جرح وشم الروح! ملاك علي.

By Magharibia

21.9K 297 24

لمحةٌ من الماضي... كان يقبلها...بمهلٍ وكأن كل الوقت ملكه... برقّة وكأنه يخشى عليها من عنف قبلاته....بين كل قب... More

المقدمة
الفصل الأول
الفصل الثاني
الفصل الثالث
الفصل الرابع
الفصل الخامس
الفصل السادس
الفصل السابع
الفصل الثامن
الفصل التاسع
الفصل العاشر
الفصل الحادي عشر
الفصل الثالث عشر
الفصل الرابع عشر
الفصل الخامس عشر
الفصل السادس عشر
الفصل السابع عشر
الفصل الثامن عشر
الفصل التاسع عشر
الفصل العشرون
الفصل الواحد و العشرين
الفصل الثاني والعشرون
الفصل الثالث والعشرين
الفصل الرابع والعشرين
الفصل الخامس والعشرين
الفصل السادس والعشرون
الفصل السابع والعشرون:

الفصل الثاني عشر

633 9 0
By Magharibia


....

" أنت تستحق ما حصل لك"
رفع عيونه...للمرأة المُلثمة على ظهر الجواء الأسود المُرعب...ليقول وهو يضعُ كفه يَقي عيونه من الشمس الحارقة في هذا الصباح...فتعطي للفارسة هالة قوة...تبدو كتلك من الأفلام العربية التاريخية، حيثُ الفارسة لها مكانتها في ساحة القتال...أراد بشدة أن يرى ملامحها لكنه فشل في تباينِها...ليقولُ بانزعاج:
" أنتِ حتى لا تعرفينني"
علوها أعطاها اليد العليا عليه...لتقول بحقدٍ وهي ترى الجرح النافر بجانب حاجبه...وشفته الممزقة:
" صدقني...بمجرد كونك رجلا... فأنت بالتأكيد تستحق"
فغز فاهه يحدق بها...هل سكان هذه القرية غاضبون دوما...ربما العدوى انتقلت من الماء او التربية...لا لا بل الهواء...فهو الأسرع انتشارًا...ولم تمر إلا دقائق منذ تلقى ضربات من ذلك الغاضب معاذ لولا اتصال عمه في تلك اللحظة لكان استمر حتى يُرديه...وقد سئم فعلا أن يكون كيس مُلاكمة لكل غاضب...بدون وجهِ حقٍّ.
"غبي..."
همست وهي تلكزُ حصانها مغادرة...بينما هو مازال ينظر باتجاهها يُفكر هل يُعتبرُ مُذنبًا إن جر ساقها من فوق الحصان لتتكوم أسفله. ابتعد بعيونه عنها وهو يسمعُ صوتًا قادما خلف شجيرات طويلة...التفت ليلمح شخصا بشوشا عكس الشخصين اللذان التقى بهما سابقا:
" مرحبا أنا حمزة أمغار...والد فدوى وعم معاذ...بالتأكيد تعرفه"
حرك رأسه دليل موافقًا على معرفته بصاحب الاسم الأخير...وهل يستطيع نسيانه؟
عيون حمزة تُحدقُ في تقاسيمه المليئة بالكدمات...دون ان يشير لها...!
هذا أسعده حقًّا...فلا يُريد أن يُخبره أن السبب ابن أخيه...لأنه تغزل بامرأة جميلة صُدِفَ انها زوجته...حدق في تقاسيم حمزة اللطيفة...وهو يُفكر انه ربما إن أخبره بسبب الكدمات...هذا القناع سيتحول إلى آخر غاضب ويُكمل ما بدأه معاذ.
" تفضل..." أشار حمزة للمدخل ليتبعه عامر...وملامحه تسترخي فالمكان كان آسرًا للروح...كيف الجدران الطينية الحمراء الذي تُعطي للمنزل هالة القدم...تتمازج مع فسيفساء الزليج الذي يُغطي أغلب الجدران الداخلية للمنزل...!!
" السلام عليكم"
عاد من أفكاره التي أخذته إلى أول يومٍ في هذه القرية... على صوتٍ خافتٍ ليُبعد عيونه عن اللمنظر البهيج لأشجار اللوز التي بدأت تأخذُ حلةً بيضاء بمزيجٍ من البنفسجي...
" عليكم السلام تيفاوت"
أجابها وهو يبتسمُ لها...ظلال الكدمات كان قد اختفى تقريبًا...أخذت جانبه تنظر لنفس المنظر الذي لم يكن يأسرها...هي ابنة المدينة، تطربها أبواق السيارات، همهمات الناس...وتعشقُ الازدحام...تُحب أن تتسابق مع الوقت كي تصل في الوقت المُحدد...القرية بالنسبة لها تجلبُ الكسل خصوصا لشخصٍ مرفهٍ مثلها...لا تضطر للعمل في الحقول لتحصد، ولا لعلفِ الماشية وبيع حليبها او لحمها في السوقِ الأسبوعي...ربما لو كانت تعيشُ هنا كانت ستتأقلم...لكنها ليست كذلك...ولن تتأقلم!
" منظرٌ مبهر..."
غمغم عامر...لن ينكر أنه أحس براحة وهو يستنشق هواء القرية المُحمل برائحة التربة والأعشاب...لم يذكر متى أحس بالشمس قريبة جدا إليه بهذه الطريقة...ولا الهواء بنقاوة هواء القرية...هو الذي عاش أغلب سنيه في مدينة الضباب، كلما زاد ثراؤك يزداد العلو الذي يقعُ به مكتبك...وكأنهم يهربون عن الناطحات السحاب التي تُغطي عليهم أشعة الشمس...كان التنافس لا يرحم...!!
رفعت رأسها تنظرُ باتجاهه...دون ان تستطيع إخفاء نظرة الإعجاب من عيونها...منذ الوهلة التي لمحته به...ضربات قلبها تسارعت...وكأن قلبها كان ينتظرُ قدومه...لتصخب دقاته!
هربت بعيونها...لتقول تُجلي حنجرتها من المشاعر التي بدأت تأسرُها بمجرد أن تكون قريبةً منه:
" دعوة العم حمزة كانت في محلها..."
أجابها هامسًا بامتنان لحمزة الذي أجبره على البقاء في القرية حتى يعود الشيخ...دون أن يعلم...أن عودة الشيخ رهينةٌ بمغادرته هو:
" كنتُ فعلا أحتاجها..."
أحست بنبرته تحملُ غصة...أرادت أن تسأله بشدة عن سببها...لكنها لم تستطع...لتقول:
" بعد أقل من أسبوعين...ستبدأ الاحتفالات بالعام الجديد...ستستمتعُ جدًا"
" انا متأكد من ذلك."
أجابها وهو يُحدقُ بها...ملامحها الجميلة، الغمازتين في خذيها...وعيونها البندقية...قبل أن يلتفت وزعيقٌ حاد يصل من خلفهما.
" ألا تخجل؟؟...أنت لستَ في بلادك حيثُ تستطيع التحدث للنساء بدون رقيب...ألا احترام لسكان هذا البيت او للقرية؟؟؟...ثم ما الذي ما زلتَ تفعلهُ هنا...ألا يجدرُ بك أن تذهب لتدفع بطلبي للطلاق في المدينة...أي مُحامٍ أحمق أنت"
وقد كانت فدوى...المرأة التي يُفترضُ به أن يجعلها تتطلق...لكن كل ما يتبادر لذهنه في كل لحظةٍ يلتقي بها...ان يُعيدها لزوجها...دون ان تستطيع منه الفكاك...كانت تجعله يغضب وهو النادر جدا ان يُستفز...هي الوحيدة تقريبًا التي تجعلُ دماؤه تُضخ بقوة في شرايينه ساخنة...ورغبة أن يُسكتَ ذلك الفم الذي لا يعرفُ سوى اخراج كلماتٍ مسمومة كروحها!
أراد أن يتجه نحوها...ويصفعها!!!
تنفس بعمقٍ وهو يُواليها ظهره...بينما تيفاوت تتجه نحوها تجذبُ ذراعها بعيدًا...فإن سمعها أحدهم...ستكون فضيحةً!
..........

