سجينة مع الثيران

5.5K 136 10
                                    


كانت حقيبتها ترتطم بساقيها وهي تهرع راكضة على الدرب المنحدر. الليل معتم جدا، فلا بيوت مضاءة ولانجوم في السماء المغطاة بالغيوم . وبدأت تمطر، رذاذا ناعما مسمرا، مالبث ان غرق شعرها وتسلل الى جسمها من خلال ثيابها الصيفية الرقيقة. اضطرت اخيرا الى التوقف والتقاط انفاسها . فعندا خفقان قلبها ولهاثها لم تسمع سوى تساقط المطر على اوراق شجر الاوكالتبوس وخرير المياه وهي تتدق على الارض كما البرك ييدو ان لا احد لحق بها.
وعادت عبارة خوان تطرق جوانب ذهنها وتقلص شفتيها "لم اركض وراء اية امرأة في حياتي". انه مغرور مسيطر، ومئات المعجبين افسدوا اخلاقه بتملقهم لبطولاته. يجب ان تشعر بالسرور لانه لم يكسر هذه القاعدة ويجري وراءها هي.
نقلت حقيبتها الى يدها اليسرى وتابعت سيرها. لاداعي للركض ما دام ليس هناك من يلحق بها. كم تبعد ايبارا؟ حوالي عشرة كيلومترات. ما كان يجب ان تختار هذا الفصل الكولومبي الماطر، كما يسمون الشتاء هنا،لتسير في الليل بصندل مفتوح وبلا معطف واق من المطر. لابج انها مصابة بالجنون نفسه الذي اتهمت خوان به.
ليتها اصغت الى مونيكا الاكبر سنا منها واتعظت بتجربتها! لماذا اصرت على المجئ؟ لانها وثقت بصدق رجل عرفته باسم دومينغو، واعتقد حقا انه سوف يساعدها في استرجاع وظيفتها. لكنها اكتشفت انه ما اراد اصلاح الامور الا ليحصل على مأرب خاص يستفيد منه وحده. وسرعان ما اختفت الاشجار اذ وصلت الى نهاية الدرب المتصل بالطريق العام. لكن، ايا من الاتجاهين يجب ان تسلك الى ابيارا، الايمين ام الايسر؟ اجتاحها الذعر لما وعت جهلها للاتجاه الذي سلكه بانشو الى المزرعه. ينبغي ان تتابع سيرها وتجازف بسلوك الاتجاه الايسر ، على امل ان تلتقي سيارة على الطريق يوصلها السائق الى ايبارا. بعد ان قطعت مسافة قصيرة سمعت فجأة هدير محرك وراءها مالبث ان تبعه حفيف دواليب على الطريق المبتلة ورأت المطر يتوهج في ضوء مصباحين اماميين. استدرات بتفاؤل فسقط الضوء عليها مباشرة. مرت بها السيارة على مهل ثم قفزت سوريل بفرح حين اتضح انها الشاحنة نفسها التي ركبتها ذلك العصر الى جواربانشو، توقفت على مقربة منها، فهرولت صوبها وهي متأكدة ان بانشو الودود سيوصلها الى ايبارا.
وما ان وصلت باب الشاحنة الخاص بالركاب حتى انفتح من الداخل امعنت النظر فطالعتها قبعة عريضة الاطراف كالتي كانت على رأس بانشو سألت بحذر:
-بانشو؟
-هه؟
-اذاهب انت الى ايبارا؟
-نعم
وضعت حقيبتها على منتصف المقعد وصعدت الى الشاحنة الدافئة ثم اقفلت الباب وغمغمت:
-الحمدلله . كم انا مسرورة لرؤيتك.
لم يجبها، لكنها ادار المحرك وتقدم قليلا ،وفجأة رعقت الدواليب حين قام بدورة كاملة على الطريق وانطلق في الاتجاة المعاكس.
