جرح وشم الروح! ملاك علي.

Von Magharibia

21.9K 297 24

لمحةٌ من الماضي... كان يقبلها...بمهلٍ وكأن كل الوقت ملكه... برقّة وكأنه يخشى عليها من عنف قبلاته....بين كل قب... Mehr

المقدمة
الفصل الأول
الفصل الثاني
الفصل الثالث
الفصل الخامس
الفصل السادس
الفصل السابع
الفصل الثامن
الفصل التاسع
الفصل العاشر
الفصل الحادي عشر
الفصل الثاني عشر
الفصل الثالث عشر
الفصل الرابع عشر
الفصل الخامس عشر
الفصل السادس عشر
الفصل السابع عشر
الفصل الثامن عشر
الفصل التاسع عشر
الفصل العشرون
الفصل الواحد و العشرين
الفصل الثاني والعشرون
الفصل الثالث والعشرين
الفصل الرابع والعشرين
الفصل الخامس والعشرين
الفصل السادس والعشرون
الفصل السابع والعشرون:

الفصل الرابع

808 12 0
Von Magharibia


***

- ".... أنت مريض... وأنا أكرهك... "
أعادت هامسة بقوة...تنظر لعيونه الحمراء الجاحظة... الغضب من كلماتها وصل مداه...اقترب منها ضاغطًا على يديها بجانبي رأسها... وجهه قريبٌ جدا من وجهها ليقول بفحيح غاضب
- " لا يُهمني كرهك لي...أنتِ زوجتي...سأنالك.... سأعاشرك برضاك...أو غص...." سكت يُحدق بها بقوة...عيونها القوية والواثقة اخفتها عيونٌ أخرى خائفة وصورةُ أخرى تهاجمه...لجسدٍ مكدوم عارٍ.... يطلبُ منه أن يُثبت عفته... الكُحل الأسود رسم أخاديد على طول وجنتيها.
-" يا إلهي... "
همس وبشاعة لقطات تُعاد لذهنه لروحٍ مطفأة تطلب أن يُحررها ... تنفسه زاد صعوبة...وعيونٌ بُنية تطغى على أخرى مائلة للزرقة...وكلاهما كانتا تحملان من البراءة الكثير...ما ذنبها؟؟ ...سؤال تبادر في أبعد نقطة من عقله...تلك التي مازال القليل من التعقل يُسيطر عليها ولم تعرف بعد المد الهائج لغضبه... ابتعد لأبعد نقطة منها على السرير... ما الذي كاد أن يفعله؟؟ ...أمسك برأسه الذي يكاد ينفجر من الآلام...ما الذي يحدث معك معاذ؟؟...إلى أي مسخٍ تحولت؟؟... كيف تركتها تُخرجك عن طورك؟؟..." يا إلهي رحمتك" همس وهو ينهض مسرعا نحو الحمام يستفرغ...
(ما الذي حدث؟)
همست وعيونها عليه...لقد رأت تحوله السريع، أي ذكرى بشعة هاجمته ليتحول فجأة لصورة نقيض تلك التي كان بها معها.... جلست تنظر إليه، وغصبا عنها كانت الشفقة تجاهه تُغلف قلبها، لتُسكِّن آلامها ولو قليلا... نهضت مُتحاملةً على ظهرها واقتربت منه، لتضع يدها وسط ظهره...الذي سكن وهو يتعرف على لمستها...
-" أنا آسفة لم أقصد... " كانت تتأسف.... لشيء لم تقترفه، لكنها لم تكذب...هي لا تكرهه...هي تُحبه لكن تصرفاته تجعلها تتخبط في مشاعر لا تستطيع تفسيرها... بين عشقها له واشمئزازها من اعتبارها اخرى... ابعد ظهره بعنف عن ملمس يدها... ثم التفت ينظر إلى ها...
كم كره نظرتها المشفقة عليه...وقبل أن يقول أي شيء ولو كان جارحا يُبعد به نظرات الشفقة عن عيونها...تعالت دقات على الباب...وصوت والدته يصلهما من خلفه:
- " معاذ افتح الباب.... ما الذي يحدث ؟؟.... معاذ؟؟...ما بها سارة...؟؟"

رفعا رأسيهما ينظران للباب بصدمة...ثم لنفسيهما...لم تكن صدمتهما من الجرأة في ازعاج خلوة زوجين بعد منتصف الليل... بل الصدمة في كونها والدته...ذلك الطيف الذي بالكاد يلمحانه...