استيقظ ليجدَ نفسه وحيدًا في السرير...التفت جهة الطاولة الصغيرة قرب السرير ليكتشف سبب استيقاظه، الذي كانت جميلة من تتكفل به...بينما الآن كان اهتزاز هاتفه ما جعله يفتح عيونه بانزعاج وهو لم يستطع النوم...آلام كاحله، وانفجار جميلة في وجهه جعل السُهاد لا يُفارقه حتى الساعات الأولى من الفجر...ولم ينم إلا بعد ان أخذ كفايته منها...كانت مُعطاة كحالها دائما، وكأنها الحاجة الوحيدة المُهمة في حياته...والباقي لا يهم!

رفع الهاتف، ليبتسم واسمُ "الحمراء" يتوسطُ شاشته...فوق صورتها تستلقي فوق الشراشف البيضاء... بشعرها الأحمر الذي ينزلُ على كتفها فيغطي صدرها، وجهها الخالي من أي زينة، وشفاهها المُكتنزة والتي مازالت تحملُ آثار هجومه عليها ترسمُ ابتسامة مُغوية تُناقضُ براءة ملامحها...وعيونها الواسعة اللامعة والمُتخمة بتلك المشاعر الجياشة التي تشاركاها للتو تُحدقُ به...كقطة أخذت كفايتها من الحليب...لتستلقي بوداعة!
اختفت الصورة بانقطاع اتصالها...وماهي إلا ثواني حتى بدأ الاهتزاز مُجددا...ليضغط على زر الاستقبال يُباغتُها...همس لها بصوتٍ أجش من النوم ومن المشاعر التي تجعلهُ يعيشها والتي تتضخم في كل ثانية تمر وهي في حياته:
" كنتُ أتمنى استيقاظا أجمح من اتصالٍ بارد..."
شهقتها وصلته...تراجع للخلف يستلقي، ليستطرد بجرأة أكثر...وهو يهمسُ بخفوت وكأنه يخشى من أن يسمعهُ أحد:
" وربما ينتهي بحمامٍ ممتع..." ضحك لشهقتها ليستطرد بتساؤل شقي " منذ متى لم تقتحمي عليّ الحمام؟؟!!"
كان تنفسها المُضطرب يصله...ليزيد استمتاعهُ بارتباكها...لكن النظرة تغيرت في ملامحه وابتسامته خبت وهو يسمعها تقول:
" جيد أنك استيقظت!"
ثم أغلقت الخط...لدقائق لا يفعلُ إلا التحديق في السقف...عقله فارغ...لكن الساعات التي مرت كحد السيف والتي كاد فيها ان يُودع حياته...هاجمته فجأة.

..........
لم يهتم للباب الذي صدحت خلفه جلبة خفيفة...فهو لم يعد يهمه ان يعرفوا مكانه...هو نفذ جانبه من الاتفاق...وينتظر أن يُنفذوا جانبهم...أو أن غضبه سيحرقهم...حتى لو دعا الأمر لموت "جنا" فسيكون أرحم لها أن تموت على أن تبقى بين أيديهم...استند للخلف يتذكر ما حدث...

عينهُ على منظار الشبح البندقية (AS-50)  البريطانية...التي لم تحمل اللقب إلا لكونها الأكثر فتكا والتي تستطيع إصابة الهدف على بعد أمتارٍ كثيرة.
يتذكر ما حدث قبل عدة ساعات...عندما ترك سراب دون أن يستطيع النطق وغصة تستحكمُ حنجرته...لا يستطيع أن يُخاطر ويأخذها معه...هم لا يُريدونها مادامت بعيدة عن عالمه...ودخولها إليه يعني هلاكها.
لفح الهواء الساخن وجهه وهو يخطو لداخل الملهى الليلي الذي لم يُغلق بعد ابوابه... لكنه يعلم كما يعلمون أنه لن يكون فارغا حتى في هذا الوقت من النهار رغم أن أشعة الشمس تكاد تتوسط السماء!

