتها.
-" لقد وصلوا...اجعليها تستعد"
صوتُ والدها جعلها تنكمشُ على نفسها برهبة...فمنذ ما حدث وكأنها بالنسبة له شبحٌ يعلمُ بوجوده لكنه لا يهتم له.
-" هيا يا ابنتي" دفعتها بلطفٍ تُخبرها أن حان وقت الخروج للنظرة الشرعية.
قادتها للغرفة المُخصصة لذلك...دون أن ترفع صوفيا عيونها طوال الطريق...فقط تُحدق في البلغة الذهبية التي تنتعلها.

-" السلام عليكم"
صوتُ والدتها كان مخنوقًا وهي تدفعها نحو الغرفة لتُغلق الباب بانفعال وتبقى وحيدة رغم أنها تعلمُ أنها ليست كذلك!

صخبُ دقاتها كان هادرا حتى طغا على كلِّ حواسها...جسدها بدأ يغرقُ أكثر في برودته ليبدأ بالإرتعاش، شعرها واللحاف الذي يُحيطه غطى على مُحيطِ عينيها...لتُصبح وكأنها مُحاطة من كل صوبٍ!

فجأة...بفضولٍ رفعت وجهها...لتتلاقا عيونها بعيونه!
لثواني كل ما تفعل هو التحديق بعيونه،ابتسم لها بترحيبٍ لتحمرّ خجلا وتُعيدَ انزال رأسها.
-" أنتَ تُخجلها يا "محجوب""
الصوتُ الأنثوي المُتهكم القادمُ من خلفه جعلها تستغرب لترفعَ عيونها تبحثُ عن صاحبته، لتراها...
امرأة في عقدها الرابع أو ربما أواخر الثالث...بطولٍ يوازي طول الرجل الواقف قبالتها، لم تكن باهرة الجمال لكن العين تأبى إلا أن تنظر اليها بانبهار...قوة شخصيتها كان ينبعث من نظراتها القاسية، رأسها المرفوعة، ومن ابتسامتها الواثقة...حتى من خطواتها التي تقدمت بها نحوها والرجلُ الواقف أمامها وربما يكون خطيبها المنتظر.
-" اسمي إزَّانة... " كادت أن تمد لها صوفيا بيدها لكن " إزَّانة " أمسكت بكلتا كتفيها تغرسها بحضنها بقوة مؤلمة..." رائحتكِ منعشة" غمغمت وهي تغمز له بينما صوفيا تُحس بالضيق من التباسط الذي تتعامل به معها.
رفعت عيونها تنظر للمسمى " المحجوب"...كان طوله يذكره بطولِ ذلك الشرطي صديق "يوسف"، ملامحه نُحثت باتقانٍ لرجلٍ جنوبي يحملُ الكثير من دفئ رمال صحراءها الحمراء الساخنة.
جلبابه الأزرق المفتوح الجانبين رفعه لأعلى كتفيه...القميص الأبيض الساطع أظهر سماره الشديد.
كان صامتا فقط يُحدقُ بها...بينما لمعةُ عيونه تجمعُ بين الحزن والانشداه بجمال التي أمامه...وصوفيا تعرفُ أن جمالها يُحرك غريزة الحماية لدى أي رجلٍ...لكن ما أثارها تلك اللمعة الأخرى التي تعرفت عليها بمجرد أن حدقت مليا بعيونه.
-" يبدو أن أخي فقد النطق بمجرد أن لمحكِ...هل ستتكلم يا محجوب أم أتكلمُ أنا"
قالت إزَّانة وهي تلكز أخاها...الذي تنحنح بخجلٍ وهو يقدمُ يده لصوفيا هامسا بصوته الخشن:
-" مرحبا صوفيا سعدتُ بلقاءكِ"
صوفيا راقبت يده التي ارتفعت لتمتد باتجاهها، لم تهتم ان تصافحه ما جعل يده تعود لمكانها الأول. 
بحركة لا إرادية لجسدها كانت صوفيا تتراجعُ للوراء، بينما هو يتقدم أكثر نحوها...ليُشيرلأقرب مكانٍ للجلوس " هل نستطيعُ الجلوس؟" همس وهو يرفعُ جلبابه أكثر ليظهر سروال بذلته الرمادية، وحذاءه اللامع بعناية شديدة، هي عاشرت الطبقة الراقية التي ينتمي إليها "ماسين" وتستطيع أن تُميز الجلد الأصلي من المزيف للأحذية والحقائب...وحذاؤه كان يُساوي الكثير من الأوراق النقدية...فجأة تذكرت الهدايا القيمة التي أصبحت تصلها مُباشرةً بعد التجربة المذلة التي مرت منها ليتأكد أنها "عذراء"...تقليدٌ تعرفُ أنه اختفى في أغلب المناطق إلا بعضها التي مازالت تعتقد أن دماء الليلة الأولى من حق كل "القبيلة".
(كيف يبدو؟) سؤال تبادر لمُخيلتها وقد كانت تتخيل العجوز الذي ستُقدم إليه...في الستينات من عمره أو أكثر...بينما هذا الذي أمامها كان أصغر.
-" كم عمركَ؟" السؤال انطلق فجأة بدون تخطيطٍ منها، فصورته كانت النقيض للتي رسمتها طوال أسابيع للذي قررت أن تُكملَ معه حياتها.
-" ألن تجلسي؟؟" أجابها بسؤال...وعندما بدا على ملامحها البرود كان يجيبها " في الشهر القادم سأكملُ الرابعة والأربعين سنة"
الصمتُ امتد ولم تعد تعرف ماذا تسأله، ليبدرها " هناك ما يجب أن تعرفيه..." تغير ملامحه جعلها تُنصتُ بتمعنٍ لما سيقوله، وقف مجددا ليعلوها بينما عيونه على ملامحها التي لم يتبدد برودها، استطرد بارتباك "أنا وإزَّانة نُريدُ أن نعرف كم تُريدين لقاء ألا تتزوجي والدي"
(والده، أتزوج والده) صدمة جعلت جسدها مشلولا لثواني لم تستطع أن تأتي بأي حركة...كل ما بدرَ منها ابتسامة طفيفة زادت بَهُتت لها ملامحه أكثر، وهو ينسل دفتر شيكاته أمامه رافعا نظراته إليها ينتظر أن تقول له الثمن.
الصوت خلفه انطلق مجددا، فاقدا صبره، لكن لم يكن لطيفا ولا مُراعيا "نحنُ نعرفُ صنفكَ جيدا يا فتاة...ونعرفُ ثمنكِ...لكننا ارتأينا أن تختاري أي رقمٍ تطلبينه"
لم تتغير الإبتسامة من ثغرها، شحوب بشرتها أظهر خزيها..." والدي كبيرٌ جدا، ومكانته في القبيلة لا تسمحُ له أن يتزوج مراهقة وبالأحرى "بائعة هوى""
أغلقت عيونها بألم، بينما الغرفة تميلُ بها.
" إزَّانة توقفي الآن"
" لا لن أتوقف، ألا ترى أن هذه تسعى أن تتزوج والدك ووالدتك مازالت حية؟؟...ابنتي وفاء في عمرها أو أكبر منها" فجأة اتجهت نحوها تُمسكُ بعضدها بقوة " اسمعيني أيتها الباحثة عن الذهب، ستُحددين ثمنكِ الآن وتنسين الزواج من والدي...أو أقسم ان أجعل حياتكِ جحيما حتى تتمنين لو لم تولدي فما بالكِ أن تتزوجي شيخا من شيوخ الصحراء..." اقترب منها أخوها يُحاول أن يجعلها تصمت لكنها كانت في أقصى غضبها عكس ما وعدته به قبل الدخول للمنزل " والدي سيدخلُ بعد قليل، ستُخبرينه أنك لا تُريدينه...اجرحيه، ذمي رجولته...أي شيء المهم أن يخرج من هنا وهو يعلمُ أنه لن تصبحي زوجته...أو أقسمُ..."
لم تُكمل إزَّانة قسمها، فصوفيا كانت تُمسكُ بيدها بقوة تُبعدها عن عضدها، وهي تُحدقُ بها بعيونٍ باردة...ميتة كعيون جثة، وهي تهمسُ لها بفحيحٍ دبَّ الرعب في أوصال الأخرى.
" أنا التي سأقسمُ إن حاولتِ مرةً أخرى أن تهددينني فلن تعلمي ماذا سأفعلُ بكِ..." ملامحُ صوفيا مازالت باردة...وهي تُبعدُ يد إزَّانة التي ارتسمت بها أظافرها وتوجه نظراتها للرجل الآخر، كادت أن تنطق بإهانةٍ أخرى...عندما صخبٌ قادمٌ من الخارج ينذر بوصول العريس "الشيخ الحاج المهدي ولد محمد عالي"...وقد كان كما تصورته...كهلا بالكاد يستطيع الوقوف!