ارتجفت سوريل برغم الدفء وهتفت:
-الم اكن اسير على الطريق الصحيح؟
فأجابها صوت مألوف:
-لا اظن ذلك.
-اوه، انت! اعتقد انه لاجدوى من الامل بان تتصرف بشهامة وتوصلني الى ابيارا؟
-اجل ، لاجدوى هناك، فليس من الشهامة ، في نظري، ان اوصلك اليها والقيك في ذلك الفندق المتداعي. سوف تبيتين الليلة في بيتي على الرحب والسعه.ان اقل شيء يمكنني فعله هو ان اقدم لك منزلي حين لا تجدين مكانا اخر تذهبين اليه.
-هل تأخذني غدا الى ابيارا اذا وافقت على المبيت؟
-غدا؟هل تتوقعين فعلا ان يخطط اي كولومبي لوقت بعيد كهذا؟ من يدري ماقد يحدث من بقائك معي هذه الليلة. ليس امامك خيار اخر.
وهنا انعطفا على الدرب المؤدي الى البيت، ولما توقفت الشاحنة في الفناء ظلت سوريل تجلس ساكنة حتى انفتح بابها على اتساعه وسألها خوان بصوت حازم:
-هل ستأتين ام ستضطرينني الى جرك وادخالك البيت محمولة على كتفي؟
هبطت الى ارض الفناء فصقف باب الشاحنة وقادها من ذراعها صوب الباب الامامي الذي انفتح بهدوء لدى اقترابهما من قبل المرأة الضئيلة السوداء التي جاءت لسوريل بالقهوة قبل ساعات. ازاح خوان قبعته ونزع عباءته الصوفية المخططة بالاسود والقرمزي ثم نظر الى سوريل وهتف:
-يالهي! ثيابك تقطر ماء! اذهبي مع جوفيتا لتدلك الى مكان الاستحمام.
كان جسمها بأكمله في حاجة ماسة الى حمام ساخن، ولذا سارت طوعا خلف المرأة الهزيلة التي قادتها عبر رواق مضاء الى غرفة فسيحة مؤثثه بسرير مزدوج له اربعة قوائم مجللة بستائر دمقسية بلون العاج والذهب، وبطاولة زينة ضخمة ذات مرآة كبيرة تحتل القسم الكبر من الجدار الملصقه به.
السجادة قرمزية سميكة، والنافذتانالضيقتان تتهدل عليهما ستائر عاجية شفافة، مزدانة الاطراف بكشاكش ومحاطة بجلالات ثقيلة مقصبة. فتحت جوفيتا بابا اخر ولجته واختفت وراءه، فسمعت سوريل صوت ماء يتدقف من حنفية. بعد لحظات عادت العجوز تحمل على ذراعها رداء طويلا، مطرزا بقصب قرمزي واسود. قالت لسوريل:
-انزعي ثيابك المبللة ياسنيوريتا. لقد جئتك بهذا الرداء لتلبسيه بعد الاستحمام.
وضعته بعناية على السرير ثم عاد الى الحمام. خلعت سوريل تنورتها المبللة، فخامة الغرفة اصابتها بصدمة بسيطة، كما ان جود ديكور انثوي كهذا في منزل رجل عازب اثار فيها ظنونا عديدة. هل تراها صممت واثثت خصيصا من اجل انيز؟التقطت الرداء عن سرير. حجمه اكبر بكثير من حجمها وليس لديها اي شك في هوية صاحبة لبسته وقربت فتحتيه الطويلتين من بعضهما البعض على صدرها ثم عقدت الحزام المخملي الاسود حول خصرها بالحكام وهي تفكر في روعه الرداء البربرية والمشابهه لشخصية صاحبه. وقفت جوفيتا على عتبة الحمام وقالت:
-سنيوريتا، الحمام جاهز، تفضلي.
