وبماريا المدللة اكتملت عائلتنا البسيطة الى هذا اليوم فبالرغم من رغبة والدتي بالكثير من الاطفال كان والدي حازمًا للغاية في هذا الموضوع فوحدهُ من ادرك ان اربعة اطفال بوضع اقتصادي كالذي نعيشهُ كافين للغاية بل ان الاعتناء بنا حملًا كبيرًا على عاتقه وللصراحة اعذره للغاية، وللغرابة كنتُ ولا زلتُ سعيدةً للغاية بهذه العائلة بالرغم من كُلّ شيء، بالرغم من الفقر والجوع والأحلام بعيدة المنال، وحدهم من منحوني الأمان والحُب.

- بيداء! انتِ يا فتاة!
كان هذا صوت ايمن الغبيّ يناديني لأكره اسمي من جديد، بالله عليكِ يا أُمّي لم تجدي اسمًا سوى هذا الأسم البائس لي؟! "الصحراء" اهذا ما بدت عليه هيئتي منذُ ولادتي، هذا وقد ولدتُ بيومٍ مُمطر؟! كان عليكِ تسميتي ديمة او مطر على الأقل.
تأففتُ بانزعاج وانا انتصِبُ حاملةً مكنسة القش بيدٍ واحدة واجبتهُ بتذمُّر:
- نعم سيّد ايمن، هلّا اخفضت صوتك قليلًا؛ فقد اسمعت اسمي للأحياء المجاورة.

افلتُّ من حذائه الذي صوبهُ نحوي بأعجوبة وركضتُ مُتبعدةً عنهُ عندما حاول الأمساك بي هاتفًا بحنق:
- اين قميصي الأزرق؟! ألم تقومي بكيّه الى الآن؟!
اللعنة عليه وعلى قميصه الوحيد!
- حسنًا حسنًا سأكويه الآن.
تركتُ الفناء الذي بدأتُ بتنظيفه وغادرتُ لأقوم بتنفيذ اوامره وإلّا سيقوم بضربي بأقرب ما تنالهُ يداه، كبُر هذا الفتى واصبح رجُلّا والى الآن لا يتشاجرُ مع احدٍ بالمنزلِ سواي، وكأنني قتلت عزيزًا عليه.

خرج اخيرًا بعد ان اجبرني على صُنع الشاي لهُ ولصديقه الحقير وغادرا لأعود لكنس الفناء من اوراق الشجر التي بدأت بالتساقُط بشدّة، وماريا لا زالت نائمة كالأميرات وانا وحدي من يقعُ على رأسه عبء المنزل.
انا الآن ابلُغُ تسعة عشر عامًا وبضعة اشهُر وإلى الآن لم استطع تحقيق حلمي بالذهاب الى الجامعة ولكن بإذن الله في بداية هذا العام الجديد سأرتادها، فقد تم اختياري في احد افضل الجامعات بالبلاد واحتاج لرسوم كثيرة لذلك قمت بتجميد العام الى ان اجمع ما يكفي من النقود.

ربّاهُ كيف مرّ هذا العام بهذه السُرعة! فهانذي اقِفُ امام محطّة المواصلات مُتحمسةً لأوّل يومٍ جامعي، ودّعني ابي باكرًا قبل ذهابه للعمل بالدعوات ووضع بكفّي عشرة جُنيهات قائلًا بنبرةٍ هي أحبُّ إليّ من كُلّ نقود الدُنيا:
- أعلمُ انها قليلة ولكن أعِدُكِ ان اعطيكي بالغد اكثر منها، لقد طلبتُ من حسن ان يعطيكي ايضًا فاليوم يجب ان تسعدي بأولى لحظاتكِ بالجامعة.
وقبل ان أُغادر وقد اغرورقت عيناي بالدموع منحني كلمات لن انساها ما حييت، كلمات ستمنحني القوة لمُجابهة العالم أجمع:
- إياكِ ان تخجلي يومًا من حالتكِ؛ فذات يوم ستكونين بمكانةٍ عالية، انا واثقُ من ابنتي الرائعة.

أُحبُّك بطريقةٍ غريبة، كما وانني أُولدُ مع كُلّ كلمة بصوتك، أُخلقُ في كُلّ لحظة المحُ فيها عيناك، آهٍ كم أُحبّك يا ابي.
وكالعادة اختنقت المشاعرُ بداخلي ولم استطع ان أُعانقهُ واخبره بأنني أُحبّه، كان علينا دائمًا ان نُخبئ المحبّة بجُدران من برود غريب، وككُل مرّة مسحتُ دموع فيضان حُبّي داعيةً الله ان لا يُريني فيه مكروهًا.

بيداءWhere stories live. Discover now