الجزء الاول

59K 545 25
                                    

...................ترابزون،تركيا عام 1910
كانت تجلس بالقرب من المدخنة...تراقب اضطرام النار ... التي تتصاعد شعولاتها كلما حركت الخشبات بعصاها الحديدية لتلتهب اكثر...ارتعد جسمها..و اقشعر بدنها....فصل الشتاء في هذه السنة شديد البرد....و قريبا جدا ستغطي الثلوج التلال المحاوطة بالقرية......اقتربت هزان من النافذة...لقد حل النهار منذ وقت طويل ..لكن شقيقها لم يعد بعد إلى المنزل...تنهدت بعمق...و هي تنظر إلى حركة ميناء قريتها الصغيرة...الذي أصبح معجوءا بالناس بعد وصول اول باخرة منذ أسبوعان....سكان القرية كانو قد فقدو الأمل في وصول اي باخرة فهم ينتظرون منذ أشهر الآن... كل هذا بسب هجمات القرصنة التي تتعرض اليها البواخر التجارية القادمة الي ترابزون على ضفاف البحر الاسود..... أخرجها من تفكيرها صوت كأس يرتطم بعنف على الطاولة...فاستدارت بسرعة..كان والدهها السيد أمين تشامكران...مختار القرية..و أكبر سكير و لاعب قمار فيها....متفرطحا فوق الاريكة...بعد أن عاد من ليلته في احدى حانات الميناء...
امين: هل جهزتي نفسك؟
هزان و هي تتحكم باعصابها بصعوبة: لقد اخبرتك مرار..لا اريد..انا لا أريد الزواج....
امين : اجل لم تقبلي عرض اي احد من الرجال اللذين قدمتهم اليك...
هزان: بالله عليك والدي...اتنعث هؤلاء بالرجال....ارمل بخمسة اولاد يبحث عن مربية...شاب ارسطوقراطي هرب اول ما سمع انني لا أملك جهازا ولا فلسا...و آخرهم عجوز مسن يبلغ ضعف عمرك
أمين وقد اقترب منها: كم انت انانية..الا تفكرين بوالدك....ماذا سيحل بي اذا اشتكى عليا ذالك القدر..ها..سيقلونني من منصبي كمختار..و يسجنونني...لكن هذا ما تريدينه..لطالما كنت تكرهينني...
هزان: غير صحيح انا لا اكرهك لكنني اكره عاداتك السيئة و هي تشير إلى زجاجة النبيذ ....الشرب و القمار...لقد دمرت والدتي التي ماتت بحسرتها...و لم يكفيك هذا..فجررت معك شقيقي المسكين إلى حياة الشرب و السهرات...كل ما حصل له بسببك...انت السبب في اعاقته...
أمين: لست أنا السبب..انه ذلك القدر....الذي يدعونه القيصر....صاحب الباخرة...انظري..و هو يقف أمام النافذة...انظري إلى ضخامة باخرته هي لا تتسع حتى في الميناء...
هزان: اعرف جيدا من سبب إعاقة شقيقي..لكن كل هذا حدث لان ياسين أراد الدفاع عنك...بعد أن اتهمك الرجل المدعو بالقيصر انك تغش في اللعب....و قد سرقت منه مبلغا كبيرا.....وانا ليس لديا أدنى شك بأنك مذنب بالاتهام....
فجأة سمعت صوت شقيقها و هو يدخل الغرفة: هل تدافعين عن ذلك القذر...هل تتهمين والدنا؟.....انظري..الى ذراعي...لا استطيع حتى تحريك يدي...الطبيب يقول انني فقدت قدرتي على استعماها...و لن يتغير هذا أبدا...لقد دمر القيصر حياتي...كيف يمكنني أن اعمل الآن....؟؟ لن يقبل احدا تشغيلي...!!
هزان: ليس هذا السبب..لا يقبلون تشعيلك كونك ثمل طول النهار...انظر إلى الساعة..انت تعود كل يوم ثملا إلى المنزل في وسط النهار أمام أعين الجميع......
أمين: لا تحاول اقناعها يابني....فهي لا تحب الا نفسها...
هزان: انتما تريدان ان أتزوج أي رجل...كل ما يهمكما في الامر ان يكون فاحش الثراء...لتتمكنا من متابعة هواية الشرب و القمار....
أمين و هو يمسك ذراع ابنه المشلولة: تعالى ..تعالى يابني ساساعدك لتصعد إلى غرفتك..لكن ياسين..رفض و سكب كوب آخر من النبيد....