دلف...بخطواتٍ واثقة، وعيونٍ كالعقاب...الذي لم يحمل اسمه من فراغٍ، ليقف خلف رجل يستند بمرفقه على طاولة الشراب...بينما يخفي وجهه أسفل جريدة.
" مرحبا بسعيد الصغير..." قال دون أن يهتم بالمسدس المصوب لرأسه..." لما لا تذهب وتمتع نفسك قليلا... منذ قليل وصلتنا شحنة أوروبية...لن تستطيع مقاومتها..." أدار صفحة الجريدة بهدوء...وهو يُكمل دون ببرود "اذهب...انا أعطيك الإذن لتجربتها كلها، فربما تجد هناك عذراء شهية...."
تحرك زناد المسدس اعلمه ان الآخر غير مهتم بعرضه السخي...الذي كان سيسيل له لعاب الآخرين...لو حصلوا على ربع منه!
" أين هي؟!" همس بفحيح...وهو يضغطُ أكثر على فوهة المسدس.
" سعيدٌ أن التسجيل أثار اهتمامك..."
" أين هي؟" أعاد عُقاب وهو يُحاول التحكمُ في عنف تنفسه
" لا أعلم... " أجابه الآخر " كل ما اعرفه ان الزعيم يتوقع حضورك...ويخبرك ان تتخلص من الفوضى التي سببتها...رأس منصور...او رأس الطفلة...ولك الاختيار!"
صرخ عقاب بقوة...وهو يرفع المسدس ليهوي به فوق رأس الآخر...الذي قفز يتفاداه...وهو يقول بهدوء:
" أنت لا تريد اغضاب الزعيم أكثر...تخلص من منصور...وعد لنتفاهم!!"
اقترب منه عقاب بغضب...يرفعُه بسهولة من كم قميصه...ابتسم الآخر وهو يُحدقُ به بهدوء ليهمس بغضبٍ مكبوت يحمل كرها:
" لو تعلم كم مرة أخبرتُ القائد أن يتخلص منك...منذ صغرك وأنا اعلم أنك كتكون كالشوكة في الخاصرة...أنتَ تُشبه أمك العاهرة...التي لا تعرفُ معنى الوفاء"
أسقطهُ عقاب أرضًا...ثم نزل إليه...يلكمهُ بقسوة، غشاوةٌ غطت عيونه وهو يسمعُ تصريحه...بينما ضحكات الآخر كانت تتعالى...وكأن جسده لا يتلقى الهجوم!
رجلان تشبثا بذراعيه...يُبعدانه عنه. ملامحهُ غارقة في دماءه دون أين يهتز له جفن، التفت حوله ليلمح أغلب الرجال يوجهون السلاح نحوه...يعرف أنه مُحاصر وربما ستكون نهايته...لكنه لن يُسعدهم ويُظهر ذلك.
" ابتعدا" صرخ بهما الآخر...بينما أحدهم يُمررُ له منشفة ليمسح الدماء التي كانت تمنعُ عنه الرؤية.
أشار برأسه للهاتف الموضوع على الطاولة...وعندما قُدم له اتجه به نحو عُقاب...الذي كانت ملامحه غير مقروءة بينما عيونه تترصد أي حركة حوله...ويده على جراب مسدده...لأنه عليه اللعنة إن مات دون أن يأخذ معه أرواح أغلبهم العفنة!
لكن الآخر رفع هاتفه...لتظهر شاشته، وكأنها تصوير مباشر لمكان وجود جنا...كانت تجلس برعبٍ تحضن دميتها المفضلة...بينما مربيتها عبلة تحيط كتفيها...تنفس بهدوء وهو يحاول أن يركز كل حواسه علَّه يلتقط اشارةً تدل على مكان تواجدها، فصل روحه عنها، فلا وقت للعواطف...يُحدقُ في الجدران البيضاء الخالية من كل زينة...تجلسُ على غطاء احمر...تحضن دميتها التي تُشبهها قليلا.
" اجعلها تنهض"
صوت الرجل امامه نطق...لتُمدّ يد من أسفل الهاتف الآخر...وترفعها بقوة ليراه. ذلك الوشم الذي يزين ذراعه...لم يركز على جنا التي بدأت بالصراخ بخوف...بل اغلق كل منافذه التي ستجعل حواسه لا تركز...وهو ينظر لساعده يسجل كل تفصيلة من ذلك الوشم الخاص جدا بنوعٍ من مافيا السجون...ثم الندبة الدائرية وسطه...أظلمت عيونه بنشوة وهو يتخيل نفسه سيستمتع جدا بفصله عن تلك الذراع التي فكرت ان تُمدَّ إلى ابنته!
أُبعدَ الهاتف عن مرمى عيونه...ليرفع نظراته الباردة للرجل المسؤول عن الملاهي الليلية الخاصة بهذه المنطقة...الذي ابتسم باصقَا الدماء أرضًا وهو يقول مُشيرًا للصورة بهاتفه:
" رأسه مُقابل هذه الطفلة..."

