ستكونين امرأتي

6.6K 167 1
                                    

" كارلوس ! هل عدت الى ألاعيبك القديمة؟".
ركله دي ميندوزا ركلة قوية.
بدأ كارلوس يتكلم بالأسبانية , كلمات سريعة ومتلاحقة , ذات أيقاع رتيب , ورغم أن سوزان لم تفهم ما قاله بالضبط ألا أنها فهمت مجمل حديثه , وتملكتها الرغبة في صم أذنيها عن قباحة تبريراته , لم تستطع التحرك أو التكلم , بل أحست كما لو أنها تحولت الى حجر , كانت ترتجف فقط.
تعثرت الكلمات الأخيرة في فم كارلوس وتوقف ليستعيد أنفاسه.
خاطبها ميندوزا قائلا:
" يقول لي كارلوس أنك جئت معه الى هذا المكان بموافقتك الكاملة , هل هذا صحيح؟".
أنارت ملامح وجهه , بدا كأنه تمثال صب في زمن سابق لقدوم الغزاة الأوائل الى كولومبيا , لم يكن في وجهه ما يشير الى أنسانيته غير رقعة سوداء على أحدى عينيه.
" لم الصمت يا سنيوريتا؟ ألا يقال في بلدك أن الصمت علامة الرضى؟ أما أذا كنت قد قاطعتك بتدخلي , فأنا أرجو المعذرة".
رفع يده الى قبعته ذات الحافات العريضة وظهر كأنه على وشك أن يبتعد.
" كلا , أنتظر ,لا تذهب رجاء , صحيح أنني جئت معه بمحض أختياري ولكن ما قاله غير صحيح , ما حدث أنني أستأجرته كدليل ليأخذني الى ديابلو , وهذا كل شيء".
أرتجف صوتها خوفا , ماذا سيحدث أذا لم يصدقها , وماذا شرح له كارلوس , هل أخبره أنها كانت تعلم بمخططه لمحاولة الأعتداء عليها , وأنها كادت الموافقة على ذلك؟
أستدار ميندوزا بأتجاه كارلوس شاهرا البندقية في وجهه , تعثر كارلوس لمرأى فوهة البندقية وتوسل بصوت مسوع , كان العرق واضحا على وجهه , وكان الخوف باديا عليه.
" ماذا , ما الذي ستفعله؟".
صرخت سوزان.
لم ينظر اليها بل كان ينظر بأتجاه كارلوس.
" أنك لست المرأة الأولى التي تعاني على يد كارلوس , ربما سأسدي جميلا للعالم أذا ما تأكدت أنك ستكونين الأخيرة".
" أنك لا تعني ما تقول؟".
صرخت سوزان برعب وشك.
" أنني أعني ذلك ولدي السلاح اللازم وكذلك الأرادة.
" لكنك لن تفعل هذا , أنها جريمة قتل متعمدة لن تستطيع الهرب من عقوبتها مهما كان البلد الذي تسكن فيه ...... ثم أنه لم يفعل شيئا ...... وأنت تعلم ذلك".
" نعم , أعرف ذلك , ولكن ما الذي كان سيحدث لو أنني تأخرت نصف ساعة؟ أعتقد أن كارلوس أراد أن يأخذك معه الى الحدود الفنزويلية حيث لديه مجموعة من الأصدقاء وحيث لن يسمع عنك أحد بعد ذلك ما لم يكن لك أصدقاء يواصلون البحث بشكل دوريات في بيونيس أيرس أو كاراكاس".
سرت رعشة عميقة في جسدها وتذذكرت كيف أعتادت سماعقصص كهذه بأعتبارها حكايات نسوة عجائز ولم تصدق أن مصيرا كهذا سيكون في أنتظارها ذات يوم.
قالت سوزان:
" رغم ذلك , فأنه لا يستحق القتل".
