6~| أليس في بلاد العجائب -الجزء الأول|

1.3K 167 85
                                    



بجوٍ مظلمٍ تنازل به الغيث، ها نحن بشوارع لندن نحدق بطفل في إحدى الزوايا ارتمى، يحويه ملبسٌ خفيفٌ ولأكثر مِن رثّ .

-" تعال يا صغير " نادت عليه الأخت من على باب المَيتم التابع للكنيسة ببطء، نال منه البرد مَناله وفوق ارتجافه منه إلا أن إحساسه بالخوف كان أشد بكثير، فراح ينظر بتوتر حوله مِن احتمالية رؤية احد له؛ علّه حينها يُنجي نفسه من العقاب ويختبئ .

دخلت الأخت مغلقةً الباب مِما جعله يتنهد، رغم بعض الحُزن الذي أحاط قلبه الصغير وحاول جاهداً إبعاده، تاركاً وبعد لحظات تلك المحاولات لنهش أنياب الفشل مُطلقاً لدموعه العِنان؛ مختلطةً مع بكاء السماء على حال ذاك الطفل المُزرية .

قطع لحظات بؤسه لمسةٌ دافئة " يا إلهي ساعده ! حرارتك مرتفعة، ووجهك شاحبٌ للغاية ! " احتضنته ناشرةً حوله بطانية، مع لمسها لجِلده المُتجمد تساءل لو كانت قطعةً من تلك التي يسمونها جنة .

أشربته وأطعمته، آوته حتى صحّ عوده مجدداً ولَم تتركه، رافقها بذاك المكان وهي الأخرى آنست وحدته، لدرجة نِسيانه الخطر الذي ومَع اختفائه هذا بات وبشدة ينتظره، اعتقد انه نجا، انه ومن القذارة خرج بل ولربما بأرض الأمان أخيراً قد أضحى وارتمى ! حتى أتى ذاك اليوم؛ الذي وبدون سابق إنذار، أطلقت سؤالها:" أنتَ قتلت صديقك، أليس كذلك؟! "

فتح عينيه فزعاً، عرقه يتصبب بشدة وعيناه على أقصى درجة اتسعتا، بدأ يرتجف مع انهمار مَشاهد الدماء لعقله، صياحٌ مِن حوله لحظة اكتشاف الجُثة وبكاؤه الغير مجدي لحظتها وقد تم لَومه، فيهمس بسرعة مكرراً نفس الجملة:" كانت حادثة .. حادثة فحسب .. لَم اقصد " وقد ولّى عهدها ودفن سِرها داخله ! فلماذا يتذكر؟ لماذا يُجبر هكذا على التذكر؟!

-" هوو حرارتك مُرتفعة أيها المسافر ! أتعاني مِن خطبٍ ما؟ أخشى أني وبهذه الحالة فلن يمكنني المُساعدة " تراجع بحركة تلقائية سريعة ما أن لامست يدها جبهته وقد ذكّره الموقف وبوضوح بما سبق ورأى، حملقت به باستغراب، بينما همس وبتردد :" أنا .. "

فكرت قليلاً، لتبتسم بسعادة لدى مُلامسة الفكرة لعقلها، وتخرج مِن جيبها ما مررته له قائلة:" تبدو متوتراً، خذ عَصا الحلوى هذه ! أياً كان مزاجك فبها ستُصبح وسريعاً سعيداً ! " أشاح بوجهه غير قادرٍ على التركيز مَعها، بينما اقتربت هي أكثر مع بسمة غاضبة تجسد فِعلُها في دسّ العصا وعنوة بفمه، قائلة:" هنا يا عزيزي، إياك وتجاهل أو رفض عرض أي مخلوقٍ كان، خاصةً الفتيات.. " اقتربت أكثر لتهمس ببطء بأنفاسها الباردة المقشعرة في أذنه:" فأي مِنهن كردٍ لذلك منك وببساطة ستقتات "

أرضُ العجائبحيث تعيش القصص. اكتشف الآن