٩. ثانِي أنواع العُزلة

150 23 11
                                    

الفَصل التاسِع | بينهُم و لكنني لستُ منهُم، معهُم و لكنني لستُ حقًا معهُم.

***

جئتُ لأنفُضَ التراب عن هذَا الكِتاب القريب إلى قلبي بفصلٍ جديد كتابته مؤجلة منذُ فترةٍ طويلة و لا أعلمُ لماذا. اشتقتُ حقًا التحديث في هذا الكِتاب.

في الفصل الثالِث تحدثتُ باختصار عن أول أنواع العُزلة، و إن كنتم قد نسيتُم الأنواع الأربعة للعُزلة فلتنظروا سريعًا الفصل الثالث و تعودوا  :)

***

ثانيًا: الانعِزال الاجتماعِي:

هذا النوع هو أكثرهُم خداعًا، فالشخصُ يظهرُ لكَ أنَّهُ لا بأسَ به، و يضحكُ و يمزحُ طبيعيًا، و قد يظهرُ أنَّه مرتاح بل اجتماعِي و مُحب للتجمُّعات، و لكِنهُ في الحقيقةِ يشعُر أن المكانَ ليسَ مكانه. يشعرُ برغبةٍ في البكاءِ أو الهرب بأقصى سُرعة. بالضبطِ كأن تشتري قميصًا لا تدخُل فتحتهُ في رأسك، قد أُجبرتَ على ارتدائِه و لا تستطيعُ التنفُّس من ضيقه، كذلكَ هو، يشعرُ أن تلكَ الجلسة ليسَت على قياسِه!

المشكلةُ الأهم في هذا المُنعزل أنَّهُ دائمًا في إرهاقٍ و صراعٍ و معاناه، لأنَّه لا يستطيعُ أن يكونَ نفسه وسطَ أناسٍ ليسَ مرتاح معهم.
و مع تكرار التجمُّعات كتلك حتى تصبح حياته كلها كتلةً من عدمِ الراحة، يبدأ في نسيان شخصيَّته و طبيعته كيفَ كانت. يتحوَّل غصبًا إلى هذا الإنسان الذي يتظاهره ظانًّا أنَّ هذه هي نفسُه الحقيقة!

أو أن يحدثَ العَكس، فعندما يظنُّ أنه يكره كل تلكَ التجمُّعات التي لا يستطيع أن يكون فيها نفسه، يبدأ في رفض التجمُّعات و الخروج لمقابلةِ الناس. يتقوقعُ على نفسهِ في غُرفته حتى يستطيع أن يكونَ على سجيته، و من هنا تبدأُ مشاكل كبيرة مثل التوحُّد و الاكتئاب و غيره...

المصيبةُ الأكبر إذا كانَ الأهلُ هم أحد تلكَ التجمُّعات غير المريحة! البيتُ يجبُ أن يكون الدفءَ و الأمان الذي يزيلُ عن كاهِلنا كُل الإرهاق، و من الخَطر أن نجدَ هذا الدفءَ و الأمان خارج البيت، و الأدهى ألا نجدَ هذا لا في البيت و لا خارجه.

***

- الفصلُ انتهى، و لكن هُناك ملحوظةٌ صغيرة: الأمان و الدفءُ يمكن أن يكون موجودًا فعلًا عندك بالبيت و لكنك لا تشعُر به. هذا لأنكَ مشغولٌ جدًا بالتفكير في والدتك التي صاحت بوجهكَ في الصباح، أو أخوتك الذين لا ينفكون يثيرون غضبك و يتشاجرون معك.
لا تكتفوا بهذه الظواهر المُحبطة، انظروا في جوهر و عُمق الأمر، ستجدون أنه من الممكن جدًا أن تكون الأم مستاءة أو محبطة أو مضغوطة من أمرٍ ما، فأخرجت تلكَ الطاقة على شكل صياح. أعتقدُ أن أمهاتنا اللاتي حملننا في بطونهن تسعة أشهر و أطعمننا من أجسادهن و سهرن على راحتنا لهن الحقُّ في شيءٍ من التحمُّل نقدمه لهن. و أخوتك - إن كُنتَ لا تعرف - عمودكَ الفقري! لن تجدَ أحدًا يتحول وحشًا في الدفاع عنكَ في وقتِ الجد غيرهم.
قِس على ذلكَ الكثير. فقط فضلًا قدِّر وجود أسرتكَ في حياتك. أنتَ لا تشعر بقيمتهم لأنهم هُنا. جرِّب آن تسأل من فقدهم.

   ***


- بيلا بلاك. 🌸

مُحتوى للبالغين Wo Geschichten leben. Entdecke jetzt