حرك جسده المستلقي على بطنه بانزعاج وهو يلمحُ من خلال المنظار مُصطفى العالمي بسترته التي تحمي جدعه والتي تحملُ شعار الاستخبارات...رأسه مرفوعة بغرور وقد استطاع القبض على المسؤول عن حرق العاهرتين...النظارة السوداء تُغطي عيونه...والسماعة السوداء تندسُ في أذنه...حرك المنظار ليُعلِّم أين ستسقر الرصاصة...مُباشرةً في شريين عنقه...الرصاصة التي ستُسابقُ الريح وفي جزءٍ من الثانية ستخترق عنقه...ليسقط جُثةً هامدة...كما تمنى دائما وهو يقبعُ في زنزانته العفة...لأكثر من 24 شهرًا...وهو يُمني بانتقامه من "الوحش"...وقد حانتِ اللحظة!
ضغطةُ زنادٍ فقط وكل شيءٍ سينتهي...لكنه تذكر ذات الشعر الأحمر وأخرى بشعرٍ يُنافس أشعة الشمس وهجًا...لعن بقسوة...وهو يُعيد منظاره للهدف.
" اخفض رأسك..."همس يُخاطبُ مُصطفى... " قليلا فقط..." لعن مُجددًا ورأس مُصطفى تُغطي عليه الهدف "...أحسنت"
قال بغرور في اللحظة التي خفض بها مُصطفى رأسه باتجاه هاتفه.
استقرت الرصاصة في عنق "منصور" الذي ابتسم وهو يتلقاها...فقد كان ينتظر اللحظة التي سيتلقى تلك رصاصة...فهو يُدركُ أن ما يحمله من أسرارٍ، وقواعد المافيا معروفة، تقتل نفسك او يتولون ذلك...لكن لا يجبُ أن تسقطَ في يد الشرطة...قانونٌ من عدة قوانين أقسمَ عليها بدمه!
قبّل عُقاب البندقية...وهو يرفعها بخفة لكتفه...لم يهتم بتفكيكها...فالدقائق الثلاث التي سيستغرقُ تفكيكها...ربما تكون نهايته!
نزل من أعلى المنزل الذي كان يترصدُ به ضحيته...ونشوة الأدرينالين جعلته يستشعرُ طاقة...فقد قام بما يُتقنه...وما يبرع فيه لسنوات ...الإطاحة بالرؤوس، والتي لم تكن يومًا بريئة!

فتح عيونه ليطرد الذكرى...التي أعادته لذلك السطح حيث يترقب ضحيته...تلفت حوله بضيقٍ مازال في الشقة الصغيرة... التي يكتريها باسم مربية جنا، التي عاد صراخها يُضخ في آذانه ليجعلُ اضطرابه يزداد...وهو يحتاج لكل ذرة صبرٍ، وكل تيقظه من أجل أن يبحث عنها...ينتظرون منه الركوع لكنه ليس جزءًا من شخصيته...هو خُلق ليكون في الواجهة كقائد!
..........
فتح عيونه...مازال في غرفته في المنزل، الألم ينبضُ في ساقه يُذكره أن مشهد جعفر وهو يدفعه للوراء ليسقُط لاويًا كاحله ليس جزءًا من كابوسٍ مازال عالقًا في عقله عما حدث هناك...لو فقط استقام لم تكن الرصاصة لتُخطئه...القناص كان بارعًا بدرجة رهيبة...بدرجة تجعله لا يستحقر تلك المنظمة التي كلما توغل بها...وكأنه يتوغلُ في محيطٍ لا قرارة له.

كانت الساعة تُشير للثامنة والنصف صباحًا عندما توجه خارجًا بعد حمامٍ طويل، ...الأصوات القادمة من غرفة البنات، جعلت ساقيه تتجه إليها مباشرةً...ليجد جميلة تحمل ليال على صدرها بينما اختها تتشبثُ بخصرها بشدة وما زالت داخل سريرها ذو الأعمدة الخشبية...
" هل هي بخير؟"
دلف لترفع جميلة رأسها تُحدقُ به، لتُجعد ما بين حاجبيها وهي تنظر إليه في ملابسه البيتية المريحة...حافي القدمين...كانت تتوقع أن يدلف ببذلته الأنيقة التي وضعتها فوق الأريكة له في غرفة تغيير الملابس.
" جميلة ...ما بها ليل؟؟"
أعاد بهمس وهو يدنو ليحمل الأخرى...التي تُصر على التشبثُ بخصرِ والدتها.
" ليال " صححت له وهي تضيف "ارتفعت حرارتها فجأة...أعطيتها خافضا للحرارة منذ ساعتين...هي فقط لا تُريد أن أضعها أرضا...وأختها تشعرُ بالاضطراب لمرض توأمتها"
" أعطيني إياها...سأهتم بها"
مدّ يده تُجاهها...لكن جميلة ابتعدت وهي تقول بنبرةٍ مازالت تحملُ البرود...لم يجعله لهيب لحظاتهما قبل الفجر يختفي.
" لا نريد ان نُؤخر رئيس وحدة الاستخبارات عن عمله...الفطور وملابسك جاهرة...فقط اذهب!"
وهي تلتفت بعيدا عنه...تنفس بهدوء...ودون ان يُجيبها كان يضعُ طفلته في مهدها...ويخرج!
..........
نزلت أخيرًا بعد أن تأكدت انه سيكون قد غادر...تفاجأت به...بمريلتها الأنثوية الذي بالكاد تُغلق خلف ظهره...بينما هو يعطيها ظهره ويستند على رجلٍ واحدة يجهز الغذاء
" أنت لم تذهب لعملك...؟؟!!"
التفت يُحدق بها ليقول
" لا...لدي إجازة مرضية حتى يُشفى كاحلي..."
أنزلت نظراتها حيث كاحله المُضمدة...لتدلف تُحدقُ به وهو يقطعُ الخضر بطريقة سريعة لم تكن تتوقعها منه...بينما فطوره لم يُمسس إلا قهوته التي تُرك نصها على طاولة المطبخ.
اقتربت منه...تُمسك بالسكين الآخر...وتبدأ بمساعدته بصمتٍ...مُتجاوران...اقترب منها مُصطفى يُغلقُ الفراغ بين جسديهما...وكأنه لا يستطيع أن يبقى قريبًا منها دون أن يتماس جسديهما...دقائق طويلة مرت، لا يُسمعُ إلا أصوات تحريكهما للأواني...أو ضربات السكين...ليقول فجأة مُصطفى:
" هل تعلمين أن أغلب زملائي في العمل مطلقون أو عُزاب؟؟"
رفعت نظراتها تُحدقُ به، دون أن يُبادلها التحديق...استمر بتحريك قطع الدجاج في المقلاة...ليستطرد:
" لأنهم لم يجدوا من يُقدر مخاطرتهم بأنفسهم لأجل الأمن العَام...لأن زوجاتهم أو أزواجهم لا يُقدرون أن ما يفعلونه هو من اجلهم قبل ان يكون من أجل إرضاء غرورهم"
مال بجسده...ليقول مُحدقًا بعيونها المضطربة:
" انا لن أنكر انني أستمتعُ جدًا بعملي. مُرعبٌ أن تُفكر كالمجرمين كي تقبض عليهم، لكنه هويتي...ولا أستطيع تغييرها!"
" حتى لأجلي؟"
همست... تعرفُ أنها لا تلعبُ بإنصاف...لكنها لا تهتم. لم تهتز نظراته...وهو يقول بإصرار:
" حتى لأجلكِ جميلة"
رمشت عدة مرات تمنعُ دموعها من الانهمار...بينما صدرها أسفل القميص الضيق يعلو ويهبط بعنفٍ...كانت خيانةً لحبهما أن يرفض.
عندما لم تلن نظراته...هربت بنظراتها لتُحدق للأسفل حيثُ كاحله المُصاب...أرادت بشدة أن ترفع برجلها وتهوى عليها...عله يشعر بالألم الذي شعرت به...لكنها عوض ذلك ابتعدت...فلا شيء يستطيع تغيير حقيقة أنه فضل عمله عليها.

