الفصل الثاني عشر:-سيدة الرّياح.

82 37 112
                                    

بَينَ دوي الرياح العاتية، وتَخبط المشاعر في نفوسهم، وما بينَ خوفٍ واستغرابٍ بسبب كُلّ ما يجري معهم، راحت الرّياح المرشدة تدفعهم بقوةٍ نَحوَ المكانِ الذي يبتغون، غيرِ عالمينَ بمكانهِ الحقيقي وبُعدهِ بالنسبةِ لمكانهم الآن. شعورٌ بالغثيانِ لازمهم بسببِ تحريكِ الرياحِ لهم قَبلَ أن تأخذ هذهِ الرياح بدفعهم نَحوَ مبتغاهم.

كانَ كُلِّ واحدٍ فيهم يتمسك بيدِ الآخرِ حتى لا يبتعدون عن بعضٍ ويضيعون، وربّما يموتون، فقد باتت الأشجار تنقلع من مكانها وتطير في الهواء باتجاهاتٍ مختلفة تبعًا للرياحِ وأينَ تتجه بكلِّ دقيقة، وكادت بعض الأشجارِ السّاقطة أن تدهسهم تحتها عدةِ مراتٍ لولا أن الرّياح المرشدة تقوى فجأة وتدفعهم بسرعةٍ ليتفادوا الموت المحتم. كانت هذهِ المُرشدة تدفع عنهم تأثير بقية الرّياح الهائجة في هذا العالم فلا يتأثرون إلا بها وباتجاهها.

أجسادٌ ترتجف بردًا، والضبابُ الكثيف يَحجب الرؤيا، وقطراتُ الأمطارِ الغزيرة تشوش أنظارهم، شعرهم ألتصقَ بجبينهم وراحَ يغطي بعضه أعينهم ويسبب الازعاجَ لهم، سقطوا عدةَ مراتٍ بسببِ الصخورِ المتراكمة وتضررت أجسادهم بسببِ ذلكَ، والرياح تستمر بدفعهم دونَ توقفٍ حتى تخطوا الصخرة العملاقة التي حطمها ذلكَ الكائنُ الصخري الضخم مارينَ من أحدِ جوانبها.

البَرق يَضربُ الأشجار التي بِقُربهم، فإضرمت مُعضمها بالنيران وحتى الأمطار لم تُطفئ تِلكَ النّيران، والخَوفُ في نفوسهم زادَ عن حدهِ. لَم يعرفوا لماذا أقدامهم ظَلّت صامدة وهي تَحمل أجسادهم والرّعب يكاد يقتلهم، ربّما غريزتهم للبقاء تعزز الصّمود في أنفسهم وتعطيهم القوة رغم هلعهم الشّديد.

دوي الرياح العاتية يَعزف لَحنًا غريبًا يَتَوغل لمسامع هارونا، التي لَم تَكترث لهُ بقدر أكتراثها لموازنة نفسها ومُقاومة صاحبة اللّحن وهي تدفعهم نحو طريقهم المنشود. لَم يَسمع اللّحن أحدهم، إلا هارونا، كأنَ الرياح تُخاطِبُها فقط هي. يَعلوا ويَخفت عِندَ مسامعها، لِيتَحول شيئًا فشيئًا إلى كلماتٍ غَير واضحة، وثُمَ يَعود اللّحن مُجددًا.

لَفتَ إنتباهُها تِلكَ الكلمات المُبهمة، فَعلت بوادر الأستغراب تَفاصيل وَجهُها المرتعب والمتربص خوفًا بما حوله، وراحت تُركز في كُل صوتٍ يتبادر إلى مَسامِعُها.

علا صَوت عَزف الرّياح كثيرًا، ثم راحَ يَخفتُ شيئًا فشيئًا، حتى غطى صَمتٌ كُلَ شَيءٍ حولها، فَباتت تَرى ولا تَسمع، شَعرت بِجُزء الزُمردة الذي بِحوزَتها يَشع ويَبعث طاقة في أنحاء جَسَدها، ثُم عادَ السّمعُ لها مجددًا. بالتأكيد أطنان مِن التساؤلات دارت في عقلها عن سبب انقطاع الأصوات مِن حولها، وشعورها هذا، وما مِن جوابٍ يُشفي غَليلُها، وَيُبعد التّساؤلات عنها.

لَم تَعرف ماذا يجري، وما زادها الأمرُ إلا رعبًا، وواصلت سيرها مع البقية وشعورٌ بأنَ شيئًا ما يسيرُ بجانبها، يمنحها القوة، لا تَعرف ما هو ولكنّها تَشعر بهِ.

You've reached the end of published parts.

⏰ Last updated: Mar 07 ⏰

Add this story to your Library to get notified about new parts!

إلى العالم المَجهولWhere stories live. Discover now