جرح وشم الروح! ملاك علي.

By Magharibia

21.9K 297 24

لمحةٌ من الماضي... كان يقبلها...بمهلٍ وكأن كل الوقت ملكه... برقّة وكأنه يخشى عليها من عنف قبلاته....بين كل قب... More

المقدمة
الفصل الأول
الفصل الثاني
الفصل الثالث
الفصل الرابع
الفصل الخامس
الفصل السادس
الفصل السابع
الفصل الثامن
الفصل العاشر
الفصل الحادي عشر
الفصل الثاني عشر
الفصل الثالث عشر
الفصل الرابع عشر
الفصل الخامس عشر
الفصل السادس عشر
الفصل السابع عشر
الفصل الثامن عشر
الفصل التاسع عشر
الفصل العشرون
الفصل الواحد و العشرين
الفصل الثاني والعشرون
الفصل الثالث والعشرين
الفصل الرابع والعشرين
الفصل الخامس والعشرين
الفصل السادس والعشرون
الفصل السابع والعشرون:

الفصل التاسع

724 13 0
By Magharibia

                         

" أخبريني!"
همس وهو يُحيط بجسدها العاري والدافئ من المشاعر المُلتهبة التي تشاركاها منذ ثواني، تململت مرح بين ذراعيه، لتلتفت نحوه تنظر إليه بحاجة وتتشبث بعنقه تُقرِّب جسدها منه أكثر...وكأنها تريد اختراق كل شئٍ لتصل لقفصه الصدري و تختبئ هناك، حيث توقن أنها ستكون مطمئنة.
عيونه تُحدق بعيونها التي مازالت مُركزة على شفتيه، وكأنها تخشى أن تلتقي أعينهما ليعرف تخبطاتها، وهذا أرعبها، بعنفٍ اقتربت منه لتُقبله بشغفٍ لا طاقة له به وقد استُنفذت كل طاقاته في مُحاولته لموازاةِ شغفها منذ دخل للغرفة ليجدها في هيئة في أقصى أحلامه لم يستطع أن يتخيلها، بشرتها اللؤلؤية كانت تتوهج أسفل قميص نومٍ خُلق ليُسبب سكتةً قلبية لرجلٍ....فما بالك بعاشقٍ مثله!
" يا إلهي "
نطق بصوتٍ أجش بلغته الفرنسية التي تجعلها تذوب وهو يهمس لها بها، وكأنها لغةٌ خُلقت للغزل...أسكرتها نبرة صوته الرجولية، ابتسمت له و شعرها القصير المسرح بالكاد يُلامس بشرة كتفيها، كحبيب يخشى من خدش معشوقته.... تفاحة آدمه ارتفعت لتنخفض مجددا ببطئ وهي تتخلص من الجزء العلوي لقميص نومها الخمري اللون...لتتسع عيونه...ونظرتها تُصبح مُشاكسة وهي تُلقي به بعيدًا...عيونها ازدادت اتساعا وغواية بالظلال السوداء المرسومة فوق جفونها بإتقان...اسفل رموش كبيرة سوداء...وهي تهمس:
" أخبرتني مرة أنك تتمنى لو ترانِ بهذا...." همست وهي تلتفت تُريه الثوب الفاضح جدا... ليظهر ظهرها العاري، يتذكر إحدى لحظاتهما المجنونة عندما أخبرها...كانت مجرد أمنية، لم يكن يتطلع أن تُحققها له. كان يتمنى لو يراها بذلك القميص المُعقد...لم يعرف أنه أسهب بالتفاصيل لتكون الآن طبق الأصل لمُخيلاته...يتذكر أنها ضربته كتفها و هي تحمر خجلا من مجرد تخيل نفسها به:
" و لأنني أحبك... طلبته خصيصا من أجلك...." استطردت ببراءة لا تليق أبدا بما ترتديه..
- " أنتِ... أنتِ... " همس دون أن يستطيع النطق أو الإقتراب
" و الآن.... تعال لتحصل على هديتك..." قالت وهي تقترب منه... لتُحيطه بتملك...و هو يرفعها من خصرها مُحيطا إياها.. ليظهر الفرق الشاسع بين بنيتا جسديهما، كانت أنثوية جدا بتقاسيمها المُحددة، بشرتها المُتوهجة...و نعومة ملمسها...بين يدي رجل..
الذي يبدأ مفهومها للرجولة و ينتهي عند اسمه " يوسف"...!!
آهةٌ صادرة من أقصى أعماقه تلقفته، وبفنٍّ أتقنته على يديه...كانت تُجيبه في قبلةٍ لم تكن تحمل أية جنسية....لم تكن فرنسية و لا إيطالية....و لا حتى مغربية... بل كانت تحمل روحها هي...روح مرح المغوية، الغاضبة...والعاشقة المجروحة...!!

رقيقة ...حد رقتها
وقاسية... حد التطرف

كانت قُبلةً أودعت بها كرهها لكل الرجال... عداه!
و كأنها تُعاقبُه لكونه منهم...وتُكافئه لكونه مختلفٌ عنهم!

كانا... مرح المجروحة التي تُتقن لبس قناع القوة أمام الكل لتخلعه أمامه، ويوسف المداوي الذي يُقسم أن يُعطي كله بسخاءٍ من أجل أن يُداوي كل جراحها...ولو تلك الشقوق الصغيرة التي لا يُدرك المرء وجودها...حتى تنفجر فجأة!

كان بعيداً يتذكر بداية ليلتهما...التي لا تنوي مرح انهاءها... ليستفيق و قبلتها تُصبح أعنف...أظافرها تنغرز اكثر في لحم عنقه...تُجبره على مسايرتها!

" إهدئي...!" همس وهو يبتعد عن مرمى قُبلاتها و يرفعها لتعلوه، رأسها تختفي في عنقه...الذي علمته سابقًا بملكيتها له...ليسقط شعرها يُخفي ملامحه...عازلا إياهما!!
همس في أذنها بكلمات استرخاء كما تشتهي روحها...وكأنهما بعيداً عن كل البشرية، فقط جسدها الناعم الصغير... فوق جسده العضلي الصلب.
  عاريان إلا من مخاوفهما.... متلاصقان رغم آلاف الحواجز بينهما... في هذه اللحظة كانا قريبين جدا....بعيدان جدا جدا!
" أنا هنا.... فقط أخبريني!" همس وهو يطبع قبلةً على كتفها.
حركت رأسها بنفيٍ...وهي تُعيد بنفس همسته...و كأنهما يخشيان على أسرارهما من التنصت:
" فقط قبلني...اجعلني أنسى ..."
همستها ذكرته بأخرى أدمنت قُبلاته لا لشئ إلا كي تنسى...أحاطها بذراعيه يقلب جسده على جانبه و هي معه..ليتقابلا!

" أنظري إلي... " همس وهو ينظر لعيونها المزمومة بطفولية " افتحي عيونك حبيبتي "

لم تستطع أن تُقاوم نبرته....التي تحمل كل عشق العالم، لكنها فقط لا تستطيع...لا تستطيع أن تنظر إليه ليكتشف مخاوفها!
" أنا أعلم!"
همس وهو يضع يده على بطنها المُسطحة إلا من تكور طفيف جدا ...فقط من يحفظ تقاسيمها سيلحظه.
عيونها مُتسعة برعب وهي تُحدق به.... هل يعلم عن مخاوفها؟!.... هل يُدرك أنه جزءٌ منها؟!!

فجأة البرود انتشر على طول جسدها...وسخونة يد يوسف على بطنها جعلتها تنزعج...لتبتعد عنه و تتجه حيث الجزء العلوي لقميص نومها، انسلته تحزمه بقوة...وكأنها بذلك تتحكم بارتجافة جسدها
" تكلمي معي مرح... أكره ألا أعرف فيما تُفكرين!" قال بصوتٍ فاقدٍ للصبر " أخبريني أن كونها فتاة لن يؤثر على حياتنا..."
" اللعنة يوسف...." صرخت بقوة...وهي تعود حيث السرير الذي شهد أكثر لحظاتهما حميمية...وأكثرها قدسية، كانت تعلم أنها إن لم تبتعد ستنسفها... " أنت لا تفهم...لأنك رجل لن تفهم شعور أن تكون أنثى في مجتمعٍ يُقدس الذكورة...أنت لا تفهم و لن تفهم!!"
" مرح..." صاح يُقاطعها. كانت تجلده وهي تضعهُ في نفس الخانة مع الكل...لم يكن يستحق أن يُصنف كذكرٍ مزهو بذكورته.... لم يكن يستحق!
" لا يوسف.... أنا لا أريد هذا الطفل...أخشى ان تكون فتاة...لا أريدها" صاحت بهستيرية وشعرها القصير يتمايل عكس تمايل جسدها.
كان يعلم أنها لا تتحدث عن وعيٍ، ليقترب منها، ويحضنها بقوة:
" حبيبتي، أنا سأكون معها...سأحميها بكل طاقتي، ستكون طفلتي أيضاً... صغيرتي، جزء منكِ....سأحميها بروحي!" قال وهو يُقربها أكثر، لكن روحها كانت مُطفأة لترى ذلك الجانب الرائع من زوجها... لتقول دون أن تهتم بجسده الذي تيبس فجأة:
- " كما حميتَ " فرح ".... "
أبعدها عن جسده و كأنه لفظها فجأة...لتُغلق عيونها، وهي تسمع نبرة متألمة تصدر منه، لم تسمعها يومًا...وهو الذي تعوَّد على إغلاق كل منافذ الحزن بمجرد أن يلمحها...كي لا يَطالها!

