حزن تحت الرماد

11.9K 199 5
                                    

كانت درجة حرارة البحيرة حوالي ثمان كما يريدها تماما . سبح فترة بسرعة ثم خرج من البحيرة والماء يقطر منه على الأرض القرميدية المزخرفة حوله . كانت الريح أثناء الليل قد قذفت بعض أوراق الشجر على وجه الماء , ولكنه يفضل ذلك على مياه حوض السباحة النظيف القاع داخل المنزل والواقع ان ديبوراه تفضل السباحة فى المسبح .. أخذ يجفف جسمه بالمنشفة ثم ارتدى معطف الحمام الأزرق القاتم
كان حزام من أشجار الصفصاف والسرو يحمي البحيرة من الأعين المتلصصة . وخلف ذلك كله كانت جدران عالية تحيط بالأراضى مؤمنة عزلة تامة . وعلى كل حال , ففى مثل هذه الساعة المبكرة من الصباح لم يكن هناك أحد فى الخارج , فسار عائدا الى المنزل وهو غارق فى تفكير عميق
استحم فى حمامه المترف ذي اللونين الذهبي والبني ,. ثم ارتدي بذلته البنية التي يرتديها عادة عند ذهابه الى المكتب . وكان يربط شريط حذائيه عندما سمع طرقا على باب غرفة نومه .
- نعم ؟
جاء جوابه فظا بشكل لا داعي له , ولكن ملامحه لانت عندما دخلت الغرفة فتاة فى حوالى السادسة عشرة من العمر . كانت سمراء نحيلة الجسم مثله , ولكنها لا تماثله طولا ., وكانت القرابة بينهما واضحة
هتفت بمودة وهي تدخل الغرفة وتغلق الباب خلفها ثم تستند اليه : " أبى , اريد ان اتحدث اليك . ارجوك لا تدع امي تفعل هذا ! "
- لورا .. سبق أن تحدثنا فى كل هذا.
- أعرف , أعرف . ولكن بإمكانك ان تجعلها تغير رأيك . انا اعلم ان بإمكانك ذلك .
اتجه ابوها نحوها وقد بان الحنان على ملامحه , ولكنه حنان امتزج بالحزم .
قال برقة : " الحقيقة هي انني لا اريد ان اغير رأي امك . لورا , أنك اصغر سنا من أن .. "
قاطعته القتاة وشفتاها ترتجفان : آه .. القول المعتاد ذاته . إنك غير متفهم يا أبي ! "
- لا أدرى كم من الأباء يسمعون هذا الكلام من أبنائهم
- حسنا ولكنها الحقيقة ,منتديات روايتى . فأنت لا تفم . لا تعرف ما يعنيه الوقوع فى الحب ..
توترت شفتا الاب وهو يقول بهدوء : " لا أعرف ذلك ولكنني تزوجت أمك وانجبناك "
قالت لورا التي التهبت عيناها : " ولكنك لم تحبها قط . أليس كذلك ؟ أعلم أنك لم تحبها . كنتما فقط من نفس الطبقة الاجتماعية وقد وجدتما نفسيكما متلائمين فى ذلك الوقت
- هذا يكفى يا لورا.
- كلا . لا يكفى . فلو أحببت يوما ولو كان حبك حقيقيا لكانت لديك فكرة صغيرة عن فكرة شعورى
أجاب باختصار وهو يشيح عنها بوجهه . فقد ثارت فى أعماقه مشاعر طال كبتها : " صدقيني يا لورا أننى أعلم طبيعة شعورك , ولكن ضيق وقتي لا يسمح لي بمجادلتك . لدي اجتماع فى الساعة العاشرة و .."
- اجتماعات . اجتماعات . هذا كل ما تفكر فيه , أليس كذلك ؟ عمل , عمل , عمل ! انت لاتهتم بي أكثر مما تهتم بي أمي , فلست بنظركما اكثر من دمية تحركانها فى الاتجاه الذى تريدانه
ارتد يواجهها مرة أخرى فهمدت قليلا إزاء برودة نظراته إليها.
قال : " لورا , لقد أقفل الموضوع , هل تفهمين ؟ "
قالت بإصرار وهي ترتجف : " سيضحك مني أصدقائى عندما يرون أن لدي مربية في سني هذا
- لا أفهم السبب فى هذا , فقد كنت مريضة . بإمكانك ان تخبريهم بان الطبيب اوصى بعدم ذهابك الى " بوسكومب " حاليا .. وعلى كل حال , تعلمين أنك غير ملازمة البيت .
