هل أنت متأكد؟

284 54 228
                                    

حدقت في عينيّ معلم الفيزياء العجوز ذاك وبالكاد سيطرت على نفسي، أخذت حقيبتي التي تحتوي على كتابين ودفتر وقرطاسية مبعثرة، ثم خرجت ورمقت العجوز بنظرة اشمئزاز لن ينساها، اتجهت نحو..حسنًا لا أعرف إلى أين أذهب، المنزل عبارة عن بئر مشاكل، ولا ننسى تلك الكائن التي تزوجها أبي بعد وفاة أمي، أحقًا استبدلها بتلك الكائن؟ يا له من أحمق، واعتقدت أني سأهرب من مشاكل المنزل بذهابي إلى المدرسة، لكن لا أحد يتركني في حالي!

لم أدرس في المنزل بسبب تلك الشمطاء التي تتأمر عليّ بينما أدرس، «لدي امتحان أيتها الحمقاء، دعيني وشأني فقط!» قلتها وأنا أمسك بكتاب الفيزياء «إذا لم تفعل ما قلت سوف أخبر والدك أنك تتعامل معي بسوء، وأنت تعرف ماذا سيفعل لك، ثم لماذا تدرس أصلًا؟ سوف ترسب بكل الأحوال، تشه». قالت كلامها والحقد يفيض من عينيها، يا لها من متسلطة، لذلك لم أدرس لإمتحان اليوم وفكرت في الدراسة هنا في المدرسة قبل الحصة، لكن لم يتركني أحد وشأني، وجاء مجموعة من طلاب السنة الأخيرة الحمقى وبدأوا بمضايقتي حاولت تجاهلهم والهروب بعيدًا لكن بلا فائدة! ذهبت لأخبر المدير لكنهم أبرحوني ضربًا وأخذوا كتابي، ماذا سيفعلون به! لعنة الهنود الحمر عليكم أيها الاشقياء، ومن ثم مزقوه وبدأوا يسخرون مني، رائع!

الجو في المنزل بائس والمدرسة أسوء، لم أدرس أصلًا وحاولت إخبار مهووس الفيزياء ذاك لكن ماذا فعل؟ قال أني اختلقت الأمر وبلا بلا، ليست أول مرة بالتأكيد، حاولت الصبر على هذا الحال لسنوات، ولكن هل هنالك فائدة؟ لا فائدة من عيشي ولا ضرر في موتي، إضافة إلى أن الموت سوف ينهي معاناتي تلك، وسيكون بمثابة رحمة مني لنفسي.

مشيت ومشيت، لا أدري إلى أين أتجه، مرت ساعة على خروجي من المدرسة البائسة، أعاني في المنزل ولا أحد يعرف، أعاني في المدرسة ولا أحد يهتم، ويتوقعون مني أن أقدم شيئًا وإن لم أفعل لا يعجبهم الأمر، تبًا، مهما فعلت لن أرضي أحدًا ولن يشكرني أحد أو يمدحني، لماذا أعيش أساسًا؟ فقدت والدتي وهذا أسوء ما حصل لي، ومنذ رحيلها والسوء يلاحق روحي الباهتة، سوف أنهي هذا وأذهب لرؤية أمي مجددًا.

لا أنكر أني متردد، لكن يجب أن أفعلها، يجب أن أتشجع وأفعل شيئًا لمرة واحدة في حياتي المزرية، هنالك جسر في طور البناء، ولحسن الحظ لا أحد هناك كي يتحفني بمحاضرة عن الانتحار وكم هو سيء وهذا الهراء، أشك أن الذين يقولون هذا لم يحدث لهم شيء سيء يريهم قساوة الحياة، لم تصفعهم الحياة صفعة حقيقية.

حسمت قراري، سوف أذهب الى منطقة البناء وأرمي بنفسي في الماء، ما الصعب في هذا؟ لا شيء! سآمل فقط ألا أرى شخصًا أحمقًا لم ير من الحياة شيء ويقول لي بلا بلا الانتحار ليس حلًا، لأنه الحل! بل الحل الأمثل والوحيد.

وصلت إلى الجسر، أنظر هنا وهناك للتأكد من عدم وجود أحد، لا يوجد أحد، جيد! المكان مرتفع وهذا يخيفني قليلًا، لا أهتم فأنا هنا لأنهي حياتي أساسًا! لن أشعر بشيء على الأرجح، وإن شعرت فهذا أهون من العيش في غابة مقرفة لا عدل فيها، انتهى وقت الثرثرة، صعدت على حافة الجسر ونظرت أسفلي، هذا ارتفاع شاهق بحق، أغمضت عيني لكن حالما سمعت صوتًا يقول: «هل تنتحر؟ لماذا يأخذ هذا وقتًا طويلًا؟» مهلًا، إذًا البشر لن يتركوني في حالي حتى وأنا أموت! «ماذا تفعل هنا أيها الأحمق؟ دعني وشأني» قلت بحدة، «وما شأنك؟ استعجل هيا فهنالك أناس ينتظرون دورهم» قالها مما جعلني أبحث بعيني عن شخص آخر لكن لا أحد هنا! من أين جاء هذا المختل الآن؟ قلت له: «انتظر دورك، ولا تزعجني فأنا أحاول أن أموت هنا!» «سأنتظر، لكن ما الذي جعلك تفعل هذا؟» قال بتساؤل، لن يتوقف هذا الثرثار أم ماذا؟ نظرت إليه ولم أقل كلمة، فنهض ووقف خلفي وقال: «لن أتفلسف أو شيء كهذا، حسنًا أنا أكذب سأفعل بالطبع!» صرخت: «يا إلهي! اخرس فقط!» قال بصوت منخفض: «سأخرس، لكن بعد أن أنتهي» ثم مد لي يده لأنزل، أبعدتها ونزلت بمفردي، لا أحتاج أحدًا في الواقع، بدأ محاضرته يقول: «إذًا؟ سوف تنهي حياتك بسبب..؟ الفقر؟ ليس لديك مأوى؟ أم لديك مرض مميت؟ أو تمشي بكرسي متحرك أو بلا أطراف أصلًا، أوه لا! لا شيء مما سبق، في الواقع أنت سليم معافى».