بتخبطٍ لبس جلبابه...ورمى عباءة نسوية لسارة...وعندما تأكد أن عريها لم يعد ظاهرا...اتجه للباب يفتحه، ليتقابل مع ارتباك والدته...وغضب زوجة عمه...ثم نظرات رضى من فدوى.... أعاد نظراته باتجاه والدته فقد جذبته تأتأتها وهي تسأل عن سارة... التي ظهرت خلفه... تستند عليه بحميمية...وجرأة أجبرتها عليه آلامها...كانت تتشبث بقوة بظهره المُتشنج...نحتْ خجلها بعيدا و هي ترى تغير نظرات فدوى لأخرى غاضبة....ناقمة....وغيورة...وهذا أسعدها جدا...انغرزت أكثر أسفل كتفه و بردة فعلٍ كان يُحيط كتفها و قد علم أنها بالكاد تستطيع موازنة نفسها...بحميمية شهقت لما كان يضغط برفقٍ على أسفل ظهرها المُتألم...كان بعيدا ومشاعره السابقة تختفي بمجرد أن استندت عليه و كأنه مكانها الأزلي حيث تنتمي....لتهمس بصوتٍ جذاب...لآذانه بدا كذلك...بدا مُختلفا عن ذلك الذي كانت تُقاتله به في الداخل:
- " آسفة خالتي... ظهري يؤلمني بشدة ولم أستطع أن أنام... " لتستطرد واضعةً يدها على معدته بدلال أنثى ... وخبثها " لا تهتمي ...فمُعاذ يهتم بي جيدًا...آسفة على الإزعاج مرةً أخرى."
نظراتهن تمر بين ملامحه التي استرخت فجأة بانتشاء وملامحها المُغوية...هيئتها المُبعثرة...شفاهها المتورمة...وكدمات التملك التي تُزين جيدها والتي حاولت اخفاءها دون أن تستطيع...العباءة التقليدية الحمراء التي تُناقض بشرة عُنُقها... لتُظهرها بيضاء شفافةً تُزينها الكدمات...تنذر عن ليلة بحمرتها ...مُتوهجة بين عاشقين ... ربما براءة والدته لم تتركها ترى ما تُحاول سارة توصيله لهن... بل لها ...للتي تكرهها بدون سبب يُذكر.
- " هل أنت بخير؟! "
سألتها والدته وهي تدلف قليلا للغرفة...تُقابلها وكأن ولدها غير موجودٍ... تنظر إليها بنظرات تعرفها جيدا سارة...وكأنها تُخبرها أن تتحدث الآن...أو تصمت للأبد... لأن صمتها الآن لن يجلب لها إلا تنازلات كثيرة قادمة...كانت ترجوها أن تتحدث...أن تُخبرها أنه قاسٍ وجلف...لكن ما لا تُدركه حماتها...أو ما تعرفه جيدا وتناسته الآن...أنهما نالتا نفس التربية...زوجك...ثم زوجك ثم زوجك....
- " نعم خالتي... شكراً "
دنت منها تُقبل أعلى كتفها.... مُبتعدة عن أصابع معاذ التي تلتمسها بطريقة أعاثت التخبط في حواسها...لتمرر حماتها يدها بسرعة على شعرها بحنية وتبتعد خارجة... أعادا أنظارهما حيث مليكة وخلفها فدوى بشعرها الأسود الطويل وشفاهها الرقيقة المزمومة بغضب... والتي ضربت رجلها أرضًا وقد أعياها التظاهر بالبرود:
- " دع الفتاة ترتاح يا معاذ...ظهرها يؤلمها... شغفك يستطيع أن ينتظر أياما أخرى "
احمرت سارة لتتراجع للوراء من جرأة مليكة...لكن مُعاذ تمسك بها بحميمية أكثر وأصابعه تستريح حول استدارة وركها...ينظر بهدوء لزوجة عمه التي استطردت بجرأة أكثر " ثم...ليس بالضرورة أن تأتي هي إليك... تستطيع أن تتنازل قليلا وتذهب إليها أنتَ دون أن تُحرك ظهرها...."
- " أمييي...." صاحت فدوى بقوة...مع شهقة سارة التي ابتسم لها مُعاذ...وهو يعلم سببها.
لتغمز مليكة لمعاذ المُبتسم وبجانبه سارة الفاغرة فاهها تنظر إليه ولدناءته...لتُنزل عيونها عنه ومليكة تقترب وتمرر يدها على وجنته...ثم تستدير مغادرة وهمسات فدوى تصلهما:
- " يكفيك فقط أن تدخلي وتُعلميهما الأوضاع الصحيحة التي لن تؤلم سيادتها..."
لتُجيبها مليكة بضحكة...ما زاد من نقمة ابنتها...لم تنتظر سارة لتسمع المزيد بل هربت داخلة للغرفة...وشفقتها السابقة عليه تحولت لغضبٍ هادر...وقفت تنظر لتقدمه يديها على خصرها تستعد للانقضاض عليه إن لزمها الأمر.
- " أرى أنكِ مُستعدة للجولة الثانية...خذي...." قال وهو يقدم لها مُسكنا..." سيجعل الألم يختفي قليلا... وبعد..." نظر للساعة الرقمية قرب السرير " ساعة والنصف سنذهب للمدينة...."... بأصابع مرتعشة كانت تأخذ الحبة من كفه...لتتماس مخلقةً تيارا بينهما...نظرا في عيون بعضهما... لتبتعد عن مرمى عيونه وسؤاله يصلها
-" ما كان كل ذلك التمثيل سارة؟؟"
حدقت به لثواني...لتجلس بهدوء ...
-" أخبرني أولا لماذا كنت وقحا...و ...و."
قاطعها وهو يُكمل عنها الجملة بكل سهولة
-" أتلمس مفاتنكِ؟ ...لا شيء مُجرد استغلال الفرص...إحدى مزايا كوني زوجكِ...وأجاريكِ في تمثيليتك" اجابها ببساطة ليستطرد بعدم اهتمام ..."والآن أخبريني عن الدراما الهابطة التي ألفتيها هناك ..."
المُواجهة في عيونها خبت فجأة...عيونه عليها بتركيز...كيف أخفضت رأسها تُحدق للأسفل بخجل وكأنه تخشى ان يقرأ تعابيرها... أو ربما هي من يخشى قراءة تعابيره...أصابعها تنكمش بتوتر على لحاف السرير لتقول:
-" أنا أعلم أنني فاشلة...في الكثير من الأمور...دراستي التي لم أستطع ان أعتب خارج الخامس الابتدائي... فاشلة في كسبي لاحترام الفتيات لأنني غبية وبلهاء... ولم أكن الولد الذي تمناه دائما والدي رغم انه لم يصرح به... لكن رغم كل شيء كنتُ أعد نفسي انني عندما أتزوج سأبرهن لكل الناس أنني لستُ فاشلة كزوجة...سأجعل زوجي يُحبني... وأطفالي سيكونون أذكياء ...سيدرسون جيدا ...و...." رفعت عيونها باتجاهه لتقول برجاء و سرعة و ملامحها تتقلص " أرجوك لا تُخبر أحدا بما يحدث بيننا...أنا لا أريد ان يعلم أي شخص حتى لو كانت والدتي...لأنني أعلم أن من حسرتها ستذهب لإحدى الجارات باحثةً عمن يُطمئنن بالها أن كل شيء سيكون بخير...و ابنتها لن تعود للمنزل منبوذة... دون ان تدري أن الخبر قد انتشر قبل حتى ان تخطو خارجة من منزلها..."
-" ما يحدث بيننا هنا ...سيبقى هنا..." همس وقد صدمته باعترافها... لتستطرد مُقاطعة اياه تدعي القوة.
-" أنا قادرة على مُجابهتك...انت لا تُعاملني كندٍّ ضعيف...لكنني لن أستطيع مُجابهة النسوة الحقودات اللاتي يتلذذن باحتقاري في المجالس...فقط لأنك اخترتني كخادمة لابنك ...وليس احدى بناتهن...لهذا...ما يحدث هنا ...فليبقى هنا..."
اقترب منها... ليجلس أمامها ممسكا بيدها
-" أنتِ زوجتي سارة...لن أدع أحدا يُصيبكِ بمكروه..." لم تستطع إلا أن تنظر إليه ولسانها يهمس (ومن سيحمينِ منكَ أنت؟؟؟ )...استطرد مُشفقا " أنا آسف عما حدث سابقا ...لن يتكرر... انتِ حرة بجسدكِ ان كانت طلباتي كثيرة عليكِ أنت معفية منها..." جسدها المتشنج تراخى ...وهذا أجج داخله ...لكنه استطرد " أنا سريع الغضب...وأنفعل لأتفه الأسباب...الأمر زاد سوءًا بعد موت ورد " أبعدت  يدها عن يده...ليُكمل مُحدقا في عيونها  " وبما أننا نتكلم بصراحة...من حقك أن تعرفي أن لا أنثى ستحتل مكانتها...هذا ليس تقليلا منكِ سارة...بل العيبُ في أنا...لأنني لم أستطع تخطيها للآن...ان كنتِ سترضين بالقليل مني فأنا مُوافق...لكن لا تتأملي بكلي، لأنني رجلٌ لامرأة وحيدة...و أنت تعرفين أنها لم تعد موجودة.."
-" وأنا لن أرضى بالقليل معاذ... ولا أريد الفُتات فقط...فأنا أستحق أكثر... شكرا لأنك أخبرتني عن مكانتي جيدا وجعلتني لا أتأمل أكثر في المستقبل... وبعد الذي حدث منذ قليل لا أظنني أريد أية علاقة مهما كانت معك...فبالأخير وريد السبب في زواجك مني...لنترك الأمر على ما هو عليه... "
نهضت من على السرير ...عيونه عليها وشعور مرير استيقظ فجأة داخله... كان ينتظر منها أن تقترب منه كما فعلت منذ قليل وتهمس له بانها راضية...وخاضعة!
صوتها أخرجه غصبا من الهالة التي كانت تلفه...وخيالاته الجامحة تُجاهها وهو يُقدم لها القليل فقط من نفسه...الفُتات فقط بينما هي تُقدم له كلها...جسدها وروحها!
-" في الواقع حتى لو كنتَ متوفرا بكاملك لا أظنني سأرضى بك...بعد الآن"
الصدمة في ملامحه جعلتها تُريد ان تركل نفسها...
(ما الذي دهاها لتتفوه بتلك الجملة)
لكن الراحة التي استشعرتها داخلها جعلتها لا تُنفذ اقتراحها السابق...فنوعا ما المرأة المُهانة داخلها تمطت بسرور وهي تُعاود النوم براحة وابتسامة رضى وانتقام تحتل ملامحها... استيقظت على تحليل مشاعرها على نظراته الناقمة...فليس كل مرة " الشيخ" الوسيم يُنغز كبرياؤه ومن طرف من؟؟ ...من قروية بسذاجتها!
-" سأذهب لأتوضأ..." همست وهي تهرب من نظراته... فلو النظرات تقتل ... كانت أردتها نظراته قتيلة أمامه.