صمتٌ طويل امتد بينهما ليقول:
"هذا ليس عدلاً.... أقسم.."
سكت، لم يستطع أن يُواصل..ماذا سيقول وقد قالت كل شئ، هي لا تثق به كفاية ليحميها.
خرج من الغرفة التي أصبحت تضيق وتضيق على أنفاسه... دون ان يهتم بالتي ضاقت أنفساها أيضا بخروجه، وكأنه بخروجه قد أفرغها من الهواء، أو ربما صدرها توقف عن العمل لأن يوسف لم يكن بجوارها.
جلست بتعبٍ على السرير، تُقسم أنها متعبة...كما لم تكن يومًا...متعبة!!
" أنتِ مُصرة على جعلي بئيسة....أليس كذلك؟! " همست و هي تضغط بقوة على بطنها، لتعاود الإستلقاء... بجانبه حيث رائحته مازالت عالقة....دموعها تجري دون أن تستطيع ايقافها... لم تُصدق يوما أنها ستكون السبب في نظرة الحزن التي ظللت عيونه، لتستحيل زرقة عيونه التي جعلتها بلمسةٍ منها تتوهج....خامدة و كأنها محيطٌ متجمد!!

..........

" الله أكبر "
صوت يوسف جعلها تفتح عيونها...وكأن نصلًا بسرعة الضوء اخترق عيونها مرورا لرأسها، ألم فضيع جعلها تُعيد إخلاق عيونها لثواني لتُعاود فتحها....الظلام يُحيط بها إلا من إنارة خفيفة في المكان الذي يقف به يوسف مُستقبلا القبلة، لتُعطيه لمسة فريدة...لا تليق إلا بشخصه!

ترتيله للقرآن جعلها تنسى أنها بمجرد خروجه غاضبًا، اندست مكانه الذي غادره وهجه كملامح صاحبه وهي تضغط على ذلك الجرح البشع الذي علّم روحه دون أن يُغادره!!
ذلك الجرح الذي عرف أنه لن يختفي يومًا، ليتعلم كيف يتعايش معه، مُتخذًا ذلك اليوم الذي جسد فيه بكل حواسه و جبهته تستقبل برودة البلاط.... يوم مولده!!

" لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ...."
صوته الخاشع وكأن لا وجود لمخلوقٍ آخر في هذا الكون غيره وهو بين يدي الخالق.... اخترق عزلتها!!
لطالما فتنتها وقفته بين يدي المولى...كيف يترك شخصية يوسف، التي يعرفها الكل، ذلك الرجل بصدرٍ فسيح وغارقٍ  كالمحيط.... ذلك الخيار الأول لكل شخص يحتاج لمواساة.
لتتلبسه أخرى...رجولةٌ كاملة، ذليلة بخشوع بين يدي خالقها...كان تجسيداً أن العبد لا حول ولا قوة له إلا بالله....في سجود، وكأنه يُفرغ كل ما ائتمنه عليه البشر... من سرٍّ أو أذية!
يدخل مهموماً ليعود شخصًا آخر... مُتصالحا مع نفسه... قبل الآخرين!

و كأنه اختار تلك الآية.... ليُسكت ذلك الجرح الذي ضغطت عليه حارسته بقوة...وقد كانت آخر شخص توقع منه ذلك...وقد اعتبر ذلك خيانة!!
أو ربما اختارها ليُذكرها أن الله عندما يضعنا في اختبار.... فلأنه يُدرك أننا نستطيع اجتيازه!!
" الله أكبر"
كثيرا ما تلمحُ اهتزاز كتفيه في سجوده...ليهفو قلبها لضمه...وكأنه وليدها الرابع.
فيزداد تضخم حبه في قلبها...فليس هناك أكثر فتنة...من رجولة ذليلة بخشوعٍ  بين يدي المولى.

" السلام عليكم ورحمة الله.... السلام عليكم ورحمة الله"

عيونها ما زالت عليه، وهو يرفع يديه...يدعو وهي موقنةٌ أنه لن ينساها في دعاءه...ثم جمع سجادة صلاته، ونزع جلبابه الأبيض.. وخرج من الغرفة، وكأن لا وجود لها....وكأنها أصبحت فجأة غير مرئية!!

وهذا قتلها....جعلها تُعاود الإندساس في وسادته أكثر، وشعور النبذ يملأها.... كما لم يفعل يومًا!!

فتحت عيونها هذه المرة....لتجد الساعة قد تعدت منتصف النهار، بتثاقلٍ كانت تسحب نفسها نحو الحمام!

وقفت تستند على الحائط... تفصلها ثلاث سلالم عن البهو...تنظر إليه، يُناغش أطفاله بينما يُطعمهم، والذين ينظرون إليه بفخرٍ.... كبطلٍ خارق كان في نظرهم!!

تخللت أصابعها شعرها المبلول في ارتباك.... بشعورٍ و كأنها دخيلة، متطفلة على مملكتهم!!

دلفت للمطبخ ليسود صمت مهيب، وكأن أطفالها الثلاث مُتضامنون مع والدهم، وهذا جعل الدموع تتجمع في عيونها... ومع آخر ملعقةٍ تُرفع باتجاه فم عيسى المفتوح، كان يضع كل الأواني المستعملة في جلاية الصحون ويمسح طاولة المطبخ احتراماً لهوسها بالنظافة.
فتحت شفتيها لتقول شيئا، أي شئٍ يكسر ذلك الصمت القاتل لها.... لكنه غادر، وعيسى و سُليمان على أثره.... بينما شبيهه الصغير " يحيى" كان يتشبث برجلها في موساة لو يعلم فقط كم تحتاجها، كانت وحيدة جداً.... لترفعه و تُعانقه بشدة، وعيونها على المطبخ النظيف...حتى في غضبه...كان كريما جدا.

                  .........

طوال اليوم و هو مع أطفاله خارجًا...أخبرها فقط ببرود أنه سيأخذ الأطفال للعب كرة القدم...ليخرج و لا يعود إلا ساعتين قبل موعد خلودهم للنوم!
خرج من الحمام... ليلمحها تقرأ كتابا في انتظاره...ترتدي قميصا لم يلمحه سابقا أحمر بنفس حُمرة شفتيها... لكنه لم يشعر بالرغبة في الاقتراب منها ككل مرة...ولا بالرغبة في إطراء جمالها كما عودها!!
استلقى بجانبها في أقصى السرير... مُعطيًّا إياها ظهرها... أبعدت كتاب عن الاقتصاد الفرنسي الذي كانت تُطالعه، تنظر لظهره المُتيبس... أرادت تُمرر يدها عليه، أن تُجبره على احتضانها...لكنها لم تجرؤ!!
" أنتَ لم تُخبرني أنني جميلة الليلة..." همست بطفولية وهي تنظر لأصابعها التي تتشابك في ارتباك.
" تبدين جميلة " قال ببرود دون أن يلتفت نحوها... ابتلعت لُعابها برهبة، هي لم تره يومًا غاضبا... إلا في تلك الفترة من سنوات عندما فقدت الأمل في أنها ستكون أما..!!
" أريد ان أُحدق في عيونك و أنت تُخبرني بذلك" همست وهي تتماسك بصعوبة...تنفس بعمقٍ ليلتفت نحوها و يقول بصقيع:
" تبدين جميلة ...مرح "
نبرته صدمتها...لم تكن تحمل اللوم بقدر ما تحمل الجرح... لم تعرف إلى أي مدى وصل عمقُ جرحها له إلا الآن، وهي تُقابل نظرته المجروحة...!!
نزلت بشفتيها تستقر بجانب قلبه ... كبادرة اعتذار، لكن جسده لم يأتي بأية ردة فعل... لم تسرٍ فيه تلك القُشعريرة التي تصلها كارتعاشة، لترفع بثقتها بنفسها لعنان السماء بعدما سُحقت مرات ومرات... لكنه رغم كل شئٍ تمسك بذلك الفُتات المُتبقي منها وسقاه كل ثانية... بحبه وعطفه حتى اشتد عوده!

