حَيَاتها وَنَشْأَتُهَا

1.7K 64 13
                                    

لقد فتحت السيدة فاطمة الزهراء عينها في وجه الحياة، وفي وجه أبيها الرسول ترتضع من أمِّها السيدة خديجة اللبن المزيج بالفضائل والكمال.

وكانت تنمو في بيت الوحي نموًّا متزايداً، وتنبت في مهبط الرسالة نباتاً حسناً، يزقّها أبوها الرسول (صلى الله عليه وآله) العلوم الإلهية، ويفيض عليها المعارف الربانية، ويعلّمها أحسن دروس التوحيد، وأرقى علوم الإيمان وأجمل حقائق الإسلام.

ويربّيها أفضل تربية وأحسنها، إذ وجد الرسول في ابنته المثالية كامل الاستعداد لقبول العلوم ووعيها، ووجد في نفسها الشريفة الطيبة كل الروحانية والنورانية، والتهيؤ لصعود مدارج الكمال.

إلى جانب هذا شاءت الحكمة الإلهية للسيدة فاطمة الزهراء أن تكون حياتها ممزوجة بالمكاره، مشفوعة بالآلام والمآسي منذ صغر سنّها، فإنها فتحت عينها في وجه الحياة وإذا بها ترى أباها خائفاً، يحاربه الأقربون والأبعدون ويناوئه الكفّار والمشركون.

فربما حضرت فاطمة في المسجد الحرام فرأت أباها جالساً في حِجر إسماعيل (عليه السلام) يتلو القرآن، وترى بعض المشركين يوصلون إليه أنواع الأذى، ويحاربونه محاربة نفسية.

وحضرت يوماً فنظرت إلى بعض المشركين وهو يُفرغ سلا الناقة، (هو الكيس الذي يتكون فيه الجنين) على ظهر أبيها الرسول وهو ساجد.

كانت الزهراء تشاهد ذلك المنظر المؤلم، وتمسح ذلك عن ظهر أبيها وثيابه وتوسعهم سباً وشتماً، وهم يضحكون من سبابها وشتائمها، شأن السفلة الأوباش.

وعن ابن عباس: إن قريشاً اجتمعوا في الحجر، فتعاقدوا باللات والعزّى ومناة: لو رأينا محمداً لقمنا مقام رجل واحد، ولنقتلنّه، فدخلت فاطمة (عليها السلام) على النبي (صلى الله عليه وآله) باكية، وحكت مقالهم.. الخ.

واشتدت الأزمة وزادت المحنة حتى اضطر الرسول (صلى الله عليه وآله) أن يختفي في شعب أبي طالب، ورافقته عائلته، وآل أبي طالب إلى ذلك المكان، وكانوا يعيشون في جو من الإرهاب والإرعاب. ففي كل ليلة يتوقعون هجوم المشركين عليهم وخاصة بعد أن كتب المشركون الصحيفة القاطعة، وحاصروا بني هاشم حصاراً اقتصادياً فلا يدعونهم يبيعون ولا يشترون شيئاً حتى المواد الغذائية، بل ومنعوا إيصال الطعام إليهم، فاستولى الجوع عليهم، وأثَّر في الأطفال أكثر وأكثر، فلا عجب إذا كانت أصوات بكاء الأطفال تصل إلى مسامع أهل مكة، فبين شامت بهم مسرور، وبين متألِّم حزين.

وطالت المدة ثلاث سنين وشهوراً، وكانت السيدة فاطمة من الذين شملتهم هذه المأساة، وهذه المآسي أيقظت في السيدة فاطمة روح الجهاد والاستقامة والمثابرة، وكأنها كانت فترة التمرين والتدريب للمستقبل القريب.

فاطمة الزهراء من المهد إلى اللحد Where stories live. Discover now