"بلقيس !!!..إنها انا عزيزتى ..العمة سوزى"
نادت عمتى بهذة الجملة وهى صاعدة على السلالم بعدما يأست نزولى على الأرجح.
نهضت من جانب الشرفة فى خمول أقرب للدوار_أصابنى منذ ثلاثة أيام وحتى الآن_ لا أدرى من أين جاء،
رغم التنميلة الشديدة وكأن جيش من النمل قد غزا اطرافى منذ دقائق فقط ..إلا أنى أردت أن اوقفها عند هذا الحد ..يكفى ..
لقد طفح الكيل!
فُتح الباب قبل أن أفعل ذلك حتى ، وعمتى تتوجه ناحيتى فى حبور تام .
وقبل أن أتفوه بما أريد حقا فى تلك المرة..
تحولت غرفتى إلى ملاهٍ  ..انقلبت حالى راساً على عقب ..انعقد لسانى..و...سقطت محتضنة أرضية الغرفة بقوة انهكت جسدى الصغير.

صرخات العمة تختلط فى ذهنى بكوابيسى فى الأيام الماضيه!
..................
أن تشعر بهجوم ما من العالم الخارجى تجاهك ،فهذا محتمل ،بمعنى ....يمكن إدراكه !
لكن ان يكون ذلك الغزو الشرس منك ،عليك ،
هو ما لا يمكن تحمله ،أو حتى إدراكه...!!

أن تشعر بالاطمئنان لأن الهجوم سينتهي حتما فى وقت ما....هذا مقبول !!
لكن ..أن يكون ادراكك بأن غزوك  "عليك"لن يذهب_على حد علمك_هذا ما لا يمكن تقبله!

فى تلك الحاله ،فإنك تختفى من نفسك..ومن العالم!
ولا أحد يعرف بذلك....إلا أنت !.
تحتاج وبشده للإنقاذ  ...!
التشبث بآخر نفس فى الحياة قبل السقوط فى المياة

إنه أشبه بأن تخطط للانتحار دون وعى منك..
وتريد لأحد ما أن ينقذك فى الوقت المناسب....

هذا ما حدث...لقد شنَّ جسدى هجوما ضاريا علىّ.
....................🌻

فى إحدى أحياء زيورخ القديمة ذات الطراز العربى العريق ..
على غرار النموذج الهندسي فى العصور الوسطى ، حيث زهور الياسمين تغمر الحى بعبق رائحتها الفريدة ..
تتدلى من أسوار الحدائق الامامية للبيوت ذات الطابقين بنوافذها الهيفاء.
ألوان طلاء المنازل الزاهية المغطاة بمختلف أنواع الزهور  ..والتى تخالها  للحظة أنها هى من أزهرت هذة الزهور أمامها من بين خلاياها ..
السحر يغمر المكان ..
لا شك أن السعاده تقطن هنا .
لا بد أن الجميع سعداء هنا.

من يدرى!
لكن..خلف تلك الشرفة الطويلة تحديدا..ذات ألوان الزجاج الزاهية .
لم تزر السعادة بيتها منذ مدة طويلة!

بادرت جيهان الحديث والتى يبدو على ملامحها الشابة المشوبة ببعض تجاعيد الكهولة حول عينيها الشاميتين أنها تفتقد للنوم براحة منذ عدة أيام أو ربما أكثر قائلة:"إياد ..عزيزى لقد تأخرت سوزى أكثر من اللازم.. كان علينا الذهاب الى المطار وإحضارها إلى هنا بأنفسنا ككل مرة".
أطرق إياد رأسه وبدى وكأنه يفكر فيما قالت زوجته للتو.. لكنه..كان أبعد من أن يسمع ماقالته حتى ، حال بلقيس الأخيرة تسبب له أرقا صعب الزوال .. الذهاب لإحضار سوزى ليس ذات أهمية الآن ، لقد هاتفته قبل صعودها على متن الطائرة وأكدت على عدم حاجتها  لاستقبال أحدهم لها عند الوصول، وبررت حاجتها لزيارة إحدى صديقاتها القدامى قبل العروج على زيورخ والإتيان إلى هنا.
أعدل من عويناته الطبية فى تعب ونظر إلى زوجته موجها إليها الحديث قائلا:"لا حاجة لذلك ..هى أخبرتنى بأنها سوف تتأخر لزيارة إحداهن ".
تنهدت جيهان فى راحة من هذة الجهة وقالت:"أوه حسنا ...كنت قلقة بشدة عليها ..لم تعد صحتها تناسب التنقل الكثير فى أرجاء أوروبا كالسابق "
قامت من مجلسها وهى تواصل الحديث على نحو يملؤه الحزن قائلة:"سوف أذهب لتفقد بلقيس، هذة الفتاا ...""
وقبل أن تتم جملتها بشأن بلقيس ، أتاهم صوت صرخة هلعة من الطابق العلوى ...إنها مرام !
ترك الأب ما بيده بسرعة ، كانت جيهان أسرع منه لكن ألم ساقيها لم يفوت فرصة لإعطائها تعثرا جديدا على درجات السلم والذى جعل من إدراك خطواتها أمرا هينا ، أعانها على الإستقامة وصعدا سويا لرؤية ما الذى حدث ..إنها بالتأكيد بلقيس ، حالتها مؤخرا لا تكف عن إذهالنا  بالمزيد الحزين ، الفتاة تنهار يوما بعد الآخر.. وصلا إلى غرفتها حيث بلقيس فاقدة للوعى على أرضية الغرفة تنازع إحدى كوابيسها فى عالم آخر لا يستطيع أحد الوصول إليه .
أحضرت مرام إحدى زجاجات العطور المتراصة حول المرآة ، نثرت القليل على أصابعها وتلمست  بها أنف بلقيس حتى صعدت أخيرا إلى سطح الوعى بإهمال.

نظرت إلى وجه الجميع بغرابة  وهى تشير إلى إحدى زوايا الغرفة ثم قالت:"أين هى ؟لقد كانت هنا!!.."
تحفزت مرام فأجابت  قائلة:"من؟"
مسحت بلقيس بعينيها المتوجستين الغرفة بحثا ثم قالت:"عمتى ..سوزى! "
أجابتها والدتها هذة المرة وفى نبرتها قلق لم تستطع إخفائه قائلة:"سوزى لم تأت بعد بقليس!."
شهقت بلقيس تزامنا مع سقوط دمعه حارقة من عينها اليمنى وهى تُخفى انظارها عن الجميع ..حدثت نفسها بأنهم تأكدوا الآن بأنها مخْتلَّة عقليا لتصورها الآن بوجود عمتها وهى لم تأت بعد ..إنها هلاوس بلا شك ...لكن ....

لكن لماذ! !!!

يُتبع💙👇👇

نمداWhere stories live. Discover now