انى خيرتك

11.3K 226 7
                                    

الفصل الثاني

تمددت  على الفراش منذ بضع دقائق بالفعل ودخلت في غيبوبة نوم فورية وسط الفراش الناعم والمريح الفاخر...الأغطية القطنية تحيط بها من كل مكان مشبعة أنفها برائحه عطرية ساعدتها على الاسترخاء بينما كان هو يتحدث في الهاتف بخفوت يطلب طبيب خاص ليأتي لغرفته و لم تترك عينيه جسدها الضئيل والمنهك من التعب والذي يبدو أنه وجد راحته أخيراً...تخلص من ملابسه المبتلة ثم بدلها ببنطال أنيق حريري يعلوه قميص رمادي اللون لينتظر الطبيب...التقط منامة تخصه ثم توجه لشنطة الإسعافات الأولية في خزانة الطوارئ عاد إليها وجلس بهدوء محاولاً تمالك نفسه وأعصابه قبل أن يكشف الغطاء عنها ويديرها لتنبطح على وجهها...لم تستيقظ ولم تشعر به حتى فأطلق نفساً مكتوماً قبل أن يتفحص جرحها الذي كان ملتهباً بالفعل ولكنه غير متقرح على ما يبدو أنه حديث ولكن كيف حصلت عليه؟!
شرع في تطهير الجرح بمادة مطهره جعلتها تطلق صرخة متألمة ثم عادت سريعاً لغفوتها دون اعتراض أو تألم أخر
دقائق وانتهي من تعقيم جرحها ثم وضع ضماده طبية عليه وشرع في إلباسها ملابسه لم يستطع مقاومة تمشيط جسدها بعينه متفحصاً جسدها بدقة حتى يستطيع أن يطمئن أنها لم تتعرض للإساءة الجسدية؟!سترها مرة أخرى ثم جلس بجوارها ممسكا رأسه بكلا كفيه وشعور قاتم مؤلم ينحر حلقه يعجز عن جعله يأخذ قراراً واحداً ضدها أو معها...
نظر إليها زائغ النظرات وهي تغرق في وسادته وكأنها لم تنم طول عمرها...كانت تبدو في قمة الهشاشة والضعف...تستفز كل رجولته لحمايتها ،كل عاطفته لتفهمها ،كل سعة في صدره لاحتوائها...همس بشعور مغلق "لماذا لم تمنحيني الفرصة للشرح أو لمواجهتي؟ كنت أنوى منحكِ العالم والقوة التي تبحثين عنها كما فعلت مع خيرك ! ...لم أكن أنوي ظلمكِ فلما ظلمتني أنتِ بتمردكِ"؟!
مد يده يلامس شعرها الرطب يبعده عن وجهها وهو يقول بصوت أجش"رباه كيف اغفر لكِ الآن؟ أخبريني من أين آتي بالقوة لمسامحتكِ ونسيان الحالة التي وجدتكِ عليها؟!
................

شتان ما بين إيمانك بقضية أو مذهب وفكر يشكل شخصك ويملأ ذاتك يجعلك تثمر وتنهض وتسمو ليصل بك لبر أمانك...وشتان ما بين أن تعش حراً طليقاً لا تلتزم بمبدأ ولا تنتمى لفكر محدد! أن تَخَلَّق كوناً واسعاً بمساحة تكفيك وحدك بقوانينك الخاصة لتعيش بداخله تتقوقع فيه دون المساس بمساحة غيرك أو التطاول وفرض نفسك عليها...وفرق أن تتطرف وتجذب من حولك لإعصارك وطريقك المتوحش الذي يقتل دون رحمة جارفاً كل من في طريقه مثلها!!
.....
كان نور الصباح قد بدأ في التسلل بخجل من النافذة الزجاجية العريضة والتي أخذت مساحة واسعة خلف فراشهم في الفندق المطل على برج ايڤل مباشرة!فصنع صورة مثالية مبهجة ومنعشه للروح...لكنه كان يشعر بأنه أبعد ما يكون عن الراحة رغم أنها عادت أخيراً بين ذراعيه وفي كنفه لم تذق عينيه طعم النوم ولم يشعر حتى جسده بالإرهاق...التفت من خلف كتفه نحو نومتها الغوغائية مثل كل ما فيها...تنام على بطنها رغم جنينها الذي يتكور هناك فوضع هو تحتها وسادة حتى تخفف ضغط جسدها على الطفل...وجهها كان مقابله فتعلقت عينيه على الجرح الخفيف أسفل فمها متذكر كلماتها السامة الوقحة وصفعته القاسية...أغمض عيناه بقوة ووجهه يعود للتصلب وهو يعتدل بعيداً عن مراقبتها...لم يندم رغم أنه تألم...رغم أنه يفهم أسبابها ولكنه لن يغفر...تذكر الطبيب الذي طلبه ليلاً لفحصها وقد أتى بالفعل وأخبره أنها ظاهرياً تبدو بخير حال ولكنه سينتظرهما قريباً لفحص الجنين بالأشعة وحتى يمنحها التطعيمات والحماية المناسبة...مؤكداً عليه أن يهتم بذلك الجرح والذي لم يعلم آصف حتى اللحظة كيف حصلت عليه الغبية؟'
عاد ينظر في ساعة معصمه...فأطلق زفرة تعب وهو يهمس "يجب أن نتحرك الآن فموعد الطائرة لم يتبقى عليه الكثير"
توجه إلى طاولة صغيرة ورفع طبق صغير عليه ثمرة تفاح واحدة وتوجه نحو الفراش وجلس وهو يضعه على الطاولة الجانبية للفراش...مد يده بهدوء نحو شعرها الذي يغطى وجهها وينتشر بفوضوية على الوسادة أبعده بلطف عن جبينها كاشفاً وجهها وهو يقول بصوت مشدود "دجينة حان وقت استيقاظكِ"
لم ترد وتوقع هذا من نومها العميق والذي عرف منه أنها لم تذق طعم الراحة منذ لجأت للشارع واختارته بديلاً عنه.
كان يقاوم نفسه بأعصاب من حديد وهو يلوى معصمي قميصه كاشفاً عن ساعديه ثم عاد يمسك بأنامله أطراف جبهتها ضاغط ما بين حاجبيها وهو يقول بصوت جاف آمر "أياً كان مبرركِ ليس من حقكِ أن تتهربي من المواجهة بالنوم"
صوته ورائحته...ملمس يديه ودفئه المنعكس عليها كان قريب جداً...جداً لجعلها تطفو فوق سطح غيمة من المشاعر المتناقضة أمان...حنان...خوف غريزي وثورة متمردة...يتعالى معها شريان القلب المتمرد وصخب الدماء الذي تتسارع بتدفق نحو شريانها المضطرب...رمشت بعينيها مرة واثنان إلى أن فتحتهما متوسعتين جميلتين عكستا ذلك الخضار الذي عشقه يوماً...لم تقل شيئاً ولم يعلق هو بشيء فقط نظراتهما لم تنقطع ما بين العتاب...اللوم...خيبة الأمل المتبادلة والضياع !!
قطعت الصمت أخيراً وقالت وعيناه لم تتنازل عن حصار عينيها "أنا جائعة"
الصمت التام هو ما قابلها للحظات ثم ما لبث أن قال بصوت خلا من التعبير "أعرف"
اعتدلت ببطء لتجلس على الفراش تواجهه فاعتدل هو الأخر ليجلس باستقامة بجسده الرياضي المشدود...لم تصدمه عندما سمعها تقول بصوت مختنق كاشف عذابها وتنازعها "أنا لا أريد الحديث ولا شرح نفسي ولا أريدك يا آصف...كما أني لم أعد أحتمل مواجهة هذا العالم القاسي وحدي...الأمر أكثر ألما مما أطيق!"
ظل آصف للحظات جالساً مكانه ينظر إليها بصمت...مدركاً حالة الضياع والتخبط التي تعانيها...كاشفاً أخيراً تشوهها الحقيقي والذي كانت تخفيه عن الأعين.. دجينة لم يكن علاجها في منزل مستقر ومأوى ولم يكن في زوج محب يمحنها كل ما تريد أو تهوى...ولا حتى مساعدتها لتجد مساحتها الخاصة بحريتها وهويتها؟؟ربما دجينة في الظاهر وجه أخر لجلاء العاشوري ولكنه يعلم الآن أنها النسخة الأكثر قتامة...الأكثر تهشماً والأكثر تشوه روحاً...قال أخيراً بصوت سوداوي مظلم"لماذا لم تتخلصي من الطفل؟"
شحب وجهها أكثر من شحوبه بالفعل حتى تحول لقطعة من الرخام...ارتعش فمها الرقيق بالترافق مع شهقة بكاء خرجت منها بينما كفيها تهتز وهي تحيط تُكوَّر بطنها الصغير وقالت "لأني لست مثلها...لن أفرط في صغيري حتى وإن كان أبوه قام بخداعي"
زاغت عينيها بعيداً عنه بينما همست بصوت يقطر وجعاً "أنا لست مثلها ولن أمنحك إياه حتى لو منحتني الدنيا بين يدي؟!"
أخفى آصف الألم الذي شعر به مجبراً من أجلها "تقصدين والدتك؟!"
نظرت إليه بتضارب لرد فعل عرفه فيها...كانت هدأت فجأة وقد بدت عيناها خاليتان من التعبير وكأنها عادت تحجب نفسها وتضع بينهما المسافات "نعم...أنا لست مثلها ولكن أنت مثله...برجوازي لعين...عربي يعتقد أن النساء مجرد سلعة للمتاجرة"
رغماً عنه شعر بالامتعاض لعودتها لتكرر تفكيرها الغبي مثلها بعقلها المحدود...دفعته ألا يتعاطف معها وألا يهتم بسماعها وهو يمد كفه يجذب الطبق المستدير ويضعه بينهما...دون أن يعلق بشيء راقبته وهو يقطع التفاحة ببرود لنصفين ثم إلى ربعين متساوياً تماماً ثم وضعهم ليرصهم في الطبق لشرائح مرتبة بجانب بعضها سخرت قائلة "هل أنت مهوس؟"
