جرح وشم الروح! ملاك علي.

By Magharibia

22K 297 24

لمحةٌ من الماضي... كان يقبلها...بمهلٍ وكأن كل الوقت ملكه... برقّة وكأنه يخشى عليها من عنف قبلاته....بين كل قب... More

المقدمة
الفصل الأول
الفصل الثاني
الفصل الثالث
الفصل الرابع
الفصل السادس
الفصل السابع
الفصل الثامن
الفصل التاسع
الفصل العاشر
الفصل الحادي عشر
الفصل الثاني عشر
الفصل الثالث عشر
الفصل الرابع عشر
الفصل الخامس عشر
الفصل السادس عشر
الفصل السابع عشر
الفصل الثامن عشر
الفصل التاسع عشر
الفصل العشرون
الفصل الواحد و العشرين
الفصل الثاني والعشرون
الفصل الثالث والعشرين
الفصل الرابع والعشرين
الفصل الخامس والعشرين
الفصل السادس والعشرون
الفصل السابع والعشرون:

الفصل الخامس

832 14 0
By Magharibia


(مرح ...أنقذيني)
همست داخلها وشفاهه تحُط على شفاهها برقة.
الثواني تمر بطيئة جدا، تُحس بشفاهه تقتص من شفاهها بعُنفٍ لتتحول لرقة لم تمس شغاف قلبها... أصابعه تُعلِّم وجنيتها لتستشعر وكأنها توشمها... لم يكن إحساسا رائعا...بل كان مُقرفا.... وكل نقطة التقاء بشرتيهما تُولعُ فيها نارًا حارقة.... تحرقها كالأسيد...لكنها لم تبتعد.
لم تُحاول مجاراته ولا الابتعاد...
ذلك المُقت الذي كان يُهاجمها في أنصاص الليالي لتفتح عيونها فجأة... خائفة أن تجد نفسها في ذلك المنزل الذي لم تعد تراه جميلا أبداً... لكن الإنارة الخفيفة لمصبحها الصغير يُعيد الاطمئنان لعيونها.
لكن ليس لروحها.
ذلك الكره الذي نمى اتجاه نفسها...وهي تجلد نفسها وكلمات اطمئنان تنساب من شفاه والديها انهما معها...وستكون بخير!!
برغم انها تخلق قوة داخلها لكنها تنبذها...واخرى لم تكن تحتاج لهذه الكلمات...لم تبحث عنها وكل ما تُريده ان تُترك وشأنها...لكنها كانت غايةٌ لم تُدركها يومًا...حتى كادت تقتل نفسها طلبا لها!
ذلك الذنب الذي يحرقها أنها السبب في موتِ أختها الصغيرة البريئة.... التي لم تتحمل محاولة تسميم روحها وقد كانت الوحيدة التي رأت مُعاناة مرح ودافعت عنها رغم سنها الصغيرة... روحها لم تستطع ان تنقلب على فطرتها. لتُفضل أن تُسلم لبارئها ولا تُقاوم الحمى التي هاجمتها بعد محاولة مرح الانتحار !!
كل تلك المشاعر...
كانت تتزايد وتتزايد داخلها. كلما شفاهه تزداد جرأة في تقبيل شفاهها... أنين استمتاعه يُغادر حنجرته ليُجلدها.
وروحها ويا لمفاجأتها.... كانت تستكين... فقد وجدت مكانا يليق بنُتونتها!
وكأنها تنال قصاصها...روحها كانت كزانية بالجُرمِ المشهود...تُجلد... ومع كل جلدة كانت تستخلص كل لمسة طالتها ولم تكن من حقها…لترتاح وقد وصلت للمئة!

ابتعد عنها مسلوب الأنفاس...ينظر إليها بعيونه البنية الفاتحة التي استحالت أغمق من النشوة، بشرته حمراء من تأثيره بها...كالحُلم وهو أخيرا يصل إليها... كانت بعيدة جدا عن مُتناوله وهو الخجول حتى من التفكير بأنثى بين ذراعيه... طوال سنواته الخامسة والعشرين...صادق الكثيرات لكنه لم يُفكر يوما بإحداهن بطريقة حميمية كالتي حلم بها ب " صوفيا " التي جعلته ينتقل لمرحلة اخرى من حياته.
لم يكن يهتم سابقا وأصدقاؤه يقصون عليه مغامراتهم.
كيف عَشقوا ليُخذلوا؟ وكيف عُشقوا ليَخذلوا ؟؟
لكن الآن، أصبح ينسج قصصا أبطالها "هو" و "هي"...كان يُريدها وبشدة.
وبعد أن حصل عليها ... لن يستطيع التخلي عنها!
بينما عيونها الضبابية المُتسعة جدا في وجهها النحيل المُرتفعة عظمتا خديه...ليُعطيها هالة أرستُقراطية...وكأنها لوحة لإحدى الأرامل من الأزمنة الغابرة، بالأسود والأبيض...ليُظهراها باردة جدا...حزينة جدا...بعيدة جدا جدا...وهي تُحدقُ في مُتأمِّلها ببرود وفضول.
قلبها كانت دقاته ساكنة...وكأنها لم تخض للتو إحدى أعنف اللحظات البشرية...التي يُصبح بها الجسد في أكثر لحظاته حَسَاسية، مُفرزا هرمون الإندروفين ليُشيع في كل حواسه سعادة لا مثيل لها...فتُرفع نبضات القلب لتصل مداها ويُسمع صداها كمُفرقعات العيد... رافعةً معها سخونة الجسد الحساس لكل حركة من الشخص المُقابل... ما زالت نظراتها عليه وعقلها يُحلل كل تلك المعلومات التي كُررت مرات ومرات على مسامعها...سواء من حديثٍ عابر لساشا وزميلاتها، أو من فضولٍ اعتراه يومًا عندما كانت تملؤها تلك الأحلام الوردية عن القبلة الأولى، عن الأحاسيس المذهلة التي سوف تعتريها...لكنها لم تستشعر أيّا من ذلك...الهدوء فقط ما يجول داخلها...لولا دقات قلبها الرتيبة لاعتقدت نفسها ميتة.
ويا له من وضعٍ لتلقى به ربها؟

أمالت رأسها مُحدقةً أكثر في ملامحه المضطربة...ببرود... لم تستشعر دقات قلبها الصاخبة كصخب دقاته الذي يُظهرها تنفس صدره القوي...ولا الخجل من قبلته لها...كخجله هو!
لاشيء...الخواء فقط كان شعورها!
التفت أمامه بارتباك، ألم يكن جيدا لها كما كانت له؟؟
سؤالٌ تبادر لذهنه من برودها، كجُثة فاقدة الروح بدت له...لعن بصمتٍ وعدم خبرته جعلت ثقته بنفسه تتضاءل لتصل للحضيض بعدما رفعته القُبلة لعنان السماء...ليُسقطه برودها وتتلقفه الأمواج التي زاد ارتطامها مع الصخور قوة... بأصابع مُرتعشة كان يبحث عن مكان المفاتيح ليُدير المُحرك... عائداً بهما.... لم يتحدثا وكأن لا شيء حدث بينهما.
بهدوء عادت لإسناد رأسها.... لتُحس بعلية السيارة تُفتح ...يحتاج لكل ذرة برد كيلا يعود وينقض عليها...ليجعلها تغرق في ذلك الإحساس الجميل الذي أغرقته به منذ اللحظة التي تماست شفتيهما.

أغلقت عيونها باسترخاء استحقته ... لترفع ذراعيها عاليا وبرودة جو المحيط يُداعبهما.... أطلقت زفرة راحة...ليبستم وقد حصل على ردة فعلٍ مُرضية في الوقت الحالي لكبريائه الرجولي...فليس من العدل أن يكون الوحيد الذي أطاحت بصوابه شفاهها الناعمة المُكتنزة...والتي فارقها بصعوبة.
ابتسمت ظافرة...لو لمح تلك الإبتسامة كان سيهربُ بعيدًا... كانت تحمل من السادية الكثير... وضحيتها لم تكن إلا روحها!!
تنفست بعمقٍ دون ان تُغادرها تلك الإبتسامة التي أظهرت صف أسنانها اللؤلؤي...بين شفتين حمراء جدا...وسط ذلك الوجه الشاحب جدا جدا... فقد وجدت كيف تُهدئ تلك الآلام في جوفها.
كيف تُصبح روحها...في مرتبة جسدها...ليتساويا!
***

-" تستطيعين النوم بهذه الغرفة أنت وزوجك سارة.... وريد سينام في مكان الطفلتين.... والدهما لن يستطيع مفارقتما الليلة.... يمكنك استغلال غرفتهما كيفما تشاءين... "
- " شكراً سيدتي...لكن أفضل أن ينام وريد بجانبي، هو لا يستطيع النوم لوحده في مكان جديد...."
- " هل تحتاجين لشئ آخر؟!" أكملت بتشتت وعقلها مع القابع في الغرفة الرئيسية حاضنا بناته
- " منامة من فضلك.... ملابسي لم يُنزلها معاذ من السيارة "
- " سأرى ما يناسبك عندي...." قالت وهي تُهرول خارجةً... دخلت الغرفة المنيرة لتجدهم يغطون في سباتٍ...خففت الإنارة وهي تدعو له بالسكينة وراحة البال.
غابت لعدة دقائق، لتأتي بمنامة قطنية قصيرة.... بالكاد تصل لمنتصف فخذيها. -" أتمنى أن تكون مناسبة.... وهذه منامة لينا... وهي جديدة غير ملبوسة والدها أحضرها لها من احدى سفرياته خارجا...تعرفين الآباء والتسوق... " اضافت وهي ترفع منامة طفولية برسومات سيارات شرطة... كانت ذكورية جدا... " جربيها لوريد...فهي أريح له من تلك الملابس... "
- " شكرا لك "
ابتسمت لها بتعبٍ لتستأذن.... مغادرةً حيث مصطفى والبنات نائمات حوله...بينما هو... صدمة ما حدث لم تُغادره للآن...ليبدو بملامح طفل مركون في الزاوية...ينظر بخوفٍ لشيء ما في الظلام...دون أن يستطيع الاقتراب او الابتعاد...كانت تتحامل على تعبها تُذكر نفسها أن الأصعب قد مر...فلتتحمل قليلا فقط وكل شيءٍ سيكون بخير.

