قصة ابو بكر الصديق(أين حظ النفس عند الصديق؟)

1.4K 58 8
                                    

ولقد كان الصديق من أروع الأمثلة الإسلامية على صفة إنكار الذات، أنكر الصديق ذاته في حق الله ، فلا يأمره الله بشيء، ولا ينهى عن شيء، إلا امتثل، واستجاب، مهما كانت التضحيات، الصديق أنكر ذاته في حق رسول الله ، ومواقفه في إنكار ذاته مع الرسول لا تحصى، فهو لم يكن يرى نفسه مطلقًا بجوار رسول الله ، والصديق قد أنكر ذاته مع المؤمنين، حتى من أخطأ في حقه منهم، بل حتى من تجاوز خطؤه الحدود المألوفة، المعروفة بين الناس 

ابحث في حياة الصديق، ونَقّب، أين حظ النفس عند الصديق؟ 

لا تجد، أين إشباع الرغبات الطبيعية عند البشر من حبٍّ للمال، وحبٍّ للجاه، والسلطان، وحب للسعادة، وحب الظهور، بل حب الحـيـاة؟ 

أين ذلك عند الصديق؟ 

لن تجده أبدًا، مثال عجيب من البشر، وآية من آيات الرحمن في خلقه، 
ولعلنا نكتفي هنا بالمرور السريع على مثال من إنكار الصديق لذاته، ولعلنا نتوقف عند المـال مثلاً. 

أين حظ الصديق من ماله؟ 

جبل الصديق على حب العطاء، حتى لتشعر وأنت تقرأ سيرته أنه يستمتع بالعطاء ويبحث عنه، وهذا شيء عجيب، فالإنسان بصفة عامة جبل على حب المال حبًّا شديدًا، قال : {وَتُحِبُّونَ المَالَ حُبًّا جَمًّا} [الفجر: 20]. 
وقال: {قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الإِنْفَاقِ وَكَانَ الإِنْسَانُ قَتُورًا} [الإسراء: 100]. 

أي شديد البخل وشديد المنع، الصديق لم يكن كذلك، وسبحان الذي سَوّاه على هذه الصورة، فالصديق كان يحب الإنفاق حتى في الجاهلية قبل أن يسلم. عمله في ضمان الديات: كان قبل إسلامه مسئولاً عن ضمان الديات والمغارم في مكة، فإذا سأل قريشًا ضمانًا قبلوه، وإذا سألهم غيره خذلوه، وهذا عمل خطير، فقد يتحمل الصديق دية رجل، ثم لا يوفي أهله، فيكون على الصديق قضاؤها، أي أنه عمل فيه خسارة، ويحتاج إلى كثير من المال، وإلى نفس راغبة في قضاء حوائج الناس، وتحمل مغارمهم، إذا كان هذا هو الصديق قبل إسلامه، فما بالكم بعد أن أسلم؟ 

ما بالكم كيف يكون حاله إذا سمع من رسول الله حديثًا قدسيًّا ينقله عن رب العزة يقول فيه الله تعالى: "انْفِقْ يَا ابْنَ آدَمَ أُنْفِقْ عَلَيْكَ؟". 
وذلك كما روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة ، بل كيف يكون حاله وقد سمع رسول الله يقسم أن مال العبد لا ينقص من الصدقة؟ الصديق لا يحتاج إلى قسم الرسول ليصدقه، الصديق كان واضعًا نصب عينيه حقيقة ما اختفت لحظة عن بصره وعقله وقلبه، تلك الحقيقة هي: 

إن كان قال فقد صدق. 

هكذا، مجرد القول يعني عنده التصديق الكامل الذي لا شك فيه، فما بالكم إذا سمعه يقسم؟ 

الصديق ينفق ماله كله في سبيل الله :
هذه الطبيعة الفطرية، وهذا اليقين في كلام رسول الله يفسر لنا كثيرًا من مواقف الصديق ، فالصديق شاهد مع بدايات الدعوة في أرض مكة، التعذيب الشديد والتنكيل الأليم بكل من آمن من العبيد، والعبيد في ذلك الزمان يباعون ويشترون، وليس لهم أدنى حق من الحقوق، تألمت نفس الصديق الرقيقة لهذه الوحشية المفرطة من الكفار مكة، وسارع بماله ينقذ هذا، ويفدي ذاك، يشتري العبد، ثم يعتقه لوجه الله، هكذا {لاَ نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلاَ شُكُورًا} [الإنسان :9]. 

قصص الصحابةWhere stories live. Discover now