أراد بدوره أن يحضنها بشدة ويُخبرها أنه لا يستطيع...لا يستطيع أن يقتل ذلك الجانب العاشق لمهنته التي اختارها عن اقتناع...حارب استقلاليته وهو الذي وُلد في عالم الأطباء...عائلة معروفة جدًا بكونها تضم أفضل الأطر الطبية في البلاد...وحتى العالم...لكنه اختار غير ذلك التوجه...اختار شعبةً صعبة وتحدى نفسه كي يُصبح من الأوائل...لكي يتم اختياره في مهنة يلجها فقط 5% من الراغبين بالانتساب إليها.
"لم أعرف أنّني محظوظ حتَى قابلتكِ"
قال فجأة وهو يضعُ راحته على ذراعها...يمنعُها من المُغادرة
" لقد عرفوكِ تلك الطفلة التي تطوفُ حولهم...تقرأ بطاقاتهم لتتأكد من حضورهم في الوقت...اقتراني بكِ شكل لأغلبهم صدمة...بل أجزم انهم سخروا مني خلف ظهري لأنهم يعتقدون أنني تزوجتك بدافعِ حمايتكِ أو افتنانا سرعان ما سيزول...فكانوا ينتظرون اليوم الذي ستتركينني به عندما تسأمين من لعبة الزواج...حتى أصبح ذلك كهاجسٍ لي...خفتُ كثيرًا أن تتحقق ظنونهم...لكنكِ تحديتِ كل التوقعات...لتُصبحي أم لأربعة من أجمل ما رأوا... الكل صار يغار مني...وانا لا أستطيع الا أن احترق من الغيرة...دون ان أستطيع لكم بعض الوجوه...لانهم يتوقون للحصول على امرأة مثل...امرأتي"
كلماته جعلت جسدها يسترخي...لكنها أبعدت أصابعه حول ذراعها وغادرت المطبخ...فكلماته كانت عن تضحيتها هي...وليس تضحيته!

****

دلف للمنزل...ليتوجه لغرفة النوم دون أن يهتم لسارة الجالسة أمام التلفاز بملل...كما لم يهتم للسرير العاري من أي لحاف ولا للجهة الأخرى من خزانة الملابس الفارغة...كل ما يُريده هو أن يُغير ملابسه ويخرج من المنزل ليعود للمستشفى...
" إلى أين؟؟"
قالت فجأة وهي تقف أمامه...
" المستشفى ...نامي الليلة لا تنتظرينني...سيقام الحفل السنوي ليلة رأس السنة...وأنا يجب عليّ الحضور؟"
احمرت بخزيٍ وهو يُشير لانتظارها له كل ليلةٍ...فلا تنام الا بدخوله المنزل.
" ألم يتبقى 14 يوم على رأس السنة؟"
قالت بشك وهي تتخصر أمامه...حدق بها رافعًا حاجبيه...بينما مازال يفتح أزرار قميصه...ليقول بهدوء:
" أقصد السنة الميلادية وليس الأمازيغية..."
" ألن أرافقك؟"
فاجأته بسؤالها...لكنه ابتعد يُخفي تعابيره وهو ينسل قميصه ويتجه للحمام...لكنها كانت بأثره...وهي تُعيد السؤال:
" ألــن أرافقك؟"
نزع سرواله...دون ان يهتم بوجودها وهو يقول:
" لا..."
دلف لغرفة الدش...لكنها لم تيأس وهي تقول:
" لكن علا ستكون هناك...أليس كذلك؟"
تنفس بفقدان صبر وهو يُجيبها بحدة
" نعم...لأنها تشتغل هناك..."
لم ينتظر أن تخرج ليفتح الماء البارد يتدفق بقوة آلمته...بينما سارة مازالت تُحدقُ به...ونار الغيرة بدأت تلتهم داخلها دون رحمة...مدت يدها تُغلق صنبور المياه بجرأة لم يعهدها منها يومًا...وهي تقول بأمر.
" أنتَ لن تذهب"
توقفت يديه التي تفركُ فروة رأسه...بينما الصابون كان يُغطي عيونه...ليُرسل وخزًا بهما...حاول أن يُدير الصنبور لكن سارة كانت تضعُ يدها عليه...!!
أرادت ان تضحك على تخبطه...لكنها رحمته وهي تمد له بالمنشفة...فهي لن تسمحَ له أن يُكمل استحمامه ليذهب تاركًا إياها تتقلب بمهلٍ في مشاعر الغيرة التي لا تستطيع أن تُسيطر عليها.
" ما كان هذا؟"
قال بحدة...لكنها لم تهتم وهي تقول بأمرٍ:
" أنت سمعتني ...انت لن تذهب للحفل"
" لا ترفعي صوتكِ..."
قال وهو يُحكمُ قبضته عليها...ليدفعها خارج الحمام ويُغلق الباب بعنفٍ...حاولت أن تفتحه لكنه كان موصِدًا...كانت غاضبة من كل شيءٍ...من دورتها الشهرية...التي كانت إنذارًا أنها فشلت في احتضان نُطفته داخلها...كما فشلت في جذبِ زوجها...فبمجرد بمعرفته بعذرها الشرعي...ابتعد ولم تعد تراه...وكأنها ليست إلا جسدًا يُطفئ به رغباته...الفكرة آلمتها جدًا...جعلتها تستشعرُ بنفسها كشيء.
جلست مُقابلةً للباب وبمجرد خروجه...كان تقفُ تواجهه...أدار عيونه في سأمٍ...لكن همستها أوقفته:
"رأيتك كيف تنظر إليها ذلك اليوم في المستشفى...وكأنك تتساءل عما يوجد أسفل تلك الواجهة الباردة..."

