1

10K 116 4
                                    

مهيار ..... زيان...
......................................
نهضت من نومها يجزها العرق , جلست على السرير تشهق الهواء بقوة , حلم ..
كان مجرد حلم .. لا بل كابوس مزعج جعل دقات قلبها تصل الألف دقة في الدقيقة.. تجاوزت الساعة الثالثة صباحا , فعادت و تمددت تحاول السيطرة على أنفاسها المتسارعة , مبعدة شعرها عن وجهها ..
ما هذا الكابوس لماذا ينتابها في هذا اليوم ..
*اووووووووف  لو أعرف فقط لما اختارني هذا الكابوس الأحمق ..
مدت يدها لتنير المصباح الخفيف الإضاءة قربها و ابتسمت لنفسها
*لن أسمح لحلم سخيف أن يزعج نومي ..
وعادت و أغمضت عينيها لتغفو مرة أخرى .. تاركة الخوف خلفها , ليست هي من تخاف ليست زيان عابد ناصر من يتسلل الخوف لقلبها من مجرد أشياء لم ترها تركض خلفها .. ضحكت من هذا التفكير و عادت لنومتها ....
حتى الصباح ...
لم يزعجها سوى صوت المنبه على الساعة السابعة صباحا ليوقظها فتذهب لعملها , لم تكن أسرتها من الأسر الأغنياء في المدينة و لكنهم ميسوري الحال , يمتلك والدها محلا للأدوات الكهربائية جنى منه ثروة لا بأس بها , و أمها توفيت قبل سنوات قليلة , وحيدة لوالدها , ليس لديها أخوة ..
نهضت بكسل من السرير , لتتجه نحو الحمام تغسل جسدها لتنعشه ..
خلال دقائق خرجت منتعشة تدندن لحنا شعبيا من الأغاني المنتشر و وقفت أمام المرآة لترمي المنشفة الضخمة عنها و تبدأ باختيار ملابسها التي كانت كالعادة فستان واسع يصل للأرض و بلا أكمام , يغطي كتفيها برقة لتظهر ذراعيها كاملة , و شعرها الحريري الأشقر فقد جمعته أعلى رأسها و لفته حتى أصبح كتلة واحدة و ثبتته ببكلة صغيرة , و وجهها النقي الصافي لم يحتج سوى المسكارا و الكحل الأسود القاتم و حمرة طفيفة لتبتسم لنفسها برضا ..
كورت شفتيها ترسل قبلة هوائية لنفسها قائلة
*صباحك فل يا زين البنات ..
والتقطت حقيبتها لتغادر فوالدها كالعادة لا بد قد غادر قبلها لأجل استلام الشحنة الجديدة و تفريغها في الوقت المناسب ..
عملها بسيط افتتحت قبل فترة قصيرة محلا للبطاقات و الهدايا , مع صديقتيها روجين و ريوان بفعل دراستها للفنون الجميلة فقد اختارتهما بعناية كبيرة من تقارب اسميهما , و كم اتفقت معهما و كانت كما يقولون الزعيمة لهما ..
وما زالت كذلك ..
*زيان ..
سمعت صوتا ينادي باسمها , لكنة غريبة لم تتعرف عليها , التفتت خلفها بسرعة و لكنها لم تر شيئا , لا أحد ينظر لها , ضيقت عينيها فهل تخيلت ذلك ؟
كيف تتخيل لقد سمعت صوتا ينادي باسمها ..
مرت بالقرب منها سيارة مسرعة سببت تطاير فستانها الخفيف , لحسن حظها أنه طويل فلم يظهر منها شيئا ..
نفخت بملل و أكملت مسيرها نحو المحل فقد قاربت على الوصول ..
وصلت للمحل على الوقت تماما , في الساعة الثامنة على الضبط كانت تفتح الغلق الحديدي , بالمفتاح الكهربائي ودفعت الباب الزجاجي لتدخل , لديها طقوسها الغريبة التي تقوم بها كل صباح , تشعل البخور الهندي لتملأ المكان الرائحة الشهية , و تنشر بتلات زهور طبيعية من البراعم المتفتحة التي تحضرها قبل يوم وتضعها في الماء , وتعد كوبا ضخما من القهوة وتشربها بهدوء لتراقب باقي المحلات وهي تفتح أبوابها بينما روجين و ريوان لا يصلان قبل التاسعة ..
