البارت 12

26.4K 360 4
                                    

استيقظت سناء من نومها باكرا , كانت متشوقة للعودة لحياتها القديمة بكل تفاصيلها , بعيدا عن رائحة تلك المطهرات و الأدوية التي تملأ اركان المشفي التي ظلت رهن جدرانها ما يزيد الثلاث شهور , وتلك المآسي التي تراها يوميا و القلوبة المفجوعه علي اعزائها المرضي, كل واحد منهم له حكاية مع مرض مختلف , لم تسمع الا أصوات الآهات المنبعثة من ضحايا الألم و البكاء الذي اضني احبابهم و زويهم
كانت شهورا طوال علي قلبها وكأنها قرون مديدة , حتي ملت ويئست لكن يكفيها سلامة ابنها و عودته بينهم سالما معافي
عادت لمطبخها مشتاقة لجميع اجزائه, ظلت تعد قائمة طويلة من الأطعمة التي ستعدها اليوم احتفالا بعودتها هي و ابنها للمنزل , شرعت في تجهيز الافطار لنور قبل ذهابها للجامعه , و بعد ان تناولت نور وجبتها و انصرفت بدأت مباشرة في اعداد بعض الفطائر و المخبوزات لحازم و نرمين , واثناء انهماكها في العجن استيقظت نرمين و اقبلت علي صوت عمل والدتها و الاوعية التي صوتها يملأ المكان
نرمين : صباح الخير الأول وبعدين انتي قايمة عالصبح تعجني
سناء بفرحة ترن في المكان : ياااااااه يا نرمين مش مصدقه نفسي اني خرجت من السجن ده , حاسة اني بقالي سنين محبوسة , حاسة اني عاوزة اطبخ كل الاكل اللي في الدنيا و اخرج و اشتري و اغسل و اعمل كل حاجه حاسة اني مش مصدقة و عاوزة اصدق
ضحكت نرمين علي اسلوب والدتها وقالت : حمدالله عالسلامة , امال نور مشيت صحيح و لا راح عليها نومة
سناء و قد تغيرت تعابير وجهها ماحية تلك الفرحة التي كانت تملأ وجهها : نور مشيت من بدري , وبتقول انها صحيت لقيت نور نايمه معاكي في اوضة حازم
نرمين : اه , انا اللي قلتلها تنام معايا
سناء: ما انا عارفة اكيد متنقلتش من نفسها , بس مش احنا قلنا ناخد حذرنا منها , تقومي انتي تنيميها في اوضة حازم اللي كلها اوراق مهمة و فيها كل الحاجات المهمه و الفيزات بتاعة اخوكي و اوراق البيت و كل كل حاجه
نرمين لتبرر موقفها: ياماما انا صحيت الفجر لقيتها عاوزة تصلي وقاعدة علي السرير جنب نور , وبنتك زي ما يكون متعمده انها تزنق عليها ونايمة فرده نفسها علي الاخر و حسناء محروجه تقولها تتاخر شوية , نايمة في 3 سم , معرفتش تنام للفجر فقلتلها تيجي تنام جنبي علي السرير الكبير , وبعدين متخافيش انا فضلت صاحية شوية علشان اتأكد برضة ولقيتها نامت علطول
سناء: ايا كان لازم نحاذر , احنا لا نعرف اصلها و لا فصلها , دي حتي نجلاء كانت بتسألني عليها معرفتش أرد و قعدت اجيب كلام من شمال و يمين علشان اغير الموضوع
نرمين بتعجب: وهي طنط نجلاء بتسأل عليها ليه ؟ اكيد عاوزاها لكريم ابنها , بس كريم لسة مكونش نفسه و لا مستعد للخطوبة
سناء و هي تكمل تقطيع العجينة لتجهز طهوها : هي سألت حسناء فقالتلها انها عندها ظروف عائلية ومش هتتخطب دلوقتي فبتقول زي حجز كده , يشوفها و تشوفه و لو فيه ارتياح يقرأوا فاتحه و يشتريلها دبله علي ما ربنا يسهله
نرمين وعلامات الدهشه و عدم التصديق تكسو ملامحها: سبحان الله , ان ربنا يقود لها الظروف وحازم يقابلها علشان تيجي لنصيبها , أنا هسألها النهارده و هحاول اقنعها بشتي الطرق , كريم محترم و هي طيبة فعلا جمع و وفق
سناء : استني نسأل عليها الأول يا نرمين , ومدام الاستاذ شوقي عارفها ناخد العنوان ونروح نسأل عليها
نرمين وهي تنهض لتجهز مع والدتها ما بيدها : والله يا ماما حسناء طيبة انا معاها بقالي شهر كامل وعمري ما شفت منها غير الأدب و الحياء و الالتزام و التدين ولا بتسمع اغاني و لا بتتفرج علي مسلسلات وحافظة المصحف كامل.....
قاطعتها سناء : ده جواز يا نرمين , يعني رابطه العمر كله , وبعدين مش عاوزين حد يجيب علينا لوم بعد كده , علي الأقل نعطيلهم العنوان وهم حرين بقي
نرمين : بس نتأكد الاول انها هتوافق
سناء وهي تغسل يدها : طيب انا هسيب القرص ترتاح و تخمر شويه و هروح اشتري شوية حاجات كده من السوبر ماركت
نرمين : استني بس هاخد دش و هروح انا , متتعبيش نفسك
سناء : لاااااا مش هتعب ولا حاجه سيبيني اخرج , عاوزة اشم هوا نضيف واشوف الدنيا بعيني , خدي دش علي ما أرجع و نجهز الفطار مع بعض و نصحي حازم
نرمين وهي تضحك: ههههه بتفكريني بالعيال الصغيرة أول يوم أجازة
سناء و هي تكتمت ضحكتها : شوفي شغلك يابت يلا
.............................................
