جرح وشم الروح! ملاك علي.

By Magharibia

22K 297 24

لمحةٌ من الماضي... كان يقبلها...بمهلٍ وكأن كل الوقت ملكه... برقّة وكأنه يخشى عليها من عنف قبلاته....بين كل قب... More

المقدمة
الفصل الأول
الفصل الثاني
الفصل الثالث
الفصل الرابع
الفصل الخامس
الفصل السادس
الفصل السابع
الفصل الثامن
الفصل التاسع
الفصل العاشر
الفصل الحادي عشر
الفصل الثاني عشر
الفصل الثالث عشر
الفصل الرابع عشر
الفصل الخامس عشر
الفصل السادس عشر
الفصل السابع عشر
الفصل الثامن عشر
الفصل التاسع عشر
الفصل الواحد و العشرين
الفصل الثاني والعشرون
الفصل الثالث والعشرين
الفصل الرابع والعشرين
الفصل الخامس والعشرين
الفصل السادس والعشرون
الفصل السابع والعشرون:

الفصل العشرون

535 7 1
By Magharibia

-" هل تعتقدينِ أن بعدَ فضيحة فدوى سيعود؟"
صوتُ والدتها أخرجها من سرحانها...بينما مازالت خارجًا رغم برودة الجو في هذا الليل صوتُ الديكة تتسابق لتهل الفجر للقرية التي لم تنم هذه الليلة...وكأنها تنتظر ظهوره...وأخبار ابنة عمه التي سرت كالنار في الهشيم في كل القرية تجعلُ قلبها يرتجفُ رعبًا عليه..." القرية كلها تتحدثُ عما صرَخ به زوجها وهو في أعلى الجرف...أن يجدَ زوجته مع المُحامي أمرٌ جديد كليًّ عليهم..."

رغم كل الآلام التي سببتها لها فدوى وما تزال إلا أنها تعلم معنى أن تكون في موضع هجومٍ، أن تكون بريئا وتطالك الخناجر من كل مكان، ولو كانت على شكل نظراتٍ غير منطوقة، في تلك الليلة عندما هربت بعيدًا عن قدرها المُرهق لكينونتها كأنثى لتصطدم بالمحامي يقف قُبالتها وكأنه ينتظرها...بل كأنهما على وعدٍ باللقاء.
في اللحظة التي استشعرت حضور معاذ قبل حتى أن تلتفت، في تلك الثواني التي كانت كالدهر وهي تتذكر كل اللحظات التي تلت خطواتها خارج المنزل وهي تدعو الله أن يذهب بعشقه من قلبها...الآن فقط ونظراته تخترقها عرفت ما اقترفته، علمت أن الخشوع الذي نطق به قلبها دعواته لم يخترق فقط عيونها المغمضة بل تعداه للسموات ليصل لربها.
في اللحظة التي سقط بها معا أمامها مغشيا عليه بينما عيونه تنسدلُ في تعبٍ...لتليه لحظاتٍ من الصمت المُطبق، ساعات وهي بجانبه على السرير الذي وضعه عليه عامر بمساعدة  حمزة...لم تتحرك وهي تنتظر أن يفتحَ عيونه فينظرإليها ككل مرة يلمحها بجانبه برغبة، قسمت في تلك اللحظة داخلها أنها لن تنجرح إن لم ترى الا الرغبة الخالصة في عيونه تجاهها...ستمنحه أضعاف ما تمنحه ككل ليلة فقط فينظر باتجاهها...لكنه لم يفعل، بل بمجرد أن حدق بها كان يوليها ظهره كالمجذوبة...بل أكثر، كخائنة!
توسلته...بكت أن ينظر اليها، حتى انها قبلته...لكنه كان أمامها كالصنم...لتعف انها حقًّا النهاية!

لكن الأيام التي كانت توالت كان عشق ينمو أضعافا داخلها.
وتأكدت أنها مريضةٌ به ولا ترجو منه الشفاء؟

-" ان يصل الموضوع للشرف..."
أوقفت استرسال والدتها بنظراتٍ ثاقبة...ربما في لحظات آلامها دعت بخشوعٍ أن ينتقم الله من فدوى...لكن لم تصل يومًا بدعائها لهذه الدرجة!
تغير صوتُ والدتها للهمس دون ان تهتم بسخط ابنتها...وكأنها تخشى أن يُسمع صوتُها في ذلك الهدوء...بل تخشى أن يصل للدار الكبيرة...فتتسبب بإخراج ابنتها العنيدة منه...وهي السعيدة أن "مُعاذ" مازال متشبثا بها رغم أنها لأسابيع وهي تُهينه وتتفادى رؤيته!
-" يُقال أنّ تلك الصورة التي هددها بها هشام حقيقية...وأنهما كانا..." حدقت بها سارة بغضبٍ أكبر لتستطرد بارتباك " ماذا؟؟؟ ...كلثوم من أخبرني...وتعلمين المُحامي جذوره ليست مننا...كلثوم قالت أنّه أتٍ من وراء البحر...وعاداتهم تختلفُ عن عاداتنا...أخبرتني أن نساءهم لا ترتدين شيئا...ولا أحد يستطيعُ أن ينهاهن أو سيُدخلنهُ للسجن ببساطة... " أمسكت بعنقِ منامتها وكأنها تَتُفُّ عدة مراتٍ قبل أن تهمس" أستغفرُ الله...أستغفرُ الله...أستغفرُ الله"
أعادت سارة نظراتها باتجاه المدى البعيد وعقلُها يعود مرةً أخرى لتلكَ الليلة عندما واجه عامر معاذ مُتحدّيًا أنه لا يحقُ له أن يُعاملها بتلك الطريقة...هل لأنه تعوّد على نساء قويات من حيثُ هو قادم؟
كيف لنساء أن يتعرين دون أن يُجادلهن أحد؟
ماذا يقول والدهن...أخاهن...زوجهن؟
كيف استطعن أن يتحدين تقاليد المجتمع وأعرافه...ليفعلن ما يحلو لهن؟