- " تعالى وريد.... يجب أن تستحم وتصبح برائحة زكية...فحظوظك بالحصول على جميلة كبيرة اليوم.... لا أقصد تلك المرأة التي تبدو كجنية بشعرها الأحمر...وعيون ملونة.... لا...أنا أقصد تلك النسخ التي تُحيط بها.... " شخر وريد بسعادة...وهي تضعه في المياه الدافئة...." لا تنكر ذلك... لقد رأيت نظراتك أمام المنظر أيضاً... كنت أحولا هناك وأنت تنظر دون أن تستطيع ابعاد عيونك.... لكن الجميل في كونك طفلا...أنك تعودت بسرعة... بينما أنا لم أستطع للآن أن أُبعد نظراتي عنهن.... هل تعلم.... أجزم أننا لو أتينا في وقتٍ أبكر...وحدث معهم ما حدث.... كنت سأتهم نفسي أن عيني أصابتهم.... ما شاء الله... سبحان الخالق.... هل رأيت كيف ينظر إليها زوجها.... وكأنها الوحيدة في الوجود.... أنا أغبطها...."سكتت قليلا وهي ترفعه من المياه، ملفوفا في منشفة كبيرة توجهت به للغرفة وهي تكمل في عدم تصديق " شعرها طويل جدا.... هل رأيت بطنها وكأنها أختهن وليست والدتهن... أجزمُ أن والدكَ ...."
- " تجزمين أن والده ماذا؟!" قاطعها دخول معاذ للغرفة...  يفتح بتعب أزرار قميصه...مُنسلا إياه من أسفل سرواله الأسود.... ليبدو جذابا لعيونها.... أبعدت نظراته عنه لتهمس:
- " هل أحضرت الحقائب؟!"
- " آخ... " همس وهو يضرب جبهته " كنتُ أحس أنني نسيت شيئاً..." وضع قميصه بإهمال على أحد الكراسي وهو يُكمل فاردا عضلاته بتعبٍ" لكنني متعب ولا أستطيع العودة للسيارة... هل تحتاجين لشيء ضروري؟!"
- " لا ليس بالضبط... ان كنت تريد الاستحمام هناك منشفة في الرف الثاني على اليمين "قالت وهي تضع وريد على السرير...

