من قلب الظلام...

375 22 18
                                    


...

المطر يهطل بغزارة لا شيء يُسمَع سوى صوت ارتطامه القوي بالأرض، يَدعسّ على الوحل بحذائه البنيّ المُتسِخ، يترنح الخطا نحو الباب الخشبي الضخم ليرمي بالحقيبة البنية على الأرض المبتلة ويدخل يده إلى جيب معطفه الأسود الطويل مُخرجًا لرزمة من المفاتيح ويبدأ رحلة البحث فيها عن المفتاح الصحيح، وبعد وقت ليس بالقليل نجح في فتح الباب الذي ما إن دفعه حتى أطلق صوت صرير عالٍ زاد من رهبة الموقف، بالفعل بدت كما وصفها له الجميع، تلك الڤيلا الغامضة بخسّة الثمن تليق كمنزلٍ للأرواح البائِسة التي لم تستطع أن تغادر هذا العالم لغِلٍ في نفسها أو كمنزل لأحد السفاحين المشهورين.

أما هو رغم معرفته التامة انه ليس هذا أو ذاك فضل العيش هنا والقبول بذلك العرض المريب فأوضاعه الماديَّة ليست في أحسن حال فعندما يفقد المرء مصدر رزقه في حادث سيارةٍ غير متوقع، وعلى إثره يطرد من عمله يصبح العيش مع الأشباح نوعٌ من الرفاهية.

في العادة يبدأ الشخص العادي بتوضيب أغراضه لكنه لم يملك شيئًا سوى تلك الحقيبة الملقية خارجًا والتي لم يهتم بها كثيرًا علمًا أن لا سارق سيفكر بأخذها هذا وإن افترضنا أن هنالك أحد قد يتجرَأ على عبور السور الحديدي الفاصل بين هذه الڤيلا والغابة المظلمة أمامها، فلا خيار أمامك سوى العبور من خلالها إن أردت الذهاب إلى المدينة الصغيرة في نهاية هذا الطريق، كان هذا المكان المهجور محاطًا بالعلامات التحذيرية التي تُنذِر بالشر، رغم ذلك تجاهلها كلها وتوغّل.

ترك حذاؤه المبتل أثرًا على الرخام الحجري بينما شقَّ طريقه نحو المطبخ دون أن يهتم برفع قابس الأمان عن المفتاح الكهربائِي لتعمل الأضواء، واكتفى بالضوء الخافِت المُنبعِث من شاشة هاتفه ولا بد أن قراره هذه أتى من علمه المسبق لإنقطاع التيّار عن هذه المنطقة، حَمَلق حوله مدة من الزمن كانت كفيلة ليحفظ أماكن الأشياء ويتعرف على ماهيّة بعضها، بالتأكيد جذبته الثلاجة الضخمة في الحجرة الخلفية للمطبخ، كانت كبيرة جدًا كالتي تستخدم في الفنادق الفاخرة والمطاعم ذات الجودة الرفيعة، ثوانٍ ليغلق الباب ويبدأ بفتح بعض الخزانات عشوائيًا قبل أن يعود للخلف حين قفز شيء ما على وجهه بسرعةٍ خاطفة ليترنح ويهوي، إلا أنه استطاع الإمساك بطرف الخزانة في اللحظة الاخيرة ولو لم يفعل لحتمًا ضرب رأسه بطرف الأدراج الحاد، لم يفقده الموقف جمود أعصابه وتابع البحث في الظلام عن هاتفه الذي سقط بعيدًا ثم اِنطفَّأ.

وجده بعد عدة دقائق تحت الطاولة المستطيلة التي توسطت المكان وبدت ملائمة لتجهيز الولائم الفاخرة، هذا ما جال في خاطره لينتبه بعدها للقطرات القرمزيَّة التي تلطخ الرخام، الفزع شعور طبيعي سيدب في أوصال أي منّا ولكنه تابع النظر للأمر بموضوعية بحتة، الألم في رأسه وهذه الدماء لهما علاقة وطيدة ببعضهما البعض، لا بد أنه أغضب قطة تظن أنها صاحبة المنزل وعندما تعدى على ممتلكاتها تركت أثرها على وجهه وهذا اللون الأحمر ليس سوى دليلٍ على ذلك.

من باب الرعب...Where stories live. Discover now