"اخرسي"نطقها بهدوء دون أن يكلف نفسه الالتفات نحوها مرة أخرى...أمسك بمحرمة صغيرة ينظف يديه قبل أن يعود يلتقط شريحة التفاح يتخلص من قشرتها ثم يعتدل نحوها رافعاً أنامله بها نحو فمها...
نقلت بصرها بينه وبين يده بعينين متوسعتين وما زالت أثار الدموع تتعلق بأهدابها...لم يعلم تحديداً ما الحالة التي تمر بها عندما أشاحت وجهها باعتراض وهي تقول بتزمت"لا أريد"
صك على أسنانه وهو يأمرها بخشونة مقتضبه"تناوليها"
همت بإزاحة الغطاء والقفز من السرير بعيد عن مرماه بينما تقول مكررة "لا أريد...أنت لن تفرض على حياتك النمطية ولا تحكماتك إن أردت التفاح سأكله كما جميع البشر بقشره كامل اقضم منه حتى أصل لبذوره"
أمسك بمعصمها يجذبها إلى الفراش لتعود مكانها السابق بتصلب دون أن يهتز أو حتى يكلف نفسه الوقوف مثلها وقال بنبرة خشنة باردة "أنتِ ورطتِ نفسكِ معي وإن ظننتِ أن شيئاً مما كان قبل أشهر قد يعود بيننا ستكونين واهمة. ..منذ اللحظة حتى تسلميني طفلي أنتِ ستنفذين ما أقرره أنا فقط؟!"
هبطت ببطء مكانها مرة أخرى وغريزياً لفت يده حول صغيرها وهي تقول بصوت باهت"ماذا تعنى؟!"
حشر قطعة التفاح بين شفتيها بغلظة ثم مال نحو وجهها وقال بنبرة خشنة مغتاظة قاصداً استفزازها ولا مانع من الانتقام منها "ما سمعتيه...أنتِ لست مثل أمكِ ولكن أنا شبيه والدكِ تماماً...لذا ابني سيكون لي"
ساد الصمت للحظات طويلة لم يتخلله سوى صوت أنفاسها اللاهثة...كان ينظر لها بعين قاتمة فسألته بتحشرج"وأنا"
أحست وكأن قلبها يكاد ينفجر بين أضلعها وكأن روحها تصارع وتكاد تقتل على يديه عندما قال بنبرة خاوية متسلطة "أنتِ لا تعنيني...تريدين الهجر والطلاق ستحصلين عليهما مع المال اللازم لتأمينكِ...أنا لن أُبقي امرأه تكرهني في عصمتي وعلى كل حال أنتِ لم تناسبيني يوماً دجينة وأنا كنت من الغرور أن أتحدى نفسى بتغيرك"
هتفت بحرقة "أنا لن أسمح لك بأخذ ابني"
ألمه كان لا يُطاق ولكنه أجبر نفسه على الاستمرار وهو يقول "الأمر لم يعد لديكِ فيه اختيار هناك طبيب فحصكِ بالأمس ولدي أدلة تثبت أنكِ أم غير مؤهلة لرعاية طفل لم تهتمي به أثناء حملكِ إياه"
كان يستغل جهلها وعالمها الخاص الذي حشرت نفسها به...ربما ضميره يؤنبه ولكنها لم تمحنه حلاً أخر ليستطع أن يسيطر على تمردها وحتى يستطيع أن يخرجها مما تحاول وضع نفسها به...استغل صدمتها وذهولها مما يقول ويبدو أنها لم تستوعبه فأمرها"امضغي طَعَامِك"
كانت عينيها اللامعتين غارقتين في الدموع وهي تنظر له بتيه مستعطف وفمها تلقائياً أخذ الأمر الذي اصدر له العقل إشارته فمضغت أخيراً الشريحة العالقة بين شفتيها..حتى انتهت منها مد أخرى نحوها بنفس الطريقة السابقة فهمست ضائعة "لا أريد. لا أريد"
أحس بسكين يشطر قلبه نصفين بينما حواسه ترغمه على التقاط رائحتها المميزة المخالطة للتفاح الذي تمضغه شفتيها..تلك الرائحة التي نهل منها حتى اختلطت حواسه عندما عرف معنى حبها في ليلته الوحيدة معها...تلك العاطفة التي جرفته كأنه لم يعرف امرأه قط قبلها!!
"بعض الألم يكون مريحاً عندما يمر الزمن يا قطيطة"!
كان يقف عند باب الغرفة بانضباط وثقة معهودة...ينتظرها حتى خرجت من باب الحمام لترتدي الملابس التي قام بشرائها لها ليلاً من شارع الشانزلزيه القريب...خرجت منتفخة العينين أنفاسها مفجوعة من اثر البكاء وكأنها وليدة قطة وجدت نفسها بين أنياب وحش لا يرحم بعد طول مطاردة"هل الملابس تناسبكِ؟"!
هزت رأسها موافقة دون أن تنطق...ماذا تخبره؟ إنه رغم رؤيته إياها مكشوفة مرتين لا أكثر ولكنه يعرف مقاسها تماما دون غلطة...
تحرك بخفه ملتقطاً حقيبة سفر صغيرة ثم أخبرها بجفاء وهو ينظر في ساعة معصمه"إذاً تحركي أمامي"
تحركت خطوتين ولكن نحو الفراش جلست على طرفه وهي ترفع وجهها المحتقن نحوه...رفع حاجبيه باستفهام؟!
شعرها كان مرفوع بعشوائية ويبدو أنها تغاضت عن تمشيطه كالعادة...وجهها كان أكثر نحولاً وشحوباً وقد أحاطت هالات سوداء عينيها الخضراوين...كانت ترتدى بنطالاً من الجينز الواسع ..وقد راعى أن يحصل عليه مخصصاً للحمل وقميص واسع اخضر اللون مماثل للون عينيها...لونها المفضل والذي يناقض روحها تماماً...
"أنا أتعذب وحدي"
التفت لها هذه المرة بكليته دون قدرة له على الإجابة فأكملت "لقد ظننت أني وجدت فيك المرسى...الفكرة المستقلة والوطن الخاص الذي سأرسو عليه وحدى ولكنك غدرت بي!"
اسند حقيبته مرة أخرى أرضا...وما تقوله وحده كان كافياً لحرق أحشائه وتمزقيها تمزيقاً"لقد سمعتك بعد أن تزوجنا في السفارة وأنت تحدثه لتخبره أن المال تم تحويله بعد أن تزوجتنى  مباشرة!"
نظرة الكراهية الخالصة التي أطلت من عينيها المحملة بالمرارة جعلت موجه من السخط تقتله من الندم لما قاله منذ ساعات"سمعتِ؟"رددها مصعوقاً وقد علم أنه مهما حاول أن يوضح نفسه الآن أبداً لن تفهمه"
"أنا لا أريدك...ولكنى سآتي معك...لم أحبك ولكنى لن أتركك على الأقل حتى يولد هذا الطفل"
