ألقى منذر هاتفه بغضب على فراشه.. يريد التخلص منه بأي شكل, بل احراقه لو تطلب
الأمر حتى يتخلص مما به من سخافات أو بالأحرى بذاءات, فمطاردة وداد له أصبحت لا
تحتمل.. فهي تكثف من اتصالاتها ورسائلها في اليوميين الماضيين بشدة وكأنها أدركت
بغريزتها الأنثوية قر اره بانهاء علاقته بها.. وهي تحاول بشتى الطرق مقاومة ذلك الق ا رر,
وكان آخر وسائلها لدك حصونه ومهاجمة دفاعته ارسالها لعدة صور لها في أوضاع قد
تكون مثيرة للبعض ولكنها أثارت اشمئزازه وغضبه في نفس الوقت..
وما يثير أعصابه حقاً أنها تواظب على ارسال تلك الصور المصحوبة بعبارات الغزل
الفج.. والكلمات الموحية.. بالوعود المغرية بالسعادة.. والمتعة..
لقد شعر في لحظة ما أنه مُطَارد ومحاصر, شعر وكأنه فريسة في مطاردة ما وهذا أصابه
بالحنق والغيظ الشديد.. لا يعلم إذا كان شعوره ذاك يرجع لاقترابه من سهير في اليوميين
الماضيين.. أو أنه بدأ يسئم من تلك اللعبة... فهو أدرك أولوياته وسهير و زواجه منها مهما
كانت المشاكل التي تواجه ذلك الزواج على قائمة تلك الأولويات فهو مُصر على مواجهتها
والتغلب عليها و انقاذ حياته وحب حياته..
أكمل ارتداء ملابسه في سرعة فهو تأخر بالفعل هذا الصباح.. ولكن لا بأس.. فالوقت الذي
يقضيه مع سهير على الافطار.. وحدهما في جناحهما يثرثران معاً حول أي شيء.. كان
أثمن من أن يختصره حتى يصل إلى العمل في موعده المعتاد..
تلفت حوله ليبحث عنها فلمحها وهي تحادث أمها في الهاتف وتبدو على ملامحها معالم
الاستياء والرفض لما يصلها من الجهة الأخرى, فأدرك انها محادثة أخرى من أمها تحاول
فيها معرفة ما يحزن ابنتها ويسبب لها التعاسة.. كم يتمنى لو تبوح بما يشقيها بدلاً من تلك
السرية التي تغلفها ولكنه يدرك طبيعة سهير الكتومة والتي تسبب له صعوبة شديدة في
التواصل معها..
فوجئ بسهير تنهي المكالمة وهي تلقي بهاتفها غاضبة وبسيل من الكلمات الغير مفهومة
ينهمر شفتيها:
إن أمي في غاية الارتياح لترك نعمات منزل رؤوف.. إنها تكاد تطير من السعادة.. لا
أدري كيف تفكر!!.. ألم تستمع للشائعات المنتشرة في البلدة.. إن النساء لا سيرة لهن إلا ما
حدث.. يتشدقن بأن رؤوف ألقى نعمات في الطريق حتى يرضي زوجته الصغيرة.. كيف
فعلت نوار ذلك؟.. كيف؟..
سألها بتعجب:
هل تلقين باللوم على شقيقتك فيما حدث؟..
بدا وكأنها بوغتت بسؤاله.. فأجابت بغموض:
ليس بالضبط.. ولكن لابد أن تعترف أنه غير عادل ما تم بحق نعمات!.. فهي قبل كل
شيء زوجته الأولى ولم تقصر معه بشيء, كما أن عقمها ليس خطأها حتى تُلقى عند أول
محطة بعد أن ضمن حصوله على الذرية من نو ا ر.
همس بذهول:
يا الهي!.. أنتِ تلومين شقيقتك بالفعل!
أجابته بحرج:
كلا.. ولكني لست معجبة بما حدث.
لماذا؟!.. أنني لم أر رؤوف بمثل تلك السعادة و ا رحة البال من قبل.. أنه يضج بالحياة..
وذلك بفضل نوار.
سألته باتهام:
يبدو أنك معجب بنوار للغاية!
أنا معجب بما قامت به لرؤوف..
وهل أنت معجب أيضاً بطرده لزوجته الأولى من حياته, فقط لأن نو ا ر منحته حياة عجزت
عن منحها له نعمات علماً بأن هذا رغماً عنها!.. يبدو أن الرجال يلهثون خلف كل ما هو
مبهرج ومزركش.. فهذا ما يلفت أنظارهم هذه الأيام.
تعجب بشدة من حماسها في الدفاع عن نعمات.. فسألها بحيرة:
ما الأمر يا سهير هل تدافعين عن نعمات بالفعل؟.. أم أننا نتحدث عن شيء آخر؟.
تلعثمت وهي تجيبه:
أي أمر آخر؟!.. أنا أخبرك بما أفكر.. أليس هذا ما تطالبني به دائماً؟!!
هز أ رسه بأسى وهو ي ا رها عادت لقوقعتها المعتادة منسحبة من النقاش كلما تطرق ولو من
بعيد لحياتهما معاً, لكنه رفض ذلك الإنسحاب من المواجهة فتحرك ليواجهها وهو يجذبها
نحوه:
كفى هروباً.. أنتِ تعلمين عم أتحدث.. اخرجي ما بداخلك وصارحيني..
رفعت إليه عينين مغرورقتين بدموعها التي تحاول حبسها:
ليس الآن.. ليس الآن يا منذر.. لا تذر الملح على الجرح الآن.. فهو ما ا زل مؤلماً...
