وتألق القلب

1.9K 32 0
                                    

  لاح نور خفيف من وراء الستائر عندما فتحت لورا عينيها 
وانحنت خوانيتا الجالسة في كرسي قرب السرير , نحو الوجه الذي بدأ يستعيد لونه  فابتسمت لورا قليلا وانفجرت الخادمة بالبكاء وقالت وهي تتمسك بذراعها الممددة على الغطاء:
-آه سنيورا  ما كان ينبغي ان اسمح لهذا الرجل بالدخول  آه, لو أدركت ان بأمكانه أن يؤذيك! سامحيني يا سنيورا
تمتمت لورا بصوت مرتجف :
- لست مخطئة يا خوانيتا في كل حال , لم يقصد برانت ايذائي ما.....ما قاله لي اعاد الي الذاكرة بصورة صاعقة  وانفجر رأسي  هذا كل ما حدث 
ضغطت خوانيتا بيديها على صدغيها ونظرت الى لورا بخوف وقالت :
- سيغضب السنيور  دييغو مني كثيرا , سيقول لي انني ..
قاطعتها لورا قائلة:
- لا تخافي ياخوانيتا  سأقول ان برانت دخل بالقوة أوه ,هل تمكنت من الأتصال بزوجي ؟
- نعم سينيورا  تقريبا لم اتمكن من التحدث اليه شخصيا  تركت له رسالة مع مدير الفندق الذي كان عليه ان يتصل به عند السنيور فرانشيسكا بوردي حيث كان معها في زيارة عمل 
زيارة عمل صورة ممزقة نصف منسية برقت فجأة في مخيلة لورا  وتذكرت وجه دييغو الأسمر المنحني فوق وجه فرانشيسكا الملئ بالدموع لم يكن من الصعب تخيل نوعية الأعمال التي يقوم بها دييغو مع هذه الأرملة الشابة السمراء
قالت لورا كاذبة :
- انني بحاجة الى النوم الآن 
- اخاف ان اتركك , يا سنيورا  ان السنيور دييغو 
- انا في حالة جيدة يا خوانيتا  لاتقلقي علي انني بحاجة الى قليل من الراحة 
- الاتريدين شيئا ما  يا سنيورا ؟
- لا , شكرا  لا اريد ان يزعجني احد
لكنها لم تتوقف عن التفكير كانت تستعيد الذكريات , الواحدة بعد الأخرى  كل حوادث حياتها الماضية تعود شيئا فشيئا الى مكانها  وعندما تذكرت موت والدها في السجن المكسيكي  بدأت الدموع تنهمر من عينيها  هل اعتقاله هو السبب الرئيسي لموته ؟ لم تنس لورا العشاء الذي تناولته برفقته في مطعم الميرادور في ذلك المساء لاحظت ملامح وجهه المشدود كان قد فقد حيويته العادية "انني اتساءل ما أذا كان قلبي يتحمل هذا النوع من الأنفعال " هذا ما قاله لها وهما يشاهدان الغطاسين يقفزون من اعالي الصخور  لقد اعتبرت هذا التعليق بمثابة مزحة  هل كان دان حينذاك مصابا بمرض القلب  