شهقت سوريل لروعة الحمام اذ كان حلما جماليا آخر، كله مرايا وبلاطة عاجي موشي بلمسات قرمزية وسوداء ساحرة الى درجة الخيال! المغطس من الرخام الاسود، مستدير وغارق في الارض، وكان مفعما برغوة عاجية
-والان ادخلي المغطس ياسنيوريتا.
ثم بادرت الى فك الحزام من حول خصرها، فتراجعت سوريل وقالت محتجه:
-كلا، ليس قبل ان تخرجي من الحمام.
-لن اخرج سأبقى هنا لاساعدك.سأغسل ظهرك وشعرك كي تبدي اكثر جمالا.
ابتسمت المرأة فجأة، مظهر اسنانا معافاة، واردفت:
-هذا ما افعله دائما للسنيورا انيز.
-لا.لاشكرا. سأتدبر اموري بنفسي.
فأجابت جوفيتا بلهجة تملق فجائية:
-لكن السينور خوان اوصاني بالاعتناء بك وبتأمين راحتك اثناء اقامتك معنا، وسيغضب مني ان خالفت اوامره
ردت سوريل بعناد:
-سوف استحم واغسل شعري بنفسي، واذا حاسبك السينور رينالد! على تقصيرك اخبريه عن لساني انني افضل الاعتناء بأموري الشخصية.
احدثت كلماتها الحازمة الاثر المطلوب اذ امتثلت جوفيتا لطلبها وغادرت الحمام بالرغم من القلق البداي على وجهها. اغلقت سوريل الباب بعد خروجها ثم نزعت الرداء ونزلت الى المغطس محترقه الفقاقيع المتألقه.
ازدحمت الرغوة حولها وانعش الماء الدافئ جلدها الرطب. القت نظرة جانبية على المريا فلم تر من جسمها سوى كتفيها العاريتين وعنقها الطويل ووجهها المحاط بشعر لاصق مبلل. كان هناك خرطوم ومرشة من الكروم فاستعانت بالمرشة على غسل شعرها بالشامبو.
جففت جسمها بسرعة ونفضت شعرها الناشف جزئيا ثم لبست الرداء المقصب ودخلت غرفة النوم. هذه الليلة يجب ان تقوم بمحاولة هرب اخرى، قبل ان تواجه مصارع الثيران مجددا. لقد استطاع ان بعذبها في الساعتين الاخيرتين، والله وحده يعلم مايخبء لها في الجولة الثانية، ولذا يجب ان ترحل قبل ان تبدا.
وفي غرفة النوم وجدت جوفيتا تنتظرها بصبر، فسألها بسرعة:
-اين ثيابي؟
-اخذتها لتغسل. كانت مغمسة بالماء ولايمكنك ارتداؤها.
-لكن لا استطيع ان البس هذا طوال الوقت . انه واسع جدا. انظري بينت لها الفتحة الواسعه على صدرها وتابعت:
-تركت حقيبتي في الشاحنى وهي تحوي ثيابا اخرى. هل لك ان تحضريها لي من فضلك؟
هزت جوفيتا رأسها نفيا وقالت:
-لا علم لي بأية حقيبة . تعالي سنيوريتا هنا امام المرآة لاجفف شعرك واسرحه.
تمالكت سوريل اعصابها وجلست على الكرسي المبطن امام طاولة الزينة. خطر لها انها قد تحصل من المرآة على تعاون اكبر ان هي طاوعتها، وهكذا راحت تراقب انعكاس يديها المجعدتين وهما تفركان شعرها بالمنشفه. هنا كانت تجلس انيز ونساء عديدات من قبلها... وفجأة احست بغيرة عنيفه غير معقولة فعبست متوجعه. بدا الاهتمام على وجه العجوز الشبيه بوجه قرد حزين وسألتها:
-هل آلمتك سينوريتا؟
-لا. كنت اتساءل فقط عن صاحبة هذه الغرفة.
-كانت تخص السنيورا.
