الفصل الاول٢

126 7 1
                                    



و قبل ذلك بعام خرجت من العطفة تحمل دقيق العيد و الأخرى تتقدمك حاملة سناء في قماطها ، تلك الايام الرائعة التي لا يدري أحد مدى صدقها ، فانطبعت آثار العيد و الحب و الأبوة و الجريمة فوق أديم واحد ..
وكان على الوجه الذي لفحته الشمس أن ينبسط و أن يصب ماء باردا على جوفه المستعر كي يبدو مسالما أليفا فيمثل دوره المرسوم كما ينبغي . و اجتاز وسط الميدان متجها نحو سكة الإمام . و مضى فيها يقترب من البيت ذي الأدوار الثلاثة في نهايتها و على مفرق عطفتين جانبيتين يتفرع إليهما الطريق الأول . سيكشف العدو عما
أعده للقاء ،فادرس طريقك و مواقعه،وجاءه صوت من ورائه يقول:
-سعيد مهران !... ألف نهار أبيض...

توقف عن المسير حتى أدركه الرجل فتصافحا و هما يغطيان على انفعالاتهما الحقيقية بابتسامة باهتة . إذن بات للوغد أعوان ، و سيرى قريبا ما وراء هذا الاستقبال ، ولعلك تنظر من الشيش مستخفيا كالنساء يا عليش ...
-أشكرك يا معلم بياظة ...
ولحق بهما الكثيرون من الدكاكين على الجانبين ، و ارتفعت حرارة التهاني ، و سرعان ما وجد نفسه مطوقا من جميع الجهات بحشد من اصدقاء غريمة و لا شك ، و استبقت الحناجر قائلة :
-الحمدلله على سلامتك ..
فقال وهو يتفحصهم بعينيه اللوزيتين العسليتين :
-الشكرلله و لكم..
فربت بياظة على منكبه قائلا :
-تعال إلى الدكان لنشرب الشربات !
فقال بهدوء :
-فيما بعد ،عند العودة ..
-العودة؟ !
و صاح أحد الرجال موجها حنجرته إلى الدور الثاني من البيت :
-يا معلم عليش !... يا معلم عليش انزل هنئ سعيد مهران !
لا داعي للتحذير يا خنفساء . إني قادم في ضوء النهار .. و أعلم أنكم تترقبون .. وعاد بياظة يتساءل :
-العودة من أين؟
-لدى حساب يجب أن أسويه ..
فتساءل بوجه ممتعض:
-مع من ؟
-أنسيت أنني أب ؟.. وأن ابنتي الصغيرة عند عليش ؟
-نعم ، ولكل خلاف حل في الشرع ..
وقال آخر :
-و التفاهم خير ...
فقال وهو يدارى حنقه المختنق :
-من قال إني جئت لغير التفاهم ؟!
وفتحت نافذة و أطل منها عليش فارتفعت الرءوس إليه في توتر . وقبل أن تبدر كلمة خرج من باب البيت رجل طويل عريض ، ينتعل حذاء حكوميا فعرف سعيد فيه المخبر حسب الله . و سرعان ما تظاهر بالدهش و قال منفعلا :
-ماذا دعا إلى إقلاقك وما جئت إلا للتفاهم ؟

اللص و الكلاب(مختصر)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن