4

301 30 0
                                    


#مغامرة

قالت : ألم يخطر ببالك أنك كنت تستطيعين أن تجعلي منه إنساناً صالحاً يا آسية ؟

فرددت آسية بهدوء قائلة : وأنت هل يخطر ذلك ببالك يا بيداء ؟

قالت : بصراحة، إنني أعتبر الرفض لوناً من الجبن أو الهروب !.

قالت آسية : ما دمت تتكلمين بصراحة، فأنا أرجو أن توضحي لي رأيك في الموضوع !.

قالت : إنني أجد في جر فؤاد و أمثاله إلى الدين مكسباً دينياً ينبغي العمل من أجله.

فابتسمت آسية وقالت : طبعاً فإن هذا أمر مفروغ منه؛ و لكن عن أي طريق و على أي حساب ؟

قالت بيداء : إن هذا طريق قد تهيأ لنا تلقائياً، فلماذا لا نستغله يا آسية ؟ و بصراحة مرة ثانية، لماذا أرفض فؤاد مع جميع المميزات التي تتواجد فيه، و أتركه لزوجة تبتعد به عن الدين أكثر فأكثر، بدل أن أتقبله و أحاول جره إلى الايمان ؟

قالت آسية : إنها وجهة نظر لا أريد أن أُملي عليكِ خلافها، فأنا لا يمكنني أن أفرض عليك أمراً يا بيداء، و لكنها مغامرة خطرة، و ليس ما هو أصعب من أن يغامر الانسان بدينه أو بحياته الزوجية.

قالت بيداء : أرجوك يا آسية لا تحاولي تهويل الأمر إلى هذا المستوى، فإن الزواج بشكل عام لا يعدو أن يكون مغامرة ، و أنا أحس بمقدرتي على خوض هذه التجربة.

قالت آسية : و لكنك مخطئة بزعمك هذا يا بيداء.. فشتان بين المغامرة مع شاب مؤمن يتمتع في سلوكه و تصرفاته بحصانة من تعاليم الإسلام، و المغامرة مع شاب لا يحصنه ضدها سوى العرف و القانون، و كلاهما يخضعان للتبديل و التطوير.

قالت بيداء : و لكنها مغامرة لو نجحت لكانت في صالح الدين…

قالت آسية : ها أنت تقولين ( لو نجحت )، و هذه ( الـ لو ) دليل على عدم ثقتك بنجاحها و الحياة الزوجية بناء مقدس لا يمكن له أن يرتفع على أساس مضعضع.

فأطرقت بيداء و كأنها كانت تقاوم الصراع الذي يعتلج في روحها ، ثم رفعت رأسها و هي تقول :
إذن فما هو رأيك يا آسية ؟

قالت آسية : الحقيقة أنني أخشى عليك من عواقب هذه المغامرة، ولا أستطيع أن أُعطيك رأياً أكثر من هذا ، و لكنها لعبة خطرة يا بيداء؛ فالزوج، مهما كان، لا يمكن له أن يخضع لفكرة زوجته ما دام غير مؤمن بها تلقائياً ، بل إنه هو الذي سوف يحاول أن يخضعها لفكرته و يجرها نحو الإيمان بوجهة نظره؛ و عند ذلك تقف الزوجة على مفترق طريقين: فإما خراب بيت الزوجية، و إما خراب دينها و هو أقسى الأمرين و أهولهما كما تعلمين.

قالت آسية هذا ثم سكتت تنتظر تأثير كلماتها على بيداء… فسكتت بيداء برهة ثم قالت بصوت مبحوح : إذن ؟

قالت آسية : إذن فأنا أجدك في غنى عن زج نفسك في موقف لا تحسدين عليه.

قالت بيداء : لنفترض أنني أُجبرت على ذلك فماذا أصنع ؟

قالت آسية : عليك أنتِ وحدك تقرير مصيرك يا بيداء ، وليس لك أن تخضعي لإرادة أحد أياً كان.

فأطرقت بيداء و كأنها تفكر؛ و طالت إطراقتها تلك و هي تفتت بين أصابعها ورقة بيضاء صغيرة؛ ثم رفعت رأسها و هي تقول في شبه تحدٍ : و لكنني سوف أُغامر يا آسية، و أرجو أن يكون النجاح حليفي.
و لم يسع آسية إلا أن تنظر إليها نظرة طويلة معبرة، ثم قالت في شيء من البرود : أنتِ و ما تختارين لنفسك يا بيداء؛ و أتمنى ألا تندمي على قرارك هذا فيما بعد.

و هنا لملمت بيداء أطراف أبرادها ثم نهضت و هي تقول : أرجو ألا أكون قد أزعجتك يا آسية.

قالت آسية : إنني لم أنزعج، و لكنني تألمت فقط.

ثم مدت بيداء يدها إلى آسية مصافحة، فشيعتها آسية حتى الباب، و عادت و هي تشعر أنها فقدت صديقتها إلى الأبد.

#يتبــع
#بنت_الهدى

تراث ~ بنت الهدىحيث تعيش القصص. اكتشف الآن