-سنيورا انيز؟
-كلا ، السينورا جوان زوجة السنيور رودريغو، والدة السنيور خوان.
لطالما جففت لها شعرها كما فعل الان معك. كانت طويلة ، شقراء الشعر ذهبية البشرة، عطوفة وذات ابتسامة دائمة. كانت تركب الخيول كما الرجل وتصارع الثيران ايضا. جميعنا بكيناها كالاطفال عندما قتلت.
-قتلت؟ كيف؟
- كانت تروض حصانا لكنه القاها ارضا فكسر عنقها.
-ياللفظاعه!
-اجل السنيور رودريغو اصيب وقتها بصدمة هائلة لم يشف منها ابدا كان يكبرها كثيرا بالسن، بحوالي عشرين عاما ، وقد تزوجا متأخرين ،اي عندما تقاعج هو عن مصارعة الثيران. ابتاعا معا هذه المزرعة ونصرفا الى تربية الثيران الصغيرة الصالحة للمصارعة. كانت عائلة السنيورا جوان تملك مزرعه كبيرة في كاليفورينا ولذا تعلمت الكثير في ادارة المزارع والان ، هل افرشي شعرك ليبدو لامعا كالحرير؟
ضربات الفرشاة اللطيفة والطويلة راحت اعاب سوريل فاسترخت على الرغم منها مستمتعه بما يحيط بها من ترف غير معتاد واحست برغبة في معرفة المزيد عن عائلة رينالدا الساحر فسألت العجوز:
-منذ كم تعملين هنا يا جوفيتا ؟
-منذ ولادة السنيور خوان . جئت كمربية خاصة له . كنت احممه ، البسه ثيابه ،آخذه في نزهات واضعه في الفراش . فعلت الشيء نفسه مع اخيه الاصغر . وبعد مقتل السيدة جوان بقيت لأساعد السنيور رودريغو الذي وقع فريسة مرض شديد والى ان توفي قبل سبع سنوات . بعد ذلك ذهبت لاعيش مع اختي في ايبارا ، لكن عندما اصيب السنيور خوان في تلك المصارعة الاخيرة ، رجعت لاعتني به . شفاؤه استغرق وقتاً طويلاً ، وبعد ان التأمت جراحه تغيرت طباعه.
هزت العجوز رأسها الشائب بحزن فسألتها سوريل :
-كيف تغيرت ؟
-بدا الأمر كأن خوان رينالدا الذي كنا نعرفه جيداً ، قد مات فجأة وان روحاً اخرى احتلت جسمه . لقد فقد حماسته السابقة . ورفض ان يرى اياً من اصدقائه القدامى ، والتزم المزرعة طوال الوقت .
-اتظنين انه فقد شجاعته ؟
-على مصارعة الثيران ؟ لا اظن ذلك لأنه استمر يصارعها هنا ليعلم بيدرو، وبعض الشبان الآخرين ، كيف يصبحون مصارعين . لكن انعزاله عن الناس و العالم اساء كثيراً الى نفسيته ، وقد فرحت جداً عندما جاء السنيور كورتيس و اقنعه بان يرافقه لحضور افتتاح مركز جديد للتزلج . ومن حينها ، بدأ يمارس هذه الرياضة بكثرة ، والآن عاد اليه اهتمامه بالمصارعة .
امسكت بثنايا شعر سوريل الكثيفة وسألتها وهي تلفها على رأسها كالتاج :
-اتحبين ان اسرح شعرك هكذا ؟ كثيراً ما كنت اسرح شعر السنيورا انيز بهذه الطريقة .
فأجابت سوريل بحدة :
-كلا ، شكراً!
فمع ان هذه التسريحة العالية تضفي عليها اناقة رصينة الاّ ان معرفتها بان انيز كانت تصفف شعرها هكذا جعلتها تنفر منها بشدة . وتابعت بصوت الطف :
-احبه ان ينسدل طويلاً مع فرق في الوسط.
صففته جوفيتا كما طلبت ، و قالت :
-والآن ، هل انت مستعدة لتناول العشاء مع السنيور خوان ؟
-ليس تماماً ، اريد الاتيان بحقيبتي من الشاحنة . لا يمكنني الجلوس معه بهذا الشكل .
تخيلت ما سيكون عليه الوضع اذا جلست قبالة خوان و راجت نظراته تتلكأ على كل ما تكشفه فتحة الرداء الواسعة ، واردفت :
-يجب ان ارتدي لباساً لائقاً قبل مشاركته العشاء . يمكنك ان تنقلي اليه كلامي اذا شئت .
فومض في عيني العجوز بريق مرح حليم لكنها لم تقل شيئاً . وهنا استدارت سوريل اليها و قالت متوسلة :
-ارجوك ، يا جوفيتا ، اطلبي الى السنيور خوان ان يحضر لي حقيبتي من الشاحنة . لقد تركتها على المقعد وهو يعرف شكلها .
فأومأت جوفيتا و غادرت الغرفة ، فيما اتخذت سوريل تتجول فيها . فتحت الخزانات فوجدتها خالية من الثياب كذلك لم تجد شيئاً في ادراج طاولة الزينة ولا في ادراج الخزانة المرافقة لها و المصنوعة مثلها من خشب الورد . ليس هناك اثر للمرأة التي احتلت الغرفة حتى صباح اليوم ، مما حملها على الاقتناع التدريجي بان انيز لم تستعملها ابداً . ولسبب غريب ما ، ارتاحت بعض الشيء انما ظلت توجس شراً من ان يكون خوان قد اختارها لتحتل مكان امرأة اخرى . جلست امام المرآة تتفحص مظهرها بعين ناقدة . الفتحة المخملية السوداء تبرز جلدها الناعم بلون الكريم ، وشعرها المسرح النظيف يشع كما الياقوت في اضواء الغرفة الخافتة . صوت عند الباب جعلها تستدير بتحفز لكنها رأت جوفيتا تعود بصينية محملة باطباق طعام ، وضعتها امام سوريل على طاولة الزينة و قالت :
-جئتك بالعشاء لكونك تخجلين من الظهور في غرفة الطعام في هذا الرداء. لديك يخنة بلحم العجل . قليل من سلطة الافوكاته ، و بعض فطائر السكر وكوب من عصير المانغا . كلي جيداً سنيوريتا.
تفهم المربية العجوز اشعر سوريل بود نحوها فشكرتها بمحبة وبدا الطعام شهياً برائحته و شكله . لكن جوفيتا كانت ستخرج بدون ان تذكر الحقيبة ، فاستوقفتها سوريل قائلة :
-لحظة من فضلك . الم تسألي عن حقيبتي ؟
-لم اقدر ان آتيك بها ، فشخص ما اخذ الشاحنة مع الحقيبة لكن السنيور خوان قال انه سيسلمك اياها غداً . الآن تناولي طعامك اللذيذ وسأعود لاحقاً لأخذ الصينية .
اذن ، هو لن يدعها تسترجع ثيابها . عصفت الظنون برأسها وهي تأكل الطعام الشهي ، وقررت ان تطلب الى جوفيتا ان تأخذها الى خوان رينالدا كي تحسم الموضوع نهائياً ، لكن حين عادت جوفيتا وطلبت اليها ذلك هزت المرأة رأسها و قالت :
-آسفة ، سنيوريتا ، فالسنيور خوان خارج البيت .
تقدمت من السرير ، فأزاحت غطاءه الدمقسي وطوته باتقان و قالت :
-يمكنك ان تنامي وقتما تشائين . أتوقع ان يأتي السنيور خوان لرؤيتك حين يعود . هل تريدين شيئاً آخر لاجلبه لك ؟
القت سوريل نظرة سريعة و مرتبكة على السرير و قالت متلعثمة :
-انا ... لا ، شكراً هل تعلمين موعد عودته ؟
-كلا . لم يعلمني به .
-اتعرفين اين ذهب ؟
-لا . سأذهب الآن اذا سمحت . تصبحين على خير .
-وانت ايضاً.
بعد خروج المربية ، جلست سوريل تفكر كيف ان محاولتها الثانية للهرب من المزرعة قد فشلت قبل ان تبدأ حتى بتنفيذها . فهي بدون ثياب مناسبة لا يمكنها ان تقطع رحلة عشوائية في الريف ، وحتى لو استطاعت الوصول الى ايبارا فليس لديها مال و لا اوراق من اي نوع تثبت هويتها .
كلها كانت في حقيبة يدها التي بقيت في الشاحنة مع الحقيبة الاخرى . وفيما هي جالسة تفكر احست فجأة بالصمت المخيم على البيت . اين يمكنها ان تجد بعض الثياب ؟ برقت الخاطرة في ذهنها و جعلتها تستقيم في جلستها .
وجاءها الجواب بسرعة . ستجدها في غرفة خوان ... قميص و بنطلون يخصانه لكن يجب اولاً ان تجد غرفته . نهضت وسارت الى الباب . ادارت المقبض وجذبته لكن الباب ظل مغلقاً بعناد . عادت تجذبه مرة تلو المرة لظنها انه يحتاج قوة اكبر لفتحه حتى تأكدت اخيراً انه مقفل من الخارج .
انحنت بسرعة ونظرت من ثقبه . لم يكن فيه مفتاح!
قفز الغضب منها كألسنة اللهب واضطرت الى التعبير عنه باحتجاج عنيف...طرحت نفسها على الباب وراحت تطرق خشبه بقبضتيها وتزعق باعلى صوتها ، حتى تقطعت انفاسها . ثم الصقت اذنها بالثقب علها تسمع وقع اقدام في الممر لكنها سمعت فقط ضربات قلبها المذعور.
استدارت تبحث في الغرفة عن طريقة للهرب . سارت الى النافذتين وازاحت الستائر الشفافة جانباً . كانت النافذتان ضيقتين ووراءهما فتحتان عميقتان . نظرت من خلال الزجاج فاستطاعت ان تميز اشكال قضبان حديدية تغطيهما من الخارج . حتى لو استطاعت فتح احدى النافذتين فلن تتمكن من اختراق هذه القضبان التي تجعل الغرفة اشبه بزنزانة سجن.
اطلقت هتاف خيبة وغضب ومشت بعزم الى الحمام . ليس فيه نافذة انما يوجد باب آخر . سارت اليه تدير قبضته وتجذبها ... بقي مغلقاً ايضاً ولم تجد مفتاحاً في ثقبه . لعنة الله عليه! لقد نفذ ماهدد بفعله : اخذ ثيابها المبتلة و الجافة التي في الحقيبة ، وسجنها في غرفة ليس فيها اي منفذ للهرب .
لابد انه مجنون! لايمكتن ان يكون هناك تعليل آخر لتصرفه الغريب هذا .
الم تقل جوفيتا ان خوان رينالدا الحقيقي قد مات ، وان روحاً اخرى احتلت جسمه بعد تلك المصارعة التي انتهت بجراح بالغة ؟ هل هذه طريقة اخرى للقول انه بات مخبولاً؟
الساعة الاثرية الصغيرة على طاولة الزينة ارسلت طنيناً موسيقياً اعلمها ان الوقت بلغ العاشرة ليلاً . تثاءبت وتمطت . كان يوماً حافلاً و السرير المريح يدعوها اليه . نهضت واقفة حيث نزعت الرداء و القته على الكرسي واندست بين الشراشف الحريرية الناعمة التي لامست جلدها برقة منعشة .

روايات احلام / مصارع الثيرانحيث تعيش القصص. اكتشف الآن