الفصل الاول

9.2K 138 2
                                    


تقدم بخطى متانية على الرمال الرطبة , عند اطراف الامواج التي تموت على الشاطئ مخلفة شريطاً من الزبد, يرافقه سرب من طيور النورس المتصايحة الجائعة وقد كشف الجزر عن كنوز الطحالب والاصداف وبقايا الخشب المتعطن.
أي شخص سواه قد ينبهر ويتوقف ليتأمل هذه الطبيعة الخلابة, لكن ليس جيرالد, لقد تعود على رؤية هذا المشهد.
كل صباح يؤدي نفس الجولة فقط ليجدد نشاطه وستنشق الهواء الطلق قبل ان يحتبس طوال اليوم في مكتبه.
خلف كثب رملي , لمح جيرالد خيالاً , لم يكن هناك احد حين مر من هنا أول مرة, اصابته الدهشة فأسرع الخطى, إنه شاطئ خاص. بجاور منزله ومنزل ابن عمه كيل في الحقيقة كان الشباب ينجذبون لطبيعة هذا الشاطئ البرية فيأتون ليستحموا في هدوء, لم يكن جيرالد يجد في وجودهم أي سوء فكان يمر بجانبهم ويغلق عينيه.زالت حيرته عندما اتضح امام عينيه صورة سيدة شابة تجلس على بشكير مع طفل امام منزل كيل شاردة البصر لم تره قادماً نحوها . كان الصغير يضرب بيديه الرمال ويقذف بها في الهواء, فجأة ترك كرته تتحرج نحو البحر امسك جيرالد الكرة فراته الجميلة وابتسمت , تقدم وجثا على ركبتيه.
وعندئذ رأى عينيها , هما جوهرتان من الزبرجد المتوهج.
قال وهو يعيد اليها الكرة.
- لابد ان هذه لك.
اجابت:
- نعم إنها لـ ماثيو , ماثيو قل شكراً للسيد.
اصدر الطفل ضحكة منغمة.ريحانة
ابتسمت السيدة الشابة بفخر:
- انه يشكرك.
- عفواً.
فجأة شعر جيرالد بالحماقة, لقد هربت منه الكلمات شعر بفراغ رأسه كأن الغيم قد حجب عنه التفكير .
- كم عمره؟
- ستة شهور.
مدت يدها بدب من الفراء الى الصغير فامسكه بيد غير ماهرة.
تأمل جيرالد هذا المشهد مشدوهاً من الاعجاب, كانت ترتدي قميصاً بسيطاً أبيض وجيب قصيرة جداً تكشف عن ساقين رقيقتين و برنزيتين.
سألته :
- هل تأتي لتمارس رياضة الركض كثيراً هنا؟
منتديات ليلاس
- كل صباح , في المعتاد, اتى في وقت اكثر تبكيراً ولكن اليوم اخرتني مكالمة تليفونية من اليابان.
ثنت ساقيها واحاطتهما بذراعيها.
- هل تسكن في هذه الانحاء؟
استشف جيرالد انه ليس مجرد فضول.منتديات ليلاس
أومأ برأسه.
- منذ وقت طويل؟
أومأ برأسه مرة اخرى.
- الجو رائع, أليس كذلك؟
اجاب كان صدى صوتها, غير قادر على طرد انبهاره بها:
- رائع , بلى..
تراقص شعرها الطويل في الهواء حجبت وجهها خصلة شعر.
مد جيرالد يده ليرفع خصلة الشعر.
تسمرت وقد تملكتها الدهشة , لمس جيرالد برفق خديها المخمليين فتوردا على الفور, اتسعت عيناها وارادت ان تعترض ولكن لم يخرج من فمها أي صوت , لا احد يستطيع تمييز من منهما كان أكثر اضطراباً , إنهما خاضعان لنفس الشعور :
شعور الاعجاب.
اكتشف جيرالد , فجأة رغبة مجنونة في تقبيلها,منتديات ليلاس
نعم, هكذا , لم يصدق نفسه, هل يصدر ذلك عن رجل بطبيعته منضبط جداً ومتحفظ جداً ! ؟ لكنها جميلة وجذابة للغاية.
أوه ! يالهي.. انه لم يمض الا خمس دقائق على مقابلتهما.
وعلى الرغم من ذلك شعر جيرالد انه يعرفها منذ امد بعيد.نظر الى شفتيها بإعجاب ودون إخفاء , تنهدت السيدة الشابة دون ان تتفوه بكلمة.
تقابلت نظراتهما وغاصت نظرته في عينيها الزبدجديتين.
ارتعشت.
سألها:
- هل تشعرين بالبرد؟
همست:
- نعم, لابد انه كذلك.
نظرت الى طفلها , اخرجت من حقيبتها سترة قطنية متناسبة مع جيبتها, امسك جيرالد السترة على الفور.
همس وهو ينتقل خلفها:
- دعيني أساعدك .
ذراعا بعد الاخرى, لبست السيدة الشابة سترتها في صمت كشف عن الاحراج الذي تشعر به.
استدارت فتبادلا ابتسامة أكثر بلاغة وتعبيراً من أي كلمات.
منتديات ليلاس
اسعدته هذه الابتسامة العطرية, واستكمل مساعدتها في ان يحرر شعرها الذي احتجزته بياقة السترة, ياله من عطر ساحر يفوح من شعرها الذي احتجزته بياقة السترة, ياله من عطر ساحر يفوح من شعرها الحريري , لم يستطع ان يمنع نفسه من استنشاقه, اذا استمر على هذا المنوال فالله وحده يعلم ماقد يبدر منه , انه حاله كالذي يلعب بالنار.منتديات ليلاس
كان ماثيو يجلس في هدوء على بعد بضعة امتار منهما فيجب ان ينتبه لذلك وإلا تلقى الطفل اول درس له..
انه حتى لا يعرف اسمها! هم جيرالد بسؤالها عنه في حين لمح سلة من الغاب:
- اعتقد ان هذا افطارك.
أومأت برأسها في شرود, اراد جيرالد ان يعرف - بأي ثمن - فيم تفكر.
- ان تناول الإفطار في الهواء الطلق افضل.
- نعم بالتأكيد.
- لا تبدو مقتنعاً , هل تتناول الطعام في الخارج كثيراً.
- نادراً.
ترددت لحظة قبل ان تستطرد:
- هل لي ان أدعوك الى بعض القهوة والكرواسون؟
إنها ليست إلا دعوة عادية ليس وراءها أي تداعيات وعلى الرغم من ذلك شعر جيرالد ان دقات قلبه اخذت ايقاعا سريعا.
انتظرت إجابته والابتسامة مازالت فوق شفتيها بينما بقي جيرالد ماخوذا بعينيها العميقتين المعبرتين.
في هذه اللحظة فقط رأى خاتم زواجها , وعندئذ هبط من فوق سحاب خياله , ياللكارثة! إنها متزوجة! ان هذا أمر واضح الشمس , كيف لم يفكر في ذلك منذ اول وهلة مع وجود الطفل؟
السبب في سوء الفهم هو عدم معرفته بها قبل ذلك.
وقع فريسة للإحراج فلم يستطع التفكير او التصرف بشكل منطقي, لقد فتنته من اول نظرة , هل لديها فكرة.. كم هي جميلة ؟
انها تجربة غير مسبوقة بالنسبة له, لم يحدث له قبل الآن ان فتن بامرأة من أول نظرة , ماسر سحرها الباهر؟
رفض جيرالد دعوتها بأدب.
- لم أرك هنا من قبل . هل أنت عابر سبيل؟نعم , لقد اردت ان أرى..
- ماذا إذن؟
اجابت:
- الخليج , انه رائع.
استشف جيرالد مسحة حزن في صوتها فكر , ان العمر كله لا يكفي لكي يعرف الأوجه المختلفة لهذه الشخصية المتقلبة.منتديات ليلاس
انطلقت فجأة بضحكة شفافة:
- ماثيو ياعزيزي, ماذا تصنع؟
كان الطفل الذي انزلق بعيداً عن المفرش يزحف على الرمال. امسكته ووضعته فوق ركبتيها ليخلع حذاءه وبنطلونه, عندما التفتت نحو جيرالد ادرك انها تتاهب للرحيل.
- ماثيو يريد ان يقوم بجولة صغيرة على الشاطئ.
- حسناً , اسعدني لقاؤك وشكراً مرة اخرى على الكرة.
حاملة طفلها توجهت ببطء نحو حافة البحر.
نظر اليها جيرالد وهي تبتعد وتدخل في الموجة حتى كعبيها.
صاح الطفل عندما اغرقت الموجة قدميه الصغيريتين مهللاً, اخذ يضرب بقدميه في الماء فبلل امه التي اخذت تقهقه.
بقي جيرالد مكانه يراقبهما منتظراً منها ان تلوح له مودعة, ولكن دون جدوى اخيراً ابتعد.
فكر وهو في طريق العودة انه من الأفضل انه لم يعرف اسمها , بسرعة اخذ دشاً منعشاً ليعيد ترتيب افكاره قبل ان يذهب الى عمله في صحة ممتازة!
منتديات ليلاس
ازاح جيرالد بقوة كومة الملفات المتكدسة فوق مكتبه الخشبي جالساً في مقعده , مغلقاً عينيه, اخذ يدلك خديه ليخفف توتره على الرغم من انه مازال في اول النهار إلا ان الشعور بالتوتر العصبي قد انتابه.