نظر اليها للحظات مفكرا ثم قال لكارلوس:
" أنك رجل محظوظ حيث منحتك السنيوريتا حياتك , لو كنت في محلها لما كنت كريما الى هذا الحد , الآن أبتعد عنا ولكن قبل أن تذهب أعطني حزامك".
حين لاحظ تردد كارلوس أضاف:
" لا أعتقد أن الخجل جزء من شخصيتك أيها الضئيل , أنزع حزامك ولا تدعني أنتظر فترة أطول".
ثم واصل دي ميندوزا كلامه قائلا:
" كما تعلم , هناك مكان مأهول على مبعدة أميال من هنا , واصل السير في أتجاهه ولا بد أن هواء الليل البارد سيساعدك على تهدئة مشاعرك , ولا تدعني أرى وجهك القبيح في أسانكشن مرة أخرى".
أبتعد كارلوس عن الطريق بسرعة محاولا المحافظة على بنطاله في مكانه , للحظات أصغيا الى صوت خطواته المبتعدة , ثم عاد الى الليل سكونه.
منتديات ليلاس
أسترخت سوزان لفترة من الوقت , وأدركت أنها على وشك أن تتقيأ , أبتعدت عن دي ميندوزا وأختفت في الظلام , أذ يكفي ما أنتابها من أحاسيس حتى ذلك الوقت بدون الحاجة الى أن يراقبها وهي تتقيأ , وعندما تخلصت من نوبات التقلص في معدتها , بدأ جسمها بالأرتجاف من الرأس حتى القدمين كرد فعل مفاجىء وأحست بأنه موجود الى جوارها.
" أرجو أن تتركني لوحدي".
توسلت بصوت مختنق:
" لا تكوني حمقاء , أشربي شيئا من هذا".
ناولها قدحا فضيا.
(هل هو هدية أخرى من أمرأة ثرية؟ ) تساءلت وهو يناولها القدح , شعرت بالحرارة تسري في أعماقها , كان ذلك تأثير ذلك المشروب الغريب, ثم توقفت عن الأرتجاف جلست بأعتدال وأحاطت نفسها بالبطانية وقالت في صوت صاف:
" شكرا جزيلا".
" يا للمسكينة , أي جهد بذلته لتنطقي كلمتين , تعالي وأجلسي قرب النار لتحصلي على بعض الدفء".
راقبته سوزان وهو يضيف بعض الحطب على النار , يعد المزيد نت القهوة , ولم يهتم بطلبها ألا يضيف السكر الى قهوتها بل ناولها الكوب وهو يقول:
" أنك ضحية صدمة قوية"
فكرت بأن ما قاله حقيقة ولعل أكبر صدمة تعرضت لها كان ظهوره المفاجىء , سألته:
" كيف أستطعت العثور علينا؟".
كان يقوم بربط الحصان , ثم فرش بطانية له في الجهة الأخرى من النار , وقال:
" لم يكن الأمر صعبا".
أجاب وهو يستلقي على البطانية , يجذب حافة قبعته ليغطي عينيه ثم أجاب:
" تبعتكما طوال الطريق".
" تبعتنا؟ ولكن لماذا؟".
" ليس من المفروض أن تسألي هذا السؤال , كارلوس معروف بسلوكه السيء , وقد رآكما عدد من السكان في أسكانكشن".
" بدا لي مجرد رجل ضئيل وساذج".
الحية أيضا تبدو أليفة حين تكمن في الأحراش , تقدمي اليها وستدركين خطأك , لو أنك سألت أي شخص لأخبرك بحقيقة كارلوس , مع ذلك , أندفعت الى الغابة مع رجل لم تعرفي عنه أي شيء , هل أنت حمقاء دائما مع الرجال؟".
" كان خطأ طبيعيا".
أجابت ببرود ثم أضافت:
" كنت في حاجة الى دليل وقد تقدم هو عارضا خدماته , أعتقد أن صديقك صاحب الفندق راميريز , كان قد أخبره بحاجتي تلك".
" أن لراميريز أخطاءه , ألا أنه ليس أحمق الى حد تسليم حمل بريء الى نمر هائج , بالعكس فقد فكر خوان راميريز بأنك سالمة تحت رعايتي".
فكرت سوزان قد تكون مجبرة على الأمتنان له بعد أنقاذه لحياتها , إلا أنها لم تكن مستعدة لتقبّل شعوره , كرجل , بالتفوق عليها كأنثى.
ثم أجابته بتهكم:
" الى أحد حد يمكن أن يكون الأنسان مخطئا؟".
أشعل دي ميندوزا سيكارة ثم نظر اليها بالتهكم نفسه مذكّرا إياها , بصمت وبلا جهد كبير باللحظات التي كان لطيفا فيها معها.
تململت سوزان في بطانيتها ثم حاولت الأبتعاد قليلا عن النار الملتهبة , ربما لكي تخفي مشاعرها.
نجحت أخيرا في سؤاله:
" ما الذي ستفعله الآن؟".
أجابها بلا مبالاة:
" سننال قسطا من الراحة هذه الليلة , وفي الصباح سنبدأ رحلة العودة الى بوغوتا".
" أنا لست عائدة الى بوغوتا , بل سأذهب ال ديابلو كما أخبرتك من قبل , أريد العثور على أخي".
أجاب ميندوزا :
" يا له من أخ محظوظ , ألا أن هذا لن يغير شيئا , ديابو ليست مكانا صالحا لأمرأة , وخاصة أذا كانت ساذجة وتتصرف مثل طفل عنيد:.
" أعترف بسلوكي الخاطىء مع كارلوس , ولا أعتقد أنني سأخدع للمرة الثانية".
" كلا! هل تستطيعين أخباري عن مكانك الآن ؟ أشك في ذلك حتى لو أعطيتك الخارطة الموجودة في جيب سترتي , وعدك كارلوس بأن يأخذك الى ديابلو إلا أنه ما كان ليخاطر بحياته ليذهب الى الجحيم , لقد قادك في الأتجاه المعاكس منذ ساعتين على الأقل وأنت لم تلاحظي حتى ذلك".
" ولكنك تعرف ديابلو وفي أستطاعتك أخذي الى تلك المنطقة".
" وما الذي يدفعك الى الأعتقاد بأنني سأخاطر بحياتي للذهاب الى ديابلو؟".
فأجابت :
" لكنك دليل ماهر وعليك أن تقوم بعملك لتحصل على وسيلة مالية لمعيشتك".
قال ميندوزا :
" هل تستطيعين دفع السعر المطلوب لخدماتي؟".
" لا أدري".
قطبت جبينها مهمومة , أنه أمر فكرت فيه كثيرا خاصة وأن كارلوس أخذ منها كل ما تملك تقريبا , في أستطاعتها أن تدفع ما سيطلبه في بوغوتا , ولكن ماذا أذا أصر دي ميندوزا على أخذ أجره مقدما كما فعل كارلوس؟".
قالت سوزان:
" ليس في أمكاني دفع أجرتك بأكملها الآن لكنني سأدفع البقية عند العودة الى بوغوتا".
أندفعت لأتمام حديثها بسرعة حين رأته يهز رأسه علامة للرفض:
" أوه , أرجوك أضغ الى ما سأقوله ... أنني في حاجة ماسة للذهاب الى ديابلو في أسرع وقت ممكن وسأدفع لك ما تطلبه لدى العودة لأنني لا أملك المبلغ اللازم الآن , وعليك أن تثق بما أقوله".
ثم أسرعت تقول:
" ماذا؟ هل تضحك عليّ؟".
" نعم الى حد ما , أخبرتك أنك ساذجة أليس كذلك يا سنيوريتا ؟ وإلا صدقت أنني تبعتك النهار كله لأنقاذك من مصير أسوأ من الموت؟".
" لا أفهم ما تقوله".