لم يستطع أن يجيبها...فنظراته لعلا ذلك اليوم كانت فضولية...وهو يتساءل هل أي امرأة تستطيع أن تحتل مكانة " ورد"...بالأحرى يُريدُ أن يعرف هل أي امرأة تستطيع أن تفعل ما فعلته "سارة؟

لكنه يكذب على نفسه...بمجرد أن لمحها كان البرود ما يسري على طول جسده...والصقيع يحيط به...عكس "سارة"...ذات الجمال الناري، بانحناءات جسدها المثيرة...كانت تجعل جسده يئن طلبا لها بمجرد أن يستشعر وجودها قريباً منه... جمالها كان فريدًا...في حضرتها لا يستطيع الاكتفاء... بسيطة جدا... لكن بساطتها تُصبح طوفانا هادرًا وهو يصل لها...مستمتعا بترويضها دون أن يعلم أنها من تُروضه ليكون أسيرها.
التفت نحوها...يُحدقُ بها
تلك الابتسامة الرقيقة...الهادئة...لا أحد يعرف ما تخفي من الوحشية والبدائية بداخلها...إلا هو!

قلبه بالنسبة لها كان كساحة معركة...حيثُ تعرف كل المناورات، والاستراتيجيات لتفوز بحربها....
ولا ترضى بأقل ما تُقدم!!

لتتركه راغبًا أكثر بها...مشتاقا لتلك المشاعر العنيفة التي تُعايشه فيها!
لتتركه... مسلوب الأنفاس...والإرادة!
حتى لو أراد الابتعاد.... كانت تشده نحوها بميثاقٍ غليظ!!
لا يريد منه الفكاك.

كانت التجسيد الفعلي أن كل شيء جائز...في الحب والحرب!
وهي كانت عاشقة...في حرب إثبات وجودها!!
لكنها لم تكتفي فقط بذلك...بل مسحت كل إثبات لوجود غيرها قبلاً!!
وكأنه لم يقبل...إلا شفتيها
ولم يتعلم العشق...إلا بين ذراعيها!
" تستطيعين مرافقتي...سأعود لاصطحابكِ في السابعة"
همس أخيرًا...وهو يتركها واقفة تُحدقُ به بصدمة.
..........

" هيا..."
قالت بحزم وهي تشير لزاوية الغرفة...بينما لينا كانت تنظر إليها بغضب، رافعةً شفتيها الوردية المزمومة في استياء وتحدٍّ.... وعندما لم تتحرك.... رفعتها جميلة واعادتها للزاوية.... للمرة التاسعة.... كادت أن تلين وتقف بخضوع لعقاب والدتها...لكنها بمجرد أن سمعت صوت مصطفى وهو يقول ردًّا على الجلبة التي احدثها صراخ لينا السابق...من داخل مكتبه الذي آواه منذ الصباح هربًا من نظرات جميلة الغاضبة.
" ما الذي يحدث؟؟"
اسرعت لينا...نحو والدها، كانت ابنة ابيها... تتعلق به بمجرد ان يدخل المنزل، حتى ميولها كانت ميول والدها.
" بااابي..."
اسرعت تقف امامه تتعلق بساقه...ونبرتها وكأن كل العالم قد ظلمها، وتريد القصاص...رفع عيونه حيث جميلة المتخصرة...لينظر بإعجاب لسروالها الرياضي القصير الذي بالكاد يغطي فخذيها...والقميص الملاصق لجدعها...مظهرا خصرها النحيل واكتنازة صدرها.
تشتت تفكيره لوهلة وهو يحدق بها...بإعجاب، وعندما وصل لملامحها أدرك غضبها.
" لن يحملك لينا...ستعودين للزاوية بمليء ارادتك...فعندما آتي أنا إليكِ العشر دقائق ستسمر الى ما لا نهاية...والقرار لكِ"
قالت بهدوء...لينزل عيونه يحدق في طفلته...اراد بشدة ان يحملها ويعانقها بقوة...يمسح نظراتها...لكنه يعلم حاجتهن للحزم...وجميلة تعرف كيف تتعامل معهن! ...
" أنا آسف..."
شكلت شفتيه...لتعود لينا صاغرة للزاوية...تقف بثبات...تحدق بهما...ترفض ان تدع دموعها تنزل!
"أديري وجهك للحائط...." قالت جميلة " في المرة المقبلة التي تضربين بها اختك... فكري جيدا في الزاوية..."

مرت عشرة دقائق...بدت لمصطفى اطول...وقلبه على ابنته التي استندت جبهتها على الحائط...وكأنها منبوذة...وأخيراً 9دقائق و59 ثانية...نهض مسرعا باتجاهها...بينما جميلة تحرك رأسها بأسف عليه...
رفعها مصطفى... ليحضنها بقوة لم يستطع التحكم بها...لتبدو صغيرة جدا.... ضئيلة وهي تغرز رأسها في عنقه وتبكي بحرقة...
" ششش...حبيبتي...لا تبكي! "
همس لها...وبدون ارادة منه كان يحدق في جميلة بغضب...بينما لين تنظر لأختها بحزنٍ وتأنيب ضمير لأنها المسؤولة عن عقابها...أصبعها بين شفتيها وتقفُ خلف والدتها...لينا تسرد وسط بكاءها عما حدث...وأنها آسفة...ولن تضرب اختها مجدداً!