منذ مجئيه تشاجر مع مجموعة من الإداريين المزعجين الذين لم يكفوا عن معارضته بشدة , لكن ليس في ذلك ماهو غير معتاد, لقد اعتاد مشاجرات العمل لكن اليوم جيرالد ساكلير المدير والشريك في أعرق بنوك مدينة فيرفيو عكر المزاج.
ترى ماسبب مظهره العابس وعصبيته؟ إنها هي , بكل وضوح , لا فائدة من الذهاب بعيداً , إنه يحاول محو أثار مقابلتها برجوعه الى ذكرى هذا اللقاء, شعر بلذة غريبة , إن هذه الذكرى تمنعه من التركيز في عمله.منتديات ليلاس
ماذا بها يختلف عن الاخريات حتى تحدث به هذا الاثر؟
عينان ساحرتان ينعكس في بريقهما كل ذهب الشمس الغاربة. ابتسامة برئية ومضطربة و ساقان تتالقان رشاقة.
تأملت اليزابيث ماكارثي في حيرة السيدة الشابة المائلة امامها, خلال ثلاثين عاماً من العمل الجيد والإخلاص لدى بنك ساكلير لم تقابل ابداً مثل هذا العناد.
إن هذه السيدة تصر على مقابلة جيرالد في حين انه ليس لديها موعد سابق معه, فماذا تفعل؟
لنقل ايضاً إنها ليست المرة الاولى التي تطلب فيها امرأة طائشة مقابلة رئيسها من الممكن تخيل انزعاجها.
سيدة عجوز وسكرتيرة مثالية , تقدمت اليزابيث في العمر وفي نفسها غيرة على مديرها, كانت تتحجج بالقوانين لتمنع الدخلاء من اختراق بابه وكذلك الدخيلات.ولكن رفضت محدثتها الإذعان, حاولت اليزابيث بشتى الطرق إقناعها بعدم إمكان مقابلته وذلك بلطف , محافظة على تقاليد المكان في حسن المعاملة, كان بإمكانها التخلص من تلك المرأة اللحوح باستدعاء احد افراد الأمن إلا انها خشيت الأثر السيئ لهذا التصرف ..
بصوت انهكه الكلام. استطردت اليزابيث في شرحها:
- اكرر لك ان السيد سانكلير لا يستقبل احداً بدون موعد سابق ولا استطيع استثناءك.
اجابت الزائرة بابتسامة ملائكية:
- بلى, قولي له إنني هنا.
تنهدت اليزابيث بصوت مرتفع ومدت يدها نحو التليفون:
- ذكريني باسمك.
- انا لم أقله لك بعد, اسمي انتونيا سانكلير.
اتسعت عينا السكرتيرة, واخبرت على الفور مديرها, لم تستطع انتونيا إخفاء دهشتها عندما جلست في المقعد المواجه للمكتب من الظاهر ان جيرالد ساكلير يشبه تماما الوصف الذي وصفه لها كيل إنه في بدلته المكونة من ثلاث قطع يشبه تماما العاملين في البنوك.
ولكن تكمن المشكلة في ان رجل المال المتزمت الذي لا يدخل اليه فرد بسهولة .. والرياضي الأشعث المفعم بالجاذبية الذي قابلها هذا الصباح على الشاطئ ليسا إلا شخصا واحداً.
كان عليها ان تستنتج ذلك عندما صرح لها بأنه يسكن في الجوار, ولكن وقتها كان ذهنها شارداً حتى إنها لم تستطع الا ستنتاج من السهل تخيل ماتشعر به من إحراج.ريحانة
إنها تتوقع انه يتفحصها بدقة , بل ويدرسها بإمعان .. بعينيه الزرقاوين بلون حجر السفير.
منتديات ليلاس
سيطرت على اضطرابها ونظرت اليه:
- إذا كنت تشك في شخصيتي, فاستدع محاميك ماكسويل جوردن فسيؤكد انني انتونيا ساكلير . هل تقابلنا يوم التأبين؟
اجابها:
- لقد كانت جدتي متأثرة جداً لموت كيل.
قالت:
- آه فيكتوريا الملكة فيكتوريا كما تطلقون عليها.
- منعتها حالتها الصحية من الانتقال لحضور الجنازة ومن ناحيتي فضلت ألا اتركها بمفردها.
- بالتأكيد.
بالنسبة له, اهم شيء هو انها غير مرتبطة , فلايهم وفاة هذا العزيز كيل الذي لم يحمل له في قلبه أي حب سيهتم بمواساة أرملته وإعادة البهجة الى حياتها.
هل هذا هو الواجب بين أولاد العم؟
- لابد ان ماكسويل اخبرك برغبة العائلة في دفن كيل هنا.
