الفصل الأول

40 0 1
                                    



" أشعر بأن الحياة صارت مختلفة ، قالتها أمي يوما ما بفرحة .
و أنت نفسك صرت مختلفة و لم تعودي تنغصين علي حياتي كعادتك . "


و حياة أمي التي لم أعد أنغصها كانت علاقتها بالخادمة الجديدة ، حياة أمي بصفة عامة كانت هي البيت و نظام البيت و ترتيب البيت و لمعان النجفة و البريق الذي تعكسه أكواب الكريستال التي أهداها إياها أبي الغائب في جهازها .
" صرت مختلفة "، كررتها أمي و هي تشدد من احتضانها لي .
كنت بالفعل قد صرت مختلفة و ذلك لأن خديجة نفسها كانت مختلفة .
لم تكن تسرق مثل غيرها .
كانت " تستعير " .
تأخذ بنطلونا ، قميصا ، حلقا ذهبيا ثم بعد أيام يعود بقدرة قادر ليظهر في مكانه .
و لا أنكر أعجبني كثيرا هذا فيها ، وجدت لذة في خبثها .
ما استغربت له أيضا أنها كان لها نفس ذوقي و ذائقتي ، دائما تأخذ أفضل أشيائي وأقربها لقلبي .
طبعا لم أخبر أمي عن هذه السرقات الاستعارات .
ما الذي كانت ستفعله ؟ لا شيء .
بسلبيتها المعتادة كانت كما هو الحال دائما لتجعل الخطأ خطئي أنا ، كانت لتقول " لا تضعي حلق أذنيك في أي مكان ، احرصي على إقفال باب غرفتك " و كل هذه النصائح التي تجعلك تشعر أنك لست سيد بيتك ، أنك مجرد زائر داخل فندق تديره الخادمات .
أعتقد أن أمي كانت من ضمن أولئك الناس الذين اخترعوا تلك العبارة الشهيرة " عزيزي الحريف حافظ على أشيائك الثمينة ، نحن لسنا مسؤولون عن ضياعها "
لذلك نوعا ما في داخلي شعرت بالامتنان لخديجة ، كانت كريمة معي ، هذا ما شعرته وقتها كأنها كان يعز عليها أن تحرق قلبي على ممتلكاتي الغالية .
و شعرت بما هو أعمق ، شعرت بأنها تحاول أن تضع نفسها مكاني و شيئا فشيئا تعلمت أنا أيضا أن أضع نفسي مكانها .
و الآن و أنا أنظر لتلك الطفلة الصغيرة التي كنتها لا أستطيع إلا الشعور بالفخر و أنا أتذكر كيف في ذلك العمر القليل السنوات اكتشفت أن الحياة مجرد ركح كبير ، البعض يكون مستريحا في الدور الذي يوكل إليه و البعض يعيش يتنقل من دور إلى آخر دون أن يجد في أيها نفسه .
و هكذا كنت و هكذا كانت خديجة .
و في الفترة التي تلاقت فيها طرق حياتنا أعتقد أن كلتانا عشقت تلك اللعبة : لعبة تبادل الأدوار .
عشت تارة دورها و عاشت تارة دوري و لكني لم أكن أبدا جاهزة لتلك اللحظة المفزعة التي انقلبت فيها الأدوار بشكل جدي و أبدي .
لكن لكي أشرح أكثر علي أن أقول أكثر .
و خديجة كما قلت كانت مختلفة و لم يكن اختلافها يقتصر على ما ذكرته .
كانت صامتة ، لا تتكلم أبدا إلا حين يوجه إليها الكلام و لم تتكلم يوما بسوء عن مخدوميها السابقين مع أنه كان طبعا في الخادمات .
حتى بسنواتي الصغيرة وقتها عرفت أن خديجة لم تخلق لتكون خادمة .
ما بين الضفادع اللاتي كنت أشبه بهن الخادمات كانت هي ذلك الضفدع المسحور الذي ينتظر قبلة الحياة لتتحول إلى الأميرة التي هي عليها .
الآن بعد سنوات لا أدري إن كان علي أن أهنئ نفسي أو أنهال عليها شتما كوني تنبؤاتي بشأنها كانت صحيحة .
كانت المفاتيح أمامي و رغم ذلك لم أنجح في فتح أي من مغاليق أسرارها .

قيود العمر بقلم سارة النجارWhere stories live. Discover now