لتطفو صورة "ورد" التي تناستها لفترة، في مُخيلتها...جميلة بشعرها الأسود الطويل التي تتلاعبُ به الرياح بينما تميل للأمام ليظهرَ جزءٌ من صدرها بينما تُرسلُ قبلةَ لمُلتقط الصورة...قميصها الأبيض أزاحته الرياح ليُظهر بشرة خصرها السمراء بينما سروالها الأزرق يُحدده بفتنة...كل تفاصيلها مزروعة في مُخيلتها...كيف زرعت أصابع قدميها في الرمال التي تُشابهها دفئا...بينما أصابعُ يد رجلٍ تظهر من خلف الصورة وكانه يُناديها الاقتراب وهي تتدلل عليه بالرفض...وتلك الأصابع تعرفها جيدا وتعرف تقاسيمها وخشونتها...كما تعرف قسوتها وهي تُمدّ عليها!
ورد...سارة
احداهما تُمثل الحرية...والأخرى الانقياد.
احداهما تُمثل التوهج...والأخرى الإنطفاء.

التفتت نحو والدتها تُريدُ أن تستفسر أكثر عن نساء ما وراء البحر اللاتي يشبهن ورد حريةَ...عندما لمحته قريبا منها...التعبُ يظهر من تقاسيم ملامحه...وكأن الخطوط بين حاجبيه ازدادت عمقًا فقط منذ أن غادرها...ومحيط عينيه زاد دُكنةً!
-" تنتظرينني؟"
همس بحاجة وهو يقتربُ منها...يُريدُ أن يرتاح والمنزل كان كئيبا بدونها...ليتجه رأسًا باتجاه منزلها.
-" سمعتُ ما حدث...أنا آسفة"
قالت وهي مازالت تُحدقُ في ملامحه...كيف كان وقعُ الخبر عليه.
-" هل ندخل؟ ...أريدُ أن أرتاح"
همس وهو يمد يده للفانوس الصغير المٌعلق أعلى جدع شجرة ويرفعه يُحدقُ في ملامحها الرافضة...فتحت فمها لتُخبره أن يذهب لمنزله فهي مُنهكة...مشروخة ومُستنفذة...لكنها أغلقته وهو يهمسُ لها مُترجيًا:
-" أرجوكِ سارة...فقط لساعات لا أستطيعُ أن أرتاح بعيدًا عنكِ..."
أشارت بنعم وهي تُمدّ له بيدها ليرفعها...جاذبا إياها لحضنه...ضاغطا إياها بعنفٍ...كالعادة آلمها...لثواني لا يفعلُ سوى احتضانها بينما رأسه في تجويفِ عنقها...يُريدُ ان يمحي الرفض من عيونها.

أخيرا...استسلمت لحاجته للاحتواء لتُحيطهُ بذراعيها...قبل أن ترفعها لشعره تتخلله...وهي تهمسُ له أن كل شيءٍ سيكون بخير!

-" تعال..."
قالت وهي تقوده لداخل المنزل...وتتجه لغرفتها هذه المرة...بينما الغرفة الأخرى التي اعتادت ان تستقبله بها كان وريد ينام بها مع والدتها.
الغرفة كانت بئيسة مقارنة بغرفتهما بمنزله...لكن ما يهم فعلا هو وجودها...فالقصور بغيابها تُصبح خرابا...والأكواخ تشع نورًا.

في أقصى الغرفة الضيقة كانت فرشة سارة التي بالكاد ستسعهما...وقفت بعيدا تنظرُ إليه وهو يضعُ ذراعه على عيونه المُغمضة في تعب بعدما تخلص من ملابسه والاضاءة أعطته هالة الأمير الذي نُفي فجأة لمكانٍ حقير...وقبل ان تلتفت لتُغادر توقفت إثر همسته
-" اقتربي..."
همس وهو يفتحُ عيونه مُحدقا بها...فاردًا يدهُ لتستندَ عليها سارة...بعد أن أطفأت الفانوس تُلبي نداءه بالاقتراب...كجارية مُخلصة قررت أن تكون ظل أميرٍ مجرد وجودها بحياته يعني الحياة...بينما هو يرى اخلاصها واجبا عليها.
دقائق وهما صامتان يلفهما السواد...قبل أن يقول
-" كان الأمرُ مُرعبًا...لثواني لم افهم كيف سأتعاملُ مع الأمر...هشام كان قد أخذ قراره أن يُنهي حياته ويأخذ معه ابنه..." ملامحه تقلصت بازدراء وهو يتذكر هشام فوق تلك الصخرة الكبيرة وابنه بين ذراعيه يصرخ بقوة أنهم زوجوه بفاسقة...بدون اهتمام كان يرفع ابنه مهددا برميه ان اقترب أحدهم...لتعلو معه صرخات فدوى وصيحات الموجودين...شبك أصابعهما يتحسس خشون باطن يدها بإبهامه...خشونة اكتسبتها في الأيام الماضية من العمل في الحقول...كالبقع التي ظهرت في بشرتها من أثر الشمس.
-" هل يجب على المرأة أن تتعرى لتكون حرة؟"
سؤالها أوقفه عن الاسترسال في شرح مشاعره هناك وتراخت قبضته حول يدها...انزل برأسه تجاه ملامحها يرسمها ضوءُ القمر التي تدلفُ من بين قضبان حديدية في أقصى الحائط...ليُعطيها لمحة البعد...قريبة جدا منه، لكنها بعيدة جدا جدا!
-" ماذا تعنين؟"
لم تدع له مجالا للتفكير...لتقول بسرعة دون أن تُحرك وجهها باتجاهه:
-" حدثني عن سنواتك في الغربة...أخبرني عن نساءها...أول امرأةٍ تعرفت عليها هناك...كيف كانت؟"
حائرٌ من نبرتها أكثر من سؤالها...كانت تسأله عن امرأة تعرف عليها قبلها ببرودٍ وهدوء...يده انحطت على جهة قلبها...هل حقًّا هذا لفظه؟