- " أحس بالتعب...رأسي يكاد ينفجر... أريد فقط أن أنام..." قال وهو يتخلص من حذاءه ثم سرواله ثم استلقى على جنبه معطيا لوريد ظهره...الذي غط في النوم بمجرد وضعه في جهتها من السرير...بمجرد أن لمت ملابسه المبعثرة...توجهت للحمام، شخير معاذ كان قد علا في اللحظة التي انهت بها من الاستحمام...وبخفة كانت تندس بجانبه...وقد رحبت بالظلام الذي يحيط بالغرفة إلا من الأباجورة القريبة منها... ومنامتها كانت فاضحة جدا... لا تُريد أن تسمع أي تلميحات من معاذ أنها تُحاول أن تبدو جميلة.... لأنها كانت كذلك فعلاً!
فكرت وابتسامة عريضة تزين وجهها...حتى أنها لن تُمانع أن تنظر لشكلها في المرآة العريضة في الحمام...مرات ومرات.
- " أطفئي الإنارة سارة..." همس معاذ بتعب ولم تلحظ أن شخيره قد توقف فجأة.
- "حسناً... تعال أنت لهذه الجهة حبيبي... فلن تعرف متى ستتلقى ضربة من والدك..."
رفع رأسه ينظر باتجاههما...لابنه الذي نقلته من وسط السرير لأقصى اليسار.... وهو يستمع لكلماتها تُخاطب ولدها النائم
- " أنا لا أتحرك في نومي..."
- " نعم...وكأنك تدرك ما تفعله أثناء نومك...."
قالت وهي تميل لتُطفئ الإنارة بجانبها... دون أن يغفل عن ملاحظة مفاتنها البارزة...
- " هل حقا ما تقولين...."
- " نعم معاذ...إضافة لشخيرك الذي يملأ المكان، أنت تتحرك كثيراً ومرات ترسل أطرافك لأبعد نقطة.... أتمنَى فقط أن تتذكر أن هذا السرير الصغير.... يحوي ثلاثتنا وتلتزم بمكانك "
- " بل قولي أربعتنا...."نبرته جعلتها تنهض مجدداً تضغط على زر الإنارة... ثم تنظر إليه...هامسة بحنق
- " ماذا تعني..." قالت وهي تنظر باتجاهه... ليشير لأسفلها...
- " هذه...  نامي على بطنك...وأقسم لك أن المساحة ستكفينا جميعا "
- " أنت لا تُطاق...هل تسمع... لا... تطاااااق...." قالت بفحيح لتُعاود الاستلقاء وتنام بأريحية... لتجعل ظهرها يلتصق أكثر بظهره في لفتة لإزعاجه..." هذه مُلتصقة بي...إن كنت منزعج منها...فاذهب وجد لك مكانا آخر لتنام به...."
- " نانانانا...." قال مقلدا ومستفزا لها... ما جعلها تقترب أكثر حتى كاد يصل للحافة....
- " ستسقطينني يا مجنونة...." قال بمرح
- " جيد." همست بغضب...دون أن تُعير انتباها لنبرته المرحة والمُسترخية.
وأخيرا انتهت من الفوضى في الأسفل...وقفت تنظر لعائلتها...رجلها ينام وسط السرير.... إحدى بناته تنام على بطنه ويُحيطها بذراعه بتحكم وأخرى تستند على ذراعه المفرودة... بجانب اختيها الأخيرتين...  ابتسمت بحزن وهي توقن أن حبيبها مازال يُعاني من عقدة الفقد.... يخشى أن يفتح عيونه ليجد نفسه في تلك الغرفة من منزله القديم... وحيدا وباردا.... والدفيء الذي تسلل لقلبه من وجودهن مجرد حلم غاص فيه...ليستيقظ منه وحيدًا... ميت في جسدٍ حي !!
رفعت ليال ثم أختها لتضعهما في مهمدهما بجانب سريرها... في اللحظة التي رفعت يده المُحيطة بالأخرى...كان يستيقظ فزعا:
- " باسم الله الرحمن الرحيم...  أنت بخير حبيبي "
فتح عيونه يُحدق بها...ليهمس لها وهي تهم برفع طفلتها
- " دعيها...لا أريدها بعيدا عني...أرجوك.... الليلة فقط "
- " هي غير مستوية هكذا." قالت وهي تُمسد شعره لتُرجعه للوراء...لتستطرد بحنية وكأنها تتكلم مع إحدى صغيراتها " ما رأيك أن أضعها قرب أختها على السرير... ستكون قريبةً منك... وتنامان براحة أكثر"
كطفلٍ مطيع أشار برأسه موافقا...لتحملها واضعةً اياها بجانب اختها الأخرى.... ثم تنام في أقصى السرير...يُحدقان في بعضهما... بحركة لا إرادية كانت قدماه تبحثان عن تواصل معها...لتتشابك قدميهما...وعيونهما تنزل لتنظر للتوأم الذي يُفرقهما...لكنه يجمعهما برابطٍ خفي...متين وهما أول اتحاد لهما، وحبهما العنيف الذي لا ينضب تمثل فيهما بنفس لهيبه...ونقاءه.
- " لن أستطيع العيش بدونك..." همس وعيونه ترتفع لتنظر باتجاه عيونها" لا أستطيع حتى التفكير بحياتي كيف ستكون لو لم تندفعي ذلك اليوم لتُعانقيني مُكسرة كل العراقيل التي بنيتها حولي... "
- " ششش...نحن هنا...ونحبك جداً... " همست
- " أنا آسف. " همس بحشرجة " لم أستطع تجنيبهما بشاعة المنظر.... " قاطعته وهي تُحاول طرد بشاعة اللحظة التي مرت عليهم... ولينا تصرخ باتجاههما بمنظرها الدموي...لتُسرع خارجة وتجد لين تُعانق الكلب روكسي الغارق في دماءه... ومازال صوت أنينه يخرج منه... الدماء تتدفق بقوة من عنقه لتطال ابنتها...وقد أدركت أنها تُودعه... وهو الذي رافقهما منذ كانتا رضيعتين ليُصبح فردا مهما في حياتهن.
-" حبيبتي تعالي ... لنذهب لنُحضر له الطبيب..." همست جميلة تُخاطب ابنتها برقة
-" لاااااااااا... الدم مامي...الكثير من الدم..." صرخت ابنتها بقوة وهي تتشبثُ أكثر بالكلب.
-" مُصطفى..." صرخت بقوة ولم تعرف كيف تتصرف...لتحمل ابنتها بعنف آلم الصغيرة وتُدخلها للمنزل... وبكاءها زاد حدة...حيث مصطفى ينظر أمامه في رعبٍ... ولينا مازالت تتشبثُ به في خوفٍ.
-" مصطفى حبيبي...أنظر هما بخير...أنظر..." همست وهي تقترب منه رافعة لين تُحاول السيطرة على رغبتها بالعودة.
شهق بقوة يُبعد تلك الغشاوة السوداء التي أحاطت بعقله.... لتُرجع له ذلك الاحساس القديم الذي يتلبس في كل مرة اقترب منه شخص ينوي عناقه... " أمسك بها...سأرى ما به روكسي.... هو غارق في دماءه"
نظر باتجاهها تحمل إحدى بناته تُقدمها له...في ثانية شك أنه يستطيع حملها. كان يخشى أن ذراعيه ستلفُظها بمجرد ما حملها...لكن جميلة دفعتها بعنفٍ وغضب اتجاه حُضنه... ليتشبث بها كغريق
-" روكسي. ؟!!. " همس بصوتٍ أجش بعيد.... كأنه لا يُصدق ما علاقة روكسي بكل هذا الأمر...
لكنها لم تقف لتُجيب عن تساؤله بل أسرعت عائدةً خارجا...حيث خرير الكلب يصلها، والدماء توقفت عن الضخ في الجرح البشع في عنقه...
-" روكسي..." همست بحشرجة...والدموع تخلق غصة تمنع استرسالها...فتح عيونه ينظر إليها.... وكأنه يودعها، دماؤه تحيط به لتُشكل خريطة على الأرض... نزلت دمعاتها وهي تتذكر أول مرة التقت بهذا الضخم... " أنا آسفة لأنني لم أسمعك...." صوت نباحه الضعيف القريب من المُواء أدمى قلبها وكأنه يخبرها أنه سامحها.... لتنغلق عيونه...ويستسلم للموت...
-" لقد مات...." همس ببرود وهو واقف خلفها...وكأنه يخشى الاقتراب...يتذكر اليوم الذي قدمه له والده...كان يُشبهه جدا...مريض ومنبوذ...كانا صورةً مُختلفة للوحدة...رغم كل البرود الذي أحاط به نفسه...كان "روكسي" معه...يُحاول أن يُرسل القليل من الدفيء لقلبه...وقد نجح كثيرًا...
قتلوه!!
الفكرة آلمته...ليُذكروه انهم مازالوا هنا...يُراقبونه وقد كانت جرأة منهم ان تكون رسالتهم من وسط داره...كي تكون مقروءة جيدًا...وقد فهم مغزاها جيدًا...الكلب ما هو إلا بداية!!
رفعت عيونها باتجاه مصطفى الصامت فجأة... ملامحه منحوتة كالصخر، وبرود أصابها بالصقيع ونظراته تُمشط المنطقة... لتهمس تكسر الصمت السائد بينهما...
-" كانت لين تعانقه بقوة.... أتمنَى أن تكون قد خففت عنه بعضا من آلامه" قالت وهي ترتفع لتُحيط خصره بقوة ...طبع قبلةً أعلى رأسها ولف ذراعه حولها... بقوة أكبر وعيونه على دماء الكلب وما يُحيط بها... انسل هاتفه المحمول الخاص بعمله...وضغط على الزر...قائلا بعملية
-" تعالى أنت والفرقة B لمنزلي...حالاً"
ثم أنهى المُكالمة بضغطة زر دون ان يهتم بسماع رد الآخر... وعقله الذي أعاد اتزانه برؤية بناته سالمات لمح عدة خطوات لحذاء رجولي.... والتي تنتهي عند الحائط الملتصقة به عدة شجيرات.
-" هل كل شيء بخير؟!" همست جميلة وهي تنظر إليه بفضول
-" أتمنى ذلك حبيبتي...أتمنى " قال بتحفظ ...وعيونه مازالت تُمشط المنطقة... عيونها عليه.... كم تكره عندما يتحول لذلك العسكري الذي تدرب على إخفاء مشاعره...حتى هي الأقرب إليه من نفسه كانت تعود خائبة وقد فشلت في تصديع الجدار الذي تدرب جيدا على الإحاطة به في وقت العمل... وهذا يُرعبها...وجداً!!
-" أين البنات؟!" همست بقوة وقد تذكرتهما
-" والدتي معهما..." همس بهدوء وقد كانت ممتنة أن والدته في البيت... ليسمع رنين الجرس، وقد شك أن يكون زملاؤه قد وصلوا في هذا الوقت القياسي...  أغلق الباب الزجاجي خلف جميلة التي أسرعت باتجاه غرفة البنات.... لتجد جدتهما قد تكفلت بوضعهما في الحمام...
- " روكسي المسكين" همست وهي تجلس على أحد الأسرة... تنظر لحماتها التي أخرجت الثياب التي تكسوها دماء الكلب واضعةً إياها في كيسٍ بلاستيكي" لا أفهم من يستطيع إيذاءه.... هو كبير حتى النباح لم يعد يستطيع اخراجه كالماضي..."
- " لا أصدق...كان بمثابة فرد من العائلة... زوجي رحمه الله من وجده.... هزيلا مكسور الساق. ولم يأكل لأيام بسبب إصابته.... كان الصديق الوحيد لمصطفى كان مرهقا ويحتاج لصديق...والكلب كان أفضل ما حصل له يوما... لم أكن اتوقع أن يعيش كل هذه الفترة... "
- " الفتيات تعلقن جدا بالكلب... " همست بحزن وهي تتذكر صرخاتهما الممزوجة بنباحه ومصطفى يتبعهم راشا عليهم المياه.
- " لا بأس... بعد مدة سيتأقلمن مع فُراقه...ما زلن صغيرات على الألم"
- " مصطفى يظن أن الأمر مدبر..."
- " لا تهتمي لابني.... فدائما هو متوجس من كل شيء...وكأنه الوحيد المتزوج وأب..." نظرت إليها بنظرات ذات مغزى... " عليك أن تحدي من تعلقه المهوس بكن.... لو وافق على أخدي البنات اليوم لم يكن أي من هذا حدث.... "
- " وماذا سأفعل خالتي...تعرفين أنه قليل ما يكون متفرغا.... واليوم أخذ اجازة من اجل قضاء الوقت معهن...."
- " لا زلت مصرة أن آخذهن معي..."
- " حسناً خذي الصغيرتين.... لا أظن مصطفى سيستطيع النوم ولين ولينا بعيدتان عنه...خصوصاً بعدما حدث..."
- " مصطفى مصطفى مصطفى... أنا أيضاً جدتهن ويحق لي بتدليلهن في منزلي.... وتعرفين أنني لا أستطيع أخذ التوأم الصغير.... ما زال يحتاجك!! أعرف أنكِ تستطيعين تغيير رأيه...لكنك لا تُريدين."
رفعت جميلة كتفيها بقلة حيلة وأسف...فهي حقًّا لا تستطيع.
فمصطفى عنيدٌ فيما يخص بناته!!... لتكون وجه المدفع الدائم بين الأم وابنها...وفي الأخير اللومة تأتي عليها!!
لو تثق فقط والدته ان لا علاقة لها بتعلقه الهستيري ببناته...وأنها نفسها تخشى كثيرا وهي تلمحه يُراقبهن...أن يحدث لهن شيئًا...لان ساعتها... ستفقده أيضا!!
- " هن قويات لأنك والدهن...." همست وهي تعود لحاضرها. ابتسم لها...كجنية بعصًا سحرية.... تجعل آلامه تختفي...
- " أريد أن أقبلك الآن..."
- " لماذا لا تُقبل... " سكتت تُخرج قلادة الطفلة التي تحمل اسمها..." لينا وأنا أقبل لين.... وستمرُّ كل قبلة عبر يديهما المُتشابكة.... لتصل لكل واحد قبلة الآخر" ضحك من فكرتها الطفولية وهذا سرّها ...عيونها عليه بينما عيونه على التشابك التلقائي لأيدي بناته...الذي يعجزان على فهمه...حتى في قمة استغراقهما في نومهما كانتا تبحثان عن بعضهما.... لتستكينا وكل واحدة تجد الأخرى...
- " لا.... هذا لن يكفيني..." قال وهو يطبع قبلة على أعلى قمة ابنته وهو يُبعد رأسها عن ذراعه التي أحس بألم والدماء تُعاد إليها بعد خذر.
-" تعالي..." أمسك بيدها يوقفها... ويخرج بهدوء ويتجه بها نحو الأسفل... كانا يعرفان مكان خطواتهما، لم يستطيعا إبعاد أيديهما عن بعضهما تحت الإنارة الخفيفة لمصابيح جانبية صغيرة... البيت يلفه السكون في هذه الساعة المُتأخرة...وقفا في الردهة التي تؤدي لغرفة المكتب...لتجذب يده بعنف تجاوب معه وتُلصقه بالحائط، لتبدأ تقبيله بعنفٍ احتاج له...
- " تُذكرني بأول قبلة لنا...." همست وهي توجه شفتيها لعنقه.... تستمتع بالشعور الذي تجعله لمساتها يشعر به... ضحك بخفوت وهو يهمس لها...
- " أظن أن الأدوار انقلبت هنا...."
كان عنيفا وهو يدور ويُلصقها بالحائط... انفاسه الثائرة الساخنة تخرج عنيفة من فمه القريب من اذنها ... يضغط عليها بقوة دون أن يأتي بحركة..." أريد فقط أن أحس بك قريبة مني هكذا..." صدره الصلب العاري مُسيطر عليها... دون ان تستطيع أن تطلب ابتعاده ووزنه أصبح يُؤلم أضلعها.
-" أنا هنا...دائما وأبدا..." همست تُرسل لجوارحه الاطمئنان ... وكأن همستها عرت عن خوفه الذي يمقته...ليُظهره ضعيفا أمامها...كان ينقض عليها مُقبلا إياها بقوة وعنف...وكأنه يسعى لإبراز قوته أمامها...أو يسعى ليُنسيها لحظات الضعف التي تشله كلما كان الأمر مُتعلقا بحمراء وشبيهاتها.
كانت تعلم ما يسعى لإثباته...تعرف من قبلاته المتطلبة قوة رعبه مما حدث اليوم، كما تعلم نقاط ضعفه كلها...لكنها تعرف أيضا كيف تجعله فخورا بقوته كرجل... كيف تُظهر له ضُعفها وإن اضطرت لاختلاقه...كيف تجعله ينفخ صدره بفخر، وهي تُحسسه أنه رجلها...القوي وهي أنثاه الضعيفة...التي مهما بلغت من القوة تحتاجه دائما... مهما وصلت قوتها الداخلية أضعافًا...فهي في مُقابل قوته الجسمانية لا تُعادله .... وإن أرادت !!