***
- " هل أنتِ جاهزة..."
أطل من باب غرفة وريد للداخل...يُحاول إغلاق زر قميصه الأبيض... صوته الذي لم تلِن نبرته بعد...والفكرة أنها فعليا أخبرته بصريح العبارة أنها لا تُريده...واستغلت كلمته أنه لن يفرض عليها أي شيء ليست راضية عنه... طوال طريقه للمسجد وهو يُفكر في المعضلة التي تُمثلها سارة في حياته... كيف تجعله يرغب في أن يُبكيها...ليُراضيها بعد ذلك...كيف ينفرها ليرغبها بنفس القوة والشدة؟
كيف تستفزه بساطتها...وتجعل التعقيد الذي غلف به حياته...مجرد تفاهة!
-" ليس بعد..." أجابته بهدوء... ووجود وريد بجانبها يُعطيها قوة أكثر لمُجابهة غضبه الذي بدأت تسأم منه.
- " أخبرتك أننا سننطلق بعد صلاة الفجر مباشرةً... " أجابها وهو يدلف لداخل الغرفة...اعاد بنبرةٍ أقل حدة " ما الذي تفعلينه للآن ...انا جاهز وكنتُ أظن انني سأجدك جاهزة" وجود وريد يحده من إظهار إلى أي حد وصل غضبه منها... أدارت عيونها في سأم وهي تُجيبه بهدوء مُستفز وكأنها تُحدث مراهقا طائشا
- " سأجمع حاجيات وريد وسأصلي ثم ننطلق..."
- " ألم تصلي بعد...ماذا تنتظرين؟!!" صرخ ...يا إلهي كم تُثير غضبه...عصر قبضته بقوة يتمنى لو كانت هي داخلها.
- " وريد استيقظ ولم يرد أي شخص آخر معه...انت تعلم انه ما زال متأثرا بموت جده " أجابته بنفس الهدوء دون أن تتخلى عما تفعله
- " وريد لن يذهب معنا..." اوقفت طي ملابسه...لتقول بتهديد وهي ترفع نظراتها نحوه.
-"اذن لا داعي لذهابنا...بدونه لن اغادر لأي مكان..."
- " يا رب صبرك...يا بنت الحلال... لن تجدي من يهتم به اثناء ذهابنا للمستشفى... "
- " لن أذهب...وقراري نهائي...." سكت ينظر إليها...يتنفس بعمق... لا يُريد أن يحملها ويُلقي بها من النافذة المفتوحة... أو باتجاه غرفتهما ويُسكتها بطريقته (ركز معاذ...ركز ولا داعي للتفاهات) همس لنفسه...ليتنفس بعمق ثم يقول بهدوء:
- " حسنا...اذهبي سأهتم بحاجيات وريد..."

دخل الغرفة برفقة ابنه ليجدها ترتدي جلاّبة باللون الأحمر...بتطريزات سوداء وتحيط كتفيها بشال أسود.... والبلغة السوداء اظهرت فتنة قدميها التي أسرت عيونه دون أن تُطلق سراحها...  تُحاول التحكم في شعرها المجعد دون أن تستطيع.... لتتركه حرا... سعيدة جدا ووالدة فدوى تُقدمها لها منذ قليل...مُخبرةً إياها أنها جلبتها لها منذ مدة ولم تحن المُناسبة لتقديمها لها... إلا الآن!
-" أنا جاهزة..." همست وهي تلتفت نحوه...مُتباهية بالجلابة التي سلبت لُبَّها... لتقترب من معاذ مُقبلةً وجنة وريد الذي أصر أن تحمله... لكن والده منعها بأن رفعه عاليا عن يديها المُستعدة لاستقباله
- " لا... أنت لست كذلك..." أجابها وهو يضع وريد أرضًا " لن تخرجي من هنا بهذه الهيئة...ماذا تعتقدينِ أمامك..." فرغت فاهها من كلماته...لتنزل نظراتها نحول هيئتها...تبحث عن مكمن الغلط بها لكنها لم تجد...الجلاّبة تُحيط جسدها بتطريزاتها الرأسية المبهرة التي تبتدئ من جانبي فتحة الصدر وتمتد لآخرها.
- " هذه هيئة أغلب ساكنات المدينة...." قالت وكأنها تشرح له معضلة طبية لم تكن في علمه، أضافت بفخرٍ...وكأنها حققت إنجازا عظيما أن تعلم كيف ترتدي النساء في المدينة دون ان تطأها قدماها من قبل " أعرف أنني لم ازرها من قبل...لكنني أرى الفتيات القادمات من هناك.... وأغلبهن..."
- " لا تهمني كل المدينيات...زوجتي أنتِ ولن تخرجي من هنا بهذه الملابس المُلفتة...وحجابك يجب أن ترتديه...فأنت امرأة متزوجة ويجب احترام ذلك..." لوهلة لم تُصدق ما تسمعه منه...سكنت تنظر إليه تنتظر أن يُخبرها انه يمزح...لكنه لم يفعل.
الدموع طفرت بعيونها وهي توقن أنه جاد...همست وداخلها يترجاه ألا يؤلمها أكثر... ألا يُطفئ تلك الشعلة التي وُقدت داخلها أنها تستطيع أن تكون جميلة...كالآن!
- " أنت فقط تريد أن تؤذيني...أليس كذلك؟!... أنت غاضب بعدما أخبرتك أنني..."
قاطعها غير مُبالٍ لكلماتها.
- " غيري ملابسك سارة...لا تجعلينني اغضب حقًّا منكِ"
كآخر فرصة لها...كادت أن ترجاه بحبيبته...لو يدري فقط أي اليأس أوصلها إليه لتترجاه بأكثر اسمٍ تمقُته...مجرد ذكره بهذه السلاسة يتطلب منها الكثير...لكن الغيورة داخلها رفضت ذلك لتقول بحدة تُريد أن تُؤذيه كما يؤذيها:
- " لم تكن تتحكم بملابس زوجتك السابقة...كانت ترتدي أجرأ من هذه الملابس..." سكتت قليلا لتهمس "أرج..." كادت تترجاه فعلا عندما ازدادت لمعة عيونه تحديا وهو يُشير للدولاب خلفها... لتُكمل بنارية عكس ما خططته لتليين قلبها... " كانت ملابسها فاضحة جدا... وصوركما كانت في كل هاتف لعين لكل شباب القرية ... ولم تكن ترتدي إلا القليل وابتسامتك الفخورة بها تكاد تصل لأذنيك ... أم أنك لم تكن رجلا في ذلك الوقت...ورجولتك ستُمس فقط الآن... ليس عدلا وأنت تعلم جيدا ذلك..."
أمسك بعضدها بشدة وفحيح أنفاسه يضرب جانب وجهها...
عيونها على وريد الذي ينظر إليها برعبٍ...خائفٌ وفطرته تُخبر أن ما يقوم به والده لم يكن تصرفا حسنًا...
- " إن كنتِ تريدين أن أعاملك كورد فيجب أن تكون هي...غير ذلك لا يحق لك المساواة معها في أي شيء...وأي شيء تعني أي رغبة لعينة تستوطن عقلك الغبي...هل تسمعين... والآن...غيري ملابسك...ولا تجعلينني أثور عليك.... أنا بالكاد أتحكم في نفسي...فحسابك زاد اضعافا"
لم تهتم لكلامه المسموم ...الذي بالكاد وصل لمسامعها، وكل تركيزها على وريد الذي اغرورقت عيونه...حاولت رسم ابتسامة اطمئنان على مُحياها ... لكنه طفل...والأطفال لا ينخدعون بالابتسامات.
- " ما ذنبه...." همست من تحت أسنانها دون ان تتخلى عن الابتسامة المُزيفة المرسومة على شفتيها...أطلق سراح عضُدها دون ان يبتعد، ينظر لملامحها المُبتسمة دون أن تصل الابتسامة لعيونها...
- " ماذا؟!! " أبعد نظراته عنها ليَحُطها حيث نظراتها مُركزة...وهمستها تصله.
- " ما ذنب وريد لتهينني أمامه...ان كنت لا تحترمني فلك ذلك...لكن لا تقلل ابدا من احترامي امامه...." قالت تكبت شعورها بالخذلان...لا تريده أن يشعر بالألم الذي أحسته من كلماته...أبعدته بعنفٍ من أمامها...لتُسرع باتجاه الدولاب... ووريد خلفها... بقيت لثواني طويلة وكأنها حائرة عما ترتديه... لكنه يُدرك أنها تبكي من كتفيها التي تهتز...أنزل عيونه حيث ابنه مُتشبثٌ بها وكأنها امانه الوحيد... لعن بصمتٍ وهو يخرج من الغرفة... لا يدري ما الذي دهاه معها... لماذا في كل مرة يشعر أنها تبني كيانها بعيدا عنه...يُجبرها على العودة لأسفل تحكماته...
مسحت دموعها ... ثم بدأت تُثرثر مع وريد تُحاول بت الاطمئنان إليه...ثم انسلت عباءة سوداء طويلة بالية بحجاب مناسب ولبستها في خنوعٍ...تُحاول ألا تدع لدموعها فرصة للانهمار...مرة أخرى...وهي ترى صورتها الباهتة في المرآة أمامها.
كانت تبدو قبيحة جدا.