مجرد التفكير في الأمر أوجعه...كتلك الضربة التي تعتقدها النهاية...لكنها لا تقتلك...فقط تتركك تتلوى من الآلام تتمنى الموت ولا تُدركه!

عاد برأسه للاستلقاء ...يُحدقُ أمامه بفراغٍ في الظلام...لم يكن يُدركُ أنه يحبسُ نفسه إلا عندما أطلقه بعنفٍ وهو يسمعها:
-" كيف كانت؟"
ليسترسل...عائدًا سنوات للوراء...مع جرحٍ من حاضره قاتل...
!
-" جولييت...كانت صغيرة القد...بيضاء البشرة بنمشٍ يعلو كل أطرافها...أعلى أنفها، جبهتها...كتفيها ويديها...رغم انها لا تخرجُ إلا بارتداء قبعتها...التي كانت بلون القش...تُزينها على الجانب الأيمن زهور بألوانٍ مختلفة...أظن أنها كانت فاتنةً في صباها...هذا ما تقوله على كل حالٍ..."
ابتسم وهو يتذكر جولييت...العجوز الفرنسية التي كان يكتري الشقة العلوية لمنزلها...لم تكن شقة بالمعنى الحرفي...عبارة عن غرفة وحمام ورواق صغير...بينما المطبخ كان في الجزء السفلي للمنزل...كان خاصا بجولييت وزوجها إيمانويل...وهما يُصران أن يشاركهما وجباتهما...التي تُخبره جولييت بفخرٍ أنها "حلال"... اللحم اشترته من الجزار التركي في الحي القريب...ولم تستعمل النبيذ لطهي الوجبة...رغم انعزاله الا أنه لم يكن يرفض طلبهما في بعض المناسبات...خصوصا تلك التي تتفنن بها جولييت بطبخِ الأكلات المغربية...وتدعوه طالبة رأيه الصريح!
-" ... كانت دائمة الابتسام...دائمة المزاح...تعتقدُ نفسها كفراشة ناعمة وهي فوق دراجتها البيضاء...كانت تُحيرني بشفافيتها وحبها للحياة رغم سنها الكبيرة"

-" جولييت..." كررت سارة وهي تتخيلها تجري كفراشة بين الأزهار...تقتنصُ من عبق الحرية...ضحكاتها تُسابق النسيم!
-" هل كانت عاشقة؟"
-" عاشقة حد النخاع..." أجابها برهبة قبل أن يسترسل " التقت زوجها في اليوم الذي كان به ذاهبا للحرب...كانت تُودعُ أخاها...لتلتقي عيونها بعيون إيمانويل...لم تكن تعلم أنها أسرته كما أسرها...إلا عندما دُقَّ بابهم في أحد الليالي القارسة...كان هو حاملا آخر رفات أخيها الذي قُتل في الحرب...حتى بعد ستون سنة من العيش معا...مازال عشقهما كاليوم الأول...متوهجا كتوهج نظراتهما وهي تلتقي في ذلك اليوم من 62 سنة"

بغصة...من تلك الراحة التي استشعرتها في قصة حب جولييت وإيمانويل...فالحب أغرقها لكن ما تريده هو الراحة...فقط الراحة من المشاعر العنيفة...الغيرة المؤلمة...الحقد الذي أحاطها...كل ما تريده أن تعيش بسلامٍ...كانت تهمسُ:
-" هل من الصعب أن تُحبني كذلك الحب؟ ...أن يطلق حبك في داخلي الحرية..."
-" نعم سارة...أنا عشقي متملك...لا أعرف الوسطية في حبك فلا تطلبي مني ذلك..." بصعوبة تحكم في المشاعر المتدفقة داخله ليستطرد بعنفٍ:
-" لن أنكر أنني أحبك سارة...حظكِ أن حبي لكِ قاسٍ...أريدكِ أن تُعاني معي كما تجعلينني أعاني..."
فهي الوحيدة التي توقظ جحيمه ليُطفئه داخلها...لا يُريد أن يكون الوحيد الذي يتلوى...يُريدها أن تتوجع منه...بل أن تُدمن وجعه لتستمتع به.
دموعها سرت بهدوء...تريد ان تصرخ به أن يذهب بعيدا بحبه...لتقول برهبة:

-" وأنا لم أعد أريد هذا الحب مُعاذ...أريد أن أعيش حرة..." سكتت قليلا " فانا أستحق!" استطردت بخفوت وكأنها تخشى ان يسمعها فيُخبرها بالعكس لتؤمن أنها فعلا... لا تستحق!
همستها اختفت مع نبرته القوية وهو يعلوها مُطوقا إياها بجسده الثقيل...دون أن يرحم شهقاتها كان يقول بفحيحٍ غاضب:
-" حريتكِ معي سارة...حريتك حيثُ اتنفس عبقك" اقرن قوله بفعلٍ وهو يُقربُ منها أنفه وكأنه يبحثُ عن ضالته في استنشاق رائحتها...الظلام وجسده الضخم وهمسته القوية أعطته هالة مرعبة...كذئب ضخمٍ يستعد للانقضاض عليها...كابوسٌ راودها ذات ليلة وها هو يعود...لكن في هيئة حقيقية...دون أن تعي ما تفعله كانت تصرخُ بقوة وانفعال:
-" ابتعد عني...ااااابتعد..."
لكنه كان هائجا وهو يُحاول أن يحصل على تجاوبٍ منها...رعبها وصل لذروته وصوت تمزق قفطانها يصل لمسامعها...بينما لمساته تُصبح أقسى...كان يقتص من رفضها له، يُريد أن يجعلها تُعاني لأن روحها لم تعد تُريده... لتهمس بآخر اسمٍ توقعت ان تستغيث به...الاسم الوحيد الذي آمن بها كروح...أنها تستحق!
-"عاااا..."
وقبل أن تُكمل نداءها ينقض على شفتيها يُقبلها بوحشية حتى أدماها...ثم دفعها بعيدا ليخرج من الغرفة بينما يتخطى حماته التي تقفُ بصدمة على الباب الذي فُتح عليها فجأة وهي تقفُ غير قادرة على فعلِ شيءٍ...فهي حائرة بين قلبها الذي يهفو لفلذة كبدها...وعقلها الذي لا يُريد لابنتها أن تخرج من جنة "الشيخ"
بعبوره من جانبها انطفأ القنديل الذي تحمله...ليسود الصمت إلا من أنات ابنتها...التي انكمشت على نفسها تبكي!
.....

-"ماسِّين...أنا أحتاجك"
همستها وصلته بصعوبة... استقام جالسا، يفرك عيونه الناعسة.... يؤكد لنفسه أنه صاح، وليست همستها صادرة من إحدى أحلامه الجامحة تُجاهها...مرت أسبوعان منذ لمحها...كان يبتعِدُ عن كل مطرحٍ يعرفُ أنها ستتواجدُ به...حتى أصدقاءه لم يعد يهتم بصحبتهم كالماضي...يكره كل ما يُذكره بها....ويكره عدنان صديقه لسنوات...لأنه يُذكره بخزيه....اختياره الوحيد الذي لم يكن مثاليا ككل شيء في حياته....لولا ساشا التي تلحُّ عليه رؤيته لم يكن ليلتفت للوراء مجددا...يُريدُ أن ينساها...حبهُ لها لن يشفع لها ماضيها...رغم تحرره إلا انه في نهاية المطاف هو رجل غيور، وما عرفهُ عن ماضيها لن يُغادر ذاكرته...سيتخيلها مرارًا في ذلك الوضع وتلك المكانة...!
-" ماسين... هل أنت معي؟!"
أعادت بحشرجة تُحاولُ أن تُجلي حنجرتها كي يصل إليه صوتها...لأن الثواني كانت تمر كحد السيف...وهي ثمينة في هذا المكان...همستها أيقظته...لم يكن يحلم ككل يومٍ منذ تركها...ابتعد لأنه كان يعلمُ انه فقط سيؤذيها...فمعها كان يفقد اتزانه...وعقلانيته...ركل الغطاء بعيدا وهو يأخذ نفسا عميقا ليقول بهدوء كيلا يفضح اللهفة في صوته:
- " نعم صوفيا... أنا معك...في ماذا س...."
وقبل أن يسألها أكثر...كانت تقول مُقاطعةً إياه...والغصة التي تستحكمُ حنجرتها تُهدد بالانهمار على شكل سيولٍ من دموعٍ
- " أنا في مخفر الشرطة... أرجوك تعالى واخرجني...أنا في المخفر المركزي "
فغر فاهه من الصدمة...مرر يده على شعره المشعث من النوم وهو يقول بارتباك
- " كيف في مخفر الشرطة؟! ما الذي حدث صوفيا؟! "
تلفت حوله يبحثُ عن زر الإنارة...بأصابعٍ مُرتعشة وأنين بكاءها يصله...ناعمًا ككلها
- " أرجوك ماسين أسرع...أتوسل إليك أن تُسرع قبل أن...."
لم تُكمل كلماته...ليسمع صوت حاد بجانبها...قبل أن ينقطعَ الخط
- " أنت لست في منزلكم لتأخذي حريتك في الكلام...اذهبي هناك ريثما يأتي من يتسلمك"
أشار لها الشرطي باشمئزاز لأحد زوايا الغرفة المُكتظة بفتيات...ممن ينشطن فقط ليلا...هي ليست مثلهن لتقف معهن...اشمئزاز طالها من شعرها الذي حرصت دائما على تغطيته...واليوم تظهره بابتذال...لأخمص أقدامها التي طُليت بعناية بأحمرٍ فاقع.
- " لقد اتصلنا بوالدك.... وأكد لنا ألا ندعك تخرجين مع أحد غيره.... سيتم ايداعك الحجز لحين حضوره.... اذهبي من هنا"
لم تخجل هذه المرة...وهي تبكي بصوتٍ عالٍ، بينما الشرطي يجذبها من ذراعها بقوة باتجاه إحدى غرف الحجز المُتصلة والمطلة على القسم...حيثُ تقفُ مثيلاتها في نظره!