لم تستشعر بدقات قلبه تنفلتُ من عقالها في حضرتها...!!
لم يُبعدها في نفورٍ...لكنه لم يتجاوب أيضًا معها!!
رفعت رأسها تنظر إليه، عيونه عليها في هدوء...ليقول بنفس النبرة:
" ليس كل المشاكل تحلها جولة محمومة مرح...هناك بعض العوائق للأسف جمالكِ لا يكفي لاجتيازها."

وكأنه صعفها...لو كان صفعها كان ترددها ليكون أسهل تقبله، نهضت تكتم شهقتها بيدها... تُريد الهرب من أمامه تتمنى لو تنشق الأرض وتبتلعها!!
لكنها لم تكد تخطو خطوةً خرج السرير...حتى وصلها صوته مصمم كما لم يكن يومًا:
" لا تجرؤي على مُغادرة الغُرفة... عودي لمكانك ..." تجمد جسدها لثواني ... لتُسرع للاستلقاء مكانها و هي تسمع نبرته تستطرد بقوة " الآن !!"
ليُعاود الاستلقاء على جانبه... مُعطيًّا إياها ظهره، دون ان يهتم لنشيجها الخافت أسفل الغطاء!!
……….

لم تستطع ان تغفو عيونها و قصة تلك " الجنا " تُثير حفيظتها... وكأنها تغار على كل أنثى عرفها سابقًا...وتكره كونها لم تعرفه " سعيدا" بل شخصيةً ابتكرها لتتماشى مع ما يُخطط له بعيدا عن ادراكها!!

نامت و شهقاتها لم تختفي بعد، لم تستطع أن تستحضر صورة والديها في عقلها....نامت وهي تخشى أن تنسى ذكراهما الوحيدة، الجزء القليل الذي يمدها بالأمل و بالراحة أنها لم تكن ابنة زنا... نامت وذكرى ما حدث في الصباح تؤرقها، تجعلها تتأرجح بين نارين...أن تثق ب " عُقاب" و تنصهر في شخصية "سراب" أو ان تثور لتسترجع نفسها...رقية التي لا يُهمها إلا أن تعيش يومها ...في انتظار الفرج..
في الصباح السابق
" اليوم عيد ميلادي..." قالت تُباغته بمجرد ان فتح عيونه
" منذ اسبوع احتفلنا بعيد ميلادك؟!!" أجابها ببرود دون ان يتحرك
" لم نحتفل...أنت فقط أعطيتني حقك من العشاء!" ردت وهي تُحدق به بحنق...وهي تستوي جالسة.
" هذا من تبعات قانونك الأخلاقي....لو لم تسني تلك القوانين كنتِ ستحصلين على كعكة ميلاد كبيرة....و عليها شموع..." عيونه تبحث عن شئٍ ما على الأرض بعد ان وقف ينفضُ ملابسه
" لا....يعني لا.... لن نسرق مجددا...." قالت بقوة وهي تقف أمامه بتحدٍ.
أبعدها بذراعه بعنف من أمامه.... كادت أن تسقط لكنه تداركها ماسكا إياها من ذراعها في آخر لحظة.
" فقط ابتعدي من أمامي....أنا لم ادخن سيجارتي بعد...ورأسي يؤلمني جدا... "
وقفت تنظر إليه....يتمشى بتثاقل، لتهمس بحشرجة جعلت رجليه تتسمر، اقتربت منه بشدة، واضعة يدها على ظهره... كانت طريقتها عندما تشعر بالخوف...وأمانها مُهدد:
" أنا أريد عيد ميلاد حقيقي سعيد، حيث أكون رقية و أنت سعيد....تعبت من كوني سراب و انت عقاب....هي لا تليق بنا ونحن نكرهها، أليس كذلك؟! أنت أيضا تكرهها مثلي..." التفت نحوها يُمسك بكتفيها، مُحدقًا بتقاسيمها المرتعبة.
- " أرجو...." بتر كلمتها و هو يضغط بجسدها على جسده....هو أيضاً مرتعب أكثر منها، منذ دخولها لحياته وخوفه تضاعف، يخشى أن يصيبها مكروه بسببه.
" سراب، لم يحن الوقت بعد لنتخلى عنها...هذه ليست الحياة التي يستحقها سعيد ورقية...هما لا يستحقان أن يناما تحت الجسر تُحيط بهما القذارة من كل جانب، لا يستحقان أن يقتاتا من الفتات....لا يستحقان أن يعيشا في الرعب...نحن لسنا سعيد و رقية بعد، فقط اصبري.... القليل فقط...ارجوك"
ليغيب كما يغيب كل صباحٍ ...تاركا لها عدة نقود لتسد بها حاجتها... لكنها لم تستطع ان تبتعد عن مخبئهما...كانت تشعر بالمرض... بحاجة ماسة لدفء بيتٍ حميمي...تُريد العودة لوالديها.

اشعل مصباحها الصغير....ينظر إليها لدقائق لا  يفعل سوى التحديق...ملامحها مُتقلصة بانزعاج من تسليط الضوء على ملامحها..
" سنة حلوة يا جميل....سنة حلوة يا رقية" فتحت عيونها على صوته العميق...الذي كان سيبث الرعب في قلبها لو لم تكن تعرفه...رغم أن جسدهُ معها...لكن عقله مع ما حدث منذ قليل وهمسةٌ تصله من مكانٍ مُظلم في ذلك المكان الموحش
" هل تعتقدُ أنني لن أجدك ؟؟"
لوهلة لم يتعرف على الجسد الأسود الضخم الذي تزيده ملابسه السوداء غُموضًا...
" أنا أعلمُ بوجودك منذ اللحظة التي تجرأتَ و أذيتَ " روكسي" ... لكنك مُجرد سمكة...وانا لا أرضى إلا بالقروش..."
" هل كنتَ تُريد جثة إحدى الطّفلتين كي تأخذني على محمل الجد؟؟" أجابه عُقاب وهو يتعرف على  غريمه...بسرعة البرق كان مُصطفى يُمسك بعنقه ويضغط عليه بشدة... حتى كادت انفاس الآخر تُزهق...
" أنت لستَ ندًّا لي سعيد الخطابي...فلا تحم حولي كيلا تحرقك نيراني..." ليتركه... يُحاول التنفس بصعوبة
" أنتَ لديك ما تخسره يا صديقي...بينما أنا ليس لدي ما أخسره" قال عُقاب بتفكهٍ " فلتحمد ربك أن لك ملاك يحرسك..." ثم أخرج مسدس كاتم للصوت من جهة خصره " لأن لولاها كنت سأزهق روحك الآن..." وقبل أن يتركه مُتجها حيث تنتظره الأخرى... التفت اتجاهه ليقول " لا شُكر على واجب على المعلومات بالمُناسبة"
عيون مُصطفى عليه بصدمة...و قد عرف أخيرا عن مصدر التسجيلات و الوثائق التي ساعدت و حدة " الجريمة المُنظمة " في الوصول لذلك المجرم السادي!! ..." وايضا بلغ الطفلتين اعتذاري، اتمنا أن يكون الجروين قد انساهما مشهد "دماء" الكلب العجوز"
" يا الهي" همس مصطفى، وهو يعرف أخيرا مصدر الهدية التي وجدت على عتبة بابه، سلة تحمل جروين...باسم بناته مع عبارة "هي آسفة....أما انا فلست كذلك"
تلك الجراء التي ظهر طفل في التسجيل وهو يضعها على عتبة الباب ليهرب وكأنه موعود بجائزة، والتي اصرت زوجته على الاحتفاظ بها، فمن الاستحالة ان تكون مؤذية...ورضخ لأمرها بعد ان قام بتفتيشها جيدا.
..........
" سنة حلوة يا جميل....سنة حلوة يا رقية"
مازال صوتُه العميق الخشن الذي يزيده رجولة يُدغدغُ مشاعرها وهي تنظرُ إليه يُحدق في إحدى المجلات المبتورة أوراقها بإعجاب...قربت رأسها حيثُ
تظهرُ عارضة أزياء بنحولها تتمايل بإغراء لتستعرض قرط أذن...

بينما هو غارقٌ في رائحة البول التي تُغرق المكان، أنين نساءٍ يصله، والمصباح الوحيد المُعلق في السقف ينطفئ ليُعاود الاشتعال...وكأنهن يحتجن للّعِبِ بأعصابهن أكثر مما هن فيه...الأقفاص بالكاد تتسعُ لجسدين...فما بالكُ بأربعة أجساد نحيلة محشورة بقوة في قفصٍ عارٍ على الإنسانية أن تسجن فيه حيوانات...فما بالك بإنسان!