فجاء السجن ليعقد له الأمور وتذكرت لورا وجهه الرمادي الشاحب خلال زياراتها العديدة له في السجن  كانت تعتبر ذلك ناتجا عن الجو المشحون داخل الزنزانة وابتعاده عن الشمس , والهواء , والحرية  وبرغم كل الاهتمام الذي كان يوليه دييغو لعمه , لم ينجح في إعطاءه الحرية التي كان يرغب فيها قبل أي شيء آخر
وأخذت الأفكار تعود باتجاه دييغو  إلى يوم الحادث الى الشاطئ كيف نسيت تلك اللحظات السعيدة مع دييغو ؟ راحت تتذكر دييغو منحنيا فوقها يداعبها بحنان فائق 
كل شيء يعود الآن الى ذاكرتها في دقة تامة جاعلا إياها مرهقة ومتلاشية  في تلك المرحلة كانت تعرف أن زواجهما كان مهددا  فقد قبل دييغو فكرة فسخ الزواج ثم فرانشيسكا , المرأة , السمراء , الجذابة , ظهرت في المشهد بصورة مباغتة لماذا تعلق دييغو بهذه المرأة الأمريكية المتحررة وهو الذي يتمتع بعقلية مكسيكية متعصبة؟
لكن حصل ما حصل على الشاطئ وعرف دييغو أنها كذبت عليه ليلة عرسهما تاركة إياه يعتقد أنها وبرانت كانا عاشقين
فجأة شعرت بانتفاضة في كل أنحاء جسمها  في ذلك النهار عندما كانت على الشاطئ  قبل الحادث كان دييغو يعرف تماما إن والدها مات وإذا كان قد عاد باكرا من مكسيكو فذلك لأنه تلقى مكالمة هاتفية من رئيس شرطة أكابولكو  لماذا أحبها في هذا النهار بالذات؟ كان والدها قد مات  ولا شيء يمنع فسخ الزواج فكان حرا بأن يتزوج فرانشيسكا عندما يتم فسخ الزواج هل لأنه فاجأ غييرمو معها أحس برغبة عنيفة في أن يجعلها زوجته في الحال مهما كان الأمر كانت تصرفه وقحا وهو يعرف إن والدها مات 
نهضت من السرير وأسرعت إلى خزانتها  وبسرعة أخرجت حقيبتها الجلدية الحمراء وراحت تضع حاجياتها وهي تفكر بعصبية واضطراب  أين تستطيع الذهاب في اكابلوكو من دون أن يكتشف دييغو مكانها ويعيدها الى الفيلا ؟ إن الندم جعله يعتني بها عناية كبيرة منذ الحادث  وهي تفهم الآن لماذا كان ينتظر بصبر أن تستعيد ذاكرتها بصورة طبيعية ربما كانا يأمل بألا تشفى تماما في كل حال ألا يتمتع دييغو بحياة ذهبية؟ لديه زوجة وديعة ومطيعة مدفونة في فيلا جاسينتا  وعشيقة ملتهبة في مكسيكو ؟
أقفلت حقيبتها و نظرت إلى حقيبة يدها لديها من المال ما يكفي لأن تمضي بضعة أيام في فندق من الدرجة الثانية قبل أن تستقل الطائرة الى لوس أنجلوس  إنها لا تريد مغادرة اكابلوكو قبل أن تعرف إين دفنو والدها  كانت أمنيته أن يدفن قرب زوجته وستحاول أن تنقل جثمانه إلى مدافن لوس أنجلوس حيث ترقد والدتها
هل ما زال برانت هنا في اكابلوكو ؟ ربما , لكنه ينزل ولا شك في أحد الفنادق الفخمة التي تحيط الخليج ولا مجال لــ لورا لأن تذهب للبحث عنه هناك حيث يمكن لدييغو أن يكتشفها بسهولة,لا من الأفضل أن تنزل في فندق متواضع يقع على أحد التلال البعيدة عن الشاطئ  وهناك يمكنها أن تمضي وقتها من دون أن يلاحظ أحد وجودها  لم تجد أية صعوبة في صف السيارة في المطار والمرور بين مجموعة كبيرة من السياح الآتين من مكسيكو لكن الأمور تعقدت فجأة عندما لمحت شبح دييغو الذي كان يرتدي بذلة رمادية شاهدته يرفع يده ليوقف سيارة أجرة ثم يدخل إليها وينظر في تقلص أمامه  إنه يستحق ما يحصل له الآن  ماذا اخبر فرانشيسكا ؟ عندما قرأ رسالتها لا شك إنه كان يبين ذراعي هذه المرأة السمراء 
- سنيورا 
توقفت سيارة تاكسي أمامها
- أين تذهبين ؟
- إني أبحث عن فندق صغير في حيي أكابلوكو القديم
قاد السائق التلال العالية وتوقف أمام بناء مؤلف من 4 طوابق  وقال:
- إنه فندق روزاريو  سأسأل اذا كان ثمة غرفة فارغة  هل تريدين غرفة بسرير واحد ؟
- نعم ولبضعة ايام فقط
دخل السائق الى الفندق وفهمت لورا انها ستدفع مبلغا ضخما للحصول على هذه الغرفة وأن السائق سيقبض عمولة 
هزت كتفيها في استياء وقالت ان هذه الأمور ليست مهمة في الوقت الحاضر  المهم هو ان تبتعد عن دييغو الذي لن يخطر في باله انها تقيم في مثل هذا المكان  كما انه اذا رأي سيارته في المطار سيفكر في الحال انها استقلت الطائرة الى كاليفورنيا ولن يفكر في البحث عنها في مدينة الحمامات 
ظهر السائق أخيرا :
- هناك غرفة واحدة  يا سنيورا وسعرها مرتفع 
احمرت لورا غضبا عندما عرفت القيمة المتوجب عليها ان تدفعها  ان شقتها الصغيرة في بانوراما تكلف السعر نفسه لكن ليس امامها خيار آخر  اومأت اليه موافقة  وهبطت من سيارة التاكسي بينما اخرج السائق حقيبتها من الصندوق  رائحة العفن تتصاعد من البهو  ولدى دخولها انحنى صاحب الفندق السمين وابتسم لدى توقيعها على السجل  فقد وقعت باسم والدتها قبل الزواج : بربارة فوريس 
صعدت الى الغرفة في الطابق الثاني  انها صغيرة جدا وفيها مروحة بطيئه  ومغسلة قديمة ومقعدان من القش وخزانة على بابها ستائر باهته تستعمل في الوقت نفسه كمنضدة للزينة  وفي احدى الزوايا سرير عريض من الحديد المقشر 
قالت لورا في قرف :
- - انها غالية الثمن نسبة الى ماتحتويه من اشياء غير مريحة 
فقال صاحب الفندق وهو ينظر اليها في ارتباك ويتأمل ملابسها الأنيقة :
- انه الموسم يا سنيورا ثم انك لم تحجزي من قبل 
- نعم اعرف  لن ابقى هنا مدة طويلة 
- سأرسل لك حقيبتك بأسرع ما يمكن 
قبل ان يجلب لها الخادم الحقيبة  لاحظت لورا ان السرير يطلق صريرا قويا وان المروحة تجلب هواء رطبا رائحته كريهة 
عندما اصبحت لورا وحدها  تمددت على السرير وهي تتصبب عرقا وثيابها تلتصق بجسدها  كانت تحدق بشفرات المروحة ربما كان من الافضل لو انها ذهبت لتبحث عن برانت لتستدين منه المال لتستأجر غرفة تليق بها  لكن ربما اضطر لأن يطرح عليها اسئلة محرجة  وربما اقنعها بمنطقه مؤكدا لها ان دييغو لم يعد له حقوق عليها ما دام ارغمها على ان تتزوجه ابتزازا 
اغمضت عينيها كيلا ترى هذه الغرفة الحقيرة .

غضب العاشقWhere stories live. Discover now