.....

....

"هذا الصخب وهذا الدخان لن يضيف لحياتك شيء" صوت والدته الواثق كعادتها وصله بمجرد أن اطفأت التسجيل الذي كانت الجدران تهتز له، لم يرفع رأسه عن وسادته بينما ينظر باتجاهها...لتتعالى قهقهات من التلفاز تكسر الصمت السائد... البرنامج الأميريكي الساخر "الأصدقاء" كان صديقه في هذه العزلة التي اختارها...بصحبة ادمانه الجديد...حوارُ "جوي" وفيبي" لم يبعث الابتسامة لشفتيه كالعادة...نهض دون أن يُعيرها اهتماما وهو يضع التلفاز في وضعية الصامت...وينسلُّ قميصه يرتديه...ووالدته لا تفعل إلا مراقبته بعيون تحملُ الحزم في كل مرة تلاقت بها نظراتهما...والحنان عندما تبتعدُ العيون.
" سأسافر لبعض الوقت..." همس أخيرا
"وماذا عن رسالتك...هل ستتركها من أجل علاقة فاشلة ب..."
أمسكت لسانها وعيونٌ نارية تُسلطُ عليها...لتُغير النبرة وهي تقتربُ منه مادة يدها تُمسكُ بكتفه لكنه انحنى يُسقطها مُبتعدا " أنا والدتك...وأريدُ مصلحتك"
" مصلحتي لم تكن يوما في أن تتصلي بعدنان وتنسجا خططكما لتُبعداني عنها، لا يحق لكما أن تنبشا بماضيها لتصفعاني به...لا يحق لكِ ان تُقرري مع من سأكون وبأية طريقة"
لم تستطع أن تنبس ببنة شفة، لأن نبرتها كانت ستفضحها، فهي ليست نادمة بابعادها عنه...ومسألة وقتٍ فقط قبل أن يعود لصوابه ولدراسته!
وها هو قد قرر الإبتعاد، فربما يكون بذلك ينسى خيبته...راقبته طويلا، وعندما دلف لدورة المياه، كانت تتجه حيثُ النافذة الكبيرة تُزيل عنها الستارة...عندما لمحت المسحوق الأبيض المنتشرة حباته على سطح الطاولة الزجاجية...بسرعة كانت تُحيدُ أوراق الجرائد لتلمح أكياسا صغيرة كثيرة...وكلها تحتوي على ذلك المسحوق القاتل.اصابعها التي تمر على عنقها كانت ترتعش رعبا...هذا الذي خلفته "تلك" ليس ابنها، ليس "ماسين" الذي كان سندها دائما.
.....
" ابن خط..."قاطعت والدتها كلماتها لتستطرد " السيد "محجوب" ينتظركُ خارجا"
رفعت صوفيا حاجبيها بدهشة، لتبتسمَ بهدوء وهي تتجه حيثُ يقفُ "محجوب"...يبدو مُختلفا بسرواله الجينز وقميصه الصيفي، بمجرد أن وقفت أمامه رفع نظراته يُحدقُ به لثواني قبل أن يقول " والدي طلب مني أن آخذكِ ووالدتك للتسوق، تعلمين...من أجل المناسبة القادمة"
"أنا يا ولدي لدي الكثير لأقوم به هنا...ستُرافقكما أسماء"
نظرات والدتها المُعجبة به أربكته...ليتراجع للوراء هامسا بحسنا...ثم يخرج.
"لكي تعرفي أنك منحوسة ابنة نحس...عوض أن تُخطبي لشاب جميل تخطبين لأبيه الثمانيني..." بعيونٍ تبرق اقتربت منه ترفعُ الخصلة التي تحررت لتسقطَ على جانب وجهها أسفل الوشاح الذي تُغطي بها جزءًا من شعرها...لتهمسَ قريبا منها، حتى أن أنفاسها كانت تضربُ بشرتها " لكن بقليل من حنكتك يمكنك الظفر به...لا أظن العجوز سيقف أمام رغبة ابنه الوحيد"
"انت مريضة" همست صوفيا بضعفٍ
"نعم أنا كذلك لأنني أريد مصلحتك...بالمناسبة أختك المصون قادمة للمغرب...أتمنى أن تُبقي على تجاهلها لنا...فأنا لم أعد أطيقها فعلا"
"متى كنت تطيقينها ماما"
"صدقت" أجابتها وهي تعود للداخل.