" حقا؟ كارلوس فهم أحسن منك , حيث أعتذر مني قبل أن يتركنا لأنه حاول مس أمرأتي".
فأجابت سوزان بصوت متكسر:
" لكنني لست أمرأتك".
" ليس الآن ولكنك ستكونين , لأن هذا هو السعر الذي أطلبه لأخذك الى ديابلو".
ساد الصمت بينهما لفترة وظلّت كلماته تتردد في رأسها كدوامة لا نهاية لها , دوامة بلا معنى.
قالت أخيرا:
" لكنك...... لكنك لست جادا فيما تقول؟".
" لم أكن جادا مثل الآن , طوال حياتي , لم تشكّين فيما أقول ؟ صحيح أنني وصفتك كطفلة ألا أنك في سن تسمح لك بفهم ما أريده منك , وكما أدركت ذلك حين كنا في أسانكشن".
" كلا , لم أدرك ذلك".
أجابته بحدة بينما أطلق ضحكة عالية.
" ظننت أنك ممثلة , أرجو أن تؤدي أدوارك على المسرح بطريقة أكثر أقناعا , تخيّلي أ, أذا أردت , أنني أعرض عليك دورا , وهو أن تكوني زوجتي".
أجابت بسرعة :
" أنه , بالتأكيد أقصر دور في تاريخ المسرح , كلا شكرا , لكن الدور لا يثير أهتمامي".
" كما ترغبين , سنعود أذن الى بوغوتا في الصباح".
" في أمكانك التوجه الى هناك حينما تريد لكنني سأذهب الى ديابلو , لوحدي أذا أقتضت الضرورة".
" أوه , كلا , لن تكوني لوحدك فترة طويلة , أذ قد تعثرين على كارلوس في طريقك وأنا متأكد بأنه على أستعداد للأتفاق معك من جديد".
" أيها النذل".
أرتجف صوتها بغضب ومرارة في آن واحد.
" رائع يا سوزان , لقد نطقت بمشاعر حقيقية , ولكن أذا ظننت أنك بهذا تستطيعين أقناعي بمرافقتك الى ديابلو بلا دفع , فأنت مخطئة , لقد أوضحت لك شروطي والأختيار متروك لك الآن".
" أنك مجنون , مجنون لأنك لست في حاجة الى أمرأة , فأنت جواب , أنت متجول طوال عمرك".
" شكرا يا سنيوريتا".
أحنى دي ميندوزا رأسه أمامها.
" في أستطاعتك نيل اي أمرأة تريدها , فلم ترغب أن تغير خططك معي ؟ كل ما ستحصل عليه , أذا أجبرتني , هو أن أكرهك الى الأبد".
قال دي ميندوزا:
" أنني لا أجبرك , أين هي القوة التي أستخدمتها حتى الآن معك , أنني حتى لم ألمسك , أنك تتخيلين أشياء غريبة بضمنها الكراهية , ولكن حين يأتي الوقت الملائم , سأعلمك ألا تكرهينني , أعدك بذلك".
" ربما كانت كلمة الكراهية كبيرة , أن ما أحس به أتجاهك هو اللامبالاة ولا أظن أنك ستقضي حياتك مع أمرأة لا تستجيب لك بأي شكل من الأشكال؟".
" هل تتحدينني ؟ أذا كان الأمر كذلك فأنا أقبله , وشنضع الجليد الأنكليزي في مواجه النار الأسبانية , فهل ستخمد النار أم سيذوب الجليد؟".
" لقد أعطيتك الجواب".
ثم سحبت نفسا عميقا قبل أن تواصل حديثها:
" حسنا يا سنيور , أنني أقبل شروطك , خذني أذن الى ديابلو لأجد أخي".
" حسنا أذن , لا تأملي بأنتصار الجانب الطيب في شخصيتي أو بأختفائك قبل أن تسددي الحساب , أنه أمر لن يحدث ولن أدعه يحدث".
