مقدمة..

398K 5.9K 311
                                    

"إن الذكريات سواء كانت ممتعة ام مؤلمة، لتتسبب للمرء دائمًا في المعاناة".
تذكر تلك المقولة في مرارة وهو يستند برأسه على مقدمة مقعده يستنشق نسيم البحر العليل عائدًا بجسده للوراء ليجلس بكسل ناظرًا من نافذة غرفته إلى البحر الازرق الذى يشبهه بقوته وعنفوانه، وقد إعادته ذاكرته إلى الصباح الباكر حيث لقائهم العاصف، فالتوى فمه بابتسامة عشق قبل أن تغيم عينيه بالحزن متذكرًا حبيبته المتمردة وهى تصرخ به قبل أن تدفعه بكلتا يديها الرقيقة في ازدراء :
-مش هتجوزك يا فريد.. صدقنى لو أنت أخر راجل فى الدنيا مش هتجوزك.. أنا أفضل إنى أموت ألف مرة على إنى اتجوز واحد زيك معندهوش لا قلب ولا احساس..

تنهد بألم من كلماتها القاسية قبل أن يغمض عينيه عائدًا بالذاكرة خمس وعشرون عام......
.... ( كان يحاول التظاهر بالنوم عند سماعه وقع خطوات راكضة ثم توقفت أمام حجرته لتتحدث كلًا من والدته والخادمة الاخرى :
-رحاب هانم.. آمنة تعبانة أوى شكلها هتولد قبل ما الدكتور يوصل..


ربتت السيدة رحاب على ذراع خادمتها لتطمئنها بنبرتها الرقيقة :
-متقلقيش يا دلال.. أنا كلمت الدكتور وهو زمانه على وصول وإن شاء الله هتقوم بالسلامة..

ثم أحثتها على استكمال سيرهم ولكنها التفتت عندما سمعت باب الغرفه خلفها يُفتح بهدوء ليطل منه صبى ذو عيون تشبه الشمس وشعر فاتح مع جسد ضئيل ينظر لها بترقب.. فهتفت رحاب به على الفور :
-فريد !! حبيبي أنت إيه اللى مصحيك لدلوقتى؟!.. أدخل كمل نومك..

هز الطفل رأسه ببطء رافضًا وهو يتمسك بمقبض الباب وعيونه تتحرك فى كل اتجاه، زفرت رحاب بصبر قبل أن تنحنى وتجلس على ركبة واحدة في مستواه وتمسح على شعره في حنان :
-فريد حبيبي.. أنت عارف الداده آمنة صح؟!..

أومأ لها الطفل الصغير برأسه فأضافت في حنان :
-طيب الدادة آمنة دلوقتى هتولد وأنا لازم اكون معاها.. أدخل كمل نومك ووعد هخلص وارجعلك تانى..

تحرك الطفل الصغير يتمسك بطرف ثوبها ويحدثها بنبرة ضعيفه ولكن ثابتة :
-لا متسبنيش لوحدى أنا خايف من بابا يضربك زى كل يوم..

شعرت رحاب بالدموع تتجمع داخل مقلتيها من كلمات طفلها الصغير فحاولت مقاومتها لتطمئنه وهى تربت على وجنته برقة :
-متخفش يا حبيبى.. أولًا بابا مش هنا لسه مجاش.. وبعدين أنت عارف أن بابا حنين عليك وعمره ما آذاك قبل كده..

هز الطفل الصغير رأسه معترضًا :
-بابا مضربنيش قبل كده بس بيضربك أنتِ وده سبب يخلينى اخاف منه..

زفرت رحاب بألم فهى تعلم خوف طفلها الشديد من والده فأضافت محاوله طمأنته :
-صدقنى يا فريد مفيش حاجة تخوف.. بص أنا قدامك أهو مفيش حاجة.. وبعدين أنا أبنى البطل مينفعش يخاف من حاجة عشان هو اللى هيحمينى.. صح ولا إيه؟!..

هز الطفل رأسه بقوة موافقًا على حديث والدته ثم اضاف في حماس :
-أيوه أنا هكبر وهحميكى منه ومش هخلى حد يقرب منك تانى..

لمعت عينيها بأبتسامه حب ثم تحدثت له مشجعه قبل أن تطبع قبلة حنون على جبهته :
-أنا عارفة أن أبنى هيكبر وهيبقى بطل قد الدنيا.. بس ممكن دلوقتي تدخل تكمل نومك عشان أنا انزل؟!..

تشبث أكثر بردائها مقتربًا منه يترجاها :
-طب ممكن أروح معاكى ومش هعمل صوت بس اكون جنبك..

فتحت فمها للاعتراض ولكن قاطعها صوت الخادمة آتيًا من خلفها :
-يا هانم.. أحنا كده اتاخرنا على آمنة اوى!..

وقفت تحتضن يد صغيرها متمتمة في قلة حيلة :
-مش هيرضى يا دلال أنا عارفه هو عّندي قد إيه هاخده معايا وأمرى إلى الله..

ثم استدارت تغلق باب غرفته ليهبطوا الدرج معًا للأسفل..
و

هناك وقفت رحاب أمام غرفه آمنه بتوتر محتضنة يد طفلها فى انتظار خروج الدكتور عندما سمعا صوت صراخ طفل فى الداخل، فابتسمت رحاب بفرحة وهى تتمتم لطفلها الصغير :

-ولدت يا فريد.. دادة آمنة ولدت!..

خرج بعد قليل الطبيب يبشرها في حبور :
-مبروك يا هانم.. المدام بخير ولدت وجابت بنت..

ثم استأذنها فى الرحيل، دلفت رحاب غرفة خادمتها مسرعة والابتسامة تملئ وجهها، ثم جلست على أحد المقاعد بجوار فراشها تشكر الله على سلامتها وسلامة مولودها، بينما جاءت دلال تحمل الطفلة وتضعها بين يدى سيدتها فحملتها الاخرى بحب وتحدثت بشعف بعد تأملها قليلًا :
-ماشاء الله يا آمنة نسخة منك فى الجمال البنوتة زى القمر..

ثم التفت برأسها توجه حديثها لطفلها الواقف بجوار باب الغرفه :
-تعال يا فريد قرب وشوف الملاك الصغنون ده..

اقترب منها في ترقب ثم رفع إصبعه برفق يتلمس وجهها بملامحه البريئة، بينما توجهت رحاب بحديثها إلى آمنة تسألها في فضول :
-ها يا آمنة قررتى هتسميها إيه ولا لسه؟..

فتحت فمها تجيبها قبل أن يوقفها صوت فريد يقرر بصرامة غير معهودة لطفل فى عمره
-حياة.. اسمها حياة..
و

لم يعلم بأنها منذ ذلك الوقت أصبحت هى حياته بالفعل!..

تنهد بألم مفكرًا وعائدًا من رحله ذكرياته..
فقد اصبح كبيرًا وقويًّا لدرجة أن الجميع يهابه ويخشاه، بما فى ذلك والده ولكن والدته قررت الرحيل باكرًا قبل أن يستطيع حمايتها من بطش ذلك المدعو والده..

متى تخضعين لقلبي حيث تعيش القصص. اكتشف الآن