كانت تستخدم ذكاءها الأنثوي...الذي مهما بلغت قوتها تُظهر لرجلها أنها تحتاجه... هو أمانها!
- " أنت بطلي.... وأنا أحبك جداً جداً "
همست بضُعفٍ مس كيانه الرجولي... ليزأر بخشونة ولمساته تتحول لرقة. وقبلته العنيفة التي علمت بألم جسدها كانت تُقبلها بأقصى لطفٍ استطاع الوصول إليه... كالسحر بهمسة منها كانت تقلب كيانه لنقيضه.... لم يهتما للوصول لغرفة المكتب.... همساته بجمالها ورقتها توصل بأنوثتها لعنان السماء...بعيدان عن كل ما يحيط بهما...غارقان في بعضهما... دون اكتفاء!!

عيونها تنظر للهفته عليها... كيف كانت جريئة في اظهار رغبتها بزوجها.... كيف كانت واثقة...مُتمكنة... وقوية وهي تفرض هيمنتها عليه...كيف كانت بين يديه كخزفية نادرة يُحاوطها بكل حب واهتمام؟؟
عادت للغرفة لتجده يحتل مكانها الذي تركته بعد أن عاد وريد للنوم...وقد ملأت زجاجته الفارغة من الحليب ...تحسبا لاستيقاظه مرة أخرى.
لتراهما...!
ويا ليتها لم تفعل...يا ليتها استمعت لتأنيب ضميرها الذي يُؤنبها لسوء تصرفها وهي تسترق النظر لخلوة زوجين ... لكنها أسكتته!!
بفضولٍ أن تعرف كيف يكون التواصل بين عاشقين...والذي لن تعرفه يوماً... فنظراته نحوها...تختلف عن نظرات معاذ نحوها...التي تُغلفها الرغبة فقط...بينما نظرات مصطفى لجميلة كانت روحانية...وكأنها لمُتعبد... كيف كانت تحرسها بحبٍ...وتُحاوطها بعشقٍ!
أنفاسها أُخِذت بعزف جميلة...وكأنها تعزف لحنا شجيًّا...ساحرًا.
رأت قوة جميلة وهي تقوده...لتُسلم له القيادة دون أن تُسلمها له فعلًا...كيف كانت مُحنكة تعرف كيف تُثير رجلها... لتجعله مُتعلقاً بها.
أرادت ذلك بشدة !!
ضربت كل قرارتها السابقة أرضا... تُريد تلك الشرارة في حياتها مع زوجها... ربما هي السبب في كل ما يحدث في حياتها...ربما لأنها سلمت مقاليدها لرجل، وكانت من يجب أن تتسلمهم هي... تُريد أن تكون جميلة!
اقتربت منه.... تنظر لملامحه المسترخية...هو زوجها، ربما لو أعطت فرصة لحياتهما وقبلت منه الفُتات سيرى انها لا تُشبه غير نفسها...وسيعشقها.
اقتربت تنوي تقبيله.... لكنها ليست بقوة ولا بجمال جميلة.... التي أخذت من اسمها كل شيء...
لكن مشاعرها وهي تتذكر ذلك التلاحم الروحي لهما طغى على كل شعور...وهي تضع يدها على صدر معاذ العاري وتحركه.
- " معاذ...معاذ..."
ما إن فتح عيونه ينظر إليها بتشويش حتى همست بسرعة خوفا من أن تخذلها شجاعتها:
-" أنا أريدك..."
جعد بين حاجبيه في عدم إدراك.... لتتسع عيونه بصدمة:
- " تُريدينني...؟!!! كيف تريدينني؟!... هل أنتِ مجنونة؟ "
- " نعم أنت زوجي.... وأنا أريدك" أجابته بكل تلقائية ترفع وجهها لأعلى لتجعل ثقتها بنفسها لا تغادرها
وجه نظراته حيث يرقد ابنه.... ليقول وهو يعود للاستلقاء
- " نامي سارة.... فلسنا في بيتنا لتتصرفي بتلك الطفولية.... " ليرفع الغطاء على وجهه يدعي النوم...وعيونه متسعة بقوة.... طلبها فاجأه جدا.... كيف تطلب منه بهذه البساطة أن يأخذها...نظرتها إليه كانت تحمل القوة والإصرار على تدمير ما تبقى منه.
في داخله.... طلبها أرعبه!

في أقصى توقعاته لم يظن يوما أنها ستُطالب بحقها منه... وهذا أربكه جدا... أحس بالسرير يتحرك، ثم تُغادره...ليُبعد الغطاء مدعيا النوم بينما هو يُحدق بها...كيف تنظر لنفسها في المرآة.... لن يُنكر أنها تبدو جميلة جدا... بمفاتنها التي برزها قماش منامتها... لتبدو خلابة لعيون أي رجل...تتحسس وجهها بأطراف أصابعها ثم شعرها...لتبتعد قليلا تميل ناظرة لجسدها...طويلا حتى اعتقد أنها ستبقى كذلك للأبد.

ثم بهدوء عادت للاستلقاء بجانبه...وتُعطيه ظهرها
- " سارة... ماذا حدث؟! " همس بهدوء وهو ينظر للأعلى
- " لا شيء... " همست بنبرة تحمل الفراغ... لتستطرد " أنا...أنا فقط فكرت في الموضوع...سأقبل الفُتات منك...!"
(لا تبكي...لا تبكي...لا تبكي...)
تهمس لنفسها بقوة زامةً عيونها بقوة...تُحس بتحديقه بها... وضع يده على كتفها...ليُحس باهتزازها... أشرف عليها ينظر للدموع التي انطلقت لتختفي بين شُعيراتها السلكية.
رفع ابنه يضعه على الأريكة الصغيرة بالغرفة ودثره جيدا...ثم عاد ناحيتها...ما زالت على نفس وضعيتها ... وقلبها يضرب بعنف... وصورة أخرى كانت تُمثل الكمال بالنسبة لها تُهاجمها...!
اتجهت نظراتها نحوه وهو يميل باتجاهها... وببرود كان يُقبلها... لكنها لم تكن ما توقعته منه... كانت باردة...لم تكن أبدًا تلاحُمًا روحيا...بل فقط مجرد مُقبلات ...لشيء أبرد.
بعد فترة من الوقت... كان يبتعد عنها جارا معه جزءٌ من الغطاء. ويعطيها ظهره ويستغرق في النوم!
وهي... تضع يدها على فمها تمنعُ شهقتها من الخروج.