وبالفعل قبل التاسعة بدقائق دخلت روجين .. فتاة ناعمة الوجه بعيون ملونة و شعر قصير على طلب زيان . . فهي رأت أن الشعر القصير يليق بها .. ولم يكن لدى روجين وقت لتعترض فلم تجد نفسها سوى في صالون التجميل وشعرها الطويل الأسود الناعم أصبح خصلا متناثرة قصيرة من الخلف طويلة من الأمام , الأمر الذي أثار جنون خطيبها فما كان منه إلا أن خاصمها لفترة لا بأس بها حتى تمكنت في النهاية من مصالحته ..
ابتسمت تلقي التحية بينما تضع حقيبة أدواتها على مكتبها الخاص ...
ابتسمت زيان لها و ما هي إلا لحظات حتى دخلت ريوان الحيوية بعينيها الخضراء العشبية مبتسمة كشمس الصباح , فشعرها من شدة شقاره تعتقد أنه شعاع من الشمس تحت أشعتها الرائعة و لطالما حاولت زيان إقناعها أن تغيره بلون يليق بعينيها أكثر و كم تمنت رؤيتها بالأحمر على عكس روجين لم تتمكن من إقناعها ..
نفخت ريوان كعادتها بسخط
*سبحان الله الشمس اليوم لا تحتمل مع أننا ما زلنا في الصباح الباكر ..
ضحكت روجين بينما تستعد لتحضير القهوة لهما
*كفي عن الشكوى , أنت بشرتك حساسة زيادة عن الحد ..
قالت زيان ترفع كتفها بلا مبالاة
*لو سمعت مني وغيرت لون شعرك لما عانيت ..
هزت ريوان رأسها بلا رافضة مجرد النقاش
*تغيير لون الشعر لا يعني تغيير البشرة انسي الأمر تماما ..
لم تعطها مجالا للرد لتقول
*بالأمس جاءنا طلب غريب..
عبست روجين بينما استغربت زيان
*ما الذي تعنيه بغريب ..
جلسا مكانها تتناول فنجان القهوة من روجين لتنظر لهما وتفتح حاسبها المحمول , وتدير شاشته لهما
*انظرا ...
كان البريد الالكتروني الخاص بالمحل أنشأنه واستلمت ريوان أمره ..
أدارت الحاسب نحوهما لتريهما نصا لرسالة غريبة وردت عليه،  نصها مختصر واضح والطلب...  مثير للعجب
(بطاقة معايدة بتاريخ معين وعليها نص مختصر احذري الشيطان )
هتفت روجين بخوف
*يا رب اهذه بطاقة معايدة أم تهديد!
أعادت ريوان الحاسب لوضعه وعبثت بالأزرار توضح
*لكنه جاد حقا وطلب أن تكون جاهزة خلال أسبوع  
ارتجف جسد زيان متسائلة
*وكيف سنصمم بطاقة كهذه!
نظرت الثلاث لبعضهن بصمتٍ، فالعجز عن الأفكار سيد الموقف..
هتفت روجين بحنق
*تبا ليس هذا الرعب ما أردت أن أبدأ به يومي..
أما زيان فلم تجد ما تقوله سوى
*ولكنه عملنا...
لوت ريوان شفتيها
*نعم عملنا لكن ليس مع بطاقة لشيطان..
وسكتت لحظات لتقول بصوت شارد
*فقط تخيلن كم آذته تلك الفتاة لكي يحذرها بهذه القسوة!
همست روجين بخوف لتفتح حقيبتها وتعمل على ما طلب منها قبلا
*أيا كان تصرفا أنتما ما كنت لأتعامل مع شخص مثله أبداً..
وبالفعل حتى ريوان انسحبت من الأمر تاركة التصرف لزيان، فقالت مستاءة
*خائنات..
لم ترد روجين فقد انغمست في عملها وهذا يعني أنها لم تعد معهما بعقلها أبداً، وريوان قالت تعمل على حاسبها الذي وصلته بآلة طباعة حديثة كلفتهم ثروة لا بأس بها
*لست مستعدة للتعامل مع رجل مثله أي كان ما فعلته كان الله في عونها..
وانغمست بدورها في عملها..
بينما زيان المتفرغة في هذا الوقت أخذت على عاتقها تصميم البطاقة، وفضولها يتساءل عن سيئة الحظ التي ورطت نفسها مع رجل كهذا، يبدو عليه أنه رجل يحب الانتقام ويتلذذ به...
توقف عابد ناصر جانباً يراقب ما يجري، هل لمح للتو أن أحد القطع ليست ما طلبه، تبا لذلك، ان ربحه يكمن في ثمن قطعة واحدة يخسرها
*توقف لا تدخل هذه..
بالفعل توقف العامل عن إدخال القطعة ووقف بالقرب منها يجفف عرقه ليرتاح قليلا، تفحص عابد القطعة ليزمجر بغضب، يطلب رقم الشخص الذي تعامل معه لهذه الطلبية، لكن رقم الشركة رن طويلاً دون أي رد..
وبعد عدة محاولات تم الرد أخيرا ليسمع صوتاً يخبره أنهم سيكلمونه لاحقاً..
لعن ليضرب تلك القطعة بقهر، هذا ليس تعامل شركة لها هذا الصيت الواسع في الإنتاج..
ودفع جسده ليصعد الشاحنة بالخلف..
حينها كانت صدمته لا توصف، لا يوجد فيها تلك القطع التي طلبها، معظمها رخيصة غير مطلوبة في السوق...
لعن بصوت عالي وقهر ليطلب من الجميع إيقاف التفريغ..
ودخل مكتبه يلعن ويشتم ليعاود الاتصال بالشركة ولعجبه تم تحويله لمدير الشركة مباشرة..
ورغم غضبه الواضح رد عليه الرجل بهدوء
*ما الأمر سيد ناصر، اهدأ ودعنا نتفق..
لكن عابد لم يكن بوعيه ليصرخ فيه
*كيف سأهدأ..  كيف وأنت لم ترسل لي سوى بضعة قطع مما طلبته..
لكن الرجل رد بهدوء يحسد عليه
*بل أرسنا ما طلبته تماماً..
*ماذا..
صرخ عابد بينما يبحث في أوراقه عن العقد الموقع وعندما يئس من ايجاده صرخ بالرجل
*ما الذي تقوله ..  ماذا.. 
وترك الهاتف لحظات ليصرخ يطلب من سكرتيره الدخول، لكن لم يرد عليه، فاتجه ليفتح الباب ولم يجده هناك، فقط وجد ورقة حمراء اللون مكتوب عليها
(حظ أوفر )
نظر للورقة بعدم تصديق، وعاد ادراجه لمكتبه نظر للهاتف عدة لحظات، ليرفعه ويضعه على أذنه فسمع الصوت يسأل
*هل هدأت؟
مرر كفه بشعره ليرمي جسده على الكرسي متعباً
*ما الذي يجري..
تنهد الرجل الآخر بصوت مسموع ليقول بلهجة آمرة
*أفرغ الشحنة وانتظر زيارتي...
وأعلق الخط بعدها لينظر في الفراغ لا يفهم..  حقاً لا يفهم ما يجري..
وكيف...  فقط كيف تمكن منذر من خيانته ولكن يجب أن يجد العقد...
أما على الجانب الآخر وقف مهيار الشوماني بطوله الفارغ، يعدل بذلته الفخمة، الرائعة التصميم التي تظهر تفاصيل جسده الرياضي، وأعاد شعره للخلف ليلتقط هاتفه الحديث الضخم، ومفتاح سيارته الرياضية السريعة وخرج من مكتبه على شفتيه ابتسامة نصر قريب، نصر وانتقام طال الزمن به..
نظر لمنذر الذي كان ينتظره خارجاً، يقلب في الأوراق
*كيف حالك عم منذر..
ابتسم له الرجل
*بخير طالما أنك تكمل نجاحك..
شكره بلطف ليقول له
*متى سنكون هناك..