" سوزان...ابقي معي...انظري إلي...أرجوكِ" همسةُ إحداهنَّ وصلته حيثُ يختفي بجسده الضئيل...عيونه الكبيرة في ذلك الوجه الشاحب مما يراه ..
" لا أستطيع مرام...أظن أنها النهاية" همست المُسمى سوزان " سأدعو لكِ و لهن...سأدعو الله أن يُنقذكن من هذا الجحيم... " قاطعتها الأخرى بحنق و نبرتها تحمل التوسل:
" لا تتكلمي بهذه الطريقة... سيجدوننا...مؤكد هناك أحدهم في الخارج يبحثُ عنا..."
لتشخر أكبرهم ... و تقول باستخفاف:
" نحنُ بنات ليلٍ يا حمقاء...عندما نختفي من الطُرقات...المُجتمع يتنفس الصعداء...نحنُ وباء اذا تم التخلص منه...يُصبح الكل سعيد"
-" أنا لستُ كذلك..." صوتٌ هامس ببحة نطق...لتلفت نحوه الرِوس الثلاث تُحدق به في حزن " أنا فقط كنتُ أبحثُ عن فرصة عيشٍ أفضل.."
تحرك الجسد الصغير...يبحث بعيونه عن تلك التي تتحدثُ بحرقة...عندما سقط أنبوبٌ فولاذي ليعم صوته المكان...وتختفي أصوات النسوة.
" من هناك..." همست إحداهن ليخرج من مخبئه...طفلٌ صغير بلباسٍ موحد مدرسي...لتتنفس الأخريات براحة:
" حبيبي...هل تُساعدنا أرجوك...أحضر المفتاح...و أخرجنا أرجوك"
" أنا لا ..."
-" سعيد...ماذا تفعلُ هنا...؟؟؟"صوتٌ جعله يلتفتُ برعبٍ ... وهو يحملُه من حقيبته رافعا إياه للأعلى...ورجليه تتخبطُ في الهواء...كان عضليا قويا بالكاد أحس بثقل الطفل الذي يبلغُ العاشرة من عمره.
" هل تُريد أن أوصل الخبر للرئيس..." همس الرجلُ قريبا من أذنه...وهو يُحدق في النسوة بابتسامة تحمل من الاستمتاع الكثير " أم أن المنظر يُعجبُك من هنا" ضغط على شفته ... لتنكمشُ النسوة على بعضهن " كما يُعجبني !!"
" أتركني..." همس الصغير بضعفٍ...ليُلبي الآخر مطلبه ويُفلته دون ان يهتم بإمكانية إصابته.
" المرة المقبلة...سأحشركَ بينهن...هل تسمع؟"
قال بتهديد ...ليهرب من أمامه...وقبل أن يتسلق الدرجات...التفتت ينظر إليهن باعتذار و شفقة!
كانت هذه مرته الأولى التي يكتشفُ به العالم الأسود لمربيه...عالمٌ جعلت الكوابيس حليفه...قبل أن يُصبح المشهد روتيني.
بعد عامين فقط...أصبح الأمرُ مصدر فخرٍ لديه وهو يسمعُ خاله يتغنى بقدرته على تولي زمام الأمور، ليكون وريثه...في أكبر صفقات لبيع الرقيق...في عُمرِ الثانية عشر اكتشف ما تُنبى فوقه المنازل الفاخرة التي يتبجل بها خاله " سعيد المهداوي"
....

"أريد أن أبدو جميلة مثل هذه"
صوتُ سراب أخرجه من ذكرياته...ليجد نفسهُ ما زال يُحدقُ في إحدى تلك الصور...لإحدى النساء التي ذكرته بأُخريات كنا يقمن بأكثر من ذلك...كي يضمنَّ أن ينلن إعجاب المُحدقِ بهن...ولا يعدُن لذلك الجحر المُظلم!
ابتسم بتفكه ليقول من تحت دخان سيجارته الذي يُحيط به وهو يرمي المجلة أرضًا.
" أنت جميلة... لا تحتاجين لتصبحي عارية في مجلة لتثقي أنكِ بذلك "
" لكنني فعلا أريد أن اكون مثلها...أرجوك "
" لماذا تترجينِ...لا تعتقدي أنني جنية بعصًا سحرية..."
" أرجوك... " همست مرةً اخرى وهي ترفع المجلة حتى وازت ملامحها....
ينظر إليها...ويقارنها بالتي تسعى لتكون مثلها... ملامحها جميلة، تقاسيم ناعمة، وحزن ممزوج بقوة يستوطن اخضرار عيونها...ليُخيل للناظر أنه جزء من لونهما، خُضرة قوية مع لمحة حزن عميق متجذر...لن يغادرهما ابدًا.
" حسنًا...انهضِ..." همس وهو يستوي راميًا السيجارة التي احترق نصفها داخل صدره.
نهضت بسرعة... لتنظر إليه بسعادة و امتنان.
- " تحركي..." صرخ بنفاذ صبر... وقبل أن يسبقها ادار وجهه نحوها ".. ولا تنظري إلي هكذا مرةً أخرى.... فهذا آخر طلبٍ سأحققه لكِ...." ليلتفت مكملًا طريقه وهي خلفه...تنظر إليه بعشقٍ أصبح يسكنها لهذا الغريب " ستؤدين لهلاكي....اقسم لك..." همس من بين أسنانه... لتقف تنظر إليه برعبٍ... وفكرة خسارته تستوطنها.
- " حسناً... لم أعد أريد... "
" اللعنة...." قال وهو يبحث عن علبة سيجارته... التي يقرر كل يوم أنها ستكون الأخيرة " تحركي يا امرأة... أو اقسم ان احلق الباقي من شعرك....وأنا أعنيها"
صرخ غاضبًا من نفسه أكثر منها...وعندما لم تأتي بحركة...وعيونها امتلأت بالدموع.
" اللعنة..." همس مرةً اخرى وهو ينزل خطوتين ليقف امامها مباشرةً " سراب... أنتِ تعرفينني كيف أكون عندما أغضب... حقًّا؟!...  منذ متى تصدقين كلامي..."
" أنا رقية...لا تناديني سراب مجددا.... "  رفع كتفيه اعتذرًا على زلته...لتكمل هامسةً " نعم أعرف أي غبي تكون عندما تغضب.... تحرك فقط"
" وتجرؤين على نعتي بالغبي...على فكرة أنا لم أكن أمزح معك...."
لكنها لم تهتم...وأسرعت تمتطي الحصى و الحجارة تحت الجسر.... لتنزلق رجلها.... تلقفها وهو يهمس:
" إحذري يا غبية...فالغبي لن يكون دائما خلفكِ ليمسك بك"
التفتت تنظر إليه بتركيز.... وجهها كان قريبا جدا من وجهه... بلع ريقه وهو ينظر في عيونها...لتقول بثقة:
" بلى، هو دائما خلفي....أنا أؤكد لك ذلك"

ثم التفتت مجددا و اكملت طريقها لأعلى الجسر...وجلست تنظر للسيارات المسرعة دون ان تهتم لها.

وقف ينظر إليها تتسلق الأحجار... ما الذي حدث للتو؟!

أصبح بجانبها. وهو مازال حائرًا في همستها السابقة... ليسمع صوتها الغير الواثق فجأة..
" رأيتك تنظر بإعجاب للمرأة في المجلة"
همست وعيونها لم تبتعد عن المحل الذي أخبرها أنهما سيقصدانه... لكنهما ابكرا جدا...ويجب أن ينتظرا ساعة ليُفتح.
" و ماذا في ذلك.... أنا رجل يُقدر الجمال.... ولا أستطيع ألا أسترق النظر لكل جميلة ألمحها..."
" لم تنظر إلي ابدا بتلك الطريقة... " همست بخفوت بالكاد يُسمع....لكن عيشه في الشوارع.... و كونه مطاردًا كلها عوامل عززت لديه غريزة البقاء،  وجعلت حواسه أقوى..
" أنتِ...." قال بصدمة " أنتِ تفعلين هذا لإثارة إعجابي؟!"
حركت رأسها بإيجاب... دون أن تستطيع رفع عيونها عن حذاءها الذي يبدو الجديد الوحيد في هيئتها المزرية...هدية عيد ميلادها...حذاءٌ رياضي متين، كان الشئ الوحيد الذي حصلت عليه يوما مُغلفا...رفع وجهها إليه.... ليسألها برهبة:
" هل كنتِ تعنين حقًّا عندما سألتني أن أقبلك تلك الليلة ؟!"
أغلقت عيونها من الخجل...تتذكر ليلة عيد ميلادها المزعوم...تُغلقُ عيونها بقوة وهي تقول له قبل أن تزم شفتيها في وضعية التقبيل..
"والآن قبلني.."
لم يفهم همستها في بادئ الأمر ليضرب خلف رأسها...يطلبُ منها فتح عيونها سائلا ببلاهة:
" ولماذا أقبلكِ.."
"لأننا أحباء...والأحباء يُقبلون بعضهم"
نظر إليها ببرود...ليهمس بعدم اهتمام:
" لننم...وكفاكِ سخافات"
السُخفُ فعلا ما تملكها تلك الليلة...وهي ترجوه اهتماما ليس مُستعدا لتقديمه...دون ان تدري أنه لا يعرف كيف يُقدم شيئا لم يعرفه تماما...هو لم يعش إلا وسط الرجال والعاهرات...لم يعرف إحساسا آخر غير تلك العاطفة المريضة الوحيدة...التي اغتُصبت بها طفولته...هو لا يعرف كيف يُحب!
ففاقد الشيء...لا يُعطيه!
أليس كذلك؟