***

- " أراهن أن الحناء لم تبقى مُلتصقةً طويلاً على ظهرك..." قالت الطبيبة بمرح لسارة...وهي ترفع رجلها عاليا... لم تُجبها هذه الأخيرة وهي تكتم انين مُتألم والطبيبة تضغط بقوة على رجلها للأمام...وبعد أن دونت عدة ملاحظات على لوحها الإلكتروني... ساعدتها على الجلوس لتستطرد " جدتي أخبرتني أنه إذا بالعضو كسر فالحناء تبقى مُلتصقة به حتى يلتئم الكسر...ليُنزع لوحده"
أجابتها سارة هذه المرة... وهي تنظر بتعجب لساقها التي ترتد في كل مرة كانت تضرب الطبيبة قرب ركبتها بمطرقة من المطاط
- " أسبوع أو أقل..."
- " هذا لأن ظهرك لا كسر به... هل تعتقدين أنك ستستطيعين أخذ خطوة أو حتى الجلوس لو كان هناك تشقق ولو صغير؟!"
نزعت الطبيبة القفزين من يديها، لتبتعد بكرسيها بعيداً عن السرير الذي تستلقي به سارة...بلباس المُستشفى بعدما قامت بمجموعة من التحاليل على مُستوى ظهرها
- " أنتِ فقط تُعانين من إجهاد شديد..." نظرت باتجاهها لتستطرد " اهتمي براحتك يا فتاة...لا تُجهدي نفسك فلا شيء يستحق...كما يجب أن تقومي بحمية غذائية لأن الوزن الزائد من مسببات آلام الظهر.... أنت ما زلت صغيرة.... والوزن الزائد سيجعلكِ تُعانين كستينية...."
أنزلت سارة عيونها أرضًا من الخجل.... هي تعرف أنها كما يسمينها الفتيات " بقرة" لكنها لا تستطيع التوقف عن الأكل خصوصا عندما تشعر بالتوتر... وقصرها كان عاملا كبيراً أن يظهر عليها الوزن بسرعة.
- " يا ابنتي.... لا تخجلي من جسمك ولا من طبيعتك..." قالت المرأة الخمسينية وهي تُحدق بها " أنتِ جميلة بطريقتك.... لكن من أجل مصلحتكِ يجب أن تنقصي القليل فقط... فأنت لم تلدي بعد... وبالتأكيد وزنك سيتضاعف في ذلك الوقت ولن تستطيعي السيطرة عليه.... وسيأتي دور كل مفاصلكِ.... والحركة ستكون رفاهية... هل تُدركين ما ستُنقذين منه إن أنزلت القليل من الوزن؟!"
- " نعم...." أجابت وعقلها يُصور ما تُخبرها به الطبيبة...." عندما تكون حاملاً "
-" سأكتب لك بعض الأقراص المهدئة ستُساعدك على الراحة.... لكن ممنوع حمل أي شيء ثقيل.... حتى وريد ممنوع عليكِ حمله.... وتتجنبي الوقوف أو الجلوس لساعات طويلة.... تحركي لكن بهدوء بدون اندفاع.... بالنسبة للعلاقة الحميمة لا داعي للامتناع عنها...لكن تفادي أي وضع قد يخلق ضغطًا على ظهركِ.... ك.." قاطعتها سارة وهي تقف لتقترب منها....
- " هل أستطيع أن أطلب منكِ طلب؟ " قالت وهي تجلس أمامها
- " هل تستطيعين أن تُخبريه أن الأمر، أقصد ..." سكتت خجلا
- " لا مُشكلة...سأشرح له بالتفصيل... " قالت الطبيبة دون ان ترفع رأسها عما تدونه... لكن همسة سارة جعلتها ترفع عيونها.
-" لا... أريدكِ أن تُخبريه أننا لا يُمكننا...أقصد...أنه لا يُمكنه....أنا لا أريد" حدقت بها الطبيبة مُطولا لتقول بتفهم:
- " ما تطلبينه بعيد جدا عن أخلاقي كطبيبة...لكن بما أنها رغبتكِ كميضة لدي سأُدخل الأمر في قانون سرية الطبيب والمريضة "
رغم أنها لم تفهم مقصدها...إلا أنها ابتسمت لها بشكر.
***
- " منذ مدة لم تشرفنا دكتور.... أم تريد أن نناديك يا شيخ..." قالت وهي تدلف للمكتب...تنظر لمُعاذ الجالس في مكتب يوسف وينظر بتركيز للصور الخاصة بالتصوير المغناطيسي لظهر سارة...يتأكد أن ليس هناك بروز أقراص فقرية أو مشاكل بالعظام أو العضلات... أو أي مشكل جدي آخر من شأنه أن يُشكل خطورةً عليها...
- " أهلا عُلا...كيف حالك؟!" همس دون أن يلتفت اتجاهها...وقد تناسى وجودها بمجرد أن دلفت.... ليعود لتركيزه الأول...
- " كيف ستظنني سأكون...خصوصا بعدما سمعت أنك تزوجت للمرة الثانية.... لم أكن أعتقد أنك ستفعلها بعد ورد..." لتسكت قليلا.... تنظر لابنه الجالس على السجادة والمجسمات الكيميائية التي كانت تُزين أحد رفوف خزانة يوسف أصبحت تحت رحمة وريد.... لتستطرد " يُشبهها كثيرا "
نظر إليها ثم لابنه الغافل عن أي شيء...إلا متى ستدلف تلك السارة من الباب؟!
- " للضرورة أحكام... " أجابها بابتسامة، وهو ينهض مُغلقًا الحاسوب أمامه...ليُقابلها.... تُعادله طولا بحذائها الطويل ذو الكعب العالي جدا... شعرها الأسود القصير وبشرتها البيضاء حد الشحوب.... بعنقٍ طويل يُزينه سلسال من الذهب الأصفر.... بقميصها الأبيض الناصع...والمكوي بعناية وكأنها قد وصلت للعمل للتو...وليس منذ ساعاتٍ طويلة.... والذي يختفي أسفل تنورتها السوداء الكلاسيكية التي تصل لأعلى ركبتها بقليل...
- " أنت حتى لم تتلقى اتصالاتي..." همست وهي تُحدق بفخرٍ أنثوي وهي ترى تأثره بما تراه عيناه.... كان رجلا أمام أنثى.... ليست مُتفجرة الأنوثة كورد...التي دائماً اعتبرتها ندًّا صعباً.... لكن تلك التي تقبع في غرفة الفحص.... لا حظ لها أمامها.... وهي عُلا الغزالي.... التي تعرفه منذ بداية عمله كطبيب... وهي كفردٍ بالكاد يُرى في الفريق القانوني للمستشفى... عاشرت مراحل تقدمه في وظيفته.... وعاشر مراحل نجاحاتها... ليُصبح من أمهر الأطباء وتتقلد منصب مُحامية المُستشفى لبراعتها ودهاءها...ودائما ما احتفلا بكل إنجاز حققاه... لكنها لم تستطع أن تتجاوز خانة الصداقة التي أدخلها إليها.... دون أن تستطيع منها الخروج!

والآن.... نظراته كانت جائعة.... لأنثى حقيقية تُقدر رجولته... التي مهما حاولت المدينة ترويضها إلا أنها لم تستطع.... برية جبال الأطلس كانت تنطق منه...وجرحه أعلى جبينه كان يُثيرها وهي تتخيل كيف ستُقبله وهو يُخبرها بصوته الرجولي القوي...كيف حصل عليه في إحدى مغامراته الوعرة.
- " لم أكن في مزاج لتلقي مكالمات أحد..." قال وهو يبتعد عنها... ليجلس أرضًا بجانب ابنه يحتمي به منها.... لن يُنكر أنها خطرت في باله " ماذا لو...؟! "
ماذا لو كانت مكان سارة...هل ستُثير به هذا الرعب؟
ليستعيذ من الشيطان وهو يُذكر نفسه أنه زوج أخرى... أخرى تجعله يتقلب كالجمر حتى الصباح... دون أن يستطيع فهم ما الذي يُريده منها بالضبط!!
عُلا...كانت تُناقضُها ...أقرب لنسخة باهتة عن ورد... لكن ليس سارة...فليس هناك مثيلا لها...
تلك التي تدفعه بعيدًا عنها بكلمة...لتصفعه بأخرى وهي توقظه في منتصف الليل تُخبره بكل هدوء أنها تُريده...تُريد حقها منه كاملا...مرر يده على صدره حيث علمت لمساتها ليشتعل الآن ... حتى أنها لم تستخدم أي وسيلة لإغوائه... فليترحم على روحه لو تعلمت ما تستطيع الأنثى تفجيره في رجل بقليل من حنكتها الشيطانية... لكنه لم يستطع إلا أن يُلبي طلبها.
كان يبذل كل طاقته كيلا يترك العنان لنفسه...ويُظهر أن جزء منه سعيد جدا بطلبها... لكن في سعادته كانت خيانة لأخرى.
تلك التي ايقظته البارحة كانت أيضا بعيدة عن " سارة" التي يعرفها...كانت خانعة وكأنها تبحث عن شيء ما وعقلها بعيد عنهما.
وعندما اكتفى من الصراع مع شعوره تُجاهها...واكتفى أكثر من استفزازها لتعود تلك الشعلة العنيدة التي يعرفها...كان يبتعد عنها!
ليبدو الأمر باهتا لكليهما... ويتركه جائعا أكثر لها. !!
- " لم أكن أحدا يا معاذ.... أنا عُلا.... سنوات ونحن معا...ولم تكن سنة او سنتين..." قالت تُخرجه من الدوامة التي ابتلعته لتتحول نظراته لأخرى أرعبتها، غاضبة، ناقمة.... والأكثر راغبة...وهي تجزم أنه يتذكر ورد ... وهي ليست ندًّا لها ولن تكون...حتى في مماتها!!
- " ماذا تريدين علا؟!..." قال بحدة...لتخف حدته وابنه ينظر إليه مُركزا في ملامحه " أنا رجل متزوج... ثم حياتي هناك لا تليق بمثيلاتك..."
- " أنت لا تعرفني لتقول هذا..." همست ورغبة البُكاء تُهدد بالانفجار
- " لأني أعرفك أقولها ...حياتي هناك ليست سهلة...ولن تكون عليكِ عُلا...هناك سيجدر بك طبخ كل شيء بيدك... في وسائل بدائية... أخبريني كم مرة في حياتك قمت بالعجين أو غسل الأواني...أو الطبخ على مقود الخشب...."
- " إذن كنتُ احتمالا واردًا...لو فقط... " قاطعها... ومن خلال الجدار الزجاجي كان يلمحُ سارة قادمة برفقة الطبيبة فيروز... تتضاحكان وكأن كل شيء بخير. تخلفت هذه الأخيرة قليلا لتسبقها سارة مُدلفةً لداخل المكتب...وعيونها الفضولية على عُلا... ليقول بغضب مُحدقا في عيونها التي تحول الفضول بها لألم:
- " كل النساء كانت احتمالا واردا عُلا.... لأن التي أحببتها قد ماتت.... فلا فرق بينكِ.... وبين أخرى.... في شيء!!"
……….