امين: حسنا...انا ذاهب سأعود بعد قليل...ثم إلى هزان ...و انت ستستقبلين السيد صادق كما يجب ..هذه فرصتك الأخيرة لا تضيعيها...فقد كان صعبا جدا اقناعه بالمجيئ إلى هنا لطلب
يدك رسميا
ارتمت هزان على الاريكة و و ضعت يداها على وجهها....فهي لا تريد أن تقابل السيد صادق....كيف يمكنها القبول بالزواج من شخص لا تعرفه....يجب أن تتخلص منه قبل عودة والدها...ثم في نفسها على الأقل لن أكون معه بمفردي...فأخي ياسين هنا...لكن شخيره كان يدوي القاعة...
هزان وهي تحاول حمله إلى غرفته: هذا ما كان ينقص...ان يجد السيد صادق اخي ثملا و نائما في وسط الصالون في منتصف النهار....لكن طرق على الباب...اجبرها على التوقف...تأخر الوقت...انه هنا..لقد وصل..توثرت هزان و رمت شرشفا على أخيها لإخفاء وجوده...في الاخير السيد صادق قد يكون عجوز مسن اكيد ان بصره ضئيل فلن يلاحظ شيء....
بعد أن عدلت من هيأتها...فتحت هزان الباب...لكنها انصدمت من شكل الرجل الواقف أمامها...كان طويل القامة...يضع قبعة تغطي وجهه..و معطفا يلف كل جسمه بالاضافة الى حذاء شتوي من الجلد....ولما رفع وجهه نحوها وقع نظرها على اوسم رجل رأته عيناها.....حركة حاجبيه الكثيفين على جبينه تشير إلى دهشة...ثم ابتسم و هو يناظرها بعينيه الخضروتين: الانسة تشامكران..اعتقد؟
هزان: أجل ....تفضل سيدي يمكنك انتظار والدي في الذاخل سيعود بعد قليل...ثم ابتعدت لتدعه يمر
الرجل: حقا...اذا انت تعرفين هويتي؟
هزان:طبعا سيدي...لقد اخبرني والدي و انا كنت بانتظارك..
رفع الرجل حاجبيه إلى الاعلى..تردد قليلا ثم دخل......
هزان بعد أن أغلقت الباب : ايمكنني اخذها و هي تشير الى معطفه و قبعته ....ولما خلعهما تسمرت هزان في مكانها جاذبية الرجل الذي أمامها تكاد تقتلها...عيناه..ابتسامته...وجهه و الآن جسمه النحيل ذو العضلات البارزة.......غريب كيف لرجل بوسامته ان يبحث عن زوجة بهذه الطريقة.....يمكنه الحصول على أجمل النساء بنظرة من عيناه الساحرتان...حقا عجيب أمره...لكن هذا ليس سيء بالنسبة لها...اخيرا جاءها خطيب ملائم لطمحوحاتها...ماذا تقول انه يفوق كل احلامها....
الرجل: انت لطيفة جدا آنسة تشامكران..لم اتوقع هذا الاستقبال...
احمر وجه هزان فجأة...معقول أن يكون والدي قد أخبره بأنني لا اريد الزواج!! ابتسمت و هي ترشده إلى الصالون لكنها لاحظت ان الشرشف لا يغطي كل جسد شقيقها...فقد بقيت رجلاه تتدلى مكشوفة.....ارادت ان تغير انتباه السيد صادق: الجو بارد جدا و قد تبللت..هل تريد شايا؟
الرجل: لا اريد ازعاجك...
هزان: أبدا... ساحضره فورا...لكنه كان ينظر إلى الأريكة باستغراب ثم استقام و اقترب لنزع الشرشف: ليكتشف ياسين غاطا في النوم...
هزان و هي تموت خجلا: آسفة سيدي..انه أخي...لقد نام على الاريكة و لم استطع حمله إلى الغرفة...
الرجل: اتودين ان اساعدك؟
ابتسمت هزان: اكون ممنونة لك....
خلع الرجل سترته و وضعها على مقعد بالقرب منه ثم حمل ياسين فوق كتفه: ا ترشدينني إلى الغرفة....
هزان و هي تحقق في عضلات جسمه التي يفصلها قميصه الناصع بيوضة: طبعا من هنا من فضلك...و سبقته على الدرج...
وضع الرجل حمله على السرير ثم تابع و هو يخاطب هزان: سيرتاح اكثر لو خلعت حذاءه و سترته...اتسمحين
هزان: طبعا هذا من لطفك...لكن بحذر أرجوك لان ذراعه الأيمن مشلول...توقف الرجل قليلا ثم قال بنبرة حزينة: انا حقا أسف لم اكن أعرف..
هزان: انه يحصد نتائج غبائه و هي تشير إلى أخوها
هذه المرة دهشة الرجل كانت تعلو وجهه: لم اتوقع ان تكوني متفهمة لهذه الدرجة...و اقترب منها اكثر....ولوهلة توقف الزمن ...عيناهما تناظران بعضهما...جسميهما ينجذبان نحو بعضيهما....شفاههما تطوق لبعضها....ابتعدت هزان عنه و هي تتنهد...اما الرجل فقد فتح زر قميصه..جسمه يحترق من الحرارة..
هزان و قد اتجهت الى الباب:خمس دقائق و سيكون الشاي حاظرا.....
ها هي تجلس الآن قبالته في الصالون..انه يشرب فنجان الشاي الذي احضرته لتوها...منظره مضحك و هو يغمس شفاهه بحذر.....
هزان: الشاي ساخن..لكنه سيشعرك بالدفئ بعد كل الامطار التي بللت جسمك..اه..عفوا اقصد ملابسك..ابتسمت عيناه و هو ينظر اليها...فتابعت..هل كان طريقك طويلا...؟؟ ام انك تسكن في الضواحي؟
الرجل: منزلي في اسطمبول.. و نعم طريقي كان طويلا جدا...فانا كنت اعيش في موسكو..و حاليا قادم من هناك...ثم تابع و هو يهمس لكنني لست نادما ابدا على قطع كل هذه المسافة فقد سمحت لي برأية وجهك الجميل...
هزان و قد احمرت وجنتيها..ليست معتادة على ان يتغزل فيها رجل بهذه الجرأة..و أي رجل...ارادت تغير الموضوع : انا حقا آسفة ربما يكون قد أخبرك والدي بعدم تحمسي للتعرف اليك...
الرجل : انا اتفهمك جيدا آنسة تشامكران...يجدر بك ان ترينني كوحش بعد.....قاطعته بتوثر
هزان: اعترف انني استرحت عندما رأيتك...لم أتخيل أن تكون رجل جذاب....ثم سكتت و هي تلعن نفسها.......اما الرجل فقد اعجبه كلامها لدرجة انه سكب كوب الشاي الساخن على بنطلونه...دون أن يشعر
هزان: يا الاهي...لقد احترقت...هرعت مسرعة نحوه و هي تمسح بيدها على سرواله...كان الموقف محرجا جدا لان يداها لامستا عضوه الرجولي.....مما جعله يتفاعل...لكن هزان لم تدرك الموقف و واصلت ملامساتها... لم يستطع الرجل التحمل أكثر فجذبها اليه و أخذ شفاهها بين شفتيه في قبلة محمومة....ارادت هزان ابعاده لكنه أسرها بين ذراعيه بعد أن اجلسها على ركبته.....بقيت متجمدت دون حراك...لا تعرف ماذا عليها فعله انها قبلتها الأولى...و ذوقها ليس سيء بل قد اعجبها كثيرا..فتجرأت مشجعة نفسها بأنه قريبا سيكون زوجها...و بادلته قبلته عازمة لسانه على الرقص مع لسانها....
كانا منسجمين جدا لدرجة انهما لم يسمعا اصوات الشخصان القادمان من المدخل...فجأة
امين: ما هذا الذي اراه!؟ ماذا تفعلان؟
هزان وقد وقفت بسرعة و ابتعدت عن الرجل: أبي انتظر..ساشرح لك..نحن..اقصد انا لم ...لكن والدها هجم عليها و امسكها من عنقها..و هو يضغط بشدة...فتحرك الرجل... امسكه من ذراعه و دفعه بقوة لكي يبتعد عنها
أمين: ساقتلك ايها القذر ...ماذا تفعل في منزلي...ثم يخاطب هزان: و انت كيف تقبلين هذا المجرم تحت سقف منزلي..
هزان: انت من دعاه يا ابي...الم تطلب مني ان استضيف السيد صادق...ثم و قع نظرها على الشخص الذي بقي واقفا عند مدخل الباب... عجوز مسن...نحيف و ضئيل...كان : يشير إلى نفسه و يقول: انا...انا هو السيد صادق....
امين: كم انت حمقاء ....الحقير الذي كنت تقبلينه ليس خطيبك السيد صادق....انه...القذر المسؤول عن اعاقة شقيقك...انه القيصر...
استندت هزان على الجدار كي لا تقع...ماذا فعلت يا الاهي كيف وقع هذا...كيف تقبل الرجل الذي خرب حياة عائلتها..بسببه فقد انشل ذراع شقيقها...و اصبح والدها مهدد بفقدان منصبه و ذخول السجن....و هي مجبرة على الزواج بأي رجل غني لتنقدهما....لا مستحيل لم يتحمل عقلها...هرعت اليه و اصبحت تضربه بشدة على صدره: أيها الحقير..انت هو ذلك المجرم...انت هو القيصر
امسك الرجل يداها بإحكام ليمنعها من التحرك ثم واصل وهو يبتسم بسخرية: ياز....يمكنك مناداتي ياز...هذا هو اسمي..
ابتعدت عنه هزان فتابع حديثه بكل ثقة: أنا حقا أسف لكن اعتقدت انك تعرفين من اكون...تذكري فقد سألتك
لكن غرورها اخذ ضربة لقد انفضحت...امام والدها و العجوز المسن..زوجها المستقبلي..السيد صادق....لم تتمكن من منع نفسها..تقدمت نحو ياز و صفعت وجهه الوسيم بكل قوتها ثم واصلت: هذه من طرف الآنسة تشامكران !!!
وضع ياز يده على خده و بدأ بتدليكه ببطئ و هو يبتسم ..ثم إلى امين: جئت إلى هنا...لاسألك عن نقودي...هل هي جاهزة...لقد و وعدتني ان تدفع دينك لي اليوم فانا قد وفيت بوعدي بعدم ابلاغ السلطات عن غشك في القمار و سرقة مال خصومك في اللعب..
امين: نعم قد وعدتك..لكن عليك ان تمنحني مدة اطول فالمبلغ ضخم و انا اعمل على جمعه... ثم تابع بصوت مرتفع..لا داعي ان تأتي إلى منزلي في المرة القادمة...لا احب فكرة ان أراك تحوم حول ابنتي مغهوم...فهي عن قريب ستصبح زوجة السيد صادق...مشيرا إلى العجوز المهتري
ابتسم ياز و هو يحك لحيته: صحيح لقد سمعت الاشاعات التي تدور في قريتكم الصغيرة...لكنني محتار....فبعد أن تعرفت على ابنتك و رأيت جمالها...كيف لم تتمكن من ايجاد عريس لائق بها بعد......في الحقيقة لا يروق لي ان تستغلها بتزويجها من عجوز غني لتدفع دينك لي...
اندهش أمين من كلامه: حقا..اذا ستتنازل عن المطالبة بدفع الدين؟؟
ياز: ليس لهذه الدرجة...سيد تشامكران..لكني رجل أيضا..و ابنتك جميلة..ربما سأمدد فترة تسديدك للدين..ان سمحت لي بمغازلتها...من يعلم ربما سأقع في غرامها و اطلبها للزواج.....!!!
هزان: حقيييييير!
امين و هو يختنق من شدة الغضب: ابتزاز و فسوق...افضل ان أراها ميتة على أن ترافق قذرا مثلك!!
ياز : اتخيل هذا..و هو ينظر الى عريسها المسن...انت حقا تبعها إلى الموت...ثم الى هزان: اضن انني لن أكون مرحبا به في هذا المنزل بعد اليوم...
هزان و شرارة في عينيها: اخرج من هنا...لا اريد ان تطأ رجلك عتبة هذا المنزل أبدا...و لتعلم هذا...حضرة القيصر....اي رجل كان...عجوز مسن او وحش مخيف فسافضله عنك..
ياز و هو يضحك: ان وضعك القدر امامي مجددا...فسارفض عرض اجمل امرأة على وجه الأرض ..انا لست مجنونا لافوت فرصة البقاء معك من أجل رعاية غرور المجروح..
هزان و هي تصرخ بأعلى صوتها: ارحلللللللللللل!!!
ما ان خرج ياز..تقدم السيد صادق و هو يشد قبعته بيده: اضن انه يجب عليا الرحيل ايضا...ربما تريد أن تتحدث مع ابنتك على انفراد....كان ظاهرا انه يود الهروب بسرعة ...
امين: سيد صادق ...انا اعتذر منك على المشهد الذي رأيته لكن ابنتي كان في نيتها ان تقترب منك...بما انها ستصبح زوجتك...قاطعه العجوز و هو يتجه نحو الباب مسرعا: لا اعتقد ان هذا الزواج سيتم ...اسف عليا الرحيل...ثم خرج ....
ثار عصب امين وأمسك هزان من شعرها...و دفعها على الأريكة: لقد ضيعت الفرصة مرة اخرى...انت مثل امك...لا فرق بينكما...عاهرات...
نهضت هزان بسرعة و امسكته من ياقته: لا اسمح لك بأن انها والدتي هكذا فهمت هي كانت أشرف منك...فرفع أمين يده و صفقها بصفعة اسقطتها ارضا...
هزان و هي تمسح قطرات الدم التي انفجرت على شفتها: كيف يمكن أن تفعل هذا بابنتك..؟؟ تريد بيع اببنتك من لحمك و دمك من أجل المال.. من أجل انقاضك من السجن..و انت تعلم أنك مذنب بما يتهمك به ذلك المقرف...ثم نهضت و صعدت تحري إلى غرفتها...

وردة الشتاءWhere stories live. Discover now