الأصوات الصادرة من هاتفها الذي كانت أسماء تلعبُ به في المقعد الخلفي جعله يتشجع ليقول بذنب" صوفيا...لدي ما أعترفُ لكِ به"
نظراتها الباردة كانت تُربكه أكثر ووهو يشعرُ بها على وجهه، بينما هو يُحدقُ أمامه دون أن يستطيع النظر باتجاهها، أخذ نفسا عميقا قبل أن يقول" الرسائل التي كانت تصلكُ كانت مني"
الصدمة جعلتها غير مًستوعبة لثوانٍ قبل أن تُعيدَ كلماته مراراً وتكرارا في ذهنها، رسائل الغزل التي تصلها قبل النوم وتجدها عند استيقاظتها كانت منه؟؟
في داخلها كانت تُكرر تلك الرسائل التي كانت سابقا تُشعرها بالإشمئزاز وهي تتخيلُ صاحبها...لكن الآن كانت تشعر بها وكأنها في مكانها الصحيح..."يا إلهي" همست، هل أثرت والدتها على تفكيرها وتتمنى لو أن الإبن مكان الأب.
همستها وصلته...ليزداد خجلا، "أنا آسف حقا، كانت خطة غبية من أختي كي أوقع بينك وبين والدتي...يا إلهي لا أفهمُ للآن كيف جعلتها تقنعني بذلك"
"لا بأس..." أجابته فلن تحكمَ عليه وهي مذنبة بقدره أو أكثر.
وأخيرا توقفت السيارة، وكأنها دهر قبل أن يصلوا لوجهتهم وليس عشرُ دقائقٍ فقط "عندما تنتهي اتصلي بي..." ليستطرد بخجل" تعرفين رقمي"

.....
لا يعرف ما الذي يفعله في مدينتها، وقد حجز فعلا تذكرة الهروب، فربما مغادرته للبلاد لبعض الوقت سيُهدئُ الزوبعة التي خلفها خبر زواجها القريب، لم يكن يجدر به أن يسأل "ساشا" عنها، لكنه فعل في خضم شوق جارف لها...سألها.

تنفس باضطراب وهو يلمحها مبتسمة تركب بجانب شاب، من النوع الذي يشعره بالاضطراب، ذلك النوع الذي لا يستطيع أن يجابه لأنه أكثر نضوجا ورجولة....اتبع السيارة السوداء، وحين توقفت لتدلف منها صوفيا وطفلة يبدو أنها أختها من الشبه الكبير... توقف أيضا، احس بالراحة والشاب يغادرهما أمام أحد الاسواق المركزية، دلفتا برهبة ليكون على أثرهما...

