واهنة كالخيال

89 28 114
                                    

من أنا؟

مجرد طالبٍ في الصّباح، وموظفٍ بدوامٍ جزئي في المساء... وما بين الإثنين أنا لا شيء.

مجرد شخص خاوٍ من المشاعر، يتجرعُ علقم الإهانات كلّ يوم، و يتذوق أطباق العنصريةِ المزينة ببضع رشات من التّنمر ، بل لأكون أكثر دقة يتناولها حدّ التّخمةِ مكرها .

ومجددًا من أنا؟

أحدُ أخطاءِ الطّبيعة، صاحبُّ الوجهِ الدّميم، الأسنانُ المبعثرة، البشرةُ الدّاكنة والشّعرُ المجعد، أنا محضُ كومةٍ من القمامة الّتي لن تغري أحدًا مهما تجملت.

ومرةً أخرى من أنا؟

أنا من دنس الأبجديةَ حين استعملها، من أفسد الأرض الإسفلتية حين داسَ عليها و أوحلها، من لوثّ الهواء حين تنفس، ومن اختنقَ من الأعينِ الّتي تنهش، أنا مجرد نكرةٍ لا مكان له في هذا العالم.

أنا الحشرةُ المتكورة على ذاتها، الّتي تسببُ طنينًا مزعجًا ما إن تتحدث، الإنطوائي الّذي وجدّ في صحبةِ الجمادات خير صديق يؤنس وحدته.

لكن كلّ شيءٍ يقلب ما بين ليلةٍ وضحاها، وحلمُ الأمس سيغدو حقيقةً اليوم، ما بعد عدةِ انتكاسات وجدتُ صديقًا بنكهةِ أمل ،صديق... تجاهل كلّ عيوبي ومساوئي راميًا بها عرض الحائط مهتمًّا بجوهري المدفون بين أكوامِ القباحةِ والكثير من الشّحوم.

أنقذني من بعض المتنمرين اللذين لم ولن يكفوا عن مضايقتي حين تسنح لهم الفرص، وبدأ بالتّخلصِ من الأصفاد الّتي أُحسِنُ إقفالها حولي، فبات صديقي المفضل.

برفقته لم أعر اهتمامًا للشتائم الّتي تستمطرها أفواه مدّعي الإنسانية ولم ألقِ لها بالا.

كان بلسمًا لجراحي أنا الّذي لم أنل حظوةً في عين احد.

ذهلتُ حين رأيتُ نظراتِ الإعجاب في عينيه أنا الّذي لم أقابل سوى نظراتِ الإحتقار والإزدراء منذ ولادتي.

التمستُ فيه الدّفئ كمشردٍ ينشد وهج نار في ليالٍ باردة.

فأصبح أخي غير الشّقيق، الّذي احفظُ تفاصيلهُ واهتماماته عن ظهر قلب؛ لأكون رهن إشارته في التو واللحظة الّتي يحتاجني بها.

الدّقائقُ كانتْ تهرول برفقته، والأيام حازتْ على لقب أفضل عداءٍ بجواره ؛ فاللحظات السّعيدة لا تدوم مهما تشبثنا بها، حتى وإن توسلناها.

اعترض طريقي ذات المتنمرين حين كنتُ ذاهبًا لملاقاته، ابتدأوا جولةً جديدةً من جُملِ الإشمئزاز والسّخرية الّتي شاءت لهم، ومن ثمّ كالوا إليّ الكثير من اللكمات الّتي اردتني أرضًا لشدّتها.

مسحتُ خط الدّماء الّذي سال من فمي ثمّ التفتُ حولي برويّة، فوجدتُ شرذمةً من الأشخاص الذين يطالعونني بفضول، شماتة.. وشفقةٍ ربما.

كانتْ إهانتي كمسرحيةٍ أبيح شهودها للناس أجمع و عوقب من حاول انهائها، جذبهُم هذا العرض المثير أكثر من جذبُ الضوء للذباب، لكن ما استوقفني كان وقوفه متفرجًا دون أن يأتي بأية حركةٍ تذكر.

لم يحاول مساعدتي أو فض النّزاع بل اكتفى بالمشاهدةِ كغيره؛ لشدة سأمه وملالته ربما.

حزنت ، قُهرت وكرهتُ البشرية جمعاء، تعالت الشّهقاتُ من حولي حين بادلتهم اللكمات، ولأكون صادقًا دهشتي من ذاتي كانت أكبر من أي شيء قد يخطر على بال ولكنّ الكثرةَ تغلب الشّجاعة، استمر الشّجار وبعد عدة دقائق والكثير من الرّكلات انتهى العرض، و ولوا الأدبار في حين بقي هو.

نهضتُ عن الأرضِية الّتي كانتْ حلبة مصارعة من دقائق، اتجهتُ نحوه بخطى مترنحة و صفعته دون أن يرمش لي جفن ثمّ طويتُ الأرض تحتي واختفيتْ عن انظاره، محاولًا نسيان ابتسامته الخبيثة.

هرعتُ إلى مكان منفرد اختليتُ به مع نفسي، أصدقائي القدامى من جمادات والكثير من الأفكار السّوداوية الّتي انبثقت في عقلي بلحظة واحدة.

تكاثر بداخلي عددٌ غير محدودٍ من الآهات المكتومة وقطراتِ الغيث المالحة، بالإضافةِ إلى كئابتي الّتي تجرعتها حدّ الثمالة.

تمنيتُ لو لم اراه من الأساس، فوحدتي وحياتي الذّليلة السّابقة كانتْ أشدّ رحمةً من مشاعر الغدر والخذلان اللذان يعتريانني.

واخيرًا من أنا؟

أنا من شعر بأنه بشري بعد طول انتظار، من حاول الحفاظ على علاقته الوحيدة الصادقة وكأنها كنزهُ الثّمين، من اكتشف أن صداقته واهنة كالخيال وليتها كانتْ خيالا، والّذي كان أضعف من اللازم ففارق الدّنيا بغير اوانه.

************************************
مساء الخير كالعادة،كيف أمسيتم؟

رأيكم بالنص الجديد.

مساحة لإنتقاداتكم.

تحدث النص كما رأيتم عن العنصرية، التنمر، شعور الخذلان المقيت - والذي أكرهه بشدة - بالإضافة إلى كره الشخص لذاته وتعايشه مع الأمر وكأنه شيء مسلم به.

فقط توخوا الحذر عند التحدث مع احدهم حتى ولو على سبيل المزاح وتأكدوا بأن كل شخص جميل بطريقته الخاصة.

ما رأيكم بصديقنا ونهايته ؟
أكانت النهاية واضحة أم مشوشة قليلا؟

-اشعر بالفخر لأنني حدثت هذا الأسبوع أيضا-

لم ادقق النص او اراجعه ولأكون صادقة معكم دائما ما أخبركم بأنني سأعدل النصوص بعد نشرها ولكنني لا أفعل.

هل هنالك موضوعات تريدون أن أتحدث عنها؟

لقد أطلت لذلك اعتنوا بأنفسكم وأشخاصكم المفضلين إلى لقاء آخر.

آفاتحيث تعيش القصص. اكتشف الآن