فتح عينيه بكسل و هو يستدير لينام علي جانبه الأخر , وقعت عينيه علي الحائط مقابلته , للحظة شعر بالتيه , عقد جبينه و هو يحدق في المكان بتعجب , فلم يكن استوعب انه خرج من المشفي بعد
انفرجت اساريره و ظهرت ابتسامة فرحه علي شفتيه , ظل يردد (الحمد لله) و هو يعتدل جالسا
استند بظهره علي الوسادة , مادا ساقيه الطويلتين امامه , عاقدا ذراعيه أمام صدره , تثائب بعمق و كأنه علي وشك ان ينام وليس مستيقظا للتو, سمع صوت والدته بالخارج و هي تخبر نرمين بخروجها , وتتعبيرها عن مدي اشتياقها للحياه العادية التي يملها الناس و يسخطون عليها و كثيرا ما يلعنونها و يعيبون فيها
قال لنفسه : فعلا الواحد مبيحسش بقيمة الحاجه الا لما يتحرم منها , ماما اللي كانت مبتحبش الخروج عاوزة تجري في الشارع , الحمد لله ان الكابوس ده عدي علي خير
لا يعلم لما تذكر لحظتها ذلك الحادث الذي كان سببا في تدمير حياته و شلل أيامه و مكوثه عاجز بين الأجهزة لشهور , تذكر لحظة اقدامه علي الشاحنه دون وعي و عدم قدرته علي التحكم بسيارته في الوقت الضائع , لحظة اصطادمه بالشاحنه وعلوه أمتار عن الأرض , واحساسه في ذلك الوقت و هو لا محاله لن ينجو سالما بعد رحلة الطيران المأساوية تلك , ولحظة ارتطامة ثم لحظة ألم شدييييييد ثم سواد ولا شئ
كان يسرد تلك الأحداث علي عقله و كأنه يتعايشها و يشعر بها , وحين وصل للحظة الأرتطام شعر بذرات جسده بالكامل تقفز ذعرا , وضع يده علي صدره و ظل يلهث بشده و كأنه في سباق عدو طويل , وهو يفتح ملئ عينيه في الفراغ , ظل يستتتعيذ من الشيطان ويحاول تهدأة اعصابه المشدودة , و يقلل من ضربات قلبة التي تشبة صوت طرقات حدوة حصان هائج علي طريق أملس
أغمض عينيه بشدة و ضغط علي جميع ملامح وجهه بعصبيه , كاد قلبه يلفظ من بين ضلوعه لمجرد تذكره لتفاصيل تلك اللحظات العصيبه
نفض رأسه بشدة وكأنه يحاول نثر تلك الذكري من رأسه , حقا لو بقيت في خلايا دماغه ستدمرها خليه خليه ,
استنشق بقوة وقال ليهدأ نفسه : الحمد لله , ده عقاب من ربنا وعدي علي خير , انا فعلا كنت ناوي ابهدل حسناء و اطردها في وقت متاخر
برم شفتيه مستنكرا وعاتب نفسه قائلا : تهوري و عصبيتي دي غلط , لازم اتعلم من الدرس و احاول اتحكم بأعصابي لأكبر حد ممكن , خاصة مع حسناء , اكيد في سربينها و بين ربنا كبير علشان كده ربنا عاقبي اكبر عقاب بسببها , المفروض اخليها أول اهتمامتي و رقم واحد في قايمة مسؤلياتي , المره دي جات سليمة و كان انذار من ربنا لما نقضت عهدي اني اساعدها , المره الجايه ممكن تكون الاخيره و تكون سبب نهايتي , ولما كنت بساعدها و بجيبلها طلبتها ربنا وفقتني توفيق ما في افضل منه و الشركة خدت وقت قياسي و كل شئ بقي تمام بشكل غير متوقع , صحيح يا تري الشركة وصلت لإيه دلوقتي , وياتري الشركة القديمة و الفيلا
شردت بملامح متبعثره و هو يحاول تجميع ما فاته بسبب الحادث , وما يجب ان يفعل
قال بنفسه : انا هقوم اجيب ورقه و قلم و اخطط كده واشوف ايه الاهم ثم المهم , وطبعا لسه هشتري عربيه بعد اللي اتدمرت و غير عاوز اروح اشوف رصيدي في البنك وصل كام
وقف بجانب سريره يمدد عضلات جسده من أثر النوم , تنعل بحذائة المنزلي و خرج من الغرفة التي كان ينام بها متجها لغرفته الأصليه و التي كانت تنام بها نرمين , قد سمع نرمين و هي تخبر والدتها انها ستستحم وهاهو يسمع صوت خرير المياه بالحمام
قال و هو يتجه للأعلي : نرمين قامت يعني الاوضه زمانها اترتبت , كويس انا متشوق اشوفها و اقعد فيها قوي ياااااااه حاسس اني بقالي سنين مدخلتهاش , معرفش ان ليها معزة كبيرة عندي كده , ده انا هدخل ابوس جدارنها و سريرها و المكتب و كل حاجه فيها
صعدت درجات السلم بحذر متجها لغرفته , وضع يده علي مقبض الغرفة , فتح الباب , دلف للغرفة و هو يستنشق هوائها بقوه و يقدم للداخل بخطواته المشتاقه و عينيه تدور بسرعه تلتهم جميع اركنها بحب جارف حتي سقط نظره علي شئ ذهبي حريري الملمس ملقي علي وسادته متناثر بشكل عشوائي حول وجهها الملائكي , ارتدت للخلف خطوة بذعر , تجمدت جميع ذرات جسده و كأنه تحول لرجل ثلج
دقق النظر فأستقبلت خلاياه البصريه تلك الملامح الملائكيه هادئه ساكنه سابحة بسكينة في عالم النيام
خرج مسرعا من الغرفه و جسده يغلي خجلا , أغلق الباب خلفه ووقف متيبسا يستعيد هدوءه الداخلي , فرك جبهته بشده و هو يحاول تهدأة حراره وجهه الملتهب
وجد نرمين تلف شعرها بالمنشفه و تصعد الدرج تجاهه , صوب تجاهه صفعات من النظرات المعاتبة وكأنه يحاول تبرير جريمة اكتنفها , ويحاول القاء الذنب علي كاهلها