(...لأن التي أحببتها قد ماتت.... فلا فرق بينكِ.... وبين أخرى.... في شيء!!)
لم تغب عبارته عن بالها ولو ثانية...ما زالت تحفرُ داخلها...وكأنها في تحدٍّ أي عباراته سيكون جرحها أعمق!
-" ما رأيكِ ان نأخذ الأطفال للبحر... بناتي يحتجن لتسلية " قالت وهي تُشير لبناتها المُتعانقات امام الباب المؤدي للحديقة الخلفية...ينتظرن ظهور " روكسي" وأمامهن وريد الذي يتحدث مع مصطفى بفخر وكأنه أصبح رجُلا يُحسن التحدث كالرجال...
رفعت سارة عيونها المُتعبة لتُحدق بجميلة...المُشرقة التي ترتدي قميص صيفي بحملات عريضة... عريض يُظهر بشرتها المُتوهجة في اللون الفيروزي وسروال من الجينز الأزرق واسع ... مطوي ليصل لفوق كاحلها بقليل مع صندل خفيف.
بينما هي ترتدي منامة منزلية عريضة ...كم تبدو باهتة المنظر أمام الشعلة النارية أمامها...لن تتساءل بعد الآن لما مصطفى مفتونٌ بها!!  ومن لن يكون !! وهي المعنى الحرفي لكلمة فاتنة.
أن كانت الفتنة على شكل إنسان...فهي جميلة!
والآن .... هي تعرف لما معاذ يكره الاقتراب منها بالطريقة التي تُريدها هي...ومن سيُعجب بامرأة مثلها... الأنثى داخلها انكمشت على نفسها في مكانٍ مُظلم تخشى الظهور.
-" لا أعرف...أنا لم أُخبر معاذ..."
همست بتردد رغم الفضول الذي يدفعها لرؤية البحر مباشرة... لكن حالتها النفسية تدفعها للاستلقاء فقط....
-" لا تهتمي...سأتكفل بالأمر."
لتجري كطفلة صغيرة باتجاه الحديقة حيث مصطفى ... الذي يغسل المُتبقي مما خلفه رجاله...ومنذ البارحة وهذا الصباح ورجال الشرطة يدخلون ويخرجون....
هي وجميلة محبوستان في المطبخ.... حتى أنها لم ترى معاذ منذ عودتهم من المستشفى في الليلة السابقة.... ليُعلمها قبل نزولها ووريد من السيارة أنه سيبيت في شقته...التي جزمت أنها التي سكن بها وورد.... عيونها السارحة ما زالت على جميلة.... التي بمجرد ان سمع مصطفى همستها باسمه كان يلتقي بها بالدرج الكبير المؤدي للحديقة...
نظراتها لم تستطع أن تبتعد وهي ترى تناغشهما...ليرفع يده للأعلى يُبعد الهاتف ...بينما هي تُحاول الوصول إليه...وبناتهما تُصفقان لوالدهما... لينظم وريد للتشجيع... عيونها ظُللت بدموع...وهي تنظر كيف وريد وإحدى بناته يُحاولان مُساعدة جميلة... ليتسابقوا خارجا نحو آلات مصطفى... لم تره يوما يتصرف بهذه الشقاوة إلا عندما حضروا لهنا...حيث كل شيء يدعو للسكينة...

قبلت جميلة عُنقه بقوة...ليسكُن جسده وكأنها ضغطت على زر ليتجمد. لتستولي على الهاتف وقد تراخت ذراعه...وقبل أن تهرب كان يتلقفها مُحيطا بخصرها.... ليرفع عيونه ينظر إن كان هناك من مُتلصص ...فتقع على عيون سارة... التي احمرت من الإحراج وأنزلت عيونها لكأس العصير بين يديها...وتلعن نفسها لما أوقعتها فيه حالميتها.
رفعت رأسها وجميلة تقف أمامها...لتمد لها بيدها ورقم مُعاذ ظاهر على الشاشة.
سمعت همسته لتُسرع بتلقف الهاتف من يدها...وتقول بصوتٍ مُهتزٍ وهي تنظر لعيون جميلة المُحدقة بها مُبتلعةً ريقها
-" مرحبا ..." همست
-" نعم؟!!! " أجابها مُعاذ مُتفاجئا وقد كان ينتظر أن يصله صوتٌ رجولي... اتجهت بعيدا بابتسامة كاذبة وكأنها لزوجة تسمع الغزل من زوجها...ووجهها أحمرٌ من الخجل، الغضب...والذل.
-" سآخذ وريد للشاطئ...مع جميلة وبناتها" قالت بسرعة...لتتنفس وكأنها أكملت مُهمتها
-" للشاطئ؟ وماذا ستفعلين بالشاطئ..." أجابها
-" ما يفعله الكل...سأنزع ملابسي وأسبح. " قالت بسخرية
-" لا." أجابها قاطعا حديثها وهو يتخيلها فعلا تسبح
-" لا؟!!!"أعادت كلمته هامسةً غير مصدقة
-" لن تذهبي لأي مكان...ساعة وأكون هناك لنعود للقرية"
لاحظت اقتراب جميلة
-" حسنا حبيبي...نراك عند عودتنا..." همست بهدوء عكس ما يعتمل داخلها ثم أغلقت عليه الخط وصوته ينادي عليها بغضب...

كانت جميلة قد ارتدت معطف خفيف من الجينز فوق ملابسها...لتمد لها بحقيبة صيفية كبيرة.
-" ستجيدين بعض الملابس المُناسبة للخروج في هذه الحقيبة...اشتريتها في فترة حملي الأخير...لكنني لم أرتديها...ولن أرتديها فهي ليست على مقاسي على كل حالٍ.... يمكنك تغيير ملابسك وسأهتم بالأولاد"
..........

بانبهار كانت تُحدق في المرآة...تلبس سروالا من الجينز الأسود...قصير بالكاد يصل لكحلها...وقميص أصفر طويل واسع يصل لأعلى ركبتها بقليل... بحزام رقيق أظهر نُحول خصرها العميق...كانت رائعة... وتشعر بروح جديدة تتملكها.... في داخل كيس بلاستيكي وجدت حذاءً بسيطا باللون الأصفر الباهت... وكسندريلا كانت تضع رجلها عليه...لتُحيط بها روح جميلة...جعلتها تنظر لنفسها بعين الجمال رغم بساطتها.

أحاطت رأسها بحجابها الأسود المُعتاد...لتخرج من الغرفة...وابتسامة فخر تحتل ملامحها...
- " تبدين مشعة...." همست لها جميلة بصدق
- " نعم أنا كذلك...شكراً لك "
قالت وهي تُمسك بيد وريد الذي يتمسك ب لينا دون رغبة بإفلاتها...بينما لين العنيدة والأكثر استقلالا كانت تُصر على حمل حقيبة يد والدتها الثقيلة.... ليتوجهوا نحو سيارة مصطفى... التي ستقلهم لأقرب شاطئ.... انطلقوا لتنطلق معهم سيارتين...
- " مصطفى!! " صاحت جميلة بغضب وهي تلمحها
- " لن أرتاح بدون مراقبة لكن.... ما لم أقبض على المسؤول عما حدث في منزلي فسترضين برفقتهم...أو تبقي محبوسة في المنزل...." أجابها بجدية غير قابلة للجدال...لتبتلع جوابها وترضى بأمر الواقع!!