...

كانت تنزع قميصها لترتدي ذلك الفستان الذي اختارته لبساطته....عندما عاصفة بشرية اقتحمت الكبينة عليها.
هاجم عليها مغلقا فمها بقوة
" تستعدين له..." جسدها تخلى عن مقاومته وهي تسمع صوته، ابعدت يده عن فمها لتهمس بخفوت :"ماذا تفعل هنا ماسين"
" اتيت لأودعك" قال بهدوء ونظراته مرتكزة على صدريتها البنفسجية البسيطة...لم تكن تقاسيمها باثارة النساء اللواتي عاشرهن...لكنها بدت له في ذلك الوقت تفوقهن اثارة.... "ماسّين" همست لتبعد عيونه عن مفاتنها، التي اتجهت مباشرة لعيونها ثم شفتيها، الحرارة بينهما زادت حتى أصبحت خانقة لكليهما...كلاهما أراد أن يُودع الآخر ربما...أو أن يعيش ذلك الإحساس الذي لطالما تشاركاه معا..فقد ذاقا القبلة الأولى معا...اللمسة الأولى...والارتعاشة الأولى...وهذه القبلة ستكون استرجاعا للذكريات وخاتمةَ لها... ليبدأ بتقبيلها برقة، سرعان ما تجاوبت معه....وهذا آلمه، واغضبه، فالمشاعر التي أحس بها في أول مرة يُقبلها عادت كلها لتُهاجمه...وتُخبره أنها ستكون لرجلٍ آخر، قبلته أصبحت غاضبة جعلتها تئن ألما وتُحاولُ الهرب منها لكنه حاصرها، لمساته انتقلت لكل جسدها..ظهرها، خصرها وفخذيها، وهي كانت تئن حاجة لشيءٍ جديد، شيء تخيلته مرارا لكنه الآن يفوق أضعافا ما تخليته، أرادت تجربته بشدة...هو كان يُحاول السيطرة عليها لتُصبح تُجاريه بنفس التوق ونفس الرغبة...وهذا أغضبه...جعله يكرهها أكثر، والمخدر الذي استشقه قبل ساعاتٍ بدأ يُغادره، وقبل أن يلفظها بقرفٍ همس باتجاه عنقها " هذا لتتذكرينِ في كل مرةٍ تتماسُ أنفاسه وبشرةُ عنقكِ" وغرس أسنانه بعنقها بعنفٍ وسادية.....صرخة ألم كادت تنفلتُ من بين شفتيها.. جعلتها تضغطُ على فمها بكفيها، وعندما ابتعد....كانت دماؤها تظهر بين شفتيها....والألم لم يعد يُطاق، كان يفوق ألم حاجة جسدها له... دمعت له عيونها.

الجلبة خارجا آفاقتها من صدمتها والمسؤولة عن المحل تُهدده بالإتصال بالشرطة إن لم يخرج لتُسرع تقتحمُ عليها الكبينة الضيقة.
"آسفة سيدتي أنا لم أره يدخلُ هنا...أنا حقا آسفة وكل طلباتك على حسب المحل"
ساعدتها على الوقوف، بينما عنقها يخزها بقوة..."لا بأس، ساعديني من فضلك على ارتداء قميصي"
بيدين مرتعشة كانت تُساعدها بينما لا تكف عن الإعتذار...وعندما لمحت اللجرح البشع على عنقها كانت تصرخُ برعبٍ " يا إلهي...عليكِ أن تُعقمينه قبل...هل هو حيوان" ...كادت تُجيبها عندما لمحت عيون أسماء المصدومة عليها الغير مُصدقة لما حصل مع أختها..."لابأس.." أجابت المرأة وهي تتخطاها بارتباكٍ وتتجه حيثُ أسماء...دنت على ركبتها أمامها لتهمس تترجاها " لا تُخبري أحدا عما حصل هنا...أرجوكِ أسماء...سيكون سرنا. عديني"
ولم تتنفس الصعداء إلا عندما رفعت أسماء أصبعها الصغيرة تعدُها بكتمانِ سرها.
....