- ولكن هذا قد يحدث ,. لأن جميع أصدقائى راحلون .
- لن يغيبوا إلا فترة محددة فقط . كما انك فى السادسة عشرة وهذا يجعلك اكبر سنا من ان تحتاجي الى ان يكون حولك مجموعة من الاصدقاء .
- ولكنني لست كبيرة الى الحد المسموح لي به فى ان يكون لدي حبيب .
- ليس ذلك الحبيب بالذات .. على أي حال .
- ولماذا لا ؟ لأن جون يكبرني بعشر سنوات ويعمل بيديه لكي يعيش هذا هو السبب . الواقع ان امى لا تهتم بذلك , وانت تعلم هذا . إنها غيور فقط
- أسكتي يا لورا . يجب ألا نطيل الحديث فى هذا الموضوع . هل سمعت ؟ أرى ان تذهبى وترتدى ثيابك وتحاولى ان تتصرفي بنضج كما تدعين .
- ولكن يا أبى .
حاولت ان تتوسل اليه للمرة الاخيرة , ولكن نظرة واحدة منها الى وجهه المتجهم أقنعتها بأنها تضيع وقتها وأنها قد تخسر الحليف الوحيد الذى يمكن أن تكسبه
فيما بعد وفيما كان يتصفح الصحيفة ويتناول بذهن شارد طعام الافطار فى الغرفة الصباحية المغمورة بأشعة الشمس سمع ازيز كرسى عجلات ديبوراه . يقع جناح زوجته فى الطابق الارضى ولم تكن ديبوراه تشاركه طعام الفطور الا نادرا بل انها نادرا ما تنهض من سريرها قبل خروجه فوضع صحيفته جانبا ونهض واقفا فى الوقت الذى دخلت فيه الكرسي الكهربائى الغرفة .
اذا كان لشخص ما أن يحسم من اعتباره الساقين المشلولتين المختبئتين على الدوام داخل بنطلون او تنورة طويلة حتى الكاحل.فهو سيرى ان ديبوراه ما زالت امرأة رائعة الجمال رغم تقيدها بكرسي ذي عجلات , وذلك منذ ستة عشر عاماكانت فى شبابها تعشق ركوب الخيل والصيد . وكان ان ذهبت رغم معارضة زوجها الى النزهة على ظهر الحصان قبل موعد ولادتها لطفلتها بأسابيع , فكاد سقوطها عن ظهر الحصان يقتل طفلتها التى ولدت قبل الاوان أما هى فاعاقتها السقطة طوال حياتها فى البداية , لامت زوجها لهذا الحادث فرفضت لأسابيع رؤيته أو رؤية طفلتهما .فهى لم تشأ قط ان تنجب اطفالا وهكذا أقنعت نفسها بأن حملها كان السبب فى عدم توازنها أثناء الركوب
ولكنها , فيما بعد على كل حال , أقرت بانها قد أصبحت بحاجة الى زوجها الان اكثر من اى وقت مضى .ولأنها امرأة لا تهتم بمشاعر احد غير مشاعرها اصرت على عدم البقاء فى ضيعتهما وبدلا من ذلك انتقلا الى منزل اقرب الى لندن , منزل لا مكان فيه للخيل , ومع ان جايمس لم يكن مولعا بتلك الحيوانات مثلها , فقد افتقد المناسبات التى كان يحب فيها التنزه على ظهور الخيل . مع ذلك كان قد أصبح اكثر قربا من منطقة عمله . وباستثناء حاجة واحدة , فقد نجح تماما فى التعود على الحياة الانفرادية
قال وهو يضع منشفة السفرة جانبا : " صباح الخير يا ديبوراه إنها مفاجأة غير متوقعة "
سألته دون مقدمات : فى أى ساعة ستكون فى المنزل هذا المساء يا جايمس ؟ "
فهز كتفيه مجيبا : " لماذا تسألين ؟ لدى موعدا لتناول العشاء مع توم ساوندرز ,. ولكنه ليس ضروريا إذا كان لديك ترتيب اخر "
فقالت وهي تنظر اليه بإمعان : " فهمت, أريدك أذن ان تأتى الى البيت لتناول العشاء , إن المربية ستصل هذا النهار كما تعلم وأحب ان تكون هنا لاستقبالها."