عيونٌ مُكحلة بإتقان...وأخرى بعشوائية...بينما أخرى سال المحلول الأسود على خذها دون ان تهتم صاحبتها التي تمضغُ العلكة بشيءٍ من الحدة...ألوانٌ صارخة تُزين أعلى جفونهن وشفاههن...وكأنهن يسعين بهذه الهيئة أن يُطمرن هويتهن أسفل أطنانٍ من مساحيق التجميل...بينما يُبالغن بعرضِ مفاتنهن وهن يعلمن أنه في عالمهن...هي المُقدسة!

كل العيون مُوجهة نحوها، كان غريبا عليهن هستيريتها...وهن من أصبح الدخول والخروج لمثل هذه الأماكن كسهولة ابتلاع شربة ماء...بل هي فُرصة ليأخذن نفسا طويلا من الراحة أو يبدأن بالتفكير في معنى الحياة...وهن يتسلمن تحاليلهن الطبية...الذي يُجرى عليهن بشكلِ دوري للاطمئنان من خلوهن من الأمراض المنقولة جنسيا، ليس اهتماما بهن...بل كي يحدوا من أن يكن أحد الوسائل التي تُنتشر بها تلك الأمراض الفتاكة...من الطرق الغبية للسيطرة على المرض من الانتشار...القضاء على المُنقل وليس البحث عن حل لأقدم المهن التي عرفها التاريخ البشري..!!

لم يتفهمن كيف لها أن تبكي وتصرخ...حتى وهي تضربُ رأسها بالحائط...بينما شعرها القصير يتمايل بعنفٍ معها...وفستانها الغالي الذي يصلُ لأعلى ركبتها بقليل...ويُغطي جزؤها العلوي وذراعيها بإحكامٍ...يُظهر أنها لم تكن في سهرةٍ رخيصة...بين أحضان سكيرٍ في زقاقٍ ضيق...أو في منزلٍ وضيع كتلك المنازل التي تأوي مثيلاتهن...ينتظرن مشترٍ للذة سريعة مُحرمة...بدراهمٍ قليلة!
أخيرا...انخفضت عيونهن مع انخفاضة جسدها يجلسُ على الأرض بإنهاك...وصراخها تحول لأنين هامس.
كن يشفقن عليها...يعرفن المرة الأولى لكل الشيء...تكون صعبةً جدا...ثم تتحول لشيء اعتيادي...قبل أن تُصبح ادمان!

بينما هي كانت تأخذها ذكرياتها حيث بدأ كل شيء.

بثقة...وهي تلمحه بعيدا مع صديق جديد...يتفادى النظر جهتها...وقفت مع زميلاتها في أقرب نقطة منه...حيثُ سيلمحها بكل فتنتها...بينما هي تتضاحكُ بصخبٍ تستفزه بوجودها...قريبا جدا منه...غير مهتمة!
وكأنها لم يتخلى عنها البارحة بكل وضاعة.
مذلولة...والمظروف الذي يحوي النقود قريبا منها وقد ظهرت الأوراق النقدية التي يحتويها...عندما رن هاتفها...بلهفة كانت تُجيب...تعتقده هو...يطمئن عليها ككل مرة...إلا أن صوت والدتها الحنون رغم الذكريات التي يُصاحبها لكن بنبرة أكثر قسوة وتسلط...كان كل شيءٍ تحتاجه الآن...!!
لتنغمر دموعها...بكت كطفلة صغيرة منبوذة...وحيدة...متروكة على قارعة طريق
- " حبيبتي... ماذا هناك؟!"
استجمعت صوفيا نَفَسها وهي تسمع همسة والدتها التي تجعلها ترغب بالبكاء أكثر.... لتقول أول شيء تبادر لذهنها
- " ماما...أنا متعبة...جدا"
همست بحرقة...وهي تُغلق عيونها بتعبٍ...تريد الهروب من كل شيء... من حبٍّ تسلل لقلبها دون إرادةٍ منها...ومن كرهٍ استوطن روحها دون أن يُغادرها...وماضٍ سيظل يوشمها للمات!

- " حبيبتي هل ابتدأت الامتحانات؟! "
همست بأول شيءٍ تبادر لذهنها...فابنتها مُجدة...قوية...لن يكسرها أي شيءٍ بسهولة إن لم يكن مُرتبطًا بمستقبلها الذي تتقاتل لتُحقق ما تتمناه... سؤال والدتها جعلها تتنفس براحة لتقول:
- " نعم... نعم... المقررات تصبح صعبة يوما بعد يوم...الشغل كثير...لا أعرف كيف اوازن الأمور"
سمعت جواب والدتها...لتنهض بجمود وهي تمسح عيونها بشيءٍ من العنف...وتنحني تحمل الأوراق النقدية.
- " اختك سعيدة بحقيبتها الجديدة...تحملها أينما ذهبت...ويوسف لا يُفارق كراسة التلوين... لا ينام إلا بدونها"
ابتسمت...لا أحد سيفهمها...الكل يبحث عن غايته فقط...لتقول ببرود فاجأ والدتها:
- " سعيدة بذلك... سأذهب الآن للمذاكرة...قبليهم نيابة عني "
وقطعت الخط...وفقط النظر إلى دمائها تسيل ما سيُسكن ذلك التوق داخلها...!!