رفع منذر حاجبه ليقوم بعدة حسابات بسيطة حول العمل وسيره
*لا يخالف متى اردت يمكننا الذهاب إليه..
وابتسم بتعاطف معه
*رغم أنه ليس بالرجل السيء..
التوت زاوية فك مهيار ولم يرد عليه بل تركه ليخرج من شركته الضخمة التي ورثها عن والده...
والده الذي لعبت به امرأة دمرت حياته مع أمه، امرأة متزوجة من رجل آخر!!
وحان وقت الانتقام من تلك العائلة التي جعلت أمه تدخل المصح العقلي لسنوات، قبل أن تموت فجأة...
ألا يقولون الفتاة سر أمها..
حان الوقت ليجعل عابد نادر يعيش ما عاشه هو وأمه من ألم و وجع...
وابنته ستدفع الثمن...
*زيان...
همس باسمها بشر لينطلق بسيارته مبتعدا..
بينما هي انتفضت مكانها تشعر بذات الصوت يناديها، لكنها ضمن محلها فكيف...
هل جنت اخيرا...
نفخت بتعب لتنظر على ما رسمته للبطاقة فلم يعجبها لترميه في سهلة المهملات..
وقالت لروجين وريوان..
*لنحضر الغداء فقد بدأت أشعر بالجوع..
......
*هل هناك ما يقلقك أبي ؟
سألته عندما رأت شروده الدائم الذي لم تعتده فيه , لكنه ابتسم لها لينفي بهزة من رأسه
*مشاكل في العمل لا تقلقي صغيرتي وأنت كيف عملك ؟
تنهدت براحة لترد
*عملنا في هذه الفترة ممتاز , لا تصدق كمية البطاقات التي يطلب منّا صنعها لقد أنجزنا الكثير وأفكر أن أتوسع في المكان لكن روجين اعترضت على الفكرة فهي ترى أن جمع رأس المال في هذه الفترة أفضل من تبذيره على التوسع ..
هز رأسه موافقا
*روجين على حق ..
رفعت حاجبها لا يعجبها ما تسمع
*أنت وروجين نفس التفكير ..
ضحك بخفة ليسأل
*و ما رأي ريوان ...
هزت كتفيها لتقول
*تمكنت من إقناعها بفكرتي ..
ونظرت له باستسلام
*لكن بما أنك على رأي روجين فأنت رأيك صواب ..
رن هاتفه برقم شركة الشوماني فتركها ليرد بينما هي حملت حقيبتها وغادرت ..
تلقى الاتصال بقلب واجل فقد وجد نسختهم من العقد ومن حيث لا يعلم فقد كان بالفعل توقيعه على طلبية مغايرة تماما لما كان يريده , لا يعلم كيف وقعها , ولكن لا يمكنه فعل شيء أبدا , صفقة خاسرة كهذه ستجعل متجره على شفير الإفلاس وما لا يفهمه ما الذي يريده منه هذا الشاب , لقد مر أسبوعين ..
ولم يتلق منهم أي اتصال , ولم يفهم ما الذي يجري ..
*نعم ..
رد بهدوء فلا يملك سلاحا غيره الآن .
وصله صوت الشاب نفسه مهيار
*أنا قريب من محلك أتعشم أن أجدك فيه لننهي المسألة ..
و بالفعل خلال دقائق كان في سيارته المتواضعة الصغيرة ينهب الطريق ليصل إلى المكان بأقصى سرعة ..
وصل للمكان ليجد سيارة ضخمة مرتفعة تقف أمام المكان و عدة رجال ليسوا من عماله المعتادين , ما أن نزل من سيارته حتى فتح باب السيارة لينزل منها شاب في مقتبل العمر تبدو عليه الصلابة رغم لين عوده , أزاح نظارته بحركة مغرورة بطيئة قائلا بلهجة ساخرة لاذعة
*مرحبا بالمخدوع ..
نظر عابد حوله ليفتح المكان و يشير له بالدخول تجنبا للفضائح في هذا المكان ..
أشار مهيار لرجاله بالبقاء جانبا وتبعه للداخل ..
إلى حيث مكتبه وقال مرة أخرى
*أخبرني هل طعم الخداع مزعج ..
