خيانة عظيمة

7K 306 101
                                    

لكلِ قلبٍ إذا ما حجَّ وجهتهُ ..
لا تسأل الناس تفسيرًا لما اعتنقوا
*** مقتبس ***

يبدوا الأمر وكأنما اطفو بداخل احد الحكايا الخيالية؛ انسُجُ ابطالًا لا وجود لهم واستمع لأحاديثهم الدائرة بداخلي كما وانّ روحي مسرحًا عتيقًا اقِفُ هُناك على عتبته وأُشاهد ما يحدُث بتسلية، ابدوا للعيان هادئة غير مُحِبّة للكلام ولا يعلم احدٌ ان بداخلي مهرجانات، هؤلاء الاصدقاء الخياليين كانوا خير مُعينٍ لي اثناء سيري الطويل ذهابًا وايابًا من الجامعة، فبصحبتهم يبدوا الطريق التُرابي المليئ بالحُفر والقاذورات غابةً خضراء جميلة تسيرُ فيها الأميرة الحسناء التي هي انا ولم ارى يومًا ان تفكيري ساذجًا بالرغم من انّهُ كذلك في نظر الجميع الّا انّني سعيدة بتلك الوحدة.

مرّ الأسبوع الأول وقد تعرفتُ فيه على صديقةٍ واحدة هي تلك الفتاة التي جلست بجانبي اوّل يوم، نهال التي تبلغُ من العُمر ثمانية عشر عامًا، لا اعرِفُ عنها الكثير ولكنها مميزة، يبدوا جليًّا انها ذات شخصيّة قوية، انيقة المظهر، مُلفتةً دون تصنُّع، عيناها واسعتان وحادتان كنسور الصحارى ولكن بداخلهما حُزن غريب لا يستطيعُ استشفافهُ سوى خبيرًا بقراءة العيون مثلي، فمنذُ طفولتي يخبرني ابي ان العين مرآة الروح فمهما بدى مظهرنا جميلًا لا يظهرُ على اعيُننا سوى ما نُخبئهُ عميقًا عن الجميع، حيث بقايا الكلام، وذلك الحديث الذي لم نبُح به.

دومًا ما تمنيتُ ان اجد من يرى ما بداخلي، من يُخبرني من انا، اتوق لرؤية انعكاس روحي، عندما أُفكّر بذلك الأمر ارى انّ من سيُمعن النظر بداخلي سيجدُ انني لست سوى شجرة نيم كبيرة، خضراء يانعة ذات جذور عميقة وجذع ضخم، فما ان تُعانق الأرض وتبرُزُ اولى شجيراتها الخضراء لن يستطع ان كائن بالدُنيا اقتلاعها، تنمو وتنمو غير مُباليةً بصيف او شتاءٍ او خريف، ومهما بُترت اطرافها تعود خضراء بعنادٍ غريب، وهذه انا، اصمُد وصمُد ولا انكسر.

.
.

بيوم الجُمعة، عقب انقضاء صلاة الظُهر واثناء تناولنا للقهوة بالعريشه المصنوعة من القش والتي قُمت برش رمالها الحمراء بالمياه ليتعطر جوّها برائحة التُربة الرطبة، دلف حسن بمظهرٍ لن انساهُ بحياتي، فقد خفق قلبي برُعب ما ان لمحتُ ذلك الألم الذي نُقِش على ملامحه، وادركتُ انّهُ ثمة شيء كبير للغاية؛ فعندما حاولنا التحدُّث اليه صرخ بجنون:
- لا شيء! لا شيء!
واحترق بداخله كُلّ شيء.

فبعد لحظات قليلة جلجلت اصوات الزغاريد بالمنزل المجاور وجاء الخبر الصاعق، لقد تزوجت شهد، ابنة الجيران، تلك الفتاة التي تربّت معنا بذات الحارة لا يفصلنا سوى حائط مُتشقق، حبيبة أخي وصديقتي، حبيبة حسن الذي يعلمُ كُلّ سُكان الحارة بعشقه لها، والتي فعل المُستحيل ليؤمن مستلزمات زواجه منها، رباه فليكُن مُجرد كابوس! غيمةً سوداء ستزول بعد دقائق! ولكنها لم تكُن.

بيداءWhere stories live. Discover now