***

- " إذن... لقد عدتِ..."  صوته وصلها قبل أن تمد يدها لزر الإنارة...لتتجمد مكانها ونبرته تصلها تحمل من الحقد والغضب الكثير...
- " أوصلني والدي قبل ان يتجه لصلاة الفجر؟!" أجابته هامسة...لتسمع صرير عجلات كرسيه تقترب التي ترعبها...حتى احتك مسنده مع ركبتها، يحبسها بينه وبين الباب.
- " هل استمتعت بقربه؟!... " سألها ببرود تعرفه جيدا...ذلك البرود الذي يسبق العاصفة الهوجاء التي تقتلع الأخضر واليابس...لتتركها كخُرقة بالية...مُعلقة على أحد تلك الأغصان التي استطاعت الصمود.
- " لم يكن في المنزل معظم الوقت... " أجابته برعبٍ، تُحاول أن تتحلى بالقليل من الشجاعة...لكنه يُرعبها...وهذا يظهر له جليا في عيونها...ليمنحه الرضا الكامل.
- " وتُدركين عمن أتحدث..." أجابها ضاربًا مسند كرسيه الذي لم يتقبل بعد أن يكون جزءا لا يتجزأ منه...حتى بعد مرور أشهر على الحادث الذي جعله مشلولا
- " للعام الماضي... حديثك لم يكن إلا عنه..." همست تُجيبه ...ابتلعت ريقها وهو يزداد اقترابه منها... والجزء الحديدي للكرسي ينغرز في ساقها...مدركةً أنه سيترك بقعةً بشعة...في بشرتها الشاحبة الحساسة...التي تستقبل الضربات لتمنحها منظرا بشعًا...كبشاعة أثرها في روحها!
- " هذا لأنني رأيت نظراتك تجاهه...كانت نظرات راغبة...اللعنة عليك...رأيت كيف تُمشطينه، تتوقين إليه..." عيونه اجتذبت عيونها...حتى كونها تعلوه كانت تشعر أنه ضخم جدا...طويل جدا... ومُرعب جدا جدا.
- " لا..." همست ناكرة تُحاول أن تتخطاه...لكنه لم يسمح لها...وهو يزيد بكرسيه اقترابا منها...ضغطت بقوة على الجزء الداخلي لخدها تمنع صريخها من الخروج... طفلها الذي لم يكمل العام بعد في حضنها...تخاف أن تُرعبه...لكنه لم يرحمها وهو يزيد اقترابا هامسا
- " لا تكذبي...."
- " أرجوك هشام.... ابنك سيفيق...دعني فقط أضعه في سريره...ثم نتكلم في غرفتنا...أرجوك " استنجدت به أخيرا...لتتنفس الصعداء وهو يبتعد عن طريقها
لانت ملامحه...وعيونه تسقط على اللفة في حضنها...وكأنه لمحه للتو...سامحا لها بالعبور.

وضعته على السرير، تتأمله بحب...ثمرة عشقها الذي بهُت ليستحيل لرماد...كيف أصبحت حياتها كهذا؟ ...كيف سمحت لها أن تنسحب من بين أصابعها كرمال صحراء؟ ...التي فقدت دفئها...والأهم كيف تستعيد وهجها...!؟؟

حياتها الآن خراب.... وكأن تلك الأحلام الوردية لم تكن يوما...في اللحظة التي اصبحت بها امرأة موصومة برجل آخر... كيانها أصبح يتلاشى...وكأن الزواج هو أن تنصهر روحها ويبقى جسدها أجوف... يحكمه الزوج...ماذا ترتدي؟ ...كيف تتصرف؟ ...وماذا تقول؟ ...كلها من اختيارات زوج اعتقدت أنها ستكمله...لتجد نفسها تدوي ساحبًا إياها معه للقاع...  في كل مرة يستمتع بإذلالها كان يُحس بنشوة رجولية خالصة...أنه السيد وأنها مجرد " أنثى " خُلقت لاستقبال نطفته...وعندما لم يعد يستطيع أن يقوم بذلك الدور...تحول استعباده، لقتلٍ نفسي...يتلذذ به كلما لمحها...وهو يعمل على إطفاء ابتسامة القناعة عندما تلمع بها عيونها.

كان يكره الرضى في عيونها...يكره أنها سلمت للقدر...وتقبلته... عاجزا جسديا وجنسيا!

لكنه لم يعلم أنه حولها لمسخٍ غاضب...حاقد...تبحث فقط عمن تُفرغ بها الكبث الذي ضخه بها...كانت تبحث عن الأضعف كي يملأ ذلك الفقد الأسود البارد الذي يجرفها...تلك الراحة بوجود حائط تستند عليه كلما هدها التعب...ذلك الأمان الذي يجعلها وجوده في حياتها تفتقر إليه.