لم يقل شيئا...استمر في الاستماع إليها ووجهه الوسيم يبدو أكثر ضراوة...أكثر إصراراً وعزماً
همست أخيراً"لقد أملت فيك وكم كنت غبية لأني أعلم ألا أحد منكم قادر على مساعدتي يوماً...لا أحد قادر على منحي قلبه وحبه يوماً...حتى جلاء كان أول من عطف علىّ ولكنه أول من باعني عند أول منعطف طريق ولم ينظر خلفه ليرى ما وصل إليه حالي"
قال بحرقة وغضب اشتعل محملاً بالغيرة بينما يقترب منها يحاوط وجهها بكلا كفيه "لا تذكريه...إياكِ ومقارنته بي...هل تعيشين دور الضحية الآن؟ لا أحد هنا غدر إلاكِ...حتى وإن كنت اشتريتكِ كما تتبجحين أخبريني هل عاملتكِ بما يسيء لكِ؟"
انخفض ليجلس على ساقية موازيًاً لجلستها بينما يقول بتصلب"أنا كنت إلى جانبكِ أخبرتكِ أني مستعد لفعل أي شيء..أي شيء لتحصلي على سلامكِ واستقراركِ"
اهتزت عينيها وعدم الثقة يخبره بوضوح أنها لم تثق فيه من الأساس يوماً"أنت حققت أكثر مخاوفي"
صمت للحظات قبل أن يفاجئها بأنامله التي انغرست بين طيات شعرها المتشابك وقال دون أن تفارق عينيه عينيها"لم يكن لدي طريقة أخرى لأحصل عليك في الحلال"
همست بتعجب رافض وصوت متحشرج"بشرائي؟!"
"لم يكن الأمر بهذا الشكل"
"ماذا كان إذاً؟"سألته
ماذا عليه أن يجيبها؟ لن تفهم...ولن تستوعب أي شرح قد يخبرها إياه...ببطء رفع يده وبسطها فوق دقات قلبها الغير منتظمة وأخبرها وكأن شيء ما يقيده ليتواصل معها
"أنتِ خفقة مؤلمة تصيب شرايين القلب فتخرجه عن دقاته الطبيعية...تضخي الدماء بصخب مجنون غير متوازن متمردة على الطبيعة على دوركِ الحقيقي فتنشري الألم لكل من حولكِ. أنتِ لغط يا دجينة يصعب الشفاء منه...فتركته كما هو محاولاً التعايش معه ولكنى لم أدرك أنكِ تجاوزتِ كونه مجرد صوت صاخب بل أصبتِ القلب بعله !!"
الاتصال الجسدي بينهما بعد طول فراق كأنه مد جسر بين روحيهما...راقبها مبهوراً بكل تفصيل منها وهي تغمض عينيها وتميل تضع رأسها على كتفه دافنه وجهها في عنقه...تأوهت وهي تخبره "جيد...هذا أكثر من مرضي لي إذ أني لا أتعذب وحدى"
ما زالت إحدى يديه مغروسة هناك في شعرها ويده الأخرى هبطت تمسد ظهرها ببطء وهدوء إلى أن التفت حولها ليضمها إليه بتشدد ورغم تعفف نفسه الذي اجزم به كبرياء رجولته التي وعدتها بعدم النيل منها أو الاقتراب أبداً لكنه لم يستطع أن يقاوم ضمها...يده تحاوطها شيئاً فشيئاً لتدفعها أكثر وأكثر نحو صدره...رفعت ذراعيها ببطء مماثل ورغم ترددها كانت تلفها حول كتفيه تتمسك فيه...أحست باحتضانه هذا وكأن دمائهما امتزجت سوياً وكأنها عادت جزء منه...كلاهما نسي صراعهما...هروبها منه...توعده إياها ولم يتذكرا إلا شيئاً واحداً احتياج كل منهما للراحة أخيراً...
هذا جنون تعلم وتعرف كيف تكرهه وتهرب منه وكيف الآن تستجيب له عندما دفعها عنه ببطء يزيحها نحو الفراش شيئاً فشيئاً بتمهل..فتريح ظهرها منتظرة إياه وهو يعلوها رويداً رويداً حتى بات يشرف عليها كاملاً...لقد كان وكأنه استحال لرجلٍ أخر في تلك اللحظة التي مد فيها أصابعه ليرفع بلوزتها عن جسدها فرفعت هي ذراعيها تلقائياً دون اعتراض حتى باتت أمامه مكشوفه ضعيفة مستسلمة وضعت كفها الرقيق نحو قلبه وكأنها تدرس نبضاته عندما همست"هل يؤلمك؟!"
ابتلع ريقه عندما قال بصوت أجش يعكس حريقه الداخلي "كوتر كمان مشدود يصارع لإطلاق نغماته فيحكمه مايسترو أوبرا لم يُقَدِر صرخاته...فارضاً عليه نغمات بوق حاد متمرد لم يعرف معنى الإيقاع المتزامن يوماً"
عينيها الواسعتين كانتا تنظران إليه بنفس الانبهار والبراءة التي فرضت نفسها على قلبه وجسده ليلة زفافهما فلم يستطع منع نفسه أو المقاومة...ملامحه الوسيمة كانت تتلوى بألم شوق رجل أن يمتزج مرة أخرى مع امرأته...بتردد كانت ترفع يديها فوق رأسها في علامة على الاستسلام لقبول دعوته...كانت تعلم جيداً رغم هذا أنها ستندم ولكنها أرادته...رباااه هي تكرهه...تكرهه لقد هربت منه...سخطت عليه...ولكنه يبقي آصف غانم الذي دخل حياتها فلم تعد تعرف هل قلبها رأسا على عقب أم انتشلها من مصير أسوأ كان على وشك أن يتحقق ويغتالها؟!
شعرت بيديه التي تشتد بقسوة حول ركبتيها وأنفاسه التي تعالت بهدير مجنون وكأنه يصارع نفسه ما بين رفضها أو مواصلة ما يفعل...حاولت الاعتدال بضعف وبقايا تمرد تريد رفضه قبل أن يلفظها "ابتعد...آصف"
نظرة نارية محمله باشتياق أهوج كانت ما منحها إياها عندما انخفض موازناً نفسه على كفيه وقبلها ملتهما شفتيها ومفترسها بقسوة اجتاحتها دون رحمة...متذكراً استيقاظه خالي الذراعين وورقة جافة وقحة تخبره فيها امرأته أنه كان مجرد أداة لتعرف معنى عاطفته والفكرة في حد ذاتها بدلاً أن توقفه...كانت أكثر من كافية لتثير جنونه ورغبته وعواطفه التي توهجت فوق جسدها البض...رائحة التفاح المنبعثة من قدها وبين شفتيها لاذع حلو وقاسي جعلت كل جنونه ينطلق وحواسه تغزوها دون تمهل...مرر كفيه فوقها بشوق محرقاً بشرتها حتى ذابت فيه أخيراً تبادله العاطفة الحارة بمثلها...كان يعلم أنها أضعف من أن تقاومه أو تجاريه..أو تضاهيه غرام ولكنه لم يستطع منع نفسه من وضع شيء من روحه في قلبها علها تقحم في عقلها أنها عادت إليه وأنه لن يسمح أبداً بتركها...

