متلازمة السعادة

174 42 247
                                    

الهواءُ العليل يداعبُ طرف ثوبها الأسود الطّويل الّذي تكاد تتعثر بهِ في مشيتها بعنفوان، الجو عاصفٌ وكئيب وكأنّه يقاسمُها أحزانها.

أكملت سيرها ثمّ انحنت واضعةً الزّهور البيضاء الّتي تشابهُ بياض روحهِ على النّصب الحجري الماثل أمامها، اعتدلت بوقفتها لتمسح الدّموع الملبدة في عينيها بينما تهمس :اشتقتك.

بدأت الذكريات بالتّكاثر في ذاكرتِها المرهقة بوطأة الفراق، فها هي تراهُ بوجههِ العاجيّ المنير كقرصِ شمس مشعة.

نعم شمس.... لطالما كان كذلك بينما كانت هي ذلك القمر الّذي يستمد منه الضّياء لينير.

كُتبت لها الحياة فور سماعها لضحكاته الرّنانة الّتي تبدو كمعزوفةٍ موسيقية.... وكم تشتاقها.

تشتاق حركاتهِ العفوية وتعابير وجهه عندما تسرد له حكايةَ ما قبل النّوم: حركةَ يديه المنفعلة، العقدةُ ما بين حاجبيه الدّقيقين، عيناه المتباعدتين الجاحظتين اللّتين اعتادت السّباحة بهما.

لكنّها كانتْ بلهاء منذُ البداية، ألم تعلم بأن البحر مخادع منذ الأزل؟ وها هو الآن قد تركها تتمتع بأمواج السّعادة لبعض الوقت، ثمّ ألقى بها إلى اليم ورحل.

تشتاق قهقهاته الّتي كانت تهلل طربًا لسماعها، كانت تبعث فيها الرّوح من جديد، لكنّها الآن خاويةٌ من بعده، جسدها يسير على الأرض بينما روحها تعانق السّماء.

تشتاقُ أصابعه الصّغيرة الّتي كانت تتمسك بخاصتها لعلها ترسل الدّفء لأحد شطآن قلبه.

تشعر بأنّها تهرول بين السّحاب عندما تعبث بخصلات شعره.

ترى وجهه المفلطح أمامها فيتبادر إلى ذهنها سؤال وحيد لا تجد له إجابة: لم يكرهُ البشر الشّكل المفلطح الّذي تتخذه وجوههم؟ لماذا كلُّ هذا النّفور منهم، أوليست الأرض مفلطحة؟ ما هذا التّحيز إذا.

كانت علاقتهم غايةٌ في الجمال يحميها من حزنها لتحميه بدورها من قساوة البشر.

الغيث يهطل من عينيها بغزارة مستبيحًا رياضه، ارتعشت يداها عندما صدح صوته المديد بلكنته الثّقيلة داخل عقلها لتخترق شهقاتها فضاء المقبرة من حولها.

لماذا تتهافتُ ذكرياته الآن؟ لا تريد أن تكون لينةً أمامه ولطالما كانت مصدر قوته، لكنها لا تستطيع مجابهة الألم الّذي يعتصر قلبها الآن.

من بعد رحيل صغيرها تهاوت إلى القاع أظلمت وتناثرت أشلائها أرضًا.

تراها فترى من مقلتيها أنها تخوض حرب ضروس مع نفسها، تجلد ذاتها، وتوجهُ فوهةَ البندقية لمنتصف قلبها.

تريد الشّهادة لتتمكن من وصال ملاكها الصّغير لكنّها لا تستطيع.

الكثير من الأمور والأفكار الخبيثة خاطبت عقلها فترةَ وجوده، لكنها نسيت أو تناست الفراق مع أنّها على يقينٍ بأنه قادم لا محالة، لكن الفكرة الّتي كانت ترفضها بنحاب انقضت عليها دونما رحمة.

النّاس تنعى في ديارها، هذا الأمر جعلها هشةً أكثر من اللازم فباتت كحبات الرّمال الّتي تذروها الرّياح على أهوائها.

من سيزيل الغبار الّذي تكدس على رفوف ذاكرتها الّتي تأبى التّجدد؟

تتمنى أن يعود ليستهزئ بها ليضربها ليقوم بكلّ الأفعال الشّنيعة الّتي تعلم بقرارةِ نفسها أنه لن يأتي بها مطلقًا.

تكره البشر حين يتطاولون بأعناقهم ليصعدوه بأعينهم بنظرات ملئها الاشمئزاز.

كنتَ تمتلك جمالًا منقطع النّظير بنظرها، حباكَ اللّه حُسنًا لم يهبهُ لبشرٍ دونك، جميل التّقاطيع، تحمل جمال الكون بين يديكَ الصّغيرتين وتلهو به.

لكن البشر قد تفننوا حينما أماطو اللثام عن وجوههم معلنين بذلك وقت ظهورهم على حقيقتهم وزوال الأقنعة، و أسفاه.

أخذت عبارات النّقص تقتتل في أفواههم اقتتالََا حتى وصل سيل من الدّماء الملوثة لأذناك الطّاهرتان.

أيعقل أن يكون كروموسومًا واحدًا متسببًا بكلّ هذه الآلام؟ أم أنها طبيعةُ البشر المثيرين للشفقة.

ذهبت يا مهجةَ القلب إلى الحياة الآخرة وأنتَ مكسور الفؤاد وهي الّتي كانت تحاول بإستماتة أن تكون لكَ فؤادًا رحيمًا.

*************
عدت مجددا فسلام الله عليكم

نص جديد، كيف كان؟
حقيقة أشعر بأنه ضعيف مقارنة بالفصول السابقة

لم أكن أرغب بنشره الآن ولم تنته اختباراتي بعد لكنني أريد الانشغال بأي شيء

ثغراتي في النص والتي ترغبون بأن اتجنبها مستقبلا؟

مواضيع تريدون أن اكتب عنها في القريب العاجل

لا أظن بأنني قد اتمكن من التحديث قريبا

منشن لشخص ترغب بأن يقرأه

ودمتم بحفظ الله ورعايته إلى لقاء آخر

آفاتحيث تعيش القصص. اكتشف الآن