سكتت برهة وكأنها تقيم وقع كلامها عليه ثم عادت تكمل قائلة : " قد يحدث مشاكل بيننا وبين لورا , وافضل .. مساندتك"
وافق قائلا برصانة : " لابأس سأكون فى المنزل حوالى السادسة "
عند ذلك ابتسمت وقد زال مظهر التوتر عنها : " هذا حسن , سيكون الأمر تجربة مشوقة "
أزاح جايمس كمه لينظر الى ساعته الذهبية فى معصمه : الساعة تجاوزت التاسعة وعلى أن أذهب يا ديبوراه . سأراك هذا المساء "
- طبعا
أومأت ديبوراه برأسها فانحنى يقبل وجنتها دون أن يغفل عن إجفالها إزاء قبلته هذه . لم يكن مسموحا له أن يلقى يدا عليها ,فقد كان الاطباء اخبروه ان من الطبيعى ان يكون هذا شعورها فى البداية , بسبب شللها , ولكن بدلا من ان يخف لديها هذا الشعور على مر السنوات , يبدو انه ازداد . ولم يكن هذا يعنى اعتراضه على ذلكوفى الواقع , كانت مشاعره نحو ديبوراه قد ماتت منذ أخبروه كيف جازفت بحياة طفلهما الذى لم يكن ولد بعد . ولكنه كان يشعر أيضا أن ديبوراه وإن كانت تكره ملامسته لها , فستصاب بغيرة عنيفة إذا هو اظهر اى اهتمام بامرأة اخرى
منتديات ليلاس
استغرق منه اجتياز الثلاثة وثلاثين ميلا التى تفصله عن عمله قرب محطة إمبانكمنت . ما يقرب من خمسين دقيقة . كان للمبني موقف سيارات خاص به , فترك سيارته " الجنسن " بين يدي الموظف المسؤول تشارلس القديرتين , قبل أن يستقل المصعد الى " الروف " حيث دخل مكتب سكرتيرته بعد العاشرة تماما فمنحته السيدة سالى ابتسامتها المشرقة المعتادة تحييه : " صباح الخير ., يا سيد جايمس . لقد استمر أبوك فى الاتصال بك طوال ربع ساعة
لم يبد الانزعاج على جايمس وهو يجتاز المكتب الخارجى الى مكتبه الخاص بخطوات متراخية : " أحقا ؟ وما الذى يريده ؟
فأجابت بالرغم عنها : "لا أظنه مسرورا تماما من الحسابات التي وصلته من درايبورن "
فأجاب جايمس بجفاء وهو يفتح باب مكتبه : " ولا أنا , امنحينى خمس دقائق ثم اتصلى به . اه , اهناك قهوة ؟
قالت السيدة سالى بلهجة غير عادية : " أظن أن أباك يريدك ان تذهب الى مكتبه مباشرة "
فرفع حاجبه ساخرا : " أننى اعلم ذلك , يا سيدة سالى . ولكنها لن تكون المرة الاولى التى يكون على ابى فيها ان يؤجل الانفجار "
كان المكتب واسعا . وكانت النوافذ تحتل جدارين منه واشعة الشمس تتسرب اليه من خلال شقوق ستائرها البلاستيكية . وكانت هناك مقاعد مريحة من الجلد , كما كانت الملفات والاوراق تغطى المكتب المكسو بالجلد . كان هذا مكتب أبيه فى الوقت الذى كان جده فيه يدير مجموعة شركاتهم التي كانت باسم " صناعات بوث ". ولكنها اتسعت منذ ذلك الحين . ورغم أن اباه هو الذى يسيطر عليها الان , الا انها لم تعد محصورة بالأسرة , وانما اصبح لهم شركاء من حملة الاسهم
عندما تلقى الاتصال من مكتب ابيه جاءه صوت أبيه روبرت بوث غاضبا للغاية : " أريدك فى مكتبى هذا بظرف خمس دقائق "
هتف جايمس المعتاد على تقلب طباع والده:
- سأكون عندك بعد خمس دقائق.
سمع جايمس أباه يضع السماعة من ناحيته بعنف , فوضع هو سماعته بحماسة أقل . ربما كان عليه ان يخبر الرجل العجوز بالأمر عند عودته منذ أسبوع , ولكنه يعرف ما كان سيحدثه قول الحقيقة . " فصناعات بوث " متورطة ولو بشكل غير مباشر , مع مؤسسة عملاقة لتهريب المخدرات وهذا الخبر كفيل بالتسبب لأبيه بسكتة دماغية .