ما ان رأته يقف أمام غرفته وعلامات الصدمه و الخجل تاركه اثر كبير علي وجهه حتي شهقت بشدة و حدقت في وجهه و فاهها فاغر وتحاول التحكم في ضحكتها علي ما تري
ظلت صامته ساكنه لا يتحرك بها شئ , تحدق بعيني اخيها بدهشة , والذي لا يتغير حاله عن حالها كثير
وبعد دقائق تقدمت نرمين نحوه و هي تضم شفتيها بقوه حتي لا تنفجر ضحكتها ترن في ارجاء الفيلا , أمسكته من ذراعه و اتجهت نحو غرفة نور تسحبه خلفها , يسير منصاع لقبضتها دون اي ردة فعل كطفل بصحبة والدته في مكان لا يعرفه
دخلت غرفة نور و أغلقت الباب خلفهما , ثم تركت العنان لضحكتها لتنطلق بحرية تملأ سماء الغرفة و تمر بعض جزيئاتها تتغلل بين جزيئات الجدران خارجا
هاجمها حازم بعيني تصدر شرر و صوت يكاد يدمر طبلة اذنيها : انتي بتهرجي مش صح؟
لم تستطع نرمين تمالك نفسها و استمرت في هيستيريا الضحك و هي تشير بسبابتها تجاهه بسخرية
استشاط غضبا من ضحكتها تلك و اسلوبها الساخر , نظر لها بعيني حمراوتين كمارد غاضب و قال لها : وبتضحكي كمان , مش انتوا قلتوا انها هتنام في اوضة نور
حقا مظهره ازعج نرمين و بخرت ضحكتها تاركة بعض شظايا ابتسامة علي فمها و قالت : والله لقيتها الفجر مش عارفة تنام و نور مش سايبة حته تنام فيها فأخدتها تنام معايا
أكمل حازم كلامه : تنام في اي مكان مش فارق بس المفروض تعرفوني , افرض كنت دخلت عليها و هي مكشوفه مثلا ولا وهي صاحيه و فهمتني غلط
عادت ضحكة نرمين تحدث رنين عاليا علي هذا الخاطر ثم اخرجت بعض الحروف من بين سيل ضحكاتها تقول: تصدق ههههههه دي كان زمنها اغمي عليها هههههههه دي لو عرفت ممكن تنتحر هههههههه
تلك الكلمات كانت كفيلة لتجعله أشد غلظه حتي وجه لأخته افظ النظرات و هو يضغط علي اسنانه و اعصابه بالكامل حتي برزت عروقه في عنقه و قال لها : هي دي حاجه تضحك , انتي مستفزة
ثم ولاها ظهره و خرج من الغرفة صافعا الباب خلفه بقوة , واتجه للأسفل بسرعه و كأنه يحاول الهرب من عقابا علي مصيبة اكتنفها
فتحت الباب سريعا تلحقه بخطراتها المسرعه وهي تضحك بصمت حتي لا تستيقظ حسناء علي صوتهما , حتي لحقته في نهاية الدرج و حاولت تملك ذراعه و لكنه افلتها بعنف و قصد حجرته التي كان ينام بها فتبعته, دخلت خلفه و اغلقت الباب و جلست بجواره علي طرف الفراش
قالت متوجسه خيفة من غضبه الغير محمود: والله يا حازم مجاش في بالي انك تطلع فوق, والحمد لله انها جات سليمه يعني
حازم : انتي ليه مستهينه بالموضوع
نرمين وهي ترفع حاجبها بتعجب: هو فيه موضوع اساسا
حازم وهو مقطب جبينه : يعني سهله اني ادخل علي بنت غريبه وهي نايمة , ترضيها علي نفسك ولا انا ارضاها علي واحدة منكم
نرمين : خلاص يا حازم هي كده كده معدتش هتنام هنا تاني و الحمد لله اني المره دي جات سليمة, انت كنت عاوز ايه من اوضتك و انا اطلع اجيبه
لم يرد حازم علي سؤالها فكان سابحا في شئ ما يدور بعقله , نظرت له مستفهمه الي ان نظر لها نظرة رجاء عميقة و قال لها : ارجوكي يا نرمين خلي بالك منها قوي قوي قوي , امانه في رقبتك لحد ما اقدر ارجع لحياتي تاني و هعفيكي و اخد بالي منها انا
وجهت نرمين له نظرات متشككه ومتعجبه في آن واحد : ولكنه فهم ما يجول بخاطرها فأكمل يزيل اي شك عنه و قال : تعرفي ان الحادثه اللي حصلتلي دي بسببها
بعثت له نرمين بكمية كبيرة من علامات الاستفهام عبر عينيها المصوبه تجاهه و قبل ان تستفهم بلسانها أكمل هو كلامه يشرح لها ما كان يفعله مع حسناء بالتفصيل و سبب حبسه لها و ايضا ما قاله له شوقي حين أخبر بها حتي وصل لموقفه الاخير حينما ثارت ثائرته و عزم علي طردها و التخلي عنها فأذاقه الله عاقبة نقض العهد و نيته السيئة تجاهها
كانت نرمين تتابعه بعينين مليئتين بالتركيز , تراقب تعابير وجهه و ما يسبببه تذكره للأحداث علي انفعالات ملامحه , كانت حقا تشعر بما يحس به قلبه , تعاطفت معه كثير و أخذت كلامه محمل الجد , لاحظت مدي تأثره الشديد بالحادث وما تسبب تلك الذكري من أثار سلبيه علي حالته النفسية , لاحظت تلك القشعريرة الشديده التي سرت في خلايا جسده عندما ذكر لحظة وقوع الحادث , غمضة عينيه بشدة و كأنه يحاول الا يراي ما حدث ثانية و لو بخياله
وبعد ان انهي كلامه كانت اعصابه شبه مفككه و كلماته متناثرة و عباراته متلجلجه , وصوته يهتز وكأنه كان في معركة حاميه مع الذكريات
صمت قليلا قبل أن يتابع سرده , اكمل : انا حاسس ان حسناء دي بينها و بين ربنا حاجه كبيرة و حاسس اني لو قصرت في حقها تاني او فكرت ا ئذيها ربنا هيعاقبني عقاب شديد, هو اعطاني انذار صعب و علمني درس لن انساه , فخايف اأقصر في حقها فيكون العقاب اصعب وتكون النهاية, فأرجوكي خليكي جنبي لحد ما اقدر اتحرك واروح و اجي وهشوف طلبتها انا