بدرت منها حركة تنم عن فقدان الصبر بالإضافة الى اضطرارها للتعامل مع عائلة كيل التي طالما حدثها عنها هذا الأخير بالسوء كانت شخصية جيرالد هذا تثير اعصابها.
- نعم, لقد اصر السيد جوردن على هذا كثيراً , ولكن كان كيل يحب ايبيزا تماماً الى الدرجة انه فضل ان يدفن فيها , اعتقد بصدق ان هذه كانت رغبته.
فكر جيرالد ليبق فيها , لقد انتابه شعور غريب بالغيرة تجاه ابن عمه المتوفي, إنسانة بهذه القيمة, سيدة بهذا الجمال والغموض والسحر وبكل هذه الجاذبية , يالها من صغيرة مسكينة!كيف كانت تعيش مع هذا القبيح؟!
قال جيرالد ساخراً:
- اعتقد انكما لم تناقشا ذلك ابداً اثناء حياته , اليس كذلك؟
قالت بصوت به مرارة :
- نعم , كنا نتحدث عن المستقبل.
قد نرى الزمان طويلاً ولكن الحاضر يجري دائماً.
إن فكرة علاقة كيل الزوجية مع اللجميلة انتونيا ونعيمه ببراءتها وسذاجتها لم تكن واضحة.
لقد كان فظاً وثائراً!
- لم يتحدث ماكسويل عن الطفل.
اجابت باشمئزاز:
- ببساطة لأنني لم أكن اعرف في هذا الوقت بحملي.
- لماذا لم تخبري العائلة بعد ذلك؟
- لأن ذلك لا يهمهم في شيء.ريحانة
ادار جيرالد القلم الرصاص من بين اصابعه واستطرد:
- انتونيا.
- ارجوك ياجيرالد.
رجع الى الخلف متكئا الى مقعده.
- في حالة كونك ارملة كيل فأنت ترثين المنزل, ولكن ان يكون لك منه اطفال فهذا يعطيك الحق في ميراث اسهمه وسنداته التي عادت الى الاسرة, للأسف لقد جاء ماثيو متأخراً.
- من قال لك إنه ابنه؟
منتديات ليلاس
لاشيء كان هذا السؤال يحرق شفتيه , فهذا هو أول مايسأله أي شخص غير جيرالد , لكنه كان حريصا على الا يصدر عنه أي عمل اخرق وخاصة بعد مقابلتهما القصيرة على الشاطئ.
- تماماً.
- يمكنك الاطمئنان ياسيد سانكلير , ماثيو ليس بحاجة الى هذا المال وليست لدي حالياً اية نية في المطالبة به.
- بالتأكيد, الم يكن كيل ليوافق على هذا الرأي لو كان حياً.
- ماذا تعرف انت عن ذلك؟
نهض وجلس على حافة مكتبه , افزعتها هذه الحركة التي قربته من مكان جلوسها , حتى لو تحلت بكل إرادة العالم لما استطاعت ان تتجاهل حضور المدعو جيرالد سانكلير بكل وسامته ورجولته انه الصورة المثالية لرجل الاعمال الذي تخيلته.
سألته:
- هل تعود نبرتك المعادية لي الى كيل؟ إننا لم نتحاب ابداً..
نظرت اليه في عينيه مباشرة :
- ساكون في منتهى الصراحة معك, كان كيل لا يحبك على الاطلاق وكذلك اسرته باكملها حتى إنني كونت فكرة مسبقة غير طيبة عنكم , اي انني لا اعرفكم.
كانت هذه الفرصة التي لن يأتي بعدها . ومن الآن فصاعداً , لايهم إذا كانت زوجة ابن عمه المتوفي, او انها عاشت معه عشر سنوات وانجبت منه طفلا, كان كل هذا قصة قديمة, اما الآن فكل مايشغل باله ان يأخذها بين ذراعيه وينهل من رحيق شفتيها العذب.
- هذا صحيح ولكن الآن لدينا كل الوقت لنتعارف.
تذكرت انتونيا لقاءهما السحري على الشاطئ والشعور الغريب المجنون الذي زرعه فيها بمجرد لمسة.
قالت مفسرة :
- جئت فقط لأطلب منك مفتاح المنزل.
- فهمت.
نهض وبداه في جيبيه:
- متى وصلت؟
- بالأمس.
نهضت بدورها, ووقفت خلف مقعدها.
سأل جيرالد:
- اين ماثيو؟
- في فندق ريفاج تقوم برعايته فتاة شابة دبرها لي مدير الفندق.
- لست مضطرة إذن الى العودة على الفور.
أومات برأسها :لا.
- في هذه الحالة سأوصلك الى المنزل.
- لا عليك.
- بلى ياعزيزتي , بلى.

لا تنسوا التصويت

غرام حتى الموت ( روايات الحان المكتوبة )حيث تعيش القصص. اكتشف الآن