مرة فقط أراد ان يُجرب أن يكون رجلا وهو ابن السادسة عشر...لتكون آخر مرة يقترب بها من امرأة...فما عاشه كان أقسى من أن يُجربه مرةً أخرى!

عيونه على الدمعة وهي تمر على طول خذها... يتبعها بعينيه...إلى أن استقرت على جانب شفتيها.

ابعد فجأةً يده عن وجهها الذي بدأت فجأة تتحسس ملمس بشرتها... ليعود إلى جلسته السابقة.... ينظر أمامه بتفكير و صدمة..

الذل جعلها تعود لوضعها السابق...كم هي مثيرة للشفقة... تبحث عن مُنقذٍ لأنوثة سحقتها الظروف... ومُرغت في الشوارع....

" لنذهب... " قال ببرود وهو يقف...أعادت نظراتها حيث المحل الذي فُتحت ابوابه للتو...ليستطرد " أنت لست بحاجة لمثل هذه الأماكن....ولا لثياب جميلة، لأنظر إليكِ بإعجاب "  رفعت نظراتها إليه " نلتِ إعجابي منذ ذلك اليوم الذي غرزت  سكينك بظهري... و زاد إعجابي يوم أنقذتني من الموت...أنتِ بطلة في عيوني سراب.... أنتِ لا شبيهة لكِ... فلا تبحثي أن تكوني شبيهةَ إحداهن.... خصوصاً من تستعرض كل جسدها فقط لتُظهر قرطين بالكاد يرون... هل تفهمينني سراب؟!"
ابتسمت موافقة... " أنتَ لا تفهم...أحتاج أن تُخبرني أنني جميلة عُقاب...جميلة فقط....أما الشجاعة فقد أُجبرت على حملها منذ نعومة أظافري....وأنت الآن جانبي لم أعد أُفكر في خطوتي اللاحقة...لأنك تفكر من أجلي....جميلة فقط ما أريد أن أسمع.....جميلة"
همست لنفسها دون ان تستطيع نُطقها ... !!

                                .......

" البارحة فوت عليكَ مفاجأة ... كانت ستُعجبك حتماً"
همست قريبا من أذنه وهي تجلس على مسند أريكته و تتشبثُ بكتفيه
أبعد النظارة عن عيونه...وهو يرفع رأسه بعيدا عن التقرير عن عمل المكتب الذي أصبح المُشرف عليه.
" أي نوعٍ من المُفاجآت..." همس وهو ينظر إليها بهدوء وعدم تركيز
" النوع الذي يُعجبك...ويشمل تلك الأشياء الحريرية الصغيرة جدا..." نظر إليها بعدم فهم لتزفر بقلة صبر وتنهض من جانبه... وقد لفتت اهتمام حماتها التي تجلس مُقابلةً لها...مُلتهيةً بتطريزاتها!
وعيونه تتبعها حتى دخلت للمطبخ الفسيح...لتعود إلى ما بين يديه.

صدحت أغنية لأسماء المنور لتزيد من الصوت و تبدأ بالتمايل مع الإيقاع...وتُدندن معها بصوتٍ مسموع:
( عندو الزين ... عندو الحمام دايرو في دارو...و أنا الحب و أنا الغرام جابني حتى لدارو...)

وهي تُدركُ أن عيونه عليها...لتزيد من ميلان خصرها...الذي يُظهره قميصها الطويل الأسود الذي يُحدد جسدها بفتنة... تُغيظه!!...بينما تُستِّف الخضراوات في الطاجين الطيني الأحمر أمامها...
وقف باندفاع باتجاهها و عيون والدته تلحقه في عدم فهم...و قد توقفت عن البحث عن أجوبة لأسئلتها منذ اقتحمت حمراء الشعر بيتها...!!
اقترب منها يُحيطها من الخلف... حتى كادت تختفي داخل حضنه..همس وهو يتحقق من انهما ليسا في زاوية رؤية والدته:

" تبدين شهية وأنت تتمايلين بإغواء...هل تُحاولين اخراجي عن طوري...لأنكِ نجحتِ بذلك" همس و هو يقضم من شحمة أُذنها... لتتأوه برقة!!
وتقترب منه أكثر...تزيد من تمايلها في حضنه...بينما تهمسُ له
(كيقولوا عينيه زايغة عمرو فحياتو ما بغى
والي قال لشي وحدة زوينة كتكون غير صباغة)

" توقفي يا مجنونة...والدتي في المجلس"

لكنها لم تهتم وضحكتها تكاد تنفلثُ بينما يديه حاصرتها بتملك... دون ان تكف عن مُشاكساتها له!

أدارها باتجاهه... ليمد يده و يُغلق على الطاجين فوق النار...يديه تسللت أسفل قميصها الأسود الحريري..يستكشفها وكأنه يلمسها لأول مرة...!!

احساسه بها كان مُهلكًا... وهي ترفع نفسها تُخفي تأوهاتها في كتفه...تضغط بأسنانها بقوة دون أن يرحمها !!
ابتسم وهي تبتعد عنه لتهمس بصوتٍ أجش مُتقطع:
" توقف ... مُووصطفى...والد..."

لكنه لم يهتم...رفعها بقوة واتجه بها نحو باب المطبخ المؤدي للحديقة... وهي مازالت تُكرر بهمسٍ كلمات تلك الأغنية في أذنه
(كيقولو حافظ سواريه...و ماشي لي جات تديه..مقرياه مّو مزيان صعيب وحدة توصل ليه..و أن جاني على الكانة...صحة يبغيني)

لم يُصدق انه وصل للغرفة الصغيرة التي جهزها لتكون غرفة لعب بناته!!

" هل أنت مجنون..."
سألت باستنكار وهي تلتفت تنظر للغرفة البيضاء ذات الرسومات والخربشات اليدوية على الجدران...وألعاب البنات مُتفرقة على طول السجادة البنية اللون!!
لم يهتم لاستنكارها وهو يرفعها بقوة... ويهمسُ لها في تجويفُ عُنقها
" قاوميني..."
لتُجيبه وشفتيه تنتقل لعنقها:
" وهل ستدعني أربح هذه المرة؟"
-" لا مجال..." اجابها وهو يرفع يديها أعلى رأسها..يُعمق قُبلاته...لكنها كانت من السرعة أن حررتهما لتُحاول ابعاد صدره الذي يضغط على صدرها..دون ان يؤلمها!
" هذا ليس عدلا!!"
همست بحزن وهو يُعاود الإمساك بيديها ليحصرهما فوق رأسها..
"  انت دائما تُحاصرني ثم تُطلق تحديك السخيف...دعني مرةً أحاصرك لنرى من الأقوى فعلا بيننا ... لأنك بهذا التصرف تستغل بنيتك القوية و طولك ضدي"
رفع حاجبه يُحدق بالجدية التي تتكلم بها...ليفلتها وببطئ جعل ساقيها تتماس مع الأرضية...ويرفع ذراعه لتظهرعضلاته مُستنفرة في دليل أنه الأقوى بينهما...حركت رأسها وهي تقول بثقة:
" العضلات ليست دائما دليل قوة"
" حسنا أنا لكِ.." قال وهو يرفع يديه عاليا...دون أن يُبعد جسده عنها...لتزفر بعدم رضى وهي تنظر إليه... همست وهي تُبعد عيونا ماكرة عنه:
-" آي ...لعبة مُسننة أسفل قدمي...تؤلمني جدا"