حاول أن ينظم أنفاسه وهي ترقد على صدره لينفض مشاعره المحمومة التي تبادلها معها منذ وقت قصير...انتهي بها الحال نائمة لا يعرف كيف ومتى فقط عندما حاول أن يلتقط أنفاسه صُدم بانها أغلقت عينيها وعادت للثبات العميق...نظر آصف نحو برج أيڤل الظاهر من النافذة أمامه دون أن يجرؤ أن يعود لتحليل خيانة وعده لنفسه وما فعله معها...كان شارداً تماماً وهو يزيح شعرها المتهدل من فوق جبينها مرجعه للخلف محاولاً أن يشبك بعضه بشيء أشبه بضفيرة...ابتلع ريقة وهو يتأملها دون أن يصدر منه أي شيء...مانحاً نفسه وقتاً للتفكير حتى يستعيد شيء من وقاره واستقراره النفسي والذي يبدو أنه سيحتاجه كثيراً معها.
..........................................

قبل عدة أشهر:

يقف منذ وقت على إطار الباب...يراقب تخبطها المعتاد وعصبيتها وهي تطبع بعض الأوراق بتعجل ثم تلتفت سريعاً لتسجل بعض الاشياء على شاشة الحاسب الآلي قبل أن تتوقف لثانية واحدة تعقد حاجبيها بتعجب لرؤيتها شيئاً ما وهي تتمتم بسخط...

أجلى آصف صوته متنحنح بخشونة وهو يقول بتلاعب "يبدو أن رئيسكِ سيء جداً حتى يدفعكِ لكل هذا التوتر يومياً"...

رفعت دجينة وجهها سريعاً نحوه ناظرةً له بحقد لدقائق ثم هتفت باستنكار "وكأنك تتحدث عن شخصٍ غيرك...أنت غير عادل بالمرة سيد آصف تعامل الجميع برفق وتفهم ما عاداي"

هز آصف كتفيه بأناقة وهو يتقدم خطوة نحو مكتبها الصغير في الحجرة المنعزلة بجانب مكتبه فقد جهزها لها خِصيصاً قَبلاً حتى لا تختلط بالموظفين أو العمال الرجال وتكون تحت أنظاره دائماً وقال "ربما لأنكِ فاشلة تماماً دجينة فطوال الوقت أحتاج لتعديل عملكِ، لذا ربما بعض القسوة قد تفلح معكِ وتتعلمين شيئاً ما"