دخلت لغرفة نومها تنزع إيزارها...لتتبعه بحجابها، لتنتفض وهي تسمع دخوله ...انتظرت حتى وصوله للسرير لتُسرع جاثية تنزع حذاءه....
بقي يُحدق بها لثواني...ينظر لشعرها الأسود الطويل بتجعيداته الطفيفة...بشرتها الدافئة...وعنقها الطويل الذي طالما أشبعه تقبيلا دون ان يشبع...مرر يده على عنقها...مرورا لبشرة خذها...مستمتعا جدا بأنفاسها الذي زادت اضطرابًا...وعيونها المغلقة التي يجزم أنها استحالت للون داكن من الرغبة...كثمرة ناضجة تنتظر من يقطفها...لكنه لن يستطع... أصابعه قست وهو ينتقل لشعرها...ليُمسكه بعنف رافعًا إياها بقوة...و ذوبانها اثر لمسته يُذكره بعجزه... أنه لن يستطيع أن يُشبع تلك الحاجة لها... غضب قاتل استعر داخله وهو يتخيل انه ربما...ربما ستخونه...عقله المريض صور له أنها فعلا تخونه...فلن ينسى ملامحها في عرس ابن عمها...كيف كانت تنظر إليه تتلمس برقة تقاسيم وجهها وبطنها كانت تحمل ابنه...كانت تتخيل كيف ستشعر وأصابعه تحتل مكان أصابعها..
- " هل تتخيلينني هو...." صرخ بقوة جاذبا أكثر شعرها..." هل تتخيلينه مكاني...يُقبلكِ هكذا..." قرب وجهها لوجهه يأخذ شفتيها في قبلة سحبت المُتبقي من روحها المريضة..." ألم تعد لمساتي تكفيكِ لتذهبي بحثا عن لمساته أيتها الحقيرة الخائنة..." حركت رأسها برفض لكلماته... وآلام روحها يطغى على آلام فروة رأسها " هل تتمنين أن يلمسك كما كان يتلمس ورد...."
- " لا...." صاحت بقرف تتمسك بأصابعه تُحاول فكها عن شعرها
- " رأيتك أيتها الخائنة...رأيتك تمررين يدك على تقاسيمك وأنت تنظرين إليه بلهفة...." نظرت إليه برعبٍ...ليدفعها بقوة ويستقبل رأسها الخشب الصلب لأسفل السرير..." أتعلمين ما سأفعله...سأطردك كالكلاب من منزلي...عارية كما ولدتكِ أمكِ...سأجعل كل القبيلة تشهدُ ذُلكِ وعائلتكِ...سأُمرغُ سُمعتكم التي تتباهون بها بين كل القبائل...سآخذ ابني بعيدا ولن تريه ما حييتِ ... سأخبره أن والدته كانت فاسقة...سيكرهك كما أكرهك ..."
- " لا...أتوسل إليك..." همست وقد أمسك بالجرح النازف في قلبها ...ابنها...وعائلتها" أقسم انني أحبك...هل تذكر؟ ..." همست وهي تقترب منه زاحفة على أربع " هل تذكر عندما وقفت عائلتي ضد هذا الزواج...حاربتهم كلهم من أجلك...لأنني أحبك...أنا أحبك هشام..." راحة قليلة تسربت لها وهي ترتفع لتجلس على فخذيه دون أن يُبعدها...وتبدأ رحلتها في تقبيله...فهي الوسيلة الوحيد كي تُخبره انها تُحبه...رغم درايتها أنه بعد دقائق سيبدأ عويله من جديد...ليبدأ بخط جسدها المخفي بآثاره الوحشية...التي تجعل يتلذذ بسادية وانينها الخافت يصله...
تنظر للحائط المُقابل لها بعيونٍ كالصقر... الكره يحتلهما، الخنجر التقليدي المُعلق على الحائط يُناديها أن تنسله وتغرزه في عنقه...لتستمتع بخرخرة روحه الفاسدة وهي تُغادر جسده المريض... لترتاح للأبد... علتها أن حاربت لأجله عائلتها سابقا...فكيف ستعود الآن مذلولة وقد خسرت الرهان الذي راهن الجميع على فشله ...إلا هي فقد أسرتها حلاوة لسانه!
لتتعلم بطريقة بشعة...أن الرجال أفعال لا أقوال ...!

***

- " لم أكن أعتقد أنك ستحضرين؟!"
- " تعرف ساشا...مقنعة جدا عندما تريد...ولا مُحاضرات لدي حتى المساء" أجابته وهي تنظر حولها لا تريد أن تلتقي عيونها بعيونه...." أين هي بالمُناسبة؟"
- " لا أعلم..." استطرد ببهجة " المرمى الخاص بفريقي هناك...في حالة تُريدين تشجيعي أقصد أردتِ متابعة المباراة "
ابتسمت له دون أن تقول شيئا وهي تنظر للمرمى البعيد
- " نحن منهزمون بثلاثة مقابل لا شيء...لكن مازال هناك وقت للتعويض...."  همس بحرجٍ وهو يُمرر يده على شعره المُتعرق...ليجري بعيدا... وقف قبل أن يدلف للملعب وهو يُنادي عليها " صوفيا... شكراً لقدومك.... الهدف التالي من أجلك..."
رفع إبهاميه بحماس ... لكنه أنزلهما بسرعة وهو يرى تحديقها الغريب به.
جلست تتابع المباراة...ولتكون صريحة، حتى كونها لم تكن يوما من هواة كرة القدم...لكنها لن تلعب أبداً بتلك الطريقة...فريق طلبة الدكتوراه كانوا سيئين جدا أمام فريق السنة الثالثة الأصغر سنا...أغلقت عينا وتقلصت ملامحها بألم وهي تلمح تدخلا قويا من أحد الشباب ضد ماسين الذي سقط بقوة...وهو يُحاول أن يصل بصعوبة واصرار لمرمى الخصم.

