« 1 »

193K 6.3K 3.6K
                                    

كانت الأجواء بهيجة داخل أروقة كلية الملكة للفتيات، إرتسمت إبتسامات واسعة على ثغور الفتيات كأن الإجازة قد أتت مبكرًا، تعالت أصوات أحاديثهن في المكان فحتى وإن لم ترغب في سماعها لن يكون لديك خيار سوى أن تفعل. من مجموعة لأخرى ومن زوج لأخر كان جميعهن يتحدثن عن نفس الموضوع وهو زواج ماري هاريسون المرتقب.

كانت ماري طالبة في السنة الأخيرة، تبقى لها ستة أشهر فقط من الدراسة في المعهد وبعدها كانت تخطط لأن تصير معلمة في الكلية، أرادت أن تُعلم الفتيات القادمات للدراسة هنا كما تم تعليمها هي من قبل كما أرادت أن تكون لهن مرشدةً وأختًا وصديقة، كان لها العديد من الأهداف والأحلام وكانت قدوة للكثيرات من الطالبات الأصغر سنًا فنادرا ما يجتمع الذكاء والسرعة البديهة والجمال في فتاة واحدة.

كان ذلك قبل أن يفاجئها والدها قبل أسابيع من الأن برسالة حملت اخبارا " سارة " أحد نبلاء برمنغهام يريد خطبتها.
ماري الفتاة الحالمة ذات الواحد وعشرين ربيعا لم يكن لديها خيار سوى أن تحزم حقائبها وتعود لمنزلها فلم يعد هناك مكان لأحلامها بعد أن دخل نبيل في حياتها.

على الأقل هذه هي القصة من وجهة نظري أنا، وهذا ما استخرجته من قصة حياتها وهي وجهة نظر تختلف تماماً عن القصة السعيدة التي تتناقلها زميلاتي من حولي.

" ما من سعادة وفخر أكبر للمرأة أكثر من أن تجد زوجًا نبيلًا يجعلها تعيش حياتها في رغد "

هذا ما كانت تقوله جدتي لأختي الكبرى قبل زواجها، وهذا ما تقوله أغلب الجدات لحفيداتهن. وجهة نظر كانت شائعة قبل سنوات طويلة في بدايات هذا القرن ومنتصفه - القرن التاسع عشر - لكن الآن وبينما نحن في العام ١٨٩٠ بدأت هذه الأفكار تتغير وبدأ الجنس اللطيف يكتسب مكانة أهم من كونه مجرد جسد ينجب الأبناء.. أو هذا ما يفترض به أن يكون!

لا تزال كثير من العائلات النبيلة في لندن وما حولها تتخذ من هذه الفكرة نهجًا لها، ولا تزال الكثير من الفتيات من مختلف الطبقات يعاملن كملكية يمتلكها والدها أو زوجها. الكثيرات لا يتمتعن بحق التعلم أو ربما تركن تعليمهن في المنتصف إما للزواج أو للعمل في أحد المصانع لمساعدة العائلة كما يحدث عند الطبقات الأفقر. هذا غير الكثير من تلك الإنتهاكات التي لا أعلم عنها شيئا بعد.

مع وصول أفكاري إلى ذلك الحد ومع تملك مشاعري مني وجدتُ نفسي مُجبرة على التوقف عن سيري السريع لأخذ نفساً عميقًا أهدئ به أعصابي وأخفض عبره من نبضات قلبي المتسارعة عل ذلك يساعد من منع تلك الدموع التي تملأ محجري من السقوط.

لم تكن ماري بالنسبة لي مجرد زميلة أكبر مني سنًا أتخذها قدوة بل كانت أقرب صديقة لي وأول شخص تحدثُ إليه عند وصولي إلى الكلية قبل أربع سنوات.  كانت هي من فتح عقلي على الحالة التي يعيشها جزء كبير من نساء بلدنا وهي أيضا من عرفتني على الإمكانيات التي يمكننا نحن النساء تجاوزها والمضي قدمًا بها.
كانت هي أحد أهم الأسباب التي تجعلني أتمنى كثيرا العودة سريعًا من الإجازة للمدرسة من أجل لقائها فقط.

{ اللورد } حيث تعيش القصص. اكتشف الآن