منتديات ليلاس
نظرت سوزان الى الجهة الأخرى تحاشيا لنظراته , أصغت الى دقات قلبها البطيئة كأنها على وشك الأختناق , هل قدّر لها الألتقاء برجال يرغبون بجسدها فقط؟ ألن تلتقي بأنسان يحبها لذاتها ويفكر بها كأنسانة أكثر من مجرد جسد؟
رغم الألم االذي سبّبه الناقد ( لي ) وما كتبه عنها وعن برودتها فأنها أملت أن تلتقي ذات يوم برجل يهتم بأكتشاف حقيقتها الخافية خلف المظهر , ولكي تتخلص من أفكارها هذه , تحركت من مكانها قليلا , فكرت سوزان , أي علاقة بين شروط دي ميندوزا والحب المنشود؟
لا بد أن حلمه الوحيد هو أرضاء رغباته ولا وجود لما يدل على أهتمامه بالحب وأذا كان يظن , للحظة واحدة , بأنها سترضخ لمطالبه بعد وصولها الى ديابلو ولقاء أخيها , فأنه لن يكون مغرورا فحسب , بل أحمق وسوف يستحق الصفعة التي تحلم بمنحه إياها.
قال ميندوزا:
" حان وقت الذهاب للنوم حيث سننهض مبكرا في الغد".
نظرت اليه مندهشة , أذ أختفت , من صوته السخرية وعاد يتحدث ببرودة , وفي شكل عملي , أملت أن يتصرف هكذا لحين وصولهم الى ضالتهم المنشودة , قررت أن لا تقلق بعد الآن وحتى ذلك الحين.
فجأة قال دي ميندوزا:
" تبدين مندهشة".
نهض من مكانه بتثاقل ودار حول النار ليقف في مواجهتها , وقال:
" هل توقعت أنني سأطالب بجزء من أجرتي الآن؟".
" كلا , بالطبع كلا".
أجابت سوزان وهي تدير وجهها نحو الجانب الآخر .
ضحك وأمسك بذراعها قائلا:
" أنك تثقين بالآخرين بسرعة , ألم تعلمك تجربتك الأخيرة غير ذلك ؟ ولكن لا تقلقي الآن , فحين يحين الوقت الملائم سأرغب أن تهتمي بي بشكل كامل , بلا خوف".
قالت سوزان:
" لنحسم أمرا واحدا وهو أنني لست مستعدة للأهتمام بك , والأن أذا سمحت وتركتني قليلا فأنني أرغب في جلب شيء من جيب سرجي"." ماذا تحتاجين ؟ مسدس؟ ربما لتدافعي به عن نفسك أو لتقتليني به".
" قد أكون ممثلة يا سنيور , إلا أنني لا أحب الميلودراما , أنا في حاجة الى شيء أكثر ضرورة الآن , بحاجة الى قميص أستبدل به قميصي الممزق".
منتديات ليلاس
قد يشعر بعض الرجال أن ما فعلته أغراء , ألا أنها أدركت أن الأمر مختلف مع دي ميندوزا حيث سيفهم أن ما قامت به هو دليل على عدم مبالاتها به وتمنت أن يجرح سلوكها كبرياءه.
قالت سوزان:
" أخبرني حين تكتفي بما تراه سنيور , أو ربما تفضّل ألا تدعني أغيّر القميص , ربما يكون من الأفضل لك أن تأخذني الى ديابلو وملابسي نصف ممزقة؟".
رفعت سوزان عينيها الى وجهه بتساؤل بريء , ورأت لللحظة واحدة ما جعلها ترتاح تماما , رأت في عينيه غضبا أستطاع أخفاءه بسرعة , رغم أن أصابعه ضغطت بقوة أكبر على ذراعها.
" أنها دعوة مغريى , أعترف بذلك , ولكنك أخطأت في فهم شخصيتي ".
ثم أمعن النظر في وجهها المحمر وتساءل:
" ألا توافقينني الرأي؟".
" لا أعرف ذلك".