كان يتقدم باتجاهها بمُساعدة زميل له.... جارا رجله المصابة... ويهمهم بسخط وانزعاج أنه يستحق ضربة جزاء...عندما رن هاتفها...ابتسمت وهي تلمحُ اسم المُتصل...لتُسرع مغادرة... تابعتها عيونه حتى وقفت على ناصية الطريق...وسيارة كبيرة مُعتمة تقلها...لتختفي...ويختفي معها تلك الطيبة في نظراته مُحتلا مكانها مرارة ....
- " هل أنت بخير ماس..." هتفت كاميليا من خلفه...وقد بح صوتها من تشجيع زُملاءها...لم يلتفت نحوها لتُعاود الصياح " ماس...هل رجلك بخير؟!"
- " نعم..." أجابها بشيء من الحدة وهو يُعاود النظر للطريق الذي اختفت منه وللسيارة ذات الأرقام المميزة ككل شيء بها...
اتجه حيث أغراضه مكدسة هو وزملاؤه وانسل حقيبة ظهره مُغادرا...غير مُكترث لصيحات استهجان اصدقاءه.
***
- " هل تحتاجين لأي شيء؟!.... فهذه ستكون آخر استراحة سنمر عليها... " لم تُجبه وهي تنظر للخارج... السيارات تمر بجانبها بسرعة أذهلتها... لم تطق صبرا كي يبتعدوا عن اخضرار القرى لترى كيف تبدو المدينة...هل سترى مظاهرها من بعيد؟، ناطحات سحاب...السيارات الكثيرة...والمحلات الكبيرة التي بها كل شيء...كيف ستكون؟!...رغم الجرح الممتد في روحها...إلا ان رفرفة الإثارة داخلها من الزيارة الأولى للمدينة طغت على أي شعور...إلا شعورها بعدم الرغبة بالتحدث معه...فليتهمها بالصبيانية...لكنها لن تُلوث لسانها وتُبادله الحديث....
- " إذن... هكذا تبدو الطفلات الصغيرات عندما يخاصمن أحدا..." قال وهو يرفع عيونه مُحدقا بها في المرآة الأمامية...وقد قررت بعناد أن تجلس قرب وريد في المقعد الخلفي...ابتسم وهي تُلصق وجهها في الزجاج ...لتصله همستها الخافتة:
- " أنا لستُ طفلةً صغيرة...لكنني لا أريد الحديث معك..."
- " كنتُ أريد شراء الشوكولاطة...كاعتذار مني...لكن بما..."أعاد هامسا وهو ينظر أمامه
- " نعم يجدر بك ذلك..." قاطعته بطفولية...تقسم أن أجمل شيء في الزواج من ثري... تلك الكُتلة التي تستقبل حواسها مرورتها...لتتحول لمذاق لا يُقاوم...فتتلقفه حنجرتها مُطلقةً تأوهات استمتاع!
ضحك بقوة...جعلتها تنظر امامها باستغراب...وكأن الذي أمامها ليس بزوجها معاذ...بل ترك جلباب المشيخة على باب القرية ليلبس حُلة المدينة.
- " ليست لكِ...بل لوريد...أنتِ اخبرتني للتو أنك لست طفلة صغيرة...."
- " أنت حقا غريب" همست باستغراب...وعيونها تعود للالتفاف تنظر خارجا دون أن تُبهرها المظاهر مرة أخرى
- " لماذا؟! " سألها وقد استعاد هدوءه
- " في ثانية تصرخ وتزعق...وفي الثانية الأخرى تتصرف وكأن شيئا لم يكن..." همست بحيرة ...
- " ألا تعتبر هذه نقطة ايجابية في شخصيتي... فرغم كل شيء انا سهل النسيان..."
أجابها ...ليعبس فجأة وهو يسمع همستها وكأنها تُكلم نفسها...وفي نفس الوقت تتعمد ان تصله.
- " نعم...لهذا احتجت لسنوات كي تنسى وتعود للقرية..."
- " نعم؟!!! "
- " لا شيء.... " أجابته بهدوء وكأنها تراجعت فجأة... ليتلبسه " معاذ العصبي"
- " هذا لا يبدو لا شيء...."
أجابته وكأنها سئمت لعبة القط والفأر بينهما:
- " أنا لم اعرفك يوما...في عرسك من... من ورد.... سمعت نساء يتكلمن حول عودتك لأن والدك ضربك مرة فخرجت من المنزل...ولم تعد إلا بعد سنوات.... في ذلك الوقت استغربت جدا.... لكن الآن...بعدما عرفتك جيدا.... اعتبر الموضوع عادي...وسهل من جهتك..."
- " لماذا؟!! " سألها بهدوء ارتفعت له حواجبها
- " لأنك ببساطة لا تهتم.... اهتمامك منصب فقط في شخص معاذ...ماذا يرضيه، ماذا يُغضبه.... حتى في القرية... مشاريعك...ومعاملاتك...كلها لأنك كنت طبيبا ممتازا...ولا ترضى بأقل من ذلك...وعملك الآن كشيخ...ما هو الا اكتمال لذلك الامتياز...."
- " انا اهتم بوريد... " قال مقررا
- " حقاً...." شخرت بتهكم...لتستطرد بنفس النبرة " انت حتى لم تنطق اسمه أو تحمله الا بعد مرور شهر على ولادته... هذا لا يُعتبر اهتماما... ثم لا تخبرني أنك اهتممت بورد...لأن الظاهر عكس ذلك.... بل أجزم أنك لم تعشقها ابدا. "
كانت تلعب في منطقة خطرة...لكنها لم تهتم...فيوما ما سيلتقي بشخصٍ يُخبره تماما برأيه الصريح به.
- " أنتِ لا تُدركين عما تتحدثين... من الأفضل أن تصمتي وتعودي لطفوليتك...فعالم الكبار لا يليق بكِ..." اجابها يُحاول إغلاق الموضوع...لكنها كانت مصرة...كالشوكة في الخاصرة...مُصرة ان تُعلمه في كل وقت انها موجودة...ولم يتخلص بعد منها...
- " هذا يجعل منك مريضًا... " همست بهدوء وكأنها تُناقش أحوال الطقس
- " أعتذر؟!!" سألها مُستفسرا
- " بما أنك آخر كلمةً اخبرتني اياها أنني زوجتك.... ويحق لك معاشرتي...هذا يجعل منك مريضًا... "
(حقًّا لن يلومه أحد إن ألقى بها الآن في هذا الخلاء...) لكنه لم يكن سيخسر تحديا ولو غير مُعلن بينهما...
- " أنتِ تطرين نفسك جدا... " أجابها مُستفزا
- " بل أعرف نفسي جيداً.... ولست من النوع الذي ينظر بعيدا لمرمى يديه...اما بالنسبة لك...الموضوع ليس لأنني لا أستطيع الوصول اليك...بل أنت من لا يستطيع النزول إلي...غرورك يمنعك من رؤية ما بين يديك...لكن يوما ما...يوما ما يا شيخ...ستبحث عني ولن تجدني..." نبرتها وهي تهمس الكلمات كانت واثقة وبعيدة ...هذا جعله يُخفف من السرعة ليرفع نظراته نحوها...مُركزة في الخارج تنظر ولا تنظر...عيونها على الجبال البعيدة...وعقلها في نقطة أبعد.
- " متشوق جدا لذلك اليوم عزيزتي...متشوق جدا " همس... لتوجه نظراتها وتلتقي بنظراته... وإن كان قد أحس بنشوة الانتصار فقد خبت وهو يسمعها تقول:
-" وانا أيضًا...لتعلم معنى الفراق على أُصوله...أنت تعرف فقط كيف هو فراق الأموات...أُخبرك ان فراق الأحياء أكثر إيلامًا... "

***
بعد عدة ساعات...كان يوسف يدلف إلى منزله، مُتعبا من الرحلة...السكينة داخله جعلت تعبه يتحول للهفة.
اتجه حيث غرفة أطفاله، ليجد مكان يحيى فارغا...ثم لغرفة نومه.... وقف ينظر للمشهد أمامه...مرح تأخذ قيلولتها في جانبه من السرير وبجانبها يحيى...تُحيطه بتملك كعاداتها...بهدوء دلف لغرفة تغيير ملابسه...هذه المرة لم يحترم هوس مرح بالترتيب...بل تخلص من ملابسه بسرعة وخلف فوضى.... ثم اتجه للحمام، ليجد على المرآة ملاحظة مكتوبة بأحمر شفاهها تُخبره أن يوقظها... بصعوبة أبعد يحيى من بين ذراعيها دون ان يوقظها
تحسس حرارة يحيى.... ثم قبل أولاده...ليُغلق عليهم الإنارة...
نام بجانبها...يُحدق في تفاصيلها...لم يستطع ايقاظها وهي تبدو متعبةً جدا.... ليستسلم للنوم كذلك...ورائحتها تُغلفه....
فقد عاد للمنزل.

كان بين اليقظة والحلم.... وهو يُحس بها تتحس وجهه...بنعاس فتح عين واحدة ينظر إليها... لتبتسم أجمل ابتسامة رآها...لم تمنحه فرصة ليستوعب أنها هنا...قريبة منه.... ولم يكن الأمر مجرد حلم...لتقترب منه تباغته بقبلة أطاحت بصوابه...كانت المُسيطرة...وثقتها بنفسها التي يمنحها وجود يوسف بجانبها أعطتها قوة...
ابتعدت عنه...مسلوب النفس والصواب من هجومها عليه...وهي تهمس بانفعال:
- " مرحبا بعودتك " قالت وكأنها تُعاتبه
وقبل أن تنزل من السرير كانت تصرخ بقوة...وهو يجذبها بعنف معيدا اياها للسرير...ثم بحركة مباغتة كان يجلس فوقها مسيطرا على ذراعيها...رعبٌ طفيف كان يهدد بالهجوم من ابعد نقطة في عقلها...لكن صوته الهامس العاشق جعله يختفي كما ظهر فجأة...وهو يدنو منها قائلا:
- " ليس بهذه السهولة...أيقظتني من حلم رائع...وتريدين الهروب بدون عقاب...."
رسمت الجدية المصطنعة على ملامحها وهي تسأله...
- " أعتقد أنه لم يكن حلماً عاديا...والتأسف لن يحل الموضوع.... أخبرني عما كان.... وسأبحث عن طريقة لتعويضك."
ازداد تنفسه ثقلا...وعيونه غامت بمشاعر عنيفة...وهو يهمس برغبة:
- " هو من الأحلام التي ترافقني...عندما أبتعد عن صاحبته...."
رفعت حاجبها ...تنظر إليه بمفاجأة ...لتقول بعدم تصديق:
- " هل تحلم بي... تلك الأحلام... " لم تستطع نطقها...لتستطرد بنفس عدم التصديق " تلك الأحلام يا يوسف؟!!"
لكنه لم يهتم باندهاشها...اقترب منها يتحسس ملامحها بأنفه دون أن يلمسها...يطمئن حواسه أنها هنا...بقربه:
- " وكيف تعتقدين أنني أقضي أياما بعيداً عنك...وأؤكد لك...أنك جامحة جدا هناك..." ضربته على صدره...تتململ لتبعد جسده عنها...هي تقول:
- " ابتعد عني.... أنت فاسد يا يوسف...ابتعد!"  انطلقت ضحكاته قوية...ومجلجلة...لم تستطع ألا تبتسم...ليقول:
- " ليس بعد...فيجب أن تُعوضيني عن الحلم...وبحذافيره..." ليُسيطر على جسدها...مُغيبا إياها.