وقفت جميلة أمامه...لتمد يديها لابنتها...هامسةً:
" لينا...تعالي!"
لكنها تشبثت أكثر بوالدها...لتستطرد:
" أنتِ تعلمين لما عاقبتكِ...لأنكِ أسئت التصرف، هل هذا صحيح؟! " حركت رأسها...موافقة دون أن تبتعد عن غرز رأسها في عنق والدها " الآن ستعتذرين لأختكِ...أنتما أختان...ويجب أن تحمي احداكما الأخرى... كونكِ أكبر بدقيقتين لا يعني أنك أفضل منها...ولا هي كذلك...لقد خيبتِ ظني بكِ لينا...كنتُ اعتقد انكِ ستحمينها من اولاد خالك يوسف...لكن يبدو أنني كنت مخطئة"
بمجرد أن انهت جميلة جملتها...كانت ترفع وجهها وهي تتذكر أولا خالها ولم تنسى بعد كيف جعل "عيسى" لين تبكي في آخر عطلة قضوها معًا... أحاطت رأس والدها بذراعٍ لتضمن توازنها...وهي تحدق للأسفل، حيث عيون لين المملوءة بالدموع التي رفعتها والدتها...وتنظر إلى اختها بحزن!
عيون لينا تحولت للقوة وهي تتذكر اولاد مرح... وتباغت مصطفى الذي يحدق في جميلة باحترام...كيف تسيطر على كل شيء بحياته...وكأنها عاشت وسط عائلة مترابطة...دافئة، لتتشرب معنى العائلة...وتضخها ببناته!
كانت النقيض لفاقد الشيء لا يعطيه... بل فاقده يكون أكثر كرمًا...وهو يخلق ما يفقده بوفرة داخله...ليقدمه بسخاءٍ لكل المحيطين به...فاقد الشيء يعطيه...ومن قال العكس فينظر فقط لجميلة!
افلتت عنق والدها... دون خوف...او ربما ثقة في ان والدها لن يدعها تسقط...كانت تدنو حيث لين...وتعانقها...بينما اندفع جسد مصطفى للأمام...يحيط خصر جميلة يمنعها من السقوط للخلف...بينما لينا ولين متشابكتان بينهما...احاطها أقرب... وهو يقرب شفتيه لأذنها...ليهمس بكل المشاعر التي تعصف داخله
" أنتِ اروعُ ام رأتها عيناي..."
رفعت عيونها نحوه...بينما ثقل لين ولينا أصبح مزعجا لها...لكنه احاطها بقوة...يسندهن لجسده...قبّل اعلى رأسها وهو يقول:
" حاضر...سأتخلى عن المهمة!"
اتسعت ابتسامتها...لكنه دنى منها مجددا وهو يهمسُ لها:
" فقط المهمة...لا تنسي"
لكنها كانت كافية بالنسبة لها...للآن على الأقل!
……….

منذ عودته من المهمة مُخلفاً خلفه فوضى...وهو ينتظر اتصالهم بينما استغل كل ثانية ليضع خُططا بديلة لانتقامه منهم.

هاجمت صورة سراب فكره...ليسري داخله ضعفٌ...وكأن كل الصلابة التي صقلها لسنوات...تصدعت بمجرد دخول سراب لحياته...
فالحب الذي تعدهُ به كان نوعًا آخر لم يعرفه يومًا...نقيضُ ما جلبته "جنا" لروحه!
لم يكن ببراءة الشعور الذي يكتنفه و"جنا" تٌعانقه...بل كان حبًّا بين "امرأة" و "رجل"...تلك القوة التي تجمعُ النقيضين ليُصبحا...!!
جسده تصلب...ما الذي يسعى إليه من خلال سراب؟
هل يُريدُ أن يُقنعَ نفسه...أنها ربما...ستجعلهُ انسان؟؟؟
دون خطايا؟؟؟

لكن كل ما يعرفه أنه يُريدها بقربه الآن...كما لم يردها يومًا!
يريدها أن تطرد الحنين لتلك الحياة العفنة التي كان يغوص بها...أن يتكفل حضورها بجانبه بطرد ذلك الإدمان الذي عاد لشرايينه بقوة...لمنظر الدم والروح تُغادرُ جسد صاحبها!
أرادها أن تطرد سعيد...الذي بدأ يُطلُ بشبحه على عُقاب.

تنفس بعمقٍ وهو يتشبث بجانبي الحوض...حتى ابيضت سلامياته وهو يتذكر مقولة مرت عليه يومًا:
نقطة ضعف الرجل...هي امرأة!
هل حان الوقت لتنطبقَ عليه هذه المقولة؟
النساء...على مرِّ التاريخ، كن دائما نقطة ضُعفِ الرجال...ولازلن!
ابتسم للفكرة وهو يضعَ رأسهُ أسفل الرذاذ البارد...الوسيلة الوحيدة التي ستجعلُ الأفكار التي تُداهمه تهدأ قليلاً...لأن بعد الأشهر التي قضاها في الشوارع والتي اعتقد انها هذبت غضبه الهادر المُتعطش لسفكِ الدماء...طبيعته عادت وهو ينظر لجسد "منصور" بين يدي عميلين يسقط في رمشة عين، والتي أتقن إخفاءها طوال سنوات دراسته في الخارج...خلف جدارٍ من الانطواء والبرود...لكن بعد "سراب" لم يعد يستطيع.
وكأنه مُدمن اعتقد انه تعافى...وطرد ادمانه بعيدًا...وليُقنع نفسه بذلك، جرب مرةً أخرى...لتسير موجةُ شوقٍ في شرايينه...ليعود إدمانه...أضعافًا وأضعافًا!