ارتبكت وهي تقول بخفوت "كما تعلم مجال دراستي بعيداً عن تلك الوظيفة تماماً...على كل حال هذا يعني أنك اخيراً نفضت يدك مني وقررت طردي؟"

ابتسم وهو يلتف حول مكتبها ويده تعمل سريعاً على بعض الأزرار يكمل العمل الذي طلب منها انجازه بسهولة ، مستخدماً خبرة اثنتا عشرة سنة أوصلته لما هو عليه الآن من استقلال مادي وسمعة طيبة لمنتجاته في أرجاء السويد بل وامتدت تجارته لتصل الى بعض البلدان الأوربية والعربية ...استغرق الأمر منه عشر دقائق كانت تتأمله فيها بخجل وترقب يرافقه الخوف...لقد وجدت مكاناً مستقراً اخيراً بعيداً عن بطش والدها ...وحماية متمثلة في هذا القابع أمامها ...فهو أصبح كل ما تأمله من أمان وسند بعد أن كانت ترهبه وتمقته يوماً...كما وعدها!! فلتكن صادقة مع نفسها هي ليست مستعدة ابداً لفقده.

"وها قد انتهينا" قالها آصف بنبرة معتدة متفاخرة ثم اعتدل وجذب معطفها من على المقعد ليضعه فوق كتفيها...توجه نحو الطابعة يلملم عملها الذي أكمله ليضعه في أحد الملفات ثم ما لبث أن قال وهو يغمز بعينه "المطلوب منكِ انتهي أوصليه لرئيسكِ المباشر وأرجو ألا تخبريه عن المساعدة الصغيرة التي تلقيتها لا نريد احقاداً هنا"

عضت على شفتيها بخجل وهي تتناوله منه ثم قالت "هل يعني هذا أنك لن تطردني؟"

تأملها للحظات وهي تبدو منكمشة على نفسها صغيرة، ضعيفة وناعمة بشكل يتناقض تماماً مع تلك الهاربة التي رفضت قيد متوحش صارم أهدر آدميتها...عن تلك الأنثى التي فرضت إرادتها على الجميع حتى وهي مازالت تتخبط...تنهد آصف مفكراً أنه يعلم جيداً أن تحت كل هذا الذعر والخوف امرأة قوية شرسة مقاتلة تخرج متى أرادت هي إظهارها...

"إن طردتكِ من هنا كيف أستطيع طردكِ من حياتي وقد بتِ جزء هام منها لا أستطيع استئصاله يوماً؟"

اضطربت دجينة وهي تبتعد عنه خطوة أخرى ...تهربت من النظر إلى عينيه وقالت بخفوت "سيد آصف أرجوك تفهم أن هذا لن يجدي نفعاً معي ...أعلم أن بدايتنا لم تكن جيدة وربما صورتي آنذاك  مازالت محفورة في عقلك ولكني..."

لم يعلم أن صوته خرج صارماً مدوياً وهو يقول من بين أسنانه "أصمتي ...لا أريد الإشارة ابداً لذلك اللقاء... بل يجب أن تمحيه من عقلكِ تماماً"

تحرك فؤادها مستشعره الغيرة والندم من بين حديثه ثم سألته بخفوت "وأنت هل ستستطيع النسيان يوماً؟!"

زفر بقوة وهو يقول بخشونة "جواب هذا السؤال يتوقف عليك أنتِ...هل تريدين نسيان وضعكِ آنذاك دجينة؟"

رفعت عينيها تنظر له من بين رموشها الكثيفة وهي تقول بهدوء "لا آصف لا أريد؟!"

ارتفع حاجبي آصف باستنكار...فأكملت دجينة "إن أردتني في حياتك كما أدعيت فيجب أن تتقبلني كما أنا بتصرفاتي، بحياتي وبكل معتقداتي وإيماني ... يجب أن تفهم أني مختلفة عن كل فتيات بلدك!"

قال آصف بجمود وقد انقلبت كل ملامحه فجأة لتعود لتلك الواجهة الصارمة المخيفة التي رأتها أول مرة "ما زلتِ تحملين نفس الصفات يا دجينة...عربية الهوية مصرية الدماء ورغماً عن أنفكِ حرة؟!"

ارتبكت للحظات ولم يصلها تماماً معنى وصفه عندما قالت "أنا لم أرى عالمكم العربي هذا إلا لعامٍ واحد ...وما عانيته هناك لا يجعلني ابداً ارغب بهذا الشرف بل أُصر إني بدماء فرنسية خالصة."

تغير صوته المكتوم تماماً وهو يقول بلغته العربية السليمة "أنت مجرد طفلة منبهرة بشعارات حرية كاذبة...فتاة تتخبط بين هويتين أحداهما خادعة تماماً...لذا لن ألومكِ الآن يا دجينة بل كل عتبي على والد ترككِ للأفكار الدخيلة لتفرض نفسها على عقلكِ"

بلغتها العربية الركيكة أجابته بتهكم "والد عربي! هل تقصد هذا الرجل الذي أتى من صحراء البدو ليتزوج من فرنسية لينجب طفلة وعندما تكبر يحاول بيعها لينتفع من جنسيتها مبرراً هذا تحت شعارات واهية؟! "

جحظت عينا آصف بصدمة بينما كله يرتبك للحظات...حدق فيها بوجه شاحب وانتفض عرق بجانب فمه قبل أن يمد يده يقبض على يدها ساحبها خارج المكان وهو يقول بصوتٍ مكتوم "أعتقد أنه حان وقت التحدث عن هذا الأمر بشكل أكثر جدية...المناورة من بعيد لن تجدي نفعاً معكِ"

..........................................

عندما استيقظت دجينة مرة أخرى كانت مازالت قابعة بين ذراعيه ... يديها تستند على صدره مستشعره دفئه ،ساقيها محشورة بين وركيه ، رأسها مدفون في نحره ...كأن كل اطرافها قد فقدت حِسها الوظيفي ولدقائق طويلة كانت تجاهد للتعاطي مع ألم الخذلان من نفسها...لقد سلمت له للمرة الثانية ... لن تخدع نفسها بأنه أجبرها على شيء أو أنها لم تتفاعل مع تلك العاطفة المجنونة التي لفت كلاهما...لقد كانت مخدرة العقل ضائعة وهي تستعيد كل تفصيله مما حدث ... كلماته المقهورة التي كان يهمس بها ،صوته المختنق وهو يجاهد نفسه ليمتنع عن إخبارها بمدى خوفه في بُعدِها ،اشتياقه لها وحبه الذي ملئ به كيانها من قبل ...لقد كانت تضيع معه تسلم راية تتبعها همسة متحسرة بحبها له وبخيبة أملها فيه وبِكُره أصبح يتملك كل جزء منها نحوه ...لا لم يكن لقاء عاشقين بل كان أشبه بمكاشفة موجعة لكل منهما ولكن لم يستطع أحدهما أن يتوقف عن بث الأخر مشاعره ...انتهى الأمر به هامساً بأذنها بحبه وبها رامية في وجه كرهها الشديد له...رباااه ماذا فعلت ؟!!

لا تتذكر إلا وجهه المصدوم وجسده المتصلب فوقها وملامحه التي انقلبت بشكل مؤلم لا تُقرأ ولا تُفسر وهو يخبرها "على الأقل يجب عليّ شكركِ لعدم خداعي أو إيهامي بحبٍ قد أعتقده بعد ما حدث"

لم ترد...لم تستطع ولا تعرف تحديداً ماذا داهمها وهي تقاوم دمعها الذي كان ينساب...ثم أغلقت عينيها وبدلاً أن تدفعه عنها هاجمها النوم مطمئنة تماماً ومستريحة لرجوعها أخيراً في محيطه."

أنفاسها المتوترة مع دموع حارة عادت تغرق صدره نبهته من غفوته...فتح آصف عينيه وتوقف جسده تماماً عن إبداء أي فعل حيوي يدل عن استيقاظه لدقائق طويلة ظل على وضعه في احتضانها ينظر لسقف الغرفة بجمود وكأنه يحاول أن يعيد نفسه لأرض الواقع ليرتب خطواته معها سيأخذ هذه المرة مساراً أخيراً في محاولة إصلاحها قبل أن....

أجفل فجاءة وهو يقطع أفكاره بنفسه...وكأن الفكرة التي مرت بعقله تقهره، تكسره ...وكأن الإقرار بفشله معها يقتله، يحطمه ...هو الذي لم يذق معنى الفشل يوماً...دجينة هي معركته المصيرية الحقيقة والتي لن يقبل فيها أبداً بالانهزام.

أغمض عينيه بقوة وساعده يلتف حول خَصرها، أنامله تداعب طفله ...مذكراً نفسه بقسوة أنها هي من اختارها منذ البداية لتكمله، لتعرف خبايا روحه التي يُخبئها عن الجميع ...أنها رغماً عن أنفها امرأة حياته وأم أطفاله والتي لن يقبل بسواها لتحمل جزء منه.

اعتدل قليلاً ليواجهها ولم يمهل نفسه ليرى انفعال وجهها عندما مال يسند جبينه على جبينها وللحظات طويلة. طويلة جداً ظل ممسكا بها وكأنه يُشبع روحه من اقترابها بهذا الشكل الحميمي!

لملم آصف نفسه بحسم ثم فتح عينيه اخيراً وأبعدها عنه بجفاء معاكس للضعف الذي انتابه، ملاحظاً كل خلجه تخرج مضطربة منها واعتدل اخيراً ليجلس على طرف الفراش مانحها ظهره وهو يقول بصوت جاف

"تم تعديل الخطة لن نعد للسويد"

أجفلها فتمتمت "إلى أين اذاً؟!"

أزاح الغطاء اخيراً مبتعداً وهو يرد ببرود "إلى موطنكِ مصر؟!"

الثورة التي هبت بداخلها جعلتها تتغاضى عن رؤيتها جذعه العاري أمامها وهتفت بفرنسية غاضبة "أنا بلدي وموطني هنا فرنسا ...ذلك البلد لا أعترف به وأنت لن تجبرني!"

التقط آصف المئزر المرمي على أحد المقاعد...وقال بتصلب "اهتفي كما تريدين دجينة، اعترضي كما تهوى نفسكِ ولكن بالنهاية أنتِ ستنفذين ما أريده"!

المشاعر الانسانية المتفاوتة لشخص غير مستقر عاطفياً أو حتى نفسياً لم تكن ابداً عادلة للطرف الأخر وهذا ما كانت تعاني منه دجينة تحديداً عندما وجدت فرصتها لتلقي خطيئتها في التجاوب معه وفي اشتياقها له عليه وحده ...لذا هتفت من بين أسنانها بحرقه وكأن هذا التفسير المنطقي الوحيد لما حدث، مقنعة نفسها به ومخلصة روحها من تبعات ما كان "كما عُدت لإجباري على العلاقة معك وأنت تعلم بكرهي الشديد لك ونفوري من لمسك لي"؟!