- " سبحان الله ما أكبره..."
همست سارة وهي تُحدق في المُحيط ... في حياتها لم ترى هذه الكمية من المياه في مكان واحد.... كان بدون نهاية.... والزرقة تُحيط بكل مكان تُرسل إليه نظراتها...
- " ضعي هذا كيلا تؤثر بك الشمس...فهي حارقة اليوم" قالت جميلة وهي تمد لها الواقي من الشمس... لتأخذها سارة وتتبع تعليمات جميلة والتي كانت تدهن بها أجساد الصغار... بحرفية وسرعة...
- " ألم تري البحر في حياتك...."
- " لا.... لم أغادر قريتي يومًا.... هي بها جداول كثيرة.... وبحيرة كبيرة.... لكن ليس بهذا الكبر"
- " قريتك جميلة جدا...ذهبت إليها في عرس شقيقة ور..." ابتلعت الاسم وهي تنظر لسارة باعتذار.... ساد صمتٌ قصير سارة تنظر أمامها حيث المياه.... وشعور كبير خلقه هذا البحر في داخلها يدفعها للبوح.... لتسألها بهدوء وبتقرير...
- " كنتِ تعرفينها؟!" نظرت جميلة اتجاهها وتلك الحرقة في نبرتها آلمتها
- " نعم.... رأيتها مرة فقط في العرس...."
سكتتا تُحدقان أمامهما.... لتقول سارة
- " هل من الطبيعي أن أُحس بعاصفةٍ داخلي وكل من أقابله يذكرني بها؟!"
- " ماذا تقصدين سارة؟!"
- " هل من الطبيعي أن أغار من انسانة لم يعد لها وجود...." صمتٌ طويل ساد وهما تُحدقان في بعضهما.... لتستطرد سارة بقوة كاذبة " إلا في عقل زوجي.... حتى أصبحت أنا المهووسة بها"
شهقت جميلة من بشاعة الموضوع.... طول حياتها... حتى في الفترة التي أراد مصطفى معاقبتها بإدخال أخرى بينهما.... لم تفكر يوما أن إحداهن قد تصل لمرتبها في عين مصطفى.... ليس غرورا منها، بل ثقة أن وجودها او عدمه في حياته ليس سيان.... وهي التي أعادت له توازنه وضخت معنا جديدا للأسرة في شريانه.... لتنشر دفئها داخله.
في ضعفه وقوته كانت واثقة أن لا أخرى... تمر بذاكرته.
  كانت دائما الأولى في كل شيء في حياته.... أول قبلة كانت لها...وأول رعشة وهي تُقبل ندوبه كانت لها.... كل بداياته الحميمية كانت لها... ومهما حاولت أن تعرف شعور هذه الأنثى المقهورة أمامها فلن تستطيع...!!
- " أنا آسفة.... لا أعرف ماذا أقول لكِ...."
همست تواسيها... لتبتسم سارة برقة لها.
- " لا عليكِ.... لقد أخذت على الموضوع... أخشى فقط أن يُصبح في مرتبة " العادي" وأفقد معه كياني..."
غضبٌ هادر جعلها تستقيم.... منذ مدة لم تشعر بالنيران في شرايينها...وقد هذبت الأمومة سلوكها الجنوني
- " أنتِ لستِ المجرمة هنا لتتحدثي وكأنه كل حياتك.... لا تجعليه كذلك كيلا تفقديها...فسحقا لمن يعتقد أنه ثابت في حياتك.... زعزعي إيمانه بثبوتيته في قلبك ليستيقظ أو فلتلفظيه للأبد..." سكتت قليلا لتمد يدها تُمسكُ بيدها بحنية وهي تستطرد "لا تجعلي حبه يُضعفك ليهين كرامتك...."
عيون سارة عليها.... كيف تتحدث بحرقة من أجلها...كانت كالسند الذي حصلت عليه أخيراً....  وقبل أن تقول لها كلمات امتنان وقد حصلت أخيراً على من يشد بيدها.... وقف ظل عليهما...لتخرج جميلة ببراعة من الضعف الذي أحاط بهما وهي تقول رافعة وجهها نحو الجسد الواقف امامهما:
- " مرحبا نور.... لا تقولي إنه أزعجك أنت أيضاً... "
- " لا أتيت فقط لأن سامي لديه بعض العمل في المركز... ويجب على أحدنا أن يكون هنا..." ابتسمت لها بامتنان وهي تُشير لسارة:
- " هذه صديقتي سارة.... سارة هذه زميلة زوجي نور..."
ابتسمتا لبعضهما...سرعان ما نهضت سارة تتمشى تُفكر في كلام جميلة والمياه التي تضرب رجليها تُشعرها أنها ستولد من جديد...قوية كما لم تكن يوما!
- " إذن... أنتِ هي الحورية الأسطورية التي يتحدث عنها الجميع... " وصلها صوتٌ رجولي من خلفها...لتستدير نحوه وتلمح شابًا طويلا بملابس رياضية مريحة.... والشيب يُزين نواجده
- " عفوا. " همست بارتباك وهي تتلفت حولها ظانةً أنه يُكلم أخرى غيرها
- " رأيتك من بعيد تُلاعبين الأمواج...وكأنكِ حورية تريد العودة للمحيط..." أجابها مُغازلاً... الذي لم تفطنه سارة وهي تقول بتلقائية جعلته يبتسم
- " لا أنا اسمي سارة وليس حورية.... وأنا لا أعرف السباحة لهذا أقف هنا...."
- " هذا كل ما أحتاج لمعرفته.... اسمٌ جميل...لامرأة أجمل... كحورية " ضحكت بخجل وهي تتلقى أول إطراءٍ لها من رجل...وهذا دغدغ مشاعرها المجروحة
- " والدتي من أطلقه علي...." قالت بمرح
- " أنا عامر الوجدي..." قال وهو يُقدم لها بطاقته... "لم أرك من قبل فدائماً ما أكون هنا.... لأن بيتي قريب... أين تسكنين؟!"
سألها دون أن يُخفي اعجابه بها.... كانت تبدو وحيدة وطفولية وهي تُلاعب مع الأمواج... جمالها البريء وفتنتها اجتذبا عيونه!!... ليُكلمها رغم أن هذه ليس من طباعه.
- " لم تسألها عن حالتها الاجتماعية...  فربما تكون قد خلفت زوجا في مكان ما من هذا العالم..." صوتُ معاذ قاطع تعارفهما... وهو يمد يده ليجذب البطاقة بين أصابعه.... ليتفتت الرجل ينظر إليه بأسف...
- " آسف.... لم أظن ذلك...فلا يبدو عليها الارتباط...."
استشاط معاذ غضبا وهو يقترب منها... لافا ذراعه حولها بتملكٍ...يمنع نفسه من الانقضاض عليه...ليكسر تلك الواجهة الأرستقراطية التي تُحيط به
- " وبماذا سينفعني اعتقادك أيها المحامي...ألا تعرف أن التحرش فعل اجرامي ؟!... أم أنهم لم يُدرسوكم عاقبته في " رفع بطاقته ليقرأ معلوماته " جامعة لندن للحقوق "
- " أعتذر..." قال رافعا يديه في اعتذار وهو يُكمل مسيره... تاركًا سارة تنظر إليهما بعدم فهم...ولن يُنكر أنها حركت به ما لم تستطع أنثى أخرى تحريكه.... رن هاتفه ليرفعه مُجيبا والدته
- " كنتُ سأزف إليك خبرا اليوم بمليون... كنت قريبا سأودع عزوبيتي..........لكن............ انتظري فقط لأكمل لكِ.............كانت مُتزوجة......نعم ولو لم أهرب كانت صف أسناني الأمامية ستكون في خبر كان...." ولم يكن يدري أن صوته وصلهما.... لتحمر سارة خجلا.... بينما احمرار معاذ وغليانه كان بعيداً كل البعد عن الخجل...
- " ماذا تفعلين وحدكِ هنا؟!" سألها بهدوء يُخفي عاصفة داخله وهو ينظر لرأسها المنكسة " ثم ما هذه الملابس التي ترتدينها.... أين عباءتكِ.... ألم أكن واضحًا في المنزل؟!"
- " أنت فقط تكره أن تراني جميلة.... الكل يقولها حتى ذلك الرجل...إلا أنتَ.... وكأن سعادتي ستنغص عليك سعادتك.... أو ستنقص منها.... القليل من الاهتمام لن يقتلك معاذ... أو دعني لأجد من يستحقني.... فالتأكيد أنت لا تستحقني..."
لتدفعه بعنف مُقتصد مارةً من جانبه.... وقد فاجأته بثورتها.... وهو المفروض عليه أن يثور ورجلٌ آخر يتغزل بزوجته هو...
- " تعالي هنا.... أنا لم أنتهي بعد...." لكنها التفتت قليلا وهي تقول
- " وأنا انتهت.... وهذا هو المهم" لتُسرع الخطى راجعةً حيث تجلس جميلة والأطفال.... لتلحظ أن مصطفى قد لحق بهم... الذي نهض مُفسحا لها المجال لتجلس.... لكن صوت معاذ وصله من قريب وهو يُشير بيده لمصطفى ليُعاود الجلوس
- " لا بأس مصطفى... نحن سنغادر حالاً...للقرية" نظرت اتجاهه بسخط... ليُكمل. " اخبرتك بذلك من قبل.... الحقائب في السيارة...."
……….