أبعد رأسه...لتسيل المياه المُلتصقة بشعره على طول جسده العاري الجدع!
ينظرُ من خلال المرآة الصغيرة لملامحه...للوشم المُرعب على صدره...ولعضلاته النافرة التي تأبى الاسترخاء...أعاد عيونه للأعلى حيثُ شعره المجعد...حتى وجود "جنا" قريبةً منه لم تجعله يتغير كما فعلت سراب...أي سرّ تحمل تلك المتشردة؟
لكن "جنا" تحتاجه أكثر من سراب... سراب كانت من القوة أن تُحافظ على نفسها قوية في الشارع...بينما جنا هي مُجرد طفلة...ملامحها المُرعوبة وأيادٍ تطالها عاد إليه.
" يا إلهي جنا...أين أنتِ؟؟"
همس بقهرٍ...وصدره أصبح يضيقُ عليه...عاد الغضب ليُسيطر عليه...غضبٌ يعلمُ أنه سيجعله يتخبط...وذكرى أخرى هاجمته...لم يكن إلا مراهقًا في الثالثة عشر...طويل القامة نحيفٌ حد الشحوب...بنظرة صارمة...أراد بها أن يصنع مكانةً وسط الرجال...!!
عاد لأول مرة رآها بها...جميلة كالخطيئة...بشعرٍ أحمر كالجحيم...بعيونٍ كالنبعٍ الصافي الذي تظهرُ أسفله الأعشاب الخضراء...كلوحةٍ بديعة.
" هل تعرف كلوديا أوتشوا؟"
وصله سؤال خاله، ليُبعد عيونه عن سيقان عارضات الأزياء اللاتي يستعرضن ملابس السباحة من قطعتين...والتي بالكاد تُغطي أجسادهن الحميمية...كن يسعين ليُظهرن فتنتهن لخاله...الذي كانت عيونه تُحدقُ بإعجابٍ في حمراء شعرٍ بعيون متسعة بريئة، وبشرةٍ كريمية مثالية!
تابع عيونه حيثُ تستقر، ليبتسم بسخفٍ...فهو لم يرى سوى طفلة بالكاد تسبقهُ بعامٍ أو عامين!
لم ينتظر خاله إجابته...وهو يستطرد
" هي من أقوى نساء المافيا في العالم وجميلة الجميلات...التقيتُ بها لمرة واحدة في حياتي في صحراء دبي...كانت امرأة...بمئة رجل...امرأة لا تُنسى أبدًا"
بالطبع سمع بها...ورأى رجالا يُحدقون بلسانٍ متدلٍ كالكلاب بمؤخرتها التي تظهرُ بارزةً في جميعِ صورها...وهي تُعانقُ الأسلحة...زوجة أكبر زعيم مافيا في المكسيك...والتي تولت بيدٍ من حديد إدارة أعماله بعد القبض عليه...كانت امرأة بفتنةٍ قاتلة...وبالطبع...قاتلة!
" هل تُريدها؟"
سأله وهو يُحدقُ في تعابير خاله...الذي ضحك بمرارة من يُدرك انه لن ينالها أبدًا...حتى لو أراد.
"لا مجال حتى لو أردت..." ليستطرد بعيونٍ كالصقر..."بل أريد مثيلتها...امرأة نارية تدفئ سريري ليلا...وتسندُ ذراعي صباحًا"
ليرفع أصبعه ويُشير لصاحبة الشعر الأحمر...لتقترب...كانت صغيرة جدا جسدها يرتعشُ بخوفٍ وكأنها مُقبلة على شيءٍ تتمناه منذ نعومة أظافرها!
كانت بأنوثة طاغية تُعاكس سنها...ابتسمت بطاعة وهي تقول بانجليزية ركيكة:
" أنا ميريام..." قالت مُشيرةً للبطاقة التي تلتصقُ بصدرها...لتستطرد وهي ترى نظرات الإعجاب من خاله "لن تندم سيدي لاختياري لأكون الوجه الإعلاني لحملتك!"
ابتسم خاله ببرود...وهو يتحدث مع مديرها...أو الأحرى مالكها!
استغل انشغال خاله ليبحث عنها بعيونه...لتحتل غصة اشمئزاز حلقه وهو يراها تجدبُ أحدهم ثم تندسُ في حضنِه... محيطةً خصره بساقيها وترفعُ إليه شفتاها الحمراء المُكتنزة تُقبله...بحرارة وجرأة......دون أن تهتم للرجال حولها...فقد كانت تحتفل باختيارها من بين مئات العارضات!
دقات خفيفة على بابه علت فجأة...جعلته ينظر لنفسه في المرآة بقوة...ليتجه نحو الطاولة حيثُ يقبعُ سلاحه...وبخفة كان يفتحُ الباب مُشهرًا اياه في وجه الطارق...ليخفضه في صدمة وهو يُحدقُ في الجسد الضئيل الذي يقفُ بارتباكٍ وهو يسندُ بتعبٍ على حافة الباب...وكأن بذل جهدًا وهو يستجمعُ شجاعته ليرفع يده مُطرقًا الباب.
" سراب"
همس بصدمة...وجسده الذي كان يتوق إليها اضطرب فجأة...رفعت عيونها باتجاهه كانت نظراتها ضائعة...لتندفع باتجاهه...وهي تضعُ يدها على صدره العاري أعلى وشمه وتهمسُ له بتوقٍ...وبإصرارٍ. قريبا منه. أنفاسها الساخنة على صدره جعلته فاغرًا فاهه...مُبتلعًا لعابه بصعوبة:
" إن كنتَ تريدُ الوداع...دعني على الأقل أودعكُ بما يليق بالفراق"

Continue Reading

You'll Also Like

1.5M 31.7K 83
اشد الجروح الما ليست التي تبدو اثارها في ملامح ابطالنا بل التى تترك اثر ا لا يشاهده احدا فى اعماقهم. هي✨ لم تخبره بمخاوفها ...ولكن نقطه نور فى اعم...
429K 20K 32
احبك مو محبه ناس للناس ❤ ولا عشگي مثل باقي اليعشگون✋ احبك من ضمير وگلب واحساس👈💞 واليوم الما اشوفك تعمه العيون👀 وحق من كفل زينب ذاك عباس ✌ اخذ روحي...
266K 22.7K 52
من رحم الطفوله والصراعات خرجت امراءة غامضة هل سيوقفها الماضي الذي جعلها بهذة الشخصيه ام ستختار المستقبل المجهول؟ معا لنرى ماذا ينتضرنا في رواية...
923K 36.9K 118
ملحمه الطوبجي