عقدة

119 31 219
                                    

لو سألتُ ذاتي القديمة عن الحياة، فسأجيبُ بأنها مجموعة من الخيوط المتشابكة، والتي تلتقي في عقدةٍ واحدة ألا وهي المصادفة.

تمامًا كما التقينا ذات يوم في الحرم الجامعي، رأيتكَ فرقتني ولم أمنع نفسي من استراق بعض النظراتِ نحوك وكأنكَ بطل أسطوري تهتف الجماهير بإسمه .

تكررتْ لقائاتنا تحتَ مسمى "مصادفة"، فمرة تلقي عليّ تحيةً عابرة فأبادلك إيّاها، وأخرى تطلبُ بعض الملخصات.

كُسِرت بعض الحواجز الّتي كانت تحول في ما بيننا فمررنا بعدها بعدةِ مراحل، ابتدأناها بنظرة وانهيناها بكوبِ قهوة في مقاهي العشاق.

أما الآن فأنا على يقينٍ تام، بأن لا وجود للصدف في حياتنا، فكلّ ما نلاقيه بغيرِ تخطيطٍ مسبق، وكلّ ما يحدثُ بيننا من مدٍ وجزر ما هي إلا أحداثٌ مسيرة لسبب ما، وليستْ خلاف ذلك.

ما بين وجيفٍ ورجيف حزم نابضي أمره، ضربَ بمطرقته وأعلنَ أن وقت الحْبِ قد حان.

استلم طرف اللجام ليقودَ هذا الجسد المنهك بدلًا من الدّماغ؛ يرسلُ سيالاتهِ العصبية لأطرافي؛ سامحًا لها بالإرتجافِ في حضرةِ مقامك، كما يربطُ على لساني حين تتفرع المواضيعُ لذكرك.

كنتُ أحب اهتمامكَ بتفاصيلي الصّغيرة والّتي يراها البعض تافهة، كما كنتُ عاجزةً عن كبحِ جموح مشاعري الّتي تسحبُ نفسها للهاوية.

لكنّني ألقيتُ مرساتي مستعدةً للغوصِ بين أحضانك واللهو بين طيات كلامكَ المعسول، وقبل أن تطأ أطرافُ أصابعي المياه امتدتْ يد والدّي وسحبتني بعيدًا.

ويال سخريةِ القدر، علم بعلاقتنا بالمصادفةِ ذاتها الّتي جمعتْ قلبينا، ومنعني من ملاقاتك أو حتى محادثتك، وبعد إعلاني للتمرد والعصيان، وبختُ بشدة وسجنتُ في غرفتي.

هاتفتُ صديقتي المقربة خلسة... تلك الّتي رمت قلبها جانبًا وداست على مشاعرها حتى تفتتت، اخبرتها بما حل بقلبي المُبتَلى وعن مخططاتي، فقابلتني بالرّفض«ابقِ حرةً طليقة ولا تدخلي بقدميكِ مقبرة الحب وجبروتها، وإن سقطتِ بها سهوًا فباشري بوأد مشاعركِ بها قبل الخروج».

وبعد يومين راسلتني قبل أن ادخل في سباتٍ قائلة«لا ترتكبي الحماقات، المشاعرُ لعائلتك ولأصدقائك فقط وما غير ذلك فقلبكِ ليس مُرحِبًا بالزّوار، ما زال بمقدورك النّجاة على عكس أولئك اللواتي ذهبنّ إلى مقصلةِ الزواج مجبرات».

استمرَ كلامها بالطوفان في عقلي حتى ساعات الفجر الأولى فقررتُ محادثةَ صديقةٍ أخرى؛ لعلي أجدُ في جعبتها ما يريحني من كلام، ظللتُ اقلبُ الهاتف في يداي بتوترٍ منتظرةً إجابتها وسرعان ما جائني ردها القاطع برسالةٍ نصية «ما الحبُ إلا خدعة اختلقها الرّوائيون وانطلت علينا، لا تنسجي أحلامًا عالية المنال؛ لن تقبل هي الهبوط إلى واقعنا ولن تستطيعي التّحليقَ إليها بدورك».

آفاتحيث تعيش القصص. اكتشف الآن