ولكن , لحسن الحظ تقبل والده خبر داريبورن بأفضل مما توقعه . كان من عادة روبرت فى اى امر يحدث ان يحول حديثهما الى امور شخصية , فسأله بطريقته الفظة : " هل تتوقع ديبوراه من لورا ان تخضع الى هذا النوع من المعاملة؟ "
اجاب وهو يهز كتفيه : " لقد وافقتها انا على ذلك فى هذا الامر . فلورا اصغر من ان يسمح لها بالتورط مع عامل بناء أيرلندي "
قال الاب موافقا : " اه , انا اوفقك الراى تماما . فجون موني صديق غير مناسب لها ولكن ليست هذه هى النقطة , أليس كذلك ؟ فاحتجاز الفتاة فى البيت واحضار معلمة خاصة لها لن يحل أى مشكلة "
- اتريد منا ان نعيدها الى " بوسكومب " ؟
- نعم , نعم , هذا ما اريده .
- وجونى ؟
- اعمل على نقله
- أحقا كيف ؟
- انه يعمل عند غارت يا رجل , أليس كذلك ؟ انت تعرف اندرو غارت . يمكنكما ان تتدبرا الامر .
- نفضل ان نقوم بذلك على طريقتنا الخاصة
- إذن فقد احضرتما مربية , مربية لفتاة فى سن لورا
- وما الذى تريدنا ان ندعوها به إذن ؟ معلمة ؟ لا بأس , ادعها بهذا الاسم اذا كان هذا يرضيك .
- ليس هذا ما اعنيه , وانت تعلم ذلك يا جايمس والى جانب ذلك . ظننتك تتجنب المربيات كما تتجنب الوباء .
تشنج جسم جايمس ومد ذراعه يريحها على ذراع مقعده :
- لاتقل أشياء تافهة
قال الاب الذى جاء دوره ليسخر منه : " أشياء تافهة ؟ أحقا ؟ لم يكن هذا رأيك حينذاك
- دع هذا الكلام
ارتد الاب بكرسيه وهو يقول : " أتساءل عما حدث لها . ولا ادري ما كان ليحدث لها إن لم ترحل ؟"
وقف جايمس فجأة وقد فرغ صبره وتوجه الى النافذة الواسعة المطلة على سطوح منازل لندن , ثم قال
- إنها تأملات لا ضرورة لها .
- ومع هذا , فأنا اتساءل عما كان سيحدث لو أن ديبوراه علمت بما كان يجري .
- ما كانت ديبوراه لتعلم بالأمر
- ربما حدث هذا
- لا , فقد اتخذت كافة الاحتياطات
هز روبرت بوث رأسه : " أنت تحيرنى يا جايمس , تحيرنى حقا . ففى وضعك هذا .. "
سكت لحظة ثم عاد يقول : " ان أية فتاة فى المكتب , وتلك اللواتي تتعرف اليهن فى المجتمعات . ماهذا يا راجل , ألا تشعر قط بالرغبة ؟ .."
- وما علاقة هذا بحسابات درايبورن ؟
قال الاب مشيرا بيديه نفيا : " لاشئ , لا شئ , اسف . ولكنك ابنى يا جايمس وامرك يهمني . وكذلك حياتك التى تعيشها , فهى غير طبيعية بالنسبة لرجل فى سنك .. "
قال جايمس وهو يسير نحو الباب بخطوات واسعة :
- آه , بحق الله عليك , أهذا كله بسبب إحضار مربية للورا ؟
- من تكون هذه المربية ؟ وما شكلها ؟ هل رأيتها ؟ هل تظنها رفيقة مناسبة لفتاة حساسة مثل لورا ؟
- لا أعلم عنها شيئا سوى ان لديها شهادة مثالية من مخدومها السابق . لورا بحاجة لتتعلم اللغتين الانكليزية والفرنسية وكذلك التاريخ , وهذه المراة قادرة على ذلك . وماذا اريد غير هذا ؟ لا أظننى سأقابل تلك المرأة اكثر من مرتين او نحو ذلك .
- أظن ان ديبوراه قد قابلتها .