اعتصرت قبضة ساخنة قلب عابد هناك شيء سيء خلف هذا الشاب , شيء لا علم له به و مهما كان إلا أنه لا يريحه إطلاقا ..
ولم يرد على سؤاله فقط طلب بهدوء فهم ما يجري ..
جلس مهيار على الكرسي الجلدي بغرور مادا ساقيه أمامه
*الأمر بسيط جدا أريدك أن تختفي ..
اتسعت عيني عابد لا يستوعب ما يسمعه
*لم أفهم ..
اعتدل مهيار بسرعة محدثا جلبة بحذائه الضخم الثمين ليستند بكوعيه عليهما
*الأمر بسيط , أريدك أن تغادر البلاد لمدة لا بأس بها أو سأعمل جاهدا على توريطك بكل ما يخطر على ذهنك ..
رجع عابد بكرسيه للخلف , وهذا العداء الغريب غير مفهوم ولا مقبول لديه
*و لكن لماذا أنا لا أفهم ما تقصده , لقد تسببت لي بالفعل في هذه الصفقة بخسارة ما يقارب نصف ثروتي التي لا تكاد تكون شيئا من ثروتك فكيف أؤثر عليك بوجودي!
ضحك مهيار بتسلية
*أنت فعلا لا تؤثر علي ولو بمقدار شعرة ..
و ذهبت التسلية من صوته ليعود للجدية
*ومع ذلك أريدك أن تغادر البلاد ... وحدك ..
قال كلمته الملغومة و انتظر ليرى ردة فعل الرجل الذي بقي ينظر له لعدة لحظات كمن يتأكد مما سمعه , قبل أن يحمر وجهه بغضب ليقف صارخا
*ما الذي تعنيه بكلامك أيها الوغد ..
لم يتأثر مهيار بغضبه بل فرد نفسه على الكرسي براحة أكثر قائلا بسخرية هادئة
*اهدأ اهدأ .. لا داعي للغضب ..
لكن عابد لم يكن بوضع يسمح فيه بالهدوء فضرب مكتبه بقوة هادرا
*لن أهدأ و لن أسمع المزيد من هرائك أخرج من هنا و أحذرك أن تقترب من ابنتي هل فهمت ..
ارتفع حاجب مهيار ليطقطق بلسانه مدعيا البؤس و وقف  ليقترب من عابد بوقفته الغاضبة وهمس
*أنت لا تريد من رجالي أن يؤذوها الآن أليس كذلك ..
وأخرج من جيبه جواله الضخم ليجري مكالمة فيديو مع أحد الرجال وهو يتبعها فأدار الرجل جهازه نحوها ليراها عابد كيف تسير لا تعلم ما يجري حولها وتفتح غلق محلها المفتاح الكهربائي ..
أغلق مهيار الخط ليقول بتسلية
*هل أغادر ؟
نظر له عابد بيأس فلا يقدر على إغضابه كيف وابنته تحت يده تماما وهمس
*أي شيطان أنت ما الذي تريده .
*ابنتك ..قالها بكل ثقة وأردف بوجه مخيف
*لن أقتلها لا تقلق , فقط سأذيقها ذات العذاب الذي ذاقته أمي وأدخلها مصحا عقليا محترما حتى تموت ..
جلس عابد على كرسيه لا يصدق ما يسمع وسأل بعجز
*ما ذنب ابنتي و ما شأننا بأمك ..
تمطى بكسل وادعى النعاس والملل
*كم أنت عدو للتسلية لمَ لم تصب بأزمة قلبية !
لم يرد عابد بل قال
*أنت لست جادا ..
لكن ابتسامة مهيار المتملقة أكدت أنه جاد وجدا , فأخرج من حقيبة صغيرة كان يحملها ظرفا بني اللون ورماه على مكتب عابد
*ربما تحب إلقاء نظرة ..
توجس عابد من الظرف ولكنه وجد نفسه مرغما على فتحه على الأقل , ربما فهم شيئا مما يحصل ..
وما رآه لم يكن أبدا شيئا توقعه يوما ولا كان ليصدقه حتى لو رآه بعينه ..