ابتعد فعليا هذه المرة ينظر أسفل قدمها لينحني يُبعد عدة ألعاب كانت مُتراكمة أسفل قدميها... ودون ان يتوقع كانت ركبتها ترتفع لتضرب جانب خصره... رغم أن الضربة لم تكن مؤلمة لكن المُفاجأة جعلته يفقد توازنه وهي تُمسك بكتفيه لتدفعه للوراء.. من حسن حظها أن الوسائد كانت خلفه...لتُسهل سُقوطه للوراء... تنظر إليه بزهوٍ وهي تضغطُ على كتفه برجلها و تقول:
-" لا تلعب أبدا مع زوجة عميل...فلدي مُدربٌ خاص يُحسن تدريبي جيدًا...!!"
كاد ان يضحك بقوة من تعابيرها ... عندما نزعت قميصها العُلوي لتبقى بصدرية من دانتيل سوداء اللون...مُخرمة بالكاد تُغطي بشرة صدرها.
" أسكت..." قالت تأمره وقد أصبح تحت اِمرتها...لتجلس على صدره ضاغطةً على يديه ضد الأرض... عيونه تُحدقُ بها بفخرٍ ممزوج بتعابير أخرى والمنظر من الأسفل كان يبدو مُثيرًا... مثيرا جدا!!
ابتلع ريقه وبصعوبة، أبعد عيونه عن مفاتنها باتجاه ملامحها المزهوة بانتصار... وهو يسمعها تقول بتفكير:
" ماذا يجب أن أفعله بك الآن...ماذا ؟؟ "
" هل انتهيتِ..؟؟" همس بمرح و هو يلحظ ملامحها الجدية " تعلمين انني بخطوتين أستطيع تغيير أماكننا بسهولة"
لكن الثقة لم تتغير بنظراتها وهي تنزل ببطئ لتهمس قريبا من شفتيه:
" لا تجعلني أتخلص من الصدرية أيضاً.."
ازدادت سُرعة تنفسه وعيونه تُصبح أعمق...وهو يعترف أنها امرأة...و المرأة لم تحتج يوما أن تكون بعضلات لتفوز، يكفي أن تكون ...انثى!
" أنتِ مُهلكة...هل تعلمين ذلك ؟"
همس بحجرجة لتبتسم برقة ... أهلكته اكثر!
أنزلت رأسها باتجاهه، تُقبله قُبلةً صغيرة ...وقد كانت كمسٍّ كهربائي.. لتبتعد!
انزعج من ابتعادها...ليُحاول فك يديه من يديها لكنها حركت رأسها برفضٍ:
" و..."
همست تحثه على التغزل بها... تعشقُ نبرته وهو يتغزل بكل شئ بها!!

وتزداد كبرياءً وغرورا وهي توقن...أن لا أخرى سمعت خشونة نبرته يوما ولا عيونه التي تبرق بمشاعر وهو بين أحضانها..كما لم تحظى بيديه الخشنة وهي تمر على تقاسيمها...فقط هي من حظي بكل شئٍ حميمي يخصه ...فقط هي !!

" ومُهلكة...ومهلكة...ومُ..."

كانت تُقبله بين كل كلمةٍ و أخرى.. لتبتعد!
لم يعد يستطيع ان يبقى تحت سيطرتها...أبعد يديه عن قبضتها بسهولة وقبل أن تعترض كان يجلس ويُكمل الباقي من تغزله بها بين شفتيها...!!
دقائق مرت يجلسان مُتشابكان... وكل ما يفعلانه هو الإقتناص من كل لحظةٍ مرت من الأسبوع الماضي دون ان يكونا معًا!!
ابتعدت قليلا طلبا للهواء...لتستكين على كتفه ... تستنشق رائحته الرجولية المُختلطة مع عطره النفاذ القوي...قبلته برقة مكان ندوبه التي كانت تبدو جميلةً لها...وهي تستمتع بتأثير جسده بكل لمسة منها مهما كانت بسيطة !!

أبعد شعرها الطويل الناري...يُحدق في النمش الذي يُزين كتفها ... ليمر لحمالة صدرها يُحاول فتحها... والتي مازالت تُعتبر له كعملية رياضية مُعقدة رغم مُرور السنوات... ابتسمت وهي تُدير يديها حيثُ تُفتح صدريتها بكل يُسر جعلته في كل مرة يتفاجأ... لتقول بمرح:
" قرأت مرة أن المرأة تعرف زوجها إن لم يقرب للنساء قبلها ... فقط من حمالة صدرها...ان استطاع بكل يُسرٍ أن يفتحها في اول ليلة ...فهو لم يكن وفيًّا ينتظرها..."
ضحك من المنطق الخطير الذي تُفكر به النساء...ليهمس لها:
" ما أذكره جيدا أنك لم تكوني ترتدينها في أول ليلة..."

" أنا لا أحتاج لأي اختبار غبي لأعرف جيدا أنك لي...لي فقط"
همست بجرأة ليقول بغباء:
-" لدينا خمسة و أربعون دقيقة لنستغلها..."
رفعت رأسها تُحدق به...لتسأله:
" ماذا تعني ؟؟...أليس من المفترض أنك اليوم في إجازة وستأخذ البنات لدرس السباحة بعد الغذاء؟"

ابتسم لها بارتباك وهو يقول:
" لم أخبركِ لأنني أعرف أنك ستغضبين...لقد عينت رئيسا للمكتب ؟"

" تقصد انك قبلت بالوظيفة التي تناقشها حولها...وكان قرارنا هو الرفض..."

" أحتاج لأكون الرئيس...كي أستطيع الولوج لكافة القضايا..."
قاطعته وهي تُعيد غلق حمالة صدرها:
-" لا يُهمني أسبابك مُصطفى..." توقفت عما تفعله لتنظر إليه وتقول " منذ متى ؟؟"
لم يستطع ان يكذب عليها...ليقول بهدوء:
-" منذ عشرة أيام..."
" ابتعد عني..." صاحت وهو يمنع وقوفها..
وقفت بتخبط تبحث عن قميصها... لتجده...لكن عوض ان تتلقفه كانت تحمل لعبة سيارةٍ كبيرة الخاصة بابنتها " لينا" و ترميها باتجاهه... لتتبعه بكل ما تطاله يديها
" انت..." همست بصعوبة و هو يُحاول التحكم في انفعالاته " لا يحق لك ذلك.." لتصرخ بقوة وهو يُكبلها " دعنيييييييييييييييييييييييييييي"
وداعتها في باقي الأيام تُنسيه دائما هستيريتها عندما يتلاقى غضبها بالخوف...تركها ... لتقول بغضب:
" إن لم تكن حياتك تهمك...فهي تهمنا...أنت لا تعرف حالتي وانت في مهمة...نظرات بناتك التي على الباب ينتظرن متى ستدلف...أنت مجرد مستهتر...لا يحق لك ...أتسمع...لا يحق لك"
لتتركه خارجة من الغرفة....خرج على اثرها…ليُسرع يمنعُ دخولها المطبخ...لكنها أسرعت تُغلق الباب على وجهه...وضع رجله يمنعُ الإنغلاق في آخر لحظة...وقد بدأت تصرفاتها تُثير غضبه...ما يفعله شأنه لأنها لن تتفهم حاجته لييطمئن ان تلك العصابة التي حاولت مرة استغلالها قد اندثرت..
" ما بكِ جميلة"
قالت حماتها و قد لاحظت انفعالها...وجهها الأحمر و يديها التي ترتعش
" اسألي ابنك..." أجابتها وهي تقترب منها و كأنها تبحثُ عن حليفٍ لها
" لا شئ أمي..." قال مُصطفى بهدوء وهو يُحدقُ في جميلة
" وتتجرأ و تقول لا شئ...لماذا لا تُخبرها أنك وافقت على الوظيفة التي تُمثل لها كل الرعب...ام أنك لا يُهمكَ إلا نفسك وبطولاتك !!...أخبرها أنك لن تُعاشر فقط المُختلين...بل ستتعداها لسفاح و ..." كانت تتحدثُ بغضب.
" جميلة.." صرخ بقوة اهتزلت لها جنبات المنزل...يُسكتُها عن الإسترسال...ارتبكت وهي تسمعُ نبرته الجافة القاسية...لتعلم أنها تعدت بمراحل تلك العتبة التي إن زادت خطوة فقط خلفها  فسينفجر في وجهها...ابتلعت ريقها في خوف وعيونه الغاضبة ما زالت تُحدق بها...لتُسدل رموشها تهرب من عيونه...
" إهدآ وأخبراني ماذا يجري..."
همست فاطمة و هي تستشعر توتر جميلة التي اقتربت منها بغريزة...لتبتسم في هدوء..حتى أنتِ يا حمراء، لم تستطيعي ترويض ذلك الجانب الهمجي من شخصيته...الذي يُخفيه بإتقان وهو بين فتياته...لكنها تعلم!
فهو ابنها الذي كبر أمام عينيها رغم تباعده...وحضرت لكل تكريم ناله وعمره لم يتعدى الخامسة والعشرين!
تعلم ان له جانبٌ مُظلم غير قابل للترويض...فقط وحده من يتحكم بظهوره...جانبٌ أُجبر عليه كي يستطيع هزم أبشع العقول ... ليجعله يُفكر أبشع منهم كي يستطيع مُحاصرتهم!
وهذا راقها جدا...جعلها تستشعر راحة داخلية أنها ليست الوحيدة التي فشلت في ترويضه...حتى الحمراء فشلت كذلك!
وهذا لم يجعل منها أمًّا فاشلة...همست بتفهم وهي تقترب أكثر من جميلة بحمائية لتُبعد عيونه النارية المُحدقة بزوجته:
" ابني..."
وكأنه استيقظ على همستها ... كان يتجه حيث مقعده السابق و ينسل معطفه وملفه...ويتجه خارجا وهو يقول:
" سأعود بعد أربعة أيام...لدي طائرة بعد دقائق"
ويقفل الباب بهدوء...ليتركهما تُحدقان على اثره بهدوء، وصدمة وكأنه عاصفة مرت لتُخلف الخراب...والهدوء!