حقا أثرت تلك الكلمات في قلب نرمين , شعرت بأن دموعها علي وشك ان تقذف من عينيها , خرج صوتها من حنجرتها مختلط برغبتها في البكاء وقالت: ربنا يحفظك يا حازم و ينجيك , ومتخفش هي في عنيا ومعاها في كل كبيرة و صغيرة , وربنا يسها و تتجوز علشان تعتق رقبتك من العهد ده
لم تجد نرمين اي أثار لتلك الكلمات علي حازم فأردفت قائلة: هو انت متعرفش ان طنط نجلاء عاوزة تخطبها لكريم
زينت الفرحه وجه حازم وعلت اساريره , وقال بلهفه وكأنه وجد مخرج للخروج من نفق طويل مظلم أيقن الموت بداخله من شدة ظلمته وضيقه و قسوة حجارته : بجد؟ ربنا يتمم لهم علي خير , وانا معاها وهجهزها من الألف للياء و هجيبلها كل اللي نفسها فيه وكل اللي تطلبه و زيادة كمان
ردت نرمين موضحه : لا هي لسه موفقتش, دي ماما هي اللي حكتلي وقالتلي ان طنط نجلاء قالتلها و حسناء قالت ان عندها ظروف عائلية و مش عاوزة تتخطب دلوقتي
حازم : طيب ما تحاولي تتكلمي معاها و تقنعيها كده , كريم ابن خالك محترم و شايف مصالحة
نرمين : انا هكلمها النهارده و هحاول اقنعها ولو وافقت هنقول لخالوا احمد علي ظروفها و نعطيهم عنوانها و يسألوا عليها
كان حازم يسمع نرمين و هو شبه شارد مع ابتسامه كبيره وقال: ربنا يقدر ما فيه الخير
أزاحت نرمين المنشفه من علي شعرها و قالت : اطلع اسرح شعري بقي , احسن لو انتظرت شويه هضطر احلقه
نظر لها حازم وهو يضحك من كلماتها المستهزأه علي نفسها وقال: ساعتها ابراهيم هيبقي معزور انه يتجوز عليكي
نظرت له شذرا و قالت : كويس ان ماما جايبالي في جهازي سكاكين كتيره , ولو جدع بقي يبقي يعملها
ضحك حازم عاليا وهو ينظر لللفراغ الذي تركته نرمين مكانها بعد ان خرجت من الغرفة
.................................................. ...........................................
حركت جفونها لتطل بزرقه عينيها علي الدنيا , شعرت بالدوار عندما رأت مشهد مختلف عن الذي تراه يوميا عند استيقاظها , ولكنها مباشرة تذكرة احداث الليله الماضيه , ابتسمت و هي تداعب نفسها وتقول " ههههه الواحد فكر نفسه اتخطف "
اعتدلت بجلستها و لملمت شعرها المنتشر حول عنقها , وهي تجول بنظرها في الغرفة , نظرت بجانبها فلم تجد نرمين , فارتدت لتستند للوسادة تنتظر قدوم نرمين , واثناء جلوسها زارتها بعض الذكريات , التي حدثت أمس وكيف كانت فرحة نرمين تملأ الكون من حولها و همجية قلبها الفرح بعودة أخيها , لم تنكر ان قلبها هو الأخر كان يشبه قلب نرمين لحد كبير , فهي مع انها لا تعرف حازم و لكنه في وجهة نظرها يستحق كل الخير و تشعربالذنب إن لم تفرح من أجل سلامته و انقاذ روحه سالمة في جسده , فهو الذي انقذها أكثر من مرة حين انتشلها من بين مخالب الوحوش البشرية ثم من السجن حينما كانت سترمي بنفسها داخله ثم من الغرق و الموت كفر , وأخيرا حينماا انقذها من عالمها المعتم و يسكنها في جنة صغيرة بها ما لذ وطاب من الخير و الرفاهيه و اغدق عليها بالعطايا دون ان تطلب منه , سبق خيره لها أليس من الواجب ان تسعد لسلامته الان , بالأضافه طبعا احساسها الشديد بالاطمئنان لوجوده بحياتها
تذكرت سطوات سخطه ضدها , وكيف يتحول و يحيد عن الجنس البشري تماما ليكون اشبه بساكني الغابات من السباع و الوحوش عندما يتملكه غضبة و كأنه كائن أخر ليس له علاقه بحازم الاصلي
قالت بنفسها : فعلا اتق شر الحليم اذا غضب , بس مش شكله حليم , ايا كان يكفي اني عايشه في خيره , الحمد لله انه سخرلي البني أدم ده
واثناء تجولها بخاطرها بين ذكرياتها دخلت عليها نرمين و هي ترتدي ملابس العمل
نرمين بمزاح: قومي يا كسوووووله , خلق ربنا كلهم صحوا و هيناموا تاني و انتي لسه نايمة
قبضت ملامح حسناء و هي ترد عليها بتساؤل: هو احنا امتي؟
نرمين : الساعه 12 و نص
حسناء: بجد؟ وانتي رايحه فين؟
نرمين : والله الساعه 12 ونص , قومي يلا جهزي نفسك علي مااروح ازور حماتي عشر دقايق و أجي نتغدي و نمشي علطول
حسناء و هي تنهض مسرعه : لا استني متمشيش و تسبيني هنا , هاجي معاكي استناكي في العربية
نرمين : علشان بس منتأخرش يا حسناء ألبسي علي ما اجي , هي جارتنا اساسا يعني ربع ساعه علي ما تصلي و تجهزي هكون هنا
انصاعت حسناء لكلام نرمين ولكنها قالت : طيب خليكي معايا علي ما اتوضي
نرمين : اوك يلا
.................................................. .............................................