تجمدت الدماء في عروق آصف وهو يستمع لما تتحفه به من تفسير لشيء كان سيتغاضى عنه متجنباً ذكره او إحراجها...استدار إلى ليها متخلياً عن ارتداء المئزر ولم يدرك أن صوته خرج متشنجاً "الأمر ليس لعب أطفال لتجابهيني به أو تستخدميه ورقه غبية لن تحرق أحد غيركِ...انصحكِ لمصلحتكِ لا تتلاعبي به"

وكأن عدم دفع التهمة عن نفسه منحها الشجاعة لتستمر في اتهامها اللاذع "تلك حقيقتك سيد آصف المنمق أنت همجي بفكر أحمق متخلف تعتقد أن المرأة مجرد لعبة تدفع فيها المال لتلبي كل رغباتك...غير مهتم بكرهها الشديد لأي نفس من أنفاسك؟!"

انحنى آصف نحو الفراش وأمسك بذراعيها بقسوة غارزاً أنامله في لحمها العاري وهو يقول من بين أسنانه "تفسير ذكي أخيراً...تلك هي الحقيقة أنتِ مجرد امرأة تزوجتها بمالٍ طائل ولم تجلب عليّ إلا الوبال فأنتِ مرض عضال أحاول باستماته الشفاء منه...وحتى يحدث هذا وتلدين طفلي ستنفذين كل رغباتي كزوج ...كل ما أريده منكِ سأحصل عليه دون موافقة أو حتى استئذان وفي أي وقت يعود لي وحدي تقديره...وضيفي على هذا أينما آمر أنا ستتواجدين؟!"

امتقع وجهها وحدقت به مصدومة ...لا لم تتوقع منه أن يقر بسهولة أن الأمر كان رغم إرادتها!! ألا يجادلها ويدافع عن نفسه!! أن يتنازل عما يفعله ليثبت لها حسن نيته أو. أو ماذا؟ ما الذي أرادته من آصف تحديداً؟! 

ارتسم الغضب على وجهه مدركاً ما تحاول فعله حقيقةّ ...إن كانت تريد أن تثنيه بالتمرد والعصيان فلتحلم...وإن كانت تسعى لإقناع نفسها بدفاع تضارب أفعالها وتشوه روحها إليه...فهو سيمنحها المهرب المثالي بتحمل الذنب وحده "أريدكِ أن تفهمي أني مواطن سويدي كما أنتِ فرنسية...فلا تحاولي استخدام هذا الشيء ضدي ...أنتِ اضعف من أن تواجهي جبروت قد ذُقتِه سابقاً مني وعرفتِ وضعكِ الحقيقي كفتاة قليلة الحيلة وضيعة الأخلاق وسليطة اللسان ...نهايتكِ تعلمينها جيداً ملقاه في شوارع باريس ،متسولة ،جائعة وربما المرة القادمة مغتصبة أو أسوأ...!"

طرقع بلسانه وهو ينظر لقدها العاري بنظرات ذات مغزى!

توقف قلبها عن الخفقان وهي تحدق به ذاهلة مصفوعة بكلماته دون أن تجد قدرة على الرد.

عم الصمت الثقيل بينهما لدقائق حتى استطاعت دجينة أن تقول اخيراً برهبة "أنت تحاول إخافتي ...لن تستطع فعل هذا بي أنت. أنت تُحبُني؟!لقد أخبرتني بهذا!"

أفتر جانب فمه عن ابتسامة ساخرة قبل أن يقول بقسوة "أتعلمين دجينة ما يعجبني بكِ حقيقةّ؟ أنكِ بريئة بالفعل عزيزتي ... بريئة وحمقاء صغيرة لتدركي ببساطة أن الرجل يخبر أية أنثى بكلمات غزل وعشق واشتياق كاذب أثناء العلاقة الجسدية."

شحب وجهها وهي تهمس "أنت تكذب!"

تركها اخيراً متوجهاً لحمام الغرفة لم ترى ملامحه التي سمح لها بأن تتحرر لتعبر عن إحساسه بالغدر والتعب والمرارة ...عجز عن منع نفسه أن يكمل بصوت أجش "أنا لا أكذب ابداً...ولأكن عادلاً معكِ ...لديكِ خيار واحد تستطيعين به أن تتحرري مني وأن اسمح لكِ بإثبات تفردكِ واستقلاليتكِ الخادعة تلك...أن تعودي لوالدكِ؟!

"لا"

صرختها تقريباً بِجَذْع وكأن الفكرة بحد ذاتها حكم بالإعدام ...ألا يعرف ما عانته على يد ذاك الرجل هناك؟ لذا لم يتردد أن يضعه بديلاً مهدداً إياها به.

توقف مكانه للحظة واحده قبل ان يقول بثبات "إذاً لا بديل لكِ غيري"

أحست دجينة بالضعف بالهوان يتسلل تحت جلدها ينخر عظامها دون رحمة وهي تقول باستسلام باهت "لا بأس ...أنا سأعود معك لوطنك دون مقاومة!"

قراءة سعيدة

الجزء الثانى من فرشاة وحشية Where stories live. Discover now