كانت جميلة ببلوزتها الحمراء...التي تعلو قطعة واحدة سوداء...السروال بالكاد يصل لكاحليها ليُظهر خلخالا ذهبيا...ترتدي ذلك الحذاء الأسود الذي قدمه لها كهدية!
عيونها مُكحلة بتفريطٍ...لأنثى ترفض أن تُظهر كسرتها...لتبدو قوية...مُسيطرة وأكثر...سعيدة!
هي تعرفه، تعرف كل خلجاته وقد كان عاضبا وزميله يلتفت حوله...ليبتسم لهن... اتسعت عيونه وهي ترد ابتسامته...بينما يُزينُ أنفها قرطا ذهبيا...أضاف لهيئتها لمسةً وحشية.
كانت بعيدة عن البراءة التي عرفها بها اول مرة...كانت فاتنة بطريقة جامحة...غير مبالية!
شفتيها انفرجت بابتسامة لتُظهر صف اسنانها التي أظهر احمر شفاهها الفاقع اللون بياضها، وهي تنسل الهاتف القديم الذي كان مناقضا لهيئتها...كانت تتحدث براحة عن الامتحان الذي أجرته للتو...عندما أبعدت الهاتف تُحدق به برهبة...لترفع عيونها اليه وكأنها تستشيره...حرك رأسه بلا...دون أن يعرف ما الموضوع.
اعادت التحديق أمامها وهي تهربُ من نظراته
" مرحبا صوفيا...أنا امام الجامعة...لدي عرض عملٍ لكِ...لكن هذه المرة سهرة خاصة..."
-" سهرة خاصة ؟؟؟"
همست صوفيا باستنكار
-" نعم...صديقتي لديها حفلة عيد ميلاد...وتحتاج لمضيفات جميلات مثلك...نلتقي بعد اسبوعين؟ ...ما رأيك؟"
التفتت صوفيا حيث يقف ماسين...او حيثُ كان يقف...لتجيب بسرعة
-" نعم اتفقنا..."
...

-" صوفيا الوفاق..."
اسمها جعلها ترفعُ رأسها عن الجدار البني من العفونة...لتبتعد عن ذكريات لو كانت تعرفُ أنها ستؤول بها لهنا...كانت هربت بعيدًا...ولم تجد نفسها في احدى تلك الشقق المشبوهة.
....

- " مصطفى؟؟ "

همست جميلة وهي تتشبثُ بمأزره من الخلف...نظر بقوة اتجاهها ليراها بإيزار صلاتها... فهمس لها بخفوت

- " لا بأس حبيبتي... عودي للداخل"

توقفت خطواته وهي تسمع مصطفى يعيد سؤاله، على المحامي الذي ما زالت تذكره...والذي توالت لقاءاتهما...الآن هو يهتم بقضية تخص ابنة عم معاذ على ما تذكر

- " ما الذي أتى بك عامر؟!"

" على الأقل اسمح لنا بالدخول... فالموضوع لا يُناقش على الباب!! " قال صوتٌ من خلف المحامي... جعل جسد مصطفى يتأهب، وهو يخرج باتجاهه بعدم تصديق:
" ما الذي تفعله في منزلي أيها...."
لكن عامر أوقفه بجسده الذي يماثل طولا وهو يهمس:
" فقط من أجلها...لا تهتم به...أرجوك! "

سكن قليلا يحدق في الجسد الضئيل الذي ينظرُ للأسفل، ليتراجع للوراء خلف الباب يسمح لهم بالدخول... دلف عامر وهو يمد يده لمصطفى... بامتنان الذي تلقفها ضاغطًا عليها بقوة وهيمنة قبل أن يُبعدها بسرعة...ليجره معه عامر للداخل، سامحاً للآخرين بالدخول...فتظهر جميلة من خلفه...بعيون فضولية مستغربة...وهي تحدق بهما...لتنظر أمامها وعيون امرأة أطول منها بقليل تحدق بها، بفضولٍ ممزوجٍ بشعورٍ لم تستطع تباينه...بينما خلفها ذراعيه على جانبيها يسندها بخفة...رجل مرعبٌ من مجرد النظر إليه...هربت بعيونها من عيونه المحدقة بها بعدم خجل...وقبل أن يتخطياها...كان يهمس بحرقة...وبنبرة تحمل الخشوع: " ميريام! "

كانت تعتقد أنها الوحيدة التي سمعت نبرته التي توتر لها جسدها...لكن المرأة الأخرى كانت ترفع نظراتها باتجاهه تحمل الألم والخذلان... لم تنتظر لتحلل أكثر وهي تهرب برعبٍ... بالتأكيد هو يقصد والدتها...وهذا جعل جسدها يرتجفُ برعبٍ!
.....
" صوفيا الوفاق..."