في ساحة الجامعه كانت تسير نور وسط صديقاتها بعقلها المشتت و عيونها المجنونه التي تدور بلهفه يمنه و يسرة دون توقف علها تلمح ولو طيف حبيبها التي لم تعد تطيق حرمانها منه
سألتها نسرين : عملتي ايه في الامتحان
نور و هي ما زالت تتلفت : قلت للدكتور اني مذكرتش و خدتها من قاصرها
وكأن صاعقه نزلت علي مسامع نسرين فقالت لها بصوت اشبه للصراخ : نعم؟..... انتي بجد ناوية .....
قاطعتها نور و هي تقرصها بذراعها و تشير لها بعينيها نحو هبه
ولكن نسرين لم تلبي رغبتها و قالت بصوت عالي: شوفتي يا هبه صحبتك المتخلفه لما عرفت ان اسامة الساقط هيعيد السنه , عاوزة تسقط زيه
وقفت هبه و مي يبحلقان بإندهاش في نور , كادت مي توبخها علي نيتها الهوجاء لكن هبه و التي تفطن جيدا طباع نور العنيدة قالت لها لتقلل فرصه الجدال الذي لا فائدة منه : عارفه يا نور لو عملتي كده و مجاوبتيش علي الامتحانات , انا هروح لمامتك و هقولها , وانتي حره بقي مع اهلك هم يتصرفوا معاكي , لأن مهما هنتجادل معاكي مش هتسمعيلنا فيبقي واجب علينا قدام ربنا نقول لأهلك
نظرت لها نور نظرة مرعبه و كأنها ستنقض عليها تتلذذ بطعم لحمها في فمها وقالت : ملكيش دعوة يا هبه
هبه بتوعد : والله يا نور هروح لمامتك وهقولها او أروح لحازم و هقوله , انتي مش بتحسي , يعني اخوكي قاعد يضيع شبابه علشان راحتكم و موفرلك كل وسائل الراحة و انتي مش في دماغك و عاوزة تضيعي نفسك علشان واحد فاشل
ضربت نور الأرض بقدمها و صرخت بوجه هبه : قلتلك ملكيش دعوة
ولكنها و جدت نسرين و مي يقولون: واحنا كمان معاها يا نور
نظرت لهم نور بحنق و قالت : انا اساسا اللي استاهل ضرب الجزمة اني ماشية معاكم
وتركتهم و انصرفت تناجي دموعها التي لبت طلبها في الحال و رافقتها في جلستها بمفردها حتي ملت و قامت لتعود لمنزلها تاركه الجامعه و ما بها
.................................................. .................................
جهزت حسناء نفسها و جلست في الغرفة تنتظر عودة نرمين , ولم يطل انتظارها , اذ جاءت نرمين كما وعدتها بعد الربع ساعه وقفت علي باب الغرفة , قالت لها : يلا يا نونه علشان نتغدي
حسناء بخجل: لا اتغدي انتي و انا مش جعانه هاكل في الشركة
نرمين بنفاذ صبر: برضه هطلعي روحي زي امبارح, يعني مفطرتيش و مش عاوزة تتغدي كمان
حسناء: هاكل في الشركة
نرمين : طيب بالعند فيكي مفيش اكل في الشركة و انا المديره و بأمرك
ابتسمت حسناء و قالت لها برجاء: ارجوكي يا نرمين متحرجنيش , هبقي اكل اي حاجه في الطريق
نرمين : تتحرجي من ايه يا حسناء
كان صوت نرمين عاليا بشكل يضمن وصوله للطابق السفلي , سمعت صوت حازم يناديها فردت عليه
حازم : انا هاكل في الاوضه جوه خليها تنزل تتغدي براحتها
حسناء و هي تضغط علي اسنانها : ينفع كده يا نرمين
نرمين و هي تضحك: هههههه والله ما انتي ماشيه الا لما تتغدي و الا هسيبك و امشي
حسناء: وبتحلفي ليه بس , خلاص هاتيلي اكل هنا في الاوضه
نرمين : لواحدك ليه ما تنزلي تاكلي معانا
حسناء: لا انزلي كلي انتي مع اخوكي و مامتك علشان تاخدوا راحتكم
نرمين : احنا واخدين راحتنا , طيب هجيبلك الأكل هنا و أمري لله
انصاعت نرمين لطلب حسناء و أتت لها بالطعام و بعد انتهائهما من الاكال انطلقتا لعملهما في الشركة
وهما في طريقهما قالت نرمين بتردد: امممم فكرتي في كلام طنط نجلاء
حسناء : طنط نجلاء مين؟
نرمين : مرات خالي اللي قالتلك علي كريم ابنها
صمتت حسناء و نظرت أمامها , لمحت نرمين نظرت شجن دفين داخل عيونها فاسترسلت حديثها لتبرز مدي صلاح ابن خالها و انه فرصه لا تعوض
نرمين : يا ريت تفكري يا حسناء و تصلي صلاة استخاره , بجد كريم ده انسان كويس جدا , انا مش بشكرلك فيه علشان ابن خالي , لا و الله ده يعتبر فرصه لأي واحده بالنسبه لأخلاقه و تدينه و اهله ناس كويسين , خالي ده افضل و اطيب واحد في اخوالي و مراته طيبه جدا و متدينه
قاطعتها حسناء دون ان تنظر لها و لكن بصوت يملأه الحزن : الموضوع مش كده يا نرمين ..... ثم صمتت قليلا....... المشكله في وضعي انا , افرض محصلش نصيب و بعد ما وافقت مرتحناش لبعض , ساعتها هكون في وجهة نظره ايه ؟ ده اذا هو وافق علي وضعي من الاساس , انا مش عاوزة افكر في حكاية الجواز دي الا لما اشوف وضعي مع اهلي الاول و لما ارجع اعيش تاني مع امي بعد ما ربنا يخلصني من جوزها , عاوزة اللي يجي يطلب ايدي يطلبها في بيت والدي وياخدني من هناك, مش وانا قاعدة عند حد غريب