" ألم تتعلمي بعد ألا تستفزينه..."

قالت فاطمة بلوم وهي تلتفتُ لجميلة التي ذبُلت نظراتها بخروجه غاضبٌا منها...أليست هي من يجدرُ بها الغضب ؟؟

" ماذا فعلت عمتي..انا فقط أخشى عليه"
أجابتها جميلة بحسرة
-" أن ترفعي صوتَكِ عليه أمام الآخرين ليس بتصرفٍ حسن...أنتِ زوجة جيدة...بل جيدة جدا مقارنة بصغرِ سنك ومسؤولياتك الكثيرة...لكن يجب أن تتعلمي عدم الإندفاع...خصوصا مع مُصطفى"
عيونها اتجهت حيث الباب المُغلق وكأنه تتوقع عودته في أي لحظة...!!

..........

دموعها تسيل دون توقف جالسة على السجادة و حاسوبها على الطاولة أمامها... تُحاول التركيز على طباعة مشروع تخرجها دون ان تستطيع.. وهو جالسٌ بجانبها على الأريكة و في يده كوب قهوة...لم تستطع ان ترفع نظراتها باتجاهه...
-" لماذا تبكين؟" سألها ببرود
-" لا شئ..الحاسوب يعلقُ معي ..." أجابته وعندما لم يهتم أكثر وعيونه على الوثائقي الذي يُشاهده ... ازدادت شهقاتها...ودون ان تنتظر سؤاله ... ارتفعت لتجلس بجانبه... لم يهتم بالإلتفاف نحوها...ملامحه الباردة على التلفاز الضخم أمامه...لتقترب أكثر حتى لم يعد هناك فراغٌ بين فخذيهما... عيونها على يدها التي تتلاعبُ بحد سروالها القصير الذي بالكاد يُغطي فخذيها...وكأنها بالتركيز عليه سيُعطيها دفعة من الشجاعة.. لثواني عديدة لا تفعل سوى التحديق للأسفل... لتهمس بارتباك وغصة:
" ماذا تُشاهد..؟"
بهدوء أبعد عيونه عن الشاشة ليقول:
" برنامج وثائقي عن التزاوج عند السلاحف..."
ليُعاود الإلتفاف ببرود..
ما أقسى غضبه...لو كان يصرخ لكان سهلا ان تتعامل معه...لكنه بارد...وكأن كل ذلك الدفئ تبخر فجأة...أو كان محظ خيالها...
" انت قاسٍ جدا يوسف...غضبك قاتل.."
نظر إليها لثواني لينهض بهدوء... ويترك المكان...دموعها لم تستطع الصمود أكثر لتبدأ بالبكاء بصوتٍ مسموع...رغم أنها تُدرك انه لن يرأف بها...لتشعر بالغضب وتنهض بقوة:
" انا لن أسمح لك بمعاملتي بهذه الطريقة...أنا أُحدثك و انت تتركني..." قالت وهي تفتح باب الحمام عليه بغضب...لتتراجع بخجل مُعطيةً إياه ظهرها...وهي تجده يقضي حاجته بينما هو غارقٌ يقرأ مجلةُ ما من المجلات التي يضعها في خزانة قريبا من كرسي المرحاض
-" آسفة لم أقصد..." همست  ووجهها للخارج
حاول منع نبرة المزاح من صوته وهو يقول بجدية مصطنعة:
" ألا أستطيع قضاء حاجتي بسلام...بالمناسبة مازلتِ تقفين على الباب"
أغلقت الباب بسرعة...ليترك ملامحه تسترخي بهدوء.
وجدها تجلسُ على مُقدمة السرير..للآن فقط لاحظ الملابس التي ترتديها...إحدى بلوزاته القديمة مع سروالٍ قصير وشعرها القصير الأسود الناعم تركته حُرًّا..كتلميذة ثانوية بدت...صغيرة جدا، ملامحُها الحزينة أعطتها لمسة جذابة.
" أنا آسفة عما قُلتُه سابقُا.." نظر إليها برقة...وهي مازالت تنظر للأسفل تقدم باتجاهها لكن خطواته تجمدت وهي تردف " تحدثّ مع منى حول الأمر...وعاتبتني جدا...لم يكن يجدُر بي ان أكون جاحدة لكرم الله تُجاهي ولا أن أُشكك في قيمة وجودكِ في حياتي وحياتها...إنفعالي وخوفي جعلاني أنسى فضلك علي.."
أسرع يُمسك بكتفها بقوة...رغم أنه لم يكن ينوي ذلك...لكنها استفزته جدا هذه المرة:
" فضلي عليكِ...هل هذا ما في الأمر مرح؟!..أتفضلُ عليكِ ... لم تكن يوما الشفقة تحتل مكانا في كيف أنظر إليك" قال بفحيح غاضب..." أنا زوجُكِ بحق الله...كيف تتحدثين عني بهذه الطريقة...ومع من؟...مع غريبة"
-" منى ليست..."
" منى تبقى عضوًا خارجيا عن علاقتي بك.." أطلق سراح عضُدها ليبتعد قليلا ينظر إليها بخذلان " لمْ أعدُ أفهمكِ مرح...لماذا لم تتلجئي لي عوض الذهاب لمنى؟...ألم أكن كافيا لأبث لقلبكِ الإطمئنان الذي تحتاجينه؟" الألم كان يظهرُ جليًّا في عيونه ونشيجها يعلو وهي تُحرك رأسها برفضٍ لما يقوله...ليستطرد بتعب"...كانت ضربة موجعة لي مرح...أن تُشككي في قدرتي على حمايتك وحماية أطفالي...كانت إهانة لم أكن أتوقعها منكِ..."
همس وهو يبتعد... كان يُريد مُعاقبتها بشدة...أن يُقبلها بعنفٍ حتى تعترف أنه أمانها..ويُدمغ جسدها...ليُذكرها انها له......يُوصلها لأقصى ضُعفها ويجعلها تهمسُ بكل حاجة باسمه..ليُذكرها أنه الوحيد الذي يستطيع الوصول لأعمق نقطة سوداءٍ لعينةٍ في روحها فيُنيرها!
قربها منه بعُنفٍ...يُريد ان يُحقق ما يهمسُ به داخله ثأرًا لرجولته التي سحقتها...لكن نظرة عيونها المرعوبة...وذراعيها المحشورة بين جسديهما..جعله يتنفس بقوة يُبعد تلك الحاجة العنيفة داخله..
ليلتف حوله .. مُبعدًا جسدها ... حاملا وسادته ليتجه خارجًا...في هذه اللحظة لم يكن يُريد أن ينظر في وجهها....بنفس القوة التي يُريدها...

بنفس القوة التي يعرف أنه لن يتحكم في تصرفاته تجاهها...وقد يؤذيها ويُعيد إليها أشباحا إعتقد أنه كان فارسًا مغوارا...وهو يُحاربهم واحدا واحدا...لكنه استيقظ على كابوس...أنه كان يحلم...وحبيبته مازالت بين براطين الوحش.

خرج...وقد كسرإحدى القواعد الصارمة التي وضعها لهما...ممنوع النوم خارج الغرفة!
لكنهُ يُدركَ أن هذا لصالحها...هي.

بعد ساعتين:
كانت تندس بجانبه في الأريكة...سكنت قليلا وهو يتململ بانزعاج...لتقترب أكثرمنه... هي لا تُريده أن يغضب منها...لكن المشاعر التي تتخبط بها لا تُسعفها... دموعها كانت تسيل ... يا إلهي كم أصبحت تميل للبكاء.
اقتربت أكثر منه...دون ان تفطن أن تنفسه المُنتظم قد اختفى!
ويدهُ دون إرادةٍ منه كانت تُحيطها بتلقائية كيلا تسقطُ من الأريكة...بينما هي تغرز نفسها أكثر في حضنه ... أنفاسها الدافئة تضرب جهة صدره.. وأصبعها هناك...ساهية تُفكر كيف تركت الأمور لتصبح بهذا التشابك...كيف سمحت للماضي أن ينغص حاضرها!
رأسها مباشرةً أسفل أنفه...ورائحة الزهور تصل إليه لتُعيث في مشاعره رغبةً وقد مرت أيام منذ كان على وصالٍ معها..!
" أخبريني أنني أمانكِ" بصوتٍ هامس  وهو يتحرك لتُصبح أسفله " أخبريني أنك لا تُشكين في قدرتي على حماية أطفالي ...وحمايتك!"
لعنت الغصة التي تستحكم حنجرتها...والشئ الوحيد الذي ترغبُ في فعله هو البُكاء...حتى يختفي كل الوجع!
لينقض بعنفٍ على شفتيها وقد طال صمتُها...قبلها بطريقة لم تكن في قاموسه من قبل.. عنيفة...غاضبة..بها من المرارة الكثير... تمسكت به تُشجعه أكثر على الإقتناص منها...وهي المُذنبة في نظر نفسها!

..........

لأول مرة في حياته يُظهرُ نقطة ضعفه التي يُمكن أن تتسبب في هلاكه...خمسُ نُسخٍ مُتشابهة...شعرٌ أحمرٌ لولبي...بثيابٍ بيضاء على أحد شواطئ السعيدية الفيروزية الخاصة...وهو يتوسطُهن...كان الشئ الوحيد الداكن في الصورة...ليكون السبب في كسرِ مثاليتها!

" أنت حقًّا لم تجرؤ على إحضار صورة عائلتك للعمل؟!!!"

صوتُ مُشرفه القديم و مُعلمه وصله وهو يدلفُ للطائرة الخاصة بالإستخبارات... رفع نظراتهُ يُحدق به...ما زال يُثير به ذلك الرعب الذي يلفه كالمرة الأولى الذي يلتقيه!
غُموضٌ وسرية تُحيط به...كيف لا وهو الذي عاش ما قد يُدمر أي رجلٍ اختار مهنةً كمهنتهم!!
-" ألا تتعلم يا ولد!"
استطرد بتأنيب...وكأنهُ عاد لتلك المرحلة من حياته...حيثُ كان الإندفاع رفيقه...لكن هذا الرجل الذي يكبره بأقل من عقدٍ...لكن بعقودٍ من الخبرة العسكرية الصعبة... علَّمهُ كيف يُسيطر على انفعالاته التي تستنفذ طاقته فلا يستطيع مُجابهة المجرمين والتفوق عليهم ذكاءًا!
و قبل ان يُخفي مُصطفى الصورة...كان الرجل الآخر ينسلها من بين أصابعه بسرعةٍ...و يرفعها مُحدقًّا بالمكتوب خلفها...!
( المُحمدية...20/08/2018)

عيونه تقلصت بألم...فقط القريبين منه يعلمون سببه...ثم بغضبٍ هادرٍ رغم أن سببه قابعٌ تحت التُراب.
-" ماذا تفعلُ هنا تاشَفين؟؟…ظننتُك فضلت الأمور المكتيبة وغادرت ...!"

قال مُصطفى وهو يرتفعُ ليأخذ الصورة من يده...والغيرة تنتشر داخله أن شخصا آخر بحركة بسيطة سينظر لعائلته!

لكن " تاشَفين اليوسفي" لم ينظر للصورة وقد عرف من لغة جسد مصطفى أنها منطقة محظورة على أي رجلٍ آخر عداه...وقبل أن تصل إليها يد تلميذه القديم كان يُمزق الصورة...وتُصبح مجرد أشلاءٍ صغيرة ... وعيونه تُحدقُ في مُصطفى ببرود الذي ارتخت تعاليم جسده:
" تعلم أن أمثالنا لم يُخلقوا ليكونوا خلف المكاتب يا عقيد...أم أقول ..."

قاطعهُ مُصطفى وهو يقول:
" لم تُجبني على سؤالي..."

همس وعيونه على الصورة التي أصبح مصيرها سلة المُهملات:
" نفس السبب لوجودك هنا..." أجابه بغموض وهو يجلس مُقابلا له يُغلق حزام الأمان ...ليستطرد بحميمية:
" ما الذي يحدثُ مُصطفى...سمعتُ أن العُقدة انحلت وأصبحت أبًا لأربعِ أميرات"
تنفس بعمق ليقول بكل بساطة...و كأن سنوات لم تفرق بينهما أبدا:
" انا أُمسك بالقتلة...أٌنقذُ الأرواح...و أُوشَّح ..أنا بطل" قال بنبرة يُفترض أنها نبرة فخرٍ...لكنه لم يكن فخرا بل تهكما و هو يردفُ.."...و بمجرد ما أضعَ مفتاحي في قُفلِ الباب أُصبحُ مُجرمًا....أبَّا دائم الغياب...في كل مرة أرى تسجيلا لأهم لحظات إحدى بناتي أتأسف وأشعُرُ بذنبٍ فضيع...لكن ذلك لا يمنعُ فورة الأدرينالين والإثارة أن تتملكني عندما أتوصلُ برسالة بوجود قضيةٍ ما...حتى وأنا بينهن...هل هذا يجعلُ مني مُجرمًا؟؟"
" أنتَ تطرحُ السؤال على الشخصِ الخطأ صديقي...لكن ما أعلمه أننا لم نُخلق لنكون كباقي الرجال الذين يُفكرون بطريقة طبيعية... نحن خُلقنا لأن هناك من هم أدنى من البشر... يحيلون حياة الآخرين جحيمًا...نحنُ نُجابههم دناءة...لنوقفهم!!"
اقترب منه ليضع يده على ركبته...لكن مُصطفى ابتعد بغريزة...ليبتسم تاشفين بتفهم وهو يستطرد " انتَ تخلقُ عالمًا آمنا لبناتك مُصطفى ...تذكر ذالك!"
" ماذا لو حدث معي نفس ما حدث معك؟"
-" أنت لستَ أنا...وبالتأكيد لن تستهين بكل ما علمتُك إياه...واوله ألا تسقطَ  في الخطأ مرتين!"همس وهو يُشير لسلة المهملات...و قد كان تصرفا غبيا من مُصطفى  وقف ليقول" حان وقت النزول"
حدق مصطفى خارجا...يتحقق أنهما على أرض المطار يتناسى دائما إلى أي درجة تصلُ سرعة هذه الطائرة الصغيرة...رفع تاشفين حقيبة ظهره فوق كتفه بيدٍ واحدة ... معطفه الأسود الذي يصلُ لمنتصف ساقه فوق بذلة تُظهرُ رشاقة قده...وشعره الذي استحال لرماديٍّ رغم ان الوقت مازال مُبكرا على الشيب ليُزينه...لكنه " تَاشَفين" الغاضب الأسود  كما يُلقبونه وراء ظهره ...وهو يقول:
" سنلتقي...لدي إحساس أن طرقنا ستتقاطعُ قريبا"
" ألستَ معي في نفس.."
ليُقاطعه:
" لا...أنت لا تحتاج لإشرافي بعد الآن..." ثم خرج من الطائرة و مازالت الحيرة تتملكُ مُصطفى من وجود "تاشفين" في الطائرة.

Continue Reading

You'll Also Like

427K 9.7K 36
للعشق نشوة، فهو جميل لذيذ في بعض الأحيان مؤذي مؤلم في أحيانا اخرى، فعالمه خفي لا يدركه سوى من عاشه وتذوقه بكل الأحيان عشقي لك أصبح ادمان، لن أستطع ا...
682K 29.3K 41
[ ADULT CONTENT ] لَم أَتَوَقَّع آنِنيَ سأقع في حُبِّ شقيقُ زوجيِ مِن النَّظرَة الْأَوَّليّ كانَ رَجُلٌ مَهِيب يَسْرق الْقُلُوب قَبل الْعُقُول . اعل...
1M 65.4K 103
" فرحات عبد الرحمن" شاب يعمل وكيل نيابة ويعاني من مرض اضطراب الشخصية المعادية للمجتمع مع ارتباط وثيق باضطراب النرجسية مما يجعله ينقاد نحو كل شيء معاك...