الجزء الواحد و الأربعون

5.5K 110 5
                                    


د_منى_مرشود

الحلقة الواحدة و الاربعون
~ الحادث ~
لا يمكن أن يكون هذا هو الرجل الذي ارتبطتُ به ! مستحيل أنه هو وليد ذاته... الرجل الطيب الخلوق المهذب...اللطيف الهادئ... الصبور الحليم... ينقضُّ على ذراعيّ بهذه الوحشية و يصرخ في وجهي بهذه القسوة ؟؟
و لأجل ماذا ؟؟
لا أعرف! ما هو الذنب الخطير الذي ارتكبته و جعلته يثور لهذا الحد؟؟
فقط لأنني سألتُ مدللته الغالية عن سبب قتله لعمار؟؟
ألا يجعلني تصرفه أصرُ أكثر و أكثر على معرفة السبب؟ إذا كان خطيرا لهذا الحد... للحد الذي يوشك معه أن يقطع ذراعي و يحرق وجهي بنار صراخه... فهل أُلام إن ألححتُ على معرفة الحقيقة؟؟
مضتْ بضع ساعات و الهدوء يخيّم على المنزل رغم الشحنات المتضادّة التي تنبعث من رؤوسنا... كنتُ قد لمحتُ وليد يدخل غرفة مكتبه الخاص، و لم أره بعد ذلك... أما المدللة العزيزة فهي لم تغادر غرفة نومها على الأرجح... و لم نجرؤ لا أنا و لا والدتي على الاقتراب منها... و إن كانتْ والدتي تردد بين الفينة و الأخرى:
" ألا يجب أن نطمئن على الفتاة ؟؟ "
استدرتُ إلى أمي بحنق و قلتُ:
" لا تقلقي يا أمي... إنها بخير... لا شيء يصيب تلك المدللة... إنها فقط تمثـّل دور المتعبة حتى تسرق اهتمام وليد "
و عضضتُ على شفتي ّ غيظا...
والدتي لم تعجبها النبرة غير المعتادة في صوتي و كلامي فقالتْ:
" لا يا أروى هداك الله... لا يجب أن يصدر منك ِ أنت العاقلة الناضجة كلامٌ كهذا... كما أنكِ قلتِ بنفسك أنها أصيبتْ بالإغماء لبعض الوقت... "
رددتُ غاضبة :
" تمثيل ! "
والدتي هزّت رأسها استنكارا... فقلتُ منفعلة:
" نعم تمثيل يا أمي... ما عدتُ أصدّق شيئا مما حولي... إنها تؤدي دورها بشكل مذهل... ليستْ أوّل مرّة... تتظاهر بالانهيار و تستميتُ في البكاء حتى يسرع وليد إليها... تريد الاستحواذ على اهتمامه و السيطرة عليه... إنها تحبه يا أمي... ألا تفهمين معنى ذلك ؟؟ تحب خطيبي و تريد سرقته منّي ! "
و لحظتها لم أتمالك نفسي و أخذتُ أبكي... فأقبلتْ أمّي و ضمتني إلى صدرها الحنون و أخذتْ تربتُ عليّ و تواسيني...
و أنا في حضن أمّي لمحتُ كيس المجوهرات الذي جلبته رغد إليّ تلك الليلة تريد دفع ما فيه تعويضا عما صرفته من الأموال... و قد وضعناه كما هو على منضدة مجاورة لإعادته إليها لاحقا... و لا أدري لم تذكّرتُ حينها يوم مررنا من منزل عائلة وليد المحروق ... و أخذتْ رغد تجمع التذكارات منه، و من بينها هذه المجوهرات...و كيف كانت تضمها إلى صدرها بحرقة و تبكي بألم... أذكر أنها آنذاك كانت منهارة جدا... و وسط الدموع التفتتْ إلى وليد و طلبتْ منه أن يضمّها !
ضغطتُ ذراعي ّ حول أمي و أنا أتذكّر كيف ارتمتْ في حضنه هذا الصباح... و كأنّ صدر وليد شيء يخصها و يمكنها الاستلقاء عليه كلّما شاءتْ !
ألا تعرف هذه الفتاة حدودها ؟؟ إن وليد لم يشملني بين ذراعيه بالطريقة التي غلّفها بها صباح هذا اليوم.....
في وقت لاحق من ذلك اليوم المزعج كنتُ مع أمي نشاهد التلفاز علّ الوقت يمضي و الجو يلطُف قليلا...