نرمين وهي متأثره بكلامها : احنا اهلك يا حسناء , ولا انتي مش حاسه بكده
حسناء وهي تتمالك بقوه حتي لا تسقط دموعها امام نرمين : انتوا افضل من اهلي كلهم , والله انا حاسه معاكم بالامان و الحب اكتر من اهلي و عيلتي , بس المشكله في المجتمع صعب انه يتفهم كده , مش هيفهموا الا اني واحده هربانه من اهلها و لائجه عند ناس غريبة
لم تجد نرمين ولا كلمة في قاموسها لترد بها علي حسناء او علي الأقل تواسيها , فظلت لازمة صمتها حتي وصلوا للشركة وشرعا في بدأ يوم عملهم ككل يوم
.................................................. .......................
في المساء ذهبت نرمين لتكمل سهرتها برفقه والدتها و اخيها حازم بعد ان اوصلت حسناء لمنزلها
جلست مع والدتها ترحب بالضيوف و تقدم واجب الضيافة , وبعد رحيل الجميع و لم يتبقي سوي اصحاب الدار , جلسوا يتسامرون بمرح عدا نور التي لزمت حجرتها تواسي حالها وحدها و تقدم لقلبها عزاءا ساخنا
سألت سناء : كلمتي حسناء علي كريم يا نرمين , نجلاء كلمتني النهارد , شكلها مقتنعه بيها قوي
ردت نرمين وهي تتذكر عيون حسناء الحزينه عند رفضها وقالت : خليها تصبر شويه يا ماما
سناء: هي مش مستعجله بس تاخد الموافقه و يقرأوا الفاتحة
نرمين : الموضوع مش كده يا ماما , انا عرضت عليها الأمر و رفضت ...
قاطعها حازم : ما احنا عارفين انها رفضت , وكانت مهمتك انك تقنعيها
التفتت نرمين اليه و هي تسرد له ما قالته حسناء وتحاول تجسيد مظهر حسناء و تأثرها بالموقف
سناء: لا حول ولا قوة الا بالله , احنا لازم نحترم رغبتها و منتضغطش عليها , ولما ربنا يسهلها امرها نبقي نعرض عليها الامر تاني
حازم : خلاص يا ماما قولي لطنط نجلاء انها محجوزة و خلاص
نرمين : لا يا حازم مينفعش نضيع عليها فرصه زي كريم احنا نقولها ظروف عائلية و استني لما كريم يرجع من السفر
حازم : ماشي زي ما تشوفوا ,انا بقي هطلع اوضتي كده , صحيح يا نرمين الاوضة فاضية و لا هتفاجئ زي الصبح
اطلقت نرمين ضحكة صاروخية انتشر صداها في ارجاء الفيلا وهي تنظر لحازم و هو يصعد للأعلي و سناء تتابعهم بعيون مستفهمة
سناء: بتضحكي علي ايه
نرمين و هي تتمالك ضحكتها: هحكيلك دي كان موقف مسخره
.................................................. .......................
مرت الأيام متشابهه , لا شئ جديد ولا مختلف , نور وحيدة بعد ان هجرت صديقاتها تبكي مع قلبها المجزوع بعد حبيبها و جفاءه حتي كرهت الذهاب للجامعة , ونرمين عادت مع زوجها لشقتها , تتابع عملها في شركة اخيها حتي يسترد كامل عافيته , حسناء تتابع عملها بالشركة بالأضافة انها بدأت في اكمال مشروع الحياكة ولكن تلك المره كانت لملابس اطفال و حازم يقيم في الفيلا يستقبل كل يوم عدد كبير من الزائرين , ولكنه كان يعد الأيام و الساعات بل الثواني نفسها التي تمر عليه , حتي وصل زروة اشتياقه للعمل و مزاولة حياته الطبيعيه التي كان يعيشها سابقا
.................................................. .....................
استييقظت نرمين باكرا تعد لزوجها الافطار , سمعت صوت هاتفها , ولكن لم تتواصل الرنة طويلا , اتجهت ناحيته تستطلع من المتصل فوجدت حسناء
اتصلت عليها فردت حسناء بحرج: السلام عليكم , اسفه لو ازعجتك
نرمين : لا ازعاج ولا حاجه انا كنت صاحيه
حسناء بتردد: طيب ممكن لو ظروفك متاحه النهاردة تجيلي بدري شوية
نرمين : زمانك خلصتي تفصيل الهدوم صح
حسناء: ههههههههههه في عشرة ايام, لا انا عملت من كل مقاس 3 قطع بس , وعاوزة اوديهم دار ايتام
نرمين : اوك هعدي عليكي الساعه 12 تكوني جاهزة, انتي هتروحي دار ايتام معينه ولا اي دار ايتام
حسناء : لا اي دار ايتام
نرمين : اوك , هقفل بقي علشان اخلص اللي ورايا علشان متأخرش عليكي
حسناء: ماشي يا نرمين معلشي تعباكي معايا ربنا يجعله في ميزان حسناتك
نرمين : لا تعب ولا حاجه يا نونه , يلا سلام
حسناء:سلام
.................................................. ............