بعد بعض الوقت...ظهرها على صدره...يُحيطها بقوة...يتحسس شعرها بأنفه...ويزرع به قبلات... لم تكن قبلات شهوانية...بل كانت اخرى... تختلف كليا، تدل على حبه لها كروح وليس كجسد...التفاتة كانت تجعلها تستكين...تجعل جروح روحها البطيئة الالتئام تستكين أيضاً...هي ليست جسدا فقط...بل هي روح!
- " ماذا هناك حبيبتي... " همس وهو يديرها باتجاهه...يُحدق في عيونها الخائفة
- " كيف حالها؟!" قربها منه...يطبع قبلةً طويلة على جبينها....
- " هي بخير.... لكنها ترفض مساعدتي...زرتها في الجامعة...هي تُبلغك سلامها" استطرد بعد صمتٍ طويل "في الواقع... هي ليست بخير تماما "
أغمضت عيونها بقوة...وجسدها يتشنج، ليحكم احتضانه لها هامسًا
-" ذهبت لزيارتها...كانت في ملعب الجامعة...مع رفيقاتها في السكن...لكنها كانت تبدو وحيدة جدا...وكأنها لا تنتمي لذلك المكان...عندما اتصلتُ بها كانت مُرحبة جدا للذهاب...هناك شيء ما يحدثُ معها ...لكنني لا أستطيع اكتشافه"
سكت قليلا وقد اعتقد أن مرح قد غفت...تحركت بعدم راحة ليستطرد " هي تحتاج لامرأة لتتحدث معها...تحتاجكِ مرح..."
ابتعدت بعنف عن ذراعيه التي ضاقت بها فجأة ... لتقول بانفعال وهي تُحيط جسدها بقميص منامته:
-" أخبرتك أنني لا أريد أي صلة بها...رؤيتها ستجلب لي فقط الذكريات الموحشة...والآن لدي عائلة لأعتني بها...لدي نفسي لأُعيدها لتوازنها...لا وقت لدي لأزماتي النفسية."
-" لكن..." قاطعته
-" ليس هناك لكن يوسف...أنا الوحيدة التي أقرر في موضوع مُتعلق بي...وانا لا أريد...يعني لا أريد..."
وخرجت من الغرفة تاركة يوسف غارقا في تفكيره بها...هو يعذر رغبتها بحماية نفسها...لكن الحالة المُزرية التي تغوص بها صوفيا لا تُعجبه...والغريب أنها تُشبه أختها جدا...عنيدة كالبغل...وهي ترفض حصص الدعم النفسي التي اقترحها عليها.
لبس سرواله ... واتجه خارجا...التقى بها تخرج من غرفة الغسيل تحمل الملابس النظيفة المكوية بعناية وتتجه بها لغرفتهما...ليهمس لها بغواية وهو يتبعها... لتدلف للحمام تُعدل حرارته:
-" تبدين مثيرة في قميصي... لماذا تُعطين لمحة الجمال لأي شيء بشع..."
-" هذا لأنني جميلة ..." أجابته بثقة وهي تتخلص منه لتدلف للدش ...وهو فاغرٌ فاهه من العرض السريع الذي قدمته له للتو... زفر براحة فهذا يعني أنها ليست ناقمة عليه...وبالتأكيد لن يرفض الدعوة.

***
في المساء

- " مرحبا... " همست وهي تقف أمامه...تفصل بينهما الطاولة المستطيلة الزجاجية وفوقها طلباتهم...بعد انتهائها من مُحاضرتها وقبل ان تتجه للمنزل أرادت رؤيته جدا... لم يكلف نفسه عناء النظر اتجاهها...بل انكب في حديثه مع زميله.
نظرات البقية من زُملاءه تُمشطها...ينظرون إليها بشفقة كيف تعتقد أن ماسين... الطالب الوسيم الغني سينظر إليها...أو بتسلية وهم يرسمون سيناريوهات عما حدث بين الشاب الغني والفتاة الفقيرة المنبوذة...التي صورتها وهي مُحملة بين ذراعيه لم تُغادر ذاكرة أغلبهم.
تمسك بحقيبة يدها بقوة تُخفي ارتعاشة يديها من تحديقهم بها...لم تكن تُحب أن تكون جميع الأنظار مسلطة نحوها.
-" ماذا تُريدين يا جميلة؟" سألها عدنان أحد زُملاءه الذين لا تُطيقهم...انتظرت منه ان يقوم بتصرفٍ يجعل زميله يُبعد نظراته الوقحة عنها لكنه لم يهتم...
طال انتظارها لردة فعل منه...لكنها لم تحصل عليها...تململت بعدم راحة، والثقة في نفسها تُغادرها ... ابتسمت بارتباك لساشا التي أرسلت لها ابتسامة تشجيع...لتعود أدراجها خارجةً من مقهى الجامعة الذي لم تعتبه يوما...والذل يكتنفها، كيف استطاع أن يجعلها تشعر بكل هذا الرخص...وكيف اقنعت نفسها أن تسأله عن حال ساقه...هو مجرد وغدٍ ليضعها في ذلك الموقف...الكل كان ينظر إليها ...بينما عيونها تتوسل رد فعلٍ منه....
دموعها طفرت من عيونها... هي تستحق كل ما يحصل معها ...تستحقه جدا!

- " آه ...." صاحت وأحدهم يُمسك بذراعها بقوة جارا إياها باتجاه موقف السيارات...التفتت بقوة تُحاول تحرير ذراعها عندما تعرفت عليه " دع ذراعي ماسّين...كيف تجرؤ؟!! هاااا...كيف تجرؤ بعدما وضعتني في ذلك الموقف مع زملاءك؟!"
لكنه لم يُجبها...ملامحه بعيدة عن تلك الطفولية التي اعتادت عليها...وكأنه مرت عدة سنوات على مباراة الصباح...حيث كان يتصرف بطفولية وحماس لينال اعجابها... وقف فجأة ليفتح باب السيارة الفارهة المُنحدرة جدا التي تختلف عن السيارة التي كان يقودها آخر مرة...ليدفعها باتجاهه ويُغلق الباب.... ثم اتجه لجهة السائق...وانطلق بسرعة وهي تتمسك بخوف بمقعدها الجلدي الفاخر.
- " ماسّين... ماذا هناك؟!!! أنت تُرعبني أرجوك...خفف السرعة "
لكنه لم يُجبها...وهو يزيد من الضغط على دواسة البنزين... يكره الشعور الذي تملكه وهو يراها تركب تلك السيارة اللعينة...لم يستطع إلا أن يتبعها...ليراه وليته لم يفعل...كان رجُلا ناضجا، يفوقه عمرا بعقدٍ أو أكثر...وبخبرة أنسته كيف يحمر خجلا وإحداهن تُحدق به بإعجاب...من النوع المُهيمن...الذي لن ترفضه النساء أبدا... يبدو واثقا في بدلته الغالية...بينما هو ما زال ذلك الغُر الساذج الذي يعتقد انه سينال إعجابها بمعاملتها بلطف...أو بالتباهي في الملعب الذي كلفه الغياب لصفوف الملاكمة التي يُحاول أن يجعل عضلاته تستنفر دون ان ينجح… يا إلهي!