حسنًا ربما لا أكون أي مما سبق لكني لم أعد أحتمل، ربما أنا ضعيف واعترف بذلك، لكن لن أستمر! لست مجبرًا، صمت ولن أقل شيئًا ثم انتهزت فرصتي بينما هو يقف ويحدق كالأحمق، هرعت إلى طرف الجسر ووقفت بسرعة أحاول القفز وإذا بشيء يشدني إلى الوراء بقوة، الأحمق لن يتركني وشأني أم ماذا! أوقعني على الأرض فوقفت وتقدم نحوي وقال: «إذًا؟ سنفعل هذا بالطريقة الصعبة، أنت من اخترت هذا! متأكد أنك تريد الموت؟ هل أنت متأكد؟» مهلًا ماذا يقول؟ أعتقد أنه أحمق ومختل أيضًا لكن قبل أن أجيبه دفعني وأوقعني على الأرض وقال: «هذه الحياة، تسقطك أرضًا ثم تنتظر كي تقف على قدميك ثم بوم! تسقطك مجددًا، لكن بقوة أكبر من قبل، وهكذا تستمر الدائرة ولن تتوقف، أحقًا تريد إنهاء حياتك؟ أشك في هذا، أنت تريد أن تجد نفسك، تريد أن يلاحظك أحد، تريد أن يهتم لأمرك أحد، لكن في الواقع أنت لا تحتاج أحدًا، الحياة عبارة عن سلم فيه عقبات، قد تعبر العقبات بواسطة الناس لكن بدونهم لن يحدث تغيير كبير، بدونهم تبذل جهدًا أكبر، لكن في النهاية انه سلم! سنصل إلى نهايته يومًا، لا تعرف متى حتى لذلك لا داعي لأن نكسره بينما نحن فوقه، الوصول للنهاية كفيل برمي السلم، هنالك أشخاص كثر في العالم يموتون يوميًا لأسباب مختلفة، ويحاربون من أجل يوم آخر لعيشه، وأنت؟ تريد رمي نفسك من جسر بشكل مزرٍ، اخجل قليلًا من نفسك، لديك حياة واحدة أيها الابله، إذهب لعيشها مهما كان الثمن! إذهب وعشها رغم أنوف الجميع! عشها كما تريد ولكن بالمعقول، لن تتكرر هذه اللحظات، لا تقف هنا كالأبله وتنتحب على حياتك بينما يمكنك إنقاذها! حياة واحدة أتفهم؟ مهما كان ما ستفعل وما فعلت، يجب ألا تندم على شيء فعلته، أولًا لأنه راح في خبر كان، ثانيًا لأنه لن يعود مهما ندمت، فما فائدة الندم؟ لا شيء! سوف يخرب عليك اللحظات التي تعيشها حاليًا وستندم على ذلك مستقبلًا، وهكذا في حلقة حمقاء! ربما موتك لن يغير شيئًا، لكن لو فكر كل البشر هكذا من سيتبقى؟ ماذا استفاد الآخرون من حياتك؟ ألا تريد العيش وترك أثر جيد يذكرك الناس بسببه؟ إذًا استمتع موتك، لا أحد سيمنعك، بالنسبة لي أنا لا أريد الانتحار، أتيت إلى هنا مقررًا أن هذا هو الأثر الذي سأتركه في العالم» أنا..لا أدري ماذا أقول! كلام هذا الشخص جعلني أفكر مرارًا وتكرارًا في الكثير من الأشياء، سأقتل نفسي لأجل المتنمرين الأغبياء والشمطاء؟ لن يحدث! سأعيش رغمًا عنهم، سأعيش كما أردت دومًا، سأعيش..حياة طبيعية! سأعيش وأتخرج وأذهب للجامعة التي أريد وأحقق حلم أمي، سأعيش لأجل نفسي!

وقبل أن أقول شيئًا، أسكتني وهو يقول: «جيد! الواضح أن الطريقة الصعبة أثمرت نتائجها، دومًا ما تفعل، بالتوفيق في حياتك!» وأدار وجهه يهم بالرحيل فقلت بسرعة: «مهلًا! أشكرك حقًا على ايقافي أولًا ثم على اعادتي لرشدي ثانيًا، ربما لن يفيدك الشكر في شيء لكن هذا أكثر ما أستطيع اعطائك إياه» فقال مبتسمًا: «لا داع صدقني، وجود ابتسامة على وجهك بمثابة أفضل شكر لي، ودعنا لا ننسى بقائك على قيد الحياة وعدم قتلك لنفسك» أنهى كلامه بقهقة خفيفة فقلت: «على الأقل، هل لي أن أعرف اسمك؟» نظر الي قائلًا: «ربما، يمكنك مناداتي أحمد، صانع الابتسامات».

تمت بحمد اللّٰه. 💛

آرائكم؟ أتقبل النقد البناء فقط.

ملاحظات؟ أخطاء املائية؟

هَل أَنْتَ مُتأكد؟ || ?Are you sureWhere stories live. Discover now