انهت نرمين ما بيدها و استأذنت من زوجها و اتجهت نحو حسناء لتسطحبها لدار أيتام , و اثناء سيرهم قالت نرمين : انا عارفة مكان دار ايتام قريبه هنا تعالي نروحلها
حسناء: اوك اي دار ايتام
نرمين : بس كويس يا حسناء انك بتفكري في حاجة زي دي
حسناء و هي تبتسم ابتسامة لا تعلم ما سببها حزن ام فرح: دول اخواتي في اليتم
لجمت نرمين فهي دائما تعجز عن الرد علي حسناء, ربما لأنها عاطفيه فتشعر بالكلمات التي تخرج منها فيصعب عليها الرد
وبعد برهة صمت قالت نرمين : انتي زرتي دور ايتام قبل كده
حسناء : ياااااه كتير, ده انا كنت لما الدنيا بتضيق بيا قوي كنت بروح أدور علي وظيفة مربية في دار الايتام القريبة مننا , بس للأسف كل مره مكنتش بلاقي , وبصراحه كنت بخاف اروح دار ايتام بعيدة
واثناء سيرهم مروا علي محل لعب و اقتنت منه حسناء الكثير من الالعاب
وصلتا لمقصدهم و ترجلا من السياره يحملون الاكياس المليئة بالملابس , اتجهتا نحو الغرفة الخاصة بالمدير , تحدثتا اليه و قدموا له الملابس و اعطته حسناء ظرفا مغلقا به بعض النقود
ثن استأذنت منه ان يدخلوا للخلوس مع الأطفال فأذن لهم
واثناء سيرهم بالردهه بإتجاه صالة الاطفال تمتت حسناء ببعض الكلمات
قالت نرمين : نعم ؟ بتقولي ايه ؟
حسناء و آثار التضرع علي وجهها : كنت بدعي ربنا , الواحد لما بيقدم علي طاعه له دعوة مستجابة
نرمين و عقلها يعمل : اه
دخلتا علي الاطفال وما ان وطأت قدم نرمين المكان حتي شعرت بقشعريرة بجسدها , ظلت تجول بنظرها بين الاطفال وهم علي وجوههم الفرحه العارمة عندما تعطي حسناء طفل منهم بعض الحلوي و البلالين و الألعاب
كلمات كثيرة ظلت تخاطب نرمين في صمت : معقوله كل الاطفال الصغيرة دي فقدوا امهم و ابوهم و عيلتهم بالكامل , فعلا الواحد مقصر جدا و عايش في غفلة و ناسي واجبه تجاه اليتامي , زمان حسناء حاسة بيها , الله يكون في عزنها زمانها دلوقتي بتفتكر حزنها علي باباها
تركت حسناء تلهو مع الاطفال و عادت لغرفة المدير واخرجت كل ما معها من نقود و قدمتها له
وبعد ان خرجت ظلت تتمتم بالدعاء وهي تعتصر رجاءا و تضرعا لله بأن يشفيها و يرزقها بالذرية الصالحه ونوت بداخلها ان تعود ثانية هنا لتؤدي واجبها تجاه تلك الكائنات البريئة التي ما زالت صغيرة علي ان تفهم معني كلمة يتيم و لكنها تعيشها وتشعرها بكل ما تحمل الكلمة من معني
وبعد ساعة قضتها حسناء في الترفيه مع تلك الأطفال و نرمين تتابعهم في عطف من جهه و بحنين و شوق للاطفال من جهه اخري, نظرت حسناء للساعه فوجدتها الواحده و النصف فقالت لنرمين المغيبة فكريا : يلا يا نرمين علشان منتأخرش علي الشركه
هزت نرمين رأسها تنفض عن عقلها الشرود و قالت لها : اوك يلا بينا
ودعت حسناء الاطفال و هي تقبلهم و تشير لهم بيدها و انصرفت مع نرمين , انطلقتا بالسياره نحو عملهم
اثناء سيرهم تنهدت نرمين و قالت : يااه الواحد اتأثر بالاطفال دي قوي , فعلا المفروض المجتمع كله يقف جنبهم و يقدملهم اللي يحتاجوه
عادت حسناء تبتسم ابتسامتها العجيبه و هي تقول : والله لو كل العالم قدملهم كل حاجه في الدنيا مش هيعوضوهم عن اللي فقدوه
نرمين : فعلا عندك حق, ربنا ما يكتبها علي اولادنا
حسناء : اللهم امين يارب
.................................................. ..................