الصوت الجهوري الذي نطق باسمها جعلها ترفعُ رأسها عن الجدار البني من العفونة...لتبتعد عن ذكريات لو كانت تعرفُ أنها ستؤول بها لهنا...كانت هربت بعيدًا...ولم تجد نفسها في احدى تلك الشقق المشبوهة!

اتسعت نظراتها لتبدو غائرة في ذلك الوجه فتزيد شحوبه... وهي تُحاول ان تقف بينما راحتيها تتشبث بأسفل الفستان اللامع تُحاول ان تجعله يُغطي أكثر مساحة ممكنة...والرجل يُمسكُ برفقها بعنفٍ ليدفعها لداخل أحد الأبواب بينما دموع الذل اغشت عليها الرؤية...رفعت عيونها تستكشف المكتب الذي يبدو من التهوية انه أنيق...عندما تلاقت بعيون ماسين تُحدقُ بها... مدهوشا بمنظرها.
-" عن اذنكما " قال الرجل برسمية ثم أشار بتحيةٍ لظل رجلٍ الذي نطق يأذنُ له بالانصراف.

الصوت القادم من جانبها الأيمن أعلمها انها لم تكن وحيدةً معه...بينما عقلها يحثها أن تجري اليه تحضنه بقوة وتتشبث به كيلا يتركها هنا، أن تتوسله كما لم تفعل يوما لأي مخلوق!
أحاطت جسدها بذراعيها وعيونه تمرُ على تقاسيمها قبل أن تستقر على عيونها ويُبقيها هناك ساجنةً لعيونها بنظرة تحملُ اللوم والعتاب.
صدره يموجُ بنارٍ لم يعرف بوجودها يوما...بينما أفكارٌ تقذف بعقله في كل الاتجاهات...هناك شيءٌ خاطئ فيما يحدثُ معها، هي لا تنتمي لهذا المكان...ولا تستحق الأفكار السوداء التي تتصارع داخله... لتُرعبه...قلبه يُخبره أن كل هذا خاطئ.

بشرتها الذهبية بدت شاحبة جدا، الكحل سال ليُغطي محيط عينيها...بينما شعرها كان يحوم حولها كهالة...أغمض عيونه يهرب عن طلتها التي كانت في أسوأ حالتها لكنها فاتنة...أظهرت ضعفها الشديد وحاجتها له، لكن الغضب الهادر كون الآخرون قد لمحوها بهذه الطلة القاتلة...بهذه الفتنة المغلفة بحاجة...يقتله!
يدفعه أن يهرب بعيدا...حتى أنه استدار ليهرب...بجبنٍ كان سيتركها تواجه مصيرها لكن تلك اللحظة التي فتح بها باب مكتب استاذه على عيونها، عادت إليه، تُهاجمه...لتجعله ينآى بفكرة الهروب بعيدا...قلبه تذكر نظرة الضياع والبراءة في مقلتيها...وهو لم يخطئ أبدا!

(أنظر حولك يا غبي...كلام عدنان...ثم ما سمعته من فمها...والآن هذا المكان...هي مجرد شيطانة ملائكية الملامح كما قال صديقك الحميم...لا تغرنّك البراءة التي تنطقُ بها ملامحها)

الصوت الداخلي يأبى أن يسكت...يجلده بقوة لكنه يعلمُ أنه حاول الابتعاد عنها ولم يستطع.

-" سأتركك معها لنصف ساعة سيد الذهبي...أتمنى أن تُبلغ تحياتي لجدك"
ثم تخطاها ملحقا بالذي أحضرها لهذا المكتب الفخم...ثواني فقط أبعد بها ماسين عيونه عنها لتُحس براحة سُرعان ما خبت وعيونه تزداد قتامة وهو يقتربُ منها يمسك بعضدها يدفعها نحو الحائط بقوة...أصدرت أنينا هامسا وحافة مسننة لشيءٍ معلق على الحائط تنغرزُ أعلى ظهرها لكن ماسين لم يهتم لتعابير الألم في ملامحها بينما يضغطُ على جسدها أكثر وهو يهمس بفحيحٍ:
-" دعارة ؟؟...تُلتقطين شبه عارية من منزل دعارة"
ابتعد عنها بقرف وهو يُمسكُ برأسه بتعب ليجلس بقوة على الكرسي الموضوع امام المكتب ذو الخشب الصندلي، ينظر للأسفل بقلة حيلة..." ما الذي فعلته لأستحق حب فاسقة مثلك؟ ...لم أقرب امرأةً في حياتي..." قال ليرفع عيونه باتجاهها " لم أخن عهدكِ يومًا...حتى قبل أن تدخلي حياتي...اقسم لم أخنكِ...فلماذا؟"
سكت والغصة تمنعه من الاسترسال بينما عيونهما في تواصل ليُغلقهما، بينما هي تنظر إليه وقد خانتها بنات شفتيها...يا إلهي ما الذي فعلته به؟

(رأيتها مع رجلِ أجبني في سيارته الفارهة...اقسم لك...أنظر للصورة في هاتف كامي...)
فتح عيونه لتختفي تلك النظرة المُؤلمة...ثم اقترب منها بملامح حمراء، وكأنه يُمسك ناره بصعوبة أن تنفث فتحرقهما معًا.
عاد لوضعه السابق قريبا منها...لكن هذه المرة وبكلماتٍ باردة تخلو من نبرة الاهتمام التي دائما كانت تُغلفها رغما عنه وهو يُكلمها...كان يُمرر أصبعه على حافة فستانها مرورًا على صدرها لتقسو أصابعها وهي تتحسس بطنها، خصرها...بينما هي ترتجف بقوة وعنف تُذكر نفسها أنه ماسين...لن يُؤذيها وهي تُقسم بروحها على ذلك!
صرخة انفتت من بين شفتيها وهو يرفعها بعنفٍ ليتجه حيثُ المكتب ويضعها بنفس العنف بينما أصابعه تحولت لفخذيها يُثبتها بقوة مُقربا منها...وهو يهمسُ بفحيحٍ:
-" وأنا أيضًا أريد حصتي من جسدك الحقير...أريد سببا حقيقيا لهذه العفن الذي يحتلني من رأسي لأخمص قدمي...أريد سببا لأكره نفسي...لأن عشقك لم يعد يكفيني..."

