الفصل الثلاثون

45.8K 2.1K 830
                                    


الفصل الثلاثون

استطاع أن يلمح من زاوية الرؤية الخاصة به ذلك التوتر الدائر من خلفها، انقبض قلبه خيفةً وارتعد من احتمالية نشوبِ عراك قريب، خاصة أن شقيقته لم تكن في حالتها الطبيعية، بدت مغايرة لتلك المستكينة المسالمة التي عاهدها أثناء خطبته، وكأنها قد جاءت متحفزة للتشاجر مع "فيروزة"، لذا اعتصــر "هيثم" عقله باحثًا عن المهرب المناسب قبل أن تنتبه هي الأخرى لما يدور من حولها، وببسمة مرتبكة ونظرات تائهة استطرد مقترحًا:

-ما تيجي نبص على البحر من هناك، المياه تحفة الصراحة.

تنهدت قائلة بتعبٍ ملحوظٍ في صوتها بذلت أقصى طاقاتها لإخفائه:

-أنا حابة أفضل هنا.

رد مستنكرًا:

-وتضيعي عليكي فرصة زي دي؟

عللت "همسة" رفضها بحرجٍ:

-بس أصل آ....

قاطعها بإصرارٍ علها توافق على طلبه:

-ده احنا بالنهار، والمنظر بيفرق، صدقيني، تعالي معايا مش هتخسري حاجة، ..

التقط أنفاسه وواصل القول بأسلوبٍ دعابيٍ بحت وهو يشير بيده لظهره:

-ده أنا حاسس إنه هيطلعلي أتب من كتر القعدة، مش واخدة بالك ولا إيه

كتمت تلك الضحكة المرحة على طرفته، وظلت شفتاها تتقوسان ببسمة مهذبة، ثم ردت مستسلمة:

-طيب.

حافظت على ابتسامته المرسومة وهو ينسحب بـ "همسة" نحو الشرفة المطلة على البحر في تلك البقعة المعزولة نسبيًا عن الصخب الدائر بالمكان، لكن ظل قلبه قلقًا من توابع الأزمة التي على ما يبدو لن تمضي على خير، ردد لنفسه في رجاءٍ:

-هاتها معايا جمايل يا رب.

.........................................................

اعتقدت بتفكيرها الأرعن والخاطئ أنها تحمي زوجها من صائدة الرجال بتلك الطريقة المتهكمة المسيئة، فزيفت الحقائق وادعت الأقاويل الباطلة مستمتعة برؤيتها تزداد كمدًا، لكنها في المقابل استهانت بمن منحتها لقب عدوتها، وتلقت إهانة وقحة نالت منها بأسلوب لا يمكن السكوت عنه، استشاطت عينا "خلود" وتطايرت شرارات الغضب منهما، ثم انتفضت واقفة لتصيح فجــأة بصوت مرتفع يحمل الحقد قاصدة إهانتها:

-إنتي واحدة قليلة الأدب ومش متربية.

ردت عليها "فيروزة" بنبرة جليدية دون أن تتأثر ملامحها الجامدة:

-مع أمثالك ببقى كده!

التفت الجميع نحو الاثنتين اللاتين وقفتا في مواجهة بعضهما البعض، ظهرت علامات الكراهية بينهما جلية، وإن كانت الأسباب غير معلومة للبقية، تساءلت "بثينة" في استغرابٍ:

الطاووس الأبيض ©️ (الجزء الأول) ✅ - كاملحيث تعيش القصص. اكتشف الآن