هواء الوطن ضرب صفحة وجهها بعنفٍ وكأنه يلومها على طول الغيبة...تنفست بعمقٍ...بينما الدموع تتجمعُ في عيونها المُغمضة بخجلٍ من هذه الأشعة الدافئة...التي لا مثيل لها...الريح تُلامسُ صفحة وجهها كلمسة أم حانية...هل حقًّا استطاعت أن تلفظ نفسها بعيدا عنه...!!

عبق الوطن.... آه كم اشتاقت له....لكنه عبقٌ محمل بذكريات...لعائلة قتلت طفولتها، و حيوانات اقتلعت روحها... ومع آخر خطوة لقاعة الإنتظار... كانت تسمع صيحتها..
-" مرررررررح....".... .لتُذكرها أنها حقًّا عادت للوطن
لم تنتظر يوسف والأطفال.... بل اسرعت وتلفقت جميلة في حضنها.... لتبدآ وصلة البكاء.... و الشكوى من الحنين...
- " مرحبا مرح...سُعدتُ لرؤ...." قاطعته وهي تندفع نحوه....لتُحيط بخصره و تبكي بعمقٍ.... ثلاث أزواج من العيون تُحدق في بعضها بصدمة.... ليعم السكون.... لم يقطعه إلا همسة يوسف.
- " مرح...."
همسة جعلتها تستعيد وعيها، و تفلت جسد مصطفى الذي عاد لسكونه... و رغم أن جسده لم يعد يرتعش بنفس الطريقة القديمة... إلا أنه لم يكن مرتاحًا أيضًا.
- " آسفة...." همست لتتجه نحو يوسف الذي يُناظرها بحنانٍ و تفهم..." لكني اشتقت فعلا لهما.... هما عائلتي الوحيدة بعدك يوسف..." غمغمت و الخجل يكاد يُذيبها.
- " و أنا أيضاً اشتقت لك مرح...لا تعلمين كيف اصبحت المدينة فارغة بسفركما" قال بتفهم
- " و الآن هل انتهيتما...تعالي... " قالت جميلة وهي تأخذ سليمان الذي تشبث بعنق والدته و سلمته لمصطفى
- " أمسكه....هو لن يعضك..."
ثم جذبت مرح بعيدا نحو السيارة....
- " ليكن في علمك....لو لم تكوني أنتِ.... كنت الآن مدفونة  تحت الأرض...." همس جميلة تُذكرها أنها مازالت تغار عليه.

السهرة انتهت في بيت مصطفى، باب السيارة بقي مفتوحا بينما عيونها على المنزل المقابل، منزلها يوما قبل أن يُغلق بلافتة عريضة للبيع محت تعاقب الفصول عليها أغلب حروفها، ذكريات جميلة مرت عليها في هذا المنزل، كان يحمل جزءًا من شخصيتها القديمة، فهنا كانت روحها المريضة تتساقط منها شيئا فشيئا لتحتل مكانها أخرى بقوتها الآن، ربما تلك الروح سكنت جدرانه ليغدو كئيبة!
نظر باتجاهها ليهمس لها يبعد عيونها عن المنزل "لنذهب مرح"
حركت رأسها موافقة لتدلف للسيارة مغلقة الباب خلفها...سعيدة جدا أن جميلة أصرت على بقاء الأولاد معها، فلم تكن لتستطيع الإهتمام بهم والذكريات تعود لتهاجمها دفعة واحدة. " هل أنت بخير؟"
التفت نحوه تحدق به لثوانٍ قبل أن تهمس" أنت تعلم أنني لست كذلك، فلا تحاول أن تُظهر أنك تهتم"
تنفس بعمق قبل أن يقول دون أن أن يحيد بعيونه عن الطريق" أنا لا أحاول التظاهر، فأنا حقا أهتم، لكن سأحاول عدم ذلك!"
صراحته آلمتها، تُدرك أنها كتلة من العقد، سيأتي يوما ويسأم منها، ضرب قلبها بعنف وفكرة أنه ربما يوما ما سيتركها ايضا ...تهاجمها.
هل  حقا  سيأتي ذلك اليوم الذي سيتركها فيه!
أرادت أن تسأله هل حقا يستطيع أن يفعلها؟ لكن كبرياؤها اللعين يوقفها في كل مرة تكاد أن تنطق بالسؤال!