أجابت سوزان وهي تبتعد عنه سائرة أتجاه الخيمة حيث وضع كارلوس أمتعتها الشخصية , غضبت لمرأى يديها ترتجفان حين كانت تبحث عن قميص ترتديه , أسدلت ستارة الخيمة وأستبدلت قميصها في الظلمة بعد أن كوّرت القميص الممزق في شكل كروي وفكرت أنها المرة الأولى التي ترتدي فيها ملابسها أستعدادا للنوم , ستنهض في الصباح وترمي ملابسها الممزقة في النهر أو تحرقها , ألا أنها لم تفكر بمغادرة الخيمة في ذلك الوقت المتأخر رغم أنها وثقت بوعد دي ميتدوزا بأنه سيتركها لتنال قسطها من الراحة بعد ما جرى لها في ذلك اليوم من مصاعب ومشاكل.
آه , قالت , سأجعله يدفع ثمن كلماته وأفعاله , أنا أعرف على الأقل ما يجرح كبرياءه , وسأستغل نقطة الضعف تلك الى أقصى حد أبتسمت في الظلام محيطة نفسها بفراشها من البطانيات.
ستتصرف معه بشكل طبيعي أولا ثم ستفرض ما تريده فيما بعد حين تكون تحت حماية مارك.
صمت أذنيها عن صوت في داخلها حذّرها من محاولاتها تحدي دي ميندوزا , تقلبت في الظلمة وحاولت أيقاف نفسها عن التفكير بتلك الطريقة بأغلاق عينيها بقوة محاولة النوم كآخر منقذ لها.
أيقظتها رائحة الطبخ اللذيذة , وقد أختلطت برائحة الحطب المحترق , فجلست وهي تحاول السيطرة على نفسها لئلا تتصرف مثل يتيم جائع واقف أمام مخبز , لم تستطع تحمين نوعية الطعام , لكنها لم تكن رائحة طبخ الخضار المعلبة وحلوى الرز , وضعت البطانيات جانبا ورفعت ستارة الخيمة بحذر.
كان الوقت مبكرا حيث غطى الضباب أعالي الأشجار والهواء كان باردا مما جعلها ترتجف قليلا على مبعدة منها , كان ميندوزا منشغلا بشوي السمك وشعرت سوزان أن العملية أستغرقت أنتباهه تماما , ألا أنه خاطبها بدون أن يرفع رأسه قائلا:
" الأفطار جاهز يا سنيوريتا".
نهضت واقفة وهي تمسد ملابسها , ورغم أحساسها بالراحة حيث نامت أفضل مما توقعت , وأستيقظت مسترخية الأعصاب , وأذ وقفت تحت الشمس شعرت بأن أطمئنانها كان سابقا لأوانه , ها هي تواجهه وشعره مبلل , لا بد أنه نهض قبلها بفترة طويلة ليستحم ويعد نفسه للرحلة.
" أفترض أنك أصطدت السمك بيديك العاريتين".
" آسف لأنني سأخيب أملك , كلا بل أستعملت السنارة مثل بقية البشر".
وسحب سمكة من النار ووضعها في صحن معدني.
" القهوة جاهزة أيضا , حاولي ألا تحرقي يديك".
" أنت تحتاط لكل شيء , أليس كذلك؟".
وشعرت بأنها عدوانية في كلامها , ألا أنها لم تستطع التحكم يذلك حيث فقدت أحساسها بالطمأنينة منذ أن وقعت عيناها عليه.
تناولت اصحن من يده وصبّت لنفسها بعض القهوة , كان الطعام رائعا ومعدا بخبرة ولم يكن لديها أي سبب لأنتقاده.
" هل تمانع أذا طلبت منك أرتداء ملابسك".
ضحك بقوة فنظرت اليه وهي تشعر بأنها تصرفت بطريقة حمقاء.
" نعم , يا سنيوريتا".
وضع صحنه على الأرض ثم أنحنى تحية لها قبل أن يبدأ بأرتداء قميصه .
