تكملة || حكاية الملك يونان والحكيم رويان

1.1K 41 6
                                    

فقال: أيها الملك الجليل: قد قالت القدماء من لم ينظر في العواقب فما الدهر له بصاحب، وقد رأيت الملك على غير صواب حيث أنعم على عدوه وعلى من يطلب زوال ملكه وقد أحسن إليه وأكرمه غاية الإكرام وقربه غاية القرب، وأنا أخشى على الملك من ذلك.

فانزعج الملك وتغير لونه وقال له: من الذي تزعم أنه عدوي وأحسنت إليه؟ فقال له: أيها الملك إن كنت نائمًا فاستيقظ فأنا أشير إلى الحكيم رويان. فقال له الملك: إن هذا صديقي وهو أعز الناس عندي لأنه داواني بشيء قبضته بيدي وأبراني من مرضي الذي عجز فيه الأطباء وهو لا يوجد مثله في هذا الزمان في الدنيا غربًا وشرقاً، فكيف أنت تقول عليه هذا المقال وأنا من هذا اليوم أرتب له الجوامك والجرايات وأعمل له في كل شهر ألف دينار ولو قاسمته في ملكي وإن كان قليلًا عليه. وما أظن أنك تقول ذلك إلا حسدًا كما بلغني عن الملك يونان ذكر والله أعلم.

وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح، فقالت لها أختها: يا أختي ما أحلى حديثك وأطيبه وألذه وأعذبه فقالت لها: وأين هذا مما أحدثكم به الليلة المقبلة إن عشت وأبقاني الملك. فقال الملك في نفسه: والله لا أقتلها حتى أسمع بقية حديثها لأنه حديث عجيب.
ثم أنهم باتوا تلك الليلة متعانقين إلى الصباح. ثم خرج الملك إلى محل حكمه واحتبك الديوان فحجم وولى وأمر ونهى إلى آخر النهار، ثم انفض الديوان فدخل الملك عصره وأقبل الليل وقضى حاجته من بنت الوزير شهرزاد.

وفي الليلة الخامسة قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن الملك يونان قال لوزيره أنت داخلك الحسد من أجل هذا الحكيم فتريد أن أقتله وبعد ذلك أندم كما ندم السندباد على قتل البازي.
فقال الوزير: وكيف كان ذلك؟

(قصة سندباد مع البازي )

فقال الملك: ذكر أنه كان ملك ملوك الفرس يحب الفرجة والتنزه والصيد والقنص وكان له بازي رباه ولا يفارقه ليلًا ولا نهارًا ويبيت طوال الليل حامله على يده وإذا طلع إلى الصيد يأخذه معه وهو عامل له طاسة من الذهب معلقة في رقبته يسقيه منها.

فبينما الملك جالس وإذا بالوكيل على طير الصيد يقول: يا ملك الزمان هذا أوان الخروج إلى الصيد، فاستعد الملك للخروج وأخذ البازي على يده وساروا إلى أن وصلوا إلى واد ونصبوا شبكة الصيد إذا بغزالة وقعت في تلك الشبكة فقال الملك: كل من فاتت الغزالة من جهته قتلته، فضيقوا عليها حلقة الصيد وإذا بالغزالة أقبلت على الملك وشبت على رجليها وحطت يديها على صدرها كأنها تقبل الأرض للملك فطأطأ الملك للغزالة ففرت من فوق دماغه وراحت إلى البر.

فالتفت الملك إلى المعسكر فرآهم يتغامزون عليه،
فقال: يا وزيري ماذا يقول العساكر فقال: يقولون إنك قلت كل من فاتت الغزالة من جهته يقتل فقال الملك: وحياة رأسي لأتبعنها حتى أجيء بها،
ثم طلع الملك في أثر الغزالة ولم يزل وراءها وصار البازي يلطشها على عينها إلى أن أعماها ودوخها فسحب الملك دبوسًا وضربها فقلبها ونزل فذبحها وسلخها وعلقها في قربوس السرج. وكانت ساعة حر وكان المكان قفرًا لم يوجد فيه ماء فعطش الملك وعطش الحصان.

فالتفت الملك فرأى شجرة ينزل منها ماء مثل السمن، وكان الملك لابسًا في كفه جلدًا فأخذ الطاسة في قبة البازي وملأها من ذلك الماء ووضع الماء قدامه وإذا بالبازي لطش الطاسة فقلبها، فأخذ الملك الطاسة ثانياً، وملأها وظن أن البازي عطشان فوضعها قدامه فلطشها ثانيًا وقلبها فغضب الملك من البازي وأخذ الطاسة ثالثًا وقدمها للحصان فقلبها البازي بجناحه فقال الملك الله يخيبك يا أشأم الطيور وأحرمتني من الشرب وأحرمت نفسك وأحرمت الحصان ثم ضرب البازي بالسيف فرمى أجنحته.

فصار البازي يقيم رأسه ويقول بالإشارة انظر الذي فوق الشجرة فرفع الملك عينه فرأى فوق الشجرة حية والذي يسيل سمها فندم الملك على قص أجنحة البازي ثم قام وركب حصانه وسار ومعه الغزالة حتى وصل الملك على الكرسي والبازي على يده فشهق البازي
ومات فصاح الملك حزنًا وأسفًا على قتل البازي، حيث خلصه من الهلاك، هذا ما كان من حديث الملك السندباد.

فلما سمع الوزير كلام الملك يونان قال له: أيها الملك العظيم الشأن وما الذي فعلته من الضرورة ورأيت منه سوء إنما فعل معك هذا شفقة عليك وستعلم صحة ذلك فإن قبلت مني نجوت وإلا هلكت كما هلك وزير كان احتال على ابن ملك من الملوك، وكان لذلك الملك ولد مولع بالصيد والقنص وكان له وزيراً، فأمر الملك ذلك الوزير أن يكون مع ابنه أينما توجه فخرج يومًا من الأيام، إلى الصيد والقنص وخرج معه وزير أبيه فسارا جميعًا فنظر إلى وحش كبير فقال الوزير لابن الملك دونك هذا الوحش فاطلبه فقصده ابن الملك، حتى غاب عن العين وغاب عنه الوحش في البرية،
وتحير ابن الملك فلم يعرف أين يذهب وإذا بجارية على رأس الطريق وهي تبكي فقال لها ابن الملك من أنت: قال بنت ملك من ملوك الهند وكنت في البرية فأدركني النعاس، فوقعت من فوق الدابة ولم أعلم بنفسي فصرت حائرة.

فلما سمع ابن الملك كلامها رق لحالها وحملها على ظهر جابته وأردفها وسار حتى مر بجزيرة فقالت له الجارية: يا سيد أريد أن أزيل ضرورة فأنزلها إلى الجزيرة ثم تعوقت فاستبطأها فدخل خلفها وهي لا تعلم به، فإذا هي غولة وهي تقول لأولادها يا أولادي قد أتيتكم اليوم بغلام سمين فقالوا لها أتينا به يا أمنا نأكله في بطوننا.

فلما سمع ابن الملك كلامهم أيقن بالهلاك وارتعدت فرائصه وخشي على نفسه ورجع فخرجت الغولة فرأته كالخائف الوجل وهو يرتعد فقالت له: ما بالك خائفاً، فقال لها أن لي عدواً، وأنا خائف منه فقالت الغولة إنك تقول أنا ابن الملك قال لها نعم، قالت له مالك لا تعطي عدوك شيئًا من المال، فترضيه به، فقال لها أنه لا يرضى بمال ولا يرضى إلا بالروح وأنا خائف منه، وأنا رجل مظلوم فقالت له: إن كنت مظلومًا كما تزعم فاستعن بالله عليه بأنه يكفيك شره وشر جميع ما تخافه.

فرفع ابن الملك رأسه إلى السماء وقال: يا من يجيب دعوة المضطر، إذا دعاه ويكشف السوء انصرني على عدوي واصرفه عني، إنك على ما تشاء قدير فلما سمعت الغولة دعاءه، انصرفت عنه وانصرف ابن الملك إلى أبيه، وحدثه بحديث الوزير وأنت أيها الملك متى آمنت لهذا الحكيم قتلك أقبح القتلات، وإن كنت أحسنت إليه وقربته منك فإنه يدبر في هلاكك، أما ترى أنه أبرأك من المرض من ظاهر الجسد بشيء أمسكته بيدك، فلا تأمن أن يهلكك بشيء تمسكه أيضاً.

فقال الملك يونان: صدقت فقد يكون كما ذكرت أيها الوزير الناصح، فلعل هذا الحكيم أتى جاسوسًا في طلب هلاكي، وإذا كان أبرأني بشيء أمسكته بيدي فإنه يقدر أن يهلكني بشيء أشمه

الف ليلة وليلة || الجزء الاول Unde poveștirile trăiesc. Descoperă acum