و لأن وليد لم يظهرْ من الصباح فقد شعرتُ ببعض القلق... تركتُ والدتي في الغرفة و ذهبتُ أتفقده في غرفة مكتبه... أ معقول أنه لا يزال هناك ؟؟
توجهتُ إلى غرفة المكتب بحذر... طرقتُ الباب بهدوء و انتظرتُ قليلا ثم فتحتُه ببطء و أطللتُ برأسي على الداخل
وجدتُ وليد ينام على أحد المقاعد...
ناديتُ و لكن بهدوء :
" وليد ! "
و لم يسمعني، لذا غادرتُ الغرفة و سرتُ عائدة إلى أمي.
هناك في تلك الغرفة وجدت ُ رغد !
كانت واقفة قرب الباب و يبدو أنها كانت على وشك الانصراف
التقتْ نظراتنا فأشاحتْ هي بوجهها عنّي...
تذكرتُ صورتها و هي تشير بنظراتها إليّ و تقول لوليد : (أبعدها عنّي) بينما كانتْ متربعة في حضنه بكل جرأة...أحسستُ بالغيظ الشديد...
و لما أرادتْ الخروج استوقفتها :
" انتظري "
التفتتْ إلي ببرود و قالتْ :
" نعم ؟ "
قلتُ و أنا أشير إلى كيس المجوهرات الموضوع على المنضدة :
" إن كنت ِ تبحثين عن هذا فهو هنا "
رغد نظرتْ إلى الكيس ثم إليّ و ردّتْ:
" لا. لم آتِ من أجل هذا... يمكنك الاحتفاظ به "
قلتُ :
" لماذا أنت ِ هنا إذن ؟ "
أمي أومأتْ لي بأن أسحب سؤالي، لكنّي أكدتُ نظرات الاستجواب على عيني رغد منتظرة ردّها... إنني مملوءة حنقا عليها منذ فترة و اشتعل فتيلي هذا الصباح و لم ينطفىء.
رغد همّت بالانصراف لكنني قلتُ بغضب:
" لم تجيبي على سؤالي؟ "
و بدا أن الجملة قد استفزتها فقالتْ:
" و هل عليّ أن استأذنك ِ للتجوّل في منزلي ؟ "
أجبتُ منفعلة و مطلقة العنان لغيظي :
" لا ! إنّه منزل وليد... زوجي... على أيّة حال... و واقعا لا تملكين فيه غير هذا الكيس "
و أشرتُ إلى كيس المجوهرات ذاك...
أمي هتفتْ رادعة بغضب :
" أروى ! ما هذا الكلام ؟ "
قلتُ مباشرة :
" الحقيقة التي يجب أن تدركها هذه "
رغد كانت تنظر نحوي بذهول... فهي لم تكن للتوقع منّي كلاما كهذا... بل إنني نفسي لم أكن لأتوقعه!
لطالما كنتُ طيبة و متساهلة معها و تحمّلتُ الكثير من سوء معاملتها لي... من أجل وليد...
و أنا متأكدة أنها جاءتْ إلى هنا بحثا عنه! و لكن... متى تدرك هذه المراهقة أن وليد هو زوجي أنا ؟؟
توجهتُ لحظتها نحو كيس المجوهرات و جلبته إلى رغد و أنا أقول:
" إليك ِ أشياؤك... لستُ بحاجة إليها و لديّ أضعاف أضعافها... و ما هو أهم منها يا رغد "
نقلتْ رغد بصرها بيننا نحن الاثنتين... و تحوّل وجهها إلى اللون الأحمر... و بدأتْ عضلات فمها بالتقوس للأسفل... كانتْ على وشك البكاء!
وضعتُ الكيس قرب قدمها و أشحتُ بوجهي عنها منتظرة انصرافها...
سمعتُ صوت يدها تطبق على الكيس... ثم رأيتها تعبر فتحة الباب إلى الخارج فتوغلتُ أنا إلى الداخل و صفعتُ بالباب بقوّة !
سمعت ُ حينها صوت رغد تقول من خلف الباب:
" سأخبر وليد عن هذا "
قلت ُ بغضب و تحدٍ:
" تجدينه في مكتبه ... أسرعي ! "
في الداخل استقبلتني والدتي بنظرات غاضبة و وبختني... أدركُ أن تصرفي كان سيئا لكنني لم أتمالك نفسي بعد كل الذي حدث مؤخرا... و أصبحتْ لدي رغبة مفاجئة في إزاحة رغد عن طريقي...
أمّي أرادتْ اللحاق بها لتهدئة الموقف لكنني عارضتها و قلت ُ:
" لا تقلقي على المدللة... سيتكفّل وليد بذلك ! "

انت الي حيث تعيش القصص. اكتشف الآن