" لحسن الحظ أنك لم تغادري خيمتك في وقت مبكر , فأنا لا أنام في كامل ملابسي مثلك ولا أستحم مرتديا ملابسي أيضا , في أي حال أرجو أنني لم أفسد شهيتك".
نظرت اليه بشك وهي تشعر بالسخرية في لهجته , ألا أن وجهه بقي كما كان , جامدا وبلا تعابير فقررت الأكتفاء بما قالته حتى ذلك الوقت وفضّلت مواصلة الأكل لأنها لم تأكل شيئا منذ ظهيرة اليوم السابق , كم تغيرت حالتها اليوم مقارنة مع ما كانت عليه البارحة , واصلت مضغ الطعام بآلية رتيبة.
" لا أعتقد أنني شكرتك بما فيه الكفاية لوصولك في الوقت الملائم يوم أمس , أود أخبارك أنني ممتنة لك".
أنهى مضغ آخر لقمة ورمى العظام في النار , ألتوى فمه قليلا وهو ينظر اليها , ثم قال:
" الأمتنان يا سنيوريتا ؟ ليس هذا ما أريده منك".
" ولكن هذا كل ما أشعر به نحوك".
أجابت بسرعة وأسرع مما توقعت.
وضعت صحنها على الأرض وأنحنت محدقة في النار وأنسدل شعرها .
" أعرف هذا , الليلة السابقة مرهقة , أننا أخذنا قسطا جيدا من الراحة , لا أصدق أنك عنيت ما قلته بالأمس".
" من الأفضل لك أن تصدقيه يا سوزان , فأنا عنيت كل كلمة لفظتها".
توقف كأنما توقع أستجابتها بشكل ما , ألا أنها بقيت صامتة , محدقة في النار كأنها تحاول تنويم نفسها مغناطيسيا.
أستمر بلا رحمة:
"أنا لا أوافقك الرأي بصدد العري في الصباح , حيث تبدين جميلة لحظة أستيقاظك بشعرك المنسدل وعينيك الكبيرتين تتألقان".
" كلا".
صرخت سوزان بأختناق:
" نعم , فكرت أنا أيضا في الليلة الماضية , ولكن بأتجاه مختلف".
وضحك قبل أن يواصل كلامه:
" يا كارلوس المسكين , لا بد أنه أعتقد أنك كنت هدية عيد ميلاده حين طلبت منه العمل كدليل".
قالت سوزان:
" لا تذكر كارلوس أمامي مرة أخرى , كذبت حين قلت أنني ممتنة لك , أنك في الحقيقة أسوأ منه".
" أن مقارنتك مبكرة وغير صحيحة".
" أنت تعرف ما أعني وأرجو أن توقف عن ترديد ملاحظاتك الساخرة".
أرادت سوزان أن تكون لكلماتها تأثير اللسعات وأن تؤذيه وتوقفه عن الضحك.
" أنك جميلة حين تغضبين يا سنيوريتا , حيث أستطيع أن أرى جزءا من عاطفتك الكامنة خلف قناعك البارد".
" شكرا , أرجو لا تتوقع مني الزهو بملاحظاتك".
فأجاب ميندوزا:
" يبدو أن توقعاتي أكبر من الواقع , والآن , بعد أن أنهيت أفطارك , لعل من الأفضل أن نتهيأ لمواصلة الرحلة , لكنني تركت جانبا بعض الماء الساخن لتغتسلي , لا أوصيك بأستخدام النهر لأن تياراته عميقة وقوية , والنهر مكتظ بمخلوقات أخرى".
تناولت سوزان الماء الساخن ووقفت بحذر:
" أنني شاكرة لك رعايتك , ولكن لو قررت الخيار بينك وبين الأسماك الضاربة , لأخترت الأخيرة بلا تردد".
أستدارت مبتعدة بخطوات ثابتة

حتى تمو ت الشفاه - سارا كريفن - روايات عبيرالقديمةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن