يريد الخروج و لكنه لا يستطيع تركها و لا حملها في الأرجاء
           يريد سيجارة أخرى
و لكنه عن السابقة بالفعل يطلب السماح

قرر أن يأخذ حماما و يغير ثيابه كي يزيل رائحة النيكوتين تلك عن نفسه
         كطفل يخشى عقاب أمه
كجندي يشعر بالندم على مهمة كان مكتوبا عليها أن تبئ بالفشل

ارتدى بدلة رسمية مرة أخرى
         يتجاهل ذلك الألم الذي يتصاعد في كتفه
ضرب قبضته في جدار الحمام مرة أو مرتين و هو يستحم
       استحم بالماء البارد في ذلك الشتاء
و لكن لا يزال قلبه يحترق

كان يعلم
    أنها على الأرجح ستصاب بالحمى من الحزن
         و عيناها ستتورمان
لذلك قد تصرف بما لديه من الثلج
      يجلس هكذا بجوارها
و هي حتى لا تستجيب لذلك الصقيع المفاجئ

عيناه تحملان بللا لم يشهده منذ زمن
        غصة في حلقه لا تذهبها أنفاسه العميقة و لا تنهيداته المستمرة
يرفع رأسه للأعلى
       يتوسل لخالق السماء في صمت
يتوسل أن تكون بخير و أن تستيقظ

لقد وقع في النوم هكذا جالسا
              كان ذلك فيما تبقى من تلك الليلة الطويلة
الليلة التى نجى فيها عشقه من عناق الموت
          و لكنه أصبح داميا
استيقظ قبلها
        محتار كيف عليه أن يوقظها
كيف يجرؤ على أي حال
        كان مشفقا عليها من ألم العالم
و لم يستطع أن يحميها من ألم هو سببه
      يشفق عليها من أن تلمس قدماها الأرض
                أن تتنفس هواء به ذرات غبار
أن تؤذيها حرارة أو برودة
           صاحب الأعين القاسية
اليد الباردة
     كان قلبه مشتعلا بالعشق إلى هذا الحد كما كان عانقه البارحة

وضع يده أسفل رأسها
      " أسيل.." نادى بهدوء ، يظهر على صوته مازال مترددا
بدأت تتململ قليلا
       فتحت عيناها بصعوبة
ترى صورته مهتزة
      تحاول حتى ترى صورته ثابته
تشعر بأن عقلها متوقف عن العمل
       ماذا يفعل أستاذها هنا ؟
يبحث عينيها في قلق
     يبحث عن اَي استجابة او اَي رد فعل

تسترجع ذكريات البارحة واحدة تلو الأخرى
      تحاول أن تعرف اذا ما كانت حقيقة أم خيال
تنظر حولها لتتأكد
   " أسيل.." نادى مجددا
تنظر لتجد دفتر الزواج هناك على الطاولة
" آه" كانت ستبدأ في البكاء مجددا
      و لكنه وضع وجهها بين كفيه
نظراته تلك
     الغاضبة من الداخل ، المحترقة ، العاشقة بجدية قاسية
" لا يوجد بكاء..
       هل سمعتني ؟
نحن سننزل الآن
     سنتناول الفطور
و سنتحدث
     و لكن تأخذِ حماما أولا و بعدها لنذهب
   قد أحضرت ملابس جديدة أتمنى أن تناسب ذوقك " قال تاركا أيها لتذهب في هدوء
                              ###
خرجت لتجده أنه ذهب للأسفل بالفعل
         طاولة جميلة على البحر مباشرة
السماء صافية و ليست رمادية حزينة
            وردة على الطاولة
حمراء
    زاهية
متوهجة و متمردة
     كعشقهم تماما

ابتسمت و هي تجلس في صمت
     يتأملها باتسامة حزينة و صغيرة على وجهه
" هل تعلم ؟
         أنت رجل يليق بك كل شئ
الحزن
    الغضب
و السعادة
    و الرومانسية و القسوة
البرود
    و الاحتراق
لأول مرة أَجِد رجلا تتفق عليه المشاعر
      يتفق عليه سوء العالم حتى لا يصبح سيئا
و جيد العالم أكثر ما يليق بك " قالت و هي تأخذ تلك الوردة تشمها

لم يستطع منع الابتسامة من الاتساع على وجهه
     و لكنه ارتكن بظهره على الكرسي مجددا
يرتشف بعضا من قهوته
     " هل تظنين أنه بإمكاننا الحديث عن ليلة البارحة ؟ " سأل بهدوء و ثبات يحاول ألا يظهر حقا ما بداخله

" هل يمكننا أن نتشارك كوب القهوة ذلك أولا ؟ لا أستطيع شرب كوب وحدي لذا هل تمانع ؟ " سألت ليندهش هو

لا يوجد شئ أجمل من أن يشاركها شيئا
           أن يدمن أكوابها بدل أن يدمن الخمر
دفع إليها الكوب في صمت مع ابتسامة مرحبة
      لترتشف رشفتين ثم تعيده

" بالنسبة للبارحة
       كل ما أحب التحدث عنه هو ذلك اللحن الذي أحببته و الحساء الذي لم أذقه
    لقد كان يبدو جيدا جدا " قالت مازحة و هي تبدأ في استطلاع الطعام

" أسيل.." قال في محاولة لدفعها أن تكون أكثر جدية

" حسنا..
        يداك باردتان و لكن عناقك دافئ
عيناك قاسيتان و لكن قلبك يستحق..
          أخشى أن أمسك يدي رجل غريب
و لكن البارحة انت لم تكن غريبا جدا
       لست فتاة قد تنتحر
و لكنني قد سئمت العيش وحدي
        قد سئمت الاغتراب عن الأراضي
و قررت أن أنتمي للبشر
        أنا الآن أنتمي إليك
لن يكون سهلا..
     اعلم
نحن لا نعلم أي شئ عن بَعضنا
      نحن مختلفان و لكن ما حدث البارحة لم يكن خطأك
لن أرفع سلاحا على نفسي مجددا أمامك
    و لا من خلفك بالطبع
و لكن أنت أيضا عليك أن تعد..
     أنني لن تغترب عنك مجددا
           لا تجعلني أفقدك
أو خذني معك " قالت و هي تنظر لعينيه
      بعمق
و كأنه فتاة خبيرة في العشق
و كأنها تجاوزت عمرها بزمن

كل الذي بداخله من غضب أصبح سرابا
      يريد أن يتكلم و لكن ذلك الألم في كتفه يقتله
يتعرق بشدة يحاول أن يخفي الألم

بدأ يشعر بالخدر و كأنه ينفصل عن العالم
        قد لاحظت ذلك بسهولة
أمسكت بيده و هو تبعها في صمت
     مسحت وجهه من العرق
ساعدته في الدخول للحمام و أجلسته على كرسي

مررت يدها على وجنتيه فأغمض عينيه
        قبلت رأسه و امتلأت برائحة شعره فتأوه
" أين تتألم ؟ " قالت و هي تصب بعضا من الماء المائل للبرودة على رأسه
و هو ما يزال مرتديا جميع ثيابه
هو مستسلم فقط لذلك الشعور
              وضع يده على كتفه لتعلم هي مكان الألم
و لكنه لم يعلم إطلاقا أن الألم انتقل إلى مرحلة أخرى
       و أن تلك القهوة التي تشاركها سويا كانت عناق موت آخر
و أن هذا العشق أصبح في منتصف ساحة المعركة
و لهذا على الأرجح لهذه الليلة أيضا سيطلب منها أن تسامحه
          

العشق المستحيلWhere stories live. Discover now