-" ما هذه الغرفة عُقاب.... لماذا أحضرتني هنا؟ ... ما الخطر المُحدق بي لتحضرني هنا!!" تلتفت حولها وصور مصطفى وعائلته تحتل كل الجدار....
-" تعالي..."
همس وهو يمد يده نحوها...لكنها هزت رأسها برفض وهي تتراجع للوراء تمنع إغلاقه للباب .... ودموع بدأت تتكون في عيونها حتى أخفت الصور الكثيرة بجميع الأحجام والأشكال...لكل فرد له علاقة بمصطفى...الذي تحتل صورته الكبيرة وسط الحائط... مع كتابات تُشير لكل معلومة مهما كانت تافهة...رأسها أصابه الدوار من كل هذه المعلومات التي يتلقاها عقلها ...فيُحللها !!
-" هل تنوي قتله؟!... لماذا تتعاقبه.... ماذا تريد منه؟!"
قالت بهمس مجروح وهي تدلف للغرفة...ليُسرع بإغلاق باب الغرفة عليهما وكأنه أخيرا حصل على مُبتغاه.
-" نعم...." همس وهو يلتفت حيث الصور معلقة...." نعم كنت اريد قتله.... لكنني لم افعل.... تعالي فقط...أرجوك رُق.... سراب...تعالي أنا أحتاجكِ أن تكوني معي لأطمئن عليكِ"
-" أنت لم تؤذه...." همست برجاء
عينها الوحيدة الظاهرة أسفل شعرها.... تُناظره بقوة، ترجوه ألا يكون قد أذاه... لكنه أكمل طريقه مارا بجانبها بدون اهتمام...لتصرخ بحدة وهي تتعلق بعنقه من الخلف وتُكيله الضربات في خصره الذي ضُرب به سابقًا
" سألتك سؤالا.... لا تُحاول التهرب من الإجابة..." قالت بغضب.
مدّ يديه يُمسك بها من الخلف...لكنها تشبثت أكثر بعنقه...وضرباتها تزداد عُنفًا...وهو يلتف حوله وقد وصل به الغضب الكثير من تصرفاتها الصبيانية...ومن نفسه أكثر وقد كان قريبا جدا من هدفه... ليراها!!
جميلة كعادتها... وشعرها الطويل الأحمر يُظفي على سحرها سحرا آخر... كما رآها أول مرة...كشعلة نارية وسطهن تتمايلُ بجرأة تلفتُ الأنظار لتلك الملابس الفاضحة لتُشير لجمالها هي وليس لما ترتديه دون ان تدري أن جمالها سيكون نقمةً عليها...ثم بنظراتٍ قوية وهي أسيرة...لم تكن خائفة مثلهن...ومصيرها سيتحدد لتُباع لسكيرٍ أو سادي...كانت واثقة انها ستنجو...ونجتْ!
-" لا ليس تماما..." قال وهو يهوي بها على السرير القاسي ...مُسيطرا على جسدها ... يسجن ذراعيها بيده، ورجليها يضغط عليهما بقوة بركبتيه... ملامحها مُتألمة لأجل عدوه ليستطرد بغضب...." ليس بعد على كل حال...اللعنة!! "
شتم بقوة و كل المشاعر التي دفنها لأعوام و هو بعيدٌ لتعود للظهور منذ ما يُقارب السنتين و هو يتلقى اتصالا أنها ظهرت...أعوامٌ و هي مُختفية لتظهر فجأة!
ويظهر معها كل الماضي...ببشاعته وطهره...سكتت تُناظره بشك ... لتسقط عيونها على بقع دماء مُنتشرة على مقدمة قميصه.... لتقول بصراخ:
- " ما هذه الدماء عقاب...ما الذي فعلته...هل طعنته؟!... "
جذبها لترتفع معه ويهمس بفحيح
-" أخبرتك أنني لم أؤذيه.... لا تجبريني على العودة وتمزيقه الآن...."
لم تُجبه وهو يبتعد عنها، لتبتعد عنه هاربةً من أمامه تنوي الخروج من هذه الغرفة الضيقة...والعودة لمخدعها الذي أمرها ألا تعود إليه في هذه الأيام...لكنه أمسكها رافعا إياها من خصرها
" حسنا سأخبركِ...كان روكسي.... قتلت روكسي.... كلب مصطفى... " توقفت عن المقاومة ... ليستطرد بمرح لم يكن هذا وقته " كان عجوزا على كل حال...."
-" يا إلهي...كم كنتُ مخطئة بشأنك !!" آلمته همستها.
إلا هي... لم يكن يُريد أن يسمعها منها.
لتستطرد بألم وكأنها من طُعنت باتهاماتها وليس هو " أنت مجرم...وانا لا أريد رؤيتك مجددا...أبدًا"
وكلها اتهامات صحيحة ...فكيف ينفيها!!؟
-" أبدًا..." أعادت هامسة وقد ارتخت أطرافها...مُستندةً على صدره بضعف...تتمسكُ به بقوة وكـأنها لا تُريد الفراق.
لكنه "مصطفى"...ويُساوي الحياة بالنسبة لها!

***

وجدها...أسفل الجسر، تكاد تتجمد من البرد...وحيدة... في الجانب الآخر مجموعة أطفال مُتشردين يتناوبون على قطعة بلاستيكية بها من المخدر الرخيص... دون أن يُزعجهم الدخان الأسود الذي نتج عن احتراق عجلات إحدى السيارات...جلس بجانبها ثم اقترب منها يحضنها، مانحا لها القليل من دفئه...فقد كانت تتجمد دون أن تهتم!
-" لماذا لا تقتربين من الدفئ هناك..." همس لها و هو يُحدق في لهيب النيران المُتصاعد
-" ليس لدي ما أقدمه لهم.... في الشارع كل شئ بثمن" أجابته لتلوذ بالصمت...وضحكات الأولاد تصلها... لتندمج مع صخبها...رغم كل شئ كانت ونيسها لهذه الليلة!
-" أخبريني...." همس
" أنت لن تفهم..." همست دون ان تتخلى عن جمودها و نظرتها تبتعد حيث الأطفال...و أكبرهم لم يتجاوز السبع سنوات...يسهرون الليل لينامون نهارا...كيلا يُواجهوا نظرات البشر الذي  تُجلدهم و هي تُقارنهم بالآخرين الذين يحملون كتبهم باتجاه مدارسهم.. لم تلجأ يوما لشئٍ يُنسيها وحدتها... لم تستنشق يوما مخدرا ولم تبتلع قُرصا...لأنها تعلم ان يوما ما سيأتي والديها بحثا عنها وسيجدونها...تريد ان تنهض من بين كل المشردين الفاقدين وعيهم بثقة وتُخبرهما انها هنا...تتعرف عليهما رغم ضبابية صورهما في مُخيلتها...لكنها ستعرفهما بعيدا عن شكل والدها بنظراته الدائرية ووالدتها بشعرها الأصفر الغجري...كانت ستعرفهما!!
لكنهما تأخرا...وبدأ الرعب يدبُّ في أوصالها...وفُقدان الأمل بدأ يتسرب إليها. كادت ان تستسلم... كانت على خُطوة بسيطة لتستلم...لتراه!
صديق المحنة والوجع...!
حالته وهو يحمل برعب زوجته الحامل...داخلا بها للمُستشفى...رد لها الأمل. أنها تستحق أن تحصل على ما حصل عليه هو!
-" مصطفى هو النقطة الوحيدة الجميلة في حياتي...عندما اتمعنُ في شريطها لا أرى أي جميل بها إلا هو...في ذلك اليوم...." أغلقت عيونها لتعود سنوات للوراء " الجو كان حارا جدا...خانقًا، تبحث عن الهواء لتتنفسه ولا تصلك إلا موجة ساخنة تحرق رئتيك عوض أن تُلطفهما.... لم أستطع أن أتحرك من أسفل السقيفة، حيث يجلس منتظري الحافلات العمومية... وكأنني غير مرئية، أرجلهم تتقاذفني...أو تتجنبني، لكن ولا أحد منهم لطف بحالي...كنتُ بين اليقظة والوهم...أتخيل تارةً والداي يُلاعبانني... أجري خلف أحدهما...ليتلقفني الآخر...وتارةً كان النقيض ما يُهاجمني...والعجوز يجرني نحو مخدعه.... أصرخ وأصرخ ولا من مُجيب... كنتُ أبكي وأطالب بأمي.... كنتُ مريضة جدا...  لأُحس بسائلٍ بارد يمر عبر حنجرتي...وكأنني متّ لأُرفع للسماء، هلع أصابني أن أفتح عيوني لأجدني في تلك المحطة المنسية...وحيدة منبوذة.
لكنني فتحتها ولم تختفي تلك القطرات التي روت عطشي...لم تختفي وعيون سوداء وسط وجه شاحب لطفل صغير يستقبل انفتاح نظراتي بابتسامة...وحركة رأسه تُخبرني أن أرتوي.... عيوني على عيونه... كنتُ أخشى أن أظل وحيدةً...لأموت وحيدة.... لكنه لم يبتعد عني، مُمسك بيدي...السيارات تمر بنا والأطفال تتسارع حولها طالبةً لكرم أصحابها...اتقاءًا لغضب العجوز...لكنه لم يتركني...مازال يسندني حتى وصلت لذلك الجُحر.... وفكرة وحيدة بدأت تتكون برعبها داخلي...لتُصبح حقيقة وصوتُ العجوز يصلني صارخًا:
" أين مالك رقية؟!" أغمضتُ عيوني بشدة وكأنه سيختفي من أمامي...لكنه ضربني بقوة وهو يرفعني للأعلى...صُراخه يزداد ونظراتي نحو مصطفى...وكأنني أخشى عليه من المصير نفسه...لكنه ابتسم لي...ببساطة ابتسم"
ابتسمت...ودموعها تخرج من محبسها دون ان تهتم بمسحها..." ابتسامة لن أنساها يومًا...وهو يقترب من العجوز رافعا ذراعه...ويقدم له ما تبقى له من شراءه للماء لي... كانت دُريهمات قليلة...لأكون السبب في ندوبه...ونُدوبي"
رفعت الجزء الذي يُغطي شعرها...لتظهر ندبة بشعة أسفل إنارة لهيب النار...الذي أظهرها أكثر بشاعة...وقد زينت القليل من جبينها... والتهمت جزءًا من رأسها الذي اختفى الشعر منه وأذنها الذي اختفى مُخلفا ثقبًا يُحيط به جلد منكمش...رفع يده ليُمررها على ندوبها البشعة...لكنه أسدلها وهمستها تخترقه:
-" أخبرتك أنك لن تفهم.... فما يجمع بيني وبين مصطفى... ندوبٌ علمها الماضي بأجسادنا.... لتجعلنا مرتبطين طوال حياتنا.

Continue Reading

You'll Also Like

227K 13.4K 29
"جمعها القدر به بعد أن عصِفت بها الحياة حيث كانت تُواجهها بمفردها، رأت به ومعه ما لم تراه بحياتها من قبل، قسوة وحنان، حبٍ وكره، لم تفهم ما الذي يُريد...
744K 15.4K 56
نتحدث هنا يا سادة عن ملحمة أمبراطورية المغازي تلك العائلة العريقة" الذي يدير اعمالها الحفيد الأكبر «جبران المغازي» المعروف بقساوة القلب وصلابة العقل...
837K 24.7K 39
لقد كان بينهما إتفاق ، مجرد زواج على ورق و لهما حرية فعل ما يريدان ، و هو ما لم يتوانى في تنفيذه ، عاهرات متى أراد .. حفلات صاخبة ... سمعة سيئة و قلة...
441K 10K 37
للعشق نشوة، فهو جميل لذيذ في بعض الأحيان مؤذي مؤلم في أحيانا اخرى، فعالمه خفي لا يدركه سوى من عاشه وتذوقه بكل الأحيان عشقي لك أصبح ادمان، لن أستطع ا...