أحاطت بكلتا وجنتيه وهي تهمس من خلف شهقاتها
-" أنظر الي...أرجوك...أتوسل إليك...أنظر إلي..."
لكنه كان يهربُ بعيونه، بوجهه عنها دون ان يشعر بأظافرها التي انغرزت في بشرته...فآلام روحه أقوى...وهو يُمسكُ بيديها ليسجنها خلف ظهرها...ليغرز أسنانه في عنقها في حركةٍ مؤلمة جعلتها تستلمُ له.

-" ماسّين..."
همست في أذنه القريبة منه...التشديد في اسمه...تلك الحركة البسيطة التي جلبت السُهاد لعقله لشهور...همستها جعلته يرتخي وهو يفك سجن يديها...لتُحيطه بهما...بقوة...زادت وهي تستشعرُ ارتجافة جسده القوي بين ذراعيها...كان يبكي...بينما هي تنظرُ أمامها، للثريا المعلقة في السقف والتي تكاد تصل للأرض، للوحات المزينة بألوانٍ صارخة...لصورة الملك التي تحتل أغلب الحائط، للأوسمة المعلقة في لوحةٍ زجاجية بإطار ذهبي الذي انغرز سابقا في أعلى ظهرها...كانت تُحدقُ في أصغر التفاصيل فقط كي لا تُفكر في الذي يبكي في حضنها.
-" أنا فقط لا أستطيع"
همس ماسين بخفوت.
-" أنا أعلم..."
أجابته بنفس الخفوت...دون ان تدع فرصةً للرعب الذي تمكن منها من الظهور.
ابتعد ليعطيها ظهره بينما ينزع معطفه واضعا إياه في الكرسي من أجلها...ودون أن ينظر باتجاهها همس:
-" حاولت اخراجكِ من هنا لكن لا أستطيع...والدكِ في طريقه اليكِ...أتمنى لكِ حظًّا موفقا"
ثم خرج...ببساطة خرج، تاركا إياها لمصيرها.

ببساطة خرج وهي عادت للاستناد على ذلك الحائط في ذلك الحجز...وهي تُخبر نفسها أنها النهاية...عندما لم يستطع ماسين ان يخرجها...فقد حانت النهاية....حدقت بالفتيات المستندات على بعضهن بجانبها...البعض منهن مغمض عيونه...يبحث عن لحظة سلوى...لتفعل المثل فربما ترتاح مُلتفةً برائحة ماسين وممتنة لمعطفه الذي تركه لأجلها...كانت تُغمضُ عيونها طلبا للسلام الذي يمكن أن يمنحه لها النوم، لكن اتصال والدتها هاجمها...كانت تتنفس بصعوبة وهي تخبرها ان تعود...ألا تذهب....أن تعود لأحضانها، أيًّا كان ما هي مُقبلةٌ عليه أن تتراجع، لم تستطع أن تسيطر على انفعال والدتها...ومديرتها تستعجلها الدخول للشقة...لتغلق الخط والهاتف مرةً واحدة...بمجرد أن نُزع عن كتفيها المعطف الطويل الذي ترتديه...لتستشعر البرود، من العيون المحدقة... رفعت رأسها تتوقع رؤية المحتفلات...والمرتديات مثلها يحمن حول النسوة...لكن ما رأته....كان كابوس....وهي تقف وجها لوجه مع " ليام أدولف " الشاب الكندي الذي اعجب بها سابقاً وأوصلها... لشقتها!

Continue Reading

You'll Also Like

253K 22.1K 11
في عالمٍ يملأهُ الزيف غيمةً صحراويةً حُبلى تلدُ رويدًا رويدًا و على قلقٍ تحتَ قمرٍ دمويْ ، ذئبا بشريًا ضخم قيلَ أنهُ سَيُحيى ملعونًا يفترسُ كلُ منْ ح...
334K 12.7K 33
الألم يفني روحها وحياتها بأكملها، لا قد أفناها منذُ دهر، التي تعيشها الآن ليست حياة بل أذى ووجع يخالط روحها التي ستنتهي، عندما آتت إليها الفرصة الذهب...
1M 66.6K 104
" فرحات عبد الرحمن" شاب يعمل وكيل نيابة ويعاني من مرض اضطراب الشخصية المعادية للمجتمع مع ارتباط وثيق باضطراب النرجسية مما يجعله ينقاد نحو كل شيء معاك...
277K 23.2K 52
من رحم الطفوله والصراعات خرجت امراءة غامضة هل سيوقفها الماضي الذي جعلها بهذة الشخصيه ام ستختار المستقبل المجهول؟ معا لنرى ماذا ينتضرنا في رواية...