اتسعت عينيه , يدقق بالصور التي أمامه بينما مهيار انحنى عليه بينما لا زال على جموده وذهوله ..
*أترى .. هذا الرجل والدي وهذه المرأة .. اممممم ترى من تكون ؟
سحب الصورة من يده يدعي الغباء وأعادها لأمام عينيه
*ترى هل تعرفها ؟؟
حاول عابد النطق عدة مرات و لكنه لم ينجح فابتعد مهيار ليعود لحقيبته وأخرج منها عدة صور أخرى ورماها على المكتب
*ربما هذه الصور تنعش ذاكرتك أكثر ..
لكن عابد ألقى نظرة واحدة على تلك الصور ليقلبها عينيه تنظران للفراغ حوله لا يفهم أبدا .. وهل هذا يحتاج لفهم .. صور فاضحة ... زوجته مع رجل ..
والد هذا الشاب .. تعطل فكره عن العمل لم يفكر بتلك الخائنة التي ماتت قبل اعوام فكر فقط بزيان .. زيان ما ذنبها ..
*ما ذنب زيان !
اخرج مهيار صورة أخرى لامرأة تقف لجوار والده , امرأة حيوية وجميلة , تبدو عليها السعادة لم يفهم مقصد الشاب الذي قال
*إنها أمي ..
هز عابد رأسه لا يفهم فأخرج مهيار صورة لذات المرأة هزيلة شاحبة فاقدة للحياة
*وهذه أمي ..
وضع الصورة أمامه بقوة مصدرا صوتا قويا ليهدر به بقوة
*هذا ما فعلته زوجتك بأمي .. كانت السبب بجنونها بعد أن كانت تخطط للهرب مع والدي , لقد رماها أبي بكل قسوة لأجل زوجتك , تخلى عنها وأسمعها الكثير من الكلام الجارح لأجل زوجتك فلم تتحمل أمي صدمة ما يحدث لتفقد عقلها ..
كل ما قاله عابد بصوت بالكاد يسمع
*زوجتي لم تهرب ماتت بحادث ..
قطع مهيار حديثه بسخرية
*أه نعم حادث سيارة مؤسف والكثير من اللغو الفارغ , لقد كانت زوجتك مع أبي بسيارته , ولكن لأجل الفضائح فقد أخفينا الأمر وداراه عمي حتى لا يصل للصحافة وأخذ أحد الرجال زوجتك مدعيا أن سيارة ضربتها و غادرت مسرعة ..
*ما الذي تقوله !
همس عابد بذلك ليقف مهيار بشموخ أمامه
*الحقيقة المتأخرة الظهور ..
ودون المزيد من المراوغة واللعب قال مباشرة
*ومنذ ذلك اليوم وأنتما تحت عيناي أنت وابنتك .. ابنة تلك المرأة ستعاني ما عانته أمي ستدفع ذنب أمها ..
*لا لا لا ..
اعترض عابد لينهض من مكانه بسرعة
*زيان لا ذنب لها .. لا أنا ولا هي نعلم عما حدث شيئا .. أنا .. أنا .. لا أكاد أصدق .. لا أعلم ..
لكن مهيار الغاضب أمسكه بقوة بقبضته
*و ما الذي لم تفهمه؟
حاول عابد إبعاده و ضربه دون فائدة
*زيان لا ذنب لها .. لا ذنب لنا بشيء لا نعلم عنه شيئا ..
قربه مهيار منه أكثر ليقول أمام وجهه بقسوة
*بل ذنبها أنها ابنتها ...
و رماه بقوة ليختل توازنه فكاد يقع قبل أن يمنع نفسه بصعوبة من ذلك ..
و رفع إصبعه مهددا
*هناك أمرين أمامك .. زوجني ابنتك برضاك وأعدك أن أكون رحيما معها , أو سأفتعل لك فضيحة تجعل حتى ابنتك تتبرأ منك ..
صرخ به عابد
*أنت شيطان مجنون , ما الذي تعتقد أني سأفعله هل سأرمي لك ابنتي كما تريد أي مجنون أنت ..
لم يرد مهيار بل وقف بتحدي يوجه نحوه نظراته الحادة ..
