الفصل الثاني

96 9 0
                                    

الإمام الجواد (عليه السلام) وحكّام عصره

1 ـ المأمون العبّاسي

استمرّ المأمون على منهجه السابق في التظاهر بالإحسان لأهل البيت (عليهم السلام) وقد تظاهر بإكرام الإمام الجواد (عليه السلام) فزوّجه ابنته وحاول التقرّب اليه كثيراً لكنه في الوقت ذاته كان يكيد للإمام من خلال تحجيم دوره وتشديد الرقابة عليه، بالرغم من تظاهره بالولاء لأهل البيت(عليهم السلام) والرعاية له بشكل خاص. وذلك لما عرفناه من موقف المأمون من أبيه الرضا(عليه السلام) فيما سبق من بحوث، وبه نفسّر كل ما صدر من المأمون تجاه الإمام الجواد(عليه السلام) .

وسنتطرق الى الثغرات الرئيسية في العلاقة بين الإمام (عليه السلام) والمأمون فيما بعد.

تزويج المأمون ابنته من الإمام الجواد (عليه السلام) :

قال المؤرخون : «لمّا أراد المأمون ان يزوج ابنته ام الفضل أبا جعفر محمد بن علي (عليه السلام) بلغ ذلك العباسيين فغلظ عليهم ، واستنكروه وخافوا ان ينتهي الأمر معه الى ما انتهى مع الرّضا (عليه السلام) فخاضوا في ذلك واجتمع منهم أهل بيته الادنون منه . فقالوا : ننشدك الله ياأمير المؤمنين ان تقيم على هذا الأمر الذي عزمت عليه من تزويج ابن الرضا فإنّا نخاف ان يخرج به عنا أمر قد ملّكناه الله عزوجل ، وينزع منّا عزّاً قد ألبسناه الله ، وقد عرفت ما بيننا وبين هؤلاء القوم قديماً وحديثاً ، وما كان عليه الخلفاء الراشدون قبلك ، من تبعيدهم والتصغير بهم ، وقد كنّا في وهلة من عملك مع الرضا (عليه السلام) ما عملت فكفانا الله المهم من ذلك . فالله الله ان تردّنا الى غمّ قد انحسر عنّا ، واصرف رأيك عن ابن الرضا واعدل الى مَن تراه من اهل بيتك يصلح لذلك دون غيره.

فقال لهم المأمون : أما ما بينكم وبين آل أبي طالب فأنتم السبب فيه ، ولو انصفتم القوم لكانوا اولى بكم ، واما ما كان يفعله من قبلي بهم ، فقد كان قاطعاً للرّحم ، واعوذ بالله من ذلك ، والله ما ندمت على ما كان منّي من استخلاف الرضا (عليه السلام) ولقد سألته ان يقوم بالأمر وأنزعه من نفسي فأبى ، وكان أمر الله قدراً مقدوراً  .

واما أبو جعفر محمد بن علي فقد اخترته لتبريزه على كافة أهل الفضل في العلم والفضل ، مع صغر سنه ، والاعجوبة فيه بذلك ، وانا أرجو ان يظهر للناس ما قد عرفته منه ، فيعلمون ان الرأي ما رأيت فيه .

فقالوا له : ان هذا الفتى وإن راقك منه هديه فانه صبي لا معرفة له ولا فقه ، فأمهله ليتأدب ثم اصنع ما تراه بعد ذلك .

فقال لهم : ويحكم اني اعرف بهذا الفتى منكم وان اهل هذا البيت علمهم من الله تعالى وموادّه والهامه ، ولم يزل آباؤه أغنياء في علم الدين والأدب عن الرعايا الناقصة عن حدّ الكمال ، فان شئتم فامتحنوا أبا جعفر بما يتبين لكم به ما وصفت من حاله .

الامام محمد بن علي الجواد "ع" Dove le storie prendono vita. Scoprilo ora