كم أوجعته المُقارنة مع ذلك الأشقر المغرور...الذي يتمنى ان يلتقي به في أظلم زقاق...بالتأكيد سيأخذ معه عدنان والمجموعة!!

التفت ينظر إليها مرعوبة...لكن ملامحها الخجلة وذلك الرجل يُحدثها قتلت الشفقة في قلبه اتجاهها... لم يستطع نسيان كيف أمسك بخفة بمرفقها يُساعدها على تخطي الجموع...كانت مرعوبة لكن بمجرد لمسته لها عاد التوازن لها.
يكره نفسه للشعور الذي أوصلته له...وهو واثق ان لا مجال للمقارنة بين ملامحه الطفولية والرجولة النابضة من خصمه...كانت ستختاره دون عناء التفكير.

وكره نفسه جدا...وعدنان يهمس له أنه إن لم يكن يريدها...فليُعطه رقم هاتفها...وكل ما يُفكر به انه لا يملك الرقم!!...قبل حتى أن يُجيب عدنان أن يذهب وأفكاره للجحيم...كان يخطر في باله انه لم ينل ثقتها لتُعطيها رقمها!
بينما الآخر بمجرد رنة هاتف ... كانت تجري لمُلاقاته!!
إحباطٌ قاتل أصابه...وسهمٌ موجع لرجولته!
-" إلى أين تأخذني ماسّين ؟؟...أرجوك عُد ...أريد الذهاب للبيت..." قالت بصوتٍ مرعوب...لتقترب منه وتتمسك بذراعه تترجاه هامسة "أرجوك ماسّين"
توقف فجأة إثر همستها...التفتت تنظر حولها... كانا في منطقة معزولة جدا الظلام سائد ولا إنارة قريبة...وصوت تلاطم الامواج يصلها...صدره كان يعلو ويهبط وكأنه من قام بكل الجهد وليس السيارة ليصلا لهذه البقعة الخارجة عن المدينة
- " أنا أيضاً لدي سيارة فارهة...." قال بهدوء وهي تُحدق به... " إن كان كل ما يلزم لتنظري إليّ ...سيارة لعينة فهي معي..."
- " ماذا تعني؟!" همست برعب وملامحه لم تكن تلك التي تعودت عليها... نظر باتجاهها...يُحدقان في بعضهما... وحدهما أسفل الإنارة الخفيفة للسيارة...يُحيط بهما الظلام...وكأنهما وحيدين في كل الكون ورفيقهما البحر المُتلاطمة امواجه بعنفٍ...تُترجم صخب دقات قلبيهما... تلك النظرات العنيفة تحولت لأخرى تُخبرها أن تُسلم له...ان تدع ذلك الضعف المقرون بوجوده حولها يتسلل إليها ليتملكها...أن يكون الشخص الذي تبكي أمامه كل دموعها...ليحضنها بقوة.
عيونها المُتسعة تُخاطبه دون ان يستطيع فك طلاسِمها...ضُعفها الذي يأسره...ملامحها المنحوتة بإتقان...وشعرها الذي خرجت خصلاته من أسرها...لتُحيط بوجهها...والخوف يُعطيها هالة ضعفٍ دغدغت مشاعره...أشعرته انه أحد الأبطال الخارقين...يستطيع أن يحميها!
كانا يُحدقان ببعضهما... وسؤال واحد زينه الشيطان لهما
(ماذا سيحدث إن قبلها؟!)
(كيف سيكون شعورها إن استسلمت اليوم فقط لعنايته بها)
الفضول أخذ منهما الكثير....
ليقترب منها برأسه...ويُسيطر على شفتيها... بقبلة...



كيف يصدمها...أنه فقد خيطهما معًا...الطُعم القاتل لمعلمه... بئر أسرار خاله اختفى كفص ملح ذاب في المُحيط...وهو الآن بدون حولٍ ولا قوة...فلا هو قبض على المهداوي الذي تحميه قوًى اقتصادية وسياسية... ولا عرف مكان الخطابي.
يبدو ان سعيد مهما اختلفت كنيته سيقوده للجنون
- " مصطفى.... مصطفى... " نادته جميلة وهي تُمرر يدها على صدره " هل أنت بخير؟"
نظراته عليها...وكلما زاد الوقت كان يفقد الشجاعة في إخبارها لينطق بأول شيء خطر في باله:
-" معاذ قادم...ومعه زوجته الجديدة...أتمنى ألا يكون لديك مانع!!"
عيونها المشككة عليه...هي لا تُصدق ان الأمر الذي يقض مضجعه ليجعله بعيدا عن تأثيرهن عليه. هو قدوم صديقه وزوجته!
-" تعرف أنه مرحب به في أي وقت...لكن ليس هذا ما تنوي إخباري به."
قالت وهي تندس بجانبه في الأريكة.
مهما تدرب ودرب عسكريا، إلا أن لها طُرقها الخاصة التي تجعله ينطق:
- " الموضوع أنه لا يستطيع الذهاب لشقته القديمة...أغراض المرحومة مازالت هناك..." قال وهو يستوي جالسا مُبتعدا عنها بمسافة آمنة لروحه... ابتسم لها وقد فشلت خطتها...وقبل أن يُقربها أكثر...صوت إحدى بناته صدح مستغيثًا
- " بااابيييي بااابيييي........بااابيييي"
وقف بهلع...و توجه للحديقة الخلفية حيث خرجتا منذ قليل للّعب... دقات قلبه توقفت عن ضخ الدماء لأضلعه.. و هو يلمح آثار الدماء على الأرضية البيضاء.... كانت آثار لأقدم صغيرة حافية....و مرسومة بإتقانٍ على البلاط الأبيض اللامع...صراخهن القادم من الخارج...بقع الدم جعلت  رائحة وهمية  تزكم أنفاسه...ليُصبح جسده مُتيبسا...و صورة احدى بناته تجري لتتعلقه بساقه و لباسها الأبيض اختفى أسفل الدماء الحمراء...لم يستطع ان يخطو تلك الخطوات التي تفصله عن ابنته الاخرى...الرعب من خسارة إحداهن جعله مشلولا...مسلوب الإرادة...و أسوء كوابيسه تُصبحُ حقيقة!

Weiterlesen

Das wird dir gefallen

248K 23.8K 19
تَبدأ حِكايتِنا بَين بِقاع اراضٍ يَسكنُها شَعبّ ذا اعدادٍ ضئيلَة ارضٌ تُحَكم مِن قِبل ثلاث قِوات و ثالِثُهم أقواهُم الولايات المُتحدَة | كوريا الجنوب...
705K 14.9K 55
نتحدث هنا يا سادة عن ملحمة أمبراطورية المغازي تلك العائلة العريقة" الذي يدير اعمالها الحفيد الأكبر «جبران المغازي» المعروف بقساوة القلب وصلابة العقل...
432K 20.1K 32
احبك مو محبه ناس للناس ❤ ولا عشگي مثل باقي اليعشگون✋ احبك من ضمير وگلب واحساس👈💞 واليوم الما اشوفك تعمه العيون👀 وحق من كفل زينب ذاك عباس ✌ اخذ روحي...