اتجه عابد لكرسيه يرمي جسده عليه منهك العقل والقوى لا يقدر على التفكير ..
في تلك اللحظة ..
أسوأ لحظة في حياته وحياة زيان كما فكر مباشرة حين رآها تفتح الباب لتدخل كعادتها مستغربة رغم حيويتها تمازحه
*ما الأمر أبي ما كل هؤلاء الرجال هل قرر أحد رجال الحكومة الشراء من عندك؟
لم يرد والدها بل اتسعت عيناه بخوف وهو يرى مهيار يغير شكل وجهه تماما ليبتسم ابتسامة جعلت زيان تنظر له مشدوهة دون أن تبعد عينيها عنه لتقول بصوت ناعم خافت
*آسفة أبي لم أكن أعلم أن لديك ضيف ..
وقبل أن يرد عابد اتجه مهيار نحوها يمد يده ليتلقى يدها الصغيرة في كفه الضخم موضحا
*لست ضيفا بالمعنى المعروف , بل نحن معرفة قديمة .. أمي وأمك كان لهما ذات الذوق ..
ابتسمت متسائلة بفرح للخبر
*حقا كانتا كذلك ..
وجه نظرة نحو والدها ذات معنى بينما يرفع يدها ببطء لشفتيه يقبلها قبلة رقيقة جعلت وجهها يحمر ودقات قلبها تستعر وتجن لتسحبها بخجل ..
حينها تسارعت أنفاس عابد بدوره لينهض عن كرسيه ويتجه لها ليسحبها يقبلها على خدها قائلا
*أنا مشغول الآن زيان اذهبي وسأراك لاحقا ..
قلبت شفتيها الجميلتين لتقول باستياء
*أنت مشغول طوال الفترة الماضية أبي ولا مكان لزيان !
دفعها برفق نحو الباب يعدها
*اليوم يا مهجة القلب اليوم سيكون لنا تعويض ..
وقبل أن تخرج وجهت ابتسامة جميلة لمهيار تقول
*سررت بالتعرف عليك ..
هز رأسه بدوره مبتسما بينما عابد أغلق الباب خلفها وما أن استدار نحو مهيار حتى قال ضاحكا
*ابنتك هي من تعجلت , حذار أن تغضبني وإلا سأرسل ماضي زوجتك العريق لها , في ذات اللحظة التي ستكون فيها أنت أيضا قد غرقت في مصيبة ما فلا تجد مخرجا لها من غضبي ..
تنفس عابد بقوة هاتفا بقهر
*تخيرني بين نارين كلاهما الجحيم بذاته ..
التوى فك مهيار ليقول
*إنه ذات الجحيم الذي عاشته أمي ..
واقترب خطوة واحدة فقط  ليهمس له
*تذكر أنكما تحت عيوني في كل لحظة فلا تحاول اللعب , سأجعل منك عبرة للبشر لو علمت أنك فعلت شيئا دون علمي .. أريد ابنتك فارحمها واجعله برضاك وإلا فقسما بالله سآخذها من أمام عينيك وأذيقها الجحيم ألوان , تذكر أن عذابها بيدك فكما تريده تصرف ..
وبسخرية قال مغادرا
*عن إذنك عمي و شكرا للضيافة ..
ورفع أصابعه لشفتيه هامسا بلؤم وتشفي
*و شكرا للقبلة المجانية سأعتبرها شفيعا لها لاحقا ..
وغادر مغلقا الباب خلفه ...
تاركا عابد خلفه بجسد أثقلته الهموم .. لا يعرف كيف يتصرف وتلك الصور لا زالت على مكتبه ... صور زوجته .. والده .. أمه . وكأنها أشباح تحوم في المكان تصدر ضجيجا جعله ينهار أرضا صارخا
*لااااااااااا..
ما الذي عليه فعله .. كمن وضع في كفيه كفن ابنته حية هل يكفنها أم يدفنها دونه ..
كيف يرحمها ويرميها بالنار .. ولا يرحمها فيرميها في الجحيم ..
أي شيطان هو .. أي شيطان وأي مصيبة حملها القدر لابنته ..
.....................

نذر الشيطانWhere stories live. Discover now