أتي المساء الصيفي الرائع الذي يحمل معه بعض نسمات الهواء التي تجبرك علي السهر و السمر مع الاحباب
كان حازم يجلس برفقة امه في حديقة الفيلا يتناولون بعض اطراف الحديث
حازم : ماما انا زهقت من القعده , انا هروح الشغل من بكرة
سناء برجاء: ارجوك يا حازم استحمل شوية , الشغل مش هيطير يا ابني المهم صحتك و اعصابك
حازم : انتي بقالك اسبوعين بتقولي اصبر , ما انا صاااااااااابر اهو, عامة معاد كشفي بكرة , لو الدكتور أذن لي مش هقعد دقيقة
سناء: ماشي بس لو اذنلك الدكتور
حازم : اوك
ثم تابع : انا عاوز اشتري عربية , بس هجيب سواق لأن بصراحه اعصابي مش هتستحمل سواقه خالص دلوقتي
سناء: ربنا يستر , انا بقيت بكره العربيات و سيرتها
ضحك حازم لوالدته و هو يضع الهاتف علي اذنه ينتظر رد شخص ما و بعد لحظات آتاه الرد
حازم السلام عليكم
ابراهيم : وعليكم السلام , اهلا بالباشا
حازم : عيون الباشا يا باشا
ابراهيم : اخبارك ايه , وصحتك عامله ايه
حازم : الحمد لله تمام و جايلك الشركة بكره كمان
ابراهيم : ياه , تنور شركتك يا باشا , بجد ولا بتهزر بقي؟
حازم: والله انا بصراحه زهقت من القاعده , وخالتك سناء ماسكة فيا بإيدها و سنانها
ابراهيم : هههه ربنا يخليها ليكم و يخليكم ليها
حازم : ربنا يخليك , طيب معلش يا ابراهيم هتعبك معايا
ابراهيم : لا تعب و لا حاجه انا تحت امرك
حازم : انا عاوز اشتري عربيه , بس عاوزك تشوفلي سواق
ابراهيم : ماشي , هخلص الشغل في الشركة و هعدي عليك نروح نشتري العربية و نروح مكتب نشوف سواق ابن حلال كده
حازم : خلاص ماشي في انتظارك بس متعرفش نرمين اني هرجع الشغل خليها مفاجأه كده
ابراهيم : ماشي , انا اساسا لو قلتلها ما هتصدق و هتقوم قاعدة علطول و مش رايحه بكره
حازم : ههههههه لا دي تعمل حسابها تكمل الشهر علي الاقل علي ما ارتب حالي كده , هو الشغل تقيل علي قلبها قوي كده
ابراهيم : هي بتحب الشغل و الخروج بس انت عارف برضه انها تكون ماسكة شركة و مسؤلة عن كل كبيرة و صغيرة فيها حاجه متعبة برضة
حازم : اوك بس اظبط حالي كده و هخليها تمسك شغل معين في ايديها بدل ما تقعد في البيت و تزهق من القعدة
ابراهيم : ماشي يا باشا , خلاص علي اتفقنا بقي , ساعه بالكتير و هقفل الشركة و هاجي علطول
.................................................. ......................
داخل قاعة المحاضرات يقف المحاضر الوسيم , الهادئ الطباع المبتسم دائما و أبدا , محمد مسعد
كل الطلاب صامتون , تركيزهم حاضر , يتابعونه في سكون و كأن علي رؤوسهم الطير
واثناء تجوله بعينيه بين وجوه الطلاب لاحظ عدم وجود نور , والتي حقيقة مكثت بالمنزل معتزله عن العالم بأكملة بعد ان فقد حبيبها و صديقاتها المقربات , حبييسة بين دموعها و ألامها و آهاتها وحيدة
وحينما لم يجدها الكتور محمد موجوده جاء بخاطره ان يكون سبب غيابها هو خروج حازم من المشفي فاستبشر خير و نوي ان يذهب لمنزله ليتأكد من تلك البشري التي خمنها
تابع درسه بجد و اخلاص دون أن يعبأ لتلك العيون التي تشع اعجاب و لا يبدي اي التفات لتلك الفتيات التي تحاول لفت انتباه بشتي الطرق
ولكن في نهاية المحاضرة جاء بخاطره ظن شيطاني اسود , قال بنفسه أيمكن ان يكون حازم لم يكتب له بقية من العمر و قبض الله روحه لذلك تغيب نور , تزللت اعصابها و اهتز توازنه و شعر بدمه يجري بسرعه داخل عروقه فاستعان بمقعد ليستعيد اعصابه وجلس باقي وقت المحاضرة
تعجل في سرد باقي المحتوي التعليمي و أسرع لينهي المحاضرة ليتأكد من سبب غياب نور من صديقاتها , فليس لديه صبر ان ينتظر ليمر النهار ويمر بمنزل صديقه ليطمئن عليه
وبعد ان انهي الدرس وقف أمام قاعة الدراسة ينتظر صديقات نور غاضا بصره للأرض
نظرت نسرين في شاشة هاتفها المغلق الذي يعكس صورتها تضبط من هندامها وديكور وجهها الملون
تعجلتها مي و هبه فهمست لهم بأن الدكتور محمد ينتظر بالخارج
خرجوا من القاعه فوجدوا كلام نسرين صحيحا , تقدمت نسرين نحوه تسبق زميلاتها وتصنعت عدم اكتراثها لوجوده , فلفت انتباهها بقولة : احم احم السلام عليكم
وقفت البنات الثلاثه ليدروا عليه : وعليكم السلام و رحمة الله وبركاته
محمد : هي نور غايبة ليه
نسرين : تعبانه شوية
محمد : طيب متعرفوش اخوها عامل ايه دلوقتي
نسرين : الحمد لله بقي كويس و خرج من المستفي من حوالي اسبوعين
محمد باستنكار: ياه طيب ونور معرفتنيش ليه , انا قلتلها تعرفني لما يخرج
نسرين و هي تحدق بوجهه باستعطاف : والله قلتلها بس هي نسيت
محمد : ماشي يا بنات شكرا
وانصرف بعيدا عنهم ليكمل باقي يومه و ترك خلفه نسرين ذائبه بين احلامها التي بدأت تتلألأ و تسمو بها في اعالي السماء , تطير بها من جنه إلي اخري
لاحظت هبه ذوبانها في عالمها السعيد بعد انصراف الدكتور محمد فقالت لها : نسرين فوقي انتي كمان هي نا
ربما تحتوي الصورة على: ‏‏نص‏‏

حبيسه قصر الوحشحيث تعيش القصص. اكتشف الآن