وصلا لشقته القريبة من المستشفى...لتبدأ وصلة ذكرياته بالهجوم، هنا كان يمارس مجونه، هنا كان سنغمسُ في ملذاته هربا من مسؤولياته.
نظر باتجاهها...كانت تتأملها بينما ملامحها لم تكن مقروءة له.
هل ستتركه مرح إن علمت حقيقة هذه الشقة.
تأنيب الضمير يوبخه على اتيانه بها لهذا المكان الذي يحمل وصمة عاره " سأعرض الشقة للبيع أيضا" همس لتلفت نحوه " لماذا تبدو جميلة"
هذه الشقة تمثل كل ما يكرهه في نفسه... همس لنفسه دون أن يستطيع نطقها، صدرها ارتفع بصخب لينخفض مرة اخرى وهو يقترب منها وعيونه عادت لتحمل تلك النظرة التي اشتاقتها.
"اشتقت اليك" همس وهو يقترب منها اكثر، ليمسك بوجنتيها برقة يقرب شفتيها منها، قبلته ذكرتها بذلك "اليوسف" المراعي السابق، كانت تحتاجه أقرب، تحتاجه ليلهيها عن الأفكار التي اتخذت من عقلها سيركا صاخبا، وهو يحتاج أن يُطهر هذه البقعة التي يتواجدان بها...وليس هناك انقى من مرح لفعلها!
لم تعد تكفيها القبلة منه، ولما لا تكون البادرة فهي لم تعد تلك الخجولة التي غادرت هذه البلاد، بل عادتها أخرى قوية وواثقة من نفسها...كاد يبتعد بعدما أخذ كفايته من قبلتها...لكنها جذبته نحوها تُعيده للمكان الذي يُقسم أنه لا ينتمي إلا له...ضحك برقة وأزراره تتقاذف بعيدا بينما صبر مرح قد نفذ.

‘’ لم أكن مراعيا، أنا آسف" همس وهو يقبل باطن كفها، لتبعدها عن شفتيها تبعد شعره جبينه " أنت تهتم أليس كذلك؟ أنت لن تيأس مني''
" عندما فقط يتوقف هذا عن الخفقان سأكون قد توقفتُ فعلا عن الاهتمام" همس وهو يجذب جسدها نحوه " لننم الآن فغدا ينتظرنا يوم طويل"
.....

Continue Reading

You'll Also Like

830K 24.5K 39
لقد كان بينهما إتفاق ، مجرد زواج على ورق و لهما حرية فعل ما يريدان ، و هو ما لم يتوانى في تنفيذه ، عاهرات متى أراد .. حفلات صاخبة ... سمعة سيئة و قلة...
267K 22.8K 52
من رحم الطفوله والصراعات خرجت امراءة غامضة هل سيوقفها الماضي الذي جعلها بهذة الشخصيه ام ستختار المستقبل المجهول؟ معا لنرى ماذا ينتضرنا في رواية...
1.9M 36.1K 43
تبدو لك الحياة أحيانا بائسة حزينة، تظن أنك تحب أحدهم ثم يأتي الزمان يخبرك بمنتهى الخفة أنك لم تكن تحب ذلك الشخص و ان العشق خلق ليكن من أجل شخص اخر
435K 9.9K 37
للعشق نشوة، فهو جميل لذيذ في بعض الأحيان مؤذي مؤلم في أحيانا اخرى، فعالمه خفي لا يدركه سوى من عاشه وتذوقه بكل الأحيان عشقي لك أصبح ادمان، لن أستطع ا...