- نعم
- هل هى شابة ؟
- وما يدرينى ؟ وما اهمية ذلك بحق الله , يا أبى , ما الذى تتوقعه منى ؟ أن أنشئ علاقة عنيفة مع كل مربية تعترض طريقي ؟
وضع يده على مقبض الباب وتردد قليلا ثم عاد يقول : " اسمع , اعترف اننى ذات مرة... ولكنه كان شيئا لم استطع السيطرة عليه . الحمد لله انها هى تمكنت من ذلك , ولكنها المرة الوحيدة التى "
سحب نفسا عميقا ثم أضاف : " انت تتساءل عما كان سيحدث لو بقيت , لا أدرى . صدقنى اننى لا ادرى . سبق أن القيت على نفسى هذا السؤال , خلت اننى سأثوب الى رشدى بعد فترة فأنهى الامر "
عندما اصبح فى مكتبه لم يستطع ان ينبذ من ذهنه الاشياء التى قالها أبوه , فقد اعاد توظيف مربية لابنته الذكريات الماضية الى ذهنه , كان ابوه السبب غير المباشر فى لقائه بالمرأة الوحيدة التى أحبها فى حياته . باستثناء امه . كانت تعمل فى تعليم ولدى فورستر أثناء الاجازة الصيفية لاعدادهم للامتحانات وكان آل فورستر اصدقاء لأبيه وقد اضطر جايمس للذهاب الى هناك لعقد موعد معه . وهناك لم يستطع تجنب لقاء مربيتهم , وهذا لا عنى انه حدث اى شئ بينهما فى لقائهما الاول . فقد عرفت من هو بالتأكيد وعرفت انه متزوج . كانت هادئة مهذبة معه , وما كان ليحدث بينهما اكثر من ذلك لولا سعيه هو الى ذلك . لم يحدث قط ان واجه امرا لا يستطيع السيطرة علي او رغب فى امرأة لايستطيع الحصول عليها . بقى فترة يفكر فى طلب الطلاق من ديبوراه ولكنه علم ان ليس بإمكانه ذلك . فبجانب اعتمادها الكلي عليه , كانت هناك لورا ابنة العشر سنوات . كما علم ان ديبوراه لن توافق على تركه بإرادتها ابدا . وان اختار الهجر , فلن يكون له الحق بعد ذلك فى رؤية ابنته . ولكنه لم يستطع الابتعاد عن الفتاة التى تطورت علاقته بها رغم ارادتها تقريبا . عرف انها انجذبت اليه واستغل سحره فى اثارة مشاعرها ثم جاءت تلك العطلة الاسبوعية المشؤومة حين أقنعها بمرافقته.
تنهد فجأة وجر اليه صينية المراسلات . فلن تساعده استعادة ذكريات الماضى فى انجاز عمله . كما انها لن تفيد احدا . لم ينتج عن ذلك سوى انها تركته , وحتى الان لم يعرف الا انها تعلم اطفالا فى احدى المدارس المختلطة الكبرى , وكان هذا ما تصبو اليه . فى ذلك الصيف الذى تعرف فيه اليها كانت فى الثامنة عشرة تنتظر ان تبدأ سنتها الجامعية الاولى . ثمانية عشر عاما ؟ تجهمت ملامحه . كانت اكبر من لورا الان بسنتين , وكم كان عمره هو ؟ ثلاثين ؟ واحدا وثلاثين . كان اكبر منها باثنتى عشرة سنة على الأقل , وها هو الان يساند ديبوراه فى رفضها لجون موني الذى هو فى الخامسة والعشرين من عمره , فهى تقول انه كبير بالنسبة الى لورا . هز رأسه , هل هو منافق ؟ اهو من الناس الذين يزدرون ويشجبون الاخرين لقيامهم باعمال يتمنون هم القيام بها ؟ والاهم ان مونى غير متزوج على الأقل او اب
ضغط على زر الاتصال الداخلى يحدث سكرتيرته : " السيدة سالي , أه , نعم , هل لك أن تاتى من فضلك ؟
وترك جهاز الاتصال وحاول تركيز افكاره على ما امامه من رسائل , ولكن وجه فتاة كان يتراءى له على الورق : وجه بيضاوى , عينان خضراوان كبيرتان , شعر أشقر عسلي بسيط كجدائل من الحرير , آه , يا الهى ! تملكه القنوط لانه سمح لابيه بالتحدث عنها . لقد كان قد نجح فى ابعادها الى عقله الباطن . وكون لورا ستحصل على معلمة عانس متوسطة فى السن لتعلمها ما ينقصها من دروس , لا يستلزم منه استعادة ذكريات من الافضل نسيانها.

أرجوك لاتعتذر _ آن ميثرحيث تعيش القصص. اكتشف الآن