استاذ وليد

ابدأ من البداية
                                    

اضافت وكأنها تذكّرت امرًا:
- ولا تدلف لهذه الغُرفة مرّةً أُخرى، فهي تخُصّني انا وابني فقط.
انهت كلماتها وزفرت الهواء من فمها بشدّة، اشارت اليه بصلف عقب فتحها للباب في اشارة واضحة ليغرُب عن وجهها بأسرع وقت، حاولت اخفاء خوفها منه بعد لهجتها الحادّة التي تعلمُ ان لا احد بإستطاعته توجيهها لزوجها الّا انّ عيناهُ الخبيرتان بكُلّ ما يخُصّها استشفّتا ذلك القلق بسهولة فردّ عليها بنبرته المُخيفة:
- سأنسى انني سمعتُ هذا الحديث منكِ، اعتبريها هديّة عودتكِ اليّ.

وغادر بهدوء، دون ان يُبرر ايّ شيء، دون حتّى ان يُظهِر ذرّة اهتمامٍ صغيرة بها؛ ولعجزها الشديد امام قلبها احزنها هذا الأمر، اغلقت بابها بأسى واستلقت بجانب ابنها سامحةً للدموع المالحة بإغراق وجنتيها وظلّت الكآبة تحتضنها الى ان غفت بتعب.

****

قبل يوم زواج شهد غادر حسن للبلدة لزيارة جدّي في محاولة لتناسى خيبته بزواج محبوبته، بينما اختارت الخالة ماريا الثبات ومواجهة القيل والقال بشجاعة قائلةً بأنها ليست غاضبة على جارتها، وبقيت ماريا برفقتها طوالت تلك الأيام لتُخفف عنها ما يعتملُ بداخلها من ألم، علاقة أُختي بالخالة ماريا عميقة للغاية فهي تعتبرها بمثابة والدتها الثانية وتُكنُّ لها حُبًّا عظيمًا.

هذا اضافةً لأن شخصياتهما متشابهة الى حد بعيد ومن لا يعرفهما سيجزِمُ انهما أُم وابنتها، جميلتان وتُحبّان كُلّ ما هو متعلّقٌ بالجمال، وللخالة ماريا موهبة نقش رسوم الحنّاء وعلّمتها لأُختي التي غدت في عُمرٍ صغير ماهرة بتلك الموهبة وكثيرًا ما تتشدّقُ بموهبتها قائلة:
- انتِ ترسمين على الورق ولكنني ارسمُ على الجسد.

والنساء ببلادي قد يستغنين عن الطعام والشراب ولكنّهُنّ قطعًا لا يستغنين عن زينتهنّ لذا كانت ولا زالت راسمة النقوش او "الحنّانة" كما يقولون تستطيع كسب ما لا يكسبهُ صاحبي الشهادات الجامعية، وبالفعل بعُمر الحادية عشر بدأت ماريا ترِسمُ بالحناء على اطراف صديقاتها وبعض الجارات واليوم تلك الساحرة تملِكُ كنزًا من النقود؛ تُساعد منهُ والديّ في المعيشة ويستدين معظمهُ ايمن الذي يغشّها بأنّهُ سيعيدهُ اليها بأقرب فُرصة.

كنتُ اشعُر بالانزعاج من نفسي؛ فالجميع يساهمون بتأمين المعيشة بالمنزل عداي انا؛ فلم اكُن املك ايّ موهبة او صِنعة استطيع الاستفادة منها عدى صُنع كعك العيد الذي يأتي مرّةً بالعام لذلك لم املك الجُرأة لطلب المال من احد، عشتُ الحرمان من ابسط مُتطلبات الفتيات بسنّي، املِكُ عبائتان، حذاء واحد، حقيبة واحدة وبضع حجابات، طوال العام الدراسي اغسِلُ ثيابي عقب عودتي لأعود وارتديها صباحًا، أُرتّقُ ما يتمزّقُ بالخيوط ولا اقبل ايّ مُساعدة؛ حتى ماريا التي جلبت لي ذات يومٍ عباءة وحذاء جديدين رفضتهُما بشدّة ورفضت بسبب ذلك التحدُّث معي لأسبوعٍ كامل غير مُدرِكة لأنني اكرهُ كوني عبئًا عليهم، وللحظات شعرتُ بضرورة ترك الدراسة الّا ان الأمل بعينيّ والديّ وهما يودعاني كُلّ صباح منعني من الاسترسال بتلك الأفكار، كنتُ مُثقلة بمشاعر كثيرة لم استطع البوح بها فظلّت كصخرةٍ بصدري يزدادُ ثقلها كُلّ ليلة، حتى الدموع لم تعُد تسقُط لتُريحني قليلًا.

بيداءحيث تعيش القصص. اكتشف الآن